islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
12042

85-البروج

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ

قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ جَلَّ وَعَزَّ وَفِي | الْبُرُوج | أَقْوَال أَرْبَعَة : أَحَدهَا : ذَات النُّجُوم ; قَالَهُ الْحَسَن وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالضَّحَّاك . الثَّانِي : الْقُصُور , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد أَيْضًا . قَالَ عِكْرِمَة : هِيَ قُصُور فِي السَّمَاء . مُجَاهِد : الْبُرُوج فِيهَا الْحَرَس . الثَّالِث : ذَات الْخَلْق الْحَسَن ; قَالَهُ الْمِنْهَال بْن عَمْرو . الرَّابِع : ذَات الْمَنَازِل ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة وَيَحْيَى بْن سَلَّام . وَهِيَ اثْنَا عَشَر بُرْجًا , وَهِيَ مَنَازِل الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر . يَسِير الْقَمَر فِي كُلّ بُرْج مِنْهَا يَوْمَيْنِ وَثُلُث يَوْم ; فَذَلِكَ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا , ثُمَّ يَسْتَسِرّ لَيْلَتَيْنِ ; وَتَسِير الشَّمْس فِي كُلّ بُرْج مِنْهَا شَهْرًا . وَهِيَ : الْحَمَل , وَالثَّوْر , وَالْجَوْزَاء , وَالسَّرَطَان , وَالْأَسَد , وَالسُّنْبُلَة , وَالْمِيزَان , وَالْعَقْرَب , وَالْقَوْس وَالْجَدْي , وَالدَّلْو , وَالْحُوت . وَالْبُرُوج فِي كَلَام الْعَرَب : الْقُصُور ; قَالَ اللَّه تَعَالَى ; | وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة | [ النِّسَاء : 78 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ .

وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ

أَيْ الْمَوْعُود بِهِ . وَهُوَ قَسَم آخَر , وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ; مِنْ غَيْر اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَعَدَ أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض أَنْ يَجْتَمِعُوا فِيهِ .

وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

اُخْتُلِفَ فِيهِمَا ; فَقَالَ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : الشَّاهِد يَوْم الْجُمْعَة , وَالْمَشْهُود يَوْم عَرَفَة . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن . وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالْيَوْم الْمَشْهُود يَوْم عَرَفَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمْعَة ... ) خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه , وَقَالَ : هَذَا حَدِيث [ حَسَن ] غَرِيب , لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث مُوسَى بْن عُبَيْدَة , وَمُوسَى بْن عُبَيْدَة يُضَعَّف فِي الْحَدِيث , ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْن سَعِيد وَغَيْره . وَقَدْ رَوَى شُعْبَة وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْأَئِمَّة عَنْهُ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ فَيَوْم الْجُمْعَة يَشْهَد عَلَى كُلّ عَامِل بِمَا عَمِلَ فِيهِ . قُلْت : وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَيَّام وَاللَّيَالِي ; فَكُلّ يَوْم شَاهِد , وَكَذَا كُلّ لَيْلَة ; وَدَلِيله مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ مِنْ يَوْم يَأْتِي عَلَى الْعَبْد إِلَّا يُنَادَى فِيهِ : يَا اِبْن آدَم , أَنَا خَلْق جَدِيد , وَأَنَا فِيمَا تَعْمَل عَلَيْك شَهِيد , فَاعْمَلْ فِيَّ خَيْرًا أَشْهَد لَك بِهِ غَدًا , فَإِنِّي لَوْ قَدْ مَضَيْت لَمْ تَرَنِي أَبَدًا , وَيَقُول اللَّيْل مِثْل ذَلِكَ ) . حَدِيث غَرِيب مِنْ حَدِيث مُعَاوِيَة , تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ زَيْد الْعَمِّيّ , وَلَا أَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا . عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن الزُّبَيْر أَنَّ الشَّاهِد يَوْم الْأَضْحَى . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : الشَّاهِد : التَّرَوِّيَة , وَالْمَشْهُود : يَوْم عَرَفَة . وَرَوَى إِسْرَائِيل عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْحَارِث عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : الشَّاهِد يَوْم عَرَفَة , وَالْمَشْهُود يَوْم النَّحْر . وَقَالَهُ النَّخَعِيّ . وَعَنْ عَلِيّ أَيْضًا : الْمَشْهُود يَوْم عَرَفَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : الْمَشْهُود يَوْم الْقِيَامَة ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | ذَلِكَ يَوْم مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مَشْهُود | [ هُود : 103 ] . قُلْت : وَعَلَى هَذَا اِخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْعُلَمَاء فِي الشَّاهِد , فَقِيلَ : اللَّه تَعَالَى ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَسَعِيد - بْن جُبَيْر ; بَيَانُهُ : | وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا | [ النِّسَاء : 79 ] , | قُلْ أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة ؟ قُلْ اللَّه شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ | [ الْأَنْعَام : 19 ] . وَقِيلَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ ; وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس | فَكَيْف إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمَّة بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِك عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا | [ النِّسَاء : 41 ] , وَقَرَأَ الْحُسَيْن | يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا | [ الْأَحْزَاب : 45 ] . قُلْت : وَأَقْرَأ أَنَا | وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا | . وَقِيلَ : الْأَنْبِيَاء يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمهمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : | فَكَيْف إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمَّة بِشَهِيدٍ | [ النِّسَاء : 41 ] . وَقِيلَ : آدَم . وَقِيلَ : عِيسَى بْن مَرْيَم ; لِقَوْلِهِ : | وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْت فِيهِمْ | [ الْمَائِدَة : 117 ] . وَالْمَشْهُود : أُمَّته . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُحَمَّد بْن كَعْب : الشَّاهِد الْإِنْسَان ; دَلِيله : | كَفَى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حَسِيبًا | [ الْإِسْرَاء : 14 ] . مُقَاتِل : أَعْضَاؤُهُ ; بَيَانه : | يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ | [ النُّور : 24 ] . الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : الشَّاهِد هَذِهِ الْأُمَّة , وَالْمَشْهُود سَائِر الْأُمَم ; بَيَانه : | وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس | [ الْبَقَرَة : 143 ] . وَقِيلَ : الشَّاهِد : الْحَفَظَة , وَالْمَشْهُود : بَنُو آدَم . وَقِيلَ : اللَّيَالِي وَالْأَيَّام . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ . قُلْت : وَقَدْ يَشْهَد الْمَال عَلَى صَاحِبه , وَالْأَرْض بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا ; فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَا الْمَال خَضِر حُلْو , وَنِعْمَ صَاحِب الْمُسْلِم هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِين وَالْيَتِيم وَابْن السَّبِيل - أَوْ كَمَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذهُ بِغَيْرِ حَقّه كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُل وَلَا يَشْبَع وَيَكُون عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْم الْقِيَامَة ) . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : | يَوْمَئِذٍ تُحَدِّث أَخْبَارهَا | [ الزَّلْزَلَة : 4 ] قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا ) ؟ قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : ( فَإِنَّ أَخْبَارهَا أَنْ تَشْهَد عَلَى كُلّ عَبْد أَوْ أَمَة بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرهَا , تَقُول عَمِلَ يَوْم كَذَا كَذَا كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَهَذِهِ أَخْبَارهَا ) . قَالَ حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح . وَقِيلَ : الشَّاهِد الْخَلْق , شَهِدُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ . وَالْمَشْهُود لَهُ بِالتَّوْحِيدِ هُوَ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : الْمَشْهُود يَوْم الْجُمْعَة ; كَمَا رَوَى أَبُو الدَّرْدَاء قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاة يَوْم الْجُمْعَة فَإِنَّهُ يَوْم مَشْهُود تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَة ... ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَغَيْره . قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَوْم عَرَفَة مَشْهُود ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَة تَشْهَدُهُ , وَتَنْزِل فِيهِ بِالرَّحْمَةِ . وَكَذَا يَوْم النَّحْر إِنْ شَاءَ اللَّه . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْعَطَّار : الشَّاهِد الْحَجَر الْأَسْوَد ; يَشْهَد لِمَنْ لَمَسَهُ بِصِدْقٍ وَإِخْلَاص وَيَقِين . وَالْمَشْهُود الْحَاجُّ . وَقِيلَ : الشَّاهِد الْأَنْبِيَاء , وَالْمَشْهُود مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; بَيَانه : | وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَاب وَحِكْمَة | إِلَى قَوْله تَعَالَى | وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ | [ آل عِمْرَان : 81 ] .

قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

أَيْ لُعِنَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن | قُتِلَ | فَهُوَ لُعِنَ . وَهَذَا جَوَاب الْقَسَم فِي قَوْل الْفَرَّاء - وَاللَّام فِيهِ مُضْمَرَة ; كَقَوْلِهِ : | وَالشَّمْس وَضُحَاهَا | [ الشَّمْس : 1 ] ثُمَّ قَالَ | قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا | [ الشَّمْس : 9 ] : أَيْ لَقَدْ أَفْلَحَ . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ قُتِلَ أَصْحَاب الْأُخْدُود وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج ; قَالَهُ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِيّ . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا غَلَط لِأَنَّهُ لَا يَجُوز لِقَائِلٍ أَنْ يَقُول : وَاَللَّه قَامَ زَيْد عَلَى مَعْنَى قَامَ زَيْد وَاَللَّه . وَقَالَ قَوْم : جَوَاب الْقَسَم | إِنَّ بَطْش رَبّك لَشَدِيد | وَهَذَا قَبِيح ; لِأَنَّ الْكَلَام قَدْ طَالَ بَيْنهمَا . وَقِيلَ : | إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا | . وَقِيلَ : جَوَاب الْقَسَم مَحْذُوف , أَيْ وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج لَتُبْعَثُنَّ . وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَالْأُخْدُود : الشِّقّ الْعَظِيم الْمُسْتَطِيل فِي الْأَرْض كَالْخَنْدَقِ , وَجَمْعه أَخَادِيد . وَمِنْهُ الْخَدّ لِمَجَارِي الدُّمُوع , وَالْمِخَدَّة ; لِأَنَّ الْخَدّ يُوضَع عَلَيْهَا . وَيُقَال : تَخَدَّدَ وَجْه الرَّجُل : إِذَا صَارَتْ فِيهِ أَخَادِيد مِنْ جِرَاح . قَالَ طَرَفَة : <br>وَوَجْه كَأَنَّ الشَّمْس حَلَّتْ رِدَاءَهَا .......... عَلَيْهِ نَقِيّ اللَّوْن لَمْ يَتَخَدَّد<br>

النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ

| النَّار | بَدَل مِنْ | الْأُخْدُود | بَدَل الِاشْتِمَال . وَ | الْوَقُود | بِفَتْحِ الْوَاو قِرَاءَة الْعَامَّة وَهُوَ الْحَطَب . وَقَرَأَ قَتَادَة وَأَبُو رَجَاء وَنَصْر بْن عَاصِم ( بِضَمِّ الْوَاو ) عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ ذَات الِاتِّقَاد وَالِالْتِهَاب . وَقِيلَ : ذَات الْوُقُود بِأَبْدَانِ النَّاس . وَقَرَأَ أَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَأَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ وَابْن السَّمَيْقَع | النَّار ذَات | بِالرَّفْعِ فِيهِمَا ; أَيْ أَحْرَقَتْهُمْ النَّار ذَات الْوَقُود .

إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ

أَيْ الَّذِينَ خَدَّدُوا الْأَخَادِيد وَقَعَدُوا عَلَيْهَا يُلْقُونَ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ , وَكَانُوا بِنَجْرَان فِي الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرُّوَاة فِي حَدِيثِهِمْ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ صُهَيْب : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ مَلِك فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ , وَكَانَ لَهُ سَاحِر ; فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْت فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمهُ السِّحْر ; فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ ; فَكَانَ فِي طَرِيقه إِذَا سَلَكَ , رَاهِب , فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامه , فَأَعْجَبَهُ ; فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِر مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ ; فَإِذَا أَتَى السَّاحِر ضَرَبَهُ ; فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِب , فَقَالَ : إِذَا خَشِيت السَّاحِر فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي . وَإِذَا خَشِيت أَهْلَكَ فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِر . فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّة عَظِيمَة قَدْ حَبَسَتْ النَّاس , فَقَالَ : الْيَوْم أَعْلَم السَّاحِر أَفْضَل أَمْ الرَّاهِب أَفْضَل ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْر الرَّاهِب أَحَبَّ إِلَيْك مِنْ أَمْر السَّاحِر فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّة , حَتَّى يَمْضِي النَّاس ; فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاس . فَأَتَى الرَّاهِب فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِب : أَيْ بَنِي ؟ أَنْتَ الْيَوْم أَفْضَل مِنِّي , قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرك مَا أَرَى , وَإِنَّك سَتُبْتَلَى ; فَإِنْ ابْتُلِيت فَلَا تَدُلّ عَلَيَّ . وَكَانَ الْغُلَام يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَيُدَاوِي النَّاس مِنْ سَائِر الْأَدْوَاء . فَسَمِعَ جَلِيس لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ , فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَة فَقَالَ : مَا هَا هُنَا لَك أَجْمَع إِنْ أَنْتَ شَفَيْتنِي . فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا , إِنَّمَا يَشْفِي اللَّه ; فَإِنْ أَنْتَ آمَنْت بِاَللَّهِ دَعَوْت اللَّه فَشَفَاك ؟ فَآمَنَ بِاَللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّه . فَأَتَى الْمَلِك فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِس ; فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَنْ رَدَّ عَلَيْك بَصَرك ؟ قَالَ رَبِّي . قَالَ : وَلَك رَبٌّ غَيْرِي ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَام ; فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : أَيْ بُنَيَّ ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِك مَا تُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَتَفْعَل وَتَفْعَل ؟ ! قَالَ : أَنَا لَا أَشْفِي أَحَدًا , إِنَّمَا يَشْفِي اللَّه . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِب ; فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ , فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِك . فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ , فَوَضَعَ الْمِنْشَار فِي مَفْرِق رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ . ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِك فَقِيلَ لَهُ : اِرْجِعْ عَنْ دِينك ; فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَار فِي مَفْرِق رَأْسه , فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ . ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينك , فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ : اِذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَل كَذَا وَكَذَا , فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَل , فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَته فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينه وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ ; فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَل فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْت ; فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَل , فَسَقَطُوا . وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِك , فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَا فَعَلَ أَصْحَابك ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمْ اللَّه . فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَقَالَ : اِذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُور , فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْر , فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينه وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ ; فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِم بِمَا شِئْت ; فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَة , فَغَرِقُوا . وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِك , فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَا فَعَلَ أَصْحَابُك ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمْ اللَّه . فَقَالَ لِلْمَلِكِ : إِنَّك لَسْت بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَل مَا آمُرُك بِهِ . قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , وَتَصْلُبنِي عَلَى جِذْع , ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي , ثُمَّ ضَعْ السَّهْم فِي كَبِد الْقَوْس , ثُمَّ قُلْ : بِاسْمِ اللَّه رَبّ الْغُلَام , ثُمَّ ارْمِنِي ; فَإِنَّك إِذَا فَعَلْت ذَلِكَ قَتَلْتنِي . فَجَمَعَ النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد , وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْع , ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَته , ثُمَّ وَضَعَ السَّهْم فِي كَبِد الْقَوْس ثُمَّ قَالَ : بِاسْمِ اللَّه رَبّ الْغُلَام ; ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْم فِي صُدْغه , فَوَضَعَ يَده فِي صُدْغه , فِي مَوْضِع السَّهْم , فَمَاتَ ; فَقَالَ النَّاس : آمَنَا بِرَبِّ الْغُلَام ! آمَنَا بِرَبِّ الْغُلَام ! آمَنَا بِرَبِّ الْغُلَام فَأُتِيَ الْمَلِك فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْت مَا كُنْت , تَحْذَر ؟ قَدْ وَاَللَّه نَزَلَ بِك حَذَرُك , قَدْ آمَنَ النَّاس ; فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاه السِّكَك , فَخُدَّتْ , وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ , وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجِع عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا - أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ - فَفَعَلُوا ; حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَة وَمَعَهَا صَبِيّ لَهَا , فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَع فِيهَا , فَقَالَ , لَهَا الْغُلَام : ( يَا أُمَّهِ اِصْبِرِي فَإِنَّك عَلَى الْحَقّ ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ بِمَعْنَاهُ . وَفِيهِ : ( وَكَانَ عَلَى طَرِيق الْغُلَام رَاهِب فِي صَوْمَعَة ) قَالَ مَعْمَر : أَحْسَب أَنَّ أَصْحَاب الصَّوَامِع كَانُوا يَوْمئِذٍ مُسْلِمِينَ . وَفِيهِ : ( أَنَّ الدَّابَّة الَّتِي حَبَسَتْ النَّاس كَانَتْ أَسَدًا , وَأَنَّ الْغُلَام دُفِنَ - قَالَ - : فَيُذْكَر أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغه كَمَا وَضَعَهَا حِين قُتِلَ ) . وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب . وَرَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ مَلِك بِنَجْرَان , وَفِي رَعِيَّتِهِ رَجُل لَهُ فَتًى , فَبَعَثَهُ إِلَى سَاحِر يُعَلِّمُهُ السِّحْر , وَكَانَ طَرِيق الْفَتَى عَلَى رَاهِب يَقْرَأ الْإِنْجِيل ; فَكَانَ يُعْجِبُهُ مَا يَسْمَعُهُ مِنْ الرَّاهِب , فَدَخَلَ فِي دِين الرَّاهِب ; فَأَقْبَلَ يَوْمًا فَإِذَا حَيَّة عَظِيمَة قَطَعَتْ عَلَى النَّاس طَرِيقَهُمْ , فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ بِاسْمِ اللَّه رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا ; فَقَتَلَهَا . وَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ . وَأَنَّ الْمَلِك لَمَّا رَمَاهُ بِالسَّهْمِ وَقَتَلَهُ قَالَ أَهْل مَمْلَكَة الْمَلِك : لَا إِلَه إِلَّا إِلَه عَبْد اللَّه بْن ثَامِر , وَكَانَ اِسْم الْغُلَام , فَغَضِبَ الْمَلِك , وَأَمَرَ فَخُدَّتْ أَخَادِيد , وَجُمِعَ فِيهَا حَطَب وَنَار , وَعَرَضَ أَهْل مَمْلَكَته عَلَيْهَا , فَمَنْ رَجَعَ عَنْ التَّوْحِيد تَرَكَهُ , وَمَنْ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ قَذَفَهُ فِي النَّار . وَجِيءَ بِامْرَأَةٍ مُرْضِع فَقِيلَ لَهَا اِرْجِعِي عَنْ دِينِك وَإِلَّا قَذَفْنَاك وَوَلَدك - قَالَ - فَأَشْفَقَتْ وَهَمَّتْ بِالرُّجُوعِ , فَقَالَ لَهَا الصَّبِيّ الْمُرْضِع : يَا أُمِّي , اُثْبُتِي عَلَى مَا أَنْتِ عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا هِيَ غُمَيْضَة ; فَأَلْقَوْهَا وَابْنهَا . وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّار ارْتَفَعَتْ مِنْ الْأُخْدُود فَصَارَتْ فَوْق الْمَلِك وَأَصْحَابه أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَأَحْرَقَتْهُمْ . وَقَالَ الضَّحَّاك : هُمْ قَوْم مِنْ النَّصَارَى كَانُوا بِالْيَمَنِ قَبْل مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَة , أَخَذَهُمْ يُوسُف بْن شَرَاحِيل بْن تُبَّع الْحِمْيَرِيّ , وَكَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ رَجُلًا , وَحَفَرَ لَهُمْ أُخْدُودًا وَأَحْرَقَهُمْ فِيهِ . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ , وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَاب الْأُخْدُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , أَخَذُوا رِجَالًا وَنِسَاء , فَخَدُّوا لَهُمْ الْأَخَادِيد , ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهَا النَّار , ثُمَّ أُقِيمَ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهَا . وَقِيلَ لَهُمْ : تَكْفُرُونَ أَوْ تُقْذَفُونَ فِي النَّار ؟ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَانْيَال وَأَصْحَابه ; وَقَالَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ . وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّ مَلِكًا سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْته , فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ شَرْعًا فِي رَعِيَّتِهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا ; فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَخْطُب بِأَنَّ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أَحَلَّ نِكَاح الْأَخَوَات , فَلَمْ يُسْمَع مِنْهُ . فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَخُدّ لَهُمْ الْأُخْدُود , وَيُلْقِي فِيهِ كُلّ مَنْ عَصَاهُ . فَفَعَلَ . قَالَ : وَبَقَايَاهُمْ يَنْكِحُونَ الْأَخَوَات وَهُمْ الْمَجُوس , وَكَانُوا أَهْل كِتَاب . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَيْضًا أَنَّ أَصْحَاب الْأُخْدُود كَانَ سَبَبهمْ أَنَّ نَبِيًّا بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْحَبَشَة , فَاتَّبَعَهُ نَاس , فَخَدَّ لَهُمْ قَوْمُهُمْ أُخْدُودًا , فَمَنْ اِتَّبَعَ النَّبِيّ رُمِيَ فِيهَا , فَجِيءَ بِامْرَأَةٍ لَهَا بُنَيٌّ رَضِيع فَجَزِعَتْ , فَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّاهُ , امْضِي وَلَا تَجْزَعِي . وَقَالَ أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : | قُتِلَ أَصْحَاب الْأُخْدُود | قَالَ : كَانُوا مِنْ قَوْمك مِنْ السِّجِسْتَان . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُمْ نَصَارَى نَجْرَان , أَخَذُوا بِهَا قَوْمًا مُؤْمِنِينَ , فَخَدُّوا لَهُمْ سَبْعَة أَخَادِيد , طُول كُلّ أُخْدُود أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا , وَعَرْضه اثْنَا عَشَر ذِرَاعًا . ثُمَّ طُرِحَ فِيهِ النِّفْط وَالْحَطَب , ثُمَّ عَرَضُوهُمْ عَلَيْهَا ; فَمَنْ أَبَى قَذَفُوهُ فِيهَا . وَقِيلَ : قَوْم مِنْ النَّصَارَى كَانُوا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ زَمَان قُسْطَنْطِين . وَقَالَ مُقَاتِل : أَصْحَاب الْأُخْدُود ثَلَاثَة ; وَاحِد بِنَجْرَان , وَالْآخَر بِالشَّامِ , وَالْآخَر بِفَارِس . أَمَّا الَّذِي بِالشَّامِّ فَـ | أنطنيانوس | الرُّومِيّ , وَأَمَّا الَّذِي بِفَارِس فَـ | بَخْتُنَصَّرَ | , وَاَلَّذِي بِأَرْضِ الْعَرَب يُوسُف بْن ذِي نُوَاس . فَلَمْ يُنْزِلْ اللَّه فِي الَّذِي بِفَارِس وَالشَّام قُرْآنًا , وَأَنْزَلَ قُرْآنًا فِي الَّذِي كَانَ بِنَجْرَان . وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ كَانَ أَحَدهمَا بِتِهَامَة , وَالْآخَر بِنَجْرَان , أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَفْسه , فَجَعَلَ يَعْمَل وَيَقْرَأ الْإِنْجِيل ; فَرَأَتْ اِبْنَة الْمُسْتَأْجِر النُّور فِي قِرَاءَة الْإِنْجِيل , فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا فَأَسْلَمَ . وَبَلَغُوا سَبْعَة وَثَمَانِينَ بَيْن رَجُل وَامْرَأَة , بَعْد مَا رُفِعَ عِيسَى , فَخَدَّ لَهُمْ يُوسُف بْن ذِي نُوَاس بْن تُبَّع الْحِمْيَرِيّ أُخْدُودًا , وَأَوْقَدَ فِيهِ النَّار ; وَعَرَضَهُمْ عَلَى الْكُفْر , فَمَنْ أَبَى أَنْ يَكْفُر قَذَفَهُ فِي النَّار , وَقَالَ : مَنْ رَجَعَ عَنْ دِين عِيسَى لَمْ يُقْذَف . وَإِنَّ اِمْرَأَة مَعَهَا وَلَدهَا صَغِير لَمْ يَتَكَلَّم , فَرَجَعَتْ , فَقَالَ لَهَا اِبْنهَا : يَا أُمَّاهُ , إِنِّي أَرَى أَمَامك نَارًا لَا تُطْفَأ , فَقَذَفَا - جَمِيعًا - أَنْفُسهمَا فِي النَّار , فَجَعَلَهَا اللَّه وَابْنهَا فِي الْجَنَّة . فَقُذِفَ فِي يَوْم وَاحِد سَبْعَة وَسَبْعُونَ إِنْسَانًا . وَقَالَ ابْن إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ رَجُل مِنْ بَقَايَا أَهْل دِين عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام , يُقَال لَهُ قيميون , وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا مُجَاب الدَّعْوَة , وَكَانَ سَائِحًا فِي الْقُرَى , لَا يَعْرِف بَقَرِيَّة إِلَّا مَضَى عَنْهَا , وَكَانَ بَنَّاء يَعْمَل الطِّين . قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَكَانَ أَهْل نَجْرَان أَهْل شِرْك يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام , وَكَانَ فِي قَرْيَة مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَان سَاحِر يُعَلِّم غِلْمَان أَهْل نَجْرَان السِّحْر ; فَلَمَّا نَزَلَ بِهَا قيميون , بَنَى بِهَا خَيْمَة بَيْن نَجْرَان وَبَيْن تِلْكَ الْقَرْيَة الَّتِي بِهَا السَّاحِر , فَجَعَلَ أَهْل نَجْرَان يَبْعَثُونَ غِلْمَانهمْ إِلَى ذَلِكَ السَّاحِر يُعَلِّمهُمْ السِّحْر , فَبَعَثَ إِلَيْهِ الثَّامِر عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر , فَكَانَ مَعَ غِلْمَان أَهْل نَجْرَان , وَكَانَ عَبْد اللَّه إِذَا مَرَّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَة أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْ أَمْر صَلَاته وَعِبَادَته , فَجَعَلَ يَجْلِس إِلَيْهِ وَيَسْمَع مِنْهُ , حَتَّى أَسْلَمَ , فَوَحَّدَ اللَّه وَعَبَدَهُ , وَجَعَلَ يَسْأَلهُ عَنْ اسْم اللَّه الْأَعْظَم , وَكَانَ الرَّاهِب يَعْلَمهُ , فَكَتَمَهُ إِيَّاهُ وَقَالَ : يَا اِبْن أَخِي , إِنَّك لَنْ تَحْمِلهُ , أَخْشَى ضَعْفك عَنْهُ ; وَكَانَ أَبُو الثَّامِر لَا يَظُنّ إِلَّا أَنَّ اِبْنه يَخْتَلِف إِلَى السَّاحِر كَمَا يَخْتَلِف الْغِلْمَان . فَلَمَّا رَأَى عَبْد اللَّه أَنَّ الرَّاهِب قَدْ بَخِلَ عَلَيْهِ بِتَعْلِيمِ اسْم اللَّه الْأَعْظَم , عَمَدَ إِلَى قِدَاح فَجَمَعَهَا , ثُمَّ لَمْ يُبْقِ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا يَعْلَمهُ إِلَّا كَتَبَهُ فِي قِدْح , لِكُلِّ اِسْم قِدْح ; حَتَّى إِذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا , ثُمَّ جَعَلَ يَقْذِفهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا , حَتَّى إِذَا مَرَّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَم قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ , فَوَثَبَ الْقِدْح حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْء , فَأَخَذَهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى صَاحِبه , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ عَلِمَ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم الَّذِي كَتَمَهُ إِيَّاهُ , فَقَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كَذَا وَكَذَا . قَالَ : وَكَيْف عَلِمْته ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ . فَقَالَ لَهُ : يَا اِبْن أَخِي , قَدْ أَصَبْته , فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسك , وَمَا أَظُنّ أَنْ تَفْعَل . فَجَعَلَ عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر إِذَا دَخَلَ نَجْرَان لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرٌّ إِلَّا قَالَ : يَا عَبْد اللَّه , أَتُوَحِّدُ اللَّه وَتَدْخُل فِي دِينِي , فَأَدْعُو اللَّه لَك فَيُعَافِيك مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء ؟ فَيَقُول : نَعَمْ ; فَيُوَحِّد اللَّه وَيُسْلِم , فَيَدْعُو اللَّه لَهُ فَيَشْفَى , حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَد بِنَجْرَان بِهِ ضُرّ إِلَّا أَتَاهُ فَاتَّبَعَهُ عَلَى دِينه وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ ; حَتَّى رُفِعَ شَأْنه إِلَى مَلِكِهِمْ , فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ : أَفْسَدْت عَلَيَّ أَهْل قَرْيَتِي , وَخَالَفْت دِينِي وَدِين آبَائِي , فَلْأُمَثِّلَنَّ بِك . قَالَ : لَا تَقْدِر عَلَى ذَلِكَ ; فَجَعَلَ يُرْسِل بِهِ إِلَى الْجَبَل الطَّوِيل , فَيُطْرَح عَنْ رَأْسه , فَيَقَع عَلَى الْأَرْض لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَجَعَلَ يَبْعَث بِهِ إِلَى مِيَاه نَجْرَان , بِحَار لَا يُلْقَى فِيهَا شَيْء إِلَّا هَلَكَ , فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُج لَيْسَ بِهِ بَأْس ; فَلَمَّا غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر : وَاَللَّه لَا تَقْدِر عَلَى قَتْلِي حَتَّى تُوَحِّد اللَّه وَتُؤْمِن بِمَا آمَنْت بِهِ ; فَإِنَّك إِنْ فَعَلْت ذَلِكَ سُلِّطْت عَلَيَّ وَقَتَلْتنِي . فَوَحَّدَ اللَّه ذَلِكَ الْمَلِك وَشَهِدَ شَهَادَته , ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصًا فَشَجَّهُ شَجَّة صَغِيرَة لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ , فَقَتَلَهُ , وَهَلَكَ الْمَلِك مَكَانه , وَاجْتَمَعَ أَهْل نَجْرَان عَلَى دِين عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر , وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بْن مَرْيَم مِنْ الْإِنْجِيل وَحُكْمه . ثُمَّ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْل دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاث ; فَمِنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْل النَّصْرَانِيَّة بِنَجْرَان . فَسَارَ إِلَيْهِمْ ذُو نُوَاس الْيَهُودِيّ بِجُنُودِهِ مِنْ حِمْيَر , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّة , وَخَيَّرَهُمْ بَيْن ذَلِكَ أَوْ الْقَتْل , فَاخْتَارُوا الْقَتْل , فَخَدَّ لَهُمْ الْأُخْدُود , فَحَرَّقَ بِالنَّارِ وَقَتَلَ بِالسَّيْفِ , وَمَثَّلَ بِهِمْ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ عِشْرِينَ أَلْفًا . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : كَانَ أَصْحَاب الْأُخْدُود سَبْعِينَ أَلْفًا قَالَ وَهْب ثُمَّ لَمَّا غَلَبَ أَرِيَاط عَلَى الْيَمَن خَرَجَ ذُو نُوَاس هَارِبًا , فَاقْتَحَمَ الْبَحْر بِفَرَسِهِ فَغَرِقَ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَذُو نُوَاس هَذَا اِسْمه زُرْعَة بْن تُبَّان أَسْعَد الْحِمْيَرِيّ , وَكَانَ أَيْضًا يُسَمَّى يُوسُف , وَكَانَ لَهُ غَدَائِر مِنْ شَعْر تَنُوس , أَيْ تَضْطَرِب , فَسُمِّيَ ذَا نُوَاس , وَكَانَ فَعَلَ هَذَا بِأَهْلِ نَجْرَان , فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُل اِسْمه دَوْس ذُو ثَعْلَبَان , فَسَاقَ الْحَبَشَة لِيَنْتَصِر بِهِمْ , فَمَلَكُوا الْيَمَن وَهَلَكَ ذُو نُوَاس فِي الْبَحْر , أَلْقَى نَفْسه فِيهِ , وَفِيهِ يَقُول عَمْرو بْن مَعْدِي كَرِب : <br>أَتُوعِدُنِي كَأَنَّك ذُو رُعَيْن .......... بِأَنْعَم عِيشَة أَوْ ذُو نُوَاسِ <br><br>وَكَائِن كَانَ قَبْلك مِنْ نَعِيم .......... وَمُلْك ثَابِت فِي النَّاس رَاسِ <br><br>قَدِيم عَهْده مِنْ عَهْد عَادٍ .......... عَظِيم قَاهِر الْجَبَرُوت قَاسِ <br><br>أَزَالَ الدَّهْر مُلْكهمْ فَأَضْحَى .......... يُنْقَل مِنْ أُنَاس فِي أُنَاسِ <br>وَذُو رُعَيْن : مَلِك مِنْ مُلُوك حِمْيَر . وَرُعَيْن حِصْن لَهُ وَهُوَ مِنْ وَلَد الْحَارِث بْن عَمْرو بْن حِمْيَر بْن سَبَأ . مَسْأَلَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : أَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فِي هَذِهِ الْآيَة , مَا كَانَ يَلْقَاهُ مَنْ وَحَّدَ قَبْلهمْ مِنْ الشَّدَائِد , يُؤْنِسهُمْ بِذَلِكَ . وَذَكَرَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّة الْغُلَام لِيَصْبِرُوا عَلَى مَا يُلَاقُونَ مِنْ الْأَذَى وَالْآلَام , وَالْمَشَقَّات الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا , لِيَتَأَسَّوْا بِمِثْلِ هَذَا الْغُلَام , فِي صَبْره وَتَصَلُّبِهِ فِي الْحَقّ وَتَمَسُّكِهِ بِهِ , وَبَذْله نَفْسه فِي حَقّ إِظْهَار دَعَوْته , وَدُخُول النَّاس فِي الدِّين مَعَ صِغَر سِنّه وَعِظَم صَبْره . وَكَذَلِكَ الرَّاهِب صَبَرَ عَلَى التَّمَسُّك بِالْحَقِّ حَتَّى نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ . وَكَذَلِكَ كَثِير مِنْ النَّاس لَمَّا آمَنُوا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَسَخَ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ , صَبَرُوا عَلَى الطَّرْح فِي النَّار وَلَمْ يَرْجِعُوا فِي دِينهمْ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مَنْسُوخ عِنْدنَا , حَسْب مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | النَّحْل | . قُلْت : لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ عِنْدنَا , وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى ذَلِكَ لِمَنْ قَوِيَتْ نَفْسه وَصَلُبَ دِينه أَوْلَى , قَالَ اللَّه تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ لُقْمَان : | يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاة وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَر وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور | [ لُقْمَان : 17 ] : وَرَوَى أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ أَعْظَم الْجِهَاد كَلِمَة عَدْل عِنْد سُلْطَان جَائِر ) : خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب , وَرَوَى اِبْن سَنْجَر ( مُحَمَّد بْن سَنْجَر ) عَنْ أُمَيْمَة مَوْلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كُنْت أُوَضِّئ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَاهُ رَجُل , قَالَ : أَوْصِنِي فَقَالَ : ( لَا تُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْت أَوْ حُرِّقْت بِالنَّارِ ... ) الْحَدِيث قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَلَقَدْ اُمْتُحِنَ كَثِير مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْب وَالتَّعْذِيب الشَّدِيد , فَصَبَرُوا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَيَكْفِيك قِصَّة عَاصِم وَخُبَيْب وَأَصْحَابهمَا وَمَا لَقُوا مِنْ الْحُرُوب وَالْمِحَن وَالْقَتْل وَالْأَسْر وَالْحَرْق , وَغَيْر ذَلِكَ , وَقَدْ مَضَى فِي | النَّحْل | أَنَّ هَذَا إِجْمَاع مِمَّنْ قَوِيَ فِي ذَلِكَ , فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ . قَوْله تَعَالَى : | قُتِلَ أَصْحَاب الْأُخْدُود | دُعَاء عَلَى هَؤُلَاءِ الْكُفَّار بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى : وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْإِخْبَار عَنْ قَتْل أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ , أَيْ إِنَّهُمْ قُتِلُوا بِالنَّارِ فَصَبَرُوا : وَقِيلَ : هُوَ إِخْبَار عَنْ أُولَئِكَ الظَّالِمِينَ , فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ اللَّه قَبَضَ أَرْوَاح الَّذِينَ أُلْقُوا فِي الْأُخْدُود قَبْل أَنْ يَصِلُوا إِلَى النَّار , وَخَرَجَتْ نَار مِنْ الْأُخْدُود فَأَحْرَقَتْ الَّذِينَ هُمْ عَلَيْهَا قُعُود : وَقِيلَ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ نَجَوْا , وَأَحْرَقَتْ النَّار الَّذِينَ قَعَدُوا , ذَكَرَهُ النَّحَّاس , وَمَعْنَى | عَلَيْهَا | أَيْ عِنْدهَا وَعَلَى بِمَعْنَى عِنْد , وَقِيلَ : | عَلَيْهَا | عَلَى مَا يَدْنُو مِنْهَا مِنْ حَافَات الْأُخْدُود , كَمَا قَالَ : وَبَاتَ عَلَى النَّار النَّدَى وَالْمُحَلِّق الْعَامِل فِي | إِذْ | : | قُتِلَ | , أَيْ لُعِنُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْت .

وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ

أَيْ حُضُور : يَعْنِي الْكُفَّار , كَانُوا يَعْرِضُونَ الْكُفْر عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَمَنْ أَبَى أَلْقَوْهُ فِي النَّار وَفِي ذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالْقَسْوَةِ ثُمَّ بِالْجَدِّ فِي ذَلِكَ : وَقِيلَ : | عَلَى | بِمَعْنَى مَعَ , أَيْ وَهُمْ : مَعَ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُود .

وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَة | نَقِمُوا | بِالْكَسْرِ , وَالْفَصِيح هُوَ الْفَتْح , وَقَدْ مَضَى فِي | التَّوْبَة | الْقَوْل فِيهِ : أَيْ مَا نَقَمَ الْمَلِك وَأَصْحَابه مِنْ الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ .|إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا|أَيْ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوا .|بِاللَّهِ الْعَزِيزِ|أَيْ الْغَالِب الْمَنِيع .|الْحَمِيدِ|أَيْ الْمَحْمُود فِي كُلّ حَال .

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

لَا شَرِيك لَهُ وَلَا نَدِيد|وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ|أَيْ عَالِم بِأَعْمَالِ خَلْقه لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة .

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

أَيْ حَرَّقُوهُمْ بِالنَّارِ . وَالْعَرَب تَقُول : فَتَنَ فُلَانٌ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ إِذَا أَدْخَلَهُ الْكَوْرَ لِيَنْظُر جَوْدَتَهُ . وَدِينَار مَفْتُون . وَيُسَمَّى الصَّائِغ الْفَتَّان , وَكَذَلِكَ الشَّيْطَان , وَوَرِق فَتِين , أَيْ فِضَّة مُحْتَرِقَة . وَيُقَال لِلْحَرَّةِ فَتِين , أَيْ كَأَنَّهَا أَحْرَقَتْ حِجَارَتهَا بِالنَّارِ , وَذَلِكَ لِسَوَادِهَا .|ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا|أَيْ مِنْ قَبِيح صَنِيعهمْ مَعَ مَا أَظْهَرَهُ اللَّه لِهَذَا الْمَلِك الْجَبَّار الظَّالِم وَقَوْمه مِنْ الْآيَات وَالْبَيِّنَات عَلَى يَد الْغُلَام .|فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ|لِكُفْرِهِمْ .|وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ|فِي الدُّنْيَا لِإِحْرَاقِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : | وَلَهُمْ عَذَاب الْحَرِيق | أَيْ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب زَائِد عَلَى عَذَاب كُفْرهمْ بِمَا أَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : لَهُمْ عَذَاب , وَعَذَاب جَهَنَّم الْحَرِيق . وَالْحَرِيق : اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم ; كَالسَّعِيرِ . وَالنَّار دَرَكَات وَأَنْوَاع وَلَهَا أَسْمَاء . وَكَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِالزَّمْهَرِيرِ فِي جَهَنَّم , ثُمَّ يُعَذَّبُونَ بِعَذَابِ الْحَرِيق . فَالْأَوَّل عَذَاب بِبَرْدِهَا , وَالثَّانِي عَذَاب بِحَرِّهَا .

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِاَللَّهِ ; أَيْ صَدَّقُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ .|وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ|أَيْ بَسَاتِين .|تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ|مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَمِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه , وَمِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ , وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى .|ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ|أَيْ الْعَظِيم , الَّذِي لَا فَوْز يُشْبِههُ .

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

أَيْ أَخْذُهُ الْجَبَابِرَة وَالظَّلَمَة , كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : | وَكَذَلِكَ أَخْذ رَبّك إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَة , إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيم شَدِيد | [ هُود : 102 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ . قَالَ الْمُبَرِّد : | إِنَّ بَطْش رَبّك | جَوَاب الْقَسَم . الْمَعْنَى : وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج إِنَّ بَطْش رَبّك , وَمَا بَيْنهمَا مُعْتَرِض مُؤَكِّد لِلْقَسَمِ . وَكَذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول : إِنَّ الْقَسَم وَاقِع عَمَّا ذُكِرَ صِفَته بِالشِّدَّةِ .

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

يَعْنِي الْخَلْق - عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء - يَخْلُقهُمْ اِبْتِدَاء , ثُمَّ يُعِيدهُمْ عِنْد الْبَعْث , وَرَوَى عِكْرِمَة قَالَ : عَجِبَ الْكُفَّار مِنْ إِحْيَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْأَمْوَات , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : يُبْدِئ لَهُمْ عَذَاب الْحَرِيق فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ يُعِيدهُ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَة . وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ .

وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ

أَيْ السَّتُور لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَفْضَحهُمْ بِهَا .|الْوَدُودُ|أَيْ الْمُحِبّ لِأَوْلِيَائِهِ . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَمَا يَوَدّ أَحَدكُمْ أَخَاهُ بِالْبُشْرَى وَالْمَحَبَّة . وَعَنْهُ أَيْضًا | الْوَدُود | أَيْ الْمُتَوَدِّد إِلَى أَوْلِيَائِهِ بِالْمَغْفِرَةِ , وَقَالَ مُجَاهِد الْوَادّ لِأَوْلِيَائِهِ , فَعُول بِمَعْنَى فَاعِل . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الرَّحِيم , وَحَكَى الْمُبَرِّد عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي أَنَّ الْوَدُود هُوَ الَّذِي لَا وَلَد لَهُ , وَأَنْشَدَ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَأَرْكَب فِي الرَّوْع عُرْيَانَة .......... ذَلُول الْجَنَاح لَقَاحًا وَدُودَا <br>أَيْ لَا وَلَد لَهَا تَحِنّ إِلَيْهِ , وَيَكُون مَعْنَى الْآيَة : إِنَّهُ يَغْفِر لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَد يُغْفَر لَهُمْ مِنْ أَجَله , لِيَكُونَ بِالْمَغْفِرَةِ مُتَفَضِّلًا مِنْ غَيْر جَزَاء . وَقِيلَ : الْوَدُود بِمَعْنَى الْمَوْدُود , كَرَكُوبٍ وَحَلُوب , أَيْ يَوَدُّهُ عِبَاده الصَّالِحُونَ وَيُحِبُّونَهُ .

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ

قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا | الْمَجِيد | بِالْخَفْضِ , نَعْتًا لِلْعَرْشِ . وَقِيلَ : لِـ | رَبّك | ; أَيْ إِنَّ بَطْش رَبّك الْمَجِيد لَشَدِيد , وَلَمْ يَمْتَنِع الْفَصْل , لِأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الصِّفَة فِي التَّشْدِيد . الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِـ | ذُو | وَهُوَ اللَّه تَعَالَى . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَبُو حَاتِم ; لِأَنَّ الْمَجْد هُوَ النِّهَايَة فِي الْكَرَم وَالْفَضْل , وَاَللَّه سُبْحَانه الْمَنْعُوت بِذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ وَصَفَ عَرْشه بِالْكَرِيمِ فِي آخِر | الْمُؤْمِنُونَ | . تَقُول الْعَرَب : فِي كُلّ شَجَر نَار , وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخ وَالْعَفَار ; أَيْ تَنَاهَيَا فِيهِ , حَتَّى يُقْتَبَس مِنْهُمَا . وَمَعْنَى ذُو الْعَرْش : أَيْ ذُو الْمُلْك وَالسُّلْطَان ; كَمَا يُقَال : فُلَان عَلَى سَرِير مُلْكه ; وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَرِير . وَيُقَال : ثُلَّ عَرْشه : أَيْ ذَهَبَ سُلْطَانه . وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا فِي | الْأَعْرَاف | وَخَاصَّة فِي | كِتَاب الْأَسْنَى , فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى | .

فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

أَيْ لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء يُرِيدهُ . الزَّمَخْشَرِيّ : | فَعَّال | خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف . وَإِنَّمَا قِيلَ : | فَعَّال | لِأَنَّ مَا يُرِيد وَيَفْعَل فِي غَايَة الْكَثْرَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : هُوَ رَفْع عَلَى التَّكْرِير وَالِاسْتِئْنَاف ; لِأَنَّهُ نَكِرَة مَحْضَة . وَقَالَ الطَّبَرِيّ : رَفْع | فَعَّال | وَهِيَ نَكِرَةٌ مَحْضَة عَلَى وَجْه الْإِتْبَاع لِإِعْرَابِ | الْغَفُور الْوَدُود | . وَعَنْ أَبِي السَّفَر قَالَ : دَخَلَ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَعُودُونَهُ فَقَالُوا : أَلَا نَأْتِيك بِطَبِيبٍ ؟ قَالَ : قَدْ رَآنِي ! قَالُوا : فَمَا قَالَ لَك ؟ قَالَ : قَالَ : إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ .

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ

أَيْ قَدْ أَتَاك يَا مُحَمَّد خَبَر الْجُمُوع الْكَافِرَة الْمُكَذِّبَة لِأَنْبِيَائِهِمْ ; يُؤْنِسهُ بِذَلِكَ وَيُسَلِّيه . ثُمَّ بَيَّنَهُمْ فَقَالَ .

فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ

وَهُمَا فِي مَوْضِع جَرّ عَلَى الْبَدَل مِنْ | الْجُنُود | . الْمَعْنَى : إِنَّك قَدْ عَرَفْت مَا فَعَلَ اللَّه بِهِمْ حِين كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُله .

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ

أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِك .|فِي تَكْذِيبٍ|لَك ; كَدَأْبِ مَنْ قَبْلهمْ . وَإِنَّمَا خَصَّ فِرْعَوْن وَثَمُود ; لِأَنَّ ثَمُود فِي بِلَاد الْعَرَب وَقِصَّتهمْ عِنْدهمْ مَشْهُورَة وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَأَمْر فِرْعَوْن كَانَ مَشْهُورًا عِنْد أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ , وَكَانَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْهَلَاك ; فَدَلَّ بِهِمَا عَلَى أَمْثَالهمَا فِي الْهَلَاك . وَاَللَّه أَعْلَم .

وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ

أَيْ يَقْدِر عَلَى أَنْ يُنْزِل بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِفِرْعَوْن . وَالْمُحَاط بِهِ كَالْمَحْصُورِ . وَقِيلَ : أَيْ وَاَللَّه عَالِم بِهِمْ فَهُوَ يُجَازِيهِمْ .

بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ

أَيْ مُتَنَاهٍ فِي الشَّرَف وَالْكَرَم وَالْبَرَكَة , وَهُوَ بَيَان مَا بِالنَّاسِ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَام الدِّين وَالدُّنْيَا , لَا كَمَا زَعَمَ الْمُشْرِكُونَ . وَقِيلَ | مَجِيد | : أَيْ غَيْر مَخْلُوق .

فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ

أَيْ مَكْتُوب فِي لَوْح . وَهُوَ مَحْفُوظ عِنْد اللَّه تَعَالَى مِنْ وُصُول الشَّيَاطِين إِلَيْهِ . وَقِيلَ : هُوَ أُمّ الْكِتَاب ; وَمِنْهُ اُنْتُسِخَ الْقُرْآن وَالْكُتُب . وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : | اللَّوْح مِنْ يَاقُوتَة حَمْرَاء , أَعْلَاهُ مَعْقُود بِالْعَرْشِ وَأَسْفَله فِي حِجْر مَلَك يُقَال لَهُ مَاطِرْيُون , كِتَابه نُور , وَقَلَمه نُور , يَنْظُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كُلّ يَوْم ثَلَاثمِائِة وَسِتِّينَ نَظْرَة ; لَيْسَ مِنْهَا نَظْرَة إِلَّا وَهُوَ يَفْعَل مَا يَشَاء ; يَرْفَع وَضِيعًا , وَيَضَع رَفِيعًا , وَيُغْنِي فَقِيرًا , وَيُفْقِر غَنِيًّا ; يُحْيِي وَيُمِيت , وَيَفْعَل مَا يَشَاء ; لَا إِلَه إِلَّا هُوَ | . وَقَالَ أَنَس بْن مَالِك وَمُجَاهِد , إِنَّ اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي جَبْهَة إِسْرَافِيل . وَقَالَ مُقَاتِل : اللَّوْح الْمَحْفُوظ عَنْ يَمِين الْعَرْش . وَقِيلَ : اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي فِيهِ أَصْنَاف الْخَلْق وَالْخَلِيقَة , وَبَيَان أُمُورهمْ , وَهُوَ أُمّ الْكِتَاب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَوَّل شَيْء كَتَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ | إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا , مُحَمَّد رَسُولِي , مَنْ اِسْتَسْلَمَ لِقَضَائِي , وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِي , وَشَكَرَ نَعْمَائِي , كَتَبْته صِدِّيقًا وَبَعَثْته مَعَ الصِّدِّيقِينَ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِم لِقَضَائِي وَلَمْ يَصْبِر عَلَى بَلَائِي , وَلَمْ يَشْكُر نَعْمَائِي , فَلْيَتَّخِذْ إِلَهًا سِوَايَ | . وَكَتَبَ الْحَجَّاج إِلَى مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَتَوَعَّدهُ ; فَكَتَبَ إِلَيْهِ اِبْن الْحَنَفِيَّة : | بَلَغَنِي أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلّ يَوْم ثَلَاثمِائِة وَسِتِّينَ نَظْرَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ; يُعِزّ وَيُذِلّ , وَيَبْتَلِي وَيُفْرِح , وَيَفْعَل مَا يُرِيد ; فَلَعَلَّ نَظْرَة مِنْهَا تُشْغِلك بِنَفْسِك , فَتَشْتَغِل بِهَا وَلَا تَتَفَرَّغ | . وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ : اللَّوْح شَيْء يَلُوح لِلْمَلَائِكَةِ فَيَقْرَءُونَهُ . وَقَرَأَ اِبْن السَّمَيْقَع وَأَبُو حَيْوَة | قُرْآن مَجِيد | عَلَى الْإِضَافَة ; أَيْ قُرْآن رَبّ مَجِيد . وَقَرَأَ نَافِع | فِي لَوْح مَحْفُوظٌ | بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْقُرْآنِ ; أَيْ بَلْ هُوَ قُرْآن مَجِيد مَحْفُوظ فِي لَوْح . الْبَاقُونَ ( بِالْجَرِّ ) نَعْتًا لِـ | لَوْح | . وَالْقُرَّاء مُتَّفِقُونَ عَلَى فَتْح اللَّام مِنْ | لَوْح | إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُر ; فَإِنَّهُ قَرَأَ | لُوح | بِضَمِّ اللَّام , أَيْ إِنَّهُ يَلُوح , وَهُوَ ذُو نُور وَعُلُوّ وَشَرَف . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : وَاللَّوْح الْهَوَاء ; يَعْنِي اللَّوْح فَوْق السَّمَاء السَّابِعَة الَّذِي فِيهِ اللَّوْح . وَفِي الصِّحَاح : لَاحَ الشَّيْء يَلُوح لَوْحًا أَيْ لَمَحَ . وَلَاحَهُ السَّفَر : غَيْره . وَلَاحَ لَوْحًا وَلُوَاحًا : عَطَش , وَالْتَاحَ مِثْله . وَاللَّوْح : الْكَتِف , وَكُلّ عَظْم عَرِيض . وَاللَّوْح : الَّذِي يُكْتَب فِيهِ . وَاللُّوح ( بِالضَّمِّ ) : الْهَوَاء بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . وَالْحَمْد لِلَّهِ .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس