islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير القرطبى
12168

38-ص

ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ

أَيْ يُجْزَى بِهِ | الْجَزَاء الْأَوْفَى | قَالَ الْأَخْفَش : يُقَال جَزَيْته الْجَزَاء , وَجَزَيْته بِالْجَزَاءِ سَوَاء لَا فَرْق بَيْنهمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَة بْن سَعْد سَعْيه .......... لَمْ أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْم وَاحِدِ <br>فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ .

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ

أَيْ الْمَرْجِع وَالْمُرَاد وَالْمَصِير فَيُعَاقِب وَيُثِيب . وَقِيلَ : مِنْهُ اِبْتِدَاء الْمِنَّة وَإِلَيْهِ اِنْتِهَاء الْأَمَان . وَعَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : | وَأَنَّ إِلَى رَبّك الْمُنْتَهَى | قَالَ : ( لَا فِكْرَة فِي الرَّبّ ) . وَعَنْ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذْ ذُكِرَ اللَّه تَعَالَى فَانْتَهِ ) . قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( يَأْتِي الشَّيْطَان أَحَدكُمْ فَيَقُول مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُول لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر ( الْأَعْرَاف ) . وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : <br>وَلَا تُفْكِرَنْ فِي ذِي الْعُلَا عَزَّ وَجْهه .......... فَإِنَّك تُرْدَى إِنْ فَعَلْت وَتُخْذَل <br><br>وَدُونك مَصْنُوعَاتِهِ فَاعْتَبِرْ بِهَا .......... وَقُلْ مِثْل مَا قَالَ الْخَلِيل الْمُبَجَّل<br>

كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ

ذَهَبَتْ الْوَسَائِط وَبَقِيَتْ الْحَقَائِق لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَلَا فَاعِل إِلَّا هُوَ ; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَا وَاَللَّه مَا قَالَ رَسُول اللَّه قَطُّ إِنَّ الْمَيِّت يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَحَد , وَلَكِنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ الْكَافِر يَزِيدهُ اللَّه بِبُكَاءِ أَهْله عَذَابًا وَإِنَّ اللَّه لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَمَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى ) . وَعَنْهَا قَالَتْ : مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْم مِنْ أَصْحَابه وَهُمْ يَضْحَكُونَ , فَقَالَ : ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَم لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ : يَا مُحَمَّد ! إِنَّ اللَّه يَقُول لَك : | وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى | . فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : ( مَا خَطَوْت أَرْبَعِينَ خُطْوَة حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ ايْتِ هَؤُلَاءِ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : | هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى | أَيْ قَضَى أَسْبَاب الضَّحِك وَالْبُكَاء . وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي مُسْلِم : يَعْنِي أَفْرَحَ وَأَحْزَنَ ; لِأَنَّ الْفَرَح يَجْلِب الضَّحِك وَالْحُزْن يَجْلِب الْبُكَاء . وَقِيلَ لِعُمَر : هَلْ كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! وَالْإِيمَانُ وَاَللَّهُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجِبَال الرَّوَاسِي . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي | النَّمْل | و | التَّوْبَة | . قَالَ الْحَسَن : أَضْحَكَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , وَأَبْكَى أَهْل النَّار فِي النَّار . وَقِيلَ : أَضْحَكَ مَنْ شَاءَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ سَرَّهُ وَأَبْكَى مَنْ شَاءَ بِأَنْ غَمَّهُ . الضَّحَّاك : أَضْحَكَ الْأَرْض بِالنَّبَاتِ وَأَبْكَى السَّمَاء بِالْمَطَرِ . وَقِيلَ : أَضْحَكَ الْأَشْجَار بِالنَّوَّارِ , وَأَبْكَى السَّحَاب بِالْأَمْطَارِ . وَقَالَ ذُو النُّون : أَضْحَكَ قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ وَالْعَارِفِينَ بِشَمْسِ مَعْرِفَته , وَأَبْكَى قُلُوب الْكَافِرِينَ وَالْعَاصِينَ بِظُلْمَةِ نُكْرَته وَمَعْصِيَته . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : أَضْحَكَ اللَّه الْمُطِيعِينَ بِالرَّحْمَةِ وَأَبْكَى الْعَاصِينَ بِالسَّخَطِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ : أَضْحَكَ الْمُؤْمِن فِي الْآخِرَة وَأَبْكَاهُ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ بَسَّام بْن عَبْد اللَّه : أَضْحَكَ اللَّه أَسْنَانهمْ وَأَبْكَى قُلُوبهمْ . وَأَنْشَدَ : <br>السِّنُّ تَضْحَكُ وَالْأَحْشَاءُ تَحْتَرِقُ .......... وَإِنَّمَا ضَحِكُهَا زُورٌ وَمُخْتَلَقُ <br><br>يَا رُبَّ بَاكٍ بِعَيْنٍ لَا دُمُوع لَهَا .......... وَرُبَّ ضَاحِكِ سِنٍّ مَا بِهِ رَمَقُ <br>وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّ الْإِنْسَان بِالضَّحِكِ وَالْبُكَاء مِنْ بَيْن سَائِر الْحَيَوَان , وَلَيْسَ فِي سَائِر الْحَيَوَان مَنْ يَضْحَك وَيَبْكِي غَيْر الْإِنْسَان . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقِرْد وَحْده يَضْحَك وَلَا يَبْكِي , وَإِنَّ الْإِبِل وَحْدهَا تَبْكِي وَلَا تَضْحَك . وَقَالَ يُوسُف بْن الْحُسَيْن : سُئِلَ طَاهِر الْمَقْدِسِيّ أَتَضْحَكُ الْمَلَائِكَة ؟ فَقَالَ : مَا ضَحِكُوا وَلَا كُلّ مَنْ دُونَ الْعَرْش مُنْذُ خُلِقَتْ جَهَنَّم .

وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ

أَيْ قَضَى أَسْبَاب الْمَوْت وَالْحَيَاة . وَقِيلَ : خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة كَمَا قَالَ : | الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة | [ الْمُلْك : 2 ] قَالَهُ اِبْن بَحْر . وَقِيلَ : أَمَاتَ الْكَافِر بِالْكُفْرِ وَأَحْيَا الْمُؤْمِن بِالْإِيمَانِ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ | [ الْأَنْعَام : 122 ] الْآيَة . وَقَالَ : | إِنَّمَا يَسْتَجِيب الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثهُمْ اللَّه | عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَإِلَيْهِ يَرْجِع قَوْل عَطَاء : أَمَاتَ بِعَدْلِهِ وَأَحْيَا بِفَضْلِهِ . وَقَوْل مَنْ قَالَ : أَمَاتَ بِالْمَنْعِ وَالْبُخْل وَأَحْيَا بِالْجُودِ وَالْبَذْل . وَقِيلَ : أَمَاتَ النُّطْفَة وَأَحْيَا النَّسَمَة . وَقِيلَ : أَمَاتَ الْآبَاء وَأَحْيَا الْأَبْنَاء . وَقِيلَ : يُرِيد بِالْحَيَاةِ الْخِصْب وَبِالْمَوْتِ الْجَدْب . وَقِيلَ : أَنَامَ وَأَيْقَظَ . وَقِيلَ : أَمَاتَ فِي الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ .

أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ

أَيْ مِنْ أَوْلَاد آدَم وَلَمْ يُرِدْ آدَم وَحَوَّاء بِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ نُطْفَة .

وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ

وَالنُّطْفَة الْمَاء الْقَلِيل , مُشْتَقّ مِنْ نَطَفَ الْمَاء إِذَا قَطَرَ . | تُمْنَى | تُصَبُّ فِي الرَّحِم وَتُرَاق ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَالضَّحَّاك وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . يُقَال : مَنَى الرَّجُل وَأَمْنَى مِنْ الْمَنِيّ , وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَذَا الِاسْم لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ الدِّمَاء أَيْ يُرَاق . وَقِيلَ : | تُمْنَى | تُقَدَّر ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . يُقَال : مَنَيْت الشَّيْء إِذَا قَدَّرْته , وَمُنِيَ لَهُ أَيْ قُدِّرَ لَهُ ; قَالَ الشَّاعِر : <br>حَتَّى تَلَاقِي مَا يَمْنِي لَك الْمَانِي <br>أَيْ مَا يُقَدِّر لَك الْقَادِر .

مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ

أَيْ إِعَادَة الْأَرْوَاح فِي الْأَشْبَاح لِلْبَعْثِ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو | النَّشَاءَة | بِفَتْحِ الشِّين وَالْمَدّ ; أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَوَعْده صِدْق .

أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ

قَالَ اِبْن زَيْد : أَغْنَى مَنْ شَاءَ وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ ; ثُمَّ قَرَأَ | يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر لَهُ | [ سَبَأ : 39 ] وَقَرَأَ | يَقْبِض وَيَبْسُط | [ الْبَقَرَة : 245 ] وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ . وَعَنْ اِبْن زَيْد أَيْضًا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْحَسَن : | أَغْنَى | مَوَّلَ | وَأَقْنَى | أَخْدَمَ . وَقِيلَ : | أَقْنَى | جَعَلَ لَكُمْ قِنْيَة تَقْتَنُونَهَا , وَهُوَ مَعْنَى أَخْدَمَ أَيْضًا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَرْضَى بِمَا أَعْطَى أَيْ أَغْنَاهُ ثُمَّ رَضَّاهُ بِمَا أَعْطَاهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : قَنِيَ الرَّجُل يَقْنَى قِنًى ; مِثْل غَنِيَ يَغْنَى غِنًى , وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْ أَعْطَاهُ اللَّه مَا يُقْتَنَى مِنْ الْقِنْيَة وَالنَّشَب . وَأَقْنَاهُ اللَّه أَيْضًا أَيْ رَضَّاهُ . وَالْقِنَى الرِّضَا , عَنْ أَبِي زَيْد ; قَالَ وَتَقُول الْعَرَب : مَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْمَعْز فَقَدْ أُعْطِيَ الْقِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الضَّأْن فَقَدْ أُعْطِيَ الْغِنَى , وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَة مِنْ الْإِبِل فَقَدْ أُعْطِيَ الْمُنَى . وَيُقَال : أَغْنَاهُ اللَّه وَأَقْنَاهُ أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَسْكُن إِلَيْهِ . وَقِيلَ : | أَغْنَى وَأَقْنَى | أَيْ أَغْنَى نَفْسه وَأَفْقَرَ خَلْقه إِلَيْهِ ; قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ . وَقَالَ سُفْيَان : أَغْنَى بِالْقَنَاعَةِ وَأَقْنَى بِالرِّضَا . وَقَالَ الْأَخْفَش : أَقْنَى أَفْقَرَ . قَالَ اِبْن كَيْسَان : أَوْلَدَ . وَهَذَا رَاجِع لِمَا تَقَدَّمَ .

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ

|الشِّعْرَى | الْكَوْكَب الْمُضِيء الَّذِي يَطْلُع بَعْد الْجَوْزَاء , وَطُلُوعه فِي شِدَّة الْحَرّ , وَهُمَا الشِّعْرِيَّانِ الْعَبُور الَّتِي فِي الْجَوْزَاء وَالشِّعْرَى الْغُمَيْصَاء الَّتِي فِي الذِّرَاع ; وَتَزْعُم الْعَرَب أَنَّهُمَا أُخْتَا سُهَيْل . وَإِنَّمَا ذُكِرَ أَنَّهُ رَبّ الشِّعْرَى وَإِنْ كَانَ رَبًّا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَعْبُدهُ ; فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ الشِّعْرَى مَرْبُوب لَيْسَ بِرَبٍّ . وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ يَعْبُدهُ ; فَقَالَ السُّدِّيّ : كَانَتْ تَعْبُدهُ حِمْيَر وَخُزَاعَة . وَقَالَ غَيْره : أَوَّل مَنْ عَبَدَهُ أَبُو كَبْشَة أَحَد أَجْدَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَل أُمَّهَاته , وَلِذَلِكَ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُسَمُّونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن أَبِي كَبْشَة حِين دَعَا إِلَى اللَّه وَخَالَفَ أَدْيَانهمْ ; وَقَالُوا : مَا لَقِينَا مِنْ اِبْن أَبِي كَبْشَة ! وَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَوْم الْفَتْح وَقَدْ وَقَفَ فِي بَعْض الْمَضَايِق وَعَسَاكِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرّ عَلَيْهِ : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ اِبْنِ أَبِي كَبْشَة . وَقَدْ كَانَ مَنْ لَا يَعْبُد الشِّعْرَى مِنْ الْعَرَب يُعَظِّمهَا وَيَعْتَقِد تَأْثِيرهَا فِي الْعَالَم , قَالَ الشَّاعِر : <br>مَضَى أَيْلُول وَارْتَفَعَ الْحَرُور .......... وَأَخْبَتَ نَارهَا الشِّعْرَى الْعَبُور <br>وَقِيلَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول فِي خُرَافَاتهَا : إِنَّ سُهَيْلًا وَالشِّعْرَى كَانَا زَوْجَيْنِ , فَانْحَدَرَ سُهَيْل فَصَارَ يَمَانِيًّا , فَاتَّبَعَتْهُ الشِّعْرَى الْعَبُور فَعَبَرَتْ الْمَجَرَّة فَسُمِّيَتْ الْعَبُور , وَأَقَامَتْ الْغُمَيْصَاء فَبَكَتْ لِفَقْدِ سُهَيْل حَتَّى غَمِصَتْ عَيْنَاهَا فَسُمِّيَتْ غُمَيْصَاء لِأَنَّهَا أَخْفَى مِنْ الْأُخْرَى .

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ

سَمَّاهَا الْأُولَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ قِبَل ثَمُود . وَقِيلَ : إِنَّ ثَمُود مِنْ قِبَل عَاد . وَقَالَ اِبْن زَيْد : قِيلَ لَهَا عَاد الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّل أُمَّة أُهْلِكَتْ بَعْد نُوح عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : هُمَا عَادَانِ فَالْأُولَى أُهْلِكَتْ بِالرِّيحِ الصَّرْصَر , ثُمَّ كَانَتْ الْأُخْرَى فَأُهْلِكَتْ بِالصَّيْحَةِ . وَقِيلَ : عَاد الْأُولَى هُوَ عَاد بْن إِرَم بْن عَوْص بْن سَام بْن نُوح , وَعَاد الثَّانِيَة مِنْ وَلَد عَاد الْأُولَى ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَقِيلَ : إِنَّ عَاد الْآخِرَة الْجَبَّارُونَ وَهُمْ قَوْم هُود . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | عَادًا الْأُولَى | بِبَيَانِ التَّنْوِين وَالْهَمْز . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو | عَادًا الْأُولَى | بِنَقْلِ حَرَكَة الْهَمْزَة إِلَى اللَّام وَإِدْغَام التَّنْوِين فِيهَا , إِلَّا أَنَّ قَالُونَ وَالسُّوسِيّ يُظْهِرَانِ الْهَمْزَة السَّاكِنَة . وَقَلَبَهَا الْبَاقُونَ وَاوًا عَلَى أَصْلهَا ; وَالْعَرَب تَقْلِب هَذَا الْقَلْب فَتَقُول : قُمِ الَّانَ عَنَّا وَضُمَّ لِثْنَيْنِ أَيْ قُمِ الْآن وَضُمَّ الِاثْنَيْنِ .

جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ

ثَمُود هُمْ قَوْم صَالِح أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ . قُرِئَ | ثَمُودًا | [ التَّوْبَة : 70 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَانْتَصَبَ عَلَى الْعَطْف عَلَى عَاد .

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ

أَيْ وَأَهْلَكَ قَوْم نُوح مِنْ قَبْل عَاد وَثَمُود|إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى|وَذَلِكَ لِطُولِ مُدَّة نُوح فِيهِمْ , حَتَّى كَانَ الرَّجُل فِيهِمْ يَأْخُذ بِيَدِ اِبْنه فَيَنْطَلِق إِلَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول : اِحْذَرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّاب , وَإِنَّ أَبِي قَدْ مَشَى بِي إِلَى هَذَا وَقَالَ لِي مِثْل مَا قُلْت لَك ; فَيَمُوت الْكَبِير عَلَى الْكُفْر , وَيَنْشَأ الصَّغِير عَلَى وَصِيَّة أَبِيهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى كُلّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ عَاد وَثَمُود وَقَوْم نُوح ; أَيْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَأَطْغَى . فَيَكُون فِيهِ تَسْلِيَة وَتَعْزِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَكَأَنَّهُ يَقُول لَهُ : فَاصْبِرْ أَنْتَ أَيْضًا فَالْعَاقِبَة الْحَمِيدَة لَك .

وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ

يَعْنِي مَدَائِن قَوْم لُوط عَلَيْهِ السَّلَام اِئْتَفَكَتْ بِهِمْ , أَيْ اِنْقَلَبَتْ وَصَارَ عَالِيهَا سَافِلهَا . يُقَال : أَفَكْته أَيْ قَلَبْته وَصَرَفْته . | أَهْوَى | أَيْ خُسِفَ بِهِمْ بَعْد رَفْعهَا إِلَى السَّمَاء ; رَفَعَهَا جِبْرِيل ثُمَّ أَهْوَى بِهَا إِلَى الْأَرْض . وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَعَلَهَا تَهْوِي . وَيُقَال : هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ و | أَهْوَى | أَيْ أَسْقَطَ .

إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ

أَيْ أَلْبَسَهَا مَا أَلْبَسَهَا مِنْ الْحِجَارَة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | فَجَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَة مِنْ سِجِّيل | [ الْحِجْر : 74 ] وَقِيلَ : إِنَّ الْكِنَايَة تَرْجِع إِلَى جَمِيع هَذِهِ الْأُمَم ; أَيْ غَشَّاهَا مِنْ الْعَذَاب مَا غَشَّاهُمْ , وَأَبْهَمَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أُهْلِكَ بِضَرْبٍ غَيْر مَا أُهْلِكَ بِهِ الْآخَر . وَقِيلَ : هَذَا تَعْظِيم الْأَمْر .

وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ

أَيْ فَبِأَيِّ نِعَم رَبّك تَشُكّ . وَالْمُخَاطَبَة لِلْإِنْسَانِ الْمُكَذِّب . وَالْآلَاء النِّعَم وَاحِدهَا أَلًى وَإِلًى وَإِلْيٌ . وَقَرَأَ يَعْقُوب | تَّمَارَى | بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَالتَّشْدِيد .

وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ

قَالَ اِبْن جُرَيْج وَمُحَمَّد بْن كَعْب : يُرِيد أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِير بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ الْأَنْبِيَاء قَبْله , فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ أَفْلَحْتُمْ , وَإِلَّا حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِمُكَذِّبِي الرُّسُل السَّالِفَة . وَقَالَ قَتَادَة : يُرِيد الْقُرْآن , وَأَنَّهُ نَذِير بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الْكُتُب الْأُولَى . وَقِيلَ : أَيْ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَا بِهِ مِنْ أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة الَّذِينَ هَلَكُوا تَخْوِيف لِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْ أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنْ النُّذُر أَيْ مِثْل النُّذُر ; وَالنُّذُر فِي قَوْل الْعَرَب بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَالنُّكُرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَار ; أَيْ هَذَا إِنْذَار لَكُمْ . وَقَالَ أَبُو مَالِك : هَذَا الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ وَقَائِع الْأُمَم الْخَالِيَة هُوَ فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى . وَقَالَ السُّدِّيّ أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِح قَالَ : هَذِهِ الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى مِنْ قَوْله تَعَالَى : | أَمْ لَمْ يُنَبَّأ بِمَا فِي صُحُف مُوسَى . وَإِبْرَاهِيم | [ النَّجْم : 37 ] إِلَى قَوْله : | هَذَا نَذِير مِنْ النُّذُر الْأُولَى | كُلّ هَذِهِ فِي صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى .

اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ

أَيْ قَرُبَتْ السَّاعَة وَدَنَتْ الْقِيَامَة . وَسَمَّاهَا آزِفَة لِقُرْبِ قِيَامهَا عِنْده ; كَمَا قَالَ : | يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا | [ الْمَعَارِج : 6 - 7 ] . وَقِيلَ : سَمَّاهَا آزِفَة لِدُنُوِّهَا مِنْ النَّاس وَقُرْبهَا مِنْهُمْ لِيَسْتَعِدُّوا لَهَا ; لِأَنَّ كُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيب . قَالَ : <br>أَزِفَ التَّرَحُّل غَيْر أَنَّ رِكَابنَا .......... لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ <br>وَفِي الصِّحَاح : أَزِفَ التَّرَحُّل يَأْزَف أَزَفًا أَيْ دَنَا وَأَفِدَ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : | أَزِفَتْ الْآزِفَة | يَعْنِي الْقِيَامَة , وَأَزِفَ الرَّجُل أَيْ عَجِلَ فَهُوَ آزِف عَلَى فَاعِل , وَالْمُتَآزِف الْقَصِير وَهُوَ الْمُتَدَانِي . قَالَ أَبُو زَيْد : قُلْت لِأَعْرَابِيٍّ مَا الْمُحْبَنْطِئُ ؟ قَالَ : الْمُتَكَأْكِئ . قُلْت : مَا الْمُتَكَأْكِئ ؟ قَالَ : الْمُتَآزِف . قُلْت : مَا الْمُتَآزِف ؟ قَالَ : أَنْتَ أَحْمَقُ وَتَرَكَنِي وَمَرَّ .

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ

أَيْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُون اللَّه مَنْ يُؤَخِّرهَا أَوْ يُقَدِّمهَا . وَقِيلَ : كَاشِفَة أَيْ اِنْكِشَاف أَيْ لَا يَكْشِف عَنْهَا وَلَا يُبْدِيهَا إِلَّا اللَّه ; فَالْكَاشِفَة اِسْم بِمَعْنَى الْمَصْدَر وَالْهَاء فِيهِ كَالْهَاءِ فِي الْعَاقِبَة وَالْعَافِيَة وَالدَّاهِيَة وَالْبَاقِيَة ; كَقَوْلِهِمْ : مَا لِفُلَانٍ مِنْ بَاقِيَة أَيْ مِنْ بَقَاء . وَقِيلَ : أَيْ لَا أَحَد يَرُدّ ذَلِكَ ; أَيْ أَنَّ الْقِيَامَة إِذَا قَامَتْ لَا يَكْشِفهَا أَحَد مِنْ آلِهَتهمْ وَلَا يُنْجِيهِمْ غَيْر اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ سُمِّيَتْ الْقِيَامَة غَاشِيَة , فَإِذَا كَانَتْ غَاشِيَة كَانَ رَدّهَا كَشْفًا , فَالْكَاشِفَة عَلَى هَذَا نَعْتُ مُؤَنَّثٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ نَفْس كَاشِفَة أَوْ فِرْقَة كَاشِفَة أَوْ حَال كَاشِفَة . وَقِيلَ : إِنَّ | كَاشِفَة | بِمَعْنَى كَاشِف وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ مِثْل رَاوِيَة وَدَاهِيَة .

وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ

يَعْنِي الْقُرْآن . وَهَذَا اِسْتِفْهَام تَوْبِيخ|تَعْجَبُونَ|تَكْذِيبًا بِهِ

وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ

اِسْتِهْزَاء|وَلَا تَبْكُونَ|اِنْزِجَارًا وَخَوْفًا مِنْ الْوَعِيد . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُئِيَ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة ضَاحِكًا إِلَّا تَبَسُّمًا . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : لَمَّا نَزَلَتْ | أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث تَعْجَبُونَ | قَالَ أَهْل الصُّفَّة : | إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ | ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى جَرَتْ دُمُوعهمْ عَلَى خُدُودهمْ , فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُمْ بَكَى مَعَهُمْ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَلِج النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَة اللَّه وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة مُصِرّ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّه بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِر لَهُمْ وَيَرْحَمهُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم ) . وَقَالَ أَبُو حَازِم : نَزَلَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده رَجُل يَبْكِي , فَقَالَ لَهُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا فُلَان ; فَقَالَ جِبْرِيل : إِنَّا نَزِن أَعْمَال بَنِي آدَم كُلّهَا إِلَّا الْبُكَاء , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَيُطْفِئ بِالدَّمْعَةِ الْوَاحِدَة بُحُورًا مِنْ جَهَنَّم .

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ

أَيْ لَاهُونَ مُعْرِضُونَ . عَنْ اِبْن عَبَّاس ; رَوَاهُ الْوَالِبِيّ وَالْعَوْفِيّ عَنْهُ . وَقَالَ عِكْرِمَة عَنْهُ : هُوَ الْغِنَاء بِلُغَةِ حِمْيَر ; يُقَال : سَمِّدْ لَنَا أَيْ غَنِّ لَنَا , فَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآن يُتْلَى تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا حَتَّى لَا يَسْمَعُوا . وَقَالَ الضَّحَّاك : سَامِدُونَ شَامِخُونَ مُتَكَبِّرُونَ . وَفِي الصِّحَاح : سَمَدَ سُمُودًا رَفَعَ رَأْسه تَكَبُّرًا وَكُلّ رَافِع رَأْسه فَهُوَ سَامِد ; قَالَ : <br>سَوَامِدُ اللَّيْلِ خِفَافُ الْأَزْوَادْ <br>يَقُول : لَيْسَ فِي بُطُونهَا عَلَف . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : سَمَدْت سُمُودًا عَلَوْت . وَسَمَدَتْ الْإِبِل فِي سَيْرهَا جَدَّتْ . وَالسُّمُود اللَّهْو , وَالسَّامِد اللَّاهِي ; يُقَال لِلْقَيْنَةِ : أَسْمِدِينَا ; أَيْ أَلْهِينَا بِالْغِنَاءِ . وَتَسْمِيد الْأَرْض أَنْ يَجْعَل فِيهَا السَّمَاد وَهُوَ سِرْجِين وَرَمَاد . وَتَسْمِيد الرَّأْس اِسْتِئْصَال شَعْره , لُغَة فِي التَّسْبِيد . وَاِسْمَأَدَّ الرَّجُل بِالْهَمْزِ اِسْمِئْدَادًا أَيْ وَرِمَ غَضَبًا . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى | سَامِدُونَ | أَنْ يَجْلِسُوا غَيْر مُصَلِّينَ وَلَا مُنْتَظِرِينَ الصَّلَاة . وَقَالَ الْحَسَن : وَاقِفُونَ لِلصَّلَاةِ قَبْل وُقُوف الْإِمَام ; وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ وَالنَّاس يَنْتَظِرُونَهُ قِيَامًا فَقَالَ : ( مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ عَنْ عَلِيّ , وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَرَأَى النَّاس قِيَامًا يَنْتَظِرُونَهُ فَقَالَ : ( مَا لَكُمْ سَامِدُونَ ) قَالَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة : سَمَدَ يَسْمُد سُمُودًا إِذَا لَهَا وَأَعْرَضَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : سَامِدُونَ خَامِدُونَ ; قَالَ الشَّاعِر : <br>أَتَى الْحِدْثَان نِسْوَة آل حَرْب .......... بِمَقْدُورٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودًا <br>وَقَالَ صَالِح أَبُو الْخَلِيل : لَمَّا قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيث تَعْجَبُونَ . وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ . وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ | لَمْ يُرَ ضَاحِكًا إِلَّا مُبْتَسِمًا حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذَكَرَهُ النَّحَّاس .

إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ

قِيلَ : الْمُرَاد بِهِ سُجُود تِلَاوَة الْقُرْآن . وَهُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّل السُّورَة مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا سَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَصْوَات الشَّيَاطِين فِي أَثْنَاء قِرَاءَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قَوْله : | أَفَرَأَيْتُمْ اللَّات وَالْعُزَّى . وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى | [ النَّجْم : 19 ] وَأَنَّهُ قَالَ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَا وَشَفَاعَتهنَّ تُرْتَجَى . كَذَا فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر تُرْتَجَى . وَفِي رِوَايَة أَبِي الْعَالِيَة وَشَفَاعَتهنَّ تُرْتَضَى , وَمِثْلهنَّ لَا يُنْسَى . فَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ قَوْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي | الْحَجّ | . فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَر بِالْحَبَشَةِ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَهْل مَكَّة آمَنُوا ; فَكَانَ أَهْل مَكَّة أَشَدّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا فِي تَعْذِيبهمْ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقِيلَ : الْمُرَاد سُجُود الْفَرْض فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر ; كَانَ لَا يَرَاهَا مِنْ عَزَائِم السُّجُود . وَبِهِ قَالَ مَالِك . وَرَوَى أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَ آخِر فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك السُّجُود فِي الْمُفَصَّل . وَالْأَوَّل أَصَحّ وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ آخِر | الْأَعْرَاف | مُبَيَّنًا وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة | وَالنَّجْم | .

إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ

سُورَة الْقَمَر مَكِّيَّة كُلّهَا فِي قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ مُقَاتِل : إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْ قَوْله تَعَالَى : | أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر | [ الْقَمَر : 44 ] إِلَى قَوْله : | وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ | [ الْقَمَر : 46 ] وَلَا يَصِحّ عَلَى مَا يَأْتِي . وَهِيَ خَمْس وَخَمْسُونَ آيَة .</p><p>| اِقْتَرَبَتْ | أَيْ قَرُبَتْ مِثْل | أَزِفَتْ الْآزِفَة | [ النَّجْم : 57 ] عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ . فَهِيَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى قَرِيبَة ; لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى أَكْثَرُ الدُّنْيَا كَمَا رَوَى قَتَادَة عَنْ أَنَس قَالَ : خَطَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَادَتْ الشَّمْس تَغِيب فَقَالَ : ( مَا بَقِيَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى إِلَّا مِثْل مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْيَوْم فِيمَا مَضَى ) وَمَا نَرَى مِنْ الشَّمْس إِلَّا يَسِيرًا . وَقَالَ . كَعْب وَوَهْب : الدُّنْيَا سِتَّة آلَاف سَنَة . قَالَ وَهْب : قَدْ مَضَى مِنْهَا خَمْسَة آلَاف سَنَة وَسِتّمِائَةِ سَنَة . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : | وَانْشَقَّ الْقَمَر | أَيْ وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر . وَكَذَا قَرَأَ حُذَيْفَة | اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَقَدْ اِنْشَقَّ الْقَمَر | بِزِيَادَةِ | قَدْ | وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء ; ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَأَنَس وَجُبَيْر بْن مُطْعِم وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَعَنْ أَنَس قَالَ : سَأَلَ أَهْل مَكَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَة , فَانْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة مَرَّتَيْنِ فَنَزَلَتْ : | اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر | إِلَى قَوْله : | سِحْر مُسْتَمِرّ | يَقُول ذَاهِب قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَلَفْظ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : اِنْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ . وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره . وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ هَذَا قَوْل الْجُمْهُور , وَقَالَ : لِأَنَّهُ إِذَا اِنْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَد إِلَّا رَآهُ ; لِأَنَّهُ آيَة وَالنَّاس فِي الْآيَات سَوَاء . وَقَالَ الْحَسَن : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة فَإِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّ الْقَمَر بَعْد النَّفْخَة الثَّانِيَة . وَقِيلَ : | وَانْشَقَّ الْقَمَر | أَيْ وَضَحَ الْأَمْر وَظَهَرَ ; وَالْعَرَب تَضْرِب بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ ; قَالَ : <br>أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُور مَطِيّكُمْ .......... فَإِنِّي إِلَى حَيّ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ <br><br>فَقَدْ حُمَّتْ الْحَاجَات وَاللَّيْل مُقْمِر .......... وَشُدَّتْ لِطَيَّاتٍ مَطَايَا وَأَرْحُلُ <br>وَقِيلَ : اِنْشِقَاق الْقَمَر هُوَ اِنْشِقَاق الظُّلْمَة عَنْهُ بِطُلُوعِهِ فِي أَثْنَائِهَا , كَمَا يُسَمَّى الصُّبْح فَلْقًا ; لِانْفِلَاقِ الظُّلْمَة عَنْهُ . وَقَدْ يُعَبَّر عَنْ اِنْفِلَاقه بِانْشِقَاقِهِ كَمَا قَالَ النَّابِغَة : <br>فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دَوِيّ .......... دَعَانَا عِنْد شَقّ الصُّبْح دَاعِ <br>قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَ بِنَقْلِ الْآحَاد الْعُدُول أَنَّ الْقَمَر اِنْشَقَّ بِمَكَّة , وَهُوَ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا يَلْزَم أَنْ يَسْتَوِي النَّاس فِيهَا ; لِأَنَّهَا كَانَتْ آيَة لَيْلِيَّة ; وَأَنَّهَا كَانَتْ بِاسْتِدْعَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّه تَعَالَى عِنْد التَّحَدِّي . فَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب حِين أَسْلَمَ غَضَبًا مِنْ سَبّ أَبِي جَهْل الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ أَنْ يُرِيه آيَة يَزْدَاد بِهَا يَقِينًا فِي إِيمَانه . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيح أَنَّ أَهْل مَكَّة هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا وَطَلَبُوا أَنْ يُرِيَهُمْ آيَة , فَأَرَاهُمْ اِنْشِقَاق الْقَمَر فَلْقَتَيْنِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود وَغَيْره . وَعَنْ حُذَيْفَة أَنَّهُ خَطَبَ بِالْمَدَائِنِ ثُمَّ قَالَ : أَلَا إِنَّ السَّاعَة قَدْ اِقْتَرَبَتْ , وَأَنَّ الْقَمَر قَدْ اِنْشَقَّ عَلَى عَهْد نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , وَتَقْدِيره اِنْشَقَّ الْقَمَر وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان . وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْفَرَّاء أَنَّ الْفِعْلَيْنِ إِذَا كَانَا مُتَقَارِبَيْ الْمَعْنَى فَلَك أَنْ تُقَدِّم وَتُؤَخِّر عِنْد قَوْله تَعَالَى : | ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى | [ النَّجْم : 8 ] .

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّه

هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا اِنْشِقَاق الْقَمَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَاشْقُقْ لَنَا الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ , نِصْف عَلَى أَبِي قُبَيْس وَنِصْف عَلَى قُعَيْقِعَان ; فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ فَعَلْت تُؤْمِنُونَ ) قَالُوا : نَعَمْ ؟ وَكَانَتْ لَيْلَة بَدْر , فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه أَنْ يُعْطِيه مَا قَالُوا ; فَانْشَقَّ الْقَمَر فِرْقَتَيْنِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي الْمُشْرِكِينَ : ( يَا فُلَان يَا فُلَان اِشْهَدُوا ) . وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود : اِنْشَقَّ الْقَمَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ قُرَيْش : هَذَا مِنْ سِحْر اِبْن أَبِي كَبْشَة ; سَحَرَكُمْ فَاسْأَلُوا السُّفَّار ; فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : قَدْ رَأَيْنَا الْقَمَر اِنْشَقَّ فَنَزَلَتْ : | اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر . وَإِنْ يَرَوْا آيَة يُعْرِضُوا | أَيْ إِنْ يَرَوْا آيَة تَدُلّ عَلَى صِدْق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِيمَان|وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ|أَيْ ذَاهِب ; مِنْ قَوْلهمْ : مَرَّ الشَّيْء وَاسْتَمَرَّ إِذَا ذَهَبَ ; قَالَهُ أَنَس وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَالْفَرَّاء وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة , وَاخْتَارَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالضَّحَّاك : مُحْكَم قَوِيّ شَدِيد , وَهُوَ مِنْ الْمِرَّة وَهِيَ الْقُوَّة ; كَمَا قَالَ لَقِيط : <br>حَتَّى اِسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْر مَرِيرَته .......... مُرُّ الْعَزِيمَة لَا قَحْمًا وَلَا ضَرَعَا <br>وَقَالَ الْأَخْفَشُ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ إِمْرَار الْحَبْل وَهُوَ شِدَّة فَتْله . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مُرّ مِنْ الْمَرَارَة . يُقَال : أَمَرَّ الشَّيْء صَارَ مُرًّا , وَكَذَلِكَ مَرَّ الشَّيْء يَمُرّ بِالْفَتْحِ مَرَارَة فَهُوَ مُرّ , وَأَمَرَّهُ غَيْره وَمَرَّهُ . وَقَالَ الرَّبِيع : مُسْتَمِرّ نَافِذ . يَمَان : مَاضٍ . أَبُو عُبَيْدَة : بَاطِل . وَقِيلَ : دَائِم . قَالَ : <br>وَلَيْسَ عَلَى شَيْء قَوِيم بِمُسْتَمِرْ <br>أَيْ بِدَائِمٍ . وَقِيلَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا ; أَيْ قَدْ اِسْتَمَرَّتْ أَفْعَال مُحَمَّد عَلَى هَذَا الْوَجْه فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ لَهُ حَقِيقَة بَلْ الْجَمِيع تَخْيِيلَات . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ قَدْ مَرَّ مِنْ الْأَرْض إِلَى السَّمَاء .

فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ

نَبِيّنَا|وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ|أَيْ ضَلَالَاتهمْ وَاخْتِيَارَاتهمْ .|وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ|أَيْ يَسْتَقِرّ بِكُلِّ عَامِل عَمَله , فَالْخَيْر مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي الْجَنَّة , وَالشَّرّ مُسْتَقِرّ بِأَهْلِهِ فِي النَّار . وَقَرَأَ شَيْبَة | مُسْتَقَرّ | بِفَتْحِ الْقَاف ; أَيْ لِكُلِّ شَيْء وَقْت يَقَع فِيهِ مِنْ غَيْر تَقَدُّم وَتَأَخُّر . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع | وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرٍّ | بِكَسْرِ الْقَاف وَالرَّاء جَعَلَهُ نَعْتًا لِأَمْرٍ و | كُلّ | عَلَى هَذَا يَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف , كَأَنَّهُ قَالَ : وَكُلّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٍّ فِي أُمّ الْكِتَاب كَائِن . وَيَجُوز أَنْ يَرْتَفِع بِالْعَطْفِ عَلَى السَّاعَة ; الْمَعْنَى : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ ; أَيْ اِقْتَرَبَ اِسْتِقْرَار الْأُمُور يَوْم الْقِيَامَة . وَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ خَبَرًا عَنْ | كُلّ | .

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ

أَيْ مِنْ بَعْض الْأَنْبَاء ; فَذَكَرَ سُبْحَانه مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ , وَأَنَّ لَهُمْ فِيهِ شِفَاء . وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ أُمُور أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اِقْتَصَّ عَلَيْنَا مَا عَلِمَ أَنَّ بِنَا إِلَيْهِ حَاجَة وَسَكَتَ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ; وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : | وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاء | أَيْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ أَنْبَاء الْأُمَم الْخَالِيَة|مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ|أَيْ مَا يَزْجُرهُمْ عَنْ الْكُفْر لَوْ قَبِلُوهُ . وَأَصْله مُزْتَجَر فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا ; لِأَنَّ التَّاء حَرْف مَهْمُوس وَالزَّاي حَرْف مَجْهُور , فَأُبْدِلَ مِنْ التَّاء دَالًا تُوَافِقُهَا فِي الْمَخْرَج وَتُوَافِق الزَّاي فِي الْجَهْر . و | مُزْدَجَر | مِنْ الزَّجْر وَهُوَ الِانْتِهَاء , يُقَال : زَجَرَهُ وَازْدَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَازْدَجَرَ , وَزَجَرْته أَنَا فَانْزَجَرَ أَيْ كَفَفْته فَكَفَّ , كَمَا قَالَ : <br>فَأَصْبَحَ مَا يَطْلُب الْغَانِيَا .......... تِ مُزْدَجَرًا عَنْ هَوَاهُ اِزْدِجَارَا <br>وَقُرِئَ | مُزَّجَر | بِقَلْبِ تَاء الِافْتِعَال زَايًا وَإِدْغَام الزَّاي فِيهَا ; حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ .

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ

يَعْنِي الْقُرْآن وَهُوَ بَدَل مِنْ | مَا | مِنْ قَوْله : | مَا فِيهِ مُزْدَجَر | وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف ; أَيْ هُوَ حِكْمَة .|فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ|إِذَا كَذَّبُوا وَخَالَفُوا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَمَا تُغْنِي الْآيَات وَالنُّذُر عَنْ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ | [ يُونُس : 101 ] ف | مَا | نَفْي أَيْ لَيْسَتْ تُغْنِي عَنْهُمْ النُّذُر . وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى التَّوْبِيخ ; أَيْ فَأَيّ شَيْء تُغْنِي , النُّذُر عَنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهَا و | النُّذُر | يَجُوز أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْإِنْذَار , وَيَجُوز أَنْ تَكُون جَمْع نَذِير .

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ

أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ . قِيلَ : هَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف . وَقِيلَ : هُوَ تَمَام الْكَلَام .|يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ|الْعَامِل فِي | يَوْم | | يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث | أَوْ | خُشَّعًا | أَوْ فِعْل مُضْمَر تَقْدِيره وَاذْكُرْ يَوْم . وَقِيلَ : عَلَى حَذْف حَرْف الْفَاء وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ مِنْ جَوَاب الْأَمْر , تَقْدِيره : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي . وَقِيلَ : تَوَلَّ عَنْهُمْ يَا مُحَمَّد فَقَدْ أَقَمْت الْحُجَّة وَأَبْصِرْهُمْ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي . وَقِيلَ : أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تَسْأَل عَنْهُمْ وَعَنْ أَحْوَالهمْ , فَإِنَّهُمْ يُدْعَوْنَ | إِلَى شَيْء نُكُر | وَيَنَالهُمْ عَذَاب شَدِيد . وَهُوَ كَمَا تَقُول : لَا تَسْأَل عَمَّا جَرَى عَلَى فُلَان إِذَا أَخْبَرْته بِأَمْرٍ عَظِيم . وَقِيلَ : أَيْ وَكُلّ أَمْر مُسْتَقِرّ يَوْم يَدْعُو الدَّاعِي . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير | نُكْر | بِإِسْكَانِ الْكَاف , وَضَمَّهَا الْبَاقُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ كَعُسْرِ وَعُسُر وَشُغْل وَشُغُل , وَمَعْنَاهُ الْأَمْر الْفَظِيع الْعَظِيم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَالدَّاعِي هُوَ إِسْرَافِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَرَآ | إِلَى شَيْء نُكِرَ | بِكَسْرِ الْكَاف وَفَتْح الرَّاء عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول .

كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ

الْخُشُوع فِي الْبَصَر الْخُضُوع وَالذِّلَّة , وَأَضَافَ الْخُشُوع إِلَى الْأَبْصَار لِأَنَّ أَثَر الْعِزّ وَالذُّلّ يَتَبَيَّن فِي نَاظِر الْإِنْسَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | أَبْصَارهَا خَاشِعَة | [ النَّازِعَات : 9 ] وَقَالَ تَعَالَى : | خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِيّ | [ الشُّورَى : 45 ] . وَيُقَال : خَشَعَ وَاخْتَشَعَ إِذَا ذَلَّ . وَخَشَعَ بِبَصَرِهِ أَيْ غَضَّهُ . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَأَبُو عَمْرو | خَاشِعًا | بِالْأَلِفِ وَيَجُوز فِي أَسْمَاء الْفَاعِلِينَ إِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الْجَمَاعَة التَّوْحِيد , نَحْو : | خَاشِعًا أَبْصَارهمْ | وَالتَّأْنِيث نَحْو : | خَاشِعَة أَبْصَارهمْ | [ الْقَلَم : 43 ] وَيَجُوز الْجَمْع نَحْو : | خُشَّعًا أَبْصَارهمْ | قَالَ [ الْحَرْث بْن دَوْس الْإِيَادِيّ ] : <br>وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُههمْ .......... مِنْ إِيَاد بْن نِزَار بْن مَعَد <br>و | خُشَّعًا | جَمْع خَاشِع وَالنَّصْب فِيهِ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم فِي | عَنْهُمْ | فَيَقْبُح الْوَقْف عَلَى هَذَا التَّقْدِير عَلَى | عَنْهُمْ | . وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي | يَخْرُجُونَ | فَيُوقَف عَلَى | عَنْهُمْ | . وَقُرِئَ | خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ | عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر , وَمَحَلّ الْجُمْلَة النَّصْب عَلَى الْحَال , كَقَوْلِهِ : <br>وَجَدْته حَاضِرَاهُ الْجُودُ وَالْكَرَمُ<br>|يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ|أَيْ الْقُبُور وَاحِدهَا جَدَث .|كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ|وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : | يَوْم يَكُون النَّاس كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث | [ الْقَارِعَة : 4 ] فَهُمَا صِفَتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; أَحَدهمَا : عِنْد الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور , يَخْرُجُونَ فَزِعِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ , فَيَدْخُل بَعْضهمْ فِي بَعْض ; فَهُمْ حِينَئِذٍ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوث بَعْضه فِي بَعْض لَا جِهَة لَهُ يَقْصِدهَا الثَّانِي : فَإِذَا سَمِعُوا الْمُنَادِي قَصَدُوهُ فَصَارُوا كَالْجَرَادِ الْمُنْتَشِر ; لِأَنَّ الْجَرَاد لَهُ جِهَة يَقْصِدهَا .

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

مَعْنَاهُ مُسْرِعِينَ ; قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>بِدِجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ .......... بِدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاع <br>الضَّحَّاك : مُقْبِلِينَ . قَتَادَة : عَامِدِينَ . اِبْن عَبَّاس : نَاظِرِينَ . عِكْرِمَة : فَاتِحِينَ آذَانهمْ إِلَى الصَّوْت . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . يُقَال : هَطَعَ الرَّجُل يَهْطَع هُطُوعًا إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الشَّيْء بِبَصَرِهِ لَا يُقْلِع عَنْهُ ; وَأَهْطَعَ إِذَا مَدَّ عُنُقه وَصَوَّبَ رَأْسه . قَالَ الشَّاعِر : <br>تَعَبَّدَنِي نِمْر بْن سَعْد وَقَدْ أَرَى .......... وَنِمْر بْن سَعْد لِي مُطِيع وَمُهْطِع <br>وَبَعِير مُهْطِع : فِي عُنُقه تَصْوِيب خِلْقَة . وَأَهْطَعَ فِي عَدْوه أَيْ أَسْرَعَ .|يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ|يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة لِمَا يَنَالهُمْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة .

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ

ذَكَرَ جُمَلًا مِنْ وَقَائِع الْأُمَم الْمَاضِيَة تَأْنِيسًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْزِيَة لَهُ . | قَبْلهمْ | أَيْ قَبْل قَوْمك .|فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا|يَعْنِي نُوحًا . الزَّمَخْشَرِيّ : فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْله : | فَكَذَّبُوا | بَعْد قَوْله : | كَذَّبَتْ | ؟ قُلْت : مَعْنَاهُ كَذَّبُوا فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ كَذَّبُوهُ تَكْذِيبًا عَلَى عَقِب تَكْذِيب كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ قَرْن مُكَذِّب تَبِعَهُ قَرْن مُكَذِّب , أَوْ كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الرُّسُل فَكَذَّبُوا عَبْدنَا ; أَيْ لَمَّا كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ جَاحِدِينَ لِلنُّبُوَّةِ رَأْسًا كَذَّبُوا نُوحًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الرُّسُل .|وَقَالُوا مَجْنُونٌ|أَيْ هُوَ مَجْنُون|وَازْدُجِرَ|أَيْ زُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّة بِالسَّبِّ وَالْوَعِيد بِالْقَتْلِ . وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ : | وَازْدُجِرَ | بِلَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله لِأَنَّهُ رَأْس آيَة .

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ

أَيْ دَعَا عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ نُوح وَقَالَ رَبّ | أَنِّي مَغْلُوب ||أَنِّي مَغْلُوبٌ|أَيْ غَلَبُونِي بِتَمَرُّدِهِمْ|فَانْتَصِرْ|أَيْ فَانْتَصِرْ لِي . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا لَا يَدْعُونَ عَلَى قَوْمهمْ بِالْهَلَاكِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِيهِ .

رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ

أَيْ فَأَجَبْنَا دُعَاءَهُ وَأَمَرْنَاهُ بِاِتِّخَاذِ السَّفِينَة وَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء|بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ|أَيْ كَثِير . ; قَالَهُ السُّدِّيّ . قَالَ الشَّاعِر : <br>أَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ الْهَوَامِرِ .......... عَلَى خَيْر بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِر <br>وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُنْصَبّ الْمُتَدَفِّق ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس يَصِف غَيْثًا : <br>رَاحَ تَمْرِيهِ الصَّبَا ثُمَّ اِنْتَحَى .......... فِيهِ شُؤْبُوبُ جَنُوبٍ مُنْهَمِرْ <br>الْهَمْر الصَّبّ ; وَقَدْ هَمَرَ الْمَاء وَالدَّمْع يَهْمِر هَمْرًا . وَهَمَرَ أَيْضًا إِذَا أَكْثَرَ . الْكَلَام وَأَسْرَعَ . وَهَمَرَ لَهُ مِنْ مَاله أَيْ أَعْطَاهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر مِنْ غَيْر سَحَاب لَمْ يُقْلِع أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَيَعْقُوب : | فَفَتَّحْنَا | مُشَدَّدَة عَلَى التَّكْثِير . الْبَاقُونَ | فَفَتَحْنَا | مُخَفَّفًا . ثُمَّ قِيلَ , : إِنَّهُ فَتْح رِتَاجهَا وَسَعَة مَسَالِكهَا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَجَرَّة وَهِيَ شَرْج السَّمَاء وَمِنْهَا فُتِحَتْ بِمَاءٍ مُنْهَمِر ; قَالَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ

قَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : أَوْحَى اللَّه إِلَى الْأَرْض أَنْ تُخْرِج مَاءَهَا فَتَفَجَّرَتْ بِالْعُيُونِ , وَإِنَّ عَيْنًا تَأَخَّرَتْ فَغَضِبَ عَلَيْهَا فَجَعَلَ مَاءَهَا مُرًّا أُجَاجًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .|فَالْتَقَى الْمَاءُ|أَيْ مَاء السَّمَاء وَمَاء الْأَرْض|عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ|أَيْ عَلَى مِقْدَار لَمْ يَزِدْ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ; حَكَاهُ اِبْن قُتَيْبَة . أَيْ كَانَ مَاء السَّمَاء وَالْأَرْض سَوَاء . وَقِيلَ : | قُدِرَ | بِمَعْنَى قُضِيَ عَلَيْهِمْ . قَالَ قَتَادَة : قَدَّرَ لَهُمْ إِذَا كَفَرُوا أَنْ يُغْرَقُوا . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : كَانَتْ الْأَقْوَات قَبْل الْأَجْسَاد , وَكَانَ الْقَدَر قَبْل الْبَلَاء ; وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ : | اِلْتَقَى الْمَاء | وَالِالْتِقَاء إِنَّمَا يَكُون فِي اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ; لِأَنَّ الْمَاء يَكُون جَمْعًا وَوَاحِدًا . وَقِيلَ : لِأَنَّهُمَا لَمَّا اِجْتَمَعَا صَارَا مَاء وَاحِدًا . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : | فَالْتَقَى الْمَاءَانِ | . وَقَرَأَ الْحَسَن : | فَالْتَقَى الْمَاوَانِ | وَهُمَا خِلَاف الْمَرْسُوم . الْقُشَيْرِيّ : وَفِي بَعْض الْمَصَاحِف | فَالْتَقَى الْمَاوَانِ | وَهِيَ لُغَة طَيْء . وَقِيلَ : كَانَ مَاء السَّمَاء بَارِدًا مِثْل الثَّلْج وَمَاء الْأَرْض حَارًّا مِثْل الْحَمِيم .

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

أَيْ عَلَى سَفِينَة ذَات أَلْوَاح .|وَدُسُرٍ|قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي الْمَسَامِير الَّتِي دُسِرَتْ بِهَا السَّفِينَة أَيْ شُدَّتْ ; وَقَالَهُ الْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد وَابْن جُبَيْر وَرَوَاهُ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الْحَسَن وَشَهْر بْن حَوْشَب وَعِكْرِمَة : هِيَ صَدْر السَّفِينَة الَّتِي تَضْرِب بِهَا الْمَوْج سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُر الْمَاء أَيْ تَدْفَعهُ , وَالدَّسْر الدَّفْع وَالْمَخْر ; وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدَّسْر كَلْكَل السَّفِينَة . وَقَالَ اللَّيْث : الدِّسَار خَيْط مِنْ لِيف تُشَدّ بِهِ أَلْوَاح السَّفِينَة . وَفِي الصِّحَاح : الدِّسَار وَاحِد الدُّسُر وَهِيَ خُيُوط تُشَدّ بِهَا أَلْوَاح السَّفِينَة , وَيُقَال : هِيَ الْمَسَامِير , وَقَالَ تَعَالَى : | عَلَى ذَات أَلْوَاح وَدُسُر | . وَدُسْر أَيْضًا مِثْل عُسْر وَعُسُر . وَالدَّسْر الدَّفْع ; قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الْعَنْبَر : إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَدْسُرهُ الْبَحْر دَسْرًا أَيْ يَدْفَعهُ . وَدَسَرَهُ بِالرُّمْحِ . وَرَجُل مِدْسَر .

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ

أَيْ بِمَرْأَى مِنَّا . وَقِيلَ : بِأَمْرِنَا . وَقِيلَ : بِحِفْظٍ مِنَّا وَكِلَاءَة : وَقَدْ مَضَى فِي | هُود | . وَمِنْهُ قَوْل النَّاس لِلْمُوَدَّعِ : عَيْن اللَّه عَلَيْك ; أَيْ حِفْظه وَكِلَاءَته . وَقِيلَ : بِوَحْيِنَا . وَقِيلَ : أَيْ بِالْأَعْيُنِ النَّابِعَة مِنْ الْأَرْض . وَقِيلَ : بِأَعْيُنِ أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا , وَكُلّ مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى يُمْكِن أَنْ يُضَاف إِلَيْهِ . وَقِيلَ : أَيْ تَجْرِي بِأَوْلِيَائِنَا , كَمَا فِي الْخَبَر : مَرِضَ عَيْن مِنْ عُيُوننَا فَلَمْ تَعُدْهُ .|جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ|أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ ثَوَابًا وَجَزَاء لِنُوحٍ عَلَى صَبْره عَلَى أَذَى قَوْمه وَهُوَ الْمَكْفُور بِهِ ; فَاللَّام فِي | لِمَنْ | لَام الْمَفْعُول لَهُ ; وَقِيلَ : | كُفِرَ | أَيْ جَحَدَ ; فـ | ـمَنْ | كِنَايَة عَنْ نُوح . وَقِيلَ : كِنَايَة عَنْ اللَّه وَالْجَزَاء بِمَعْنَى الْعِقَاب ; أَيْ عِقَابًا لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى . وَقَرَأَ يَزِيد بْن رُومَان وَقَتَادَة وَمُجَاهِد وَحُمَيْد | جَزَاء لِمَنْ كَانَ كَفَرَ | بِفَتْحِ الْكَاف وَالْفَاء بِمَعْنَى : كَانَ الْغَرَق جَزَاء وَعِقَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَمَا نَجَا مِنْ الْغَرَق غَيْر عُوج بْن عُنُق ; كَانَ الْمَاء إِلَى حُجْزَته . وَسَبَب نَجَاته أَنَّ نُوحًا اِحْتَاجَ إِلَى خَشَبَة السَّاج لِبِنَاءِ السَّفِينَة فَلَمْ يُمْكِنهُ حَمْلهَا , فَحَمَلَ عُوج تِلْكَ الْخَشَبَة إِلَيْهِ مِنْ الشَّام فَشَكَرَ اللَّه لَهُ ذَلِكَ , وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَق .

وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ

يُرِيد هَذِهِ الْفَعْلَة عِبْرَة . وَقِيلَ : أَرَادَ السَّفِينَة تَرَكَهَا آيَة لِمَنْ بَعْد قَوْم نُوح يَعْتَبِرُونَ بِهَا فَلَا يُكَذِّبُونَ الرُّسُل . قَالَ قَتَادَة : أَبْقَاهَا اللَّه بِبَاقِرْدَى مِنْ أَرْض الْجَزِيرَة عِبْرَة وَآيَة , حَتَّى نَظَرَتْ إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة , وَكَمْ مِنْ سَفِينَة كَانَتْ بَعْدهَا فَصَارَتْ رَمَادًا .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|مُتَّعِظ خَائِف , وَأَصْله مُذْتَكِر مُفْتَعِل مِنْ الذِّكْر , فَثَقُلَتْ عَلَى الْأَلْسِنَة فَقُلِبَتْ التَّاء دَالًا لِتُوَافِقَ الذَّال فِي الْجَهْر وَأُدْغِمَتْ الذَّال فِيهَا .

وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ

أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : | نُذُرِ | جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار .

هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ

أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : <br>وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا .......... هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ <br>وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ افْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | التَّوْبَة | فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : | فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر | لِأَنَّ | هَلْ | كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ | هَلْ | لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .

وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ

هُمْ قَوْم هُود .|فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ|وَقَعَتْ | نُذُرِ | فِي هَذِهِ السُّورَة فِي سِتَّة أَمَاكِن مَحْذُوفَة الْيَاء فِي جَمِيع الْمَصَاحِف , وَقَرَأَهَا يَعْقُوب مُثْبَتَة فِي الْحَالَيْنِ , وَوَرْش فِي الْوَصْل لَا غَيْر , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ . وَلَا خِلَاف فِي حَذْف الْيَاء مِنْ قَوْله : | فَمَا تُغْنِ النُّذُر | [ الْقَمَر : 5 ] وَالْوَاو مِنْ قَوْله : | يَدْعُ | فَأَمَّا الْيَاء مِنْ | الدَّاعِ | الْأُولَى فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ اِبْن مُحَيْصِن وَيَعْقُوب وَحُمَيْد وَالْبَزِّيّ , وَأَثْبَتَهَا وَرْش وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ . وَأَمَّا | الدَّاعِ | الثَّانِيَة فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوب وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير فِي الْحَالَيْنِ , وَأَثْبَتَهَا أَبُو عَمْرو وَنَافِع فِي الْوَصْل , وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ

أَيْ شَدِيدَة الْبَرْد ; قَالَهُ قَتَادَة وَالضَّحَّاك . وَقِيلَ : شَدِيدَة الصَّوْت . وَقَدْ مَضَى فِي | حم السَّجْدَة | .|فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ|أَيْ فِي يَوْم كَانَ مَشْئُومًا عَلَيْهِمْ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ فِي يَوْم كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ . الزَّجَّاج : قِيلَ فِي يَوْم أَرْبِعَاء . اِبْن عَبَّاس : كَانَ آخِر أَرْبِعَاء فِي الشَّهْر أَفْنَى صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ . وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر | نَحِس | بِكَسْرِ الْحَاء وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي فُصِّلَتْ | فِي أَيَّام نَحِسَات | [ فُصِّلَتْ : 16 ] . و | فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ | أَيْ دَائِم الشُّؤْم اِسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنُحُوسِهِ , وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعَذَاب إِلَى الْهَلَاك . وَقِيلَ : اِسْتَمَرَّ بِهِمْ إِلَى نَار جَهَنَّم . وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانَ مُرًّا عَلَيْهِمْ . وَكَذَا حَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا هُوَ مِنْ الْمَرَارَة ; يُقَال : مُرَّ الشَّيْء وَأَمَرَّ أَيْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُرّ تَكْرَههُ النُّفُوس . وَقَدْ قَالَ : | فَذُوقُوا | وَاَلَّذِي يُذَاق قَدْ يَكُون مُرًّا . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ مِنْ الْمِرَّة بِمَعْنَى الْقُوَّة . أَيْ فِي يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ مُسْتَحْكِم الشُّؤْم كَالشَّيْءِ الْمُحْكَم الْفَتْل الَّذِي لَا يُطَاق نَقْضه . فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ فَكَيْف يُسْتَجَاب فِيهِ الدُّعَاء ؟ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ فِيمَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر . وَقَدْ مَضَى فِي | الْبَقَرَة | حَدِيث جَابِر بِذَلِكَ . فَالْجَوَاب - وَاَللَّه أَعْلَمُ - مَا جَاءَ فِي خَبَر يَرْوِيه مَسْرُوق عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَقَالَ يَوْم الْأَرْبِعَاء يَوْم نَحْس مُسْتَمِرّ وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الصَّالِحِينَ , بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ نَحْس عَلَى الْفُجَّار وَالْمُفْسِدِينَ ; كَمَا كَانَتْ الْأَيَّام النَّحِسَات الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ; نَحِسَات عَلَى الْكُفَّار مِنْ قَوْم عَاد لَا عَلَى نَبِيّهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُد أَنْ يُمْهَل الظَّالِم مِنْ أَوَّل يَوْم الْأَرْبِعَاء إِلَى أَنْ تَزُول الشَّمْس , فَإِذَا أَدْبَرَ النَّهَار وَلَمْ يُحْدِث رَجْعَة اُسْتُجِيبَ دُعَاء الْمَظْلُوم عَلَيْهِ , فَكَانَ الْيَوْم نَحْسًا عَلَى الظَّالِم ; وَدُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْكُفَّار , وَقَوْل جَابِر فِي حَدِيثه | لَمْ يَنْزِل بِي أَمْر غَلِيظ | إِشَارَة إِلَى هَذَا . وَاَللَّه أَعْلَمُ .

ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ

فِي مَوْضِع الصِّفَة لِلرِّيحِ أَيْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ مَوَاضِعهمْ . قِيلَ : قَلَعَتْهُمْ مِنْ تَحْت أَقْدَامهمْ اِقْتِلَاع النَّخْلَة مِنْ أَصْلهَا . وَقَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ الْأَرْض , فَتَرْمِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسهمْ فَتَنْدَقّ أَعْنَاقهمْ وَتَبِين رُءُوسهمْ عَنْ أَجْسَادهمْ . وَقِيلَ : تَنْزِع النَّاس مِنْ الْبُيُوت . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْتَزَعَتْ الرِّيح النَّاس مِنْ قُبُورهمْ ) . وَقِيلَ : حَفَرُوا حُفَرًا وَدَخَلُوهَا فَكَانَتْ الرِّيح تَنْزِعهُمْ مِنْهَا وَتَكْسِرهُمْ , وَتُبْقِي تِلْكَ الْحُفَر كَأَنَّهَا أُصُول نَخْل قَدْ هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا فَتَبْقَى مَوَاضِعهَا مُنْقَعِرَة . يُرْوَى أَنَّ سَبْعَة مِنْهُمْ حَفَرُوا حُفَرًا وَقَامُوا فِيهَا لِيَرُدُّوا الرِّيح . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : لَمَّا هَاجَتْ الرِّيح قَامَ نَفَرٌ سَبْعَة مِنْ عَاد سُمِّيَ لَنَا مِنْهُمْ سِتَّة مِنْ أَشَدّ عَاد وَأَجْسَمِهَا مِنْهُمْ عَمْرو بْن الْحِلِيّ وَالْحَارِث بْن شَدَّاد وَالْهِلْقَام وَابْنَا تِقْن وخلجان بْن سَعْد فَأَوْلَجُوا الْعِيَال فِي شِعْب بَيْن جَبَلَيْنِ , ثُمَّ اِصْطَفَوْا عَلَى بَاب الشِّعْب لِيَرُدُّوا الرِّيح عَمَّنْ فِي الشِّعْب مِنْ الْعِيَال , فَجَعَلَتْ الرِّيح تَجْعَفُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا , فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ عَاد : <br>ذَهَبَ الدَّهْر بِعَمْرِو بْـ .......... ـن حَلِيّ وَالْهَنِيَّات <br><br>ثُمَّ بِالْحَارِثِ وَالْهِلْـ .......... ـقَامِ طَلَّاع الثَّنِيَّات <br><br>وَاَلَّذِي سَدّ مَهَبّ الرِّ .......... يحِ أَيَّام الْبَلِيَّات<br>|كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ|لِلَفْظِ النَّخْل وَهُوَ مِنْ الْجَمْع الَّذِي يُذَكَّر وَيُؤَنَّث . وَالْمُنْقَعِر : الْمُنْقَلِع مِنْ أَصْله ; قَعَرْت الشَّجَرَة قَعْرًا قَلَعْتهَا مِنْ أَصْلهَا فَانْقَعَرَتْ . الْكِسَائِيّ : قَعَرْت الْبِئْر أَيْ نَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْرهَا , وَكَذَلِكَ الْإِنَاء إِذَا شَرِبْت مَا فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى قَعْره . وَأَقْعَرْت الْبِئْر جَعَلْت لَهَا قَعْرًا . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : سُئِلَ الْمُبَرِّد بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي عَنْ أَلْف مَسْأَلَة هَذِهِ مِنْ جُمْلَتهَا , فَقِيلَ لَهُ : مَا الْفَرْق بَيْن قَوْله تَعَالَى : | وَلِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة | [ الْأَنْبِيَاء : 81 ] و | جَاءَتْهَا رِيح عَاصِف | [ يُونُس : 22 ] , وَقَوْله : | كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة | [ الْحَاقَّة : 7 ] و | أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر | ؟ فَقَالَ : كُلّ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَاب فَإِنْ شِئْت رَدَدْته إِلَى اللَّفْظ تَذْكِيرًا , أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا . وَقِيلَ : إِنَّ النَّخْل وَالنَّخِيل بِمَعْنًى يُذَكَّر وَيُؤَنَّث , كَمَا ذَكَرْنَا .</p><p>الطَّبَرِيّ : فِي الْكَلَام حَذْف , وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس فَتَتْرُكهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر ; فَالْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب بِالْمَحْذُوفِ . الزَّجَّاج : الْكَاف فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال , وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس وَالْمَعْنَى تَنْزِع النَّاس مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْل . وَالتَّشْبِيه قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا . وَالْأَعْجَاز جَمْع عَجُز وَهُوَ مُؤَخَّر الشَّيْء , وَكَانَتْ عَاد مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَة , فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ اِنْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا .

وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ

أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : | نُذُرِ | جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِير بِمَعْنَى الْإِنْكَار .

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ

أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : <br>وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا .......... هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع <br>وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | التَّوْبَة | فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكُرِّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : | فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر | لِأَنَّ | هَلْ | كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ | هَلْ | لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ

هُمْ قَوْم صَالِح كَذَّبُوا الرُّسُل وَنَبِيّهمْ , أَوْ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي هِيَ النُّذُر

إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ

وَنَدَع جَمَاعَة . وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهَب وَابْن السَّمَيْقَع وَأَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ | أَبَشَر | بِالرَّفْعِ | وَاحِد | كَذَلِكَ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر | نَتَّبِعهُ | . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَتَّبِعُ بَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعهُ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال : | أَبَشَر | بِالرَّفْعِ | مِنَّا وَاحِدًا | بِالنَّصْبِ , رَفَعَ | أَبَشَر | بِإِضْمَارِ فِعْل يَدُلّ عَلَيْهِ | أَأُلْقِيَ | كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُنَبَّأُ بَشَر مِنَّا , وَقَوْله : | وَاحِدًا | يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر فِي | مِنَّا | وَالنَّاصِب لَهُ الظَّرْف , وَالتَّقْدِير أَيُنَبَّأُ بَشَر كَائِن مِنَّا مُنْفَرِدًا ; وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الضَّمِير فِي | نَتَّبِعهُ | مُنْفَرِدًا لَا نَاصِر لَهُ .|إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ|أَيْ ذَهَاب عَنْ الصَّوَاب|وَسُعُرٍ|أَيْ جُنُون , مِنْ قَوْلهمْ : نَاقَة مَسْعُورَة , أَيْ كَأَنَّهَا مِنْ شِدَّة نَشَاطهَا مَجْنُونَة , ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس . قَالَ الشَّاعِر يَصِف نَاقَته : <br>تَخَال بِهَا سُعْرًا إِذَا السَّفْر هَزَّهَا .......... ذَمِيل وَإِيقَاع مِنْ السَّيْر مُتْعِبُ <br>الذَّمِيل ضَرْب مِنْ سَيْر الْإِبِل . قَالَ أَبُو عُبَيْد : إِذَا اِرْتَفَعَ السَّيْر عَنْ الْعَنَق قَلِيلًا فَهُوَ التَّزَيُّد , فَإِذَا اِرْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ الذَّمِيل , ثُمَّ الرَّسِيم ; يُقَال : ذَمَلَ يَذْمُل وَيَذْمِلُ ذَمِيلًا . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : وَلَا يَذْمُل بَعِير يَوْمًا وَلَيْلَة إِلَّا مَهْرِيّ قَالَهُ ج . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : السُّعُر الْعَذَاب , وَقَالَهُ الْفَرَّاء . مُجَاهِد : بَعْد الْحَقّ . السُّدِّيّ : فِي اِحْتِرَاق . قَالَ : <br>أَصَحَوْت الْيَوْم أَمْ شَاقَتْك هِرْ .......... وَمِنْ الْحُبّ جُنُون مُسْتَعِرْ <br>أَيْ مُتَّقِد وَمُحْتَرِق . أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ جَمْع سَعِير وَهُوَ لَهِيب النَّار . وَالْبَعِير الْمَجْنُون يَذْهَب كَذَا وَكَذَا لِمَا يَتَلَهَّب بِهِ مِنْ الْحِدَّة . وَمَعْنَى الْآيَة : إِنَّا إِذًا لَفِي شَقَاء وَعَنَاء مِمَّا يَلْزَمنَا .

وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ

أَيْ خُصِّصَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ بَيْن آل ثَمُود وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَر مَالًا وَأَحْسَن حَالًا ؟ ! وَهُوَ اِسْتِفْهَام مَعْنَاهُ الْإِنْكَار .|بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ|أَيْ لَيْسَ كَمَا يَدَّعِيه وَإِنَّمَا يُرِيد أَنْ يَتَعَاظَم وَيَلْتَمِس التَّكَبُّر عَلَيْنَا مِنْ غَيْر اِسْتِحْقَاق . وَالْأَشَر الْمَرَح وَالتَّجَبُّر وَالنَّشَاط . يُقَال : فَرَس أَشِر إِذَا كَانَ مَرِحًا نَشِيطًا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس يَصِف كَلْبًا : <br>فَيُدْرِكنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ .......... سَمِيع بَصِير طَلُوب نَكِرْ <br><br>أَلَصُّ الضُّرُوس حَنِيُّ الضُّلُوع .......... تَبُوعٌ أَرِيب نَشِيط أَشِرْ <br>وَقِيلَ : | أَشِر | بَطِر . وَالْأَشَر الْبَطَر ; قَالَ الشَّاعِر : <br>أَشِرْتُمْ بِلُبْسِ الْخَزّ لِمَا لَبِسْتُمُ .......... وَمِنْ قَبْلُ مَا تَدْرُونَ مَنْ فَتَحَ الْقُرَى <br>وَقَدْ أَشِرَ بِالْكَسْرِ يَأْشَر أَشَرًا فَهُوَ أَشِر وَأَشْرَان , وَقَوْم أُشَارَى مِثْل سَكْرَان وَسُكَارَى ; قَالَ الشَّاعِر : <br>وَخَلَّتْ وُعُولًا أُشَارَى بِهَا .......... وَقَدْ أَزْهَفَ الطَّعْنُ أَبْطَالَهَا <br>وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَنْزِلَة لَا يَسْتَحِقّهَا ; وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَقَالَ اِبْن زَيْد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن حَمَّاد : الْأَشِر الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو قِلَابَةَ | أَشَرّ | بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء يَعْنِي بِهِ أَشَرّنَا وَأَخْبَثنَا .

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ

أَيْ سَيَرَوْنَ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة , أَوْ فِي حَال نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ فِي الدُّنْيَا . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَمْزَة بِالتَّاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْل صَالِح لَهُمْ عَلَى الْخِطَاب . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى لِصَالِحٍ عَنْهُمْ . وَقَوْله : | غَدًا | عَلَى التَّقْرِيب عَلَى عَادَة النَّاس فِي قَوْلهمْ لِلْعَوَاقِبِ : إِنَّ مَعَ الْيَوْم غَدًا ; قَالَ : <br>لِلْمَوْتِ فِيهَا سِهَامٌ غَيْر مُخْطِئَة .......... مَنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتًا فِي الْيَوْم مَاتَ غَدَا <br>وَقَالَ الطِّرِمَّاح : <br>أَلَا عَلِّلَانِي قَبْل نَوْح النَّوَائِح .......... وَقَبْل اِضْطِرَاب النَّفْس بَيْن الْجَوَانِح <br><br>وَقَبْل غَد يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَد .......... إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْت بِرَائِحِ <br>وَإِنَّمَا أَرَادَ وَقْت الْمَوْت وَلَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ .|مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ|وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ | الْأَشَرّ | بِفَتْحِ الشِّين وَتَشْدِيد الرَّاء جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل . قَالَ أَبُو حَاتِم : لَا تَكَاد الْعَرَب تَتَكَلَّم بِالْأَشَرِّ وَالْأَخْيَر إِلَّا فِي ضَرُورَة الشِّعْر ; كَقَوْلِ رُؤْبَة : <br>بِلَال خَيْر النَّاس وَابْن الْأَخْيَر <br>وَإِنَّمَا يَقُولُونَ هُوَ خَيْر قَوْمه , وَهُوَ شَرّ النَّاس ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : | كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ | [ آل عِمْرَان : 110 ] وَقَالَ : | فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرّ مَكَانًا | [ مَرْيَم : 75 ] . وَعَنْ أَبِي حَيْوَة بِفَتْحِ الشِّين وَتَخْفِيف الرَّاء . وَعَنْ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر ضَمُّ الشِّين وَالرَّاء وَالتَّخْفِيف , قَالَ النَّحَّاس : وَهُوَ مَعْنَى | الْأَشِر | وَمِثْله رَجُل حَذِر وَحَذُر .

هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ

أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنْ الْهَضْبَة الَّتِي سَأَلُوهَا , فَرُوِيَ أَنَّ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا فَانْصَدَعَتْ الصَّخْرَة الَّتِي عَيَّنُوهَا عَنْ سَنَامهَا , فَخَرَجَتْ نَاقَة عُشَرَاء وَبْرَاء .|فِتْنَةً لَهُمْ|أَيْ اِخْتِبَارًا وَهُوَ مَفْعُول لَهُ .|فَارْتَقِبْهُمْ|أَيْ اِنْتَظِرْ مَا يَصْنَعُونَ .|وَاصْطَبِرْ|أَيْ اِصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ , وَأَصْل الطَّاء فِي اِصْطَبِرْ تَاء فَتَحَوَّلَتْ طَاء لِتَكُونَ مُوَافِقَة لِلصَّادِ فِي الْإِطْبَاق .

جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ

أَيْ أَخْبِرْهُمْ|أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ|أَيْ بَيْن آل ثَمُود وَبَيْن النَّاقَة , لَهَا يَوْم وَلَهُمْ يَوْم , كَمَا قَالَ تَعَالَى : | لَهَا شِرْب وَلَكُمْ شِرْب يَوْم مَعْلُوم | [ الشُّعَرَاء : 155 ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ يَوْم شِرْبهمْ لَا تَشْرَب النَّاقَة شَيْئًا مِنْ الْمَاء وَتَسْقِيهِمْ لَبَنًا وَكَانُوا فِي نَعِيم , وَإِذَا كَانَ يَوْم النَّاقَة شَرِبَتْ الْمَاء كُلّه فَلَمْ تُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا . وَإِنَّمَا قَالَ : | بَيْنهمْ | لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَخْبَرُوا عَنْ بَنِي آدَم مَعَ الْبَهَائِم غَلَّبُوا بَنِي آدَم . وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا نَزَلْنَا الْحِجْر فِي مَغْزَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوك , قَالَ : ( أَيّهَا النَّاس لَا تَسْأَلُوا فِي هَذِهِ الْآيَات هَؤُلَاءِ قَوْم صَالِح سَأَلُوا نَبِيّهمْ أَنْ يَبْعَث اللَّه لَهُمْ نَاقَة فَبَعَثَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ النَّاقَة فَكَانَتْ تَرِد مِنْ ذَلِكَ الْفَجّ فَتَشْرَب مَاءَهُمْ يَوْم وِرْدهَا وَيَحْلُبُونَ مِنْهَا مِثْل الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ يَوْم غِبّهَا ) .|كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ|الشِّرْب - بِالْكَسْرِ - الْحَظّ مِنْ الْمَاء ; وَفِي الْمَثَل : ( آخِرهَا أَقَلّهَا شِرْبًا ) وَأَصْله فِي سَقْي الْإِبِل , لِأَنَّ آخِرهَا يَرِد وَقَدْ نَزِفَ الْحَوْض . وَمَعْنَى | مُحْتَضَر | أَيْ يَحْضُرهُ مَنْ هُوَ لَهُ ; فَالنَّاقَة تَحْضُر الْمَاء يَوْم وِرْدهَا , وَتَغِيب عَنْهُمْ يَوْم وِرْدهمْ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقَالَ مُجَاهِد : إِنَّ ثَمُود يَحْضُرُونَ الْمَاء يَوْم غِبِّهَا فَيَشْرَبُونَ , وَيَحْضُرُونَ اللَّبَن يَوْم وِرْدهَا فَيَحْتَلِبُونَ .

مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ

يَعْنِي بِالْحَضِّ عَلَى عَقْرهَا|فَتَعَاطَى فَعَقَرَ|وَمَعْنَى تَعَاطَى تَنَاوَلَ الْفِعْل ; مِنْ قَوْلهمْ : عَطَوْت أَيْ تَنَاوَلْت ; وَمِنْهُ قَوْل حَسَّان : <br>كِلْتَاهُمَا حَلَبُ الْعَصِير فَعَاطِنِي .......... بِزُجَاجَةٍ أَرْخَاهُمَا لِلْمِفْصَلِ <br>قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَكَمَنَ لَهَا فِي أَصْل شَجَرَة عَلَى طَرِيقهَا فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ عَضَلَة سَاقهَا , ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا بِالسَّيْفِ فَكَشَفَ عُرْقُوبهَا , فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاءَة وَاحِدَة : تَحَدَّرَ سَقْبهَا مِنْ بَطْنهَا ثُمَّ نَحَرَهَا , وَانْطَلَقَ سَقْبهَا حَتَّى أَتَى صَخْرَة فِي رَأْس جَبَل فرغا ثُمَّ لَاذَ بِهَا , فَأَتَاهُمْ صَالِح عَلَيْهِ السَّلَام ; فَلَمَّا رَأَى النَّاقَة قَدْ عُقِرَتْ بَكَى وَقَالَ : قَدْ اِنْتَهَكْتُمْ حُرْمَة اللَّه فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّه . وَقَدْ مَضَى فِي | الْأَعْرَاف | بَيَان هَذَا الْمَعْنَى . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ الَّذِي عَقَرَهَا أَحْمَر أَزْرَق أَشْقَر أَكْشَف أَقْفَى . وَيُقَال فِي اِسْمه قُدَار بْن سَالِف . وَقَالَ الْأَفْوَه الْأَوْدِيّ : <br>أَوْ قَبْله كَقُدَارٍ حِين تَابَعَهُ .......... عَلَى الْغِوَايَةِ أَقْوَام فَقَدْ بَادُوا <br>وَالْعَرَب تُسَمِّي الْجَزَّار قُدَارًا تَشْبِيهًا بِقُدَارِ بْن سَالِف مَشْئُوم آل ثَمُود ; قَالَ مُهَلْهِل : <br>إِنَّا لَنَضْرِب بِالسُّيُوفِ رُءُوسهمْ .......... ضَرْب الْقُدَارِ نَقِيعَة الْقُدَّام <br>وَذَكَرَهُ زُهَيْر فَقَالَ : <br>فَتُنْتَجْ لَكُمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلّهمْ .......... كَأَحْمَر عَاد ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ <br>يُرِيد الْحَرْب ; فَكَنَّى عَنْ ثَمُود بِعَادٍ .

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ

أَيْ إِنْذَارِي ; قَالَ الْفَرَّاء : إِنْذَارِي ; قَالَ مَصْدَرَانِ . وَقِيلَ : | نُذُرِ | جَمْع نَذِير وَنَذِير بِمَعْنَى الْإِنْذَار كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَار .

هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ

يُرِيد صَيْحَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , وَقَدْ مَضَى فِي | هُود | .|فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ|وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة | الْمُحْتَظَر | بِفَتْحِ الظَّاء أَرَادُوا الْحَظِيرَة . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِب الْحَظِيرَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُحْتَظِر الَّذِي يَعْمَل الْحَظِيرَة . وَقُرِئَ | كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر | فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِل وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُول بِهِ . وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْقَلِيل الْخَيْر : إِنَّهُ لَنَكِد الْحَظِيرَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَاله حَظِيرَة لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْده وَمَنَعَهَا , وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة . الْمَهْدَوِيّ : مَنْ فَتَحَ الظَّاء مِنْ | الْمُحْتَظِر | فَهُوَ مَصْدَر , وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون | الْمُحْتَظِر | هُوَ الشَّجَر الْمُتَّخَذ مِنْهُ الْحَظِيرَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : | الْمُحْتَظِر | هُوَ الرَّجُل يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة بِالشَّجَرِ وَالشَّوْك ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَم فَهُوَ الْهَشِيم . قَالَ : <br>أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَار .......... تَشِبّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمِ <br>وَعَنْهُ : كَحَشِيشٍ تَأْكُلهُ الْغَنَم . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَالْعِظَامِ النَّخِرَة الْمُحْتَرِقَة , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ التُّرَاب الْمُتَنَاثِر مِنْ الْحِيطَان فِي يَوْم رِيح . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْحَظِيرَة إِذَا ضَرَبْتهَا بِالْعَصَا , وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا . وَالْحَظْر الْمَنْع , وَالْمُحْتَظِر الْمُفْتَعِل يُقَال مِنْهُ : اِحْتَظَرَ عَلَى إِبِله وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَر وَوَضَعَ بَعْضه فَوْق بَعْض لِيَمْنَع بَرْد الرِّيح وَالسِّبَاع عَنْ إِبِله ; قَالَ الشَّاعِر : <br>تَرَى جِيَف الْمَطِيّ بِجَانِبَيْهِ .......... كَأَنَّ عِظَامهَا خَشَب الْهَشِيم <br>وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْل الْقَمْح الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ ; فَالْمُحْتَظِر عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذ حَظِيرَة عَلَى زَرْعه , وَالْهَشِيم فُتَات السُّنْبُلَة وَالتِّبْن .

إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ

أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : <br>وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا .......... هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ <br>وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | التَّوْبَة | فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : | فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر | لِأَنَّ | هَلْ | كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ | هَلْ | لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .

هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ

أَخْبَرَ عَنْ قَوْم لُوط أَيْضًا لَمَّا كَذَّبُوا لُوطًا .

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ

أَيْ رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى ; قَالَ النَّضْر : الْحَاصِب الْحَصْبَاء فِي الرِّيح . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَاصِب الْحِجَارَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْحَاصِب الرِّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تُثِير الْحَصْبَاء وَكَذَلِكَ الْحَصِبَة ; قَالَ لَبِيد : <br>جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلهَا .......... أَذْيَالَهَا كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ <br>عَصَفَتْ الرِّيح أَيْ اِشْتَدَّتْ فَهِيَ رِيح عَاصِف وَعَصُوف . وَقَالَ الْفَرَزْدَق : <br>مُسْتَقْبِلِينَ شَمَال الشَّام تَضْرِبنَا .......... بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْن مَنْثُور<br>|إِلَّا آلَ لُوطٍ|يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينه وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ|نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ|قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَة , وَلَوْ أَرَادَ سَحَر يَوْم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ , وَنَظِيره : | اِهْبِطُوا مِصْرًا | [ الْبَقَرَة : 61 ] لَمَّا نَكَّرَهُ , فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْله : | اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه | [ يُوسُف : 99 ] لَمْ يُجْرِهِ , وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج : | سَحَر | إِذَا كَانَ نَكِرَة يُرَاد بِهِ سَحَر مِنْ الْأَسْحَار يُصْرَف , تَقُول أَتَيْته سَحَرًا , فَإِذَا أَرَدْت سَحَر يَوْمك لَمْ تَصْرِفهُ , تَقُول : أَتَيْته سَحَرَ يَا هَذَا , وَأَتَيْته بِسَحَرَ . وَالسَّحَر : هُوَ مَا بَيْن آخِر اللَّيْل وَطُلُوع الْفَجْر , وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب اِخْتِلَاط سَوَاد اللَّيْل بِبَيَاضِ أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون مَخَايِيل اللَّيْل وَمَخَايِيل النَّهَار .

هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ

إِنْعَامًا مِنَّا عَلَى لُوط وَابْنَتَيْهِ ; فَهُوَ نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ .|كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ|أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَطَاعَهُ .

وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ

|يَعْنِي لُوطًا خَوَّفَهُمْ|بَطْشَتَنَا|عُقُوبَتنَا وَأَخْذنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ|فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ|أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ , وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الْمِرْيَة .

هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ

أَيْ أَرَادُوا مِنْهُ تَمْكِينهمْ مِمَّنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي هَيْئَة الْأَضْيَاف طَلَبًا لِلْفَاحِشَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . يُقَال : رَاوَدْته عَلَى كَذَا مُرَاوَدَة وَرِوَادًا أَيْ أَرَدْته . وَرَادَ الْكَلَأ يَرُودهُ رَوْدًا وَرِيَادًا , وَارْتَادَهُ اِرْتِيَادًا بِمَعْنًى أَيْ طَلَبَهُ ; وَفِي الْحَدِيث : ( إِذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ ) أَيْ يَطْلُب مَكَانًا لَيِّنًا أَوْ مُنْحَدِرًا .|فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ|يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا . وَقِيلَ : صَارَتْ أَعْيُنهمْ كَسَائِرِ الْوَجْه لَا يُرَى لَهَا شَقّ , كَمَا تَطْمِس الرِّيح الْأَعْلَام بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب . وَقِيلَ : لَا , بَلْ أَعْمَاهُمْ اللَّه مَعَ صِحَّة أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ . قَالَ الضَّحَّاك : طَمَسَ اللَّه عَلَى أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا الرُّسُل ; فَقَالُوا : لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِين دَخَلُوا الْبَيْت فَأَيْنَ ذَهَبُوا ؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ .|فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ|أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا , وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الْأَمْر الْخَبَر ; أَيْ فَأَذَقْتهمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوط .

قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ

أَيْ دَائِم عَامّ اِسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى يُفْضِي بِهِمْ إِلَى عَذَاب الْآخِرَة . وَذَلِكَ الْعَذَاب قَلْب قَرْيَتهمْ عَلَيْهِمْ وَجَعْل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا . و | بُكْرَة | هُنَا نَكِرَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ .

قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ

الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ , بِهِمْ مِنْ طَمْس الْأَعْيُن غَيْر الْعَذَاب الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّكْرِير .

وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ

أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : <br>وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا .......... هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع <br>وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة | التَّوْبَة | فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ فِيهِمْ .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : | فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر | لِأَنَّ | هَلْ | كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ | هَلْ | لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .

أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ

| آل فِرْعَوْن | يَعْنِي الْقِبْط و | النُّذُر | مُوسَى وَهَارُون . وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْجَمْع عَلَى الِاثْنَيْنِ .

إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ

مُعْجِزَاتنَا الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيدنَا وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِنَا ; وَهِيَ الْعَصَا , وَالْيَد , وَالسُّنُونَ , وَالطَّمْسَة , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم . وَقِيلَ : | النُّذُر | الرُّسُل ; فَقَدْ جَاءَهُمْ يُوسُف وَبَنُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى . وَقِيلَ : | النُّذُر | الْإِنْذَار .|فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ|أَيْ غَالِب فِي اِنْتِقَامه|مُقْتَدِرٍ|أَيْ قَادِر عَلَى مَا أَرَادَ .

قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ

خَاطَبَ الْعَرَب . وَقِيلَ : أَرَادَ كُفَّار أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : اِسْتِفْهَام , وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَمَعْنَاهُ النَّفْي ; أَيْ لَيْسَ كُفَّاركُمْ خَيْرًا مِنْ كُفَّار مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ .|أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ|أَيْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُقُوبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بَرَاءَة مِنْ الْعَذَاب .

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ

أَيْ جَمَاعَة لَا تُطَاق لِكَثْرَةِ عَدَدهمْ وَقُوَّتهمْ , وَلَمْ يَقُلْ مُنْتَصِرِينَ اِتِّبَاعًا لِرُءُوسِ الْآي ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ فَقَالَ :

قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ

أَيْ جَمْع كُفَّار مَكَّة , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر وَغَيْره . وَقِرَاءَة الْعَامَّة | سَيُهْزَمُ | بِالْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله | الْجَمْع | بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب | سَنُهْزَمُ | بِالنُّونِ وَكَسْر الزَّاي | الْجَمْع | نَصْبًا .|وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ|قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْهُمْ . وَقَرَأَ عِيسَى وَابْن إِسْحَاق وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب | وَتُوَلُّونَ | بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . و | الدُّبُر | اِسْم جِنْس كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَار فَوُحِّدَ وَالْمُرَاد الْجَمْع لِأَجْلِ رُءُوس الْآي . وَقَالَ مُقَاتِل : ضَرَبَ أَبُو جَهْل فَرَسه يَوْم بَدْر فَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّفّ وَقَالَ : نَحْنُ نَنْتَصِر الْيَوْم مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : | نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر . سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر | . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : | سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر | كُنْت لَا أَدْرِي أَيّ الْجَمْع يَنْهَزِم , فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِب فِي الدِّرْع وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْك تُحَادُّك وَتُحَادُّ رَسُولك بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا فَأَخْنِهِمْ الْغَدَاة - ثُمَّ قَالَ - | سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر | فَعَرَفْت تَأْوِيلهَا . وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ . أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر : أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : <br>أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ <br>وَأَخْنَيْت عَلَيْهِ : أَفْسَدْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْن نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَبَيْن بَدْر سَبْع سِنِينَ ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا مَكِّيَّة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَإِنِّي لَجَارِيَة أَلْعَب : | بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ | . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّة لَهُ يَوْم بَدْر : ( أَنْشُدُك عَهْدك وَوَعْدك اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت لَمْ تُعْبَد بَعْد الْيَوْم أَبَدًا ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبك يَا رَسُول اللَّه فَقَدْ أَلْحَحْت عَلَى رَبّك ; وَهُوَ فِي الدِّرْع فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول : | سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر | .

أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ

يُرِيد الْقِيَامَة .|وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ|أَيْ أَدْهَى وَأَمَرّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يَوْم بَدْر . و | أَدْهَى | مِنْ الدَّاهِيَة وَهِيَ الْأَمْر الْعَظِيم ; يُقَال : دَهَاهُ أَمْر كَذَا - أَيْ أَصَابَهُ - دَهْوًا وَدَهْيًا . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَة دَهْوَاء وَدَهْيَاء وَهِيَ تَوْكِيد لَهَا .

مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ

أَيْ فِي حَيْدَة عَنْ الْحَقّ و | سُعُر | أَيْ اِحْتِرَاق . وَقِيلَ : جُنُون عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة .

إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ

فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَدَر فَنَزَلَتْ : | يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ | خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ طَاوُس قَالَ : أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس - أَوْ الْكَيْس وَالْعَجْز ) وَهَذَا إِبْطَال لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّة . | ذُوقُوا | أَيْ يُقَال لَهُمْ ذُوقُوا , وَمَسُّهَا مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَلَم عِنْد الْوُقُوع فِيهَا . و | سَقَرَ | اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم لَا يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ اِسْم مُؤَنَّث مَعْرِفَة , وَكَذَا لَظَى وَجَهَنَّم . وَقَالَ عَطَاء : | سَقَر | الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم . وَقَالَ قُطْرُب : | سَقَر | مِنْ سَقَرَتْهُ الشَّمْس وَصَقَرَتْهُ لَوَّحَتْهُ . وَيَوْم مُسَمْقِر وَمُصَمْقِر : شَدِيد الْحَرّ .

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ

قِرَاءَة الْعَامَّة | كُلَّ | بِالنَّصْبِ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال | كُلُّ | بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء . وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ فِعْل وَهُوَ اِخْتِيَار الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّ إِنَّ تَطْلُب الْفِعْل فَهِيَ بِهِ أَوْلَى , وَالنَّصْب أَدَلّ عَلَى الْعُمُوم فِي الْمَخْلُوقَات لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت | خَلَقْنَاهُ | الْمُفَسِّر وَأَظْهَرْت الْأَوَّل لَصَارَ إِنَّا خَلَقْنَا كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . وَلَا يَصِحّ كَوْن خَلَقْنَاهُ صِفَة لِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا تَعْمَل فِيمَا قَبْل الْمَوْصُوف , وَلَا تَكُون تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَل فِيمَا قَبْله . | إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ |</p><p>الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ الْأَشْيَاء ; أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرهَا وَأَحْوَالهَا وَأَزْمَانهَا قَبْل إِيجَادهَا , ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يُوجِدهُ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي عِلْمه , فَلَا يَحْدُث حَدَث فِي الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ إِلَّا وَهُوَ صَادِر عَنْ عِلْمه تَعَالَى وَقُدْرَته وَإِرَادَته دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْخَلْق لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْع اِكْتِسَاب وَمُحَاوَلَة وَنِسْبَة وَإِضَافَة , وَأَنَّ ذَلِكَ كُلّه إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّه تَعَالَى وَبِقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقه وَإِلْهَامه , سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَلَا خَالِق غَيْره ; كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة , لَا كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا . قَالَ أَبُو ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَدِمَ وَفْد نَجْرَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْله : | إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ | فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد يَكْتُب عَلَيْنَا الذَّنْب وَيُعَذِّبنَا ؟ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ خُصَمَاء اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ) .</p><p>رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ) . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَام نَصِيب أَهْل الْإِرْجَاء وَالْقَدَر ) . وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شَرِيك الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَة بْن مُكْرَم الضَّبِّيّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَعِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَيْر وَالشَّرّ بِأَيْدِينَا لَيْسَ لَهُمْ فِي شَفَاعَتِي نَصِيب وَلَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا هُمْ مِنِّي ) وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ اِبْن عُمَر تَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَلَا يَتَبَرَّأُ إِلَّا مِنْ كَافِر , ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِن بِالْقَدَرِ . وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : | وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ | [ التَّوْبَة : 54 ] وَهَذَا وَاضِح . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَان بِالْقَدَرِ يُذْهِب الْهَمّ وَالْحَزَن ) .

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ

أَيْ إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة .|كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ|أَيْ قَضَائِي فِي خَلْقِي أَسْرَعُ مِنْ لَمْح الْبَصَر . وَاللَّمْح النَّظَر بِالْعَجَلَةِ ; يُقَال : لَمَحَ الْبَرْق بِبَصَرِهِ . وَفِي الصِّحَاح : لَمَحَهُ وَأَلْمَحَهُ إِذَا أَبْصَرَهُ بِنَظَرٍ خَفِيف , وَالِاسْم اللَّمْحَة , وَلَمَحَ الْبَرْق وَالنَّجْم لَمْحًا أَيْ لَمَعَ .

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ

أَيْ أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة . وَقِيلَ : أَتْبَاعكُمْ وَأَعْوَانكُمْ .|فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ|أَيْ مَنْ يَتَذَكَّر . وَقِيلَ فَهَلْ مِنْ قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : | فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر | لِأَنَّ | هَلْ | كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ | هَلْ | لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .

إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ

أَيْ جَمِيع مَا فَعَلَتْهُ الْأُمَم قَبْلهمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ ; وَهَذَا بَيَان قَوْله : | إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ | . | فِي الزُّبُر | أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : فِي كُتُب الْحَفَظَة . وَقِيلَ : فِي أُمّ الْكِتَاب .

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ

أَيْ كُلّ ذَنْب كَبِير وَصَغِير مَكْتُوب عَلَى عَامِله قَبْل أَنْ يَفْعَلهُ لِيُجَازَى بِهِ , وَمَكْتُوب إِذَا فَعَلَهُ ; سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا كَتَبَ ; وَاسْتَطَرَ مِثْله .

قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ

| | الْغَابِرِينَ | أَيْ الْبَاقِينَ فِي عَذَاب اللَّه ; قَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . غَبَرَ الشَّيْء إِذَا مَضَى , وَغَبَرَ إِذَا بَقِيَ . وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَاد . وَقَالَ قَوْم : الْمَاضِي عَابِر بِالْعَيْنِ غَيْر مُعْجَمَة . وَالْبَاقِي غَابِر بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً . حَكَاهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل . وَقَالَ الزَّجَّاج : | مِنْ الْغَابِرِينَ | أَيْ مِنْ الْغَائِبِينَ عَنْ النَّجَاة وَقِيلَ : لِطُولِ عُمُرِهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَأَبُو عُبَيْدَة يَذْهَب إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْمُعَمَّرِينَ ; أَيْ إِنَّهَا قَدْ هَرِمَتْ . وَالْأَكْثَر فِي اللُّغَة أَنْ يَكُون الْغَابِر الْبَاقِي ; قَالَ الرَّاجِز : <br>فَمَا وَنَى مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرْ .......... لَهُ الْإِلَهُ مَا مَضَى وَمَا غَبَرْ<br>

قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ

أَيْ بِالْعُقُوبَةِ .

وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

خَاطَبَ الْعَرَب : أَيْ تَمُرُّونَ عَلَى مَنَازِلهمْ وَآثَارهمْ | مُصْبِحِينَ | وَقْت الصَّبَاح

قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

تَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَتَمَّ الْكَلَام .|أَفَلَا تَعْقِلُونَ|أَيْ تَعْتَبِرُونَ وَتَتَدَبَّرُونَ .

قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ

يُونُس هُوَ ذُو النُّون , وَهُوَ اِبْن مَتَّى , وَهُوَ اِبْن الْعَجُوز الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا إِلْيَاس , فَاسْتَخْفَى عِنْدهَا مِنْ قَوْمه سِتَّة أَشْهُر وَيُونُس صَبِيٌّ يَرْضَع , وَكَانَتْ أُمّ يُونُس تَخْدُمُهُ بِنَفْسِهَا وَتُؤَانِسُهُ , وَلَا تَدَّخِر عَنْهُ كَرَامَة تَقْدِر عَلَيْهَا . ثُمَّ إِنَّ إِلْيَاس سَئِم ضِيقَ الْبُيُوت فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ , وَمَاتَ اِبْن الْمَرْأَة يُونُس , فَخَرَجَتْ فِي أَثَر إِلْيَاس تَطُوف وَرَاءَهُ فِي الْجِبَال حَتَّى وَجَدَتْهُ , فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّه لَهَا لَعَلَّهُ يُحْيِي لَهَا وَلَدهَا ; فَجَاءَ إِلْيَاس إِلَى الصَّبِيّ بَعْد أَرْبَعَة عَشَرَ يَوْمًا مِنْ مَوْته , فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا اللَّه فَأَحْيَا اللَّه يُونُس بْن مَتَّى بِدَعْوَةِ إِلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام . وَأَرْسَلَ اللَّه يُونُس إِلَى أَهْل نِينَوَى مِنْ أَرْض الْمَوْصِل وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام ثُمَّ تَابُوا , حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ يُونُس ] وَمَضَى فِي [ الْأَنْبِيَاء ] قِصَّة يُونُس فِي خُرُوجه مُغَاضِبًا . وَاخْتُلِفَ فِي رِسَالَته هَلْ كَانَتْ قَبْل اِلْتِقَام الْحُوت إِيَّاهُ أَوْ بَعْده . قَالَ الطَّبَرِيّ عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب : إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى يُونُس فَقَالَ : اِنْطَلِقْ إِلَى أَهْل نِينَوَى فَأَنْذِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَاب قَدْ حَضَرَهُمْ . قَالَ : أَلْتَمِسُ دَابَّة . قَالَ : الْأَمْر أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : أَلْتَمِسُ حِذَاء . قَالَ : الْأَمْر أَعْجَل مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَغَضِبَ فَانْطَلَقَ إِلَى السَّفِينَة فَرَكِبَ , فَلَمَّا رَكِبَ السَّفِينَة اِحْتَبَسَتْ السَّفِينَة لَا تَتَقَدَّم وَلَا تَتَأَخَّر . قَالَ : فَتَسَاهَمُوا , قَالَ : فَسُهِمَ , فَجَاءَ الْحُوت يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ ; فَنُودِيَ الْحُوت : أَيَا حُوتُ ! إِنَّا لَمْ نَجْعَل لَك يُونُس رِزْقًا ; إِنَّمَا جَعَلْنَاك لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا . قَالَ : فَالْتَقَمَهُ الْحُوت مِنْ ذَلِكَ الْمَكَان حَتَّى مَرَّ بِهِ إِلَى الْأُبُلَّة , ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى دِجْلَة , ثُمَّ اِنْطَلَقَ حَتَّى أَلْقَاهُ فِي نِينَوَى . حَدَّثَنَا الْحَارِث قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَن قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَال قَالَ حَدَّثَنَا شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَة يُونُس بَعْد مَا نَبَذَهُ الْحُوت ; وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الرَّسُول لَا يَخْرُج مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ , فَكَانَ مَا جَرَى مِنْهُ قَبْل النُّبُوَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْد دُعَائِهِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ إِلَى مَا أَمَرَهُ اللَّه بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ , وَتَبْلِيغه إِيَّاهُمْ رِسَالَةَ رَبّه , وَلَكِنَّهُ وَعَدَهُمْ نُزُول مَا كَانَ حَذَّرَهُمْ مِنْ بَأْس اللَّه فِي وَقْت وَقَّتَهُ لَهُمْ فَفَارَقَهُمْ إِذْ لَمْ يَتُوبُوا وَلَمْ يُرَاجِعُوا طَاعَة اللَّه , فَلَمَّا أَظَلَّ الْقَوْمَ الْعَذَاب وَغَشِيَهُمْ - كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي تَنْزِيله - تَابُوا إِلَى اللَّه , فَرَفَعَ اللَّه الْعَذَاب عَنْهُمْ , وَبَلَغَ يُونُس سَلَامَتهمْ وَارْتِفَاع الْعَذَاب الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمُوهُ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ : وَعَدْتهمْ وَعْدًا فَكَذَّبَ وَعْدِي . فَذَهَبَ مُغَاضِبًا رَبّه وَكَرِهَ الرُّجُوع إِلَيْهِمْ , وَقَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ ; رَوَاهُ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْأَنْبِيَاء ] وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي عِنْد قَوْله تَعَالَى : | وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ | [ الصَّافَّات : 147 ] . وَلَمْ يَنْصَرِف يُونُس ; لِأَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ وَلَوْ كَانَ عَرَبِيًّا لَانْصَرَفَ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِهِ الْيَاء ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَفْعَال يُفْعُل كَمَا أَنَّك إِذَا سَمَّيْت بِيُعْفُر صَرَفْته ; وَإِنْ سَمَّيْت بِيَعْفُر لَمْ تَصْرِفْهُ .

إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ

قَالَ الْمُبَرِّد : أَصْل أَبَقَ تَبَاعَدَ ; وَمِنْهُ غُلَام آبِق . وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا قِيلَ لِيُونُس أَبَقَ ; لِأَنَّهُ خَرَجَ بِغَيْرِ أَمْر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَتِرًا مِنْ النَّاس . قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : سَمَّاهُ آبِقًا لِأَنَّهُ أَبَقَ عَنْ الْعُبُودِيَّة , وَإِنَّمَا الْعُبُودِيَّة تَرْك الْهَوَى وَبَذْل النَّفْس عِنْد أُمُور اللَّه ; فَلَمَّا لَمْ يَبْذُل النَّفْس عِنْدَمَا اِشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْعَزْمَة مِنْ الْمُلْك حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي [ الْأَنْبِيَاء ] , وَآثَرَ هَوَاهُ لَزِمَهُ اِسْم الْآبِق , وَكَانَتْ عَزْمَة الْمُلْك فِي أَمْر اللَّه لَا فِي أَمْر نَفْسه , وَبِحَظِّ حَقّ اللَّه لَا بِحَظِّ نَفْسه ; فَتَحَرَّى يُونُس فَلَمْ يُصِبْ الصَّوَاب الَّذِي عِنْد اللَّه فَسَمَّاهُ آبِقًا وَمُلِيمًا .|إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ|أَيْ الْمَمْلُوءَة | وَالْفُلْك | يُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَيَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ .

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

قَالَ الْمُبَرِّد : فَقَارَعَ , قَالَ : وَأَصْله مِنْ السِّهَام الَّتِي تُجَالُ . ذَكَرَ الطَّبَرِيّ : أَنَّ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَة أَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفٌ مِنْ الرِّيح , فَقَالُوا : هَذِهِ بِخَطِيئَةِ أَحَدِكُمْ . فَقَالَ يُونُس وَعَرَفَ أَنَّهُ هُوَ صَاحِب الذَّنْب : هَذِهِ خَطِيئَتِي فَأَلْقُونِي فِي الْبَحْر , وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمْ . | فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ | فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْر بِذَنْبِي . وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمْ الثَّانِيَة فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ , وَأَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْبَحْر حَتَّى أَعَادُوا سِهَامهمْ الثَّالِثَة فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسه فِي الْبَحْر , وَذَلِكَ تَحْت اللَّيْل فَابْتَلَعَهُ الْحُوت . وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَة تَقَنَّعَ وَرَقَدَ فَسَارُوا غَيْر بَعِيد إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيح كَادَتْ السَّفِينَة أَنْ تَغْرَق , فَاجْتَمَعَ أَهْل السَّفِينَة فَدَعَوْا فَقَالُوا : أَيْقِظُوا الرَّجُل النَّائِم يَدْعُوا مَعَنَا ; فَدَعَا اللَّه مَعَهُمْ فَرَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيح . ثُمَّ اِنْطَلَقَ يُونُس إِلَى مَكَانه فَرَقَدَ , فَجَاءَتْ رِيح كَادَتْ السَّفِينَة أَنْ تَغْرَق , فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوْا اللَّه فَارْتَفَعَتْ الرِّيح . قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ رَفَعَ حُوت عَظِيم رَأْسه إِلَيْهِمْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَلِع السَّفِينَة , فَقَالَ لَهُمْ يُونُس : يَا قَوْم هَذَا مِنْ أَجْلِي فَلَوْ طَرَحْتُمُونِي فِي الْبَحْر لَسِرْتُمْ وَلَذَهَبَ الرِّيح عَنْكُمْ وَالرَّوْع . قَالُوا : لَا نَطْرَحُك حَتَّى نَتَسَاهَمَ , فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ رَمَيْنَاهُ فِي الْبَحْر . قَالَ : فَتَسَاهَمُوا فَوَقَعَ عَلَى يُونُس ; فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْم اِطْرَحُونِي فَمِنْ أَجَلِي أُوتِيتُمْ ; فَقَالُوا : لَا نَفْعَل حَتَّى نَتَسَاهَمَ مَرَّة أُخْرَى . فَفَعَلُوا فَوَقَعَ عَلَى يُونُس . فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْم اِطْرَحُونِي فَمِنْ أَجْلِي أُوتِيتُمْ ; فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : | فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ | أَيْ وَقَعَ السَّهْم عَلَيْهِ ; فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى صَدْر السَّفِينَة لِيُلْقُوهُ فِي الْبَحْر , فَإِذَا الْحُوت فَاتِح فَاهُ , ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى جَانِب السَّفِينَة , فَإِذَا بِالْحُوتِ , ثُمَّ رَجَعُوا بِهِ إِلَى الْجَانِب الْآخَر , فَإِذَا بِالْحُوتِ فَاتِح فَاهُ ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى بِنَفْسِهِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوت ; فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى الْحُوت : إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَك رِزْقًا وَلَكِنْ جَعَلْت بَطْنَك لَهُ وِعَاء . فَمَكَثَ فِي بَطْن الْحُوت أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَنَادَى فِي الظُّلُمَات : | أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ | [ الْأَنْبِيَاء : 87 - 88 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ وَيَأْتِي . فَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْه أَنَّ الْقُرْعَة كَانَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي شَرْع مَنْ قَبْلنَا , وَجَاءَتْ فِي شَرْعنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ آل عِمْرَان ] قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ وَرَدَتْ الْقُرْعَة فِي الشَّرْع فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن . الْأَوَّل : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ , فَأَيَّتهنَّ خَرَجَ سَهْمهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ . الثَّانِي : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّة أَعْبُدٍ لَا مَال لَهُ غَيْرهمْ , فَأَقْرَعَ بَيْنهمْ ; فَأَعْتَقَ اِثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَة . الثَّالِث : أَنَّ رَجُلَيْنِ اِخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي مَوَارِيث قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ : ( اِذْهَبَا وَتَوَخَّيَا الْحَقّ وَاسْتَهِمَا وَلْيَحْلِلْ كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا صَاحِبه ) . فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاطِن , وَهِيَ الْقَسْمُ فِي النِّكَاح , وَالْعِتْق , وَالْقِسْمَة , وَجَرَيَانُ الْقُرْعَة فِيهَا لِرَفْعِ الْإِشْكَال وَحَسْم دَاء التَّشَهِّي . وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْقُرْعَة بَيْن الزَّوْجَات فِي الْغَزْو عَلَى قَوْلَيْنِ ; الصَّحِيح مِنْهُمَا الْإِقْرَاع ; وَبِهِ قَالَ فُقَهَاء الْأَمْصَار . وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَر بِجَمِيعِهِنَّ لَا يُمْكِن , وَاخْتِيَار وَاحِدَة مِنْهُنَّ إِيثَار فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَة . وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الْأَعْبُد السِّتَّة ; فَإِنَّ كُلّ اِثْنَيْنِ مِنْهُمَا ثُلُث , وَهُوَ الْقَدْر الَّذِي يَجُوز لَهُ فِيهِ الْعِتْق فِي مَرَض الْمَوْت , وَتَعْيِينهمَا بِالتَّشَهِّي لَا يَجُوز شَرْعًا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَة . وَكَذَلِكَ التَّشَاجُر إِذَا وَقَعَ فِي أَعْيَان الْمَوَارِيث لَمْ يُمَيِّز الْحَقَّ إِلَّا الْقُرْعَةُ , فَصَارَتْ أَصْلًا فِي تَعْيِين الْمُسْتَحِقّ إِذَا أَشْكَلَ . قَالَ : وَالْحَقّ عِنْدِي أَنْ تُجْرَى فِي كُلّ مُشْكِل , فَذَلِكَ أَبْيَن لَهَا , وَأَقْوَى لِفَصْلِ الْحُكْم فِيهَا , وَأَجْلَى لِرَفْعِ الْإِشْكَال عَنْهَا ; وَلِذَلِكَ قُلْنَا : إِنَّ الْقُرْعَة بَيْن الزَّوْجَات فِي الطَّلَاق كَالْقُرْعَةِ بَيْن الْإِمَاء فِي الْعِتْق . الِاقْتِرَاع عَلَى إِلْقَاء الْآدَمِيّ فِي الْبَحْر لَا يَجُوز . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي يُونُس وَزَمَانه مُقَدِّمَة لِتَحْقِيقِ بُرْهَانه , وَزِيَادَة فِي إِيمَانه ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوز لِمَنْ كَانَ عَاصِيًا أَنْ يُقْتَل وَلَا يُرْمَى بِهِ فِي النَّار أَوْ الْبَحْر , وَإِنَّمَا تُجْرَى عَلَيْهِ الْحُدُود وَالتَّعْزِير عَلَى مِقْدَار جِنَايَته . وَقَدْ ظَنَّ بَعْض النَّاس أَنَّ الْبَحْر إِذَا هَالَ عَلَى الْقَوْم فَاضْطُرُّوا إِلَى تَخْفِيف السَّفِينَة أَنَّ الْقُرْعَة تُضْرَب عَلَيْهِمْ , فَيُطْرَح بَعْضهمْ تَخْفِيفًا ; وَهَذَا فَاسِد ; فَإِنَّهَا لَا تَخِفُّ بِرَمْيِ بَعْض الرِّجَال وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَال , وَلَكِنَّهُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى قَضَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .|فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ|قَالَ : مِنْ الْمَغْلُوبِينَ . قَالَ الْفَرَّاء : دَحَضَتْ حُجَّته وَأَدْحَضَهَا اللَّه . وَأَصْله مِنْ الزَّلَق ; قَالَ الشَّاعِر : <br>قَتَلْنَا الْمُدْحَضِينَ بِكُلِّ فَجٍّ .......... فَقَدْ قَرَّتْ بِقَتْلِهِمُ الْعُيُونُ <br>أَيْ الْمَغْلُوبِينَ .

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ

أَيْ أَتَى بِمَا يُلَام عَلَيْهِ . فَأَمَّا الْمَلُوم فَهُوَ الَّذِي يُلَام , اِسْتَحَقَّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحِقّ . وَقِيلَ : الْمُلِيم الْمَعِيب . يُقَال : لَامَ الرَّجُل إِذَا عَمِلَ شَيْئًا فَصَارَ مَعِيبًا بِذَلِكَ الْعَمَل .

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ

قَالَ الْكِسَائِيّ : لَمْ تُكْسَر | أَنَّ | لِدُخُولِ اللَّام ; لِأَنَّ اللَّام لَيْسَتْ لَهَا . النَّحَّاس : وَالْأَمْر كَمَا قَالَ ; إِنَّمَا اللَّام فِي جَوَاب لَوْلَا . | فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ يُونُس كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ , وَأَنَّ تَسْبِيحَهُ كَانَ سَبَبَ نَجَاته ; وَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّ الْعَمَل الصَّالِح يَرْفَع صَاحِبه إِذَا عَثَرَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : | مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | مِنْ الْمُصَلِّينَ . قَالَ قَتَادَة : كَانَ يُصَلِّي قَبْل ذَلِكَ لِحِفْظِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فَنَجَّاهُ . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْل ذَلِكَ عَمَل صَالِح | لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ | قَالَ : وَمَكْتُوب فِي الْحِكْمَة - إِنَّ الْعَمَل الصَّالِح يَرْفَع رَبّه إِذَا عَثَرَ . وَقَالَ مُقَاتِل : | مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | مِنْ الْمُصَلِّينَ الْمُطِيعِينَ قَبْل الْمَعْصِيَة . وَقَالَ وَهْب : مِنْ الْعَابِدِينَ . وَقَالَ الْحَسَن : مَا كَانَ لَهُ صَلَاة فِي بَطْن الْحُوت ; وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا فِي حَال الرَّخَاء فَذَكَرَهُ اللَّه بِهِ فِي حَال الْبَلَاء , وَإِنَّ الْعَمَل الصَّالِح لَيَرْفَع صَاحِبه , وَإِذَا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأ . قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ خَبِيئَة مِنْ عَمَل صَالِح فَلْيَفْعَلْ ) فَيَجْتَهِد الْعَبْد , وَيَحْرِص عَلَى خَصْلَة مِنْ صَالِح عَمَله , يُخْلِص فِيهَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه , وَيَدَّخِرهَا لِيَوْمِ فَاقَته وَفَقْره , وَيُخَبِّئُهَا بِجَهْدِهِ , وَيَسْتُرهَا عَنْ خَلْقه , يَصِل إِلَيْهِ نَفْعهَا أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ . وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( بَيْنَمَا ثَلَاثَة نَفَر - فِي رِوَايَة مِمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ - يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَر فَأَوَوْا إِلَى غَار فِي جَبَل فَانْحَطَّتْ عَلَى فَم الْغَار صَخْرَة مِنْ الْجَبَل فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ اُنْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَة لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّه بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجهَا عَنْكُمْ . .. ) الْحَدِيث بِكَمَالِهِ وَهُوَ مَشْهُور , شُهْرَته أَغْنَتْ عَنْ تَمَامه . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَمَّا قَالَ فِي بَطْن الْحُوت : | لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ | [ الْأَنْبِيَاء : 87 ] قَذَفَهُ الْحُوت . وَقِيلَ : | مِنْ الْمُسَبِّحِينَ | مِنْ الْمُصَلِّينَ فِي بَطْن الْحُوت . قُلْت : وَالْأَظْهَر أَنَّهُ تَسْبِيح اللِّسَان الْمُوَافِق لِلْجَنَانِ , وَعَلَيْهِ يَدُلّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُور قَبْل الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيّ . قَالَ : فَسَبَّحَ فِي بَطْن الْحُوت . قَالَ : فَسَمِعَتْ الْمَلَائِكَة تَسْبِيحه ; فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَع صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَة . وَتَكُون | كَانَ | عَلَى هَذَا الْقَوْل زَائِدَة ; أَيْ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ . وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( دُعَاء ذِي النُّون فِي بَطْن الْحُوت | لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ | [ الْأَنْبِيَاء : 87 ] لَمْ يَدْعُ بِهِ رَجُل مُسْلِم فِي شَيْء قَطُّ إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ ) وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَة [ الْأَنْبِيَاء ] فَيُونُس عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قَبْلُ مُصَلِّيًا مُسَبِّحًا , وَفِي بَطْن الْحُوت كَذَلِكَ . وَفِي الْخَبَر : فَنُودِيَ الْحُوت : إِنَّا لَمْ نَجْعَل يُونُس لَك رِزْقًا ; إِنَّمَا جَعَلْنَاك لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ .

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ

أَيْ عُقُوبَة لَهُ ; أَيْ يَكُون بَطْن الْحُوت قَبْرًا لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَاخْتُلِفَ كَمْ أَقَامَ فِي بَطْن الْحُوت . فَقَالَ السُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل بْن سُلَيْمَان : أَرْبَعِينَ يَوْمًا . الضَّحَّاك : عِشْرِينَ يَوْمًا . عَطَاء : سَبْعَة أَيَّام . مُقَاتِل بْن حَيَّان : ثَلَاثَة أَيَّام . وَقِيلَ : سَاعَة وَاحِدَة . وَاَللَّه أَعْلَم . رَوَى الطَّبَرِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ - حَبْس يُونُس فِي بَطْن الْحُوت أَوْحَى اللَّه إِلَى الْحُوت أَنْ خُذْهُ وَلَا تَخْدِشْ لَحْمًا وَلَا تَكْسِرْ عَظْمًا فَأَخَذَهُ ثُمَّ هَوَى بِهِ إِلَى مَسْكَنِهِ مِنْ الْبَحْر ; فَلَمَّا اِنْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَل الْبَحْر سَمِعَ يُونُس حِسًّا فَقَالَ فِي نَفْسه مَا هَذَا ؟ فَأَوْحَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت : ( إِنَّ هَذَا تَسْبِيح دَوَابّ الْبَحْر ) قَالَ : ( فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت ) قَالَ : ( فَسَمِعَتْ الْمَلَائِكَة تَسْبِيحه فَقَالُوا : يَا رَبّنَا إِنَّا نَسْمَع صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَة ) قَالَ : ( ذَلِكَ عَبْدِي يُونُس عَصَانِي فَحَبَسْته فِي بَطْن الْحُوت فِي الْبَحْر ) قَالُوا : الْعَبْد الصَّالِح الَّذِي كَانَ يَصْعَد إِلَيْك مِنْهُ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة عَمَل صَالِح ؟ قَالَ نَعَمْ . فَشَفَعُوا لَهُ عِنْد ذَلِكَ فَأَمَرَ الْحُوت بِقَذْفِهِ فِي السَّاحِل كَمَا قَالَ تَعَالَى : | وَهُوَ سَقِيم | ) . وَكَانَ سَقَمه الَّذِي وَصَفَهُ بِهِ اللَّه - تَعَالَى ذِكْره - أَنَّهُ أَلْقَاهُ الْحُوت عَلَى السَّاحِل كَالصَّبِيّ الْمَنْفُوس قَدْ نُشِرَ اللَّحْم وَالْعَظْم . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الْحُوت سَارَ مَعَ السَّفِينَة رَافِعًا رَأْسَهُ يَتَنَفَّس فِيهِ يُونُس وَيُسَبِّح , وَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى اِنْتَهَوْا إِلَى الْبَرّ , فَلَفَظَهُ سَالِمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْء فَأَسْلَمُوا ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيره . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : أَخْبَرَنِي غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَارِي فِي جِهَة ؟ فَقَالَ : لَا , هُوَ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ . قِيلَ لَهُ : مَا الدَّلِيل عَلَيْهِ ؟ قَالَ : الدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُس بْن مَتَّى ) فَقِيلَ لَهُ : مَا وَجْه الدَّلِيل فِي هَذَا الْخَبَر ؟ فَقَالَ : لَا أَقُولهُ حَتَّى يَأْخُذ ضَيْفِي هَذَا أَلْف دِينَار يَقْضِي بِهَا دَيْنًا . فَقَامَ رَجُلَانِ فَقَالَا : هِيَ عَلَيْنَا . فَقَالَ لَا يَتْبَعُ بِهَا اِثْنَيْنِ ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ . فَقَالَ وَاحِد : هِيَ عَلَيَّ . فَقَالَ : إِنَّ يُونُس بْن مَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْر فَالْتَقَمَهُ الْحُوت , فَصَارَ فِي قَعْر الْبَحْر فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاث , وَنَادَى | لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ | [ الْأَنْبِيَاء : 87 ] كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ , وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين جَلَسَ عَلَى الرَّفْرَف الْأَخْضَر وَارْتَقَى بِهِ صُعُدًا , حَتَّى اِنْتَهَى بِهِ إِلَى مَوْضِع يَسْمَع فِيهِ صَرِيف الْأَقْلَام , وَنَاجَاهُ رَبّه بِمَا نَاجَاهُ بِهِ , وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ يُونُس فِي بَطْن الْحُوت فِي ظُلْمَة الْبَحْر .

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ

رُوِيَ أَنَّ الْحُوت قَذَفَهُ بِسَاحِلِ قَرْيَة مِنْ الْمَوْصِل . وَقَالَ اِبْن قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : طُرِحَ يُونُس بِالْعَرَاءِ وَأَنْبَتَ اللَّه عَلَيْهِ يَقْطِينَةً ; فَقُلْنَا : يَا أَبَا هُرَيْرَة وَمَا الْيَقْطِينَة ؟ قَالَ : شَجَرَة الدُّبَّاء ; هَيَّأَ اللَّه لَهُ أَرْوِيَة وَحْشِيَّة تَأْكُل مِنْ خَشَاش الْأَرْض - أَوْ هَشَاش الْأَرْض - فَتَفْشِج عَلَيْهِ فَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنهَا كُلّ عَشِيَّة وَبُكْرَة حَتَّى نَبَتَ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : خَرَجَ بِهِ - يَعْنِي الْحُوت - حَتَّى لَفَظَهُ فِي سَاحِل الْبَحْر , فَطَرَحَهُ مِثْل الصَّبِيّ الْمَنْفُوس لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء . وَقِيلَ : إِنَّ يُونُس لَمَّا أَلْقَاهُ الْحُوت عَلَى سَاحِل الْبَحْر أَنْبَتَ اللَّه عَلَيْهِ شَجَرَة مِنْ يَقْطِين , وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ شَجَرَة الْقَرْع تَتَقَطَّر عَلَيْهِ مِنْ اللَّبَن حَتَّى رَجَعَتْ إِلَيْهِ قُوَّتُهُ . ثُمَّ رَجَعَ ذَات يَوْم إِلَى الشَّجَرَة فَوَجَدَهَا يَبِسَتْ , فَحَزِنَ وَبَكَى عَلَيْهَا فَعُوتِبَ ; فَقِيلَ لَهُ : أَحَزِنْت عَلَى شَجَرَة وَبَكَيْت عَلَيْهَا , وَلَمْ تَحْزَن عَلَى مِائَة أَلْف وَزِيَادَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ أَوْلَاد إِبْرَاهِيم خَلِيلِي , أَسْرَى فِي أَيْدِي الْعَدُوّ , وَأَرَدْت إِهْلَاكهمْ جَمِيعًا . وَقِيلَ : هِيَ شَجَرَة التِّين . وَقِيلَ : شَجَرَة الْمَوْز تَغَطَّى بِوَرَقِهَا , وَاسْتَظَلَّ بِأَغْصَانِهَا , وَأَفْطَرَ عَلَى ثِمَارهَا . وَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهَا شَجَرَة الْيَقْطِين عَلَى مَا يَأْتِي . ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اِجْتَبَاهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ . ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمه وَيُخْبِرهُمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ تَابَ عَلَيْهِمْ , فَعَمَدَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَ رَاعِيًا فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْم يُونُس وَعَنْ حَالهمْ وَكَيْف هُمْ , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ بِخَيْرٍ , وَأَنَّهُمْ عَلَى رَجَاء أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ رَسُولُهُمْ . فَقَالَ لَهُ : فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي قَدْ لَقِيت يُونُس . قَالَ : وَمَاذَا ؟ قَالَ : وَهَذِهِ الْبُقْعَة الَّتِي أَنْتَ فِيهَا تَشْهَد لَك أَنَّك لَقِيت يُونُس , قَالَ : وَمَاذَا ؟ قَالَ وَهَذِهِ الشَّجَرَة تَشْهَد لَك أَنَّك لَقِيت يُونُس . وَأَنَّهُ رَجَعَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمه فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُس فَكَذَّبُوهُ وَهَمُّوا بِهِ شَرًّا فَقَالَ : لَا تَعْجَلُوا عَلَيَّ حَتَّى أُصْبِحَ , فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِمْ إِلَى الْبُقْعَة الَّتِي لَقِيَ فِيهَا يُونُس , فَاسْتَنْطَقَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُس ; وَاسْتَنْطَقَ الشَّاة وَالشَّجَرَة فَأَخْبَرَتَاهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُس , ثُمَّ إِنَّ يُونُس أَتَاهُمْ بَعْد ذَلِكَ . ذَكَرَ هَذَا الْخَبَر وَمَا قَبْله الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه . | فَنَبَذْنَاهُ | طَرَحْنَاهُ . وَقِيلَ : تَرَكْنَاهُ . | بِالْعَرَاءِ | بِالصَّحْرَاءِ ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . الْأَخْفَش : بِالْفَضَاءِ . أَبُو عُبَيْدَة : الْوَاسِع مِنْ الْأَرْض . الْفَرَّاء : الْعَرَاء الْمَكَان الْخَالِي . قَالَ : وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْعَرَاء وَجْه الْأَرْض ; وَأَنْشَدَ لِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَة : <br>وَرَفَعْت رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا .......... وَنَبَذْت بِالْبَلَدِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي <br>وَحَكَى الْأَخْفَش فِي قَوْله : | وَهُوَ سَقِيم | جَمْع سَقِيم سَقْمَى وَسَقَامَى وَسِقَام . وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : | فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ | وَقَالَ فِي | ن وَالْقَلَمِ | [ الْقَلَم : 1 ] : | لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبّه لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُوم | [ الْقَلَم : 49 ] وَالْجَوَاب : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ خَبَّرَ هَاهُنَا أَنَّهُ نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ غَيْر مَذْمُوم وَلَوْلَا رَحْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُوم ; قَالَهُ النَّحَّاس .

إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ

يَعْنِي | عَلَيْهِ | أَيْ عِنْده ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْب | [ الشُّعَرَاء : 14 ] أَيْ عِنْدِي . وَقِيلَ : | عَلَيْهِ | بِمَعْنَى لَهُ . | شَجَرَة مِنْ يَقْطِين | الْيَقْطِين : شَجَر الدُّبَّاء : وَقِيلَ غَيْرهَا ; ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَفِي الْخَبَر : ( الدُّبَّاء وَالْبِطِّيخ مِنْ الْجَنَّة ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب التَّذْكِرَة . وَقَالَ الْمُبَرِّد : يُقَال لِكُلِّ شَجَرَة لَيْسَ لَهَا سَاق يَفْتَرِش وَرَقهَا عَلَى الْأَرْض يَقْطِينَة نَحْو الدُّبَّاء وَالْبِطِّيخ وَالْحَنْظَل , فَإِنْ كَانَ لَهَا سَاق يُقِلّهَا فَهِيَ شَجَرَة فَقَطْ , وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَة أَيْ بِعُرُوقٍ تَفْتَرِش فَهِيَ نَجْمَة وَجَمْعهَا نَجْم . قَالَ اللَّه تَعَالَى : | وَالنَّجْم وَالشَّجَر يَسْجُدَانِ | [ الرَّحْمَن : 6 ] وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَمُقَاتِل . قَالُوا : كُلّ نَبْت يَمْتَدّ وَيُبْسَط عَلَى الْأَرْض وَلَا يَبْقَى عَلَى اِسْتِوَاء وَلَيْسَ لَهُ سَاق نَحْو الْقِثَّاء وَالْبِطِّيخ وَالْقَرْع وَالْحَنْظَل فَهُوَ يَقْطِين . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ كُلّ شَيْء يَنْبُت ثُمَّ يَمُوت مِنْ عَامه فَيَدْخُل فِي هَذَا الْمَوْز . قُلْت : وَهُوَ مِمَّا لَهُ سَاق . الْجَوْهَرِيّ : وَالْيَقْطِين مَا لَا سَاق لَهُ كَشَجَرِ الْقَرْع وَنَحْوه . الزَّجَّاج : اِشْتِقَاق الْيَقْطِين مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ فَهُوَ يَفْعِيل . وَقِيلَ : هُوَ اِسْم أَعْجَمِيّ . وَقِيلَ : إِنَّمَا خَصَّ الْيَقْطِين بِالذِّكْرِ , لِأَنَّهُ لَا يَنْزِل عَلَيْهِ ذُبَاب . وَقِيلَ : مَا كَانَ ثَمَّ يَقْطِين فَأَنْبَتَهُ اللَّه فِي الْحَال . الْقُشَيْرِيّ : وَفِي الْآيَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَفْرُوشًا لِيَكُونَ لَهُ ظِلّ . الثَّعْلَبِيّ : كَانَتْ تُظِلّهُ فَرَأَى خُضْرَتهَا فَأَعْجَبَتْهُ , فَيَبِسَتْ فَجَعَلَ يَتَحَزَّنُ عَلَيْهَا ; فَقِيلَ لَهُ : يَا يُونُس أَنْتَ الَّذِي لَمْ تَخْلُقْ وَلَمْ تَسْقِ وَلَمْ تُنْبِت تَحْزَن عَلَى شُجَيْرَة , فَأَنَا الَّذِي خَلَقْت مِائَة أَلْف مِنْ النَّاس أَوْ يَزِيدُونَ تُرِيد مِنِّي أَنْ أَسْتَأْصِلَهُمْ فِي سَاعَة وَاحِدَة , وَقَدْ تَابُوا وَتُبْت عَلَيْهِمْ فَأَيْنَ رَحْمَتِي يَا يُونُس أَنَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُل الثَّرِيد بِاللَّحْمِ وَالْقَرْع وَكَانَ يُحِبُّ الْقَرْع وَيَقُول : ( إِنَّهَا شَجَرَة أَخِي يُونُس ) وَقَالَ أَنَس : قُدِّمَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَق فِيهِ دُبَّاء وَقَدِيد فَجَعَلَ يَتْبَع الدُّبَّاء حَوَالَيْ الْقَصْعَة . قَالَ أَنَس : فَلَمْ أَزَلْ أُحِبّ الدُّبَّاء مِنْ يَوْمِئِذٍ . أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّة .

وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ

| أَوْ يَزِيدُونَ | قَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] مَحَامِلُ | أَوْ | فِي قَوْله تَعَالَى : | أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً | [ الْبَقَرَة : 74 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : | أَوْ | بِمَعْنَى بَلْ . وَقَالَ غَيْره : إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاو , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>فَلَمَّا اِشْتَدَّ أَمْر الْحَرْبِ فِينَا .......... تَأَمَّلْنَا رِيَاحًا أَوْ رِزَامَا <br>أَيْ وَرِزَامًا . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : | وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب | [ النَّحْل : 77 ] . وَقَرَأَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد | إِلَى مِائَة أَلْف وَيَزِيدُونَ | بِغَيْرِ هَمْز ; فَـ | يَزِيدُونَ | فِي مَوْضِع رَفْع بِأَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ وَهُمْ يَزِيدُونَ . النَّحَّاس : وَلَا يَصِحّ هَذَانِ الْقَوْلَانِ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , وَأَنْكَرُوا كَوْن | أَوْ | بِمَعْنَى بَلْ وَبِمَعْنَى الْوَاو ; لِأَنَّ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّل وَالْإِيجَاب لِمَا بَعْده , وَتَعَالَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ , أَوْ خُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع ذَلِكَ ; وَالْوَاو مَعْنَاهُ خِلَاف مَعْنَى | أَوْ | فَلَوْ كَانَ أَحَدهمَا بِمَعْنَى الْآخَر لَبَطَلَتْ الْمَعَانِي ; وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى أَكْثَر مِنْ مِائَتَيْ أَلْف أَخْصَرَ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : الْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى جَمَاعَة لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ هُمْ مِائَة أَلْف أَوْ أَكْثَر , وَإِنَّمَا خُوطِبَ الْعِبَاد عَلَى مَا يَعْرِفُونَ . وَقِيلَ : هُوَ كَمَا تَقُول : جَاءَنِي زَيْد أَوْ عَمْرو وَأَنْتَ تَعْرِف مَنْ جَاءَك مِنْهُمَا إِلَّا أَنَّك أَبْهَمْت عَلَى الْمُخَاطَب . وَقَالَ الْأَخْفَش وَالزَّجَّاج : أَيْ أَوْ يَزِيدُونَ فِي تَقْدِيركُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : زَادُوا عَلَى مِائَة أَلْف عِشْرِينَ أَلْفًا . وَرَوَاهُ أَبِي بْن كَعْب مَرْفُوعًا . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : ثَلَاثِينَ أَلْفًا . الْحَسَن وَالرَّبِيع : بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا . وَقَالَ مُقَاتِل بْن حَيَّان : سَبْعِينَ أَلْفًا . الثَّعْلَبِيّ : كَانَتْ الشَّجَرَة تُظِلُّهُ فَرَأَى خُضْرَتهَا فَأَعْجَبَتْهُ , فَيَبِسَتْ فَجَعَلَ يَتَحَزَّن عَلَيْهَا ; فَقِيلَ لَهُ : يَا يُونُس أَنْتَ الَّذِي لَمْ تَخْلُق وَلَمْ تَسْقِ وَلَمْ تُنْبِت تَحْزَن عَلَى شُجَيْرَة , فَأَنَا الَّذِي خَلَقْت مِائَة أَلْف مِنْ النَّاس أَوْ يَزِيدُونَ تُرِيد مِنِّي أَنْ أَسْتَأْصِلهُمْ فِي سَاعَة وَاحِدَة , وَقَدْ تَابُوا وَتُبْت عَلَيْهِمْ فَأَيْنَ رَحْمَتِي يَا يُونُس أَنَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس