قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّه } أَيْ لَا تَسْتَكْبِرُوا عَنْ اِتِّبَاع آيَاته وَالِانْقِيَاد لِحُجَجِهِ وَالْإِيمَان بِبَرَاهِينِهِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ | إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ | | إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِين | أَيْ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَة وَاضِحَة وَهِيَ مَا أَرْسَلَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات وَالْأَدِلَّة الْقَاطِعَات.
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَأَبُو صَالِح هُوَ الرَّجْم بِاللِّسَانِ وَهُوَ الشَّتْم وَقَالَ قَتَادَة الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ أَيْ أَعُوذ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكُمْ مِنْ أَنْ تَصِلُوا إِلَيَّ بِسُوءٍ مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل .
أَيْ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لِي وَدَعُوا الْأَمْر بَيْنِي وَبَيْنكُمْ مُسَالَمَة إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّه بَيْننَا فَلَمَّا طَالَ مَقَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرهمْ وَأَقَامَ حُجَج اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ كُلّ ذَلِكَ وَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا كُفْرًا وَعِنَادًا دَعَا رَبّه عَلَيْهِمْ دَعْوَة نَفَذَتْ فِيهِمْ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنَّك آتَيْت فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ زِينَة وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلك رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب الْأَلِيم قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا فَاسْتَقِيمَا } .
هَكَذَا قَالَ هَهُنَا | فَدَعَا رَبّه أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم مُجْرِمُونَ | فَعِنْد ذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَخْرُج بِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ مِنْ غَيْر أَمْر فِرْعَوْن وَمُشَاوَرَته وَاسْتِئْذَانه وَلِهَذَا قَالَ جَلَّ جَلَاله .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا لَا تَخَاف دَرَكًا وَلَا تَخْشَى } .
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمَّا جَاوَزَ هُوَ وَبَنُو إِسْرَائِيل الْبَحْر أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَضْرِبهُ بِعَصَاهُ حَتَّى يَعُود كَمَا كَانَ لِيَصِيرَ حَائِلًا بَيْنهمْ وَبَيْن فِرْعَوْن فَلَا يَصِل إِلَيْهِمْ فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَتْرُكهُ عَلَى حَاله سَاكِنًا وَبَشَّرَهُ بِأَنَّهُمْ جُنْد مُغْرَقُونَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَخَاف دَرَكًا وَلَا يَخْشَى قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَاتْرُكْ الْبَحْر رَهْوًا كَهَيْئِهِ وَامْضِهِ وَقَالَ مُجَاهِد رَهْوًا طَرِيقًا يَبَسًا كَهَيْئِهِ يَقُول لَا تَأْمُرهُ يَرْجِع اُتْرُكْهُ حَتَّى يَرْجِع آخِرهمْ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَابْن زَيْد وَكَعْب الْأَحْبَار وَسِمَاك بْن حَرْب وَغَيْر وَاحِد .
وَهِيَ الْبَسَاتِين | وَعُيُون وَزُرُوع | وَالْمُرَاد بِهَا الْأَنْهَار وَالْآبَار .
| وَمَقَام كَرِيم | وَهِيَ الْمَسَاكِن الْأَنِيقَة وَالْأَمَاكِن الْحَسَنَة . وَقَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر | وَمَقَام كَرِيم | الْمَنَابِر وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة عَنْ وَهْب بْن عَبْد اللَّه الْمَعَافِرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ نِيل مِصْر سَيِّد الْأَنْهَار سَخَّرَ اللَّه تَعَالَى لَهُ كُلّ نَهَر بَيْن الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَذَلَّلَهُ لَهُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجْرِي نِيل مِصْر أَمَرَ كُلّ نَهَر أَنْ يَمُدّهُ فَأَمَدَّتْهُ الْأَنْهَار بِمَائِهَا وَفَجَّرَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ الْأَرْض عُيُونًا فَإِذَا اِنْتَهَى جَرْيه إِلَى مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَلَا أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى كُلّ مَاء أَنْ يَرْجِع إِلَى عُنْصُره وَقَالَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَزُرُوع وَمَقَام كَرِيم وَنِعْمَة كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ } قَالَ كَانَتْ الْجِنَان بِحَافَّتَيْ نَهَر النِّيل مِنْ أَوَّله إِلَى آخِره فِي الشِّقَّيْنِ جَمِيعًا مَا بَيْن أَسْوَان إِلَى رَشِيد وَكَانَ لَهُ تِسْع خَلِيج : خَلِيج الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَخَلِيج دِمْيَاط وَخَلِيج سَرْدُوس وَخَلِيج مَنْف وَخَلِيج الْفَيُّوم وَخَلِيج الْمُنْتَهَى مُتَّصِلَة لَا يَنْقَطِع مِنْهَا شَيْء عَنْ شَيْء وَزَرْع مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ كُلّه مِنْ أَوَّل مِصْر إِلَى آخِر مَا يَبْلُغهُ الْمَاء وَكَانَتْ جَمِيع أَرْض مِصْر تُرْوَى مِنْ سِتَّة عَشَرَ ذِرَاعًا لَمَّا قَدَرُوا وَدَبَّرُوا مِنْ قَنَاطِرهَا وَجُسُورهَا وَخُلُجهَا .
| وَنِعْمَة كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ | أَيْ عِيشَة كَانُوا يَتَفَكَّهُونَ فِيهَا فَيَأْكُلُونَ مَا شَاءُوا وَيَلْبَسُونَ مَا أَحَبُّوا مَعَ الْأَمْوَال أَوْ الْجَاهَات وَالْحُكْم فِي الْبِلَاد فَسُلِبُوا ذَلِكَ جَمِيعه فِي صَبِيحَة وَاحِدَة وَفَارَقُوا الدُّنْيَا وَصَارُوا إِلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَاد الْمِصْرِيَّة وَتِلْك الْحَوَاصِل الْفِرْعَوْنِيَّة وَالْمَمَالِك الْقِبْطِيَّة بَنُو إِسْرَائِيل كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيل } وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى | وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَع فِرْعَوْن وَقَوْمه وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ | .
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ هَهُنَا | كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ | وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل كَمَا تَقَدَّمَ .
قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض } أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَال صَالِحَة تَصْعَد فِي أَبْوَاب السَّمَاء فَتَبْكِي عَلَى فَقْدهمْ وَلَا لَهُمْ فِي الْأَرْض بِقَاع عَبَدُوا اللَّه تَعَالَى فِيهَا فَقَدَتْهُمْ فَلِهَذَا اِسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامهمْ وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادهمْ . قَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الْبَصْرِيّ حَدَّثَنَا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة حَدَّثَنِي يَزِيد الرُّقَاشِيّ حَدَّثَنِي أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : < مَا مِنْ عَبْد إِلَّا وَلَهُ فِي السَّمَاء بَابَانِ : بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِزْقه وَبَاب يَدْخُل مِنْهُ عَمَله وَكَلَامه فَإِذَا مَاتَ فَقَدَاهُ وَبَكَيَا عَلَيْهِ > وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة | فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض | وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى الْأَرْض عَمَلًا صَالِحًا يَبْكِي عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَصْعَد لَهُمْ إِلَى السَّمَاء مِنْ كَلَامهمْ وَلَا مِنْ عَمَلهمْ كَلَام طَيِّب وَلَا عَمَل صَالِح فَتَفْقِدهُمْ فَتَبْكِي عَلَيْهِمْ وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُبَيْدَة وَهُوَ الرَّبَذِيّ . وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة حَدَّثَنِي عِيسَى بْن يُونُس عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو عَنْ شُرَيْح بْن عُبَيْد الْحَضْرَمِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ أَلَا لَا غُرْبَة عَلَى مُؤْمِن مَا مَاتَ مُؤْمِن فِي غُرْبَة غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بِوَاكِيهِ إِلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض - ثُمَّ قَالَ - إِنَّهُمَا لَا يَبْكِيَانِ عَلَى الْكَافِر ) وَقَالَ اِبْن أَبَى حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عِصَام حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد يَعْنِي الزُّبَيْرِيّ حَدَّثَنَا الْعَلَاء بْن صَالِح عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه قَالَ سَأَلَ رَجُل عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَلْ تَبْكِي السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَى أَحَد ؟ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلك إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْد إِلَّا لَهُ مُصَلَّى فِي الْأَرْض مُصْعَد عَمَله مِنْ السَّمَاء وَإِنَّ آل فِرْعَوْن لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَل صَالِح فِي الْأَرْض وَلَا عَمَل يَصْعَد فِي السَّمَاء ثُمَّ قَرَأَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ | فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ | وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا طَلْق بْن غَنَّام عَنْ زَائِدَة عَنْ مَنْصُور عَنْ مِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ أَتَى اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا رَجُل فَقَالَ يَا أَبَا الْعَبَّاس أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } فَهَلْ تَبْكِي السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَى أَحَد ؟ قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَعَمْ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنْ الْخَلَائِق إِلَّا وَلَهُ بَاب فِي السَّمَاء مِنْهُ يَنْزِل رِزْقه وَفِيهِ يَصْعَد عَمَله فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِن فَأُغْلِقَ بَابه مِنْ السَّمَاء الَّذِي كَانَ يَصْعَد فِيهِ عَمَله وَيَنْزِل مِنْهُ رِزْقه فَفَقَدَهُ بَكَى عَلَيْهِ وَإِذَا فَقَدَهُ مُصَلَّاهُ مِنْ الْأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَيَذْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بَكَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّ قَوْم فِرْعَوْن لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي الْأَرْض آثَار صَالِحَة وَلَمْ يَكُنْ يَصْعَد إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ خَيْر فَلَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَرَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْو هَذَا . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّات عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ يُقَال تَبْكِي الْأَرْض عَلَى الْمُؤْمِن أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْر وَاحِد وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا مَا مَاتَ مُؤْمِن إِلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض أَرْبَعِينَ صَبَاحًا قَالَ : فَقُلْت لَهُ أَتَبْكِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ أَتَعْجَبُ ؟ وَمَا لِلْأَرْضِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْد كَانَ يَعْمُرهَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود ؟ وَمَا لِلسَّمَاءِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْد كَانَ لِتَكْبِيرِهِ وَتَسْبِيحه فِيهَا دَوِيّ كَدَوِيِّ النَّحْل . وَقَالَ قَتَادَة كَانُوا أَهْوَن عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ تَبْكِي عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا عَبْد السَّلَام بْن عَاصِم حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا الْمُسْتَوْرِد بْن سَابِق عَنْ عُبَيْد الْمُكَتِّب عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ مَا بَكَتْ السَّمَاء مُنْذُ كَانَتْ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى اِثْنَيْنِ قُلْت لِعُبَيْدٍ أَلَيْسَ السَّمَاء وَالْأَرْض تَبْكِي عَلَى الْمُؤْمِن ؟ قَالَ ذَاكَ مَقَامه حَيْثُ يَصْعَد عَمَله قَالَ وَتَدْرِي مَا بُكَاء السَّمَاء ؟ قُلْت لَا قَالَ تَحْمَرّ وَتَصِير وَرْدَة كَالدِّهَانِ : إِنَّ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمَّا قُتِلَ اِحْمَرَّتْ السَّمَاء وَقَطَرَتْ دَمًا وَإِنَّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا لَمَّا قُتِلَ اِحْمَرَّتْ السَّمَاء . وَحَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بْن عَمْرو زُنَيْج حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد قَالَ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا اِحْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء أَرْبَعَة أَشْهُر قَالَ يَزِيد وَاحْمِرَارهَا بُكَاؤُهَا وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيّ فِي الْكَبِير وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ بُكَاؤُهَا أَنْ تَحْمَرّ أَطْرَافهَا وَذَكَرُوا أَيْضًا فِي مَقْتَل الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ مَا قُلِّبَ حَجَر يَوْمئِذٍ إِلَّا وُجِدَ تَحْته دَم عَبِيط وَأَنَّهُ كَسَفَتْ الشَّمْس وَاحْمَرَّ الْأُفُق وَسَقَطَتْ حِجَارَة وَفِي كُلّ مِنْ ذَلِكَ نَظَر وَالظَّاهِر أَنَّهُ مِنْ سُخْف الشِّيعَة وَكَذِبهمْ لِيُعَظِّمُوا الْأَمْر وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَظِيم وَلَكِنْ لَمْ يَقَع هَذَا الَّذِي اِخْتَلَقُوهُ وَكَذَبُوهُ وَقَدْ وَقَعَ مَا هُوَ أَعْظَم مِنْ قَتْل الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَمْ يَقَع شَيْء مِمَّا ذَكَرُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ قُتِلَ أَبُوهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ أَفْضَل مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ يَقَع شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَعُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قُتِلَ مَحْصُورًا مَظْلُومًا وَلَمْ يَكُنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَعُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قُتِلَ فِي الْمِحْرَاب فِي صَلَاة الصُّبْح وَكَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ تَطْرُقهُمْ مُصِيبَة قَبْل ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَيِّد الْبَشَر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَوْم مَاتَ لَمْ يَكُنْ شَيْء مِمَّا ذَكَرُوهُ وَيَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَسَفَتْ الشَّمْس فَقَالَ النَّاس خَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم فَصَلَّى بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْكُسُوف وَخَطَبَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَد وَلَا لِحَيَاتِهِ .
قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْعَذَاب الْمُهِين مِنْ فِرْعَوْن إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ } يَمْتَنّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى بِذَلِكَ حَيْثُ أَنْقَذَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ إِهَانَة فِرْعَوْن وَإِذْلَاله لَهُمْ وَتَسْخِيره إِيَّاهُمْ فِي الْأَعْمَال الْمُهِينَة الشَّاقَّة .
وَقَوْله تَعَالَى : { مِنْ فِرْعَوْن إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا } أَيْ مُسْتَكْبِرًا جَبَّارًا عَنِيدًا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ | إِنَّ فِرْعَوْن عَلَا فِي الْأَرْض | وَقَوْله جَلَّتْ عَظَمَته فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ | مِنْ الْمُسْرِفِينَ أَيْ مُسْرِف فِي أَمْره سَخِيف الرَّأْي عَلَى نَفْسه .
قَالَ مُجَاهِد | اِخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ | عَلَى مَنْ هُمْ بَيْن ظَهْرَيْهِ وَقَالَ قَتَادَة اُخْتِيرُوا عَلَى أَهْل زَمَانهمْ ذَلِكَ وَكَانَ يُقَال إِنَّ لِكُلِّ زَمَان عَالِمًا وَهَذَا كَقَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اِصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاس } أَيْ أَهْل زَمَانه ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام | وَاصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ | أَيْ فِي زَمَنهَا فَإِنَّ خَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا إِمَّا أَفْضَل مِنْهَا أَوْ مُسَاوِيَة لَهَا فِي الْفَضْل وَكَذَا آسِيَة بِنْت مُزَاحِم اِمْرَأَة فِرْعَوْن وَفَضْل عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى النِّسَاء كَفَضْلِ الثَّرِيد عَلَى سَائِر الطَّعَام .
قَوْله جَلَّ جَلَاله | وَآتَيْنَاهُمْ مِنْ الْآيَات | أَيْ الْحُجَج وَالْبَرَاهِين وَخَوَارِق الْعَادَات | مَا فِيهِ بَلَاء مُبِين | أَيْ اِخْتِبَار ظَاهِر جَلِيّ لِمَنْ اِهْتَدَى بِهِ .
يَقُول تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث وَالْمَعَاد وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا حَيَاة بَعْد الْمَمَات وَلَا بَعْث وَلَا نُشُور وَيَحْتَجُّونَ بِآبَائِهِمْ الْمَاضِينَ الَّذِينَ ذَهَبُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا فَإِنْ كَانَ الْبَعْث حَقًّا | فَأْتُوا بِأَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ | .
يَقُول تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي إِنْكَارهمْ الْبَعْث وَالْمَعَاد وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا حَيَاة بَعْد الْمَمَات وَلَا بَعْث وَلَا نُشُور وَيَحْتَجُّونَ بِآبَائِهِمْ الْمَاضِينَ الَّذِينَ ذَهَبُوا فَلَمْ يَرْجِعُوا فَإِنْ كَانَ الْبَعْث حَقًّا | فَأْتُوا بِأَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ| .
وَهَذِهِ حُجَّة بَاطِلَة وَشُبْهَة فَاسِدَة فَإِنَّ الْمَعَاد إِنَّمَا هُوَ يَوْم الْقِيَامَة لَا فِي الدَّار الدُّنْيَا بَلْ بَعْد اِنْقِضَائِهَا | وَذَهَابهَا | وَفَرَاغهَا يُعِيد اللَّه الْعَالَمِينَ خَلْقًا جَدِيدًا وَيَجْعَل الظَّالِمِينَ لِنَارِ جَهَنَّم وَقُودًا يَوْم | تَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا وَمُنْذِرًا لَهُمْ بَأْسه الَّذِي لَا يُرَدّ كَمَا حَلَّ بِأَشْبَاهِهِمْ وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ كَقَوْمِ تُبَّع وَهُمْ سَبَأ حَيْثُ أَهْلَكَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَخَرَّبَ بِلَادهمْ وَشَرَّدَهُمْ فِي الْبِلَاد وَفَرَّقَهُمْ شَذَر مَذَر كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي سُورَة سَبَأ وَهِيَ مُصَدَّرَة بِإِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمَعَادِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا شَبَّهَهُمْ بِأُولَئِكَ وَقَدْ كَانُوا عَرَبًا مِنْ قَحْطَان كَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ عَرَب مِنْ عَدْنَان وَقَدْ كَانَتْ حِمْيَر وَهُمْ سَبَأ كُلَّمَا مَلَكَ فِيهِمْ رَجُل سَمَّوْهُ تُبَّعًا كَمَا يُقَال كِسْرَى لِمَنْ مَلَكَ الْفَرَس وَقَيْصَر لِمَنْ مَلَكَ الرُّوم وَفِرْعَوْن لِمَنْ مَلَكَ مِصْر كَافِرًا وَالنَّجَاشِيّ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْلَام الْأَجْنَاس وَلَكِنْ اُتُّفِقَ أَنَّ بَعْض تَبَابِعَتهمْ خَرَجَ مِنْ الْيَمَن وَسَارَ فِي الْبِلَاد حَتَّى وَصَلَ إِلَى سَمَرْقَنْد وَاشْتَدَّ مُلْكه وَعَظُمَ سُلْطَانه وَجَيْشه وَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَته وَبِلَاده وَكَثُرَتْ رَعَايَاهُ وَهُوَ الَّذِي مَصَّرَ الْحِيرَة فَاتَّفَقَ أَنَّهُ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَذَلِكَ فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة فَأَرَادَ قِتَال أَهْلهَا فَمَانَعُوهُ وَقَاتَلُوهُ بِالنَّهَارِ وَجَعَلُوا يَقْرُونَهُ اللَّيْل فَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ وَكَفَّ عَنْهُمْ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ حَبْرَيْنِ مِنْ أَحْبَار يَهُود كَانَا قَدْ نَصَحَاهُ وَأَخْبَرَاهُ أَنَّهُ لَا سَبِيل لَهُ عَلَى هَذِهِ الْبَلْدَة فَإِنَّهَا مَهَاجِر نَبِيّ يَكُون فِي آخِر الزَّمَان فَرَجَعَ عَنْهَا وَأَخَذَهُمَا مَعَهُ إِلَى بِلَاد الْيَمَن فَلَمَّا اِجْتَازَ بِمَكَّة أَرَادَ هَدْم الْكَعْبَة فَنَهَيْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَأَخْبَرَاهُ بِعَظَمَةِ هَذَا الْبَيْت وَأَنَّهُ مِنْ بِنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْن عَظِيم عَلَى يَدَيْ ذَلِكَ النَّبِيّ الْمَبْعُوث فِي آخِر الزَّمَان فَعَظَّمَهَا وَطَافَ بِهَا وَكَسَاهَا الْمُلَاء وَالْوَصَائِل وَالْحُبُر ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى الْيَمَن وَدَعَا أَهْلهَا إِلَى الْيَهُود مَعَهُ وَكَانَ إِذْ ذَاكَ دِين مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيهِ مَنْ يَكُون عَلَى الْهِدَايَة قَبْل بَعْثَة الْمَسِيح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَتَهَوَّدَ مَعَهُ عَامَّة أَهْل الْيَمَن وَقَدْ ذَكَرَ الْقِصَّة بِطُولِهَا الْإِمَام مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي كِتَابه السِّيرَة وَقَدْ تَرْجَمَهُ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه تَرْجَمَة حَافِلَة أَوْرَدَ فِيهَا أَشْيَاء كَثِيرَة مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ يَذْكُر وَذَكَرَ أَنَّهُ مَلَكَ دِمَشْق وَأَنَّهُ كَانَ إِذَا اِسْتَعْرَضَ الْخَيْل صَفَّتْ لَهُ مِنْ دِمَشْق إِلَى الْيَمَن ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : < مَا أَدْرِي الْحُدُود طَهَارَة لِأَهْلِهَا أَمْ لَا ؟ وَلَا أَدْرِي تُبَّع لَعِينًا كَانَ أَمْ لَا ؟ وَلَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ نَبِيًّا كَانَ أَمْ مَلِكًا > وَقَالَ غَيْره | عُزَيْر أَكَانَ نَبِيًّا أَمْ لَا ؟ | وَهَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ مُحَمَّد بْن حَمَّاد الظَّهْرَانِيّ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْد الرَّزَّاق . ثُمَّ رَوَى اِبْن عَسَاكِر مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن كُرَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مَرْفُوعًا : ( عُزَيْر لَا أَدْرِي أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا ؟ وَلَا أَدْرِي أَلَعِين تُبَّع أَمْ لَا ؟ ) ثُمَّ أَوْرَدَ مَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ سَبّه وَلَعْنَته كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَكَأَنَّهُ وَاَللَّه أَعْلَم كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَتَابَعَ دِين الْكَلِيم عَلَى يَدَيْ مَنْ كَانَ مِنْ أَحْبَار الْيَهُود فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى الْحَقّ قَبْل بَعْثَة الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَحَجَّ الْبَيْت فِي زَمَن الْجُرْهُمِيِّينَ وَكَسَاهُ الْمُلَاء وَالْوَصَائِل مِنْ الْحَرِير وَالْحُبُر وَنَحَرَ عِنْده سِتَّة آلَاف بَدَنَة وَعَظَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْيَمَن وَقَدْ سَاقَ قِصَّته بِطُولِهَا الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر مِنْ طُرُق مُتَعَدِّدَة مُطَوَّلَة مَبْسُوطَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب وَعَبْد اللَّه بْن سَلَام وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَكَعْب الْأَحْبَار وَإِلَيْهِ الْمَرْجِع فِي ذَلِكَ كُلّه وَإِلَى عَبْد اللَّه بْن سَلَام أَيْضًا وَهُوَ أَثْبَت وَأَكْبَر وَأَعْلَم وَكَذَا رَوَى قِصَّته وَهْب بْن مُنَبِّه وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة كَمَا هُوَ مَشْهُور فِيهَا . وَقَدْ اِخْتَلَطَ عَلَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي بَعْض السِّيَاقَات تَرْجَمَة تُبَّع هَذَا بِتَرْجَمَةِ آخِر مُتَأَخِّر عَنْهُ بِدَهْرٍ طَوِيل فَإِنَّ تُبَّعًا هَذَا الْمُشَار إِلَيْهِ فِي الْقُرْآن أَسْلَمَ قَوْمه عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ عَادُوا بَعْده إِلَى عِبَادَة النِّيرَان وَالْأَصْنَام فَعَاقَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَة سَبَأ وَقَدْ بَسَطْنَا قِصَّتهمْ هُنَالِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر كَسَا تُبَّع الْكَعْبَة وَكَانَ سَعِيد يَنْهَى عَنْ سَبّه وَتُبَّع هَذَا هُوَ تُبَّع الْأَوْسَط وَاسْمه أَسْعَد أَبُو كُرَيْب بْن مليكرب الْيَمَانِيّ ذَكَرُوا أَنَّهُ مَلَكَ عَلَى قَوْمه ثَلَاثمِائَةِ سَنَة وَسِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَة وَلَمْ يَكُنْ فِي حِمْيَر أَطْوَل مُدَّة مِنْهُ وَتُوُفِّيَ قَبْل مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ سَبْعمِائَةِ سَنَة . وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْحَبْرَانِ مِنْ يَهُود الْمَدِينَة أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَة مَهَاجِر نَبِيّ فِي آخِر الزَّمَان اِسْمه أَحْمَد قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَاسْتَوْدَعَهُ عِنْد أَهْل الْمَدِينَة فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهُ وَيَرْوُونَهُ خَلَفًا عَنْ سَلَف وَكَانَ مِمَّنْ يَحْفَظهُ أَبُو أَيُّوب خَالِد بْن زَيْد الَّذِي نَزَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَاره وَهُوَ :
شَهِدْت عَلَى أَحْمَد أَنَّهُ .......... رَسُول مِنْ اللَّه بَارِي النَّسَم
فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إِلَى عُمْره .......... لَكُنْت وَزِيرًا لَهُ وَابْن عَم
وَجَاهَدْت بِالسَّيْفِ أَعْدَاءَهُ .......... وَفَرَّجْت مِنْ صَدْره كُلّ غَم
وَذَكَرَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ حَفَرَ قَبْر بِصَنْعَاء فِي الْإِسْلَام فَوَجَدُوا فِيهِ اِمْرَأَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ وَعِنْد رُءُوسهمَا لَوْح مِنْ فِضَّة مَكْتُوب فِيهِ بِالذَّهَبِ : هَذَا قَبْر حُيَيّ وَتَمِيس وَرَوَى حُيَيّ وَتُمَاضِر اِبْنَتَيْ تُبَّع مَاتَتَا وَهُمَا تَشْهَدَانِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَلَا تُشْرِكَانِ بِهِ شَيْئًا وَعَلَى ذَلِكَ مَاتَ الصَّالِحُونَ قَبْلهمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَة سَبَأ شِعْر سَبَأ فِي ذَلِكَ أَيْضًا قَالَ قَتَادَة ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول فِي تُبَّع نَعْت الرَّجُل الصَّالِح ذَمَّ اللَّه تَعَالَى قَوْمه وَلَمْ يَذُمّهُ قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا تَقُول : لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا صَفْوَان حَدَّثَنَا الْوَلِيد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي زُرْعَة - يَعْنِي عَمْرو بْن جَابِر الْحَضْرَمِيّ - قَالَ سَمِعْت سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ ) وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ حَسَن بْن مُوسَى عَنْ اِبْن لَهِيعَة بِهِ . وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ الْأَبَّار حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَرْزَة حَدَّثَنَا مُؤَمِّل بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ سِمَاك بْن حَرْب عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :| لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ | وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَيْضًا أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَدْرِي تُبَّع نَبِيًّا كَانَ أَمْ غَيْر نَبِيّ ) وَتَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَد مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي حَاتِم كَمَا أَوْرَدَهُ اِبْن عَسَاكِر | لَا أَدْرِي تُبَّع كَانَ لَعِينًا أَمْ لَا | فَاَللَّه أَعْلَم . وَرَوَاهُ اِبْن عَسَاكِر مِنْ طَرِيق زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى الْمَدَنِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس مَوْقُوفًا وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا عِمْرَان أَبُو الْهُذَيْل أَخْبَرَنِي تَمِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبّه وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَدْله وَتَنْزِيهه نَفْسه عَنْ اللَّعِب وَالْعَبَث وَالْبَاطِل كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا | وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّار | .
قَالَ تَعَالَى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم } .