islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير البيضاوى
13926

11-هود

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم 1."الر كتاب"مبتدأ وخير أو"كتاب"خبر مبتدأ محذوف."أحكمت آياته"نظمت نظماً محكماً لا يعتريه إخلال من جهة الفظ والمعنى ، أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ ، أو أحكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا خار حكيماً لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية ."ثم فصلت"بالفوائد من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار، أو بجعلها سوراً أو بالإنزال نجماً نجماً ، أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه . وقرئ "ثم فصلت " أي فرقت بين الحق والباطل وأحكمت آياته"ثم فصلت" على البناء للمتكلم ، و"ثم"للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار . " من لدن حكيم خبير"صفة أخرى لـ"كتاب"، أو خبر بعد خبر أو صلة لـ"أحكمت"أو "فصلت"، وهو تقرير لأحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ

2." أن لا تعبدوا إلا الله "لأن لا تعبدوا . وقيل أن مفسرة لن في تفصيل الآيات معنى القول ، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ للإغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل: ترك عبادة غير الله بمعنى ألزموه أو اتركوها تركاً"إنني لكم منه " من الله "نذير وبشير"بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد.

وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ

3."وأن استغفروا ربكم"عطف على ألا تعبدوا."ثم توبوا إليه"ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع . وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة، ويجوز أ، يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين . "يمتعكم متاعاً حسناً"يعيشكم في أمن ودعة."إلى أجل مسمى"هو آخر أعماركم المقدرة, أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والأرزاق والآجال ، وإن كانت متعلقة بالأعمار لكنها مسماة بالإضافة إلى كل أحد فر تتغير ."ويؤت كل ذي فضل فضله"ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة ،وهو وعد للموحد التائب بخير الدارين . " وإن تولوا"وإن تتولوا ." فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير"يوم القيامة ، وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى أكلوا الجيف . وقرئ"وإن تولوا"من ولي .

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

4."إلى الله مرجعكم"رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس."وهو على كل شيء قدير"فيقدر على تعذيبكم أشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم .

أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

5."ألا إنهم يثنون صدورهم"يثنونها عن الحق وينحرفون عنه ،أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى لله عليه وسلم ، أو يولون ظهورهم. وقرئ يثنوني بالياء والتاء من اثنوني ،وهو بناء مبالغة وتثنون ، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني ، و تثنئن من اثنأن كابياض بالهمزة و تثنوي "ليستخفوا منه"من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه.قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم. وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة . " ألا حين يستغشون ثيابهم" ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم." يعلم ما يسرون"في قلوبهم ."وما يعلنون"بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه."إنه عليم بذات الصدور"بالأسرار ذاب الصدور أو بالقلوب وأحوالها.

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ

6."وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" غذاءها ومعاشها لتكفله إياه تفضلاً ورحمة ، وإنما أتى بلفظ الوجوب تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه ." ويعلم مستقرها ومستودعها"أماكنها في الحياة والممات ، أو الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة ."كل"كل واحد من الدواب وأحولها." في كتاب مبين"مذكور في اللوح المحفوظ ، وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالماً بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادراً على الممكنات بأسرها تقريراً للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد.

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا س

7."وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام"أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في الأعراف ، أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات ." وكان عرشه على الماء"قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعاً على متن الماء ،واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم .وقيل كان الماء على متن الريح والله أعلم بذلك ."ليبلوكم أيكم أحسن عملاً"متعلق بـ"خلق"أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ، فإن جملة ذلك أسباب وموارد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع ، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختيار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن ، والتحضيض على الترقي دائماً في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "أيكم أحسن عقلاً و أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله "والمعنى أيكم أكمل علماً وعملاً."ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين" أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان .وقرأ حمزة والكسائي إلا ساحر على أن الإشارة إلى القائل .وقرئ أنكم بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علكم مبعوثون ،بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل مالا حقيقة له مبالغة في إنكاره.

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

8."ولئن أخرنا عنهم العذاب "الموعود."إلى أمة معدودة"إلى جماعة من الأوقات قليلة."ليقولن"استهزاء"ما يحبسه"ما يمنعه من الوقوع."ألا يوم يأتيهم"كيوم بدر."ليس مصروفاً عنهم"ليس العذاب مدفوعاً عنهم، و"يوم"منصوب بخبر"ليس"معدم عليه وهو دليل على جزاء تقديم خبرها عليها."وحاق بهم"وأحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد."ما كانوا به يستهزئون"أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون ، فوضع"يستهزئون"موضع يستعجلون لن استعجالهم كان استهزاء.

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ

9."ولئن أذقنا الإنسان منا رحمةً"ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها."ثم نزعناها منه"ثم سلبنا تلك النعمة منه."إنه ليؤوس"قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به."كفور" مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة.

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ

10."ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته"كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم ، وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى."ليقولن ذهب السيئات عني"أي المصائب التي ساءتني."إنه لفرح" بطر بالنعم مغتر بها."فخور"على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها، وفي لفظ الإذاقة والمس تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالأنموذج لما يجده في الآخرة ،وأنه يقع في الكفران والبكر بأدنى شيء لأن الذوق إدراك الطعم والمس مبتدأ الوصول.

إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ

11."إلا الذين صبروا"على الضراء إيماناً بلله تعالى واستسلاماً لقضائه.."وعملوا الصالحات"شكراً لآلاته سابقها ولاحقها."أولئك لهم مغفرة"لذنوبهم."وأجر كبير"أقله الجنة والاستثناء من الإنسان لن المراد به الجنس فإذا كان محلي باللام أفاد الاستغراق ومن حمله على الكافر لسبق ذكرهم جعل الاستثناء منقطعاً.

فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ

12."فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك"تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به، ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا."وضائق به صدرك"وعارض لك أحياناً ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة."أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز" ينفقه في الاستتباع كالملوك."أو جاء معه ملك"يصدقه وقيل الضمير في"به"مبهم يفسره "أن يقولوا"."إنما أنت نذير"ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك ."والله على كل شيء وكيل"فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

13."أم يقولون افتراه" "أم" منقطعة والهاء"لما يوحى"." قل فاتوا بعشر سور مثله " في البيان وحسن النظم تحداهم أولاً بعشر سور ثم لما عجزوا عنها سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة ،وتوحيد المثل باعتبار كل واحدة . " مفتريات" مختلفات من عند أنفسكم إن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه بل أنتم لتعلمكم القصص والأشعار وتعودكم القريض والنظم."وادعوا من استطعتم من دون الله "إلى المعاونة على المعارضة." إن كنتم صادقين"أنه مفترى.

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

14." فإلم يستجيبوا لكم "بإتيان ما دعوتم إليه ، وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضاً يتحدونهم ، وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم متناولاً لهم من حيث إنه يجب أتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل ، وللتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقرة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله:"فاعلموا أنما أنزل بعلم الله "ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه سواه."وأن لا إله إلا هو"واعلموا أن لا إله إلا الله لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره،ولظهور عجز آلهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة بإعجازه عليه ،وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم . "فهل أنتم مسلمون"ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصوه إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقاً ، ويجوز أن يكون الكل خطاباً للمشركين والضمير في "لم يستجيبوا"لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا أنه نظم لا يعلمه إلا الله ، وأنه منزل من عنده وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة ، وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيهمن معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر.

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ

15."من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها"بإحسانه وبره."نوف إليهم أعمالهم فيها"نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الرزق وكثرة الأولاد.وقرئ يوف بالياء أي يوف الله ونوف على البناء للمفعول ونوف بالتخفيف والرفع لن الشرط ماض كقوله: وإن أتاه كريم يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم "وهم فيها لا يبخسون"لا ينقصون شيئاً من أجورهم .والآية في أهل الرياء .وقيل في المنافقين .وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم.

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

16."أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار"مطلقاً في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة ."وحبط ما صنعوا فيها"لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة .أو لم يكن لأنهم لم يريدوا به وجه الله والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص ،ويجوز تعليق الظرف بـ"صنعوا"على أن الضمير لـ"الدنيا"."وباطل"في نفسه ."ما كانوا يعملون "لأنه لم يعمل على ما ينبغي ،وكأن كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها.وقرئ باطلاً على أنه مفعول يعملون و"ما"إبهامية أو في معنى المصدر كقوله: ولا خارجا من في زور كلام

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَق

17.وبطل على الفعل "أفمن كان على بينة من ربه"برهان من الله يدله على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره ،والهمزة لإنكار أن يعقب من هذا شأنه هؤلاء المقصرين هممهم وأفكارهم على الدنيا وأن يقارب بينهم في المنزلة ، وهو الذي أغنى عن ذكر الخير وتقديره أفمن كان على بينة كمن كان يريد الحياة الدنيا،وهو حكم يعم كل مؤمن مخلص . وقيل المراد به النبي صلى الله عليه وسلم وقيل مؤمنو أهل الكتاب ."ويتلوه"ويتبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل ."شاهد منه"شاهد من الله يشهد بصحته وهو القرآن ."ومن قبله"ومن قبل القرآن. "كتاب موسى"يعني التوراة فإنها أيضاً تتلوه في التصديق ، او البينة هو القرآن " ويتلوه"من التلاوة والشاهد جبريل ، أو لسان الرسول صلى الله عليه وسلم على أن الضمير له أو من التلو والشاهد ملك يحفظه . والضمير في "يتلوه" إما لمن أو للبينة باعتبار المعنى"ومن قبله كتاب موسى"جملة مبتدأة .وقرئ "كتاب"بالنصب عطفاً على الضمير في "يتلوه"أي يتلو القرآن شاهد ممن كان بينة دالة على أنه حق كقوله:"وشهد شاهد من بني إسرائيل "ويقرأ من قبل القرآن التوراة."إماماً"كتاباً مؤتماً به في الدين ."ورحمةً"على المنزل عليهم لأنه الوصلة إلى الفوز بخير الدارين ."أولئك"إشارة إلى من كان على بينة."يؤمنون به "بالقرآن ."ومن يكفر به من الأحزاب"من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ."فالنار موعده"يردها لا محالة."فلا تك في مرية منه" من الموعد، أو القرآن وقرئ مرية بالضم وهما الشك ."إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون"لقلة نظرهم واختلال فكرهم.

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

18."ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً"كان أسند إليه ما لم نزله أو نفى عنه ما أنزله ."أولئك"أي الكاذبون."يعرضون على ربهم"في الموقف بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم."ويقول الأشهاد"من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم، وهو جمع شاهد كأصحاب أو شهيد كأشراف جمع شريف."هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين"تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله.

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ

19."الذين يصدون عن سبيل الله "عن دينه."ويبغونها عوجاً"يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة ."وهم بالآخرة هم كافرون" والحال أنهم كافرون بالآخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.

أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ

20."أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض"أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم ."وما كان لهم من دون الله من أولياء "يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشد وأدوم ."يضاعف لهم العذاب"استئناف وقرأ ابن كثير وان عامر ويعقوب يضعف بالتشديد."ما كانوا يستطيعون السمع"لتصامهم عن الحق وبغضهم له."وما كانوا يبصرون"لتعاميهم عن آيات الله، وكأنه العلة لمضاعفة العذاب. وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الآلهة بقوله:"وما كان لهم من دون الله من أولياء" فإن مالا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله:"يضاعف لهم العذاب"اعتراض.

أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ

21."أولئك الذين خسروا أنفسهم"باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى ."وضل عنهم ما كانوا يفترون"من الآلهة وشفاعتها، أو خسروا بما بدلوا وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة .

لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

22."لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون" لا أحد أبين واكثر خسراناً منهم.

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

23."إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم"اطمأنوا إليه وخشعوا له من الخبت وهو الأرض المطمئنة "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " دائمون.

مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

24."مثل الفريقين"الكافر والمؤمن."كالأعمى والأصم والبصير والسميع"يجوز أن يراد به تشبيه الكافر بالأعمى لتعاميه عن آيات الله ،وبالأصم لتصامه عن إسماع كلام الله تعالى وتأبيه عن تدبر معانيه، وتشبيه المؤمن بالسميع والبصير لأن أمره بالضد فيكون كل واحد منهم مشبهاً باثنين باعتبار وصفين، أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما والعاطف لعطف الصفة على الصفة كقوله: الصابح فالغانم فالآيــب وهذا من باب اللف والطباق ."هل يستويان "هل يستوي الفريقان ."مثلاً"أي تمثيلا أو صفة أوحالاً."أفلا تذكرون"بضرب الأمثال والتأمل فيها.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ

25."ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم "بأني لكم .قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالكسر على إرادة القول ."نذير مبين"أبين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص.

أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ

26." أن لا تعبدوا إلا الله "بدل من" إني لكم "، أو مفعول مبين، ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة بـ"أرسلنا"أو بـ"نذير "."إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم"مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده ونهاره صائم للمبالغة .

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ

27."فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا"لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة."و ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا"أخساؤنا جمع أرذل فإنه بالغلبة صار مثل الاسم كالأكبر ، أو أرذل جمع رذل ."بادي الرأي"ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو، أو أول الرأي من البدء والياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها.وقرأ أبو عمرو بالهمزة وانتصابه بالظرف على حذف المضاف أي: وقت حدوث بادي الرأي ، والعامل فيه "اتبعك".وإنما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهراً من الحياة الدنيا كان الأحظ بها أشرف عندهم والمحروم منها أرذل."وما نرى لكم"لك ولمتبعيك."علينا من فضل"يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة ."بل نظنكم كاذبين" إياي في دعوى النبوة وإياهم في دعوى العلم بصدقك فغلب المخاطب على الغائبين .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ

28."قال يا قوم أرأيتم "أخبروني ."إن كنت على بينة من ربي"حجة شاهدة بصحة دعواي ."وآتاني رحمةً من عنده"بإيتاء البينة أو النبوة . "فعميت عليكم"فخفيت عليكم فلم تهدكم وتوحيد الضمير لن البينة في نفسها هي الرحمة، أو لأن خفائها يوجب خفاء النبوة ، أو على تقدير فعميت بعد البينة وحذفها للاختصار أو لأنه لكل واحدة منهما .وقرأ حمزة والكسائي وحفص"فعميت "أي أخفيت .وقرئ فعماها على أن الفعل لله ."أنلزمكموها" أنكرهكم على الاهتداء بها."وأنتم لها كارهون"لا تختارونها ولا تتأملون فيها ، وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعاً وقدم الأعرف منهما جاز في الثاني الفصل والوصل .

وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ

29."و يا قوم لا أسألكم عليه"على التبليغ وهو وإن، لم يذكر فمعلوم مما ذكر ."مالاً"جعلاً."إن أجري إلا على الله"فإنه المأمول منه."وما أنا بطارد الذين آمنوا"جواب لهم حين سألوا طردهم. " إنهم ملاقوا ربهم " فيخاصمون طاردهم عنده، أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم ."ولكني أراكم قوماً تجهلون"بلقاء ربكم أو بأقدراهم أو في التماس طردهم،أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل.

وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

30."ويا قوم من ينصرني من الله"بدفع انتقامه ."إن طردتهم"وهم بتلك الصفة والمثابة."أفلا تذكرون"لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.

وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ

31."ولا أقول لكم عندي خزائن الله"رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي."ولا أعلم الغيب"عطف على"عندي خزائن الله "أي : ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعاداً ، أو حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ، وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول ."ولا أقول إني ملك"حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا."ولا أقول للذين تزدري أعينكم"ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم."لن يؤتيهم الله خيراً"فإن ما أعده الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا."الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين"إن قلت شيئاً من ذلك ،والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالاً لتجانس الراء في الجهر وإسناده إلى الأعين للمبالغة ، والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم.

قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

32."قالوا يا نوح قد جادلتنا"خاصمتنا."فأكثرت جدالنا"فأطلته أوأتيت بأنواعه."فأتنا بما تعدنا"من العذاب ."إن كنت من الصادقين"في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا.

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

33."قال إنما يأتيكم به الله إن شاء "عاجلاً أو آجلاً."وما أنتم بمعجزين"بدفع العذاب أو الهرب منه.

وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

34."ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم"شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله:"إن كان الله يريد أن يغويكم"وتقدير الكلام إن كان الله يريد أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيداً فدخلت ثم كلمت لم تطلق ، وهو جواب لما أوهموا من أن جداله كلام بلا طائل . وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء وأن خلاف مراده محال.وقيل"أن يغويكم"أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك ،"هو ربكم"هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته ."وإليه ترجعون "فيجازيكم على أعمالكم.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ

35."أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي"وباله وقرئ إجرامي على الجمع." وأنا بريء مما تجرمون "من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي.

وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

36"وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس"فلا تحزن ولا تتأسف."بما كانوا يفعلون"أقنطه الله تعالى من إيمانهم ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب ولإيذاء .

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ

37."واصنع الفلك بأعيننا"ملتبساً بأعيننا، عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعي عن الاختلال و الزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل ."ووحينا"إليك كيف تصنعها."ولا تخاطبني في الذين ظلموا" ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم ."إنهم مغرقون" محكوم عليهم بالإغراق فلا سبيل إلى كفه.

وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ

38."ويصنع الفلك"حكاية حال ماضية ."وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه"استهزؤوا به لعمله السفينة فإنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء أوان عزته، وكانوا يضحكون منه ويقولون له:صرت نجاراً بعدما كنت نبياً ."قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون"إذا أخذكم الغرق في الدنيا والحرق قي الآخرة .وقيل المراد بالسخرية الاستجهال.

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ

39."فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه"يعني به إياهم وبالعذب الغرق ."ويحل عليه"وينزل عليه، أو يحل عليه حلول الدين الذي لا انفكاك عنه."عذاب مقيم"دائم وهو عذاب النار.

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ

40."حتى إذا جاء أمرنا"غاية لقوله"ويصنع الفلك"وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام ."وفار التنور"بنبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور،و"التنور"تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها ، أو في الهند أو بعين وردة من أرض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو أشرف موضع فيها."قلنا احمل فيها"في السفينة ."من كل"من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها."زوجين اثنين"ذكراً وأنثى هذا على قراءة حفصوالباقون أضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف ذكر وصنف أنثى"وأهلك"عطف على"زوجين"أو"اثنين"،والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم ."إلا من سبق عليه القول"بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين"ومن آمن"والمؤمنين من غيرهم ."وما آمن معه إلا قليل"قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلاً وامرأة من غيرهم .روي أنه عليه الصلاة والسلام اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين ،وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في أسفلها الدواب والوحش وفي أوسطها الإنس وفي أعلاها الطير.

وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

41."وقال اركبوا فيها"أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوباً لأنها في الماء كالمركوب في الأرض ." بسم الله مجريها ومرساها "متصل بـ"اركبوا"حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين باسم الله وقت إجرائها وإرسائها، أو مكانهما على أن المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر ، والمضاف محذوف كقولهم :آتيك خفوق النجم، وانتصابهما بما قدرناه حالاً ويجوز رفعهما بـ"بسم الله"على أن المراد بهما المصدر أو جملة من مبتدأ وخبر ، أي إجراءها "بسم الله"على أن "بسم الله"خبر أو صلة والخبر محذوف وهي إما جملة مقتضية لا تعلق لها بما قبلها أو حال مقدرة من الواو أو الهاء .وروي أنه كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست .ويجوز أن يكون الاسم مقحماً كقوله: ثم اسم السلام عليكما وقرأ حمزة والكسائي وعاصم برواية حفص" مجريها "بالفتح من جرى وقرئ "مرساها"أيضاً من رسا وكلاهما يحتمل الثلاثة ومجريها ومرسيها بلفظ الفاعل صفتين لله "إن ربي لغفور رحيم"أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إياكم لما نجاكم .

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ

42."وهي تجري بهم"متصل بمحذوف دل عليه"اركبوا"فركبوا مسمين وهي تجري وهم فيها ."في موج كالجبال"في موج من الطوفان، وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها، وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه ليس بثابت، والمشهور أنه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعاً وإن صح فلعل ذلك قبل التطبيق ."ونادى نوح ابنه"كنعان ، وقرئ ابنها و"ابنه"بحذف الألف على أن الضمير لامرأته ،وكان ربيبه وقيل كان لغير رشده لقوله تعالى:" فخانتاهما "وهو خطأ إذ الأنبياء عصمن من ذلك والمراد بالخيانة الخيانة في الدين ، وقرئ ابناه على الندبة ولكونها حكاية سوغ حذف الحرف ."وكان في معزل"عزل فيه نفسه عن أبيه أو عن دينه مفعل للمكان من غزله عنه إذا أبعده . "يا بني اركب معنا"في السفينة ، والجمهور كسروا الياء ليدل على ياء المضافة المحذوفة في جميع القرآن ،غيرابن كثيرفإنه وقف عليها في لقمان في الموضع الأول باتفاق الرواة وفي الثالث في رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ها هنا اقتصاراً على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة ، واختلفت الرواية عنه في سائر المواضع وقد أدغم الباء في الميم أبو عمروو الكسائيوحفص لتقاربهما. "ولا تكن مع الكافرين"في الدين والانعزال.

قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ

43."قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"أن يغرقني"قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"إلا الراحم وهو الله تعالى أو الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون ،رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو السفينة.وقيل لا عاصم بمعنى لا ذا عصمة كقوله:"في عيشة راضية"وقيل الاستثناء منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه."وحال بينهما الموج"بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل."فكان من المغرقين "فصار من المهلكين بالماء.

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

44."وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي "نوديا بما ينادى به أولو العلم وأمرا بما يؤمرون به ، تمثيلاً لكما قدرته وانقيادهما لما يشاء تكونيه فيهما بالأمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال أمره ، مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه ،والبلع النشف والإقلاع والإمساك ."وغيض الماء"نقص. " وقضي الأمر "وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين." واستوت " واستقرت السفينة."على الجودي"جبل بالموصل وقيل بالشام وقيل بآمل .روي أنه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عنها عاشر المحرم فصام ذلك اليوم فصار ذلك سنة."وقيل بعداً للقوم الظالمين"هلاكاً لهم يقال بعد بعداً وبعداً إذا أبعد بعداً بعيداً بحيث لا يرجى عوده ، ثم استعير للهلاك وخص بدعاء السوء، والآية في غاية الفصاحة لفخامة الفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال ، وفي إيراد الإخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل،وأنه متعين في نفسه مستغن عن ذكره ، إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهار.

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ

45."ونادى نوح ربه"وأراد نداءه بدليل عطف قوله:"فقال رب إن ابني من أهلي"فإنه النداء ."وإن وعدك الحق"وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف ،وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله ،أو فما له لم ينج ،ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه." وأنت أحكم الحاكمين "لأنك أعلمهم و أعدلهم ، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع.

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ

46."قال يا نوح إنه ليس من أهلك"لقطع الولاية بين المؤمن والكافر وأشار إليه بقوله :"إنه عمل غير صالح"فإنه تعليل لنفي كونه من أهله ،وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبــار ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحاً بالمناقضة بين وصفيهما وانتفاء ما أوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه.وقرأ الكسائي ويعقوب"إنه عمل غير صالح"أي عمل عملاً غير صالح."فلا تسألن ما ليس لك به علم"ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك ، وإنما سمي نداءه سؤالاً لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده أو استفسار المانع للإنجاز في حقه، وإن ما سماه جهلاً وزجر عنه بقوله:"إني أعظك أن تكون من الجاهلين"لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال وأغناه عن السؤال ، لكن أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر .وقرأابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك ،نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ، ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع برواية رويسإثباتها في الوصل.

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ

47."قال رب إني أعوذ بك أن أسألك "فيما يستقبل ."ما ليس لي به علم"ما لا علم لي بصحته"وإلا تغفر لي "وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال ." وترحمني "بالتوبة والتفضل علي."أكن من الخاسرين"أعمالاً.

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ

48."قيل يا نوح اهبط بسلام منا" أنزل من السفينة مسلماً من المكاره من جهتنا أو مسلما ً عليك ."وبركات عليك "ومباركاً عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدماً ثانياً وقرء "اهبط" بالضم وبركة على التوحيد وهو الخير النامي " وعلى أمم ممن معك "وعلى أمم هم الذين معك ، سموا أمماً لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم ، او وعلى أمم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله:"وأمم سنمتعهم " أي وممن معك أمم سنمتعهم في الدنيا "ثم يمسهم منا عذاب أليم" في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه .وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب ، والعذاب ما نزل بهم.

تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ

49."تلك"إشارة إلى قصة نوح ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها :"من أنباء الغيب"أي بعضها"نوحيها إليك"خبر ثان والضمير لها أي موحاة إليك ،أو حال من الـ"أنباء"أو هو الخبر و"من أنباء" متعلق به أوحال من الهاء في "نوحيها"."ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا"خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك من قبل إيحائنا إليك ، أو حال من الهاء في نوحيها أو الكاف في "إليك" أي :جاهلاً أنت وقومك بها،وفي ذكرهم تنبيه على أنه لم يتعلمها إذ لم يخالط غيرهم وأنهم مع كثرتهم لما لم يسمعوها فكيف بواحد منهم. "فاصبر"على مشاق الرسالة وأذية القوم كما صبر نوح"إن العاقبة"في الدنيا بالظفر وفي الآخرة بالفوز ."للمتقين"عن الشرك والمعاصي.

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ

50."وإلى عاد أخاهم هوداً" عطف على قوله"نوحاً إلى قومه"و"هوداً" عطف بيان "قال يا قوم اعبدوا الله"وحده " ما لكم من إله غيره "وقرء بالجر حملاً على المجرور وحده"إن أنتم إلا مفترون"على الله باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.

يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ

51."يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني "خاطب كل رسول به قومه إزاحة للتهمة و تمحيضاً للنصيحة فإنها لا تنجع مادامت مشوبة بالمطامع. " أفلا تعقلون " أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ.

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ

52."ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه"اطلبوا مغفرة الله بالإيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضاً التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله والرغبة فيما عنده"يرسل السماء عليكم مدراراً" كثير الدر."ويزدكم قوةً إلى قوتكم"ويضاعف قوتكم ، وإنما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وعمارات .وقيل حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على للإيمان والتوبة بكثرة الأمطار و تضاعف القوة بالتناسل ."ولا تتولوا "ولا تعرضوا عما أدعوكم إليه "مجرمين"مصرين على إجرامكم.

قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ

53."قالوا يا هود ما جئتنا ببينة"بحجة تدل على صحة دعواك وهو لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات ."وما نحن بتاركي آلهتنا"بتاركي عبادتهم ."عن قولك"صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي ."وما نحن لك بمؤمنين"إقناط له من الإجابة والتصديق .

إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ

54."إن نقول إلا اعتراك"ما نقول إلا قولنا"اعتراك"أي أصابك من عراه يعروه إذا أصابه "بعض آلهتنا بسوء"بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم بالخرافات ، والجملة مقول القول وإلا لغو لأن الاستثناء مفرغ." قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون".

مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ

55."من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون "أجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم تأكيداً لذلك وتثبيتاً له، وأمرهم بأن يشهدوا عليه استهانة بهم، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا أنهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء أن يضروه لم يبق لهم شبهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاماً منه ، وهذا من جملة معجزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله و تثبطهم عن إضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله:

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

56."إني توكلت على الله ربي وربكم"تقريراً له والمعنى أنكم وإن بذلتم غاية وسعكم لن تضروني فإني متوكل على الله واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده ، ولا يقدرون على ما لم يقدره ثم برهن عليه بقوله:"ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها"أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك . "إن ربي على صراط مستقيم"أي أنه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ

57."فإن تولوا" فإن تتولوا ."فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم"فقد أديت ما علي من الإبلاغ وإلزام الحجة فلا تفريط مني ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم."ويستخلف ربي قوماً غيركم"استئناف بالوعيد لهم بأن الله يهلكهم وستخلف قوماً آخرين في ديارهم وأموالهم ، أو يعطف على الجواب الفاء ويؤيده القراءة بالجزم على الموضع كأنه قيل: وإن تتولوا يعذرني ربي ويستخلف. "ولا تضرونه"لتوليكم ."شيئاً"من الضرر ومن جزم يستخلف أسقط النون منه ."إن ربي على كل شيء حفيظ"رقيب فلا تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم، أو حافظ مستول عليه فلا يمكن أن يضره شيء.

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ

58."ولما جاء أمرنا"عذابنا أو امرنا العذاب ."نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا"وكانوا أربعة آلاف."ونجيناهم من عذاب غليظ"تكرير لبيان ما نجاهم منه وهو السموم، كانت تدخل أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطع أعضائهم، أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضاً ، والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ .

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

59."وتلك عاد"أنث اسم الإشارة باعتبار القبيلة أو لأن الإشارة إلى قبورهم وآثارهم."جحدوا بآيات ربهم"كفروا بها."وعصوا رسله"لأنهم عصوا رسولهم ومن عصي رسولاً فكأنما عصى الكل لأنهم أمروا بطاعة كل رسول ."واتبعوا أمر كل جبار عنيد"يعنى كبراءهم الطاغين و "عنيد"من عند عنداً وعنداً و عنوداً إذا طغى، والمعنى عصوا من دعاهم إلى للإيمان وما ينجيهم وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم.

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ

60."وأتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة"أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم في العذاب ."ألا إن عاداً كفروا ربهم"جحدوه أو كفروا نعمه أو كفروا به فحذف الجار."ألا بعداً لعاد "عداء عليهم بالهلاك ، والمراد به الدلالة على أنهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكي عنهم، وإنما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعاً لأمرهم وحثاً على الاعتبار بحالهم ."قوم هود "عطف بيان العاد ، وفائدته تمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم، ولإيماء إلى أن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ

61." وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض "هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب ."واستعمركم فيها"عمركم فيها واستبقاكم من العمر ، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها، وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم ."فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب"قريب الرحمة."مجيب"لداعيه.

قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ

62."قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا"لما نرى فيك من مخايل الشد والسداد أن تكون لنا سيداً ومستشاراً في الأمور،أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك."أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا"على حكاية الحال الماضية. "وإننا لفي شك مما تدعونا إليه "من التوحيد والتبري عن الأوثان."مريب"موقع في الريبة من أرابه ، أو ذي ريبة على الإسناد المجازي من أراب في الأمر.

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ

63."قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي "بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين ."وآتاني منه رحمةً"نبوة"فمن ينصرني من الله "فمن يمنعنني من عذابه "إن عصيته"في تبليغ رسالته والمنع عن الإشراك به ."فما تزيدونني "إذن باستتباعكم إياي."غير تخسير"غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به والتعرض لعذابه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران.

وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ

64."ويا قوم هذه ناقة الله لكم آيةً"انتصب آية على الحال وعاملها معنى الإشارة ،ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها."فذروها تأكل في أرض الله"ترع نباتها وتشرب ماءها. "ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب"عاجل لا يتراخى عن مسكم لها بالسوء إلا يسيراً وهو ثلاثة أيام.

فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ

65."فعقروها فقال تمتعوا في داركم"عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا."ثلاثة أيام"الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون."ذلك وعد غير مكذوب"أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه بإجرائه مجرى المفعول به كقوله: ويوم شهدناه سليماً وعامرا أو غير مكذوب على المجاز ، وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه، أو وعد غير كذب على أنه مصدر كالمجلود والمعقول.

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

66." فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ "أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة.وعننافع"يومئذ"بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله:"من عذاب يومئذ""إن ربك هو القوي العزيز"القادر على كل شيء والغالب عليه.

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ

67." وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين " قد سبق تفسير ذلك في سورة الأعراف.

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ

68." كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم "نونه أبو بكرها هنا وفي النجم والكسائيفي جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمروفي قوله:"ألا بعداً لثمود"ذهاباً إلى الحي أو الأب الأكبر.

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ

69."ولقد جاءت رسلنا إبراهيم"يعني الملائكة ،قيل :كانوا تسعة،وقيل ثلاثة جبريل و ميكائيل و إسرافيل ."بالبشرى"ببشارة الولد ،وقيل بهلاك قوم لوط."قالوا سلاماً"سلمنا عليك سلاماً ويجوز نصبه بـ"قالوا"على معنى ذكروا سلاماً."قال سلام"أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام ، رفعه إدابة بأحسن من تحيتهم . وقرأحمزة والكسائيسلم وكذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح."فما لبث أن جاء بعجل حنيذ"فما أبطأ مجيئه به ، أو فما أبطأ في المجيء به ، أو فما تأخر عنه والجار في"أن"مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف. وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله:"بعجل سمين".

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ

70."فلما رأى أيديهم لا تصل إليه"لا يمدون إليه أيديهم ."نكرهم وأوجس منهم خيفةً"أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروهاً، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإيجاس الإدراك وقيل الإضمار "قالوا"له لما أحسوا منه اثر الخوف ."لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط"إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب ، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل.

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ

71."وامرأته قائمة"وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة."فضحكت"سروراً بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم:اضمم إليك لوطاً فإن أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم .وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر: وعهدي بسلمى ضاحكاً في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء ."فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب"نصبه ابن عامر وحمزة وحفصبفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره :ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب . وقيل إنه معطوف على موضع "بإسحاق"أو على لفظ"إسحاق"،وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف.وقرأ الباقون بالرفع على أنه مبتدأ.وخبره الظرف أي و"يعقوب"مولود من بعده.وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون إضافته إلى"إسحاق"ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه، بل من حيث إنه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر.والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كحيي، ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به ، وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد.

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ

72." قالت يا ويلتى "يا عجباً، وأصله في الشر فأطلق على كل أمر فظيع.وقرئ بالياء على الأصل."أألد وأنا عجوز"ابنة تسعين أو تسع تسعين."وهذا بعلي "زوجي وأصله القائم بالأمر ."شيخاً"ابن مائة أو مائة وعشرين ، ونصبه على الحال والعامل فيها معنى اسم الإشارة , وقرئ بالرفع على أنه خبر محذوف أي هو شيخ، أو خبر بعد خبر أو هو الخبر و"بعلي"بدل ."إن هذا لشيء عجيب "يعني الولد من هرمين، وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك:

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

73."قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت"منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات ، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلاً عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات ، وأهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص قولهم :اللهم اغفر لنا أيتها العصابة."إنه حميد"فاعل ما يستوجب به الحمد ."مجيد"كثير الخير والإحسان.

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ

74."فلما ذهب عن إبراهيم الروع"أي ما أوجس من الخيفة واطمأن قلبه بعرفانهم." وجاءته البشرى "بدل الورع ."يجادلنا في قوم لوط"يجادل رسلنا في شأنهم ومجادلته إياهم قوله:"إن فيها لوطا"وهو إما جواب لما جيء مضارعاً على حكاية الحال أولنه في سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو ،أو دليل جوابه المحذوف مثل اجترأ على خطابنا أو شرع في جدالنا ، أو متعلق به أقيم مقامه مثل أخذ أو أقبل يجادلنا.

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ

75."إن إبراهيم لحليم"غير عجول على الانتقام من المسيء إليه."أواه"كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس."منيب"راجع إلى الله ، والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه.

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ

76."يا إبراهيم "على إرادة القول أي قالت الملائكة "يا إبراهيم""أعرض عن هذا "الجدال "إنه قد جاء أمر ربك"قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم."وإنهم آتيهم عذاب غير مردود"مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك .

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ

77."ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم"ساءه مجيئهم لأنهم جاؤوه في صورة فلمان فظن أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم."وضاق بهم ذرعاً"وضاق بمكانهم صدره ،وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه."وقال هذا يوم عصيب"شديد من عصبه إذا شده.

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ

78."وجاءه قومه يهرعون إليه "يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه."ومن قبل "أي ومن قبل ذلك الوقت."كانوا يعملون السيئات"الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين."قال يا قوم هؤلاء بناتي"فدى بهن أضيافه كرماً وحمية، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن ،وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه، أو إظهاراً لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له.وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود"وأزواجه أمهاتهم"وهو أب لهم"هن أطهر لكم "أنظف فعلاً وأقل فحشاً كقولك: الميتة أطيب من المعصوب وأحل منه.وقرئ "أطهر "بالنصب على الحال على أنهن خبر بناتي كقولك:هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها." فاتقوا الله "بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم "ولا تخزون"ولا تفضحوني من الخزي ،أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء ."في ضيفي "في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه." أليس منكم رجل رشيد "يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح.

قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ

79." قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق "من حاجة" وإنك لتعلم ما نريد"وهو إتيان الذكران.

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ

80."قال لو أن لي بكم قوةً"لو قويت بنفسي على دفعكم."أو آوي إلى ركن شديد"إلى قوي أبلغ به عنكم .شبهه بركن الجبل في شدته.وعن النبي صلى الله عليه وسلم "رحم الله أخي لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد".وقرئ "أو آوي"بالنصب بإضمار أن كأنه قال :لو أن لي بكم قوة أو أوياً وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار ، فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

81."قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك"لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا وإياهم ، فخلا هم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة."فأسر بأهلك"بالقطع من الإسراء ، وقرأابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السري."بقطع من الليل "بطائفة منه"ولا يلتفت منكم أحد"ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه والنهي في اللفظ لأحد وفي المعنى للوط ."إلا امرأتك "استثناء من قوله:"فأسر بأهلك"ويدل عليه أنه قرئ بأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمروبالرفع على البدل من أحد ،ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في أنه خلفها مع قومها أو أخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت و قالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها، لأن الواقع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة ، والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله:"ولا يلتفت"مثله في قوله تتعالى:"ما فعلوه إلا قليل"ولا يبعد أن يكون أكثر القراء على غير الأفصح ، ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحاً ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله:"إنه مصيبها ما أصابهم"ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعاً على قراءة الرفع "إن موعدهم الصبح"كأنه علة الأمر بالإسراء "أليس الصبح بقريب"جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ

82."فلما جاء أمرنا"عذابنا أو أمرانا به ،ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسبباً عنه بقوله:"جعلنا عاليها سافلها"فإنه جواب لما وكان حقه:جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة المأمورون به ، فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيماً للأمر فإنه روي : أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم ."وأمطرنا عليها"على المدن أو على شذاذها."حجارةً من سجيل"من طين متحجر لقوله:"حجارة من طين"وأصله سنك كل فعرب .وقيل إنه من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته ، والمعنى من مثل الشيء المرسل أومن مثل العطية في الإدرار ، أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاماً "منضود"نضد معداً لعذابهم ، أو نضد في الإرسال بتتابع بعضه بعضاً كقطار الأمطار ، أو نضد بعضه على بعض وألصق به.

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

83."مسومةً"معلمة للعذاب .وقيل معلمة ببياض وحمرةً.أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض ، أو باسم من يرمى بها."عند ربك "في خزائنه ."وما هي من الظالمين ببعيد"فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم، وفيه وعيد لكل ظالم أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلا ساعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام ،وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان.

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ

84."وإلى مدين أخاهم شعيباً"أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه ." قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان "أمرهم بالتوحيد أولاً فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض ."إني أراكم بخير "بسعة تغنيكم عن البخس ، أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكراً عليها لا أن تنقصوا حقوقهم ، أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي ."وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط"لا يشذ منه أحد منكم .وقيل عذاب منهلك من قوله:"وأحيط بثمره".والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه.

وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ

85."ويا قوم أوفوا المكيال والميزان"صرح بالأمر بالإيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيهاً على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف ، بل يلزمهم السعي في الإيفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدونها ."بالقسط"بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان ، فإن الازدياد إيفاء وهو مندوب غير مأمور به وقد يكون محظوراً "ولا تبخسوا الناس أشياءهم"تعميم بعد تخصيص فإنه أعم من أن يكون في المقدار ، أو في غيره وكذا قوله : " ولا تعثوا في الأرض مفسدين" فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد.وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العشور في المعاملات ، والعثو السرعة وقطع الطريق والغارة .وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح كما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام .وقيل معناه ولا تعثوا في الأرض مفسدين في أمر دينكم ومصالح آخرتكم.

بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ

86." بقية الله "ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم "خير لكم"مما تجمعون بالتطفيف ."إن كنتم مؤمنين"بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالإيمان .أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم .وقيل البقية الطاعة كقوله:"والباقيات الصالحات"وقرئ تقية الله بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي. "وما أنا عليكم بحفيظ"أحفظكم عن القبائح ، أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وإنما أنا ناصح مبلغ وقد أعذرت حين أنذرت ،او لست بحافظ عليكم نعم الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم.

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ

87." قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا "من الأصنام ، أجابوا به آمرهم بالتوحيد على الاستهزاء به والتهكم بصلواته والإشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي، وإنما دعاك إليه خطرات ووساس من جنس ما تواظب عليه.وكان شعيب كثير الصلاة فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر . وقرأ حمزة والكسائي وحفص على الإفراد والمعنى أصلواتك تأمرك بتكليف أن نترك ، فحذف المضاف لأن الرحل لا يؤمر بفعل غيره."أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء"عطف على ما أي وأن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا . وقرئ بالتاء فيهما على أن العطف على"أن نترك"وهو جواب النهي عن التطفيف والأمر بالإيفاء .وقيل كان ينهاهم عن تقطيع الدراهم والدنانير فأرادوا بذلك ."إنك لأنت الحليم الرشيد"تهكموا به وقصدوا وصفه بضد ذلك ، أو عللوا إنكار ما سمعوا منه واستبعاده بأنه موسوم بالحلم والرشد المانعين عن المبادرة إلى أمثال ذلك .

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَي

88."قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي"إشارة إلى ما آتاه الله من العلم والنبوة ."ورزقني منه رزقاً حسناً "إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال ،وجواب الشرط محذوف تقديره فهل يسع مع هذا الإنعام الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية أن أخون في وحيه، وأخلفه فيأمره ونهيه .وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الآباء، والضمير في"منه"لله أي من عنده وبإعانته بلا كد مني في تحصليه "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه"أي وما أريد أن آتي ما أنهاكم عند لأستبد به دونكم ،فلو كان صواباً لآثرته ولم أعرض عنه فضلاً عن أن أنهى عنه ، يقال خالفت زيداً إلى كذا إذا قصدته وهو مول عنه ، وخالفته عنه إذا كان الأمر بالعكس ، "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"ما أريد إلا أن أصلحكم بأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر مادمت أستطيع الإصلاح ، فلو وجدت الصلاح فيما أنتم عليه لما نهيتكم عنه، ولهذه الأجوبة الثلاثة على ÷ذا النسق شأن: وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة أهمها وأعلاها حق الله تعالى ، وثانيها حق النفس ، وثالثها حق الناس .وكل ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به وأنهكم عما نهيتكم عنه و"ما"مصدرية واقعة موقع الظرف وقيل خبرية بدل من"الإصلاح"أي ما المقدار الذي استطعته ، أو إصلاح ما استطعته فحذف المضاف ."وما توفيقي إلا بالله "وما توفيقي لإصابة الحق والصواب إلا بهدايته ومعونته ."عليه توكلت "فإنه القادر المتمكن من كل شيء وما عداه عاجز في حد ذاته ،بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار ، وفيه إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ."وإليه أنيب "إشارة إلى معرفة المعاد ،وهو أيضاً يفيد الحصر بتقديم الصلة على الفعل .وفي هذه الكلمات طلب التوفيق لإصابة الحق فيما يأته ويذره من الله تعالى ، والاستعانة به في مجامع أمره والإقبال عليه بشراشره ،وحسم أطماع الكفار وإظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم بالرجوع إلى الله للجزاء.

وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ

89."ويا قوم لا يجرمنكم " لا يكسبنكم "شقاقي"معاداتي."أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح"من الغرق ."أو قوم هود"من الريح."أو قوم صالح"من الرجفة و"أن"بصلتها ثاني مفعولي جزم ، فإنه يعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب .وعنابن كثيريجرمنكم بالضم وهو منقول من المتعدي إلى مفعول واحد ، والأول أفصح فإن أجرم أقل دوراناً على ألسنة الفصحاء .وقرئ"مثل"بالفتح لإضافته إلى المبني كقوله: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أرقال "وما قوم لوط منكم ببعيد"زماناً أو مكاناً فإن لم تعتبروا بمن قبلها فاعتبروا بهم، أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فلا يبعد عنكم ما أصابهم ، وإفراد البعيد لأن المراد وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ، ولا يبعد أن يسوى في أمثاله بين المذكر والمؤنث لأنها على زنة المصادر كالصهيل والشهيق.

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ

90."واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه"عما أنتم عليه"إن ربي رحيم" عظيم الرحمة للتائبين ."ودود"فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده ،وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار.

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ

91."قالوا يا شعيب ما نفقه"ما نفهم."كثيراً مما تقول"كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلاً عليهما، وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم .وقيل قالوا ذلك استهانة بكلامه ، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم عنه "وإنا لنراك فينا ضعيفاً"لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءاً ، أو مهيناً لا عز لك ، وقيل أعمى بلغة حمير وهو مع عدم مناسبته برده التقييد بالظرف ، ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياساً على القضاء والشهادة والفرق بين "ولولا رهطك"قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم ،فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة."لرجمناك"لقتلناك برمي الأحجار أو بأصعب وجه."وما أنت علينا بعزيز"فتمنعنا عزتك عن الرجم ،وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب ، والتهديد وفي إيلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة ، وأن المانع لهم عن إيذائه عزة قومه ولذلك.

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

92."قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهرياً"وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به والإهانة برسوله فلا تبقون علي لله وتبقون علي لرهطي ، وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب ، و"ظهرياً"منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب ."إن ربي بما تعملون محيط" فلا يخفى عليه شيء منها فيجازي عليها.

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ

93."ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه"سبق مثله في سورة الأنعام والفاء في فـ"سوف تعلمون"ثمة للتصريح بأن الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك ، وحذفها ها هنا لأنه جواب سائل قال: فماذا يكون بعد ذلك؟ فهو أبلغ في التهويل ."ومن هو كاذب " عطف على من يأتيه لا لأنه قسيم له كقولك :ستعلم الكاذب والصادق ، بل لأنهم لما أوعدوه وكذبوه قال : سوف تعلمون من المعذب والكاذب مني ومنكم .وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الأول إليهم والثاني إليه لكنهم لما كانوا يدعونه كاذباً قال :ومن هو كاذب على زعمهم."وارتقبوا"وانتظروا ما أقول لكم ."إني معكم رقيب"منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم ، أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع.

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ

94."ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا"إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله:"وعد غير مكذوب "وقوله:"إن موعدهم الصبح"فلذلك جاء بفاء السببية ."وأخذت الذين ظلموا الصيحة"قيل صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا."فأصبحوا في ديارهم جاثمين"ميتين،وأصل الجثوم اللزوم في المكان.

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ

95."كأن لم يغنوا فيها"كأن لم يقيموا فيها"ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود " شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضاً بالصيحة ، غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم .وقرئ "بعدت"الضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك ، والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ

96."ولقد أرسلنا موسى بآياتنا"بالتوراة أو المعجزات ."وسلطان مبين"وهو المعجزات القاهرة أو العصا، وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها ، ويجوز أن يراد بهما واحد أي : ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطاناً له على نبوته واضحاً في نفسه أو موضحاً إياها، فإن أبان جاء لازماً ومتعدياً ، والفرق بينهما أن الآية تعم الأمارة ، والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص يما فيه جلاء.

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ

97."إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون"فاتبعوا أمره بالكفر بموسى أو فما تبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة ، واتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى مالا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم ."وما أمر فرعون برشيد"مرشد أو ذي رشد، وإنما هو غي محض وضلال صريح.

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ

98."يقدم قومه يوم القيامة "إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم ."فأوردهم النار"ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ومنزل النار لهم منزلة الماء فسمى إتيانها مورداً ثم قال: "وبئس الورد المورود " أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الأكباد وتسكني العطش والنار بالضد ، والآية كالدليل على قوله:"وما أمر فرعون برشيد" فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد ، أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها.

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ

99."وأتبعوا في هذه"الدنيا."لعنةً ويوم القيامة"أي يلعنون في الدنيا والآخرة ."بئس الرفد المرفود"بئس العون المعان أو العطاء المعطى، وأصل الرفد ما يضاف إلى غيره ليعمده ، والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم وهو اللعنة في الدارين .

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ

100."ذلك"أي ذلك النبأ."من أنباء القرى"المهلكة ."نقصه عليك"مقصوص عليك ."منها قائم"من تلك القرى باق كالزرع القائم ."وحصيد"ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود ، والجملة مستأنفة وقيل حال من الهاء في نقصه وليس بصحيح إذ لا واو ولا ضمير.

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ

101."وما ظلمناهم "بإهلاكنا إياهم ."ولكن ظلموا أنفسهم"بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه ."فما أغنت عنهم "فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم ."آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك" حين جاءهم عذابه ونقمته."وما زادوهم غير تتبيب"هلاك أو تخسير.

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ

102."وكذلك"ومثل ذلك الأخذ ."أخذ ربك"وقرئ"أخذ ربك"بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر ."إذا أخذ القرى"أي أهلها وقرئ إذ لأن المعنى على المضي ."وهي ظالمة"حال من "القرى"وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها، وفائدتها الإشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه ، أو غيره من وخامة العقبة . "إن أخذه أليم شديد" وجيع غير مرجو الخلاص منه ، وهو مبالغة في التهديد والتحذير.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ

103"إن في ذلك "أي فيما نزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه الله تعالى من قصصهم . "لآية"لعبرة."لمن خاف عذاب الآخرة"يعتبر به عظمته لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة، أو ينزجر به عن موجباته لعلمه بأنها من إله مختار بعذب من يشاء ويرحم من يشاء.فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار ، وجعل تلك الوقائع للأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها."ذلك "إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دل عليه."يوم مجموع له الناس "أي يجمع له الناس ،والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه من شأنه لا محالة وأن الناس لا يفكون عنه فهو أبلغ من قوله :"يوم يجمعكم ليوم الجمع"ومعنى الجمع له الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة."وذلك يوم مشهود"أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين فاتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به كقوله: في محفل من نواصي الناس مشهود أي كثر شاهدوه ، ولو جعل اليوم مشهوداً في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك.

وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ

104."وما نؤخره"أي اليوم."إلا لأجل معدود"إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود.

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ

105."يوم يأتي "أي الجزاء او لا اليوم كقوله:"أو تأتيهم الساعة"على أن "يوم"بمعنى حين أو الله عز وجل كقوله تعالى:"هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل"ونحوه.وقرأأبن عامر وعاصم وحمزة"يأت"بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة ."لا تكلم نفس"لا تتكلم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة، وهو الناصب للظرف ويحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف."إلا بإذنه"إلا بإذن الله كقوله:"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن"وهذا في موقف وقوله : " هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون "في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة."فمنهم شقي"وجبت له النار بمقتضى الوعيد."وسعيد"وجبت له الجنة بموجب الوعد والضمير لأهل الموقف وإن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله:"لا تكلم نفس"أو للناس.

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ

106."فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق"الزفير إخراج النفس والشهيق رده، واستعمالها في أول النهيق وآخره والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه، أو تشبيه صراخهم بأصوات الحمير وقرئ"شقوا"بالضم .

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

107." خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض "ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامهما فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما.بل التعبير عن التأييد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل ، ولو كان الارتباط لم يلزم أيضاً من زوال السموات والأرض زوال عذابهم ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم ، لأن دوامهما كالملزوم لدوامه، وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق .وقيل المراد سموات الآخرة وأرضها ويدل عليه قوله تعالى :"يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"وإن أهل الآخرة لابد لهم من مظل ومقل ، وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ، ومن عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه ."إلا ما شاء ربك"استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فساق الموحدين يخرجون منها ،وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض،وهم المراد بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم،فإن التأييد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء،وهؤلاء شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ،ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله:"فمنهم شقي وسعيد"تقسيماً صحيحاً لأن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسمنه ،لأن ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع و ها هنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين،وأن حالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين، أو لأن أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير وغيره من العذاب أحياناً ، وكذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة كالاتصال بجناب القدس والفوز برضوان الله ولقائه، او من أصل الحكم والمستثنى زمان توقفهم في الموقف للحساب لأن ظاهره يقتضي أن يكونوا في النار حين يأتي اليوم ، أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ إن كان الحكم مطلقاً غير مقيد باليوم ، وعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت .وقيل هو من قوله:"لهم فيها زفير وشهيق"وقيل إلا هاهنا بمعنى سوى كقولك على ألف إلا الألفان القديمان والمعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء السموات والأرض."إن ربك فعال لما يريد"من غير اعتراض.

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

108." وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ "غير مقطوع ، وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ،ولأجله فرق بين الثواب والعقاب بالتأييد .وقرأحمزة والكسائي وحفص"سعدوا"على البناء للمفعول من سعده الله بمعنى أسعده ، و"عطاءً"نصب على المصدر المؤكد أي أعطوا عطاء او الحال من الجنة .

فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ

109."فلا تك في مرية "شك بعد ما أنزل عليك من آمال أمر الناس ."مما يعبد هؤلاء"من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم ، أو من حال ما يعبدونه في أنه يضر ولا ينفع ."ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل"استئناف معناه تعليل النهي عن المرية أي هم وآباؤهم سواء في الشرك ، أي ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يعبدون شيئاً إلا مثل ما عبدوه من الأوثان ، وقد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك فسيلحقهم مثله، لأن التماثيل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات ، ومعنى "كما يعبد"كما كان يعبد فحذف للدلالة من قبل عليه. "وإنا لموفوهم نصيبهم"حظهم من العذاب كآبائهم ، أو من الرزق فيكون عذراً لتأخير العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه ، "غير منقوص"حل من النصيب لتقييد التوفية فإنك تقول : وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازاً.

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ

110."ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه"فآمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء في القرآن ."ولولا كلمة سبقت من ربك "يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة ."لقضي بينهم "بإنزال ما يستحقه المبطل ليتميز به عن المحق ."وإنهم"وإن كفار قومك."لفي شك منه"من القرآن ."مريب"موقع في الريبة.

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

111."وإن كلاً"وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين ، والتنوين بدل من المضاف إليه، وقرأابن كثير و نافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبار اً للأصل ."لما ليوفينهم ربك أعمالهم"اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل . وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة "لما" بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميماً للإدغام ، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن ، والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعملها، وقرئ لما بالتنوين أي جميعاً كقوله:"أكلاً لماً" "وإن كل لما"على أن "إن"نافية و"لما"بمعنى إلا وقد قرئ به ، "إنه بما يعملون خبير"فلا يفوته شيء منه وإن خفي .

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

112."فاستقم كما أمرت "لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة ، وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة مثل ما أمر بها وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين ،والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع ما أنزل ، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوها وهي في غاية العسر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "شيبتني هود""ومن تاب معك "أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك ،وهو عطف على المستكن في استقم وإن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه ." ولا تطغوا"ولا تخرجوا عما حد لكم ."إنه بما تعملون بصير"فهو مجازيكم عليه ، وهو في معنى التعليل الأمر والنهي .وفي الآبه دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف وانحراف بنحو قياس واستحسان .

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ

113."ولا تركنوا إلى الذين ظلموا"ولا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم واستدامته."فتمسكم النار" بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ، ثم بالميل إليهم كل الميل ، ثم لا بالظلم نفسه والانهماك فيه ، ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه ، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل ، فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه .وقرئ "تركنوا "فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم و"تركنوا"على البناء للمفعول من أركنه ."وما لكم من دون الله من أولياء"من أنصار يمنعون العذاب عنكم والواو للحال ."ثم لا تنصرون " أي ثم لا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم ، وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم ، ويجوز أن يكون منزلاً منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد ، فإنه لما بين ، الله معذبهم وأن غيره لا يقدر على نصرهم انتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلاً.

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

114." وأقم الصلاة طرفي النهار "غدوة وعشية وانتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه ، "وزلفاً من الليل "وساعات منه قريبة من النهار ، فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة، وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار ، وصلاة العشية صلاة العصر ، وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء.وقرئ زلفاً بضمتين وضمة وسكون كبسر وبسر في بسرة و"زلفى"بمعنى زلفة كقربى وقربة . "إن الحسنات يذهبن السيئات "يكفرنها ،وفي الحديث"إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر " وفي سبب النزول "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت" "ذلك "إشارة إلى قوله "فاستقم "وما بعده وقيل إلى القرآن ."ذكرى للذاكرين"عظة للمتعظين.

وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

115."واصبر"على الطاعات وعن المعاصي ."فإن الله لا يضيع أجر المحسنين"عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلاً على أن الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص.

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ

116."فلولا كان"فهلا كان ."من القرون من قبلكم أولو بقية" من الرأي والعقل ،أو أولو فضل وإنما سمي "بقية"لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه ، ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ، ويجوز أن يكون مصدراً كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب ، ويؤيده أنه قرئ "بقية " وهي المرة من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه ."ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم"لكن قليلاً منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك ، ولا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض ."واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه"ما أنعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك ."وكانوا مجرمين"كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة ، وهو فشو الظلم فيهم واتباعهم للهوى وترك النهي عن المنكرات مع الكفر ، وقوله واتبع معطوف مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى : فلم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا وكانوا مجرمين عطف على" اتبع "أو اعترض .وقرئ وأتبع أي وأتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ، ويجوز أن تفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء.

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ

117."وما كان ربك ليهلك القرى بظلم"بشرك ."وأهلها مصلحون " فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساداً وتباغياً ،وذلك لفرط رحمته و مسامحته في حقوقه ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد ،وقيل الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظلم.

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ

118."ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً"مسلمين كلهم ، وهو دليل ظاهر على أن الأمر الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد وأن ما أراده يجب وقوعه . "ولا يزالون مختلفين"بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقاً .

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

119."إلا من رحم ربك"إلا ناساً هداهم الله من فضله فاتفقوا على ما هو أصول دين الحق والعمدة فيه ."ولذلك خلقهم"إن كان الضمير لـ" الناس "فالإشارة إلى الاختلاف ،واللام للعاقبة أو إليه وإلى الرحمة ،وإن كان لمن فإلى الرحمة."وتمت كلمة ربك "وعيد أو قوله للملائكة ."لأملأن جهنم من الجنة والناس "أي من عصاتهما"أجمعين"أو منهما أجمعين لا من أحدهما .

وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

120."وكلاً"وكل نبأ."نقص عليك من أنباء الرسل"نخبرك به."ما نثبت به فؤادك"بيان لكلاً أو بدل منه ، وفائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار ، او مفعول "وكلاً" منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل. "وجاءك في هذه"السورة أو الأنباء المقتصة عليك ."الحق "ما هو حق ."وموعظة وذكرى للمؤمنين"إشارة إلى سائر فوائده العامة.

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ

121."وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم"على حالكم ."إنا عاملون"على حالنا.

وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ

122."وانتظروا"بنا الدوائر."إنا منتظرون"أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

123."ولله غيب السموات والأرض"خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما ."وإليه يرجع الأمر كله"فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه .وقرأ نافع وحفصويرجع على البناء للمفعول ."فاعبده وتوكل عليه"فإنه كافيك.وقي تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد ."وما ربك بغافل عما تعملون"أنت وهم فيجازي كلاً ما يستحقه .وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء هنا وفي آخر النمل ."عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح ومن كذب به وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء الله تعالى".


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس