islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير البيضاوى
13445

37-الصافات

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا

1-" والصافات صفاً " .

فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا

2-" فالزاجرات زجراً " .

فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا

3-" فالتاليات ذكرا " أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية ، على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإلهية ، منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها ، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير ، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله و جلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه ، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس " يسبحون الليل والنهار لا يفترون " أو بنفوس العلماء وشرائعه ، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل ، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات ، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله : يا لهف زيابة للحارث الصـ ـابح فالغانم فالآيب فإن الصف كمال الزجر تكميل بالمنع عن الشر ، أو الإشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله المحلقين فالمقصرين " غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس ، وأدغم أبو عمرو و حمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا .

إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ

4-" إن إلهكم لواحد " جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم ، وأما تحقيقه فبقوله تعالى :

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ

5-" رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق " فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة ، " ورب " بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه ، و " المشارق " مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً ، تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة ، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو ما تختلف أوقات الانتقال .

إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ

6-" إنا زينا السماء الدنيا " القربى منكم . " بزينة الكواكب " بزينة هي " الكواكب " والإضافة للبيان ، ويعضده قراءة حمزة و يعقوب و حفص بتنوين زينة وجر " الكواكب " على إبدالها منه ، أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها ، أو بأن زينا " الكواكب " فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسماً كالليقة جاءت مصدراً كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين ، والنصب على الأصل أو بأن زينتها " الكواكب " على إضافته إلى الفاعل و ركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا إن تحقق لم يقدح في ذلك ، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة .

وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ

7-" وحفظاً " منصوب بإضمار فعله ، أو العطف على زينة باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظاً . " من كل شيطان مارد " خارج من الطاعة برمي الشهب .

لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

8-" لا يسمعون إلى الملإ الأعلى " كلام مبتدأ لبيان حالهم بعدما حفظ السماء عنهم ، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن و اهدارها كقوله : ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى فإن اجتماع ذلك منكر والضمير لـ " كل " باعتبار المعنى ، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء مبالغة لنفيه وتهويلاً لما يمنعهم عنه ، ويدل عليه قراءة حمزة و الكسائي و حفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و " الملإ الأعلى " الملائكة وأشرافهم ز " ويقذفون " ويرمون . " من كل جانب " من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده .

دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ

9-" دحوراً " علة أي للدحور وهو الطرد ، أو مصدر لأنه والقذف متقاربان، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر ، وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضاً أن يكون مصدراً كالقبول أو صفة له أي قذفاً دحوراً . " ولهم عذاب " أي عذاب آخر . " واصب " دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة .

إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ

10-" إلا من خطف الخطفة " استثناء من واو " يسمعون " ومن بدل منه ، والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة ، وقرئ خطف بالتشديد مفتوح الخاء ومكسورها وأصلهما اختطف . " فأتبعه شهاب " أتبع بمعنى تبع ، والشهاب ما يرى كأن كوكباً انقض ، وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتغل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين " فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه ، ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجماً لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع ، وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه ، أو مصيره " دحوراً " واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأساً ، ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق ، لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص من أن النار القوية إذ استولت على الضعيفة استهلكتها . " ثاقب " مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه .

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ

11-" فاستفتهم " فاستخبرهم والضمير لمشركي مكة أو لبنيي آدم . " أهم أشد خلقاً أم من خلقنا " يعني ما ذكر من الملائكة والسماء والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب ، و " من " لتغليب العقلاء ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك ، وقراءة من قرأ أم من عددنا ، وقوله ك " إنا خلقناهم من طين لازب " فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم كعاد وثمود ، وإن المراد إثبات المعاد ورد استحالته والأمر فيه بالإضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء ، وتقريره أن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام بعد ، وقد علموا أن الإنسان الأول إنما تولد منه إما لاعترافهم بحدوث العالم أو بقصة آدم وشاهدوا تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة ، فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك ، وإما لعدم قدرة الفاعل ومن قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتد به بالإضافة إليها سيما ومن ذلك بدؤهم أولاً وقدرته ذاتية لا تتغير .

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ

12-" بل عجبت " من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث . " ويسخرون " من تعجبك وتقريرك للبعث ، وقرأ حمزة و الكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها ، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها ، أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه . والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم فإنه تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء ، وقيل إنه مقدر بالقول أي : قال يا محمد بل عجبت .

وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ

13-" وإذا ذكروا لا يذكرون " وإذا وعظوا بشيء لا يتعظمون به ، أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم .

وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ

14-" وإذا رأوا آيةً " معجزة تدل على صدق القائل به " يستسخرون " يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر ، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها .

وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ

15-" وقالوا إن هذا " يعنون ما يرونه " إلا سحر مبين " ظاهر سحريته .

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ

16-" أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " أصله أنبعث إذا متنا فبدلوا الفعلية بالاسمية وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإنكار ، وإشعاراً بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذه الحالة أشد استنكاراً ، فهو أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع و الكسائي و يعقوب بطرح الثانية .

أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ

17-" أو آباؤنا الأولون " عطف على محل " إن " واسمها ، أو على الضمير في مبعوثون فإنه مفصول منه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم ، وسكن نافع برواية قالون بن عامر والواو على معنى الترديد .

قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ

18-" قل نعم وأنتم داخرون " صاغرون ، وإنما اكتفى به في الجواب لسبق ما يدل على جوازه وقيام المعجزة على صدق المخبر عن وقوعه ، وقرئ قال أي الله أو الرسول وقرأ الكسائي وحده نعم بالكسر وهو لغة فيه .

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ

19-" فإنما هي زجرة واحدة " جواب شرط مقدر أي إذا كان ذلك فإنما البعثة " زجرة " أي صيحة واحدة ، وهي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها في الإعادة كأمر " كن " في الإبداء ولذلك رتب عليها " فإذا هم ينظرون " فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون ، أو ينظرون ما يفعل بهم .

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ

20-" وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين " اليوم الذي نجازى بأعمالنا وقد تم به كلامهم وقوله :

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ

21-" هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون " جواب الملائكة ، وقيل هو أيضاً من كلام بعضهم لبعض والفصل القضاء ، أو الفرق بين المحسن والمسيء .

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ

22-" احشروا الذين ظلموا " أمر الله للملائكة ، أو أمر لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف . وقيل منه إلى الجحيم . " وأزواجهم " وأشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم وعابد الكوكب مع عبدته كقوله تعالى : " وكنتم أزواجاً ثلاثة " أو نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين . " وما كانوا يعبدون " .

مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ

23-" من دون الله " من الأصنام وغيرهم زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم ، وهو عام مخصوص بقوله تعالى : " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " وفيه دليل على أن " الذين ظلموا " هم المشركون " فاهدوهم إلى صراط الجحيم " فعرفوهم طريقاً ليسلكوها .

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ

24-" وقفوهم " احبسوهم في الموقف " إنهم مسؤولون " عن عقائدهم وأعمالهم والواو لا توجب الترتيب مع جواز أن يكون موقفهم متعدداً .

مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ

25-" ما لكم لا تناصرون " لا ينصر بعضكم بعضاً بالتخليص ، وهو توبيخ وتقريع .

بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ

26-" بل هم اليوم مستسلمون " منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم ، وأصل الاستسلام طلب السلامة أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضاً ويخذله .

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ

27-" وأقبل بعضهم على بعض " يعني الرؤوساء والأتباع أو الكفرة والقرناء . " يتساءلون " يسأل بعضهم بعضاً للتوبيخ ولذلك فسربـ " يختصمون " .

قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ

28-" قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " عن أقوى الوجوه وأيمنها ، أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السانح فتبعناكم وهلكنا ، مستعار من يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين وأشرفهما وأنفعهما ولذلك سمي يميناً وتيمن بالسانح ، أو عن القوة والقهر فتقسروننا على الضلال ، أو على الحلف فإنهم كانوا يحلفون لهم إنهم على الحق .

قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

29-" قالوا بل لم تكونوا مؤمنين " .

وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ

30-" وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين " أجابهم الرؤساء أولاً بمنع إضلالهم بأنهم كانوا ضالين في أنفسهم ، وثانياً بأنهم ما أجبروهم على الكفر إذ لم يكن لهم عليهم تسلط وإنما جنحوا إليه لأنهم كانوا قوماً مختارين الطغيان .

فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ

31-" فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون " .

فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ

32-" فأغويناكم إنا كنا غاوين " ثم بينوا أن ضلال الفريقين ووقوعهم في العذاب كان أمراً مقضياً لا محيص لهم عنه ، وإن غاية ما فعلوا بهم أهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن تكون مثلهم ، وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإغواء غاو فمن أغواهم .

فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ

33-" فإنهم " فإن الأتباع والمتبوعين " يومئذ في العذاب مشتركون " كما كانوا مشتركون في الغواية .

إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ

34-" إنا كذلك " مثل ذلك الفعل " نفعل بالمجرمين " بالمشركين لقوله تعالى :

إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ

35-" إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون " أي عن كلمة التوحيد ، أو على من يدعوهم إليه .

وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ

36-" ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون " يعنون محمداً عليه الصلاة والسلام .

بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ

37-" بل جاء بالحق وصدق المرسلين " رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون .

إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ

38-" إنكم لذائقوا العذاب الأليم " بالإشراك وتكذيب الرسل ، وقرئ بنصب العذاب على تقرير النون كقوله : ولا ذاكر الله إلا قليلاً وهو ضعيف في غير المحلى باللام وعلى الأصل .

وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

39-" وما تجزون إلا ما كنتم تعملون " إلا مثل ما علمتم .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

40-" إلا عباد الله المخلصين " استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في " تجزون " لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة ، فإن ثوابهم مضاعف والمنقطع أيضاً بهذا الاعتبار .

أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ

41-" أولئك لهم رزق معلوم " خصائصه من الدوام ، أو تمحض اللذة ولذلك فسره بقوله:

فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ

42-" فواكه " فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي والقوت بالعكس ، وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة . " وهم مكرمون " في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال كما عليه رزق الدنيا .

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ

43-" في جنات النعيم " في جنات ليس فيها إلا النعيم ، وهو ظرف أو حال من المستكن في " مكرمون " ، أو خبر ثان " أولئك " وكذلك :

عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ

44-" على سرر " يحتمل الحال أو الخبر فيكون : " متقابلين " حالاً من المستكن فيه أو في " مكرمون " ، وأن يتعلق بـ " متقابلين " فيكون حالاً من ضمير " مكرمون " .

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

45-" يطاف عليهم بكأس " بإناء فيه خمر أو خمر كقوله : وكأس شربت على لذة " من معين " من شراب معين أو نهو معين أي ظاهر للعيون ، أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع . وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء ، أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة ، وكذلك قوله :

بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ

46-" بيضاء لذة للشاربين " وهما أيضاً صفتان لكأس ، ووصفها بـ " لذة " إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل قال : ولذ كطعم الصرخدي تركته بأرض العدا من خشية الحدثان

لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ

47-" لا فيها غول " غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول . " ولا هم عنها ينزفون " يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله ، أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه ، وقرأ حمزة و الكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في الواقعة من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه ، وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه ونزحت الركية حتى نزفتها .

وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ

48-" وعندهم قاصرات الطرف " قصرن أبصارهن على أزواجهن . " عين " نجل العيون جمع عيناء .

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ

49-" كأنهن بيض مكنون " شبههن ببيض النعام المصون على الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفوة فإنه ألوان الأبدان .

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ

50-" فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " معطوف على " يطاف عليهم " أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال : وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام والتعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل ، وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا .

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ

51-" قال قائل منهم " في مكالمتهم " إني كان لي قرين " جليس في الدنيا ...

يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ

52-" يقول أإنك لمن المصدقين " يوبخني على التصديق بالبعث ،وقرئ بتشديد الصاد من التصدق .

أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ

53-" أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون " لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء .

قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ

54-" قال" أي ذلك القائل . " هل أنتم مطلعون " إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين ، وقيل القائل هو الله سبحانه وتعالى أو بعض الملائكة يقول لهم : هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم ؟ وعن أبي عمرو مطلعون فاطلع بالتخفيف وكسر النون وضم الألف على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه من حيث إن أدب المجالسة يمنع الاستبداد به ، أو خاطب الملائكة على وضع المتصل موضع المنفصل كقوله : هم الآمرون الخير والفاعلونه أو شبه اسم الفاعل بالمضارع .

فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ

55-" فاطلع " عليهم . " فرآه " أي قرينه . " في سواء الجحيم " في وسطه .

قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ

56-" قال تالله إن كدت لتردين " لتهلكني بالإغواء ، وقرئ لتغوين و " إن " هي المخففة واللام هي الفارقة .

وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

57-" ولولا نعمة ربي " بالهداية والعصمة . " لكنت من المحضرين " معك فيها .

أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ

58-" أفما نحن بميتين " عطف على محذوف أي أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ، أي بمن شأنه الموت وقرئ بمائتين .

إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ

59-" إلا موتتنا الأولى " التي كانت في الدنيا وهي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال ، ونصبها على المصدر من اسم الفاعل . وقيل على الاستثناء المنقطع . " وما نحن بمعذبين " كالكفار ، وذلك تمام كلامه لقرينه تقريعاً له أو معاودة إلى مكالمة جلسائه تحدثاً بنعمة الله ، أو تبجحاً بها وتعجباً منها وتعريضاً للقرين بالتوبيخ .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

60-" إن هذا لهو الفوز العظيم " يحتمل أن يكون من كلامهم وأن يكون كلام الله سبحانه وتعالى لتقرير قوله والإشارة إلى ما هم عليه من النعمة والخلود والأمن من العذاب .

لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ

61-" لمثل هذا فليعمل العاملون " أي لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام ، وهو أيضاً يحتمل الأمرين .

أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ

62-" أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم " شجرة ثمرها نزل أهل النار ، وانتصاب " نزلاً " على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقال للنازل ولهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام ، وكذلك الزقوم لأهل النار ، وهو : اسم شجرة صغيرة الورق ذفر مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة .

إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ

63-" إنا جعلناها فتنة للظالمين " محنة وعذاباً لهم في الآخرة ،أو ابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا كيف ذلك والنار تحرق الشجر ، ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويلتذ بها فهو على خلق الشجرة في النار حفظه من الإحراق .

إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ

64-" إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم " منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها .

طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ

65-" طلعها " حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل ، أو الطلوع من الشجر . " كأنه رؤوس الشياطين " في تناهي القبح والهول ، وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك . وقيل " الشياطين " حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف ، ولعلها سميت بها لذلك .

فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ

66-" فإنهم لآكلون منها " من الشجرة أو من طلعها . " فمالئون منها البطون " لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها .

ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ

67-" ثم إن لهم عليها " أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ، ويجوز أن يكون ثم لما في شربهم من مزيد الكراهة والبشاعة ." لشوباً من حميم " لشراباً من غساق ، أو صديد مشوياً بماء حميم يقطع أمعاءهم ، وقرئ بالضم وهو اسم ما يشاب به والأول مصدر سمي به .

ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ

68-" ثم إن مرجعهم " مصيرهم . " لإلى الجحيم " إلى دركاتها أو إلى نفسها ، فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم ، وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى : " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن " يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ، ويؤيده أنه قرئ ثم إن منقلبهم .

إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ

69-" إنهم ألفوا آباءهم ضالين " .

فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ

70-" فهم على آثارهم يهرعون " تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال ، والإهراع : الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على " آثارهم " ، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث .

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ

71-" ولقد ضل قبلهم " قبل قومك . " أكثر الأولين " .

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ

72-" ولقد أرسلنا فيهم منذرين " أنبياء أنذرهم من العواقب .

فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ

73-" فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " من الشدة والفظاعة .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

74-" إلا عباد الله المخلصين " إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله ، وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضاً سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم .

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ

75-" ولقد نادانا نوح " شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها ، أي ولقد دعانا حين أيس من قومه . " فلنعم المجيبون " أي فأجبناه أحسن الإجابة فوالله لنعم المجيبون نحن ، فحذف منها ، ما حذف لقيام ما يدل عليه .

وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

76-" ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " من الغرق أو أذى قومه .

وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ

77-" وجعلنا ذريته هم الباقين " إذ هلك من عداهم وبقوا متناسلين إلى يوم القيامة ، إذ روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير بنيه وأزواجهم .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

78-" وتركنا عليه في الآخرين " من الأمم .

سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ

79-" سلام على نوح " هذا الكلام جيء به على الحكاية والمعنى يسلمون عليه تسليماً .وقيل هو سلام من الله عليه ومفعول " تركنا " محذوف مثل الثناء . " في العالمين " متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعاً .

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

80-" إنا كذلك نجزي المحسنين " تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

81-" إنه من عبادنا المؤمنين " تعليل لإحسانه بالإيمان إظهاراً لجلاله قدره وأصالة أمره .

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ

82-" ثم أغرقنا الآخرين " يعني كفار قومه .

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ

83-" وإن من شيعته " ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة . " لإبراهيم " ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالباً ، وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة ، وكان بينهما نبيان هود وصالح عليهما الصلاة والسلام .

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

84-" إذ جاء ربه " متعلق بما في الشريعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر . " بقلب سليم " من آفات القلوب أو من العلائق خالص لله أو مخلص له ، قيل حزين من السليم بمعنى اللديغ ، ومعنى المجيء به ربه : إخلاصه له كأنه جاء به متحفاً إياه .

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ

85-" إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون " بدل من الأولى أو ظرف لـ " جاء " أو " سليم " .

أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ

86-" أئفكاً آلهةً دون الله تريدون " أي تريدون آلهة دون الله إفكاً مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل ومبنى أمرهم على الافك ، ويجوز أن يكون " إفكاً " مفعولاً به و " آلهة " بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة ، أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالاً بمعنى إفكين .

فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

87-" فما ظنكم برب العالمين " بمن هو حقيق بالعبادة لكونه رباً للعالمين حتى تركتم عبادته ، أو أشركتم به غيره أو أمنتم عن عذابه ، والمعنى إنكار ما يوجب ظناً فضلاً عن قطع يصد عن عبادته ، أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام وهو كالحجة على ما قبله .

فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ

88-" فنظر نظرةً في النجوم " فرأى مواقعها واتصالاتها ، أو في علمها أو في كتابها ، ولا منع منه مع أن قصده إيهامهم وذلك حين سألوا أن يعبد معهم .

فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ

89-" فقال إني سقيم " أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم ، فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى ، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم ، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجاً قل من يخلو منه أو يصدد الموت ومنه المثل : كفى بالسلامة داء ، وقول لبيد : فدعوت ربي بالسلامة جاهداً ليصحبني فإذا السلامة داء

فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ

90-" فتولوا عنه مدبرين " هاربين مخافة العدوى .

فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ

91-" فراغ إلى آلهتهم " فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة . " فقال " أي للأصنام استهزاء . " ألا تأكلون " يعني الطعام الذي كان عندهم .

مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ

92-" ما لكم لا تنطقون " بجوابي .

فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ

93-" فراغ عليهم " فمال عليهم مستخفياً ، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه . " ضرباً باليمين " مصدر لراغ عليهم لأنه في معنى ضربهم ، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم بضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن الآلة تستدعي قوة الفعل ، وقيل " باليمين " بسبب الحلف وهو قوله : " تالله لأكيدن أصنامكم " .

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ

94-" فأقبلوا إليه " إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله : " من فعل هذا بآلهتنا " "يزفون" يسرعون من زفيف النعام . وقرأ حمزة على بناء المفعول من أزفه أي يحملون على الزفيف . وقرئ " يزفون " أي يزف بعضهم بعضاً ، و يزفون من وزف يزف إذا أسرع و يزفون من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه .

قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ

95-" قال أتعبدون ما تنحتون " ما تنحتونه من الأصنام .

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ

96-" والله خلقكم وما تعملون " أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ، ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد ، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون ، أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك ، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز .

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ

97-" قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم " في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأرجح ، واللام بدل الإضافة أي جحيم ذلك البنيان .

فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ

98-" فأرادوا به كيدا " فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم . " فجعلناهم الأسفلين " الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً نيراً على علو شأنه ، حيث جعل النار عليه برداً وسلاماً .

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ

99-" وقال إني ذاهب إلى ربي " إلى حيث أمرني ربي وهو الشام ، أو حيث أتجرد فيه لعبادته . " سيهدين " إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي ، وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله ، أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين " قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " فلذلك ذكر بصيغة التوقع .

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

100-" رب هب لي من الصالحين " بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة ، يعني الولد لأن لفظ الهبة غالبة فيه ولقوله :

فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ

101-" فبشرناه بغلام حليم " بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أوان الحلم ، فإن الصبي لا يوصف بالحلم ويكون حليماً وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " . وقيل ما نعت الله نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما الصلاة والسلام ، وحالهما المذكورة بعد تشهد عليه .

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ

102-‌" فلما بلغ معه السعي " أي جد وبلغ أن يسعى معه في أعماله ، و " معه " متعلق بمحذوف دل عليه " السعي " لا به لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معاً كأنه لما قال " فلما بلغ معه السعي " فقيل مع من فقيل " معه " ، وتخصيصه لأن الأب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أوانه ، أو لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة . " قال يا بني " وقرأ حفص بفتح الياء . " إني أرى في المنام أني أذبحك " يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره ، وقيل إنه رأى ليلة التروية أن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك ، فلما أصبح روي أنه من الله أو من الشيطان ، فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره وقال له ذلك ، ولهذا سميت الأيام الثلاثة الأولى بالتروية وعرفة والنحر ، والأظهر أن المخاطب إسماعيل عليه السلام لأنه الذي وهب له أثره الهجرة ولأن البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ، ولقوله عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين . فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبدالله ، فإن جده عبد المطلب نذر أن يذبح ولداً إن سهل الله له حفر زمزم أو بلغ بنوه عشرة ، فلما سهل أقرع فخرج السهم على عبد الله ففداه بمائة من الإبل ، ولذلك سنت الدية مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير ، ولم يكن إسحاق ثمة ولأن البشارة كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقاً ، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي النسب أشرف فقال : يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن خليل الله ، فالصحيح أنه قال : فقال : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم والزوائد من الراوي . وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت . وقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو بفتح الياء فيهما " فانظر ماذا ترى " من الرأي ، وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ، ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله ، وقرأ حمزة و الكسائي ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء خالصة ، والباقون بفتحها و أبو عمرو يميل فتحة الراء وورش بين بين والباقون بإخلاص فتحها . " قال يا أبت " وقرأ ابن عامر بفتح التاء . " افعل ما تؤمر " أي ما تؤمر به فحذفا دفعة ، أو على الترتيب كما عرفت أو أمرك على إرادة المأمور به والإضافة إلى المأمور ، أو لعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأموراً به ، أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر ، ولعل الأمر في المنام دون اليقظة لتكون مبادرتها إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص ، وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا . " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " على الذبح أو على قضاء الله ، وقرأ نافع بفتح الياء .

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ

103-" فلما أسلما " استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه ، وقد قرئ بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه . " وتله للجبين " صرعه على شقه جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة . وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيراً يرق له فلا يذبحه ، وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده ، أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم .

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ

104-" وناديناه أن يا إبراهيم " .

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

105-" قد صدقت الرؤيا " بالعزم والإتيان بالمقدمات . وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مراراً فلم تقطع ، وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال ، من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله ، وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك . " إنا كذلك نجزي المحسنين " تعليل لإفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما ، واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأموراً بالذبح لقوله " يا أبت افعل ما تؤمر " ولم يحصل .

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ

106-" إن هذا لهو البلاء المبين " الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره ، أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا اصعب منها .

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

107-" وفديناه بذبح " بما يذبح بدله فيتم به الفعل . " عظيم " عظيم الجثة سمين ، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين . قيل كان كبشاً من الجنة . وقيل وعلاً أهبط عليه من ثبير . وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والأمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

108-" وتركنا عليه في الآخرين " .

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ

109-" سلام على إبراهيم " سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام .

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

110-" كذلك نجزي المحسنين " لعله عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

111-" إنه من عبادنا المؤمنين " .

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ

112-" وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين " مقضياً نبوته مقدراً كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ، فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال ، فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملاً فيهما مثلاً و " بشرناه " بوجود أسحق أي بأن يوجد أسحق نبياً من الصالحين ، ومع ذلك لا يصير نظير قوله : " فادخلوها خالدين " فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن نبوة مقدراً نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد ، ومن فسر الذبيح بإسحاق جعل المقصود من البشارة نبوته ، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق .

وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ

113-" وباركنا عليه " على إبراهيم في أولاده . " وعلى إسحاق " بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب ، أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ،وقرئ وبركنا . " ومن ذريتهما محسن " في عمله أو إلى نفسه بالإيمان والطاعة . " وظالم لنفسه " بالكفر والمعاصي . " مبين " ظاهر ظلمه ، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابها لا يعود عليهما بنقيصه وعيب .

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ

114-" ولقد مننا على موسى وهارون " أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية .

وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

115-" ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم " من تغلب فرعون أو الغرق .

وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ

116-" ونصرناهم " ثم الضمير لهما مع القوم . " فكانوا هم الغالبين " على فرعون وقومه .

وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ

117-" وآتيناهما الكتاب المستبين " البليغ في بيانه وهو التوراة .

وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

118-" وهديناهما الصراط المستقيم " الطريق الموصل إلى الحق والصواب .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ

119-" وتركنا عليهما في الآخرين " .

سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ

120-" سلام على موسى وهارون " .

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

121-" إنا كذلك نجزي المحسنين " .

إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

122-" إنهما من عبادنا المؤمنين " سبق مثل ذلك .

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

123-" وإن إلياس لمن المرسلين " هو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده . وقيل إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكانه وفي حرف أبي رضي الله عنه . وقيل إبليس وقرأ ابن ذكوان مع خلاف عنه بحذف همزة إلياس .

إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ

124-" إذ قال لقومه ألا تتقون " عذاب الله .

أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ

125-" أتدعون بعلاً " أتعبدونه الخير منه ، وهو اسم صنم كان لأهل بك من الشام وهو البلد الذي يقال له الآن بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن ، والمعنى أتدعون بعض البعول . " وتذرون أحسن الخالقين " وتتركون عبادته ، وقد أشار فيه إلى المقتضي للإنكار المعني بالهمزة ثم صرح به بقوله :

اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ

126-" الله ربكم ورب آبائكم الأولين " وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب و حفص بالنصب على البدل .

فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

127-" فكذبوه فإنهم لمحضرون " أي في العذاب ، وإنما أطلقه اكتفاء منه بالقرينة ، أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفاً .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

128-" إلا عباد الله المخلصين " مستثنى من الواو لا من المحضرين لفساد المعنى .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ

129-" وتركنا عليه في الآخرين " .

سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ

130-" سلام على إل ياسين " لغة في الياس كسيناه وسينين ، وقيل جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين ، لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين وهو قليل ملبس ، وقرأ نافع و ابن عامر و يعقوب على إضافة " آل " إلى " ياسين " لأنهما في المصحف مفصولان فيكون " ياسين " أبا " إلياس " ، وقيل محمد عليه الصلاة والسلام أو القرآن أو غيره من كتب الله والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله :

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

131-" إنا كذلك نجزي المحسنين " .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ

132-" إنه من عبادنا المؤمنين " إذ الظاهر أن الضمير لإلياس .

وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

133-" وإن لوطاً لمن المرسلين " .

إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ

134-" إذ نجيناه وأهله أجمعين " .

إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ

135-" إلا عجوزاً في الغابرين " .

ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ

136-" ثم دمرنا الآخرين " سبق بيانه .

وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ

137-" وإنكم " يا أهل مكة . " لتمرون عليهم " على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه ." مصبحين " داخلين في الصباح .

وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

138-" وبالليل " أي ومساء أو نهاراً وليلاً ،ولعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحاً والقاصد لها مساء . " أفلا تعقلون " أفليس فيكم عقل تعتبرون به .

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

139-" وإن يونس لمن المرسلين " وقرئ بكسر النون .

إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

140-" إذ أبق " هرب ، وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه . " إلى الفلك المشحون " المملوء .

فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

141-" فساهم " فقارع أهله . " فكان من المدحضين " فصار من المغلوبين بالقرعة ، وأصله المزلق عن مقام الظفر . روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله ، فركب السفينة فوقفت فقالوا : ها هنا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه ، فقال ، أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء .

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ

142-" فالتقمه الحوت " فابتلعه من اللقمة . " وهو مليم " داخل في الملامة ، أو آت بما يلام عليه أو مليم نفسه ، وقرئ بالفتح مبنياً من ليم كمشيب في مشوب .

فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ

143-" فلولا أنه كان من المسبحين " الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح مدة عمره ، أو في بطن الحوت وهو قوله " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وقيل من المصلين .

لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

144-" للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " حياً وقيل ميتاً ، وفيه حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ، ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء .

فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ

145-" فنبذناه " بأن حملنا الحوت على لفظه . " بالعراء " بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت . روي أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه ، واختلف في مدة لبثه فقبل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة ، وقيل عشرون وقيل أربعون . " وهو سقيم " مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد .

وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ

146-" وأنبتنا عليه " أي فوق مظلة عليه . " شجرةً من يقطينً " من شجر ينبسط على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه ، يفعيل من قطن بالمكان إذا قام به ، والأكثر على أنها كانت الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه ، ويدل عليه أنه "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لتحب القرع ، قال : أجل هي شجرة أخي يونس " . وقيل التين وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره .

وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ

147-" وأرسلناه إلى مائة ألف " هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى ، والمراد ما سبق من إرساله أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم . " أو يزيدون " في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم ، قال هم مائة ألف أو يزيدون والمراد الوصف بالكثرة وقرئ بالواو .

فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ

148-" فآمنوا " فصدقوه أو فجددوا الإيمان به بمحضره . " فمتعناهم إلى حين " إلى أجلهم المسمى ، ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع الكبر وأولي العزم من الرسل ، أو اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة .

فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ

149-" فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون " معطوف على مثله ، في أول السورة أمر رسوله أولاً باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث ، وساق الكلام في تقريره جاراً لما يلائمه من القصص موصولاً بعضها ببعض ، ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم : الملائكة بنات الله ، وهؤلاء زادوا الشرك ضلالات أخر ، التجسيم و تجويز الفناء على الله تعالى ، فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة ، وتفضيل أنفسهم عليه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم ، واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مراراً ، وجعله مما " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " ، والإنكار ها هنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما ، أو لأن فسادهما مما تدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل للاستفهام عن التقسيم .

أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ

150-" أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون " وإنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها ، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء ، والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يبتون به كأنهم قد شاهدوا خلقهم .

أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ

151-" ألا إنهم من إفكهم ليقولون " .

وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

152-" ولد الله " لعدم ما يقتضيه وقيام ما ينفيه . " وإنهم لكاذبون " فيما يتدينون به ، وقرئ ولد الله أي الملائكة ولده ، فعل بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث .

أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ

153-" أصطفى البنات على البنين " استفهام إنكار واستبعاد ، والاصطفاء أخذ صفوة الشيء ، وعن نافع كسر الهمزة على حذف حرف الاستفهام لدلالة أم بعدها عليها أو على الإثبات بإضمار القول أي : لكاذبون في قولهم اصطفى ، أو إبداله من " ولد الله " .

مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

154-" ما لكم كيف تحكمون " بما لا يرتضيه عقل .

أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

155-" أفلا تذكرون " أنه منزه عن ذلك .

أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ

156-" أم لكم سلطان مبين " حجة واضحة عليكم من السماء بأن الملائكة بناته .

فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

157-" فاتوا بكتابكم " الذي أنزل عليكم . " إن كنتم صادقين " في دعواكم .

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

158-" وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً " يعني الملائكة ذكرهم باسم جنسهم وضعاً منهم أن يبلغوا هذه المرتبة ، وقيل قالوا إن الله تعالى صاهر الجن فخرجت الملائكة ، وقيل قالوا الله والشياطين إخوان . " ولقد علمت الجنة إنهم " إن الكفرة أو الإنس والجن إن فسرت بغير الملائكة " لمحضرون " في العذاب .

سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ

159-" سبحان الله عما يصفون " من الولد والنسب .

إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

160-" إلا عباد الله المخلصين " استثناء من المحضرين منقطع ، أو متصل إن فسر الضمير بما يعمهم وما بينهم اعتراض أو من " يصفون " .

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ

161-" فإنكم وما تعبدون " عود إلى خطابهم .

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ

162-" ما أنتم عليه " على الله . " بفاتنين " مفسدين الناس بالإغواء .

إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ

163-" إلا من هو صال الجحيم " إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار ويصلاها لا محالة . " وأنتم " ضمير لهم ولآلهتهم غلب فيه المخاطب على الغائب ، ويجوز أن يكون " وما تعبدون " لما فيه من معنى المقارنة ساداً مسد الخبر أي إنكم وآلهتكم قرناء لا تزالون تعبدونها ، ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين بباعثين على طريق الفتنة إلا ضالاً مستوجباً للنار مثلكم ، وقرئ " صال " بالضم على أنه جمع محمول على معنى من ساقط واوه لالتقاء الساكنين ، أو تخفيف صائل على القلب كشاك في شائك ، أو المحذوف منه كالمنسي كما في قولهم : ما باليت به بالة ، فإن أصلها بالية كعافية .

وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ

164-" وما منا إلا له مقام معلوم " حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم والمعنى : وما منا أحد إلا له مقام معلوم في المعرفة والعبادة والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم ، ويحتمل أن يكون هذا وما قبله من قوله " سبحان الله " من كلامهم ليتصل بقوله : " ولقد علمت الجنة " كأنه قال ولقد علمت الملائكة أن المشركين معذبون بذلك وقالوا " سبحان الله " تنزيهاً له عنه ، ثم استثنوا " المخلصين " تبرئة لهم منه ، ثم خاطبوا المشركين بأن الافتتان بذلك للشقاوة المقدرة ، ثم اعترفوا بالعبودية وتفاوت مراتبهم فيه لا يتجاوزونها فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه .

وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ

165-" وإنا لنحن الصافون " في أداء الطاعة ومنازل الخدمة .

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ

166-" وإنا لنحن المسبحون " المنزهون الله عما لا يليق به ، ولعل الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة وهذا في المعارف ، وما في أن واللام وتوسيط الفصل من التأكيد والاختصاص لأنهم المواظبون على ذلك دائماً من غير فترة دون غيرهم . وقيل هو من كلام النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين والمعنى : وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله يوم القيامة ، " وإنا لنحن الصافون " له في الصلاة والمنزهون له عن السوء .

وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ

167-" وإن كانوا ليقولون " أي مشركو قريش .

لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ

168-" لو أن عندنا ذكراً من الأولين " كتاباً من الكتب التي نزلت عليهم .

لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

169-" لكنا عباد الله المخلصين " لأخلصنا العبادة له ولم نخالف مثلهم .

فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ

170-" فكفروا به " أي لما جاءهم الذكر الذي هو أشرف الأذكار والمهيمن عليها . " فسوف يعلمون " عاقبة كفرهم .

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ

171-" ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين " أي وعدنا لهم النصر والغلبة وهو قوله :

إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ

172-" إنهم لهم المنصورون " .

وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ

173-" وإن جندنا لهم الغالبون " وهو باعتبار الغالب والمقضي بالذات ، وإنما سماه كلمة وهي كلمات لانتظامهم في معنى واحد .

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ

174-" فتول عنهم " فأعرض عنهم . " حتى حين " هو الموعد لنصرك عليهم وهو يوم بدر ، وقيل يوم الفتح .

وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ

175-" وأبصرهم " على ما ينالهم حينئذ والمراد بالأمر الدلالة على أن ذلك كائن قريب كأنه قدامه . " فسوف يبصرون " ما قضينا لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة ، و سوف للوعيد لا للتبعيد .

أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ

176-" أفبعذابنا يستعجلون " روي أنه لما نزل " فسوف يبصرون " قالوا متى هذا فنزلت .

فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ

177-" فإذا نزل بساحتهم " فإذا نزل العذاب بفنائهم ، شبهه بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة ، وقيل الرسول وقرئ نزل على إسناده إلى الجار والمجرور و نزل أي العذاب . " فساء صباح المنذرين " فبئس صباح المنذرين صباحهم ، واللام للجنس والـ " صباح " مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ، ولما كثر فيهم الهجوم والغارة في الصباح سموا الغارة صباحاً وإن وقعت في وقت آخر .

وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ

178-" وتول عنهم حتى حين " .

وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ

179-" وأبصر فسوف يبصرون " بأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد للإشعار بأنه يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة ، أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة .

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ

180-" سبحان ربك رب العزة عما يصفون " عما قاله المشركون فيه على ما حكي في السورة ، وإضافة الرب إلى العزة لاختصاصها به إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه ، وقد أدرج فيه جملة صفاته السلبية والثبوتية مع الإشعار بالتوحيد .

وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ

181-" وسلام على المرسلين " تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم .

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

182-" والحمد لله رب العالمين " على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة ولذلك أخره عن التسليم ، والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله . وعن علي رضي الله عنه : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه : سبحان ربك إلى آخر السورة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان ، وتباعدت عنه مردة الجن والشياطين ، وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمناً بالمرسلين " .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس