وَكَيْف دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا | قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ | أَيْ خَائِفُونَ وَقَدْ ذَكَرَ سَبَب خَوْفه مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَيْدِيهمْ لَا تَصِل إِلَى مَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ الضِّيَافَة وَهُوَ الْعِجْل السَّمِين الْحَنِيذ .
| قَالُوا لَا تَوْجَل | أَيْ لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ | بِغُلَامٍ عَلِيم | أَيْ إِسْحَاق | كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة هُود .
ثُمَّ | قَالَ : < مُتَعَجِّبًا مِنْ كِبَره وَكِبَر زَوْجَته وَمُتَحَقِّقًا لِلْوَعْدِ > أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَر فَبِمَ تُبَشِّرُونِ | فَأَجَابُوهُ مُؤَكِّدِينَ لِمَا بَشَّرُوهُ بِهِ تَحْقِيقًا وَبِشَارَة بَعْد بِشَارَة .
| قَالُوا بَشَّرْنَاك بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ | وَقَرَأَ بَعْضهمْ الْقَنِطِينَ .
فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ يَقْنَط وَلَكِنْ يَرْجُو مِنْ اللَّه الْوَلَد وَإِنْ كَانَ قَدْ كَبِرَ وَأَسَنَّتْ اِمْرَأَته فَإِنَّهُ يَعْلَم مِنْ قُدْرَة اللَّه وَرَحْمَته مَا هُوَ أَبْلَغ مِنْ ذَلِكَ .
يَقُول تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْع وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى إنَّهُ شَرَعَ يَسْأَلهُمْ عَمَّا جَاءُوا لَهُ .
فَقَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ | يَعْنُونَ قَوْم لُوط .
وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ سَيُنَجُّونَ آل لُوط مِنْ بَيْنهمْ .
إِلَّا اِمْرَأَته فَإِنَّهَا مِنْ الْهَالِكِينَ وَلِهَذَا قَالُوا | إِلَّا اِمْرَأَته قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ | أَيْ الْبَاقِينَ الْمُهْلَكِينَ .
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ لُوط لَمَّا جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة فِي صُورَة شَبَاب حِسَان الْوُجُوه فَدَخَلُوا عَلَيْهِ دَاره .
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْم مُنْكَرُونَ .
| قَالُوا بَلْ جِئْنَاك بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ | يَعْنُونَ بِعَذَابِهِمْ وَهَلَاكهمْ وَدَمَارهمْ الَّذِي كَانُوا يَشُكُّونَ فِي وُقُوعه بِهِمْ وَحُلُوله بِسَاحَتِهِمْ .
| وَأَتَيْنَاك بِالْحَقِّ| كَقَوْله تَعَالَى : { مَا نُنَزِّل الْمَلَائِكَة إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَوْله | وَإِنَّا لَصَادِقُونَ | تَأْكِيد لِخَبَرِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ مِنْ نَجَاته وَإِهْلَاك قَوْمه .
يَذْكُر تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَة أَنَّهُمْ أَمَرُوهُ أَنْ يَسْرِي بِأَهْلِهِ بَعْد مُضِيّ جَانِب مِنْ اللَّيْل وَأَنْ يَكُون لُوط عَلَيْهِ السَّلَام يَمْشِي وَرَاءَهُمْ لِيَكُونَ أَحْفَظ لَهُمْ وَهَكَذَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الْغَزْو إِنَّمَا يَكُون سَاقَة يُزْجِي الضَّعِيف وَيَحْمِل الْمُنْقَطِع وَقَوْله | وَلَا يَلْتَفِت مِنْكُمْ أَحَد | أَيْ إِذَا سَمِعْتُمْ الصَّيْحَة بِالْقَوْمِ فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِمْ وَذَرُوهُمْ فِيمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب وَالنَّكَال | وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ | كَأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ يَهْدِيهِمْ السَّبِيل .
| وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْر | أَيْ تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا | أَنَّ دَابِر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع مُصْبِحِينَ | أَيْ وَقْت الصَّبَاح كَقَوْلِهِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى | إِنَّ مَوْعِدهمْ الصُّبْح أَلَيْسَ الصُّبْح بِقَرِيبٍ | .
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ مَجِيء قَوْم لُوط لَمَّا عَلِمُوا بِأَضْيَافِهِ وَصَبَاحَة وُجُوههمْ وَأَنَّهُمْ جَاءُوا مُسْتَبْشِرِينَ بِهِمْ فَرِحِينَ .
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّه وَلَا تُخْزُونِ | وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ لَهُمْ قَبْل أَنْ يَعْلَم بِأَنَّهُمْ رُسُل اللَّه كَمَا قَالَ فِي سُورَة هُود وَأَمَّا هَهُنَا فَتَقَدَّمَ ذِكْر أَنَّهُمْ رُسُل اللَّه وَعَطَفَ ذِكْر مَجِيء قَوْمه وَمُحَاجَّته لَهُمْ وَلَكِنَّ الْوَاو لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب وَلَا سِيَّمَا إِذَا دَلَّ دَلِيل عَلَى خِلَافه .
وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ لَهُمْ قَبْل أَنْ يَعْلَم بِأَنَّهُمْ رُسُل اللَّه .
فَقَالُوا لَهُ مُجِيبِينَ| أَوَلَمْ نَنْهَك عَنْ الْعَالَمِينَ | أَيْ أَوَمَا نَهَيْنَاك أَنْ تُضَيِّف أَحَدًا ؟ .