أَيْ لِلْعَذَابِ يَوْم الْحِسَاب .
أَيْ الْمُوَحِّدِينَ مِنْهُمْ وَهَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع مِنْ مُثْبَت .
أَيْ ثَنَاء جَمِيلًا.
كَمَا يُقَال فِي إِسْمَاعِيل إِسْمَاعِين وَهِيَ لُغَة بَنِي أَسَد وَأَنْشَدَ بَعْض بَنِي تَمِيم فِي ضَبّ صَادَهُ :
يَقُول رَبُّ السُّوقِ لَمَّا جِينَا .......... هَذَا وَرَبِّ الْبَيْتِ إِسْرَائِينَا
وَيُقَال مِيكَال وَمِيكَائِيل وَمِيكَائِين وَإِبْرَاهِيم وَإِبْرَاهَام وَإِسْرَائِيل وَإِسْرَائِين وَطُور سَيْنَاء وَطُور سِينِينَ وَهُوَ مَوْضِع وَاحِد وَكُلّ هَذَا سَائِغ وَقَرَأَ آخَرُونَ | سَلَام عَلَى إِدْرَاسِين | وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ آخَرُونَ | سَلَام عَلَى آلِ يَاسِين | يَعْنِي آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْله تَعَالَى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادنَا الْمُؤْمِنِينَ } قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيره وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
وَقَوْله تَعَالَى : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادنَا الْمُؤْمِنِينَ } قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيره وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ عَبْده وَرَسُوله لُوط رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمه .
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ بَيْن أَظْهُرِهِمْ هُوَ وَأَهْله .
إِلَّا اِمْرَأَته فَإِنَّهَا هَلَكَتْ مَعَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَوْمِهَا .
فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَهْلَكَهُمْ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُقُوبَات وَجَعَلَ مَحَلَّتهمْ مِنْ الْأَرْض بُحَيْرَة مُنْتِنَة قَبِيحَة الْمَنْظَر وَالطَّعْم وَالرِّيح وَجَعَلَهَا بِسَبِيلٍ مُقِيم يَمُرُّ بِهَا الْمُسَافِرُونَ لَيْلًا وَنَهَارًا.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ بِهِمْ كَيْفَ دَمَّرَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَتَعْلَمُونَ أَنَّ لِلْكَافِرِينَ أَمْثَالهَا ؟ .
قَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّة يُونُس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : < مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُول أَنَا خَيْر مِنْ يُونُس بْن مَتَّى > وَنَسَبه إِلَى أُمّه وَفِي رِوَايَة إِلَى أَبِيهِ.
قَوْله تَعَالَى : { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا هُوَ الْمُوقَر أَيْ الْمَمْلُوء بِالْأَمْتِعَةِ .
| فَسَاهَمَ | أَيْ قَارَعَ | فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ | أَيْ الْمَغْلُوبِينَ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفِينَة تَلَعَّبَتْ بِهَا الْأَمْوَاج مِنْ كُلّ جَانِب وَأَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَق فَسَاهَمُوا عَلَى مَنْ تَقَع عَلَيْهِ الْقُرْعَة يُلْقَى فِي الْبَحْر لِتَخِفَّ بِهِمْ السَّفِينَة فَوَقَعَتْ الْقُرْعَة عَلَى نَبِيّ اللَّه يُونُس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاث مَرَّات وَهُمْ يَضِنُّونَ بِهِ أَنْ يُلْقَى مِنْ بَيْنهمْ فَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابه لِيُلْقِيَ نَفْسه وَهُمْ يَأْبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ .
وَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى حُوتًا مِنْ الْبَحْر الْأَخْضَر أَنْ يَشُقّ الْبِحَار وَأَنْ يَلْتَقِم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا يُهَشِّمُ لَهُ لَحْمًا وَلَا يَكْسِر لَهُ عَظْمًا فَجَاءَ ذَلِكَ الْحُوت وَأَلْقَى يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام نَفْسه فَالْتَقَمَهُ الْحُوت وَذَهَبَ بِهِ فَطَافَ بِهِ الْبِحَار كُلَّهَا . وَلَمَّا اِسْتَقَرَّ يُونُس فِي بَطْن الْحُوت حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسه وَرِجْلَيْهِ وَأَطْرَافه فَإِذَا هُوَ حَيّ فَقَامَ فَصَلَّى فِي بَطْن الْحُوت وَكَانَ مِنْ جُمْلَة دُعَائِهِ يَا رَبّ اِتَّخَذْت لَك مَسْجِدًا فِي مَوْضِع لَمْ يَبْلُغهُ أَحَد مِنْ النَّاس وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَار مَا لَبِثَ فِي بَطْن الْحُوت فَقِيلَ ثَلَاثَة أَيَّام قَالَهُ قَتَادَة وَقِيلَ سَبْعَة قَالَهُ جَعْفَر الصَّادِق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقِيلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَهُ أَبُو مَالِك وَقَالَ مُجَاهِد عَنْ الشَّعْبِيّ : اِلْتَقَمَهُ ضُحًى وَلَفَظَهُ عَشِيَّة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم بِمِقْدَارِ ذَلِكَ وَفِي شِعْر أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت :
وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْك نَجَّيْت يُونُسَا .......... وَقَدْ بَاتَ فِي أَضْعَاف حُوتٍ لَيَالِيَا
.
وَقَوْله تَعَالَى : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قِيلَ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْعَمَل فِي الرَّخَاء قَالَهُ الضَّحَّاك بْن قَيْس وَأَبُو الْعَالِيَة وَوَهْب بْن مُنَبِّه وَقَتَادَة وَغَيْر وَاحِد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث الَّذِي سَنُورِدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ إِنْ صَحَّ الْخَبَر وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس | تَعَرَّفْ إِلَى اللَّه فِي الرَّخَاء يَعْرِفْك فِي الشِّدَّة | . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك وَعَطَاء بْن السَّائِب وَالسُّدِّيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة | فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | يَعْنِي الْمُصَلِّينَ وَصَرَّحَ بَعْضهمْ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُصَلِّينَ قَبْل ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضهمْ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ فِي جَوْف أَبَوَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَاد | فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | هُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ | فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ | قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّه اِبْن أَخِي اِبْن وَهْب حَدَّثَنَا عَمِّي حَدَّثَنَا أَبُو صَخْر أَنَّ يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَلَا أَعْلَم أَنَسًا إِلَّا يَرْفَع الْحَدِيث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - | أَنَّ يُونُس النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُو بِهَذِهِ الْكَلِمَات وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَأَقْبَلَتْ الدَّعْوَة تَحِنّ بِالْعَرْشِ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا رَبّ هَذَا صَوْت ضَعِيف مَعْرُوف مِنْ بِلَاد بِعِيدِهِ غَرِيبَة فَقَالَ اللَّه تَعَالَى أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبّ وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدِي يُونُس قَالُوا عَبْدك يُونُس الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَع لَهُ عَمَل مُتَقَبَّل وَدَعْوَة مُسْتَجَابَة ؟ قَالُوا يَا رَبّ أَوَلَا تَرْحَم مَا كَانَ يَصْنَع فِي الرَّخَاء فَتُنْجِيهِ فِي الْبَلَاء ؟ قَالَ بَلَى فَأَمَرَ الْحُوت فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاءِ | وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب بِهِ زَادَ اِبْن أَبِي حَاتِم قَالَ أَبُو صَخْر حُمَيْد بْن زِيَاد فَأَخْبَرَنِي اِبْن قُسَيْط وَأَنَا أُحَدِّثهُ هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : طُرِحَ بِالْعَرَاءِ وَأَنْبَتَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْيَقْطِينَة قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَة وَمَا الْيَقْطِينَة ؟ قَالَ شَجَرَة الدُّبَّاء . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَهَيَّأَ اللَّه لَهُ أَرْوِيَة وَحْشِيَّة تَأْكُل مِنْ خَشَاش الْأَرْض - أَوْ قَالَ هَشَاش الْأَرْض - قَالَ فَتَتَفَشَّح عَلَيْهِ فَتَرْوِيه مِنْ لَبَنهَا كُلّ عَشِيَّة وَبُكْرَة حَتَّى نَبَتَ وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْره وَهُوَ :
فَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ .......... مِنْ اللَّه لَوْلَا اللَّه أُلْقِيَ ضَاحِيَا
.
وَقَوْله تَعَالَى : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } قِيلَ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْعَمَل فِي الرَّخَاء قَالَهُ الضَّحَّاك بْن قَيْس وَأَبُو الْعَالِيَة وَوَهْب بْن مُنَبِّه وَقَتَادَة وَغَيْر وَاحِد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث الَّذِي سَنُورِدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ إِنْ صَحَّ الْخَبَر وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس | تَعَرَّفْ إِلَى اللَّه فِي الرَّخَاء يَعْرِفك فِي الشِّدَّة | . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك وَعَطَاء بْن السَّائِب وَالسُّدِّيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة | فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | يَعْنِي الْمُصَلِّينَ وَصَرَّحَ بَعْضهمْ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُصَلِّينَ قَبْل ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضهمْ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ فِي جَوْف أَبَوَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَاد | فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | هُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ | فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ | قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّه بْن أَخِي بْن وَهْب حَدَّثَنَا عَمِّي حَدَّثَنَا أَبُو صَخْر أَنَّ يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَلَا أَعْلَم أَنَسًا إِلَّا يَرْفَع الْحَدِيث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - | أَنَّ يُونُس النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حِين بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُو بِهَذِهِ الْكَلِمَات وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ فَأَقْبَلَتْ الدَّعْوَة تَحِنّ بِالْعَرْشِ قَالَتْ الْمَلَائِكَة يَا رَبّ هَذَا صَوْت ضَعِيف مَعْرُوف مِنْ بِلَاد بَعِيدَة غَرِيبَة فَقَالَ اللَّه تَعَالَى أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَبّ وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدِي يُونُس قَالُوا عَبْدك يُونُس الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَع لَهُ عَمَل مُتَقَبَّل وَدَعْوَة مُسْتَجَابَة ؟ قَالُوا يَا رَبّ أَوَلَا تَرْحَمْ مَا كَانَ يَصْنَع فِي الرَّخَاء فَتُنْجِيهِ فِي الْبَلَاء ؟ قَالَ بَلَى فَأَمَرَ الْحُوت فَطَرَحَهُ بِالْعَرَاءِ | وَرَوَاهُ اِبْن جَرِير عَزَّ يُونُس عَنْ اِبْن وَهْب بِهِ زَادَ اِبْن أَبِي حَاتِم قَالَ أَبُو صَخْر حُمَيْد بْن زِيَاد فَأَخْبَرَنِي اِبْن قُسَيْط وَأَنَا أُحَدِّثهُ هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : طُرِحَ بِالْعَرَاءِ وَأَنْبَتَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْيَقْطِينَة قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَة وَمَا الْيَقْطِينَة ؟ قَالَ شَجَرَة الدُّبَّاء . قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَهَيَّأَ اللَّه لَهُ أَرْوِيَة وَحْشِيَّة تَأْكُل مِنْ خَشَاش الْأَرْض - أَوْ قَالَ هَشَاش الْأَرْض - قَالَ فَتَتَفَشَّح عَلَيْهِ فَتَرْوِيه مِنْ لَبَنهَا كُلّ عَشِيَّة وَبُكْرَة حَتَّى نَبَتَ وَقَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْره وَهُوَ :
فَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ .......... مِنْ اللَّه لَوْلَا اللَّه أُلْقِيَ ضَاحِيًا
.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مُسْنَدًا مَرْفُوعًا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْبِيَاء وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { فَنَبَذْنَاهُ } أَيْ أَلْقَيْنَاهُ | بِالْعَرَاءِ | قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَغَيْره وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي لَيْسَ بِهَا نَبْت وَلَا بِنَاء قِيلَ عَلَى جَانِب دِجْلَة وَقِيلَ بِأَرْضِ الْيَمَن فَاَللَّه أَعْلَم | وَهُوَ سَقِيم | أَيْ ضَعِيف الْبَدَن قَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَهَيْئَةِ الْفَرْخ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيش وَقَالَ السُّدِّيّ كَهَيْئَةِ الظَّبْي حِين يُولَد وَهُوَ الْمَنْفُوس وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَابْن زَيْد أَيْضًا .
قَالَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَوَهْب بْن مُنَبِّه وَهِلَال بْن يُسَاف وَعَبْد اللَّه بْن طَاوُس وَالسُّدِّيّ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَغَيْر وَاحِد قَالُوا كُلّهمْ الْيَقْطِين هُوَ الْقَرْع وَقَالَ هُشَيْم عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَكُلّ شَجَرَة لَا سَاق لَهَا فَهِيَ مِنْ الْيَقْطِين وَفِي رِوَايَة عَنْهُ كُلّ شَجَرَة تَهْلِك مِنْ عَامهَا فَهِيَ مِنْ الْيَقْطِين وَذَكَرَ بَعْضهمْ فِي الْقَرْع فَوَائِد مِنْهَا سُرْعَة نَبَاته وَتَظْلِيل وَرَقه لِكِبَرِهِ وَنُعُومَته وَأَنَّهُ لَا يَقْرَبهَا الذُّبَاب وَجَوْدَة تَغْذِيَة ثَمَره وَأَنَّهُ يُؤْكَل نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَقِشْره أَيْضًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبّ الدُّبَّاء وَيَتَتَبَّعهُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَة .
وَقَوْله تَعَالَى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } رَوَى شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَة يُونُس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَعْدَمَا نَبَذَهُ الْحُوت رَوَاهُ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي الْحَارِث حَدَّثَنَا أَبُو هِلَال عَنْ شَهْر بِهِ وَقَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَبْل أَنْ يَلْتَقِمهُ الْحُوت | قُلْت | وَلَا مَانِع أَنْ يَكُون الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا أُمِرَ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِمْ بَعْد خُرُوجه مِنْ الْحُوت فَصَدَّقُوهُ كُلّهمْ وَآمَنُوا بِهِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى أُمَّة أُخْرَى بَعْد خُرُوجه مِنْ الْحُوت كَانُوا مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ وَقَوْله تَعَالَى : { أَوْ يَزِيدُونَ } قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي رِوَايَة عَنْهُ : بَلْ يَزِيدُونَ وَكَانُوا مِائَة وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَعَنْهُ مِائَة أَلْف وَبِضْعَة وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَعَنْهُ مِائَة أَلْف وَبِضْعَة وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَاَللَّه أَعْلَم وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَزِيدُونَ سَبْعِينَ أَلْفًا وَقَالَ مَكْحُول كَانُوا مِائَة أَلْف وَعَشَرَة آلَاف رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ حَدَّثَنَا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة قَالَ سَمِعْت زُهَيْرًا يُحَدِّث عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَة يَقُول حَدَّثَنِي أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } قَالَ : < يَزِيدُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْن حَجَر عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ زُهَيْر عَنْ رَجُل عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب بِهِ وَقَالَ غَرِيب رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث زُهَيْر بِهِ قَالَ اِبْن جَرِير : وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ إِلَى الْمِائَة الْأَلْف أَوْ كَانُوا يَزِيدُونَ عِنْدكُمْ يَقُول كَذَلِكَ كَانُوا عِنْدكُمْ وَلِهَذَا سَلَكَ اِبْن جَرِير هَهُنَا مَا سَلَكَهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة > وَقَوْله تَعَالَى : { إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاس كَخَشْيَةِ اللَّه أَوْ أَشَدّ خَشْيَة } وَقَوْله تَعَالَى : { فَكَانَ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } الْمُرَاد لَيْسَ أُنْقَص مِنْ ذَلِكَ بَلْ أَزْيَد .
وَقَوْله تَعَالَى : { فَآمَنُوا } أَيْ فَآمَنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام جَمِيعهمْ | فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين | أَيْ إِلَى وَقْت آجَالهمْ كَقَوْلِهِ جَلَّتْ عَظَمَته | فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَة آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانهَا إِلَّا قَوْم يُونُس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَاب الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين | .
يَقُول تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَعْلِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى الْبَنَات سُبْحَانه وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ أَيْ مِنْ الذُّكُور أَيْ يَوَدُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ الْجَيِّد | وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم | أَيْ يَسُوءهُ ذَلِكَ وَلَا يَخْتَار لِنَفْسِهِ إِلَّا الْبَنِينَ يَقُول عَزَّ وَجَلَّ فَكَيْفَ نَسَبُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى الْقِسْم الَّذِي لَا يَخْتَارُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { فَاسْتَفْتِهِمْ } أَيْ سَلْهُمْ عَلَى سَبِيل الْإِنْكَار عَلَيْهِمْ | أَلِرَبِّك الْبَنَات وَلَهُمْ الْبَنُونَ | كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ | أَلَكُمْ الذَّكَر وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَة ضِيزَى | .
أَيْ كَيْفَ حَكَمُوا عَلَى الْمَلَائِكَة أَنَّهُمْ إِنَاث وَمَا شَاهَدُوا خَلْقهمْ كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا | وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرَّحْمَن إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقهمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتهمْ وَيُسْأَلُونَ أَيْ يُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة .
قَوْله جَلَّتْ عَظَمَته | أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكهمْ | أَيْ مِنْ كَذِبِهِمْ | لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّه | أَيْ صَدَرَ مِنْهُ الْوَلَد | وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ | فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ فِي الْمَلَائِكَة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي غَايَة الْكُفْر وَالْكَذِب فَأَوَّلًا جَعَلُوهُمْ بَنَات اللَّه فَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْوَلَد أُنْثَى ثُمَّ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَكُلّ مِنْهَا كَافٍ فِي التَّخْلِيد فِي نَار جَهَنَّم .
قَوْله جَلَّتْ عَظَمَته | أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكهمْ | أَيْ مِنْ كَذِبهمْ | لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّه | أَيْ صَدَرَ مِنْهُ الْوَلَد | وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ | فَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ فِي الْمَلَائِكَة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي غَايَة الْكُفْر وَالْكَذِب فَأَوَّلًا جَعَلُوهُمْ بَنَات اللَّه فَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْوَلَد أُنْثَى ثُمَّ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَكُلّ مِنْهَا كَافٍ فِي التَّخْلِيد فِي نَار جَهَنَّم .
قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ | أَصْطَفَى الْبَنَات عَلَى الْبَنِينَ | أَيْ أَيّ شَيْء يَحْمِلهُ عَنْ أَنْ يَخْتَار الْبَنَات دُون الْبَنِينَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ | أَفَأَصْفَاكُمْ رَبّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاِتَّخَذَ مِنْ الْمَلَائِكَة إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا | وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } أَيْ مَا لَكُمْ عُقُول تَتَدَبَّرُونَ بِهَا مَا تَقُولُونَ .