islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
12560

5-المائدة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّة , وَصَدَّقُوا رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّته وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ شَرَائِع دِينه , { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبّكُمْ وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا إِيَّاهُ , وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا , فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَال وَالتَّمَام مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمكُمْ بِهَا , وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْد تَوْكِيدهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْعُقُود الَّتِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا بِهَذِهِ الْآيَة , بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعُقُود : الْعُهُود ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْعُقُول الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة عَاقَدَ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى النُّصْرَة وَالْمُؤَازَرَة وَالْمُظَاهَرَة عَلَى مَنْ حَاوَلَ ظُلْمه أَوْ بَغَاهُ سُوءًا , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْحِلْف الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَهُ بَيْنهمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْعُقُود الْعُهُود : 8560 -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : بِالْعُهُودِ . | 8561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود . | * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 8562 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : | جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل يُحَدِّثهُمْ , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . | * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود . | 8563 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : | { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . | * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } بِالْعُهُودِ . | 8564 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : بِالْعُهُودِ . | 8565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : هِيَ الْعُهُود . | 8566 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : سَمِعْت الثَّوْرِيّ يَقُول : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : بِالْعُهُودِ . | * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعُقُود : جَمْع عَقْد , وَأَصْل الْعَقْد : عَقْد الشَّيْء بِغَيْرِهِ , وَهُوَ وَصْله بِهِ , كَمَا تُعْقَد الْحَبْل بِالْحَبْلِ : إِذَا وُصِلَ بِهِ شَدًّا , يُقَال مِنْهُ : عَقَدَ فُلَان بَيْنه وَبَيْن فُلَان عَقْدًا فَهُوَ يَعْقِدهُ , وَمِنْهُ قَوْل الْحُطَيْئَة : <br>قَوْم إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمْ .......... شَدُّوا الْعِنَاج وَشَدُّوا فَوْقه الْكَرَبَا <br>وَذَلِكَ إِذَا وَاثَقَهُ عَلَى أَمْر , وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ , مِنْ أَمَان وَذِمَّة , أَوْ نُصْرَة , أَوْ نِكَاح , أَوْ بَيْع , أَوْ شَرِكَة , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعُقُود . ذِكْرُ مَنْ قَالَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ قَالَهُ فِي الْمُرَاد مِنْ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } 8567 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَيْ بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّة . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : |أَوْفُوا بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّة , وَلَا تُحْدِثُوا عَقْدًا فِي الْإِسْلَام | . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ فُرَات بْن حَيَّان الْعِجْلِيّ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِلْف الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَعَلَّك تَسْأَل عَنْ حِلْف لَخْم وَتَيْمِ اللَّه | فَقَالَ : نَعَمْ يَا نَبِيّ اللَّه , قَالَ : | لَا يَزِيدهُ الْإِسْلَام إِلَّا شِدَّة | 8568 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : عُقُود الْجَاهِلِيَّة : الْحِلْف . | وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْحِلْف الَّتِي أَخَذَ اللَّه عَلَى عِبَاده بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَته فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8569 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } يَعْنِي : مَا أَحَلَّ , وَمَا حَرَّمَ , وَمَا فَرَضَ , وَمَا حَدَّ فِي الْقُرْآن كُلّه , فَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَنْكُثُوا ; ثُمَّ شَدَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل } 000 إِلَى قَوْله : { سُوء الدَّار } . | 8570 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } مَا عَقَدَ اللَّه عَلَى الْعِبَاد مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . | وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعُقُود الَّتِي يَتَعَاقَدهَا النَّاس بَيْنهمْ وَيَعْقِدهَا الْمَرْء عَلَى نَفْسه . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8571 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , قَالَ : | الْعُقُود خَمْس : عُقْدَة الْإِيمَان , وَعُقْدَة النِّكَاح , وَعُقْدَة الْعَهْد , وَعُقْدَة الْبَيْع , وَعُقْدَة الْحِلْف . | * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَكِيع . عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَوْ عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : | { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : عَقْد الْعَهْد وَعَقْد الْيَمِين , وَعَقْد الْحِلْف , وَعَقْد الشَّرِكَة , وَعَقْد النِّكَاح . قَالَ : هَذِهِ الْعُقُود خَمْس . | 8572 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن سَعِيد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : ثنا أَبِي فِي قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : | { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُقُود خَمْس : عُقْدَة النِّكَاح , وَعَقْد الشَّرِكَة , وَعَقْد الْيَمِين , وَعُقْدَة الْعَهْد , وَعُقْدَة الْحِلْف . | وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ الْآيَة أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى لِأَهْلِ الْكِتَاب بِالْوَفَاءِ بِمَا أُخِذَ بِهِ مِيثَاقهمْ مِنْ الْعَمَل بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فِي تَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8573 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : | { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } قَالَ : الْعُهُود الَّتِي أَخَذَهَا اللَّه عَلَى أَهْل الْكِتَاب أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا جَاءَهُمْ . | 8574 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني يُونُس , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن مُسْلِم . قَرَأْت كِتَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لِعَمْرِو بْن حَزْم حِين بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَان , فَكَانَ الْكِتَاب عِنْد أَبِي بَكْر بْن حَزْم , فِيهِ : هَذَا بَيَان مِنْ اللَّه وَرَسُوله { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } فَكَتَبَ الْآيَات مِنْهَا , حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : أَوْفُوا يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ وَعَقَدَهَا , فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَأَلْزَمَكُمْ فَرْضه , وَبَيَّنَ لَكُمْ حُدُوده . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْره مِنْ الْأَقْوَال ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَتْبَع ذَلِكَ الْبَيَان عَمَّا أَحَلَّ لِعِبَادِهِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَمْر مِنْهُ عِبَاده بِالْعَمَلِ بِمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَعُقُوده عَقِيب ذَلِكَ , وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ نَقْضِ مَا عَقَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ , مَعَ أَنَّ قَوْله : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } أَمْر مِنْهُ بِالْوَفَاءِ بِكُلِّ عَقْد أَذِنَ فِيهِ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُخَصّ مِنْهُ شَيْء حَتَّى تَقُوم حُجَّة بِخُصُوصِ شَيْء مِنْهُ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . فَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا , فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْأَمْر بِالْوَفَاءِ بِبَعْضِ الْعُقُود الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِالْوَفَاءِ بِهَا دُون بَعْض . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْفُوا } فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : | أَوْفُوا | مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَوْفَيْت لِفُلَانٍ بِعَهْدِهِ أُوفِي لَهُ بِهِ ; وَالْأُخْرَى مِنْ قَوْلهمْ : وَفَّيْت لَهُ بِعَهْدِهِ أَفِي . وَالْإِيفَاء بِالْعَهْدِ : إِتْمَامه عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطه الْجَائِزَة .|بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي ذَكَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَحَلَّهَا لَنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْأَنْعَام كُلّهَا . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8575 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : | بَهِيمَة الْأَنْعَام : هِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . | 8576 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : | { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . | 8577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا اِبْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : | { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . | 8578 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : | { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا . | 8579 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : | { بَهِيمَة الْأَنْعَام } هِيَ الْأَنْعَام . | وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } أَجِنَّة الْأَنْعَام الَّتِي تُوجَد فِي بُطُون أُمَّهَاتهَا إِذَا نُحِرَتْ أَوْ ذُبِحَتْ مَيْتَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8580 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْفَزَارِيّ , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : | { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } قَالَ : مَا فِي بُطُونهَا . قَالَ : قُلْت : إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا أَكَلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . (* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ إِدْرِيس الْأَوْدِيّ , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ , قَالَ : )نَعَمْ , هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِئَتهَا وَكَبِدهَا . (8581 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )الْجَنِين مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوهُ . (8582 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مِسْعَر وَسُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : )أَنَّ بَقَرَة نُحِرَتْ , فَوُجِدَ فِي بَطْنهَا جَنِين , فَأَخَذَ اِبْن عَبَّاس بِذَنَبِ الْجَنِين , فَقَالَ : هَذَا مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي أُحِلَّتْ لَكُمْ . (* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )هُوَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . (8583 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم وَمُؤَمَّل , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : )ذَبَحْنَا بَقَرَة , فَإِذَا فِي بَطْنهَا جَنِين , فَسَأَلْنَا اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : هَذِهِ بَهِيمَة الْأَنْعَام . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } الْأَنْعَام كُلّهَا , أَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا وَكِبَارهَا ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ تَسْمِيَة جَمِيع ذَلِكَ بَهِيمَة وَبَهَائِم , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْهَا شَيْئًا دُون شَيْء , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه وَظَاهِره حَتَّى تَأْتِي حُجَّة بِخُصُوصِهِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَأَمَّا النَّعَم فَإِنَّهَا عِنْد الْعَرَب : اِسْم لِلْإِبِلِ وَالْبَقَر وَالْغَنَم خَاصَّة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ثُمَّ قَالَ : { وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة } فَفَصَّلَ جِنْس النَّعَم مِنْ غَيْرهَا مِنْ أَجْنَاس الْحَيَوَان . وَأَمَّا بَهَائِمهَا فَإِنَّهَا أَوْلَادهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا : يَلْزَم الْكِبَار مِنْهَا اِسْم بَهِيمَة كَمَا يَلْزَم الصِّغَار ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : بَهِيمَة الْأَنْعَام , نَظِير قَوْله : وَلَد الْأَنْعَام ; فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُط مَعْنَى الْوِلَادَة عَنْهُ بَعْد الْكِبَر , فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُط عَنْهُ اِسْم الْبَهِيمَة بَعْد الْكِبَر . وَقَدْ قَالَ قَوْم : بَهِيمَة الْأَنْعَام : وَحْشِيّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَر الْوَحْش وَالْحُمُر .|الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَوْلَاد الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , إِلَّا مَا بَيَّنَ اللَّه لَكُمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم } الْآيَة . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بَهِيمَةُ الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } إِلَّا الْمَيْتَة وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا . )8585 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } أَيْ مِنْ الْمَيْتَة الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا وَقَدَّمَ فِيهَا . )8586 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : إِلَّا الْمَيْتَة , وَمَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ . )8587 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة , وَالدَّم , وَلَحْم الْخِنْزِير . )8588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْمَيْتَة وَلَحْم الْخِنْزِير . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } هِيَ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } الْخِنْزِير . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8589 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } قَالَ : الْخِنْزِير . )8590 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } يَعْنِي : الْخِنْزِير . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْرِيم اللَّه مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } الْآيَة ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اِسْتَثْنَى مِمَّا أَبَاحَ لِعِبَادِهِ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا , وَاَلَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَإِنْ كَانَ حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْنَا فَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فَيُسْتَثْنَى مِنْهَا , فَاسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا دَخَلَ فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء أَشْبَهَ مِنْ اِسْتِثْنَاء مَا حَرَّمَ مِمَّا لَمْ يَدْخُل فِي جُمْلَة مَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء .|عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام . فَذَلِكَ عَلَى قَوْلهمْ مِنْ الْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , فَ | غَيْر | مَنْصُوب عَلَى قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة عَلَى الْحَال مِمَّا فِي قَوْله : | أَوْفُوا | , مِنْ ذِكْر الَّذِينَ آمَنُوا . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبهمْ : أَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَهَا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابه , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْوَحْشِيَّة مِنْ الظِّبَاء وَالْبَقَر وَالْحُمُر , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد : غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا , وَأَنْتُمْ حُرُم , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ . فَ | غَيْر | عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ مَنْصُوب عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : | لَكُمْ | بِتَأْوِيلِ : أُحِلَّتْ لَكُمْ أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَهِيمَة الْأَنْعَام , لَا مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد فَلَا يَحِلّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُم . فَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَجَّهَ الْكَلَام إِلَى مَعْنَى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام كُلّهَا , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , إِلَّا مَا يُبَيَّن لَكُمْ مِنْ وَحْشِيّهَا , غَيْر مُسْتَحِلِّي اِصْطِيَادهَا فِي حَال إِحْرَامكُمْ , فَتَكُون | غَيْر | مَنْصُوبَة عَلَى قَوْلهمْ عَلَى الْحَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8591 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : (جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام صَيْدًا , غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَهُوَ عَلَيْكُمْ حَرَام . يَعْنِي : بَقَر الْوَحْش وَالظِّبَاء وَأَشْبَاهه . )8592 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : ( { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } قَالَ : الْأَنْعَام كُلّهَا حِلّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا , فَإِنَّهُ صَيْد , فَلَا يَحِلّ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا تَظَاهَرَ بِهِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مِنْ أَنَّهَا الْأَنْعَام وَأَجِنَّتهَا وَسِخَالهَا , وَعَلَى دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم , فَقَدْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام فِي حَال إِحْرَامكُمْ أَوْ غَيْرهَا مِنْ أَحْوَالكُمْ , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمه مِنْ الْمَيْتَة مِنْهَا وَالدَّم وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : إِلَّا الصَّيْد , لَقِيلَ : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد غَيْر مُحِلِّيهِ , وَفِي تَرْك اللَّه وَصْل قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } بِمَا ذَكَرْت , وَإِظْهَار ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } خَبَر مُتَنَاهِيَة قِصَّته , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } مُنْفَصِل مِنْهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْله : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام } مَقْصُودًا بِهِ قَصْد الْوَحْش , لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } وَجْه وَقَدْ مَضَى ذِكْره قَبْل , وَلَقِيلَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام , إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ , غَيْر مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُم . وَفِي إِظْهَاره ذِكْر الصَّيْد فِي قَوْله : { غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد } أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْعَرَب رُبَّمَا أَظْهَرَتْ ذِكْر الشَّيْء بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْره بِاسْمِهِ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا ضَرُورَة شِعْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَل مِنْ كَلَامهمْ , وَتَوْجِيه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَفْصَح مِنْ لُغَات مَنْ نَزَلَ كَلَامه بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيل مِنْ صَرْفه إِلَى غَيْر ذَلِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّه الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ , مِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ , لَا مُحِلِّينَ الصَّيْد فِي حُرُمكُمْ , فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام الْمُذَكَّاة دُون مَيْتَتهَا مُتَّسَع لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنْ الصَّيْد فِي حَال إِحْرَامكُمْ .|حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه يَقْضِي فِي خَلْقه مَا يَشَاء مِنْ تَحْلِيل مَا أَرَادَ تَحْلِيله , وَتَحْرِيم مَا أَرَادَ تَحْرِيمه , وَإِيجَاب مَا شَاءَ إِيجَابه عَلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَقَضَايَاهُ , فَأَوْفُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْلِيل مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَتَحْرِيم مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ عُقُوده فَلَا تَنْكُثُوهَا وَلَا تَنْقُضُوهَا . كَمَا : 8593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا يُرِيد } إِنَّ اللَّه يَحْكُم مَا أَرَادَ فِي خَلْقه , وَبَيَّنَ لِعِبَادِهِ , وَفَرَضَ فَرَائِضه , وَحَدَّ حُدُوده , وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته .)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْل اللَّه : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا تُحِلُّوا حُرُمَات اللَّه , وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُوده . كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا الشَّعَائِر إِلَى الْمَعَالِم , وَتَأَوَّلُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه : مَعَالِم حُدُود اللَّه , وَأَمْره , وَنَهْيه , وَفَرَائِضه . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8594 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , قَالَ : ثنا حَبِيب الْمُعَلَّم , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَعَائِر اللَّه , فَقَالَ : (حُرُمَات اللَّه : اِجْتِنَاب سَخَط اللَّه , وَاتِّبَاع طَاعَته , فَذَلِكَ شَعَائِر اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { لَا تُحِلُّوا } حَرَم اللَّه . فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْله : { شَعَائِر اللَّه } أَيْ مَعَالِم حَرَم اللَّه مِنْ الْبِلَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : أَمَّا شَعَائِر اللَّه : فَحَرَم اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِلُّوا مَنَاسِك الْحَجّ فَتُضَيِّعُوهَا . وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا مَعَالِم حُدُود اللَّه الَّتِي حَدَّهَا لَكُمْ فِي حَجّكُمْ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8596 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : مَنَاسِك الْحَجّ . )8597 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْت الْحَرَام , وَيُهْدُونَ الْهَدَايَا , وَيُعَظِّمُونَ حُرْمَة الْمَشَاعِر , وَيَتَّجِرُونَ فِي حَجّهمْ , فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِمْ , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } . )8598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { شَعَائِر اللَّه } الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَالْهَدْي , وَالْبُدْن , كُلّ هَذَا مِنْ شَعَائِر اللَّه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي حَال إِحْرَامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَالَ : شَعَائِر اللَّه : مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ أَنْ تُصِيبهُ وَأَنْتَ مُحْرِم . وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة , وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا مَعَالِم حُدُود اللَّه الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي إِحْرَامكُمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِقَوْلِهِ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } قَوْل عَطَاء الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوْجِيهه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى : لَا تُحِلُّوا حُرُمَات اللَّه , وَلَا تُضَيِّعُوا فَرَائِضه ; لِأَنَّ الشَّعَائِر جَمْع شَعِيرَة , وَالشَّعِيرَة : فَعِيلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ شَعَرَ فُلَان بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا عَلِمَ بِهِ , فَالشَّعَائِر : الْمَعَالِم مِنْ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : لَا تَسْتَحِلُّوا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَالِم اللَّه , فَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَعَالِم اللَّه كُلّهَا فِي مَنَاسِك الْحَجّ , مِنْ تَحْرِيم مَا حَرَّمَ اللَّه إِصَابَته فِيهَا عَلَى الْمُحْرِم , وَتَضْيِيع مَا نَهَى عَنْ تَضْيِيعه فِيهَا , وَفِيمَا حَرَّمَ مِنْ اِسْتِحْلَال حُرُمَات حَرَمه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ حُدُوده وَفَرَائِضه وَحَلَاله وَحَرَامه ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِنْ مَعَالِمه وَشَعَائِره الَّتِي جَعَلَهَا أَمَارَات بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , يَعْلَم بِهَا حَلَاله وَحَرَامه وَأَمْره وَنَهْيه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } لِأَنَّ اللَّه نَهَى عَنْ اِسْتِحْلَال شَعَائِره وَمَعَالِم حُدُوده , وَإِحْلَالهَا نَهْيًا عَامًّا مِنْ غَيْر اِخْتِصَاص شَيْء مِنْ ذَلِكَ دُون شَيْء , فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُوَجِّه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوص إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا حُجَّة بِذَلِكَ كَذَلِكَ .|اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } وَلَا تَسْتَحِلُّوا الشَّهْر الْحَرَام بِقِتَالِكُمْ بِهِ أَعْدَاءَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8600 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي : لَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالًا فِيهِ . )8601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلَا عِنْد الْبَيْت . )وَأَمَّا الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } فَرَجَب مُضَر , وَهُوَ شَهْر كَانَتْ مُضَر تُحَرِّم فِيهِ الْقِتَال . وَقَدْ قِيلَ : هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع ذُو الْقِعْدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (هُوَ ذُو الْقِعْدَة . )وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلَالَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَذَلِكَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ } |الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } </subtitle>أَمَّا الْهَدْي : فَهُوَ مَا أَهْدَاهُ الْمَرْء مِنْ بَعِير أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة أَوْ غَيْر ذَلِكَ إِلَى بَيْت اللَّه , تَقَرُّبًا بِهِ إِلَى اللَّه وَطَلَب ثَوَابه . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : فَلَا تَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَتُغْضِبُوا أَهْله عَلَيْهِ , وَلَا تَحُولُوا بَيْنهمْ وَبَيْن مَا أَهْدَوْا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغُوا بِهِ الْمَحِلّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مَحِلّه مِنْ كَعْبَته . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْهَدْي إِنَّمَا يَكُون هَدْيًا مَا لَمْ يُقَلَّد . 8603 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا الْهَدْي } قَالَ : الْهَدْي مَا لَمْ يُقَلَّد , وَقَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسه أَنْ يُهْدِيه وَيُقَلِّدهُ . )وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا تُحِلُّوا أَيْضًا الْقَلَائِد . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَلَائِد الَّتِي نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إِحْلَالهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالْقَلَائِدِ : قَلَائِد الْهَدْي ; وَقَالُوا : إِنَّمَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } وَلَا تُحِلُّوا الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَات مِنْهَا وَغَيْر الْمُقَلَّدَات ; فَقَوْله : { وَلَا الْهَدْي } مَا لَمْ يُقَلَّد مِنْ الْهَدَايَا , { وَلَا الْقَلَائِد } الْمُقَلَّد مِنْهَا . قَالُوا : وَدَلَّ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ النَّهْي عَنْ اِسْتِحْلَال الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَلَا الْقَلَائِد } الْقَلَائِد : مُقَلَّدَات الْهَدْي , وَإِذَا قَلَّدَ الرَّجُل هَدْيه فَقَدْ أَحْرَمَ , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَمِيصه فَلْيَخْلَعْهُ . )وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ : الْقَلَائِد الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَقَلَّدُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الْحَجّ مُقْبِلِينَ إِلَى مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , وَإِذَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى مَنَازِلهمْ مُنْصَرِفِينَ مِنْهَا , مِنْ الشَّعْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8605 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , فَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَتَقَلَّد إِذَا أَرَادَ الْخُرُوج مِنْ الْحَرَم أَوْ خَرَجَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم فَيَأْمَن بِذَلِكَ مِنْ سَائِر قَبَائِل الْعَرَب أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِسُوءٍ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8606 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء : ( { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر الْحَرَم , يَأْمَنُونَ بِذَلِكَ إِذَا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَم , فَنَزَلَتْ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . )8607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : اللِّحَاء فِي رِقَاب النَّاس وَالْبَهَائِم أَمْنٌ لَهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8608 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : إِنَّ الْعَرَب كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاء شَجَر مَكَّة , فَيُقِيم الرَّجُل بِمَكَانِهِ , حَتَّى إِذَا اِنْقَضَتْ الْأَشْهُر الْحُرُم فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِع إِلَى أَهْله قَلَّدَ نَفْسه وَنَاقَته مِنْ لِحَاء الشَّجَر , فَيَأْمَن حَتَّى يَأْتِي أَهْله . )8609 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : الْقَلَائِد : كَانَ الرَّجُل يَأْخُذ لِحَاء شَجَرَة مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدهَا , ثُمَّ يَذْهَب حَيْثُ شَاءَ , فَيَأْمَن بِذَلِكَ , فَذَلِكَ الْقَلَائِد . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { وَلَا الْقَلَائِد } أَنْ يَنْزِعُوا شَيْئًا مِنْ شَجَر الْحَرَم فَيَتَقَلَّدُوهُ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ فِي جَاهِلِيَّتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8610 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : ( { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر , فَيَتَقَلَّدُونَهَا , فَيَأْمَنُونَ بِهَا مِنْ النَّاس , فَنَهَى اللَّه أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . )8611 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : (جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَر مَكَّة مِنْ لِحَاء السَّمُر فَيَتَقَلَّدُونَ , فَيَأْمَنُونَ بِهَا فِي النَّاس , فَنَهَى اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يُنْزَع شَجَرهَا فَيُتَقَلَّد . )وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَلَا الْقَلَائِد } إِذْ كَانَتْ مَعْطُوفَة عَلَى أَوَّل الْكَلَام , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام مَا يَدُلّ عَلَى اِنْقِطَاعهَا عَنْ أَوَّله , وَلَا أَنَّهُ عَنَى بِهَا النَّهْي عَنْ التَّقَلُّد أَوْ اِتِّخَاذ الْقَلَائِد مِنْ شَيْء ; أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَلَا تُحِلُّوا الْقَلَائِد . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ أَوْلَى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ نَهْي مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ اِسْتِحْلَال حُرْمَة الْمُقَلَّد هَدْيًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ إِنْسَانًا , دُون حُرْمَة الْقِلَادَة ; وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِنَّمَا دَلَّ بِتَحْرِيمِهِ حُرْمَة الْقِلَادَة عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُرْمَة الْمُقَلَّد , فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِهِ الْقَلَائِد مِنْ ذِكْر الْمُقَلَّد , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ مَعْنَى مَا أُرِيد بِهِ . فَمَعْنَى الْآيَة إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه , وَلَا الشَّهْر الْحَرَام , وَلَا الْهَدْي , وَلَا الْمُقَلَّد بِقِسْمَيْهِ بِقَلَائِد الْحَرَم . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض الشُّعَرَاء فِي شِعْره , مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ تَأَوَّلَ الْقَلَائِد أَنَّهَا قَلَائِد لِحَاء شَجَر الْحَرَم الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهُ , فَقَالَ وَهُوَ يَعِيب رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلَيْنِ كَانَا تَقَلَّدَا ذَلِكَ : <br>أَلَمْ تَقْتُلَا الْحِرْجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا .......... يُمِرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاء الْمُضَفَّرَا <br>وَالْحَرِجَانِ : الْمَقْتُولَانِ كَذَلِكَ . وَمَعْنَى قَوْله : أَعْوَرَاكُمَا : أَمْكَنَاكُمَا مِنْ عَوْرَتهمَا .|الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْره { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } وَلَا تُحِلُّوا قَاصِدِينَ الْبَيْت الْحَرَام الْعَامِدِيَّة , تَقُول مِنْهُ : أَمَمْت كَذَا : إِذَا قَصَدْته وَعَمَدْته , وَبَعْضهمْ يَقُول : يَمَّمْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>إِنِّي كَذَاك إِذَا مَا سَاءَنِي بَلَد .......... يَمَّمْت صَدْر بَعِيرِي غَيْره بَلَدًا <br>وَالْبَيْت الْحَرَام : بَيْت اللَّه الَّذِي بِمَكَّة ; وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى لِمَ قِيلَ لَهُ الْحَرَام . { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي : يَلْتَمِسُونَ أَرْبَاحًا فِي تِجَارَتهمْ مِنْ اللَّه . { وَرِضْوَانًا } يَقُول : وَأَنْ يَرْضَى اللَّه عَنْهُمْ بِنُسُكِهِمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ بَنِي رَبِيعَة يُقَال لَهُ الْحُطَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (أَقْبَلَ الْحُطَم بْن هِنْد الْبَكْرِيّ , ثُمَّ أَحَد بَنِي قَيْس بْن ثَعْلَبَة , حَتَّى أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده , وَخَلَّف خَيْله خَارِجَة مِنْ الْمَدِينَة , فَدَعَاهُ فَقَالَ : إِلَامَ تَدْعُو ؟ فَأَخْبَرَهُ , وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : | يَدْخُل الْيَوْم عَلَيْكُمْ رَجُل مِنْ رَبِيعَة , يَتَكَلَّم بِلِسَانِ شَيْطَان | . فَلَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اُنْظُرُوا لَعَلِّي أُسْلِم , وَلِي مَنْ أُشَاوِرهُ . فَخَرَجَ مِنْ عِنْده , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِر , وَخَرَجَ بِعَقِبِ غَادِر | . فَمَرَّ بِسَرْحٍ مِنْ سُرُح الْمَدِينَة , فَسَاقَهُ , فَانْطَلَقَ بِهِ وَهُوَ يَرْتَجِز : <br>قَدْ لَفَّهَا اللَّيْل بِسَوَّاقٍ حُطَم .......... لَيْسَ بِرَاعِي إِبِل وَلَا غَنَم <br><br>وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْر الْوَضَم .......... بَاتُوا نِيَامًا وَابْن هِنْد لَمْ يَنَمْ <br><br>بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزُّلَم .......... خَدَلَّج السَّاقَيْنِ مَمْسُوح الْقَدَم <br>ثُمَّ أَقْبَلَ مِنْ عَام قَابِل حَاجًّا قَدْ قَلَّدَ وَأَهْدَى , فَأَرَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَث إِلَيْهِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه خَلِّ بَيْننَا وَبَيْنه , فَإِنَّهُ صَاحِبنَا ! قَالَ : | إِنَّهُ قَدْ قَلَّدَ | . قَالُوا : إِنَّمَا هُوَ شَيْء كُنَّا نَصْنَعهُ فِي الْجَاهِلِيَّة . فَأَبَى عَلَيْهِمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة )8613 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (قَدِمَ الْحُطَم أَخُو بَنِي ضُبَيْعَة بْن ثَعْلَبَة الْبَكْرِيّ الْمَدِينَة فِي عِير لَهُ يَحْمِل طَعَامًا , فَبَاعَهُ . ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَايَعَهُ , وَأَسْلَمَ . فَلَمَّا وَلَّى خَارِجًا نَظَرَ إِلَيْهِ , فَقَالَ لِمَنْ عِنْده : | لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ فَاجِر وَوَلَّى بِقَفَا غَادِر | . فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَامَة اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , وَخَرَجَ فِي عِير لَهُ تَحْمِل الطَّعَام فِي ذِي الْقِعْدَة , يُرِيد مَكَّة ; فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ نَفَر مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار لِيَقْتَطِعُوهُ فِي عِيره , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , فَانْتَهَى الْقَوْم . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : يَنْهَى عَنْ الْحُجَّاج أَنْ تُقْطَع سُبُلهمْ . قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ الْحُطَم قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرْتَادَ وَيَنْظُر , فَقَالَ : إِنِّي دَاعِيَة قَوْمِي , فَاعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُول ! قَالَ لَهُ : | أَدْعُوك إِلَى اللَّه أَنْ تَعْبُدهُ وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَتُقِيم الصَّلَاة , وَتُؤْتِي الزَّكَاة , وَتَصُوم شَهْر رَمَضَان , وَتَحُجّ الْبَيْت | . قَالَ الْحُطَم : فِي أَمْرك هَذَا غِلْظَة , أَرْجِع إِلَى قَوْمِي فَأَذْكُر لَهُمْ مَا ذَكَرْت , فَإِنْ قَبِلُوهُ أَقْبَلْت مَعَهُمْ , وَإِنْ أَدْبَرُوا كُنْت مَعَهُمْ . قَالَ لَهُ : | اِرْجِعْ ! | فَلَمَّا خَرَجَ , قَالَ : | لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ كَافِر وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي بِعُقْبَى غَادِر , وَمَا الرَّجُل بِمُسْلِمٍ | . فَمَرَّ عَلَى سَرْح لِأَهْلِ الْمَدِينَة , فَانْطَلَقَ بِهِ فَطَلَبَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَاتَهُمْ . وَقَدِمَ الْيَمَامَة , وَحَضَرَ الْحَجّ , فَجَهَّزَ خَارِجًا , وَكَانَ عَظِيم التِّجَارَة , فَاسْتَأْذَنُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ وَيَأْخُذُوا مَا مَعَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } )8614 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } 000 الْآيَة , قَالَ : هَذَا يَوْم الْفَتْح جَاءَ نَاس يَؤُمُّونَ الْبَيْت مِنْ الْمُشْرِكِينَ , يُهِلُّونَ بِعُمْرَةٍ , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ , فَمِثْل هَؤُلَاءِ فَلَنْ نَدَعهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِير عَلَيْهِمْ ! فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } )8615 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَقُول : مَنْ تَوَجَّهَ حَاجًّا . )8616 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } يَعْنِي : الْحَاجّ . )8617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْبَيْت . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَا نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَنْسُوخًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : نُسِخَ جَمِيعهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8618 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ بَيَان , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ الْمَائِدَة إِلَّا هَذِهِ الْآيَة ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } . )8619 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } نَسَخَتْهَا : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَيَان , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ سُورَة الْمَائِدَة غَيْر هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } . )8620 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ . قَالَ : كَانَ الْمُشْرِك يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . )8621 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : نَسَخَتْهَا بَرَاءَة : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } قَالَ : هَذَا شَيْء نُهِيَ عَنْهُ , فَتُرِكَ كَمَا هُوَ . )8622 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } قَالَ : هَذَا كُلّه مَنْسُوخ , نَسَخَ هَذَا أَمْره بِجِهَادِهِمْ كَافَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَة , قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8623 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : (هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة نُسِخَ مِنْ الْمَائِدَة : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , قَالَ اللَّه : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ } , وَقَالَ : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } وَهُوَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر , فَنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , قَالَ : فَنَسَخَ مِنْهَا : { آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } نَسَخَتْهَا بَرَاءَة , فَقَالَ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } , فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث عَبْدَة . )8624 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (نَزَلَ فِي شَأْن الْحُطَم : { وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّه فَقَالَ : { اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } . )8625 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت } جَمِيعًا , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَحُجّ الْبَيْت أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ مِنْ مُؤْمِن أَوْ كَافِر , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه بَعْد هَذَا : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } , وَقَالَ : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه } , وَقَالَ : { إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاللَّه وَالْيَوْم الْآخِر } فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . )8626 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ : مَنْسُوخ , كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْته يُرِيد الْحَجّ , تَقَلَّدَ مِنْ السَّمُر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَة شَعْر فَلَمْ يَعْرِض لَهُ أَحَد , وَكَانَ الْمُشْرِك يَوْمئِذٍ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْت , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَلَا عِنْد الْبَيْت , فَنَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . )وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ ذَلِكَ شَيْء إِلَّا الْقَلَائِد الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَقَلَّدُونَهَا مِنْ لِحَاء الشَّجَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8627 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام } الْآيَة , قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا كُلّه مِنْ عَمَل الْجَاهِلِيَّة , فِعْله وَإِقَامَته , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه بِالْإِسْلَامِ , إِلَّا لِحَاء الْقَلَائِد , فَتَرَكَ ذَلِكَ . { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَحَرَّمَ اللَّه عَلَى كُلّ أَحَد إِخَافَتهمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ , قَوْل مَنْ قَالَ : نَسَخَ اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ اللَّه قَدْ أَحَلَّ قِتَال أَهْل الشِّرْك فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا مِنْ شُهُور السَّنَة كُلّهَا , وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِك لَوْ قَلَّدَ عُنُقه أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاء جَمِيع أَشْجَار الْحَرَم لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنْ الْقَتْل إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْد ذِمَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَان . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلَائِد فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام } فَإِنَّهُ مُحْتَمَل ظَاهِره : وَلَا تُحِلُّوا حُرْمَة آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالْإِسْلَام , لِعُمُومِ جَمِيع مَنْ أَمَّ الْبَيْت . وَإِذَا اِحْتَمَلَ ذَلِكَ , فَكَانَ أَهْل الشِّرْك دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتهمْ , فَلَا شَكّ أَنَّ قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } نَاسِخ لَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْر جَائِز اِجْتِمَاع الْأَمْر بِقَتْلِهِمْ وَتَرْك قَتْلهمْ فِي حَال وَاحِدَة وَوَقْت وَاحِد . وَفِي إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حُكْم اللَّه فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلهمْ , أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام أَوْ الْبَيْت الْمُقَدَّس فِي أَشْهُر الْحُرُم وَغَيْرهَا , مَا يُعْلَم أَنَّ الْمَنْع مِنْ قَتْلهمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْت الْحَرَام مَنْسُوخ , وَمُحْتَمَل أَيْضًا : وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَأَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل الْحَرْب , فَهُوَ أَيْضًا لَا شَكّ مَنْسُوخ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لَا اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنهمْ ظَاهِر , وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِر الْحُجَّة , فَالْوَاجِب وَإِنْ اِحْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنًى غَيْر الَّذِي قَالُوا , التَّسْلِيم لِمَا اِسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلهمْ .|الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَبْتَغُونَ } يَطْلُبُونَ وَيَلْتَمِسُونَ . وَالْفَضْل : الْإِرْبَاح فِي التِّجَارَة ; وَالرِّضْوَان : رِضَا اللَّه عَنْهُمْ , فَلَا يَحِلّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَة فِي الدُّنْيَا مَا أَحَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَم فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ بِحَجِّهِمْ بَيْته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8628 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ يَلْتَمِسُونَ فَضْل اللَّه وَرِضْوَانه فِيمَا يُصْلِح لَهُمْ دُنْيَاهُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , فَقَالَ : هَكَذَا سَمِعْته مِنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } وَالْفَضْل وَالرِّضْوَان : اللَّذَانِ يَبْتَغُونَ أَنْ يُصْلِح مَعَايِشهمْ فِي الدُّنْيَا , وَأَنْ لَا يُعَجِّل لَهُمْ الْعُقُوبَة فِيهَا . )8629 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . ( { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَتَرَضَّوْنَ اللَّه بِحَجِّهِمْ . )8630 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : (جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّف بْن الشِّخِّير , وَعِنْده رَجُل , فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْله : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : التِّجَارَة فِي الْحَجّ , وَالرِّضْوَان فِي الْحَجّ . )8631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي أُمَيْمَة , قَالَ : (قَالَ اِبْن عُمَر فِي الرَّجُل يَحُجّ , وَيَحْمِل مَعَهُ مَتَاعًا , قَالَ : لَا بَأْس بِهِ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } . )8632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ وَرِضْوَانًا } قَالَ : يَبْتَغُونَ الْأَجْر وَالتِّجَارَة .)|وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } الصَّيْد الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُحِلُّوهُ وَأَنْتُمْ حُرُم , يَقُول : فَلَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي اِصْطِيَاده وَاصْطَادُوا إِنْ شِئْتُمْ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله كُنْت حَرَّمْته عَلَيْكُمْ فِي حَال إِحْرَامكُمْ قَدْ زَالَ . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8633 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ : (هِيَ رُخْصَة . يَعْنِي قَوْله : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . )8634 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (خَمْس فِي كِتَاب اللَّه رُخْصَة , وَلَيْسَتْ بِعَزْمَةٍ , فَذَكَرَ : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : مَنْ شَاءَ فَعَلَ , وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَل . )8635 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 8636 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } قَالَ : إِذَا حَلَّ , فَإِنْ شَاءَ صَادَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصْطَدْ . )8637 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : (أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْأَكْل مِنْ هَدْي الْمُتْعَة وَاجِبًا , وَكَانَ يَتَأَوَّل هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } { فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض } .)|فَاصْطَادُوا وَلَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ . كَمَا : 8638 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } يَقُول : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . )8639 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . )وَأَمَّا أَهْل الْمَعْرِفَة بِاللُّغَةِ , فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلهَا , فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ ; لِأَنَّ قَوْله : { لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار } هُوَ حَقّ أَنَّ لَهُمْ النَّار . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ . وَقَالَ : يُقَال : جَرَمَنِي فُلَان عَلَى أَنْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا : أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ . وَاحْتَجَّ جَمِيعهمْ بِبَيْتِ الشَّاعِر : <br>وَلَقَدْ طَعَنْت أَبَا عُيَيْنَة طَعْنَة .......... جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا <br>فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنْ الْقُرْآن , فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ مَعْنَى قَوْل الشَّاعِر : جَرَمَتْ فَزَارَة : أَحَقَّتْ الطَّعْنَة لِفَزَارَة الْغَضَب . وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ : مَعْنَاهُ فِي الْبَيْت : | جَرَمَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا | : حَمَلَتْ فَزَارَة عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا . وَقَالَ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ : مَعْنَى قَوْله : { لَا يَجْرِمَنَّكُمْ } لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم . وَتَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل قَوْل الشَّاعِر فِي الْبَيْت : | جَرَمَتْ فَزَارَة | : كَسَبَتْ فَزَارَة أَنْ يَغْضَبُوا . قَالَ : وَسُمِعَتْ الْعَرَب تَقُول : فُلَان جَرِيمَة أَهْله , بِمَعْنَى : كَاسِبهمْ , وَخَرَجَ يَجْرِمهُمْ : يُكْسِبهُمْ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى بُغْض رَجُل فَقَدْ أَكْسَبَهُ بُغْضه , وَمَنْ أَكْسَبَهُ بُغْضه فَقَدْ أَحَقَّهُ لَهُ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَحْسَن فِي الْإِبَانَة عَنْ مَعْنَى الْحَرْف , مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , وَذَلِكَ تَوْجِيههمَا مَعْنَى قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى الْعُدْوَان . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَته عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ : جَرَمْته أَجْرِمهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , وَهُوَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش , مَا : 8640 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , أَنَّهُ قَرَأَ : (وَلَا يُجْرِمَنَّكُمْ | مُرْتَفِعَة الْيَاء مِنْ أَجْرَمْته أُجْرِمهُ وَهُوَ يُجْرِمنِي . )وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار وَشُذُوذ مَا خَالَفَهَا , وَأَنَّهَا اللُّغَة الْمَعْرُوفَة السَّائِرَة فِي الْعَرَب , وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْ بَعْضهَا : أَجْرَمَ يُجْرِم , عَلَى شُذُوذه , وَقِرَاءَة الْقُرْآن بِأَفْصَح اللُّغَات أَوْلَى وَأَحَقّ مِنْهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ لُغَة مَنْ قَالَ : جَرَمَتْ , قَوْل الشَّاعِر : <br>يَا أَيّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ .......... إِلَى الْقَبَائِل مِنْ قَتْل وَإِبْآس<br>|يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَنَآن قَوْم } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { شَنَآن } بِتَحْرِيكِ الشِّين وَالنُّون إِلَى الْفَتْح , بِمَعْنَى : بُغْض قَوْم تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَر الَّذِي يَأْتِي عَلَى فَعَلَانِ نَظِير الطَّيَرَان , وَالنَّسَلَان , وَالْعَسَلَانِ , وَالرَّمَلَانِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : { شَنْآن قَوْم } بِتَسْكِينِ النُّون وَفَتْح الشِّين , بِمَعْنَى الِاسْم ; تَوْجِيهًا مِنْهُمْ مَعْنَاهُ إِلَى : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم , فَيَخْرُج شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَلَان ; لِأَنَّ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ , كَمَا يُقَال : سَكْرَان مِنْ سَكِرَ , وَعَطْشَان مِنْ عَطِشَ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { شَنَآن } بِفَتْحِ النُّون مُحَرَّكَة , لِشَائِعِ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : بُغْض قَوْم , وَتَوْجِيههمْ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر دُون مَعْنَى الِاسْم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مُوَجَّهًا إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَر , فَالْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب فِيمَا جَاءَ مِنْ الْمَصَادِر عَلَى الْفَعَلَان بِفَتْحِ الْفَاء تَحْرِيك ثَانِيه دُون تَسْكِينه , كَمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلهمْ : الدَّرَجَانِ , وَالرَّمَلَانِ مِنْ دَرَجَ وَرَمَلَ , فَكَذَلِكَ الشَّنَآن مِنْ شَنِئْته أَشْنَؤُهُ شَنَآنًا . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : شَنَآن عَلَى تَقْدِير فَعَال , وَلَا أَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَمَا الْعَيْش إِلَّا مَا يَلَذّ وَيُشْتَهَى .......... وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَّانِ وَفَنَّدَا <br>وَهَذَا فِي لُغَة مَنْ تَرَكَ الْهَمْز مِنْ الشَّنَآن , فَصَارَ عَلَى تَقْدِير فَعَال وَهُوَ فِي الْأَصْل فَعَلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : { شَنَآن قَوْم } بُغْض قَوْم . 8641 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . )* - وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّة أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : لَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا . 8642 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْض قَوْم . )8643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } قَالَ : بَغْضَاؤُهُمْ أَنْ تَع

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَس

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَيْتَة , وَالْمَيْتَة : كُلّ مَا لَهُ نَفْس سَائِلَة مِنْ دَوَابّ الْبَرّ وَطَيْره , مِمَّا أَبَاحَ اللَّه أَكْلهَا , وَأَهْلِيهَا وَوَحْشِيّهَا , فَارَقَتْهَا رُوحهَا بِغَيْرِ تَذْكِيَة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : الْمَيْتَة : هُوَ كُلّ مَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاة مِنْ دَوَابّ الْبَرّ وَطَيْره بِغَيْرِ تَذْكِيَة مِمَّا أَحَلَّ اللَّه أَكْله . وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّة الْمُوجِبَة صِحَّة الْقَوْل بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا : كِتَاب | لَطِيف الْقَوْل فِي الْأَحْكَام | .|وَالدَّمُ|وَأَمَّا الدَّم : فَإِنَّهُ الدَّم الْمَسْفُوح دُون مَا كَانَ مِنْهُ غَيْر مَسْفُوح ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُون مَيْتَة أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْم خِنْزِير } فَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى اللَّحْم كَالْكَبِدِ وَالطِّحَال , وَمَا كَانَ فِي اللَّحْم غَيْر مُنْسَفِح , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر حَرَام , لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى ذَلِكَ .|وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَحْم الْخِنْزِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَحْم الْخِنْزِير , أَهْلِيّه وَبَرِّيّه . فَالْمَيْتَة وَالدَّم مَخْرَجهمَا فِي الظَّاهِر مَخْرَج عُمُوم , وَالْمُرَاد مِنْهُمَا الْخُصُوص وَأَمَّا لَحْم الْخِنْزِير , فَإِنَّ ظَاهِره كَبَاطِنِهِ وَبَاطِنه كَظَاهِرِهِ , حَرَام جَمِيعه لَمْ يُخَصَّص مِنْهُ شَيْء .|وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَأَصْله مِنْ اِسْتِهْلَال الصَّبِيّ وَذَلِكَ إِذَا صَاحَ حِين يَسْقُط مِنْ بَطْن أُمّه , وَمِنْهُ إِهْلَال الْمُحْرِم بِالْحَجِّ إِذَا لَبَّى بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل اِبْن أَحْمَر : <br>يُهِلّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا .......... كَمَا يُهِلّ الرَّاكِب الْمُعْتَمِر <br>وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَلِلْأَوْثَانِ يُسَمَّى عَلَيْهِ غَيْر اِسْم اللَّه . وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَته .|وَالْمُنْخَنِقَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُنْخَنِقَة } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الِانْخِنَاق الَّذِي عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمُنْخَنِقَة } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 8648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الَّتِي تُدْخِل رَأْسهَا بَيْن شُعْبَتَيْنِ مِنْ شَجَرَة , فَتَخْتَنِق فَتَمُوت . )8649 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي الْمُنْخَنِقَة , قَالَ : (الَّتِي تَخْتَنِق فَتَمُوت . )8650 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تَمُوت فِي خِنَاقهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الَّتِي تُوثَق فَيَقْتُلُهَا بِالْخِنَاقِ وَثَاقُهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8651 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالْمُنْخَنِقَة } قَالَ : الشَّاة تُوثَق , فَيَقْتُلُهَا خِنَاقُهَا , فَهِيَ حَرَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْبَهِيمَة مِنْ النَّعَم , كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخْنُقُونَهَا حَتَّى تَمُوت , فَحَرَّمَ اللَّه أَكْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8652 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْمُنْخَنِقَة } الَّتِي تُخْنَق فَتَمُوت . )8653 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمُنْخَنِقَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَخْنُقُونَ الشَّاة , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ الَّتِي تَخْتَنِق , إِمَّا فِي وَثَاقهَا , وَإِمَّا بِإِدْخَالِ رَأْسهَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَا تَقْدِر عَلَى التَّخَلُّص مِنْهُ فَتَخْتَنِق حَتَّى تَمُوت . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مِنْ غَيْره ; لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَة : هِيَ الْمَوْصُوفَة بِالِانْخِنَاقِ دُون خَنْق غَيْرهَا لَهَا , وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ أَنَّهَا مَفْعُول بِهَا لِقِيلَ : وَالْمَخْنُوقَة , حَتَّى يَكُون مَعْنَى الْكَلَام مَا قَالُوا .|وَالْمَوْقُوذَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمَوْقُوذَة } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَالْمَوْقُوذَة } وَالْمَيْتَة وَقِيذًا , يُقَال مِنْهُ : وَقَذَهُ يَقِذهُ وَقْذًا : إِذَا ضَرَبَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاك , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : <br>شَغَّارَة تَقِذُ الْفَصِيل بِرِجْلِهَا .......... فَطَّارَة لِقَوَادِم الْأَبْكَار <br>وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : الْمَوْقُوذَة الَّتِي تُضْرَب بِالْخَشَبِ حَتَّى يَقِذهَا فَتَمُوت . )8655 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا , حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : كَانُوا يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يَقِذُوهَا , ثُمَّ يَأْكُلُوهَا . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَالْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُوقَذ فَتَمُوت . )8656 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : ( { الْمَوْقُوذَة } الَّتِي تُضْرَب حَتَّى تَمُوت . )8657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَالْمَوْقُوذَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تُضْرَب فَتَمُوت . )8658 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالْمَوْقُوذَة } كَانَتْ الشَّاة أَوْ غَيْرهَا مِنْ الْأَنْعَام تُضْرَب بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا . )* - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُقْبَة بْن عَلْقَمَة , ثني إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة , قَالَ : ثني نُعَيْم بْن سَلَامَة , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الصُّنَابِحِيّ , قَالَ : لَيْسَتْ الْمَوْقُوذَة إِلَّا فِي مَالِك , وَلَيْسَ فِي الصَّيْد وَقِيذ .|وَالْمُتَرَدِّيَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُتَرَدِّيَة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة تَرَدِّيًا مِنْ جَبَل , أَوْ فِي بِئْر , أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَتَرَدِّيهَا : رَمْيهَا بِنَفْسِهَا مِنْ مَكَان عَالٍ مُشْرِف إِلَى سُفْله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8659 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَل . )8660 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } كَانَتْ تَتَرَدَّى فِي الْبِئْر فَتَمُوت فَيَأْكُلُونَهَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَرَدَّتْ فِي الْبِئْر . )8661 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل أَوْ فِي الْبِئْر , فَتَمُوت . )8662 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } الَّتِي تَرَدَّى مِنْ الْجَبَل فَتَمُوت . )8663 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالْمُتَرَدِّيَة } قَالَ : الَّتِي تَخِرّ فِي رَكِيّ أَوْ مِنْ رَأْس جَبَل فَتَمُوت .)|وَالنَّطِيحَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّطِيحَة } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ { النَّطِيحَة } الشَّاة الَّتِي تَنْطَحهَا أُخْرَى فَتَمُوت مِنْ النِّطَاح بِغَيْرِ تَذْكِيَة , فَحَرَّمَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاته قَبْل مَوْته . وَأَصْل النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة , صُرِفَتْ مِنْ مَفْعُولَة إِلَى فَعِيلَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ أُثْبِتَتْ الْهَاء هَاء التَّأْنِيث فِيهَا , وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تُثْبِت الْهَاء فِي نَظَائِرهَا إِذَا صَرَفُوهَا صَرْف النَّطِيحَة مِنْ مَفْعُول إِلَى فَعِيل , إِنَّمَا تَقُول : لِحْيَة دَهِين , وَعَيْن كَحِيل , وَكَفّ خَضِيب , وَلَا يَقُولُونَ كَفّ خَضِيبَة وَلَا عَيْن كَحِيلَة ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَتْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُثْبِتَتْ فِيهَا الْهَاء , أَعْنِي فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ مِثْل الطَّوِيلَة وَالطَّرِيقَة فَكَأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل وَجَّهَ النَّطِيحَة إِلَى مَعْنَى النَّاطِحَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَذْهَبه : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة نِطَاحًا , كَأَنَّهُ عَنَى : وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ النَّاطِحَة الَّتِي تَمُوت مِنْ نِطَاحهَا . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا تَحْذِف الْعَرَب الْهَاء مِنْ الْفَعِيلَة الْمَصْرُوفَة عَنْ الْمَفْعُول إِذَا جَعَلَتْهَا صِفَة لِاسْمٍ , قَدْ تَقَدَّمَهَا , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَفًّا خَضِيبًا وَعَيْنًا كَحِيلًا . فَأَمَّا إِذَا حَذَفْت الْكَفّ وَالْعَيْن وَالِاسْم الَّذِي يَكُون فَعِيل نَعْتًا لَهَا وَاجْتَزَءُوا بِفَعِيلٍ مِنْهَا , أَثْبَتُوا فِيهِ هَاء التَّأْنِيث , لِيُعْلَم بِثُبُوتِهَا فِيهِ أَنَّهَا صِفَة لِلْمُؤَنَّثِ دُون الْمُذَكَّر , فَتَقُول : رَأَيْنَا كَحِيلَة وَخَضِيبَة وَأَكِيلَة السَّبْع , قَالُوا : وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ الْهَاء فِي النَّطِيحَة ; لِأَنَّهَا صِفَة الْمُؤَنَّث , وَلَوْ أُسْقِطَتْ مِنْهَا لَمْ يَدْرِ أَهِيَ صِفَة مُؤَنَّث أَوْ مُذَكَّر . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الشَّائِع مِنْ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل , بِأَنَّ مَعْنَى النَّطِيحَة : الْمَنْطُوحَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8664 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ أَبِي عَبَّاس , قَوْله : ( { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة . )8665 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : (كَانَ يَقْرَأ : | وَالْمَنْطُوحَة . )8666 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَالنَّطِيحَة } الشَّاتَانِ تَنْتَطِحَانِ فَتَمُوتَانِ . )8667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَالنَّطِيحَة } هِيَ الَّتِي تَنْطَحهَا الْغَنَم وَالْبَقَر فَتَمُوت . يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ . )8668 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالنَّطِيحَة } كَانَ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ , فَيَمُوت أَحَدهمَا , فَيَأْكُلُونَهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَالنَّطِيحَة } الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ فَيَقْتُل أَحَدهمَا الْآخَر , فَيَأْكُلُونَهُ . )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالنَّطِيحَة } قَالَ : الشَّاة تَنْطَح الشَّاة فَتَمُوت .)|وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَكَلَ السَّبُع غَيْر الْمُعَلَّم مِنْ الصَّوَائِد . وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8669 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . )8670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } يَقُول : مَا أَخَذَ السَّبُع . )8671 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا قَتَلَ السَّبُع شَيْئًا مِنْ هَذَا أَوْ أَكَلَ مِنْهُ , أَكَلُوا مَا بَقِيَ . )8672 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ قَيْس , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : ( وَأَكِيل السَّبُع | .)|إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } إِلَّا مَا طَهَّرْتُمُوهُ بِالذَّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه طَهُورًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا اِسْتَثْنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْتَثْنَى مِنْ جَمِيع مَا سَمَّى اللَّه تَحْرِيمه , مِنْ قَوْله { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8673 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : مَا أَدْرَكْت ذَكَاته مِنْ هَذَا كُلّه , يَتَحَرَّك لَهُ ذَنَب أَوْ تَطْرِف لَهُ عَيْن , فَاذْبَحْ وَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَال . )8674 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : ( { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ الْحَسَن : أَيّ هَذَا أَدْرَكْت ذَكَاته فَذَكِّهِ وَكُلْ . فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيد كَيْفَ أَعْرِف ؟ قَالَ : إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا . )8675 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } قَالَ : فَكُلّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَاهُنَا مَا خَلَا لَحْم الْخِنْزِير إِذَا أَدْرَكْت مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِف أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّك أَوْ قَائِمَة تَرْكُض , فَذَكَّيْته , فَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَك ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } مِنْ هَذَا كُلّه , فَإِذَا وَجَدَتْهَا تَطْرِف عَيْنهَا , أَوْ تُحَرِّك أُذُنهَا مِنْ هَذَا كُلّه , فَهِيَ لَك حَلَال . )8676 - حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم وَعَبَّاد , قَالَا : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (إِذَا أَدْرَكْت ذَكَاة الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَهِيَ تُحَرِّك يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا . )8677 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ السَّبُع مِنْ الصَّيْد أَوْ الْوَقِيذَة , أَوْ النَّطِيحَة أَوْ الْمُتَرَدِّيَة فَأَدْرَكْت ذَكَاته , فَكُلْ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن سَلَّام التَّمِيمِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : (إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبهَا , فَقَدْ أَجْزَأَ . )8678 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَابْن بَشَّار , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (أَخْبَرَنِي اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : إِذَا ذُبِحَتْ فَمَصَعَتْ بِذَنَبِهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لَك . أَوْ قَالَ : فَحَسْبه . )8679 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (إِذَا كَانَتْ الْمَوْقُوذَة تَطْرِف بِبَصَرِهَا , أَوْ تَرْكُض بِرِجْلِهَا , أَوْ تَمْصَع بِذَنَبِهَا , فَاذْبَحْ وَكُلْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , يَقُول : (إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا , أَوْ مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا , أَوْ تَحَرَّكَتْ , فَقَدْ حَلَّتْ لَك . )8680 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُونَ هَذَا , فَحَرَّمَ اللَّه فِي الْإِسْلَام إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ , فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْل أَوْ ذَنَب أَوْ طَرَف فَذُكِّيَ , فَهُوَ حَلَال . )8681 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير } وَقَوْله : { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة } الْآيَة , { وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } هَذَا كُلّه مُحَرَّم , إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْ هَذَا . )فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : حُرِّمَتْ الْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة إِنْ مَاتَتْ مِنْ التَّرَدِّي وَالْوَقْذ وَالنَّطْح وَفَرْس السَّبُع , إِلَّا أَنْ تُدْرِكُوا ذَكَاتهَا , فَتُدْرِكُوهَا قَبْل مَوْتهَا , فَتَكُون حِينَئِذٍ حَلَالًا أَكْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ التَّحْرِيم , وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَات الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } لِأَنَّ الْمَيْتَة لَا ذَكَاة لَهَا وَلَا لِلْخِنْزِيرِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا سَمَّيْنَا مَعَ ذَلِكَ , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ , فَإِنَّهُ لَكُمْ حَلَال . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8682 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك : (وَسُئِلَ عَنْ الشَّاة الَّتِي يَخْرِق جَوْفهَا السَّبُع حَتَّى تَخْرُج أَمْعَاؤُهَا , فَقَالَ مَالِك : لَا أَرَى أَنْ تُذَكَّى وَلَا يُؤْكَل أَيّ شَيْء يُذَكَّى مِنْهَا . )8683 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ أَشْهَب , قَالَ : (سُئِلَ مَالِك , عَنْ السَّبُع يَعْدُو عَلَى الْكَبْش , فَيَدُقّ ظَهْره , أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْل أَنْ يَمُوت فَيُؤْكَل ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْر , فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَل , وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافه , فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا . قِيلَ لَهُ : وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْره ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبنِي أَنْ يُؤْكَل , هَذَا لَا يَعِيش مِنْهُ . قِيلَ لَهُ : فَالذِّئْب يَعْدُو عَلَى الشَّاة فَيَشُقّ بَطْنهَا وَلَا يَشُقّ الْأَمْعَاء ؟ قَالَ : إِذَا شَقَّ بَطْنهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَل . )وَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَجِب أَنْ يَكُون قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا , فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَسَائِر مَا ذَكَرْنَا , وَلَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ الْحَيَوَانَات الَّتِي أَحْلَلْتهَا لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ حَلَال . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْل الْأَوَّل , وَهُوَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع } لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مُسْتَحِقّ الصِّفَة الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل حَال مَوْته , فَيُقَال : لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ : هُوَ { مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } بِمَعْنَى : سُمِّيَ قُرْبَانًا لِغَيْرِ اللَّه . وَكَذَلِكَ الْمُنْخَنِقَة : إِذَا اِنْخَنَقَتْ , وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ مُنْخَنِقَة , وَكَذَلِكَ سَائِر مَا حَرَّمَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بَعْد قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ } إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَإِنَّهُ يُوصَف بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْل مَوْته , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَى عِبَاده إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَة دُون الْمَوْت بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَالْمُنْخَنِقَة , وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا , إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَ | مَا | إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلهَا , وَقَدْ يَجُوز فِيهِ الرَّفْع . وَإِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَكُلّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاته مِنْ طَائِر أَوْ بَهِيمَة قَبْل خُرُوج نَفْسه وَمُفَارَقَة رُوحه جَسَده , فَحَلَال أَكْله إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لِعِبَادِهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدك , فَمَا وَجْه تَكْرِيره مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة } وَسَائِر مَا عَدَّدَ تَحْرِيمه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ اِفْتَتَحَ الْآيَة بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } شَامِل كُلّ مَيْتَة كَانَ مَوْته حَتْف أَنْفه , مِنْ عِلَّة بِهِ مِنْ غَيْر جِنَايَة أَحَد عَلَيْهِ , أَوْ كَانَ مَوْته مِنْ ضَرْب ضَارِب إِيَّاهُ , أَوْ اِنْخِنَاق مِنْهُ أَوْ اِنْتِطَاح أَوْ فَرْس سَبُع ؟ وَهَلَّا كَانَ قَوْله إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلّ ذَلِكَ الْمَيْتَة بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاح وَالْوَقْذ وَأَكْل السَّبُع أَوْ غَيْر ذَلِكَ , دُون أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمه إِذَا تَرَدَّى أَوْ اِنْخَنَقَ , أَوْ فَرَسَهُ السَّبُع , فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَم أَنَّهُ لَا يَعِيش مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنْ الْحَيَاة ; { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِير مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ ; { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ وَالْمُنْخَنِقَة } وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ وَتَعْدَاده مَا عَدَّدَ ؟ قِيلَ : وَجْه تَكْرَاره ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيم ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوف , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَة لَا يُعِدُّونَ الْمَيْتَة مِنْ الْحَيَوَان , إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّة عَارِضَة بِهِ , غَيْر الِانْخِنَاق وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاح , وَفَرْس السَّبُع , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه أَنَّ حُكْم ذَلِكَ حُكْم مَا مَاتَ مِنْ الْعِلَل الْعَارِضَة , وَأَنَّ الْعِلَّة الْمُوجِبَة تَحْرِيم الْمَيْتَة لَيْسَتْ مَوْتهَا مِنْ عِلَّة مَرَض أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْل هَلَاكهَا , وَلَكِنَّ الْعِلَّة فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحهَا مِنْ أَجْل ذَبِيحَته بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ . كَاَلَّذِي : 8684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { وَالْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } يَقُول : هَذَا حَرَام ; لِأَنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا , إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيْت الَّذِي يَمُوت مِنْ الْوَجَع , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , إِلَّا مَا ذَكَرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ وَأَدْرَكُوا ذَكَاته وَفِيهِ الرُّوح .)|وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا الَّذِي ذُبِحَ عَلَى النُّصُب . فَ | مَا | فِي قَوْله { وَمَا ذُبِحَ } رُفِعَ عَطْفًا عَلَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَالنُّصُب : الْأَوْثَان مِنْ الْحِجَارَة جَمَاعَة أَنْصَاب كَانَتْ تُجْمَع فِي الْمَوْضِع مِنْ الْأَرْض , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا , وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ . وَكَانَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي صِفَته مَا : 8685 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم : قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : النُّصُب : لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ , الصَّنَم يُصَوَّر وَيُنْقَش , وَهَذِهِ حِجَارَة تُنْصَب ثَلَثمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا , مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : ثَلَثمِائَةٍ مِنْهَا لِخُزَاعَة . فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا , نَضَحُوا الدَّم عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت , وَشَرَّحُوا اللَّحْم وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَة , فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه , كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَظِّمُونَ الْبَيْت بِالدَّمِ , فَنَحْنُ أَحَقّ أَنْ نُعَظِّمهُ ! فَكَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْرَه ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } وَمِمَّا يُحَقِّق قَوْل اِبْن جُرَيْج فِي أَنَّ الْأَنْصَاب غَيْر الْأَصْنَام مَا : 8686 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { النُّصُب } قَالَ : حِجَارَة حَوْل الْكَعْبَة , يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة , وَيُبَدِّلُونَهَا إِنْ شَاءُوا بِحِجَارَةٍ أَعْجَب إِلَيْهِمْ مِنْهَا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8687 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : حِجَارَة كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَعْبُدُونَهَا , وَيَذْبَحُونَ لَهَا , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } يَعْنِي : أَنْصَاب الْجَاهِلِيَّة . )8688 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } وَالنُّصُب : أَنْصَاب كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : كَانَ حَوْل الْكَعْبَة حِجَارَة كَانَ يَذْبَح عَلَيْهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاءُوا بِحَجَرٍ هُوَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا . )8689 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : (الْأَنْصَاب حِجَارَة كَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا , وَيَذْبَحُونَ عَلَيْهَا . )8690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب } قَالَ : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب , وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ , وَهُوَ وَاحِد .)|وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَأَنْ تَطْلُبُوا عِلْم مَا قُسِمَ لَكُمْ أَوْ لَمْ يُقْسَم , بِالْأَزْلَامِ . وَهُوَ اِسْتَفْعَلْت مِنْ الْقَسْم : قَسْم الرِّزْق وَالْحَاجَات . وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ , أَجَالَ الْقِدَاح , وَهِيَ الْأَزْلَام , وَكَانَتْ قِدَاحًا مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضهَا : نَهَانِي رَبِّي , وَعَلَى بَعْضهَا : أَمَرَنِي رَبِّي , فَإِنْ خَرَجَ الْقِدْح الَّذِي هُوَ مَكْتُوب عَلَيْهِ : أَمَرَنِي رَبِّي , مَضَى لِمَا أَرَادَ مِنْ سَفَر أَوْ غَزْو أَوْ تَزْوِيج وَغَيْر ذَلِكَ ; وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوب : نَهَانِي رَبِّي , كَفَّ عَنْ الْمُضِيّ لِذَلِكَ وَأَمْسَكَ فَقِيلَ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } لِأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ أَزْلَامهمْ أَنْ يَقْسِمْنَ لَهُمْ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر مُفْتَخِرًا بِتَرْكِ الِاسْتِقْسَام بِهَا : <br>وَلَمْ أَقْسِم فَتَرْبُثنِي الْقُسُومُ <br>وَأَمَّا الْأَزْلَام , فَإِنَّ وَاحِدهَا زَلَم , وَيُقَال زُلَم , وَهِيَ الْقِدَاح الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْقِدَاح , كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فِي سَفَر , جَعَلُوا قِدَاحًا لِلْجُلُوسِ وَالْخُرُوج , فَإِنْ وَقَعَ الْخُرُوج خَرَجُوا , وَإِنْ وَقَعَ الْجُلُوس جَلَسُوا . )8692 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : حَصًى بِيض كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا . )قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَالَ لَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع : هُوَ الشِّطْرَنْج . 8693 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد بْن رَاشِد الْبَزَّار , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا , يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاح ثَلَاثَة عَلَى وَاحِد مِنْهَا مَكْتُوب : أُؤْمُرْنِي , وَعَلَى الْآخَر : اِنْهَنِي , وَيَتْرُكُونَ الْآخَر مُحَلَّلًا بَيْنهمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . ثُمَّ يُجِيلُونَهَا , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ | أُؤْمُرْنِي | , مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ | اِنْهَنِي | كَفُّوا , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَعَادُوهَا . )8694 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } حِجَارَة0 كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا يُسَمُّونَهَا الْقِدَاح . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8695 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم . عَنْ زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كِعَاب فَارِس الَّتِي يَقْمُرونَ بِهَا , وَسِهَام الْعَرَب . )* - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم الْغِفَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : سِهَام الْعَرَب وَكِعَاب فَارِس وَالرُّوم كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا . )8696 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُج مُسَافِرًا , كَتَبَ فِي قِدَاح : هَذَا يَأْمُرنِي بِالْمُكْثِ , وَهَذَا يَأْمُرنِي بِالْخُرُوجِ , وَجَعَلَ مَعَهَا مَنِيحًا , شَيْء لَمْ يَكْتُب فِيهِ شَيْئًا , ثُمَّ اِسْتَقْسَمَ بِهَا حِين يُرِيد أَنْ يَخْرُج , فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْمُكْثِ مَكَثَ , وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُر بِالْخُرُوجِ خَرَجَ , وَإِنْ خَرَجَ الْآخَر أَجَالَهَا ثَانِيَة حَتَّى يَخْرُج أَحَد الْقِدْحَيْنِ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } وَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَرَادَ أَحَدهمْ خُرُوجًا , أَخَذَ قِدْحًا فَقَالَ : هَذَا يَأْمُر بِالْخُرُوجِ , فَإِنْ خَرَجَ فَهُوَ مُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَيَأْخُذ قِدْحًا آخَر فَيَقُول : هَذَا يَأْمُر بِالْمُكُوثِ , فَلَيْسَ يُصِيب فِي سَفَره خَيْرًا ; وَالْمَنِيح بَيْنهمَا . فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَقَدَّمَ فِيهِ . )8697 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور . )8698 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (الْأَزْلَام قِدَاح لَهُمْ كَانَ أَحَدهمْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُور كَتَبَ فِي تِلْكَ الْقِدَاح مَا أَرَادَ , فَيَضْرِب بِهَا , فَأَيّ قِدْح خَرَجَ وَإِنْ كَانَ أَبْغَض تِلْكَ , اِرْتَكَبَهُ وَعَمِلَ بِهِ . )8699 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } قَالَ : الْأَزْلَام : قِدَاح كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد الْكَهَنَة , فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يُسَافِر أَوْ يَتَزَوَّج أَوْ يُحْدِث أَمْرًا , أَتَى الْكَاهِن , فَأَعْطَاهُ شَيْئًا , فَضَرَبَ لَهُ بِهَا , فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يُعْجِبهُ أَمْرهُ فَفَعَلَ , وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْء يَكْرَههُ نَهَاهُ فَانْتَهَى , كَمَا ضَرَبَ عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى زَمْزَم وَعَلَى عَبْد اللَّه وَالْإِبِل . )8700 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : (سَمِعْنَا أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَضْرِبُونَ بِالْقِدَاحِ فِي الظَّعْن وَالْإِقَامَة أَوْ الشَّيْء يُرِيدُونَهُ , فَيَخْرُج سَهْم الظَّعْن فَيَظْعَنُونَ , وَالْإِقَامَة فَيُقِيمُونَ . )وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي الْأَزْلَام مَا : 8701 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (كَانَتْ هُبَل أَعْظَم أَصْنَام قُرَيْش بِمَكَّة , وَكَانَتْ عَلَى بِئْر فِي جَوْف الْكَعْبَة , وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْر هِيَ الَّتِي يُجْمَع فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ , وَكَانَتْ عِنْد هُبَل سَبْعَة أَقْدَاح , كُلّ قِدْح مِنْهَا فِيهِ كِتَاب : قِدْح فِيهِ | الْعَقْل | إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْعَقْل مَنْ يَحْمِلهُ مِنْهُمْ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَة فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْل فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْله وَقِدْح فِيهِ : | نَعَمْ | لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوا يَضْرِب بِهِ , فَإِنْ خَرَجَ قِدْح | نَعَمْ | عَمِلُوا بِهِ ; وَقِدْح فِيهِ لَا , فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاح , فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْح لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْر . وَقِدْح فِيهِ : | مِنْكُمْ | . وَقِدْح فِيهِ : | مُلْصَق | . وَقِدْح فِيهِ : | مِنْ غَيْركُمْ | . وَقِدْح فِيهِ : الْمِيَاه , إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْح , فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ . وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَجْتَبُوا غُلَامًا , أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكَحًا , أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا , وَيَشُكُّوا فِي نَسَب وَاحِد مِنْهُمْ , ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبَل , وَبِمِائَةِ دِرْهَم وَبِجَزُورٍ , فَأَعْطَوْهَا صَاحِب الْقِدَاح الَّذِي يَضْرِبهَا , ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبهمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ , ثُمَّ قَالُوا : يَا إِلَهنَا , هَذَا فُلَان اِبْن فُلَان , قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا , فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ ! ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاح : اِضْرِبْ , فَيَضْرِب , فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ | مِنْكُمْ | كَانَ وَسِيطًا , وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ : | مِنْ غَيْركُمْ | , كَانَ حَلِيفًا , وَإِنْ خَرَجَ : | مُلْصَق | , كَانَ عَلَى مَنْزِلَته مِنْهُمْ , لَا نَسَب لَهُ وَلَا حِلْف ; وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْء سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ | نَعَمْ | عَمِلُوا بِهِ ; وَإِنْ خَرَجَ : | لَا | , أَخَّرُوهُ عَامهمْ ذَلِكَ , حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّة أُخْرَى يَنْتَهُونَ فِي أُمُورهمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاح . )8702 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ } يَعْنِي : الْقِدْح , كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُور .)|ذَلِكُمْ فِسْقٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكُمْ فِسْق } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكُمْ } هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا , وَذَلِكَ أَكْل الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَسَائِر مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِمَّا حَرُمَ أَكْله . وَالِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ . { فِسْق } يَعْنِي : خُرُوج عَنْ أَمْر اللَّه وَطَاعَته إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ , وَإِلَى مَعْصِيَته . كَمَا : 8703 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى : قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { ذَلِكُمْ فِسْق } يَعْنِي : مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه , فَهُوَ فِسْق .)|الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } . </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } الْآن اِنْقَطَعَ طَمَع الْأَحْزَاب وَأَهْل الْكُفْر وَالْجُحُود أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دِينكُمْ , يَقُول : مِنْ دِينكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ , فَتَرْتَدُّوا عَنْهُ رَاجِعِينَ إِلَى الشِّرْك . كَمَا : 8704 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (قَوْله : { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينكُمْ } يَعْنِي : أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ أَبَدًا . )8705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { الْيَوْم يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُ

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَسْأَلك يَا مُحَمَّد أَصْحَابك مَا الَّذِي أُحِلَّ لَهُمْ أَكْله مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَآكِل , فَقُلْ لَهُمْ : أُحِلَّ مِنْهَا الطَّيِّبَات , وَهِيَ الْحَلَال الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ رَبّكُمْ فِي أَكْله مِنْ الذَّبَائِح , وَأُحِلَّ لَكُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ صَيْد مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح , وَمِنْ الْكَوَاسِب مِنْ سِبَاع الْبَهَائِم وَالطَّيْر , سُمِّيَتْ جَوَارِح لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا وَكَسْبهَا إِيَّاهُمْ أَقْوَاتهمْ مِنْ الصَّيْد , يُقَال مِنْهُ : جَرَحَ فُلَان لِأَهْلِهِ خَيْرًا : إِذَا أَكْسَبَهُمْ خَيْرًا , وَفُلَان جَارِحَة أَهْله : يَعْنِي بِذَلِكَ : كَاسِبهمْ , وَلَا جَارِحَة لِفُلَانَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَاسِب , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : <br>ذَات خَدّ مُنْضِج مِيسَمُهُ .......... يُذْكِر الْجَارِحَ مَا كَانَ اِجْتَرَحَ <br>يَعْنِي : اِكْتَسَبَ . وَتَرَكَ مِنْ قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ } | وَصَيْد | مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْره . وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْم فِيمَا بَلَغَنَا كَانُوا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَاب عَمَّا يَحِلّ لَهُمْ اِتِّخَاذه مِنْهَا وَعَبِيده , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اِتِّخَاذه مِنْهَا , وَأَمَرَ بِقِنْيَةِ كِلَاب الصَّيْد وَكِلَاب الْمَاشِيَة وَكِلَاب الْحَرْث , وَأَذِنَ لَهُمْ بِاِتِّخَاذِ ذَلِكَ . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 8747 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب الْعُكَلِيّ , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا صَالِح عَنْ الْقَعْقَاع بْن حَكِيم , عَنْ سَلْمَى أُمّ رَافِع , عَنْ أَبِي رَافِع , قَالَ : (جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِن عَلَيْهِ , فَأَذِنَ لَهُ , فَقَالَ : | قَدْ أَذَنَّا لَك يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | , قَالَ : أَجْل , وَلَكِنَّا لَا نَدْخُل بَيْتًا فِيهِ كَلْب . قَالَ أَبُو رَافِع : فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْتُل كُلّ كَلْب بِالْمَدِينَةِ , فَقَتَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى اِمْرَأَة عِنْدهَا كَلْب يَنْبَح عَلَيْهَا , فَتَرَكْته رَحْمَة لَهَا , ثُمَّ جِئْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرْته , فَأَمَرَنِي , فَرَجَعْت إِلَى الْكَلْب فَقَتَلْته , فَجَاءُوا فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا يَحِلّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي أَمَرْت بِقَتْلِهَا ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } )8748 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِع فِي قَتْل الْكِلَاب , فَقَتَلَ حَتَّى بَلَغَ الْعَوَالِي , فَدَخَلَ عَاصِم بْن عَدِيّ وَسَعْد بْن خَيْثَمَة وَعُوَيْم بْن سَاعِدَة , فَقَالُوا : مَاذَا أُحِلَّ لَنَا يَا رَسُول اللَّه ؟ فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } )8749 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : حَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : (لَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَاب , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , فَمَاذَا يَحِلّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ؟ فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } الْآيَة )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْجَوَارِح الَّتِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } فَقَالَ بَعْضهمْ هُوَ كُلّ مَا عُلِّمَ الصَّيْد فَتَعَلَّمَهُ مِنْ بَهِيمَة أَوْ طَائِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8750 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : كُلّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ : مِنْ كَلْب , أَوْ صَقْر , أَوْ فَهْد , أَوْ غَيْره . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن : ( { مُكَلِّبِينَ } قَالَ : كُلّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ مِنْ كَلْب أَوْ فَهْد أَوْ غَيْره . )8751 - اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي صَيْد الْفَهْد , قَالَ : (هُوَ مِنْ الْجَوَارِح . )8752 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : الطَّيْر , وَالْكِلَاب . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْقَاسِم أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد : ( { مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الْكِلَاب وَالطَّيْر . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الطَّيْر وَالْكِلَاب . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8753 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا شُعْبَة ( ح ) وَثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف , قَالَ : خَيْثَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن : (هَذَا مَا قَدْ بَيَّنْت لَك أَنَّ الصَّقْر وَالْبَازِي مِنْ الْجَوَارِح . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت الْهَيْثَم يُحَدِّث عَنْ طَلْحَة الْإِيَامِيّ , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : (أُنْبِئْت أَنَّ الصَّقْر , وَالْبَاز , وَالْكَلْب : مِنْ الْجَوَارِح . )8754 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن , قَالَ : (الْبَاز الصَّقْر مِنْ الْجَوَارِح . )8755 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : (الْبَاز وَالصَّقْر مِنْ الْجَوَارِح الْمُكَلِّبِينَ . )8756 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } يَعْنِي بِالْجَوَارِحِ : الْكِلَاب الضَّوَارِي وَالْفُهُود وَالصُّقُور وَأَشْبَاههَا . )8757 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : مِنْ الْكِلَاب وَغَيْرهَا , مِنْ الصُّقُور وَالْبِيزَان وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِمَّا يُعَلَّم . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } الْجَوَارِح : الْكِلَاب وَالصُّقُور الْمُعَلَّمَة . )8758 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول فِي قَوْله : ( { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : الْكِلَاب وَالطَّيْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } الْكِلَاب دُون غَيْرهَا مِنْ السِّبَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8759 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } قَالَ : هِيَ الْكِلَاب . )8760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } يَقُول : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْكِلَاب الَّتِي عَلَّمْتُمُوهُنَّ . )8761 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (أَمَّا مَا صَادَ مِنْ الطَّيْر وَالْبُزَاة مِنْ الطَّيْر , فَمَا أَدْرَكْت فَهُوَ لَك , وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمهُ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : كُلّ مَا صَادَ مِنْ الطَّيْر وَالسِّبَاع فَمِنْ الْجَوَارِح , وَإِنَّ صَيْد جَمِيع ذَلِكَ حَلَال إِذَا صَادَ بَعْد التَّعْلِيم ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } كُلّ جَارِحَة , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهَا شَيْئًا , فَكُلّ جَارِحَة كَانَتْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه مِنْ كُلّ طَائِر وَسَبُع فَحَلَال أَكْل صَيْدهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَر , مَعَ مَا فِي الْآيَة مِنْ الدَّلَالَة الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَهُوَ مَا : 8762 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه عَنْ صَيْد الْبَازِي , فَقَالَ : ( مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ | )فَأَبَاحَ صَيْد الْبَازِي وَجَعَلَهُ مِنْ الْجَوَارِح , فَفِي ذَلِكَ دَلَالَة بَيِّنَة عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى أَنَّهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } مَا عَلَّمَنَا مِنْ الْكِلَاب خَاصَّة دُون غَيْرهَا مِنْ سَائِر الْجَوَارِح . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي قَوْله { مُكَلِّبِينَ } دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْجَوَارِح الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْله : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح } هِيَ الْكِلَاب خَاصَّة , فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي حَال مَصِيركُمْ أَصْحَاب كِلَاب الطَّيِّبَات وَصَيْد مَا عَلَّمْتُمُوهُ الصَّيْد مِنْ كَوَاسِب السِّبَاع وَالطَّيْر . فَقَوْله : { مُكَلِّبِينَ } صِفَة لِلْقَانِصِ , وَإِنْ صَادَ بِغَيْرِ الْكِلَاب فِي بَعْض أَحْيَانه , وَهُوَ نَظِير قَوْل الْقَائِل يُخَاطِب قَوْمًا : أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات , وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ مُؤْمِنِينَ ; فَمَعْلُوم أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى قَائِل ذَلِكَ إِخْبَار الْقَوْم أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَحَلَّ لَهُمْ فِي حَال كَوْنهمْ أَهْل إِيمَان الطَّيِّبَات , وَصَيْد الْجَوَارِح الَّتِي أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَادُوهُ بِهَا , فَكَذَلِكَ قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ } لِذَلِكَ نَظِيره فِي أَنَّ التَّكْلِيب لِلْقَانِصِ بِالْكِلَابِ كَانَ صَيْده أَوْ بِغَيْرِهَا , لَا أَنَّهُ إِعْلَام مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنَّهُ لَا يَحِلّ مِنْ الصَّيْد إِلَّا مَا صَادَتْهُ الْكِلَاب .|تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { تُعَلِّمُونَهُنَّ } تُؤَدِّبُونَ الْجَوَارِح , فَتُعَلِّمُونَهُنَّ طَلَب الصَّيْد لَكُمْ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه , يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ التَّأْدِيب الَّذِي أَدَّبَكُمْ اللَّه وَالْعِلْم الَّذِي عَلَّمَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل : مَعْنَى قَوْله : { مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8763 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } يَقُول : تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنْ الطَّلَب كَمَا عَلَّمَكُمْ اللَّه . )وَلَسْنَا نَعْرِف فِي كَلَام الْعَرَب | مِنْ | بِمَعْنَى الْكَاف , لِأَنَّ | مِنْ | تَدْخُل فِي كَلَامهمْ بِمَعْنَى التَّبْعِيض , وَالْكَاف بِمَعْنَى التَّشْبِيه . وَإِنَّمَا يُوضَع الْحَرْف مَكَان آخَر غَيْره إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا , فَأَمَّا إِذَا اِخْتَلَفَتْ مَعَانِيهمَا فَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهمْ وَضْع أَحَدهمَا عَقِيب الْآخَر , وَكِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله أَحْرَى الْكَلَام أَنْ يُجَنَّب مَا خَرَجَ عَنْ الْمَفْهُوم وَالْغَايَة فِي الْفَصَاحَة مِنْ كَلَام مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ . 8764 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : ثنا عَامِر , أَنَّ عَدِيّ بْن حَاتِم الطَّائِيّ , قَالَ : (أَتَى رَجُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلهُ عَنْ صَيْد الْكِلَاب , فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُول لَهُ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } )قِيلَ : اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُسْتَشْلَى لِطَلَبِ الصَّيْد إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبه , وَيُمْسِك عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَهُ فَلَا يَأْكُل مِنْهُ , وَيَسْتَجِيب لَهُ إِذَا دَعَاهُ , وَلَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , فَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَانَ مُعَلَّمًا . وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْعِرَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : (كُلّ شَيْء قَتَلَهُ صَائِدك قَبْل أَنْ يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد فَهُوَ مَيْتَة , وَلَا يَكُون قَتْله إِيَّاهُ ذَكَاة حَتَّى يُعَلَّم وَيُمْسِك وَيَصِيد , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَ فَهُوَ ذَكَاته . )8766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب أَنْ يُمْسِك صَيْده فَلَا يَأْكُل مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيه صَاحِبه , فَإِنْ أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . )8767 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ طَاوُس , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . )8768 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل الْكَلْب فَأَكَلَ مِنْ صَيْده فَقَدْ أَفْسَدَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ اِسْم اللَّه حِين أَرْسَلَهُ - فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه - وَاللَّه يَقُول { مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } فَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَب وَيُعَلَّم حَتَّى يَتْرُك ذَلِكَ الْخُلُق . )8769 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَعْمَر الرَّقِّيّ , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِذَا أَخَذَ الْكَلْب فَقَتَلَ فَأَكَلَ , فَهُوَ سَبُع . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَا يَأْكُل مِنْهُ , فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَتَعَلَّم مِنْهُ وَلَمْ يَتَعَلَّم مَا عَلَّمْته , إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِذَا أَكَلَتْ الْكِلَاب فَلَا تَأْكُل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . 8770 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , قَالَ : قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيّ : (الرَّجُل يُرْسِل كَلْبه فَيَأْكُل مِنْهُ , أَنَأْكُلُ مِنْهُ ؟ قَالَ : لَا , لَمْ يَتَعَلَّم الَّذِي عَلَّمْته . )8771 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْكَلْب مِنْ صَيْد فَاضْرِبْهُ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . )8772 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَهُوَ مَيْتَة , فَلَا تَأْكُلهُ . )8773 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَسَيَّار , عَنْ الشَّعْبِيّ وَمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَلْب : (إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه . )8774 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : (إِنْ وَجَدْت الْكَلْب قَدْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد , فَمَا وَجَدْته مَيِّتًا فَدَعْهُ , فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْسِك عَلَيْك صَيْدًا , إِنَّمَا هُوَ سَبُع أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه وَلَمْ يُمْسِك عَلَيْك , وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِّمَ . )8775 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ نَحْو هَذِهِ الْمَقَالَة , غَيْر أَنَّهُمْ حَدُّوا لِمَعْرِفَةِ الْكَلَّاب بِأَنَّ كَلْبه قَدْ قَبِلَ التَّعْلِيم , وَصَارَ مِنْ الْجَوَارِح الْحَلَال صَيْدهَا أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ كَلْبه مَرَّات ثَلَاثًا , وَهَذَا قَوْل مَحْكِيّ عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة : لَا حَدَّ لِعِلْمِ الْكَلَّاب بِذَلِكَ مِنْ كَلْبه أَكْثَر مِنْ أَنْ يَفْعَل كَلْبه مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَهُ تَعْلِيم ; قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعَلَّمًا حَلَالًا صَيْده . وَهَذَا قَوْل بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ . وَفَرَّقَ بَعْض قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة بَيْن تَعْلِيم الْبَازِي وَسَائِر الطُّيُور الْجَارِحَة , وَتَعْلِيم الْكَلْب وَضَارِي السِّبَاع الْجَارِحَة , فَقَالَ : جَائِز أَكْل مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي مِنْ الصَّيْد . قَالُوا : وَإِنَّمَا تَعْلِيم الْبَازِي أَنْ يَطِير إِذَا اُسْتُشْلِيَ , وَيُجِيب إِذَا دُعِيَ , وَلَا يَنْفِر مِنْ صَاحِبه إِذَا أَرَادَ أَخْذه . قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمه أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8776 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (لَا بَأْس بِصَيْدِ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . )8777 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْر : (إِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ فَكُلْ , فَإِنَّ الْكَلْب إِذَا ضَرَبْته لَمْ يَعُدْ ; وَإِنَّ تَعْلِيم الطَّيْر : أَنْ يَرْجِع إِلَى صَاحِبه , وَلَيْسَ يُضْرَب فَإِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد وَنَتَفَ مِنْ الرِّيش فَكُلْ . )8778 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (لَيْسَ الْبَازِي وَالصَّقْر كَالْكَلْبِ , فَإِذَا أَرْسَلْتهمَا فَأَمْسَكَا فَأَكَلَا فَدَعَوْتهمَا فَأَتَيَاك , فَكُلْ مِنْهُ . )8779 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زُبَيْد , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ حَمَّاد , قَالَ إِبْرَاهِيم : (كُلْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ . )8780 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَجَابِر عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَا : (كُلْ مِنْ صَيْد الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : (إِذَا أَكَلَ الْبَازِي وَالصَّقْر مِنْ الصَّيْد , فَكُلْ , فَإِنَّهُ لَا يُعَلَّم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (لَا بَأْس بِمَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي . )8781 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي : (إِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَكُلْ . )وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : سَوَاء تَعْلِيم الطَّيْر وَالْبَهَائِم وَالسِّبَاع , لَا يَكُون نَوْع مِنْ ذَلِكَ مُعَلَّمًا إِلَّا بِمَا يَكُون بِهِ سَائِر الْأَنْوَاع مُعَلَّمًا . وَقَالُوا : لَا يَحِلّ أَكْل شَيْء مِنْ الصَّيْد الَّذِي صَادَتْهُ جَارِحَة فَأَكَلَتْ مِنْهُ , كَائِنَة مَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَارِحَة بَهِيمَة أَوْ طَائِرًا . قَالُوا : لِأَنَّ مِنْ شُرُوط تَعْلِيمهَا الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُمْسِك مَا صَادَتْ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8782 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَالِم , عَنْ عَامِر , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : (إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْ صَيْده فَلَا تَأْكُل . )8783 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُجَاهِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْهُ فَلَا تَأْكُل . )8784 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . )8785 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع عَنْ عَمْرو بْن الْوَلِيد السَّهْمِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُل . )8786 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : (الْكَلْب وَالْبَازِي كُلّه وَاحِد , لَا تَأْكُل مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنْ الصَّيْد إِلَّا أَنْ تُدْرِك ذَكَاته فَتُذَكِّيهِ . )قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : الْبَازِي يَنْتِف الرِّيش ؟ قَالَ : فَمَا أَدْرَكْته وَلَمْ يَأْكُل , فَكُلْ . قَالَ ذَلِكَ غَيْر مَرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : تَعْلِيم كُلّ جَارِحَة مِنْ الْبَهَائِم وَالطَّيْر وَاحِد , قَالُوا : وَتَعْلِيمه الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْده أَنْ يُشْلَى عَلَى الصَّيْد فَيَسْتَشْلِي وَيَأْخُذ الصَّيْد , وَيَدْعُوهُ صَاحِبه فَيُجِيب , أَوْ لَا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَخَذَهُ . قَالُوا : فَإِذَا فَعَلَ الْجَارِح ذَلِكَ كَانَ مُعَلَّمًا دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالُوا : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط تَعْلِيم ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُل مِنْ الصَّيْد , قَالُوا : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ شَرْطه وَهُوَ يُؤَدَّب بِأَكْلِهِ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8787 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد أَوْ سَعْد , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك عَلَى صَيْد , وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه , فَكُلْ مَا بَقِيَ . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حُمَيْد , قَالَ : ثني الْقَاسِم بْن رَبِيعَة , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ سَلْمَان : (أَنَّ الْكَلْب يَأْخُذ الصَّيْد فَيَأْكُل مِنْهُ , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ إِذَا أَرْسَلْته وَذَكَرْت اِسْم اللَّه وَكَانَ مُعَلَّمًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : (كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ ثُلُثَيْهِ ; يَعْنِي : الصَّيْد إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْب . )- حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد , عَنْ شُعْبَة ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا عَبْدَة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَأَكَلَ ثُلُثه فَكُلْ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ سَلْمَان , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ وَالْقَاسِم , أَنَّ سَلْمَان قَالَ : (إِذَا أَكَلَ الْكَلْب فَكُلْ , وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَات , عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ بَازك , فَسَمَّيْت , فَأَكَلَ نِصْفه أَوْ ثُلُثَيْهِ , فَكُلْ بَقِيَّته . )8788 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة بْن بُكَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُمَيْد بْن مَالِك بْن خُثَيْم الدُّؤَلِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ الصَّيْد يَأْكُل مِنْهُ الْكَلْب , فَقَالَ : (كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حَذْيَة , يَعْنِي بَضْعَة . )8789 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : (سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ يُحَدِّث عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . )8790 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت بُكَيْر بْن الْأَشَجّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب - قَالَ شُعْبَة , قُلْت : سَمِعْته مِنْ سَعِيد ؟ قَالَ : لَا - قَالَ : (كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . قَالَ : ثُمَّ إِنَّ شُعْبَة قَالَ فِي حَدِيثه عَنْ سَعْد , قَالَ : كُلْ وَإِنْ أَكَلَ نِصْفه . )8791 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَأَكَلَ مِنْهُ , فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثه فَكُلْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني سَالِم بْن نُوح الْعَطَّار , عَنْ عُمَر , يَعْنِي اِبْن عَامِر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان , قَالَ : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَأَخَذَ فَقَتَلَ , فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ . )8792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه ( ح ) وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ نَافِع , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك , أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , بِنَحْوِهِ . 8793 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي ذِئْب أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر (كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ الصَّيْد بَأْسًا , إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْب أَكَلَ مِنْهُ . )* - حَدَّثَنِي يُونُس بِهِ مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن أَبِي ذِئْب وَغَيْر وَاحِد , أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي ذِئْب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ الْكَلْب الضَّارِي . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ بُكَيْر بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ سَعْد , قَالَ : (قُلْت : لَنَا كِلَاب ضَوَارٍ يَأْكُلْنَ وَيُبْقِينَ ؟ قَالَ : كُلْ وَإِنْ لَمْ يُبْقِ إِلَّا بَضْعَة . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْد اللَّه بْن الْأَشَجّ , عَنْ حُمَيْد , قَالَ : سَأَلْت سَعْدًا , فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه } أَنَّ التَّعْلِيم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة لِلْجَوَارِحِ , إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَلِّم الرَّجُل جَارِحه الِاسْتِشْلَاء إِذَا أُشْلِيَ عَلَى الصَّيْد , وَطَلَبه إِيَّاهُ إِذَا أُغْرِيَ , أَوْ إِمْسَاكه عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْر أَنْ يَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَأَلَّا يَفِرّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ , وَأَنْ يُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ , فَذَلِكَ هُوَ تَعْلِيم جَمِيع الْجَوَارِح طَيْرهَا وَبَهَائِمهَا . وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الصَّيْد جَارِحَة صَائِد , فَجَارِحه حِينَئِذٍ غَيْر مُعَلَّم . فَإِنْ أَدْرَكَ صَاحِبه حَيًّا فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ أَكْله , وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا لَمْ يَحِلّ لَهُ , لِأَنَّهُ مِمَّا أَكَلَهُ السَّبُع الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَكَلَ السَّبُع } وَلَمْ يُدْرِك ذَكَاته . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , 8794 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم بْن سُلَيْمَان الْأَحْوَل , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْد , فَقَالَ : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك فَاذْكُرْ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ , فَإِنْ أَدْرَكْته وَقَدْ قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه | )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ بَيَان بْن بِشْر , عَنْ عَامِر , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْت : إِنَّا قَوْم نَتَصَيَّد بِهَذِهِ الْكِلَاب ؟ فَقَالَ : ( إِذَا أَرْسَلْت كِلَابك الْمُعَلَّمَة وَذَكَرْت اِسْم اللَّه عَلَيْهَا , فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْك وَإِنْ قَتَلْنَ , إِلَّا أَنْ يَأْكُل الْكَلْب , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَكُون إِنَّمَا حَبَسَهُ عَلَى نَفْسه | )فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا : 8795 - حَدَّثَك بِهِ عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن دِينَار , عَنْ أَبِي إِيَاس , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُل كَلْبًا عَلَى الصَّيْد فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ , فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِيَ | )قِيلَ : هَذَا خَبَر فِي إِسْنَاده نَظَر , فَإِنَّ سَعِيدًا غَيْر مَعْلُوم لَهُ سَمَاع مِنْ سَلْمَان , وَالثِّقَات مِنْ أَهْل الْآثَار يَقِفُونَ هَذَا الْكَلَام عَلَى سَلْمَان وَيَرْوُونَهُ عَنْهُ مِنْ قِبَله غَيْر مَرْفُوع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحُفَّاظ الثِّقَات إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى نَقْل شَيْء بِصِفَةٍ فَخَالَفَهُمْ وَاحِد مُنْفَرِد لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ , كَانَتْ الْجَمَاعَة الْأَثْبَات أَحَقّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوا مِنْ الْفَرْد الَّذِي لَيْسَ لَهُ حِفْظهمْ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي الْكَلْب عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ جَارِحَة فِي أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْهَا مِنْ الصَّيْد فَغَيْر مُعَلَّم , لَا يَحِلّ لَهُ أَكْل صَيْده إِلَّا أَنْ يُدْرِك ذَكَاته .|فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } فَكُلُوا أَيّهَا النَّاس مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِر وَالْعُمُوم كَمَا عَمَّمَهُ اللَّه حَلَال أَكْل كُلّ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْنَا الْكِلَاب وَالْجَوَارِح الْمُعَلَّمَة مِنْ الصَّيْد الْحَلَال أَكْله , أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِح وَالْكِلَاب أَوْ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ , أُدْرِكَتْ ذَكَاته فَذُكِّيَ أَوْ لَمْ تُدْرَك ذَكَاته حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِح , بِجَرْحِهَا إِيَّاهُ أَوْ بِغَيْرِ جَرْح . وَهَذَا قَوْل الَّذِينَ قَالُوا : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا أَنْ تُعَلَّم الِاسْتِشْلَاء عَلَى الصَّيْد وَطَلَبه إِذَا أُشْلِيَتْ عَلَيْهِ وَأَخْذه , وَتَرْك الْهَرَب مِنْ صَاحِبهَا دُون تَرْك الْأَكْل مِنْ صَيْدهَا إِذَا صَادَتْهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَالرِّوَايَة عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهَا الْوَارِدَة آنِفًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوص دُون الْعُمُوم , قَالُوا : وَمَعْنَاهُ : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّيْد جَمِيعه دُون بَعْضه . قَالُوا : فَإِنْ أَكَلَتْ الْجَوَارِح مِنْهُ بَعْضًا وَأَمْسَكْت بَعْضًا , فَاَلَّذِي أَمْسَكْت مِنْهُ غَيْر جَائِز أَكْله وَقَدْ أَكَلَتْ بَعْضه لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَمْسَكَت مَا أَمْسَكَت مِنْ ذَلِكَ الصَّيْد بَعْد الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسهَا لَا عَلَيْنَا , وَاللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا أَبَاحَ لَنَا كُلّ مَا أَمْسَكَتْهُ جَوَارِحنَا الْمُعَلَّمَة عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } دُون مَا أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسهَا , وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : تَعْلِيم الْجَوَارِح الَّذِي يَحِلّ بِهِ صَيْدهَا , أَنْ تُسْتَشْلَى لِلصَّيْدِ إِذَا أُشْلِيَتْ فَتَطْلُبهُ وَتَأْخُذهُ , فَتُمْسِكهُ عَلَى صَاحِبهَا فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , وَلَا تَفِرّ مِنْ صَاحِبهَا ; وَقَدْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ جَمَاعَة كَثِيرَة , وَنَذْكُر مِنْهُمْ جَمَاعَة آخَرِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . 8796 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } يَقُول : كُلُوا مِمَّا قَتَلْنَ . قَالَ عَلِيّ : وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنْ قَتَلَ وَأَكَلَ فَلَا تَأْكُل , وَإِنْ أَمْسَكَ فَأَدْرَكْته حَيًّا فَذَكِّهِ . )8797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (إِنْ أَكَلَ الْمُعَلَّم مِنْ الْكِلَاب مِنْ صَيْده قَبْل أَنْ يَأْتِيه صَاحِبه فَيُدْرِك ذَكَاته , فَلَا يَأْكُل مِنْ صَيْده . )8798 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } إِذَا صَادَ الْكَلْب فَأَمْسَكَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ , فَهُوَ حِلّ , فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ , فَيُقَال : إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه , فَلَا تَأْكُل مِنْهُ شَيْئًا , إِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ . )8799 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } إِلَى قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اِسْم اللَّه عَلَيْهِ } قَالَ : إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم أَوْ طَيْرك أَوْ سَهْمك , فَذَكَرْت اِسْم اللَّه , فَأَخَذَ أَوْ قَتَلَ , فَكُلْ . )8800 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : (إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم فَذَكَرْت اِسْم اللَّه حِين تُرْسِلهُ فَأَمْسَكَ أَوْ قَتَلَ فَهُوَ حَلَال , فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلهُ , فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسه . )8801 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ , قَوْله : ( { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَرْضِي أَرْض صَيْد ؟ قَالَ : | إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك وَسَمَّيْت فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك كَلْبك , وَإِنْ قَتَلَ , فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسه | )وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته وَتَكْرَاره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول | مِنْ | فِي قَوْله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } , وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا صَيْد جَوَارِحنَا الْحَلَال , | وَمِنْ |إِنَّمَا تَدْخُل فِي الْكَلَام مُبَعِّضَة لِمَا دَخَلَتْ فِيهِ ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى دُخُولهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع أَهْل الْعَرَبِيَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة حِين دَخَلَتْ | مِنْ | فِي هَذَا الْمَوْضِع لِغَيْرِ مَعْنًى , كَمَا تُدْخِلهُ الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث . قَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } , وَقَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } قَالَ : وَهُوَ فِيمَا فَسَّرَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء جِبَالًا فِيهَا بَرَد . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } أَيْ مِنْ السَّمَاء مِنْ بَرَد , بِجَعْلِ الْجِبَال مِنْ بَرَد فِي السَّمَاء , وَبِجَعْلِ الْإِنْزَال مِنْهَا . وَكَانَ غَيْره مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَقُول : لَمْ تَدْخُل |مِنْ | إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُوم لَا يَجُوز الْكَلَام وَلَا يَصْلُح إِلَّا بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهَا دَالَّة عَلَى التَّبْعِيض . وَكَانَ يَقُول : مَعْنَى قَوْلهمْ : | قَدْ كَانَ مِنْ مَطَر , وَكَانَ مِنْ حَدِيث | : هَلْ كَانَ مِنْ مَطَر مُطِرَ عِنْدكُمْ , وَهَلْ مِنْ حَدِيث حَدَثَ عِنْدكُمْ . وَيَقُول : مَعْنَى { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } أَيْ وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ مَا يَشَاء وَيُرِيد , وَفِي قَوْله : { وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } فَيُجِيز حَذْف |مِنْ | مِنْ { مِنْ بَرَد } وَلَا يُجِيز حَذْفهَا مِنْ | الْجِبَال | , وَيَتَأَوَّل مَعْنَى ذَلِكَ : وَيُنَزِّل مِنْ السَّمَاء أَمْثَال جِبَال بَرَد , ثُمَّ أُدْخِلَتْ | مِنْ | فِي الْبَرَد ; لِأَنَّ الْبَرَد مُفَسَّر عِنْده عَنْ الْأَمْثَال : أَعْنِي : أَمْثَال الْجِبَال , وَقَدْ أُقِيمَتْ الْجِبَا

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُن

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات } الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَلَال مِنْ الذَّبَائِح وَالْمَطَاعِم , دُون الْخَبَائِث مِنْهَا . قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } وَذَبَائِح أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَهُمْ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ , فَدَانُوا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا { حِلّ لَكُمْ } يَقُول : حَلَال لَكُمْ أَكْله دُون ذَبَائِح سَائِر أَهْل الشِّرْك الَّذِينَ لَا كِتَاب لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب وَعَبَدَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّه عَزَّ ذِكْره وَدَانَ دِين أَهْل الْكِتَاب , فَحَرَام عَلَيْكُمْ ذَبَائِحهمْ . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عَنَى اللَّه عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ ذَبِيحَة كُلّ كِتَابِيّ مِمَّنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي مِلَّتهمْ فَدَانَ دِينهمْ وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَحَلَّلَ مَا حَلَّلُوا مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ سَائِر أَجْنَاس الْأُمَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8804 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَهُ : ثنا عِكْرِمَة , قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 8805 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بِشْر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَعِكْرِمَة : (أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَبِتَزَوُّجِ نِسَائِهِمْ , وَيَتْلُوَانِ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . )8806 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب . 8807 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , وَقَرَأَ : { وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا } . )8808 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ . ثني اِبْن شِهَاب عَنْ ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب , قَالَ : (تُؤْكَل مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ فِي الدِّين أَهْل كِتَاب , وَيَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه . )8809 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج : قَالَ : قَالَ عَطَاء : (إِنَّمَا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ الْكِتَاب . )8810 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَحَمَّادًا وَقَتَادَة عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَقَالُوا : (لَا بَأْس بِهَا . قَالَ : وَقَرَأَ الْحَكَم : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إِلَّا أَمَانِيَّ } . )8811 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كُلُوا مِنْ ذَبَائِح بَنِي تَغْلِب , وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ , فَإِنَّ اللَّه قَالَ فِي كِتَابه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ . )8812 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة : (أَنَّ الْحَسَن كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , وَكَانَ يَقُول : اِنْتَحِلُوا دِينًا فَذَاكَ دِينهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب فِي هَذِهِ الْآيَة , الَّذِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَبْنَائِهِمْ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ دَخِيلًا فِيهِمْ مِنْ سَائِر الْأُمَم مِمَّنْ دَانَ بِدِينِهِمْ وَهُمْ مِنْ غَيْر بَنِي إِسْرَائِيل , فَلَمْ يُعْنَ بِهَذِهِ الْآيَة وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَحِلّ أَكْل ذَبَائِحه ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْكِتَاب مِنْ قَبْل الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا قَوْل كَانَ مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ يَقُولهُ - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع - وَيَتَأَوَّل فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ كَرِهَ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ حَرَّمَ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب : 8813 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : قَالَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ : (لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنْ النَّصْرَانِيَّة بِشُرْبِ الْخَمْر . )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنْ النَّصْرَانِيَّة إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب , فَقَالَ : (لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينهمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر . )8814 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَابِس , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : (نَهَانَا عَلِيّ عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب . )8815 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة الْقَصَّاب , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَلِيّ يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ : (أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب . )8816 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب وَذَبَائِح نَصَارَى أَرْمِينِيَّة . )وَهَذِهِ الْأَخْبَار عَنْ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , إِنَّمَا تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّة , لِتَرْكِهِمْ تَحْلِيل مَا تُحَلِّل النَّصَارَى وَتَحْرِيم مَا تُحَرِّم غَيْر الْخَمْر . وَمَنْ كَانَ مُنْتَحِلًا مِلَّة هُوَ غَيْر مُتَمَسِّك مِنْهَا بِشَيْءٍ , فَهُوَ إِلَى الْبَرَاءَة مِنْهَا أَقْرَب إِلَى اللَّحَاق بِهَا وَبِأَهْلِهَا , فَلِذَلِكَ نَهَى عَلِيٌّ عَنْ أَكْل ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , لَا مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الْحُجَّة إِحْلَال ذَبِيحَة كُلّ نَصْرَانِيّ وَيَهُودِيّ , إِنْ اِنْتَحَلَ دِين النَّصَارَى أَوْ الْيَهُود , فَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا , وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرهمْ , فَبَيَّنَ خَطَأ مَا قَالَ الشَّافِعِيّ فِي ذَلِكَ وَتَأْوِيله الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَنَّهُ ذَبَائِح الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَصَوَاب مَا خَالَفَ تَأْوِيله ذَلِكَ , وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ كُلّ يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ فَحَلَال ذَبِيحَته مِنْ أَيّ أَجْنَاس بَنِي آدَم كَانَ . وَأَمَّا الطَّعَام الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } فَإِنَّهُ الذَّبَائِح . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8817 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : الذَّبَائِح . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم وَقَبِيصَة , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبِيحَة أَهْل الْكِتَاب . 8818 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم وَقَبِيصَة , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 8819 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : ذَبَائِحهمْ . )8820 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْمُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8821 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَيْ ذَبَائِحهمْ . )8822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } أَمَّا طَعَامهمْ فَهُوَ الذَّبَائِح . )8823 - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } قَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا طَعَامهمْ وَنِسَاءَهُمْ . )8824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَمَّا قَوْله : ( { وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ } فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَنَا طَعَامهمْ وَنِسَاءَهُمْ . )8825 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْته - يَعْنِي اِبْن يَزِيد - (عَمَّا ذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ وَسُمِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ : أَحَلَّ اللَّه لَنَا طَعَام أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا . )8826 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّة حُدَيْر بْن كُرَيْب , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد , عَنْ عُمَيْر بْن الْأَسْوَد : (أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ كَبْش ذُبِحَ لِكَنِيسَةٍ يُقَال لَهَا جِرْجِس أَهْدَوْهُ لَهَا , أَنَأْكُلُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : اللَّهُمَّ عَفْوًا ! إِنَّهُمْ هُمْ أَهْل كِتَاب , طَعَامهمْ حِلّ لَنَا وَطَعَامنَا حِلّ لَهُمْ . وَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ . )وَأَمَّا قَوْله { وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : ذَبَائِحكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ حِلّ لِأَهْلِ الْكِتَاب .|وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات } أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَهُنَّ الْحَرَائِر مِنْهُنَّ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ . { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : وَالْحَرَائِر مِنْ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ قَبْلكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَرَب وَسَائِر النَّاس , أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أَيْضًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُحْصَنَات اللَّاتِي عَنَاهُنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْحَرَائِر خَاصَّة , فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة . وَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح الْحُرَّة مُؤْمِنَة كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَيّ أَجْنَاس كَانَتْ , بَعْد أَنْ تَكُون كِتَابِيَّة فَاجِرَة كَانَتْ أَوْ عَفِيفَة , وَحَرَّمُوا إِمَاء أَهْل الْكِتَاب أَنْ نَتَزَوَّجهُنَّ بِكُلِّ حَال ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَرَطَ مَنْ نِكَاح الْإِمَاء الْإِيمَان بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8827 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : مِنْ الْحَرَائِر . )8828 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : (أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته وَخُطِبَتْ إِلَيْهِ أُخْته , وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ , فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا , فَقَالَ عُمَر : مَا رَأَيْت مِنْهَا ؟ قَالَ : مَا رَأَيْت مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا ! فَقَالَ : زَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِر . )8829 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : ثنا عَامِر , قَالَ : (زَنَتْ اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان , قَالَ : فَجَلَدَهَا مُصَدِّق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدّ , ثُمَّ تَابَتْ . فَأَتَوْا عُمَر , فَقَالُوا : نُزَوِّجهَا وَبِئْسَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرهَا ! قَالَ عُمَر : لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَأُعَاقِبَنَّكُمْ عُقُوبَة شَدِيدَة . )8830 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب : (أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج أُخْته , فَقَالَتْ : إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْضَح أَبِي , فَقَدْ بَغَيْت . فَأَتَى عُمَر فَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ تَابَتْ ؟ قَالَ : بَلَى : قَالَ : فَزَوِّجْهَا . )8831 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّ نُبَيْشَة اِمْرَأَة مِنْ هَمْدَان بَغَتْ , فَأَرَادَتْ أَنْ تَذْبَح نَفْسهَا , قَالَ : فَأَدْرَكُوهَا فَدَاوَوْهَا فَبَرِئَتْ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَر , فَقَالَ : اِنْكِحُوهَا نِكَاح الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . )8832 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْيَمَن أَصَابَتْ أُخْته فَاحِشَة , فَأَمَرَّتْ الشَّفْرَة عَلَى أَوْدَاجهَا , فَأُدْرِكَتْ , فَدُووِيَ جُرْحهَا حَتَّى بَرِئَتْ . ثُمَّ إِنَّ عَمّهَا اِنْتَقَلَ بِأَهْلِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة , فَقَرَأَتْ الْقُرْآن وَنَسَكَتْ , حَتَّى كَانَتْ مِنْ أَنْسَك نِسَائِهِمْ . فَخُطِبَتْ إِلَى عَمّهَا , وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُدَلِّسهَا , وَيَكْرَه أَنْ يُفْشِي عَلَى اِبْنَة أَخِيهِ , فَأَتَى عُمَر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ عُمَر : لَوْ أَفْشَيْت عَلَيْهَا لَعَاقَبْتُك , إِذَا أَتَاك رَجُل صَالِح تَرْضَاهُ فَزَوِّجْهَا إِيَّاهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر : أَنَّ جَارِيَة بِالْيَمَنِ يُقَال لَهَا نُبَيْشَة , أَصَابَتْ فَاحِشَة , فَذَكَرَ نَحْوه . 8833 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل عَنْ عَامِر , قَالَ : أَتَى رَجُل عُمَر فَقَالَ : (إِنَّ اِبْنَة لِي كَانَتْ وُئِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَاسْتَخْرَجْتهَا قَبْل أَنْ تَمُوت , فَأَدْرَكَتْ الْإِسْلَام , فَلَمَّا أَسْلَمَتْ أَصَابَتْ حَدًّا مِنْ حُدُود اللَّه , فَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَة لِتَذْبَح بِهَا نَفْسهَا , فَأَدْرَكْتهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْض أَوْدَاجهَا , فَدَاوَيْتهَا حَتَّى بَرِئَتْ , ثُمَّ إِنَّهَا أَقْبَلَتْ بِتَوْبَةٍ حَسَنَة , فَهِيَ تُخْطَب إِلَيَّ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَأُخْبِرَ مِنْ شَأْنهَا بِاَلَّذِي كَانَ ؟ فَقَالَ عُمَر : أَتُخْبِرُ بِشَأْنِهَا ؟ تَعْمَد إِلَى مَا سَتَرَهُ اللَّه فَتُبْدِيه وَاللَّه لَئِنْ أَخْبَرْت بِشَأْنِهَا أَحَدًا مِنْ النَّاس , لَأَجْعَلَنَّك نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَار بَلْ أَنْكِحْهَا بِنِكَاحِ الْعَفِيفَة الْمُسْلِمَة . )* - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنِيع , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عُمَر . فَذَكَرَ نَحْوه . 8834 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر : (أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ مِنْ رَجُل أُخْته , فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا قَدْ أَحْدَثَتْ . فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَضَرَبَ الرَّجُل , وَقَالَ : مَا لَك وَالْخَبَر ؟ أَنْكِحْ وَاسْكُتْ )! 8835 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : (ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَدَع أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَة فِي الْإِسْلَام أَنْ يَتَزَوَّج مُحْصَنَة . فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن كَعْب : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , الشِّرْك أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ يُقْبَل مِنْهُ إِذَا تَابَ )! وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْعَفَائِف مِنْ الْفَرِيقَيْنِ , إِمَاء كُنَّ أَوْ حَرَائِر . فَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة نِكَاح إِمَاء أَهْل الْكِتَاب الدَّائِنَات دِينهمْ بِهَذِهِ الْآيَة , وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنْ الْمُؤْمِنَات وَأَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8836 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : الْعَفَائِف . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8837 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ عَامِر : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ رَجُل , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَان الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة : أَنْ لَا تَزْنِي , وَأَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : إِحْصَانهَا أَنْ تَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة , وَأَنْ تُحْصِن فَرْجهَا مِنْ الزِّنَا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ . 8838 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان يَقُول فِي قَوْله : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : الْعَفَائِف . )8839 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : أَمَّا الْمُحْصَنَات : فَهُنَّ الْعَفَائِف . )8840 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ اِمْرَأَة اِتَّخَذَتْ مَمْلُوكهَا وَقَالَتْ : تَأَوَّلْت كِتَاب اللَّه : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَالَ : فَأُتِيَ بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ لَهُ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَأَوَّلَتْ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه عَلَى غَيْر وَجْههَا . قَالَ : فَقَرَّبَ الْعَبْد وَجَزَّ رَأْسه , وَقَالَ : أَنْت بَعْده حَرَام عَلَى كُلّ مُسْلِم . 8841 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : (أَنَّهُ قَالَ فِي الَّتِي تُسَرَّى قَبْل أَنْ يُدْخَل بِهَا , قَالَ : لَيْسَ لَهَا صَدَاق وَيُفَرَّق بَيْنهمَا . )8842 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْبِكْر تَهْجُر , قَالَ : تُضْرَب مِائَة سَوْط , وَتُنْفَى سَنَة , وَتَرُدّ عَلَى زَوْجهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ . 8843 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , مِثْل ذَلِكَ . 8844 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن , مِثْل ذَلِكَ . 8845 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : (إِذَا رَأَى الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته فَاحِشَة فَاسْتَيْقَنَ فَإِنَّهُ لَا يُمْسِكهَا . )8846 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : . (مَمْلُوكَات أَهْل الْكِتَاب بِمَنْزِلَةِ حَرَائِرهمْ . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } أَعَامّ أَمْ خَاصّ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عَامّ فِي الْعَفَائِف مِنْهُنَّ ; لِأَنَّ الْمُحْصَنَات الْعَفَائِف , وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّج كُلّ حُرَّة وَأَمَة كِتَابِيَّة حَرْبِيَّة كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّة . وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } وَأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِنَّ الْعَفَائِف كَائِنَة مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ . وَهَذَا قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْعَفَائِف . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ اللَّوَاتِي عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } الْحَرَائِر مِنْهُنَّ , وَالْآيَة عَامَّة فِي جَمِيعهنَّ , فَنِكَاح جَمِيع الْحَرَائِر الْيَهُود وَالنَّصَارَى جَائِز , حَرْبِيَّات كُنَّ أَوْ ذِمِّيَّات , مِنْ أَيّ أَجْنَاس الْيَهُود وَالنَّصَارَى كُنَّ وَهَذَا قَوْل جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8847 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن : (أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِنِكَاحِ نِسَاء الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَقَالَا : أَحَلَّهُ اللَّه عَلَى عِلْم . )وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : نِكَاح بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة دُون سَائِر أَجْنَاس الْأُمَم الَّذِينَ دَانُوا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة . وَذَلِكَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ لَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذِمَّة وَعَهْد , فَأَمَّا أَهْل الْحَرْب فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ حَرَام عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8848 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا الْفَزَارِيّ , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مِنْ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب مَنْ يَحِلّ لَنَا , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلّ لَنَا , ثُمَّ قَرَأَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة } فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَة حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ , وَمَنْ لَمْ يُعْطَ الْجِزْيَة لَمْ يَحِلّ لَنَا نِسَاؤُهُ . )قَالَ الْحَكَم : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم فَأَعْجَبَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } حَرَائِر الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْذَن بِنِكَاحِ الْإِمَاء الْأَحْرَار فِي الْحَال الَّتِي أَبَاحَهُنَّ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُنَّ مُؤْمِنَات , فَقَالَ عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِح الْمُحْصَنَات الْمُؤْمِنَات فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ مِنْ فَتَيَاتكُمْ الْمُؤْمِنَات } فَلَمْ يُبَحْ مِنْهُنَّ إِلَّا الْمُؤْمِنَات , فَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } الْعَفَائِف , لَدَخَلَ الْعَفَائِف مِنْ إِمَائِهِمْ فِي الْإِبَاحَة , وَخَرَجَ مِنْهَا غَيْر الْعَفَائِف مِنْ حَرَائِرهمْ وَحَرَائِر أَهْل الْإِيمَان . وَقَدْ أَحَلَّ اللَّه لَنَا حَرَائِر الْمُؤْمِنَات , وَإِنْ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ } , وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : لَا يَحِلّ نِكَاح مَنْ أَتَى الْفَاحِشَة مِنْ نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْكِتَاب لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَنِكَاح حَرَائِر الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْكِتَاب حَلَال لِلْمُؤْمِنِينَ , كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ لَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ , ذِمِّيَّة كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّة , بَعْد أَنْ تَكُون بِمَوْضِعٍ لَا يَخَاف النَّاكِح فِيهِ عَلَى وَلَده أَنْ يُجْبَر عَلَى الْكُفْر , بِظَاهِرِ قَوْل اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } فَأَمَّا قَوْل الَّذِي قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَابِيَّات مِنْهُنَّ خَاصَّة , فَقَوْل لَا يُوجِب التَّشَاغُل بِالْبَيَانِ عَنْهُ لِشُذُوذِهِ وَالْخُرُوج عَمَّا عَلَيْهِ عُلَمَاء الْأُمَّة مِنْ تَحْلِيل نِسَاء جَمِيع الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ جِهَة الْقِيَاس فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فَكَرِهْنَا إِعَادَته .|إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ|يَعْنِي : إِذَا أَعْطَيْتُمْ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ مُحْصَنَاتكُمْ وَمُحْصَنَاتهمْ أُجُورهنَّ , وَهِيَ مُهُورهنَّ . وَأَمَّا قَوْله : { إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } فَإِنَّ الْأَجْر : الْعِوَض الَّذِي يَبْذُلهُ الزَّوْج لِلْمَرْأَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا , وَهُوَ الْمَهْر . كَمَا : 8849 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ } يَعْنِي مُهُورهنَّ .)|مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُحِلَّ لَكُمْ الْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات , وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ , وَأَنْتُمْ مُحْصَنُونَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مُحْصِنِينَ } أَعِفَّاء ; { غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : لَا مُعَالِنِينَ بِالسِّفَاحِ بِكُلِّ فَاجِرَة وَهُوَ الْفُجُور ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَقُول : وَلَا مُنْفَرِدِينَ بِبَغِيَّةٍ وَاحِدَة قَدْ خَادَنَهَا وَخَادَنَتْهُ وَاِتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَدِيقَة يَفْجُر بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِحْصَان وَوُجُوهه وَمَعْنَى السِّفَاح وَالْخِدْن فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ كَمَا : 8850 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ } يَعْنِي : يَنْكِحُوهُنَّ بِالْمَهْرِ وَالْبَيِّنَة , { غَيْر مُسَافِحِينَ } مُتَعَالِنِينَ بِالزِّنَا , { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } يَعْنِي : يُسِرُّونَ بِالزِّنَا . )8851 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (أَحَلَّ اللَّه لَنَا مُحْصَنَتَيْنِ : مُحْصَنَة مُؤْمِنَة , وَمُحْصَنَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ; { وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان } ذَات الْخِدَان : ذَات الْخَلِيل الْوَاحِد . )8852 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سَأَلَهُ رَجُل : (أَيَتَزَوَّجُ الرَّجُل الْمَرْأَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب ؟ قَالَ : مَا لَهُ وَلِأَهْلِ الْكِتَاب وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّه الْمُسْلِمَات ؟ فَإِنْ كَانَ لَا بُدّ فَاعِلًا , فَلْيَعْمِدْ إِلَيْهَا حَصَانًا غَيْر مُسَافِحَة . قَالَ الرَّجُل : وَمَا الْمُسَافِحَة ؟ قَالَ : هِيَ الَّتِي إِذَا لَمَّحَ الرَّجُل إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ اِتَّبَعَتْهُ .)|وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } وَمَنْ يَجْحَد مَا أَمَرَ اللَّه بِالتَّصْدِيقِ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُوَ الْإِيمَان الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } يَقُول : فَقَدْ بَطَلَ ثَوَاب عَمَله الَّذِي كَانَ يَعْمَلهُ فِي الدُّنْيَا , يَرْجُو أَنْ يُدْرِك بِهِ مَنْزِلَة عِنْد اللَّه . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } عُنِيَ بِهِ أَهْل الْكِتَاب , وَأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل قَوْم تَحَرَّجُوا نِكَاح نِسَاء أَهْل الْكِتَاب لَمَّا قِيلَ لَهُمْ { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8853 - حَدَّثَنَا بِشْر , ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : (كَيْفَ نَتَزَوَّج نِسَاءَهُمْ - يَعْنِي نِسَاء أَهْل الْكِتَاب - وَهُمْ عَلَى غَيْر دِيننَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَأَحَلَّ اللَّه تَزْوِيجهنَّ عَلَى عِلْم . )وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْإِيمَان قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 8854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : بِالْإِيمَانِ بِاللَّه . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ بْن يَمَان , عَنْ وَاصِل , عَنْ عَطَاء : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْإِيمَان : التَّوْحِيد . )8855 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : بِاللَّه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : مَنْ يَكْفُر بِاللَّه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } قَالَ : الْكُفْر بِاللَّه . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8856 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَله } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ الْإِيمَان هُوَ الْعُرْوَة الْوُثْقَى , وَأَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا إِلَّا بِهِ , وَلَا يُحَرِّم الْجَنَّة إِلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه تَأْوِيل مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ } إِلَى مَعْنَى : وَمَنْ يَكْفُر بِاللَّه ؟ قِيلَ وَجْه تَأْوِيله ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا ابْتَعَثَهُمْ بِهِ مِنْ دِينه ; وَالْكُفْر : جُحُود ذَلِكَ . قَالُوا : فَمَعْنَى الْكُفْر بِالْإِيمَانِ , هُوَ جُحُود اللَّه وَجُحُود تَوْحِيده . فَفَسَّرُوا مَعْنَى الْكَلِمَة بِمَا أُرِيدَ بِهَا , وَأَعْرَضُوا عَنْ تَفْسِير الْكَلِمَة عَلَى حَقِيقَة أَلْفَاظهَا وَظَاهِرهَا فِي التِّلَاوَة . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا تَأْوِيلهَا عَلَى ظَاهِرهَا وَحَقِيقَة أَلْفَاظهَا ؟ قِيلَ : تَأْوِيلهَا : وَمَنْ يَأْبَ الْإِيمَان بِاللَّه وَيَمْتَنِع مِنْ تَوْحِيده وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ , فَقَدْ حَبِطَ عَمَله ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْر هُوَ الْجُحُود فِي كَلَام الْعَرَب , وَالْإِيمَان : التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار , وَمَنْ أَبَى التَّصْدِيق بِتَوْحِيدِ اللَّه وَالْإِقْرَار بِهِ فَهُوَ مِنْ الْكَافِرِينَ , فَذَلِكَ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى وَجْهه .|وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ|يَقُول : وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ ثَوَاب اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَعَمَلهمْ بِغَيْرِ طَاعَة اللَّه .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر طُهْر الصَّلَاة , فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ بِالْمَاءِ , وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } أَمُرَاد بِهِ كُلّ حَال قَامَ إِلَيْهَا , أَوْ بَعْضهَا ؟ وَأَيّ أَحْوَال الْقِيَام إِلَيْهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ بَعْض أَحْوَال الْقِيَام إِلَيْهَا دُون كُلّ الْأَحْوَال , وَأَنَّ الْحَال الَّتِي عَنَى بِهَا حَال الْقِيَام إِلَيْهَا عَلَى غَيْر طُهْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8857 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : (سُئِلَ عِكْرِمَة عَنْ قَوْل اللَّه : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } فَكُلّ سَاعَة يَتَوَضَّأ ؟ فَقَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا وُضُوء إِلَّا مِنْ حَدَث . )8858 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت مَسْعُود بْن عَلِيّ الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد . )8859 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ مَسْعُود بْن عَلِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقُول : (صَلِّ بِطُهُورِك مَا لَمْ تُحْدِث . )8860 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْم بْن أَخْضَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : قُلْت لِعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيّ : (مَا يُوجِب الْوُضُوء ؟ قَالَ : الْحَدَث . )8861 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان بْن يَزِيد بْن طَرِيف أَوْ طَرِيف بْن يَزِيد (أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ أَبِي مُوسَى عَلَى شَاطِئ دِجْلَة , فَتَوَضَّئُوا فَصَلَّوْا الظُّهْر , فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ , قَامَ رِجَال يَتَوَضَّئُونَ مِنْ دِجْلَة , فَقَالَ : إِنَّهُ لَا وُضُوء إِلَّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ طَرِيف بْن زِيَاد - أَوْ زِيَاد بْن طَرِيف - عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان : (أَنَّهُ شَهِدَ أَبَا مُوسَى صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْر , ثُمَّ جَلَسُوا حِلَقًا عَلَى شَاطِئ دِجْلَة , فَنُودِيَ بِالْعَصْرِ , فَقَامَ رِجَال يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ أَبُو مُوسَى : لَا وُضُوء إِلَّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان , عَنْ طَرِيف بْن يَزِيد - أَوْ يَزِيد بْن طَرِيف - حَدَّثَنَا قَالَ : كُنْت مَعَ أَبِي مُوسَى بِشَاطِئِ دِجْلَة فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ وَاقِع بْن سَحْبَان , عَنْ طَرِيف بْن يَزِيد - أَوْ يَزِيد بْن طَرِيف - عَنْ أَبِي مُوسَى , مِثْله . 8862 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , قَالَ : (تَوَضَّأْت عِنْد أَبِي الْعَالِيَة الظُّهْر أَوْ الْعَصْر , فَقُلْت : أُصَلِّي بِوُضُوئِي هَذَا , فَإِنِّي لَا أَرْجِع إِلَى أَهْلِي إِلَى الْعَتَمَة ؟ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : لَا حَرَج . وَعَلَّمَنَا : إِذَا تَوَضَّأَ الْإِنْسَان فَهُوَ فِي وُضُوئِهِ حَتَّى يُحْدِث حَدَثًا . )8863 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا اِبْن هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (الْوُضُوء مِنْ غَيْر حَدَث اِعْتِدَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , مِثْله . 8864 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : (رَأَيْت إِبْرَاهِيم صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِد , الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب . )8865 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : كُنْت مَعَ يَحْيَى , (فَأُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , قَالَ : وَإِبْرَاهِيم مِثْل ذَلِكَ . )8866 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : (سَمِعْت الْحَسَن سُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَتَوَضَّأ فَيُصَلِّي الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَقَالَ : لَا بَأْس بِهِ مَا لَمْ يُحْدِث . )8867 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِع , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (يُصَلِّي الصَّلَوَات بِالْوُضُوءِ الْوَاحِد مَا لَمْ يُحْدِث . )8868 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ ثنا زَائِدَة عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عُمَارَة , قَالَ : (كَانَ الْأَسْوَد يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد . )8869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } يَقُول : قُمْتُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر طُهْر . )8870 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عُمَارَة , عَنْ الْأَسْوَد : (أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَعْبٌ قَدْر رِيّ رَجُل , فَكَانَ يَتَوَضَّأ ثُمَّ يُصَلِّي بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ الصَّلَوَات كُلّهَا . )8871 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا زِيَاد بْن عَبْد اللَّه بْن الطُّفَيْل الْبَكَّائِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن الْمُبَشِّر , قَالَ : (رَأَيْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَإِذَا بَالَ أَوْ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِفَضْلِ طَهُوره الْخُفَّيْنِ . فَقُلْت : أَبَا عَبْد اللَّه أَشَيْء تَصْنَعهُ بِرَأْيِك ؟ قَالَ : بَلْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعهُ , فَأَنَا أَصْنَعهُ كَمَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ مِنْ نَوْمكُمْ إِلَى الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ مَالِك بْن أَنَس , يُحَدِّث عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } قَالَ : يَعْنِي : إِذَا قُمْتُمْ مِنْ النَّوْم . )* - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب أَنَّ مَالِك بْن أَنَس , أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , بِمِثْلِهِ . 8873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } قَالَ : فَقَالَ : قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة مِنْ النَّوْم . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيّ بِهِ كُلّ حَال قِيَام الْمَرْء إِلَى صَلَاته أَنْ يُجَدِّد لَهَا طُهْرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8874 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ مَسْعُود بْن عَلِيّ , قَالَ : سَأَلْت عِكْرِمَة , قَالَ : (قُلْت يَا أَبَا عَبْد اللَّه , أَتَوَضَّأ لِصَلَاةِ الْغَدَاة ثُمَّ آتِي السُّوق فَتَحْضُر صَلَاة الظُّهْر فَأُصَلِّي ؟ قَالَ : كَانَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت مَسْعُود بْن عَلِيّ الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : (كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَتَوَضَّأ عِنْد كُلّ صَلَاة , وَيَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } الْآيَة . )8875 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا أَزْهَر , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : (أَنَّ الْخُلَفَاء كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاة . )8876 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس , قَالَ : (تَوَضَّأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وُضُوءًا فِيهِ تَجَوُّز خَفِيفًا , فَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . )8877 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة عَنْ النَّزَّال , قَالَ : (رَأَيْت عَلِيًّا صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ قَعَدَ لِلنَّاسِ فِي الرَّحْبَة , ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهه وَيَدَيْهِ , ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ , وَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . )8878 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : (أَنَّ عَلِيًّا اِكْتَالَ مِنْ حُبّ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا فِيهِ تَجَوُّز , فَقَالَ : هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَتَوَضَّئُوا لِكُلِّ صَلَاة , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8879 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد الْقَطْوَانِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَيَّان الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الْمَازِنِيّ , مَازِن بَنِي النَّجَّار , فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر : (أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوء عَبْد اللَّه لِكُلِّ صَلَاة , طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْر طَاهِر , عَمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ : حَدَّثَتْنِيهِ أَسْمَاء اِبْنَة زَيْد بْن الْخَطَّاب , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر الْغَسِيل حَدَّثَهَا : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْد كُلّ صَلَاة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَأَمَرَ بِالسِّوَاكِ , وَرَفَعَ عَنْهُ الْوُضُوء إِلَّا مِنْ حَدَث . فَكَانَ عَبْد اللَّه يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّة عَلَيْهِ , فَكَانَ يَتَوَضَّأ )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن يَزِيد بْن رُكَانَة قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : قُلْت لِعُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَخْبِرْنِي عَنْ وُضُوء عَبْد اللَّه لِكُلِّ صَلَاة ! ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 8880 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح , صَلَّى الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد , وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ , فَقَالَ عُمَر : إِنَّك فَعَلْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلهُ ! قَالَ : | عَمْدًا فَعَلْته | )8881 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا كَانَ يَوْم فَتْح مَكَّة , صَلَّى الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب , بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ اِبْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَات كُلّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِد , فَقَالَ لَهُ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , صَنَعْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعهُ ؟ فَقَالَ : | عَمْدًا فَعَلْته يَا عُمَر | )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاة , فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّة , صَلَّى الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِوُضُوءٍ وَاحِد )8882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ مِسْعَر , عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء بِوُضُوءٍ وَاحِد )فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنْظَلَة , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْد كُلّ صَلَاة , دَلَالَة عَلَى خِلَاف مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نَدْبًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه , وَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْوُجُوب ; فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا , مُحْتَمِل مِنْ وُجُوه لِأَمْرِ الْإِيجَاب وَالْإِرْشَاد وَالنَّدْب وَالْإِبَاحَة وَالْإِطْلَاق , وَإِذْ كَانَ مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْجُه , كَانَ أَوْلَى وُجُوهه بِهِ مَا عَلَى صِحَّته الْحُجَّة مُجْمِعَة دُون مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّته بُرْهَان يُوجِب حَقِّيَّة مُدَّعِيه . وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِب عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى عِبَاده فَرْض الْوُضُوء لِكُلِّ صَلَاة , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ , فَفِي إِجْمَاعهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ إِيثَاره فِعْل مَا نَدَبَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره إِلَى فِعْله وَنَدَبَ إِلَيْهِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِق } الْآيَة , وَأَنَّ تَرْكه فِي ذَلِكَ الْحَال الَّتِي تَرَكَهُ كَانَ تَرْخِيصًا لِأُمَّتِهِ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْر وَاجِب وَلَا لَازِم لَهُ وَلَا لَهُمْ , إِلَّا مِنْ حَدَث يُوجِب نَقْض الطُّهْر . وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَار : 8883 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن عَامِر , عَنْ أَنَس : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقَعْبٍ صَغِير , فَتَوَضَّأَ . قَالَ : قُلْت لِأَنَسٍ : أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ عِنْد كُلّ صَلَاة ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْت : فَأَنْتُمْ ؟ قَالَ : كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَات بِوُضُوءٍ وَاحِد )8884 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَالِد الرَّقِّيّ , ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد الْإِفْرِيقِيّ , عَنْ أَبِي غُطَيْف , قَالَ : (صَلَّيْت مَعَ اِبْن عُمَر الظُّهْر , فَأَتَى مَجْلِسًا فِي دَاره , فَجَلَسَ وَجَلَسْت مَعَهُ , فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَجْلِسه ; فَلَمَّا نُودِيَ بِالْمَغْرِبِ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ , فَقُلْت : أَسُنَّة مَا أَرَاك تَصْنَع ؟ قَالَ : لَا , وَإِنْ كَانَ وُضُوئِي لِصَلَاةِ الصُّبْح كَافِيًا لِلصَّلَوَاتِ كُلّهَا مَا لَمْ أُحْدِث , وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْر كُتِبَ لَهُ عَشْر حَسَنَات | , فَأَنَا رَغِبْت فِي ذَلِكَ )* - حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ هُرَيْم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي غُطَيْف , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه : | مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْر كُتِبَ لَهُ عَشْر حَسَنَات | )وَقَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامًا مِنْ اللَّه لَهُ بِهَا أَنْ لَا وُضُوء عَلَيْهِ , إِلَّا إِذَا قَامَ إِلَى صَلَاته دُون غَيْرهَا مِنْ الْأَعْمَال كُلّهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَحْدَثَ اِمْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَال كُلّهَا حَتَّى يَتَوَضَّأ , فَأَذِنَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ يَفْعَل كُلّ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَفْعَال بَعْد الْحَدَث عَدَا الصَّلَاة تَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأ , وَأَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَبْل الدُّخُول فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8885 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , عَنْ عَمْرو بْن حَزْم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَلْقَمَة بْن وَقَّاص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَاقَ الْبَوْل نُكَلِّمهُ فَلَا يُكَلِّمنَا وَنُسَلِّم عَلَيْهِ فَلَا يَرُدّ عَلَيْنَا , حَتَّى يَأْتِي مَنْزِله فَيَتَوَضَّأ كَوُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمك فَلَا تُكَلِّمنَا وَنُسَلِّم عَلَيْك فَلَا تَرُدّ عَلَيْنَا ! قَالَ : حَتَّى نَزَلَتْ آيَة الرُّخْصَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } الْآيَة)|الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حَدّ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ , الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة بِقَوْلِهِ : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ بَشَرَة الْإِنْسَان مِنْ قُصَاص شَعْر رَأْسه , مُنْحَدِرًا إِلَى مُنْقَطِع ذَقْنه طُولًا , وَمَا بَيْن الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا . قَالُوا : فَأَمَّا الْأُذُن وَمَا بَطَنَ مِنْ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف وَالْعَيْن فَلَيْسَ مِنْ الْوَجْه وَلَا غَيْره , وَلَا أُحِبّ غَسْل ذَلِكَ وَلَا غَسْل شَيْء مِنْهُ فِي الْوُضُوء . قَالُوا : وَأَمَّا مَا غَطَّاهُ الشَّعْر مِنْهُ كَالذَّقَنِ الَّذِي غِطَاء شَعْر اللِّحْيَة وَالصُّدْغَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ غَطَّاهُمَا عُذُر اللِّحْيَةِ , فَإِنَّ إِمْرَار الْمَاء عَلَى مَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّعْر مُجْزِئ عَنْ غَسْل مَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ بَشَرَة الْوَجْه ; لِأَنَّ الْوَجْه عِنْدهمْ هُوَ مَا ظَهَرَ لِعَيْن النَّاظِر مِنْ ذَلِكَ فَقَابَلَهَا دُون غَيْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8886 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . (يُجْزِئ اللِّحْيَة مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاء . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِنَحْوِهِ . 8887 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة , قَالَ : (يَجْزِيك مَا مَرَّ عَلَى لِحْيَتك . )8888 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : (رَأَيْت إِبْرَاهِيم يَتَوَضَّأ , فَلَمْ يُخَلِّل لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ سَعِيد الزُّبَيْدِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : . (يَجْزِيك مَا سَالَ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تُخَلِّلهَا . )8889 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يُونُس , قَالَ : . (كَانَ الْحَسَن إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ لِحْيَته مَعَ وَجْهه . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ لَا يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 8890 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : (لَيْسَ غَسْل اللِّحْيَة مِنْ السُّنَّة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لَمْ يُبَلِّغ الْمَاء فِي أُصُول لِحْيَته . 8891 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي شَيْبَة سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْدِيّ , قَالَ : (سَأَلْت إِبْرَاهِيم أُخَلِّل لِحْيَتِي عِنْد الْوُضُوء بِالْمَاءِ ؟ فَقَالَ : لَا , إِنَّمَا يَكْفِيك مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ يَدك . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : (سَأَلْت شُعْبَة عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : قَالَ الْمُغِيرَة : قَالَ إِبْرَاهِيم : يَكْفِيه مَا سَالَ مِنْ الْمَاء مِنْ وَجْهه عَلَى لِحْيَته . )8892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن رِشْدِينَ , قَالَ : ثنا عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر : (أَنَّ اِبْن شِهَاب وَرَبِيعَة تَوَضَّئَا , فَأَمَرَّا الْمَاء عَلَى لِحَاهُمَا , وَلَمْ أَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا خَلَّلَ لِحْيَته . )8893 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء , فَقَالَ : (لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ , رَأَيْت مَكْحُولًا يَتَوَضَّأ فَلَا يَفْعَل ذَلِكَ . )8894 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ فِي الْوُضُوء بِوَاجِبٍ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (يَكْفِيه مَا مَرَّ مِنْ الْمَاء عَلَى لِحْيَته . )8895 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي زَيْنَب , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد كَيْفَ أَصْنَع بِلِحْيَتِي إِذَا تَوَضَّأْت ؟ قَالَ : . (لَسْت مِنْ الَّذِينَ يَغْسِلُونَ لِحَاهُمْ . )8896 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ أَبُو عَمْرو : (لَيْسَ عَرْك الْعَارِضَيْنِ وَتَشْبِيك اللِّحْيَة بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوء . )ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْفَم وَالْأَنْف : 8897 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَشِير , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَوْلَا التَّلَمُّظ فِي الصَّلَاة مَا مَضْمَضْت . )8898 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك يَقُول : سُئِلَ عَطَاء , عَنْ رَجُل صَلَّى وَلَمْ يُمَضْمِض قَالَ : (مَا لَمْ يُسَمّ فِي الْكِتَاب يُجْزِئهُ . )8899 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (لَيْسَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق مِنْ وَاجِب الْوُضُوء . )8900 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : (كَانَ الضَّحَّاك يَنْهَانَا عَنْ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْوُضُوء فِي رَمَضَان . )8901 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت هِشَامًا , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (إِذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , قَالَ : إِنْ ذَكَرَ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاة فَلْيَمْضِ فِي صَلَاته , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ . )8902 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَقَتَادَة , (عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , فَقَالَ : يَمْضِي فِي صَلَاته . )ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْه : 8903 - حَدَّثَنِي يَزِيد بْن مَخْلَد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ غَيْلَان , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو مُطَرِّف , قَالَ : ثنا غَيْلَان مَوْلَى بَنِي مَخْزُوم , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس , فَإِذَا مَسَحْت الرَّأْس فَامْسَحْهُمَا . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي غَيْلَان بْن عَبْد اللَّه مَوْلَى قُرَيْش , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عُمَر سَأَلَهُ سَائِل , قَالَ : (إِنَّهُ تَوَضَّأَ وَنَسِيَ أَنْ يَمْسَح أُذُنَيْهِ , قَالَ : فَقَالَ اِبْن عُمَر : الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَأْسًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد . ح , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر , عَنْ سَعِيد بْن مَرْجَانَة , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّهُ قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )8904 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )8905 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَا : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد . )* - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرو , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي النَّضْر , عَنْ اِبْن عُمَر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عِيسَى بْن يَزِيد , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )8906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ; شَكَّ اِبْن بَزِيع أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس | )8907 - ثنا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن مَنْصُور , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ سِنَان بْن رَبِيعَة , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس )قَالَ حَمَّاد : لَا أَدْرِي هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَة أَوْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثني حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثني سِنَان بْن رَبِيعَة أَبُو رَبِيعَة عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ أَبِي أُمَامَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس | )8908 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد الدِّمَشْقِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج وَغَيْره , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس | )8909 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن شُبَيْب , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن هَاشِم بْن الْبَرِيد , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس | )8910 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ يُونُس , أَنَّ الْحَسَن , قَالَ : (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْس . )وَقَالَ آخَرُونَ : الْوَجْه : كُلّ مَا دُون مَنَابِت شَعْر الرَّأْس إِلَى مُنْقَطِع الذَّقَن طُولًا , وَمِنْ الْأُذُن إِلَى الْأُذُن عَرْضًا , مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَيْنِ النَّاظِر , وَمَا بَطَنَ مِنْهُ مِنْ مَنَابِت شَعْر اللِّحْيَة النَّابِت عَلَى الذَّقَن وَعَلَى الْعَارِضَيْنِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ دَاخِل الْفَم وَالْأَنْف , وَمَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ عَلَى الْوَجْه . كُلّ ذَلِكَ عِنْدهمْ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِغُسْلِهِ بِقَوْلِهِ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهكُمْ } وَقَالُوا : إِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَوَضِّئ فَلَمْ يَغْسِلهُ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاته بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 8911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر وَأَبُو عَاصِم , قَالَا : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : (أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَبُلّ أُصُول شَعْر لِحْيَته , وَيُغَلْغِل بِيَدِهِ فِي أُصُول شَعْرهَا حَتَّى تَكْثُر الْقَطَرَات مِنْهَا . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر : (أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُغَلْغِل يَدَيْهِ فِي لِحْيَته حَتَّى تَكْثُر مِنْهَا الْقَطَرَات . )* - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , عَنْ سَعِيد , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَته حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . )8912 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن جَابِر اللُّقَيْطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْأَزْرَق بْن قَيْس , قَالَ : (رَأَيْت اِبْن عُمَر تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا لَيْث , عَنْ نَافِع : (أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته بِالْمَاءِ حَتَّى يَبْلُغ أُصُول الشَّعْر . )8913 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر : (أَنَّ أَبَاهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ غَلْغَلَ أَصَابِعه فِي أُصُول شَعْر الْوَجْه يُغَلْغِلهَا بَيْن الشَّعْر فِي أُصُوله يَدْلُك بِأَصَابِعِهِ الْبَشَرَة . فَأَشَارَ لِي عَبْد اللَّه كَمَا أَخْبَرَهُ الرَّجُل , كَمَا وَصَفَ عَنْهُ . )8914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْض الْعَرْك , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ أَحْيَانًا وَيَتْرُك أَحْيَانًا . )8915 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , وَعَلِيّ بْن سَهْل , قَالَا : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ ثنا أَبُو عَمْرو , وَأَخْبَرَنِي عَبْدَة , عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ نَحْو ذَلِكَ . 8916 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : . (رَأَيْت اِبْن أَبِي لَيْلَى تَوَضَّأَ فَغَسَلَ لِحْيَته وَقَالَ : مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُبْلِغ الْمَاء أُصُول الشَّعْر فَلْيَفْعَلْ . )8917 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (حَقّ عَلَيْهِ أَنْ يَبُلّ أُصُول الشَّعْر . )8918 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : (كَانَ مُجَاهِد يُخَلِّل لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : (أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 8919 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن شُبْرُمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (مَا بَال اللِّحْيَة تُغْسَل قَبْل أَنْ تَنْبُت فَإِذَا نَبَتَتْ لَمْ تُغْسَل ؟ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته إِذَا تَوَضَّأَ . )8920 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ طَاوُس , أَنَّهُ . (كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . )8921 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , (أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : (سَأَلْت شُعْبَة , عَنْ تَخْلِيل اللِّحْيَة فِي الْوُضُوء , فَذَكَرَ عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يُخَلِّل لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو عَنْ مَعْرُوف , قَالَ : (رَأَيْت اِبْن سِيرِينَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , مِثْله . 8922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : رَأَيْته يُخَلِّل لِحْيَته . 8923 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ زَيْد الْخُدْرِيّ , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقُلْت : لِمَ تَفْعَل هَذَا يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : | أَمَرَنِي بِذَلِكَ رَبِّي | )* - حَدَّثَنَا تَمِيم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم , عَنْ زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة أَوْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : (وَضَّأْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَدْخَلَ أَصَابِعه مِنْ تَحْت حَنَكه , فَخَلَّلَ لِحْيَته , وَقَالَ : | بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي جَلَّ وَعَزَّ | )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سَلَّام بْن سَلْم الْمَدِينِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد الْعَمِّيّ , عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن شِرْوَان , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي | . وَأَدْخَلَ أَصَابِعه فِي لِحْيَته , فَخَلَّلَهَا )8924 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن هِشَام وَعُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ خَالِد بْن إِلْيَاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَافِع , عَنْ أُمّ سَلَمَة : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , فَخَلَّلَ لِحْيَته )8925 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن الْحُرّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبِيعَة , عَنْ وَاصِل بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي سَوْرَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ( رَأَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ , وَخَلَّلَ لِحْيَته | )8926 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثنا عُمَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي غَالِب , عَنْ أَبِي أُمَامَة : ( أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّلَ لِحْيَته | )8927 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامَغَانِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم أَبِي أُمَيَّة : أَنَّ حَسَّان بْن ثَابِت الْمُزَنِيّ رَأَى عَمَّار بْن يَاسِر تَوَضَّأَ وَخَلَّلَ لِحْيَته , فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا , فَقَالَ : (إِنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ )8928 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْوَاحِد بْن قَيْس , عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ وَقَتَادَة : ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ , وَشَبَّكَ لِحْيَته بِأَصَابِعِهِ | )8929 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو مَهْدِيّ بْن سِنَان , عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّة , عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 8930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطَّنَافِسِيّ أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني وَاصِل الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَبِي سَوْرَة هَكَذَا قَالَ الْأَحْمَسِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ( كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَمَسَحَ لِحْيَته مِنْ تَحْتهَا بِالْمَاءِ | )ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي غَسْل مَا بَطَنَ مِنْ الْأَنْف وَالْفَم : 8931 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : (الِاسْتِنْشَاق شَطْر الْوُضُوء . )8932 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : (سَأَلْت حَمَّادًا عَنْ رَجُل ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَنَّهُ لَمْ يَتَمَضْمَض وَلَمْ يَسْتَنْشِق , قَالَ حَمَّاد : يَنْصَرِف فَيَتَمَضْمَض وَيَسْتَنْشِق . )8933 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الصَّبَّاح , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : (قَدِمْت الْكُوفَة فَأَتَيْت حَمَّادًا فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , يَعْنِي عَمَّنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَصَلَّى فَقَالَ : أَرَى عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة . )8934 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : (إِذَا تَرَكَ الْمَضْمَضَة أَوْ الِاسْتِنْشَاق أَوْ أُذُنه أَوْ طَائِفَة مِنْ رِجْله حَتَّى يَدْخُل فِي صَلَاته , فَإِنَّهُ يَنْفَتِل وَيَتَوَضَّأ , وَيُعِيد صَلَاته . )ذِكْر مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّ مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس : 8935 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (مَا أَقْبَلَ مِنْ الْأُذُنَيْنِ فَمِنْ الْوَجْه , وَمَا أَدْبَرَ فَمِنْ الرَّأْس . )* - حَدَّ

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَقَدْتُمُوهَا لِلَّهِ عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَاذْكُرُوا نِعْمَته عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكُمْ , بِأَنْ هَدَاكُمْ مِنْ الْعُقُود لِمَا فِيهِ الرِّضَا , وَوَفَّقَكُمْ لِمَا فِيهِ نَجَاتكُمْ مِنْ الضَّلَالَة وَالرَّدَى فِي نِعَم غَيْرهَا جَمَّة . كَمَا : 9008 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : النِّعَم : آلَاء اللَّه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .|وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا|وَأَمَّا قَوْله : { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } </subtitle>فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاذْكُرُوا أَيْضًا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي نِعَم اللَّه الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَهُوَ عَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمِيثَاق الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , أَيْ مَوَاثِيقه عَنَى ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا , وَالْعَمَل بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَرَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9009 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } )الْآيَة , يَعْنِي : حَيْثُ بَعَثَ اللَّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , فَقَالُوا : آمَنَّا بِالنَّبِيِّ وَبِالْكِتَابِ , وَأَقْرَرْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاة . فَذَكَّرَهُمْ اللَّه مِيثَاقه الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ . 9010 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } فَإِنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقنَا , فَقُلْنَا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا عَلَى الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِرَسُولِهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَى عِبَاده حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ فَقَالُوا : بَلَى شَهِدْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9011 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } قَالَ : الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَم فِي ظَهْر آدَم . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : قَوْل اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ لِلْإِسْلَامِ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , يَعْنِي : وَعَهْده الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ حِين بَايَعْتُمْ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة لَهُ فِي الْمَنْشَط وَالْمَكْرَه , وَالْعُسْر وَالْيُسْر , إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا مَا قُلْت لَنَا , وَأَخَذْت عَلَيْنَا مِنْ الْمَوَاثِيق وَأَطَعْنَاك فِيمَا أَمَرْتَنَا بِهِ وَنَهَيْتنَا عَنْهُ , وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا بِتَوْفِيقِكُمْ لِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِكُمْ لَهُ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , يَقُول : فَفُوا لِلَّهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَنِعْمَته الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ بِإِقْرَارِكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ بِالسَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَة فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , يَفِ لَكُمْ بِمَا ضَمِنَ لَكُمْ الْوَفَاء بِهِ إِذَا أَنْتُمْ وَفَّيْتُمْ لَهُ بِمِيثَاقِهِ مِنْ إِتْمَام نِعْمَته عَلَيْكُمْ , وَبِإِدْخَالِكُمْ جَنَّته وَبِإِنْعَامِكُمْ بِالْخُلُودِ فِي دَار كَرَامَته , وَإِنْقَاذكُمْ مِنْ عِقَابه وَأَلِيم عَذَابه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْب آدَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ بِعَقِبِ تَذْكِرَة الْمُؤْمِنِينَ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَ بِهِ أَهْل التَّوْرَاة بَعْد مَا أَنْزَلَ كِتَابه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ فِيهَا , فَقَالَ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } الْآيَات بَعْدهَا مُنَبِّهًا بِذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد عَلَى مَوَاضِع حُظُوظهمْ مِنْ الْوَفَاء لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ , وَمُعَرِّفهمْ سُوء عَاقِبَة أَهْل الْكِتَاب فِي تَضْيِيعهمْ مَا ضَيَّعُوا مِنْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَتَعْزِير أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ نَكْث عُهُودهمْ , فَيُحِلّ بِهِمْ مَا أَحَلَّ بِالنَّاكِثِينَ عُهُوده مِنْ أَهْل الْكِتَاب قَبْلهمْ , فَكَانَ إِذَا كَانَ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ فَوَعَظَهُمْ بِهِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَرْكَبُوا مِنْ الْفِعْل مِثْله مِيثَاق قَوْم أَخَذَ مِيثَاقهمْ بَعْد إِرْسَال الرَّسُول إِلَيْهِمْ , وَإِنْزَال الْكِتَاب عَلَيْهِمْ وَاجِبًا , أَنْ يَكُون الْحَال الَّتِي أَخَذَ فِيهَا الْمِيثَاق وَالْمَوْعُوظِينَ نَظِير حَال الَّذِينَ وُعِظُوا بِهِمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ بَيِّنًا صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَاد خِلَافه .|وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } </subtitle>فَإِنَّهُ وَعِيد مِنْ اللَّه جَلَّ اِسْمه لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَطَافُوا بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابه , وَتَهْدِيدًا لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا مِيثَاق اللَّه الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي رُسُله وَعَهْدهمْ الَّذِي عَاهَدُوهُ فِيهِ , بِأَنْ يُضْمِرُوا لَهُ خِلَاف مَا أَبْدَوْا لَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَخَافُوهُ أَنْ تُبَدِّلُوا عَهْده وَتَنْقُضُوا مِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , أَوْ تُخَالِفُوا مَا ضَمِنْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا , بِأَنْ تُضْمِرُوا لَهُ غَيْر الْوَفَاء بِذَلِكَ فِي أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُطَّلِع عَلَى ضَمَائِر صُدُوركُمْ , وَعَالِم بِمَا تُخْفِيهِ نُفُوسكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَيُحِلّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَته مَا لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ , كَاَلَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْيَهُود مِنْ الْمَسْخ وَصُنُوف النِّقَم , وَتَصِيرُوا فِي مَعَادكُمْ إِلَى سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد , لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقكُمْ وَصِفَاتكُمْ الْقِيَام لِلَّهِ , شُهَدَاء بِالْعَدْلِ فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ , وَلَا تَجُورُوا فِي أَحْكَامكُمْ وَأَفْعَالكُمْ , فَتُجَاوِزُوا مَا حَدَّدْت لَكُمْ فِي أَعْدَائِكُمْ لِعَدَوَاتِهِمْ لَكُمْ , وَلَا تُقَصِّرُوا فِيمَا حَدَّدْت لَكُمْ مِنْ أَحْكَامِي وَحُدُودِي فِي أَوْلِيَائِكُمْ لِوِلَايَتِهِمْ , وَلَكِنْ اِنْتَهُوا فِي جَمِيعهمْ إِلَى حَدِّي , وَاعْمَلُوا فِيهِ بِأَمْرِي .|بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا } </subtitle>فَإِنَّهُ يَقُول : وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَة قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا فِي حُكْمكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتكُمْ بَيْنهمْ , فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْل مَا بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ } وَفِي قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم } وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِيهِ وَالْقِرَاءَة بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين هَمَّتْ الْيَهُود بِقَتْلِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9012 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعَدِلُوا هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } نَزَلَتْ فِي يَهُود خَيْبَر , أَرَادُوا قَتْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ذَهَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَهُود يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة , فَهَمُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا } الْآيَة .)|تَعْدِلُوا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِعْدِلُوا } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { اِعْدِلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلّ أَحَد مِنْ النَّاس وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا , فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي , وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ .|اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ|وَأَمَّا قَوْله : { هُوَ أَقْرَب لِلتَّقْوَى } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هُوَ الْعَدْل عَلَيْهِمْ أَقْرَب لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى التَّقْوَى , يَعْنِي : إِلَى أَنْ تَكُونُوا عِنْد اللَّه بِاسْتِعْمَالِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَهُمْ أَهْل الْخَوْف وَالْحَذَر مِنْ اللَّه أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْء مِنْ أَمْره , أَوْ يَأْتُوا شَيْئًا مِنْ مَعَاصِيه . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَدْل بِمَا وَصَفَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَب لِلتَّقْوَى مِنْ الْجَوْر ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَادِلًا كَانَ لِلَّهِ بِعَدْلِهِ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا كَانَ لَا شَكّ مِنْ أَهْل التَّقْوَى , وَمَنْ كَانَ جَائِرًا كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا , وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا كَانَ بَعِيدًا مِنْ تَقْوَاهُ . وَإِنَّمَا كَنَّى بِقَوْلِهِ : { هُوَ أَقْرَب } عَنْ الْفِعْل , وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ الْأَفْعَال إِذَا كَنَّتْ عَنْهَا بِ | هُوَ | وَبِ | ذَلِكَ | , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَهُوَ خَيْر لَكُمْ } { وَذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ } وَلِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام | هُوَ | لَكَانَ أَقْرَب | نَصْبًا | , وَلَقِيلَ : اِعْدِلُوا أَقْرَب لِلتَّقْوَى , كَمَا قِيلَ : { اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ } |لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا|وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاحْذَرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَجُورُوا فِي عِبَاده , فَتُجَاوِزُوا فِيهِمْ حُكْمه وَقَضَاءَهُ الَّذِينَ بَيَّنَ لَكُمْ , فَيُحِلّ بِكُمْ عُقُوبَته , وَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ أَلِيم نَكَاله .|اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا|يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة وَعِلْم بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ عَمَل بِهِ أَوْ خِلَاف لَهُ , مُحْصٍ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ كُلّه , حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , فَاتَّقُوا أَنْ تُسِيئُوا .

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } وَعَدَ اللَّه أَيّهَا النَّاس الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , وَعَمِلُوا بِمَا وَاثَقَهُمْ اللَّه بِهِ , وَأَوْفَوْا بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدَهُمْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِمْ : لَنَسْمَعَنَّ وَلَنُطِيعَنَّ اللَّه وَرَسُوله . فَسَمِعُوا أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَأَطَاعُوهُ فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَهُمْ مَغْفِرَة } لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَفُّوا بِالْعُقُودِ وَالْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ رَبّهمْ مَغْفِرَة وَهِيَ سَتْر ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ , وَتَغْطِيَتهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا وَفَضِيحَتهمْ بِهَا . { وَأَجْر عَظِيم } يَقُول : وَلَهُمْ مَعَ عَفْوه لَهُمْ عَنْ ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ جَزَاء عَلَى أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا وَوَفَائِهِمْ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدُوا رَبّهمْ عَلَيْهَا أَجْر عَظِيم , وَالْعَظِيم مِنْ خَيْر غَيْر مَحْدُود مَبْلَغه وَلَا يُعْرَف مُنْتَهَاهُ غَيْره تَعَالَى ذِكْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , وَلَمْ يُخْبِر بِمَا وَعَدَهُمْ , فَأَيْنَ الْخَبَر عَنْ الْمَوْعُود ؟ قِيلَ : بَلَى , إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ|لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } </subtitle>الْمَوْعُود , وَالْمَوْعُود هُوَ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ قَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } خَبَر مُبْتَدَأ , وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْعُود لَقِيلَ : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْرًا عَظِيمًا , وَلَمْ يُدْخِل فِي ذَلِكَ | لَهُمْ | , وَفِي دُخُول ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى اِبْتِدَاء الْكَلَام , وَانْقِضَاء الْخَبَر عَنْ الْوَعْد ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِره مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ مِمَّا اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْر بَعْض قَدْ تَرَكَ ذِكْره فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنْ يَغْفِر لَهُمْ , وَيَأْجُرهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا ; لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ يُصْحِبُوا | الْوَعْد | | أَنَّ | يُعْمِلُوهُ فِيهَا , فَتُرِكَتْ | أَنَّ | إِذْ كَانَ الْوَعْد قَوْلًا , وَمِنْ شَأْن الْقَوْل أَنْ يَكُون مَا بَعْده مِنْ جُمَل الْأَخْبَار مُبْتَدَأ وَذَكَرَ بَعْده جُمْلَة الْخَبَر اِجْتِزَاء بِدَلَالَةِ ظَاهِر الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ وَصَرْفًا لِلْوَعْدِ الْمُوَافِق لِلْقَوْلِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا إِلَى مَعْنَاهُ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قَالَ اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِنَّمَا قِيلَ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم } الْوَعْد الَّذِي وُعِدُوا , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَعَدَ اللَّه الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَنَقَضُوا مِيثَاقه وَعُقُوده الَّتِي عَاقَدُوهَا إِيَّاهُ .|وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا|يَقُول : وَكَذَّبُوا بِأَدِلَّةِ اللَّه وَحُجَجه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُل وَغَيْرهَا .|أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ|يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ أَهْل الْجَحِيم , يَعْنِي : أَهْل النَّار الَّذِينَ يَخْلُدُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَقِرُّوا بِتَوْحِيدِ اللَّه وَرِسَالَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ . { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } اُذْكُرُوا النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَيْكُمْ , فَاشْكُرُوهُ عَلَيْهَا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ , وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمْ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا . ثُمَّ وَصَفَ نِعْمَته الَّتِي أَمَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا مَعَ سَائِر نِعَمه , فَقَالَ : هِيَ كَفُّهُ عَنْكُمْ أَيْدِي الْقَوْم الَّذِينَ هَمُّوا بِالْبَطْشِ بِكُمْ , فَصَرَفَهُمْ عَنْكُمْ , وَحَالَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَا أَرَادُوهُ بِكُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة هَذِهِ النِّعْمَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَاب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَأَمَرَهُمْ بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اِسْتِنْقَاذ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِمَّا كَانَتْ الْيَهُود مِنْ بَنِي النَّضِير هَمُّوا بِهِ يَوْم أَتَوْهُمْ يَسْتَحْمِلُونَهُمْ دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9013 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , قَالَا : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي النَّضِير لِيَسْتَعِينَهُمْ عَلَى دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ ; فَلَمَّا جَاءَهُمْ خَلَا بَعْضهمْ بِبَعْضِ , فَقَالُوا : إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَب مِنْهُ الْآن , فَمُرُوا رَجُلًا يَظْهَر عَلَى هَذَا الْبَيْت فَيَطْرَح عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا مِنْهُ ! فَقَامَ عَمْرو بْن جَحَّاش بْن كَعْب . فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر , وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِيهِمْ وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة )9014 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } قَالَ الْيَهُود : دَخَلَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لَهُمْ , وَأَصْحَابه مِنْ وَرَاء جِدَاره , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم دِيَة غَرِمَهَا , ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَخَرَجَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى يَنْظُر إِلَيْهِمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } يَهُود حِين دَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لَهُمْ , وَأَصْحَابه مِنْ وَرَاء جِدَار لَهُمْ , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم فِي دِيَة غَرِمَهَا , ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَخَرَجَ يَمْشِي مُعْتَرِضًا يَنْظُر إِلَيْهِمْ خِيفَتهمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ . قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } )9015 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني أَبُو مَعْشَر , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : (جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ فِي عَقْل أَصَابَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعَلِيّ فَقَالَ : | أَعِينُونِي فِي عَقْل أَصَابَنِي ! | فَقَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِم , قَدْ آنَ لَك أَنْ تَأْتِينَا وَتَسْأَلنَا حَاجَة , اِجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمك وَنُعْطِيك الَّذِي تَسْأَلنَا ! فَجَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَنْتَظِرُونَهُ , وَجَاءَ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَهُوَ رَأْس الْقَوْم , وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ , فَقَالَ حُيَيّ لِأَصْحَابِهِ : لَا تَرَوْنَهُ أَقْرَب مِنْهُ الْآن , اِطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَة فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَرَوْنَ شَرًّا أَبَدًا ! فَجَاءُوا إِلَى رَحًى لَهُمْ عَظِيمَة لِيَطْرَحُوهَا عَلَيْهِ , فَأَمْسَكَ اللَّه عَنْهَا أَيْدِيهمْ , حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فَأَقَامَهُ مِنْ ثَمَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } , فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادُوا بِهِ )9016 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة , قَالَ : يَهُود دَخَلَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَم غَرِمَهُ , فَائْتَمَرُوا بَيْنهمْ بِقَتْلِهِ , فَقَامَ مِنْ عِنْدهمْ , فَخَرَجَ مُعْتَرِضًا يَنْظُر إِلَيْهِمْ خِيفَتهمْ , ثُمَّ دَعَا أَصْحَابه رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامُّوا إِلَيْهِ )9017 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِر بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ أَحَد بَنِي النَّجَّار وَهُوَ أَحَد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعَقَبَة , فَبَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار . فَخَرَجُوا , فَلَقُوا عَامِر بْن الطُّفَيْل بْن مَالِك بْن جَعْفَر عَلَى بِئْر مَعُونَة , وَهِيَ مِنْ مِيَاه بَنِي عَامِر , فَاقْتَتَلُوا , فَقُتِلَ الْمُنْذِر وَأَصْحَابه إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر كَانُوا فِي طَلَب ضَالَّة لَهُمْ , فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَالطَّيْر تَحُوم فِي السَّمَاء , يَسْقُط مِنْ بَيْن خَرَاطِيمهَا عَلَقُ الدَّم , فَقَالَ أَحَد النَّفَر : قُتِلَ أَصْحَابنَا وَالرَّحْمَن ! ثُمَّ تَوَلَّى يَشْتَدّ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا , فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ , فَلَمَّا خَالَطَتْهُ الضَّرْبَة , رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّه أَكْبَر , الْجَنَّة وَرَبّ الْعَالَمِينَ ! فَكَانَ يُدْعَى | أَعْنَق لِيَمُوتَ | . وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ , فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْم , وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن قَوْمهمَا مُوَادَعَة , فَانْتَسَبَا لَهُمَا إِلَى بَنِي عَامِر , فَقَتَلَاهُمَا . وَقَدِمَ قَوْمهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُونَ الدِّيَة , فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , حَتَّى دَخَلُوا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف وَيَهُود بَنِي النَّضِير , فَاسْتَعَانَهُمْ فِي عَقْلهمَا . قَالَ : فَاجْتَمَعَتْ الْيَهُود لِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَاعْتَلُّوا بِصَنِيعَةِ الطَّعَام , فَأَتَاهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَلَّذِي اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ يَهُود مِنْ الْغَدْر , فَخَرَجَ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا , فَقَالَ : | لَا تَبْرَح مَقَامك , فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْك مِنْ أَصْحَابِي فَسَأَلَك عَنِّي فَقُلْ وَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَة فَأَدْرِكُوهُ ! | قَالَ : فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَى عَلِيّ , فَيَأْمُرهُمْ بِاَلَّذِي أَمَرَهُ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ آخِرهمْ , ثُمَّ تَبِعَهُمْ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } )9018 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي كَعْب بْن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه , حِين أَرَادُوا أَنْ يَغْدِرُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ النِّعْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا , أَنَّ الْيَهُود كَانَتْ هَمَّتْ بِقَتْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَعَام دَعَوْهُ إِلَيْهِ , فَأَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مَا هَمُّوا بِهِ , فَانْتَهَى هُوَ وَأَصْحَابه عَنْ إِجَابَتهمْ إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9019 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } إِلَى قَوْله : { فَكَفَّ أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْيَهُود صَنَعُوا لِرَسُولِ اللَّه وَأَصْحَابه طَعَامًا لِيَقْتُلُوهُ إِذَا أَتَى الطَّعَام , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ بِشَأْنِهِمْ , فَلَمْ يَأْتِ الطَّعَام وَأَمَرَ أَصْحَابه فَأَبَوْهُ )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاطِّلَاعِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هَمَّ بِهِ عَدُوّهُ وَعَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَطْن نَخْل مِنْ اِغْتِرَارهمْ إِيَّاهُمْ , وَالْإِيقَاع بِهِمْ إِذَا هُمْ اِشْتَغَلُوا عَنْهُمْ بِصَلَاتِهِمْ , فَسَجَدُوا فِيهَا , وَتَعْرِيفه نَبِيّه الْحِذَار مِنْ عَدُوّهُ فِي صَلَاته بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ صَلَاة الْخَوْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9020 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِبَطْنِ نَخْل فِي الْغَزْوَة السَّابِعَة , فَأَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَة وَبَنُو مُحَارِب أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ , فَأَطْلَعَهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا اُنْتُدِبَ لِقَتْلِهِ , فَأَتَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيْفه مَوْضُوع , فَقَالَ : آخُذهُ يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : | خُذْهُ | قَالَ : أَسْتَلَّهُ ؟ قَالَ : | نَعَمْ ! | فَسَلَّهُ , فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ قَالَ : | اللَّه يَمْنَعنِي مِنْك | . فَهَدَّدَهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَغْلَظُوا لَهُ الْقَوْل , فَشَامَ السَّيْف , وَأَمَرَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بِالرَّحِيلِ , فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ صَلَاة الْخَوْف عِنْد ذَلِكَ . )9021 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , ذَكَرَهُ عَنْ اِبْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ جَابِر : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا , وَتَفَرَّقَ النَّاس فِي الْعِضَاه يَسْتَظِلُّونَ تَحْتهَا , فَعَلَّقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلَاحه بِشَجَرَةٍ , فَجَاءَ أَعْرَابِيّ إِلَى سَيْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ فَسَلَّهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | اللَّه | , فَشَامَ الْأَعْرَابِيّ السَّيْف , فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه , فَأَخْبَرَهُمْ خَبَر الْأَعْرَابِيّ وَهُوَ جَالِس إِلَى جَنْبه لَمْ يُعَاقِبهُ . قَالَ مَعْمَر : وَكَانَ قَتَادَة يَذْكُر نَحْو هَذَا , وَذُكِرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعَرَب أَرَادُوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلُوا هَذَا الْأَعْرَابِيّ . وَتَأَوَّلَ : { اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } الْآيَة )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة نِعْمَته عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي اِسْتِنْقَاذه نَبِيّهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّا كَانَتْ يَهُود بَنِي النَّضِير هَمَّتْ بِهِ مِنْ قَتْله وَقَتْل مَنْ مَعَهُ يَوْم سَارَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّيَة الَّتِي كَانَ تَحَمَّلَهَا عَنْ قَتِيلَيْ عَمْرو بْن أُمَيَّة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه عَقَّبَ ذِكْر ذَلِكَ بِرَمْيِ الْيَهُود بِصَنَائِعِهَا وَقَبِيح أَفْعَالهَا وَخِيَانَتهَا رَبّهَا وَأَنْبِيَاءَهَا . ثُمَّ أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْح عَنْ عَظِيم جَهْلهمْ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَر بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْح عَقِيب قَوْله : { إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } وَمَنْ غَيْرهمْ كَانَ يَبْسُط الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ غَيْرهمْ لَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يَكُون الْأَمْر بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح عَنْهُمْ لَا عَمَّنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمْ بِذَلِكَ ذِكْرٌ , وَلَكَانَ الْوَصْف بِالْخِيَانَةِ فِي وَصْفهمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع لَا فِي وَصْف مَنْ لَمْ يَجْرِ لِخِيَانَتِهِ ذِكْر , فَفِي ذَلِكَ مَا يُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قَضَيْنَا لَهُ بِالصِّحَّةِ مِنْ التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ دُون مَا خَالَفَهُ .|عَنْكُمْ وَاتَّقُوا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاحْذَرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَنْقُضُوا الْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ الْعِقَاب الَّذِي لَا قِبَل لَكُمْ بِهِ .|اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ|يَقُول : وَإِلَى اللَّه فَلْيُلْقِ أَزِمَّة أُمُورهمْ , وَيَسْتَسْلِم لِقَضَائِهِ , وَيَثِق بِنُصْرَتِهِ وَعَوْنه , الْمُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرِسَالَة رَسُوله , الْعَامِلُونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَال دِينهمْ وَتَمَام إِيمَانهمْ , وَأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَلَأَهُمْ وَرَعَاهُمْ وَحَفِظَهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ , كَمَا حَفِظَكُمْ وَدَافَعَ عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ , كِلَاءَة مِنْهُ لَكُمْ , إِذْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ دُون غَيْره , فَإِنَّ غَيْره لَا يُطِيق دَفْع سُوء أَرَادَ بِكُمْ رَبّكُمْ وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع لَكُمْ لَمْ يَقْضِهِ لَكُمْ

وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } </subtitle>وَهَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ إِعْلَامًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَخْلَاق الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْهِمْ مِنْ الْيَهُود . كَاَلَّذِي : 9022 - حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : الْيَهُود مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَأَنَّ الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنْ الْغَدْر وَنَقْضِ الْعَهْد الَّذِي بَيْنهمْ وَبَيْنه مِنْ صِفَاتهمْ وَصِفَات أَوَائِلهمْ وَأَخْلَاقهمْ وَأَخْلَاق أَسْلَافهمْ قَدِيمًا , وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَهُود بِإِطْلَاعِهِ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَانَ عِلْمُهُ عِنْدهمْ دُون الْعَرَب مِنْ خَفِيّ أُمُورهمْ وَمَكْنُون عُلُومهمْ , وَتَوْبِيخًا لِلْيَهُودِ فِي تَمَادِيهِمْ فِي الْغَيّ , وَإِصْرَارهمْ عَلَى الْكُفْر مَعَ عِلْمهمْ بِخَطَإٍ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْتَعْظِمُوا أَمْر الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود بِمَا هَمُّوا بِهِ لَكُمْ , وَلَا أَمْر الْغَدْر الَّذِي حَاوَلُوهُ وَأَرَادُوهُ بِكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاق أَوَائِلهمْ وَأَسْلَافهمْ , لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاج أَوَّلهمْ وَطَرِيق سَلَفهمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَزَّ ذِكْره عَنْ بَعْض غَدَرَاتهمْ وَخِيَانَاتهمْ وَجَرَاءَتهمْ عَلَى رَبّهمْ وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقَهُمْ عَلَيْهِ بَارِئُهُمْ , مَعَ نِعَمه الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا , وَكَرَامَاته الَّتِي طَوَّقَهُمْ شُكْرهَا , فَقَالَ : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق مَنْ سَلَفَ مِمَّنْ هَمَّ بِبَسْطِ يَده إِلَيْكُمْ مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ لَهُ بِعُهُودِهِ وَطَاعَته فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ )كَمَا : 9023 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : ( { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : أَخَذَ اللَّه مَوَاثِيقهمْ أَنْ يُخْلِصُوا لَهُ وَلَا يَعْبُدُوا غَيْره .)|وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا|يَعْنِي بِذَلِكَ : وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر كَفِيلًا , كَفَلُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ لِلَّهِ بِمَا وَاثَقُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُهُود فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ . وَالنَّقِيب فِي كَلَام الْعَرَب , كَالْعَرِيفِ عَلَى الْقَوْم , غَيْر أَنَّهُ فَوْق الْعَرِيف , يُقَال مِنْهُ : نَقَبَ فُلَان عَلَى بَنِي فُلَان فَهُوَ يَنْقُب نَقْبًا , فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَقِيبًا فَصَارَ نَقِيبًا , قِيلَ : قَدْ نَقُبَ فَهُوَ يَنْقُب نَقَابَة , وَمِنْ الْعَرِيف : عَرُفَ عَلَيْهِمْ يَعْرُف عِرَافَة . فَأَمَّا الْمَنَاكِب فَإِنَّهُمْ كَالْأَعْوَانِ يَكُونُونَ مَعَ الْعُرَفَاء , وَاحِدهمْ مَنْكِب . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ يَقُول : هُوَ الْأَمِين الضَّامِن عَلَى الْقَوْم . فَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ قَدْ اِخْتَلَفُوا بَيْنهمْ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشَّاهِد عَلَى قَوْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9024 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط رَجُل شَاهِد عَلَى قَوْمه . وَقَالَ آخَرُونَ : النَّقِيب : الْأَمِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9025 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : (النُّقَبَاء : الْأُمَنَاء . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَإِنَّمَا كَانَ اللَّه أَمَرَ مُوسَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْثِهِ النُّقَبَاء الِاثْنَيْ عَشَر مِنْ قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الْجَبَابِرَة بِالشَّامِ لِيَتَجَسَّسُوا لِمُوسَى أَخْبَارهمْ إِذْ أَرَادَ هَلَاكهمْ , وَأَنْ يُورِث أَرْضهمْ وَدِيَارهمْ مُوسَى وَقَوْمه , وَأَنْ يَجْعَلهَا مَسَاكِن لِبَنِي إِسْرَائِيل بَعْد مَا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْض مِصْر , فَبَعَثَ مُوسَى الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّه بِبَعْثِهِمْ إِلَيْهَا مِنْ النُّقَبَاء . كَمَا : 9026 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَابِرَة , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ يُقَال لَهُ عَاج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر , فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا ! فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْم , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيل خَبَر الْقَوْم , اِرْتَدُّوا عَنْ نَبِيّ اللَّه لَكِنْ اُكْتُمُوهُ وَأَخْبِرُوا نَبِيّ اللَّه , فَيَكُونَانِ فِيمَا يَرَيَانِ رَأْيهمَا , فَأَخَذَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض الْمِيثَاق بِذَلِكَ لِيَكْتُمُوهُ . ثُمَّ رَجَعُوا فَانْطَلَقَ عَشَرَة مِنْهُمْ فَنَكَثُوا الْعَهْد , فَجَعَلَ الرَّجُل يُخْبِر أَخَاهُ وَأَبَاهُ بِمَا رَأَى مِنْ عَاج , وَكَتَمَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ , فَأَتَوْا مُوسَى وَهَارُون , فَأَخْبَرُوهُمَا الْخَبَر , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } 9027 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ يَلُفُّونَهُمْ لَفًّا , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة أَنْفُس أَوْ أَرْبَع . فَرَجَعَ النُّقَبَاء كُلّ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطه عَنْ قِتَالهمْ إِلَّا يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوقنا يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاط بِقِتَالِ الْجَبَابِرَة وَبِجِهَادِهِمْ , فَعَصَوْا هَذَيْنِ وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : (مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رِجَال , وَقَالَ أَيْضًا : يُلْقُونَهُمَا . )9028 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : (أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسِير بِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَقَالَ : إِنِّي قَدْ كَتَبْتهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا , فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَدُوّ , فَإِنِّي نَاصِركُمْ عَلَيْهِمْ , وَخُذْ مِنْ قَوْمك اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ كُلّ سِبْط نَقِيبًا يَكُون عَلَى قَوْمه بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ , وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّه يَقُول لَكُمْ : { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَ آتَيْتُمْ الزَّكَاة } إِلَى قَوْله : { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } وَأَخَذَ مُوسَى مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا اِخْتَارَهُمْ مِنْ أَسْبَاط كُفَلَاء عَلَى قَوْمهمْ بِمَا هُمْ فِيهِ عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه , وَأَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ خَيْرهمْ وَأَوْفَاهُمْ رَجُلًا . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِأَمْرِ اللَّه , حَتَّى إِذَا نَزَلَ التِّيه بَيْن مِصْر وَالشَّام , وَهِيَ بِلَاد لَيْسَ فِيهَا شَجَر وَلَا ظِلّ , دَعَا مُوسَى رَبّه حِين آذَاهُمْ الْحَرّ , فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ , وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . وَأَمَرَ اللَّه مُوسَى فَقَالَ : أَرْسِلْ رِجَالًا يَتَجَسَّسُونَ إِلَى أَرْض كَنْعَان الَّتِي وَهَبْت لِبَنِي إِسْرَائِيل , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا . فَأَرْسَلَ مُوسَى الرُّءُوس كُلّهمْ الَّذِينَ فِيهِمْ , وَهَذِهِ أَسْمَاء الرَّهْط الَّذِينَ بَعَثَ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَى أَرْض الشَّام , فِيمَا يَذْكُر أَهْل التَّوْرَاة لِيَجُوسُوهَا لِبَنِي إِسْرَائِيل : مِنْ سِبْط روبيل : شامون بْن ركون , وَمِنْ سِبْط شَمْعُون سافاط بْن حَرْبِيّ , وَمِنْ سِبْط يَهُوذَا كَالِب بْن يوقنا , وَمِنْ سِبْط كَاذ مِيخَائِيل بْن يُوسُف , وَمِنْ سِبْط يُوسُف وَهُوَ سِبْط أفرائيم يُوشَع بْن نُون , وَمِنْ سِبْط بِنْيَامِين فلط بْن ذنون , وَمِنْ سِبْط ربالون كَرَابِيل بْن سودي , وَمِنْ سِبْط منشا بْن يُوسُف حدي بْن سوشا , وَمِنْ سِبْط دَانَ حملائل بْن حمل , وَمِنْ سِبْط أشار سابور بْن ملكيل , وَمِنْ سِبْط نفتالي محر بْن وقسي , وَمِنْ سِبْط يساخر حولايل بْن منكد . فَهَذِهِ أَسْمَاء الَّذِينَ بَعَثَهُمْ مُوسَى يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَرْض , وَيَوْمئِذٍ سَمَّى يُوشَع بْن نُون : يُوشَع بْن نُون , فَأَرْسَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : اِرْتَفِعُوا قَبْل الشَّمْس , فَارْقَوْا الْجَبَل , وَانْظُرُوا مَا فِي الْأَرْض , وَمَا الشَّعْب الَّذِي يَسْكُنُونَهُ , أَقْوِيَاء هُمْ أَمْ ضُعَفَاء ؟ أَقَلِيل هُمْ أَمْ هُمْ كَثِير ؟ وَانْظُرُوا أَرْضهمْ الَّتِي يَسْكُنُونَ أَشَمِسَة هِيَ أَمْ ذَات شَجَر ؟ وَاحْمِلُوا إِلَيْنَا مِنْ ثَمَرَة تِلْكَ الْأَرْض ! وَكَانَ فِي أَوَّل مَا سَمَّى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَمَرَة الْعِنَب . )9029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } فَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , بَعَثَهُمْ مُوسَى لِيَنْظُرُوا لَهُ إِلَى الْمَدِينَة . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا إِلَى الْمَدِينَة , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ وِقْرَ رَجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ هَذِهِ فَاكِهَتهمْ . فَعِنْد ذَلِكَ فُتِنُوا , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع الْقِتَال { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . )9030 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : سَمِعَ أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد يَقُول فِي قَوْله : ( { وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } أَمَرَ اللَّه بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ نَبِيّهمْ مُوسَى ; فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُدْخُلُوهَا ! فَأَبَوْا وَجَبَنُوا , وَبَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا , فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتهمْ بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ , هَذِهِ فَاكِهَتهمْ ! فَعِنْد ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا } .)|وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ اللَّه إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } </subtitle>يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره { وَقَالَ اللَّه } لِبَنِي إِسْرَائِيل { إِنِّي مَعَكُمْ } يَقُول : إِنِّي نَاصِركُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ وَعَدُوِّي الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَوَفَّيْتُمْ بِعَهْدِي وَمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ , بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَمَّا حُذِفَ مِنْهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَالَ اللَّه لَهُمْ : إِنِّي مَعَكُمْ , فَتَرَكَ ذِكْر | لَهُمْ | , اِسْتِغْنَاء بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل } إِذْ كَانَ مُتَقَدِّم الْخَبَر عَنْ قَوْم مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ سِيَاق مَا فِي الْكَلَام مِنْ الْخَبَر عَنْهُمْ , إِذْ لَمْ يَكُنْ الْكَلَام مَصْرُوفًا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَسَم , فَقَالَ : قَسَم { لَئِنْ أَقَمْتُمْ } مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل { الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة } أَيْ أَعْطَيْتُمُوهَا مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِإِعْطَائِهَا , { وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي } يَقُول : وَصَدَّقْتُمْ بِمَا آتَاكُمْ بِهِ رُسُلِي مِنْ شَرَائِع دِينِي . وَكَانَ الرَّبِيع بْن أَنَس يَقُول : هَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر . 9031 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : (أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَر : سِيرُوا إِلَيْهِمْ يَعْنِي إِلَى الْجَبَّارِينَ فَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ , وَمَا أَمْرهمْ , وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا )! . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيع فِي ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب , غَيْر أَنَّ مِنْ قَضَاء اللَّه فِي جَمِيع خَلْقه أَنَّهُ نَاصِر مَنْ أَطَاعَهُ , وَوَلِيّ مَنْ اِتَّبَعَ أَمْره وَتَجَنَّبَ مَعْصِيَته وَجَافَى ذُنُوبه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مِنْ طَاعَته : إِقَام الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالْإِيمَان بِالرُّسُلِ , وَسَائِر مَا نَدَبَ الْقَوْم إِلَيْهِ ; كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَكْفِير السَّيِّئَات بِذَلِكَ وَإِدْخَال الْجَنَّات بِهِ لَمْ يُخَصِّص بِهِ النُّقَبَاء دُون سَائِر بَنِي إِسْرَائِيل غَيْرهمْ , فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون نَدْبًا لِلْقَوْمِ جَمِيعًا وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ , أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون نَدْبًا لِبَعْضٍ وَحَضًّا لِخَاصٍّ دُون عَامّ .|وَعَزَّرْتُمُوهُمْ|وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : وَنَصَرْتُمُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9032 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : ( { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : نَصَرْتُمُوهُمْ بِالسَّيْفِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9034 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : ( { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } قَالَ : التَّعَزُّر وَالتَّوْقِير : الطَّاعَة وَالنُّصْرَة . )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيله , فَذُكِرَ عَنْ يُونُس الْحِرْمِرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : تَأْوِيل ذَلِكَ : أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ . 9035 - حُدِّثْنَا بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى عَنْهُ . وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ نَصَرْتُمُوهُمْ وَأَعَنْتُمُوهُمْ وَوَقَّرْتُمُوهُمْ وَعَظَّمْتُمُوهُمْ وَأَيَّدْتُمُوهُمْ , وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ : <br>وَكَمْ مِنْ مَاجِد لَهُمْ كَرِيم .......... وَمِنْ لَيْث يُعَزَّز فِي النَّدِيّ <br>وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : الْعَزْر الرَّدّ عَزَّرْته رَدَدْته : إِذَا رَأَيْته يَظْلِم , فَقُلْت : اِتَّقِ اللَّه أَوْ نَهَيْته , فَذَلِكَ الْعَزْر . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : نَصَرْتُمُوهُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي سُورَة الْفَتْح : { إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } فَالتَّوْقِير : هُوَ التَّعْظِيم . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بَعْض مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ . وَإِذَا فَسَدَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ التَّعْظِيم , وَكَانَ النَّصْر قَدْ يَكُون بِالْيَدِ وَاللِّسَان ; فَأَمَّا بِالْيَدِ فَالذَّبّ بِهَا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْره , وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَحُسْن الثَّنَاء , وَالذَّبّ عَنْ الْعِرْض , صَحَّ أَنَّهُ النَّصْر إِذْ كَانَ النَّصْر يَحْوِي مَعْنَى كُلّ قَائِل قَالَ فِيهِ قَوْلًا مِمَّا حَكَيْنَا عَنْهُ .|وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه , وَذَلِكَ فِي جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّكُمْ , { قَرْضًا حَسَنًا } يَقُول : وَأَنْفَقْتُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيله , فَأَصَبْتُمْ الْحَقّ فِي إِنْفَاقكُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ تَتَعَدَّوْا فِيهِ حُدُود اللَّه وَمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَحَثَّكُمْ عَلَيْهِ إِلَى غَيْره . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : { وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } وَلَمْ يَقُلْ : إِقْرَاضًا حَسَنًا , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَصْدَر أَقْرَضْت : الْإِقْرَاض ؟ قِيلَ : لَوْ قِيلَ ذَلِكَ كَانَ صَوَابًا , وَلَكِنَّ قَوْله : { قَرْضًا حَسَنًا } أُخْرِجَ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه , وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْله : أَقْرَضَ مَعْنَى قَرَضَ , كَمَا فِي مَعْنَى أَعْطَى أَخَذَ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَقَرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا , وَنَظِير ذَلِكَ : { وَاللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } إِذْ كَانَ فِي أَنْبَتَكُمْ مَعْنَى فَنَبَتُّمْ , وَكَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقِيس : <br>وَرُضْت فَذَلَّتْ صَعْبَة أَيّ إِذْلَال <br>إِذْ كَانَ فِي رُضْت مَعْنَى أَذْلَلْت , فَخَرَجَ الْإِذْلَال مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه .|لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيل , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة أَيّهَا الْقَوْم الَّذِينَ أَعْطُونِي مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِطَاعَتِي , وَاتِّبَاع أَمْرِي , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَفَعَلْتُمْ سَائِر مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ جَنَّتِي { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } يَقُول : لَأُغَطِّيَنَّ بِعَفْوِي عَنْكُمْ وَصَفْحِي عَنْ عُقُوبَتكُمْ , عَلَى سَالِف إِجْرَامكُمْ الَّتِي أَجْرَمْتُمُوهَا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل وَغَيْرهَا مِنْ مُوبِقَات ذُنُوبكُمْ . وَإِنَّمَا قُلْت : مَعْنَى قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } لَأُغَطِّيَنَّ , لِأَنَّ الْكُفْر مَعْنَاهُ الْجُحُود وَالتَّغْطِيَة وَالسَّتْر , كَمَا قَالَ لَبِيد : <br>فِي لَيْلَة كَفَرَ النُّجُوم غَمَامُهَا <br>يَعْنِي : | غَطَّاهَا | . التَّفْعِيل مِنْ الْكَفْر . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى | اللَّام | الَّتِي فِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : اللَّام الْأُولَى عَلَى مَعْنَى الْقَسَم , يَعْنِي اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } قَالَ : وَالثَّانِيَة مَعْنَى قَسَم آخَر . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ اللَّام الْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِع الْيَمِين , فَاكْتَفَى بِهَا عَنْ الْيَمِين , يَعْنِي بِاللَّامِ الْأُولَى : لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة . قَالَ : وَاللَّام الثَّانِيَة , يَعْنِي قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } جَوَاب لَهَا , يَعْنِي لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } وَاعْتَلَّ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْله : { لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاة } غَيْر تَامّ وَلَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون قَوْله : { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتكُمْ } قَسَمًا مُبْتَدَأ , بَلْ الْوَاجِب أَنْ يَكُون جَوَابًا لِلْيَمِينِ إِذْ كَانَتْ غَيْر مُسْتَغْنِيَة عَنْهُ .|وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ| { وَلَأُدْخِلَنَّكُم } مَعَ تَغْطِيَتِي عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ بِفَضْلِي يَوْم الْقِيَامَة { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } فَالْجَنَّات : الْبَسَاتِين . وَقَوْله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول : يَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَار هَذِهِ الْبَسَاتِين الَّتِي أُدْخِلكُمُوهَا الْأَنْهَار .|فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ مِنْكُمْ } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : فَمَنْ جَحَدَ مِنْكُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل شَيْئًا مِمَّا أَمَرْته بِهِ , فَتَرَكَهُ , أَوْ رَكِبَ مَا نَهَيْته عَنْهُ فَعَمِلَهُ بَعْد أَخْذِي الْمِيثَاق عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ لِي بِطَاعَتِي وَاجْتِنَاب مَعْصِيَتِي .|فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ|يَقُول : فَقَدْ أَخْطَأَ قَصْد الطَّرِيق الْوَاضِح , وَزَلَّ عَنْ مَنْهَج السَّبِيل الْقَاصِد . وَالضَّلَال : الرُّكُوب عَلَى غَيْر هُدًى ; وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { سَوَاء } يَعْنِي بِهِ : وَسَط السَّبِيل , وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل ذَلِكَ كُلّه فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد , لَا تَعْجَبَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك , وَنَكَثُوا الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَيْنهمْ , غَدْرًا مِنْهُمْ بِك وَأَصْحَابك , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَاتهمْ وَعَادَات سَلَفهمْ ; وَمِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَخَذْت مِيثَاق سَلَفهمْ عَلَى عَهْد مُوسَى عَلَى طَاعَتِي , وَبَعَثْت مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا وَقَدْ تَخَيَّرُوا مِنْ جَمِيعهمْ لِيَتَجَسَّسُوا أَخْبَار الْجَبَابِرَة , وَوَعَدْتهمْ النَّصْر عَلَيْهِمْ , وَأَنْ أُوَرِّثهُمْ أَرْضهمْ وَدِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ , بَعْد مَا أَرَيْتهمْ مِنْ الْعِبَر وَالْآيَات بِإِهْلَاكِ فِرْعَوْن وَقَوْمه فِي الْبَحْر وَفَلْق الْبَحْر لَهُمْ وَسَائِر الْعِبَر مَا أَرَيْتهمْ , فَنَقَضُوا مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُونِي وَنَكَثُوا عَهْدِي , فَلَعَنْتهمْ بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ ; فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْل خِيَارهمْ مَعَ أَيَادِي عِنْدهمْ , فَلَا تَسْتَنْكِرُوا مِثْله مِنْ فِعْل أَرَاذِلهمْ . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل , فَنَقَضُوا الْمِيثَاق , فَلَعَنْتهمْ , فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ , فَاكْتُفِيَ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } مِنْ ذِكْر | فَنَقَضُوا | . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ . كَمَا قَالَ قَتَادَة . 9036 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ } يَقُول : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ . )9037 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } قَالَ : هُوَ مِيثَاق أَخَذَهُ اللَّه عَلَى أَهْل التَّوْرَاة فَنَقَضُوهُ . )وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى اللَّعْن فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَالْهَاء وَالْمِيم مِنْ قَوْله : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ } عَائِدَتَانِ عَلَى ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل قَبْل .|وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { قَاسِيَة } بِالْأَلِفِ , عَلَى تَقْدِير فَاعِلَة , مِنْ قَسْوَة الْقَلْب , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَسَا قَلْبه , فَهُوَ يَقْسُو وَهُوَ قَاسٍ , وَذَلِكَ إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ وَصَارَ يَابِسًا صَلْبًا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>وَقَدْ قَسَوْت وَقَسَتْ لِدَاتِي <br>فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَلَعَنَّا الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي وَلَمْ يَفُوا بِمِيثَاقِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ الَّذِي وَاثَقُونِي , وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة غَلِيظَة يَابِسَة عَنْ الْإِيمَان بِي وَالتَّوْفِيق لِطَاعَتِي , مَنْزُوعَة مِنْهَا الرَّأْفَة وَالرَّحْمَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة | . ثُمَّ اِخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَعْنَى الْقَسْوَة ; لِأَنَّ فَعِيلَة فِي الذَّمّ أَبْلَغ مِنْ فَاعِلَة , فَاخْتَرْنَا قِرَاءَتهَا قَسِيَّة عَلَى قَاسِيَة لِذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَى | قَسِيَّة | غَيْر مَعْنَى الْقَسْوَة ; وَإِنَّمَا الْقَسِيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقُلُوب الَّتِي لَمْ يَخْلُص إِيمَانهَا بِاَللَّهِ , وَلَكِنْ يُخَالِط إِيمَانهَا كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة , وَهِيَ الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ مِنْ نُحَاس أَوْ رَصَاص وَغَيْر ذَلِكَ , كَمَا قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيّ : <br>لَهَا صَوَاهِل فِي صُمّ السِّلَام كَمَا .......... صَاحَ الْقَسِيَّات فِي أَيْدِي الصَّيَارِيفِ <br>يَصِف بِذَلِكَ وَقْع مَسَاحِي الَّذِينَ حَفَرُوا قَبْر عُثْمَان عَلَى الصُّخُور , وَهِيَ السِّلَام. وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : | وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَسِيَّة | عَلَى فَعِيلَة ; لِأَنَّهَا أَبْلَغ فِي ذَمّ الْقَوْم مِنْ قَاسِيَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ فَعِيلَة مِنْ الْقَسْوَة , كَمَا قِيلَ : نَفْس زَكِيَّة وَزَاكِيَة , وَامْرَأَة شَاهِدَة وَشَهِيدَة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ الْقَوْم بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَلَمْ يَصِفهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِيمَان , فَتَكُون قُلُوبهمْ مَوْصُوفَة بِأَنَّ إِيمَانهَا يُخَالِطهُ كُفْر كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِيَّة الَّتِي يُخَالِط فِضَّتهَا غِشّ .|يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَجَعَلْنَا قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عُهُودنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل قَسِيَّة , مَنْزُوعًا مِنْهَا الْخَيْر , مَرْفُوعًا مِنْهَا التَّوْفِيق , فَلَا يُؤْمِنُونَ , وَلَا يَهْتَدُونَ , فَهُمْ لِنَزْعِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيق مِنْ قُلُوبهمْ وَالْإِيمَان يُحَرِّفُونَ كَلَام رَبّهمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَيُبَدِّلُونَهُ وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ غَيْر الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى نَبِيّهمْ وَيَقُولُونَ لِجُهَّالِ النَّاس : هَذَا هُوَ كَلَام اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْرَاة الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ صِفَة الْقُرُون الَّتِي كَانَتْ بَعْد مُوسَى مِنْ الْيَهُود مِمَّنْ أَدْرَكَ بَعْضهمْ عَصْر نَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَدْخَلَهُمْ فِي عِدَاد الَّذِينَ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ مُوسَى مِنْهُمْ , إِذْ كَانُوا مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجهمْ فِي الْكَذِب عَلَى اللَّه وَالْفِرْيَة عَلَيْهِ وَنَقْض الْمَوَاثِيق الَّتِي أَخَذَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة . كَمَا : 9038 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } يَعْنِي : حُدُود اللَّه فِي التَّوْرَاة , وَيَقُولُونَ : إِنْ أَمَرَكُمْ مُحَمَّد بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَاقْبَلُوهُ , وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاحْذَرُوا .)|وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَنَسُوا حَظًّا } وَتَرَكُوا نَصِيبًا , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } أَيْ تَرَكُوا أَمْر اللَّه فَتَرَكَهُمْ اللَّه ; وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } يَقُول : تَرَكُوا نَصِيبًا . )9040 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز قَالَ : ثنا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } قَالَ : تَرَكُوا عُرَى دِينهمْ وَوَظَائِف اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّتِي لَا تُقْبَل الْأَعْمَال إِلَّا بِهَا .)|وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } </subtitle>يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا تَزَال يَا مُحَمَّد تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ أَنْبَأْتُك نَبَأَهُمْ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي , وَنَكْثهمْ عَهْدِي , مَعَ أَيَادِيَّ عِنْدهمْ , وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ , عَلَى مِثْل ذَلِكَ مِنْ الْغَدْر وَالْخِيَانَة , إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ . وَالْخَائِنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْخِيَانَة , وَهُوَ اِسْم وُضِعَ مَوْضِع الْمَصْدَر , كَمَا قِيلَ خَاطِئَة : لِلْخَطِيئَةِ , وَقَائِلَة : لِلْقَيْلُولَةِ . وَقَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } اِسْتِثْنَاء مِنْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9041 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : عَلَى خِيَانَة وَكَذِب وَفُجُور . )9042 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } قَالَ : هَمّ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ حَائِطهمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 9043 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : قَوْله : ( { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } مِنْ يَهُود مِثْل الَّذِي هَمُّوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم دَخَلَ عَلَيْهِمْ . )وَقَالَ بَعْض الْقَائِلِينَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِن مِنْهُمْ , قَالَ : وَالْعَرَب تَزِيد الْهَاء فِي آخِر الْمُذَكَّر كَقَوْلِهِمْ : هُوَ رَاوِيَة لِلشِّعْرِ , وَرَجُل عَلَّامَة , وَأَنْشَدَ : <br>حَدَّثْت نَفْسك بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ .......... لِلْغَدْرِ خَائِنَة مُغِلّ الْإِصْبَع <br>فَقَالَ خَائِنَة , وَهُوَ يُخَاطِب رَجُلًا . وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ الْقَوْل الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل ; لِأَنَّ اللَّه عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة الْقَوْم مِنْ يَهُود بَنِي النَّضِير الَّذِينَ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , إِذْ أَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَة الْعَامِرِيَّيْنِ , فَأَطْلَعَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَلَى مَا قَدْ هَمُّوا بِهِ . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْد تَعْرِيفه أَخْبَار أَوَائِلهمْ وَإِعْلَامه مَنْهَج أَسْلَافهمْ وَأَنَّ آخِرهمْ عَلَى مِنْهَاج أَوَّلهمْ فِي الْغَدْر وَالْخِيَانَة , لِئَلَّا يَكْبُر فِعْلهمْ ذَلِكَ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَزَال تَطَّلِع مِنْ الْيَهُود عَلَى خِيَانَة وَغَدْر وَنَقْض عَهْد . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَزَال يَطَّلِع عَلَى رَجُل مِنْهُمْ خَائِن , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر اُبْتُدِئَ بِهِ عَنْ جَمَاعَتهمْ , فَقِيلَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } , ثُمَّ قِيلَ : { وَلَا تَزَال تَطَّلِع عَلَى خَائِنَة مِنْهُمْ } , فَإِذْ كَانَ الِابْتِدَاء عَنْ الْجَمَاعَة فَلْتُخْتَمْ بِالْجَمَاعَةِ أَوْلَى .|فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } </subtitle>وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْهِ مِنْ الْيَهُود , يَقُول اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ : اُعْفُ يَا مُحَمَّد عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك بِالْقَتْلِ , وَاصْفَحْ لَهُمْ عَنْ جُرْمهمْ بِتَرْكِ التَّعَرُّض لِمَكْرُوهِهِمْ , فَإِنِّي أُحِبّ مَنْ أَحْسَنَ الْعَفْو وَالصَّفْح إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : هَذِهِ مَنْسُوخَة , وَيَقُول : نَسَخَتْهَا آيَة بَرَاءَة : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة . 9044 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله } . )9045 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : ( { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } وَلَمْ يُؤْمَر يَوْمئِذٍ بِقِتَالِهِمْ , فَأَمَرَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَنْ يَعْفُو عَنْهُمْ وَيَصْفَح , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَة فَقَالَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب . فَأَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِلهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا , أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ . )* - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْم , قَالَ : قَرَأْت عَلَى اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة نَحْوه . وَاَلَّذِي قَالَهُ قَتَادَة غَيْر مَدْفُوع إِمْكَانه , غَيْر أَنَّ النَّاسِخ الَّذِي لَا شَكّ فِيهِ مِنْ الْأَمْر , هُوَ مَا كَانَ نَافِيًا كُلّ مَعَانِي خِلَافه الَّذِي كَانَ قَبْله . فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْر نَافٍ جَمِيعه , فَلَا سَبِيل إِلَى الْعِلْم بِأَنَّهُ نَاسِخ إِلَّا بِخَبَرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , أَوْ مِنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَيْسَ فِي قَوْله : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } دَلَالَة عَلَى الْأَمْر بِنَفْي مَعَانِي الصَّفْح وَالْعَفْو عَنْ الْيَهُود . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ جَائِزًا مَعَ إِقْرَارهمْ بِالصَّغَارِ وَأَدَائِهِمْ الْجِزْيَة بَعْد الْقِتَال , الْأَمْر بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ فِي غَدْرَة هَمُّوا بِهَا أَوْ نَكْثَة عَزَمُوا عَلَيْهَا , مَا لَمْ يَنْصِبُوا حَرْبًا دُون أَدَاءِ الْجِزْيَةِ , وَيَمْتَنِعُوا مِنْ الْأَحْكَام اللَّازِمَة مِنْهُمْ , لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَحْكُم لِقَوْلِهِ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر } الْآيَة , بِأَنَّهُ نَاسِخ قَوْله : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : وَأَخَذْنَا مِنْ النَّصَارَى الْمِيثَاق عَلَى طَاعَتِي وَأَدَاء فَرَائِضِي وَاتِّبَاع رُسُلِي وَالتَّصْدِيق بِهِمْ , فَسَلَكُوا فِي مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْهَاج الْأُمَّة الضَّالَّة مِنْ الْيَهُود , فَبَدَّلُوا كَذَلِكَ دِينهمْ وَنَقَضُوا نَقْضِهِمْ وَتَرَكُوا حَظّهمْ مِنْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي وَضَيَّعُوا أَمْرِي . كَمَا : 9046 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } نَسُوا كِتَاب اللَّه بَيْن أَظْهُرهمْ , وَعَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَأَمْر اللَّه الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ . )9047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (قَالَتْ النَّصَارَى مِثْل مَا قَالَتْ الْيَهُود , وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .)|فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } حَرَّشْنَا بَيْنهمْ وَأَلْقَيْنَا , كَمَا تُغْرِي الشَّيْء بِالشَّيْءِ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَمَّا تَرَكَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذْت مِيثَاقهمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي حَظّهمْ , مِمَّا عَهِدْت إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , أَغْرَيْت بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة إِغْرَاء اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ إِغْرَاؤُهُ بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9048 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي قَوْله : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : هَذِهِ الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة , وَالتَّبَاغُض فَهُوَ الْإِغْرَاء . )* - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , قَالَ : سَمِعْت النَّخَعِيّ يَقُول : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : أَغْرَى بَعْضهمْ بِبَعْضٍ بِخُصُومَاتٍ بِالْجِدَالِ فِي الدِّين . )9049 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالتَّيْمِيّ , قَوْله : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : مَا أَرَى الْإِغْرَاء فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا الْأَهْوَاء الْمُخْتَلِفَة . وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة : الْخُصُومَات فِي الدِّين تُحْبِط الْأَعْمَال . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْنهمْ وَالْبَغْضَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9050 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْآيَة . )إِنَّ الْقَوْم لَمَّا تَرَكُوا كِتَاب اللَّه , وَعَصَوْا رُسُله , وَضَيَّعُوا فَرَائِضه , وَعَطَّلُوا حُدُوده , أَلْقَى بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَال السُّوء , وَلَوْ أَخَذَ الْقَوْم كِتَاب اللَّه وَأَمْره , مَا اِفْتَرَقُوا وَلَا تَبَاغَضُوا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالْحَقِّ , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : أَغْرَى بَيْنهمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنهمْ , كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ ; لِأَنَّ عَدَاوَة النَّصَارَى بَيْنهمْ , إِنَّمَا هِيَ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , وَذَلِكَ أَهْوَاء لَا وَحْي مِنْ اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْلهمْ وَتَأْوِيلهمْ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى , لِنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , وَقَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ فِي النَّصَارَى أَيْضًا : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ , فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَغْرَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنهمْ وَبَيْن الْيَهُود الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )9052 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ اِبْن زَيْد : كَمَا تُغْرِي بَيْن اِثْنَيْنِ مِنْ الْبَهَائِم . )9053 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9054 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , أَغْرَى اللَّه بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِكَ : النَّصَارَى وَحْدهَا . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : فَأَغْرَيْنَا بَيْن النَّصَارَى عُقُوبَة لَهَا بِنِسْيَانِهَا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرَتْ بِهِ . قَالُوا : وَعَلَيْهَا عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي بَيْنهمْ دُون الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9055 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : (إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره تَقَدَّمَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا , وَعَلِّمُوا الْحِكْمَة وَلَا تَأْخُذُوا عَلَيْهَا أَجْرًا . فَلَمْ يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ , فَأَخَذُوا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَجَاوَزُوا الْحُدُود , فَقَالَ فِي الْيَهُود حَيْثُ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّه : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } وَقَالَ فِي النَّصَارَى : { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ عِنْدِي مَا قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس , وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِالْإِغْرَاءِ بَيْنهمْ : النَّصَارَى فِي هَذِهِ الْآيَة خَاصَّة , وَأَنَّ الْهَاء وَالْمِيم عَائِدَتَانِ عَلَى النَّصَارَى دُون الْيَهُود , لِأَنَّ ذِكْر الْإِغْرَاء فِي خَبَر اللَّه عَنْ النَّصَارَى بَعْد تَقَضِّي خَبَره عَنْ الْيَهُود , وَبَعْد اِبْتِدَائِهِ خَبَره عَنْ النَّصَارَى , فَأَنْ لَا يَكُون ذَلِكَ مَعْنِيًّا بِهِ إِلَّا النَّصَارَى خَاصَّة أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ الْحِزْبَانِ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا الْعَدَاوَة الَّتِي بَيْن النَّصَارَى , فَتَكُون مَخْصُوصَة بِمَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ عَدَاوَة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة وَالْمَلَكِيَّة النَّسْطُورِيَّة وَالْيَعْقُوبِيَّة , وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ : إِغْرَاء اللَّه بَيْن الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِبَعِيدٍ , غَيْر أَنَّ هَذَا أَقْرَب عِنْدِي وَأَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة لِمَا ذَكَرْنَا .|وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّه بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُعْفُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك , وَاصْفَحْ فَإِنَّ اللَّه مِنْ وَرَاء الِانْتِقَام مِنْهُمْ , وَسَيُنَبِّئُهُمْ اللَّه عِنْد وُرُودهمْ اللَّه عَلَيْهِ فِي مُعَادهمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَصْنَعُونَ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقه , وَنَكْثهمْ عَهْده , وَتَبْدِيلهمْ كِتَابه , وَتَحْرِيفهمْ أَمْره وَنَهْيه , فَيُعَاقِبهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسْب اِسْتِحْقَاقهمْ .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره لِجَمَاعَةِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا : 9056- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .)|رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ|وَقَوْله : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يُبَيِّنُ لَكُمْ مُحَمَّد رَسُولنَا كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَهُ النَّاس وَلَا تُبَيِّنُونَهُ لَهُمْ مِمَّا فِي كِتَابكُمْ . وَكَانَ مِمَّا يُخْفُونَهُ مِنْ كِتَابهمْ فَبَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ : رَجْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي تَبْيِين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ مِنْ إِخْفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْ كِتَابهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9057 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَنْ كَفَرَ بِالرَّجْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب , قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } فَكَانَ الرَّجْم مِمَّا أَخْفَوْا . )* - حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9058 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { صِرَاط مُسْتَقِيم } يَسْأَلُونَهُ عَنْ الرَّجْم , وَاجْتَمَعُوا فِي بَيْت , قَالَ : | أَيّكُمْ أَعْلَم | فَأَشَارُوا إِلَى اِبْن صُورِيَّا , فَقَالَ : | أَنْتَ أَعْلَمهُمْ ؟ | قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْت , قَالَ : | أَنْتَ أَعْلَمهُمْ | قَالَ : إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ ذَلِكَ . قَالَ : فَنَاشَدَهُ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , وَاَلَّذِي رَفَعَ الطُّور , وَنَاشَدَهُ بِالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ , حَتَّى أَخَذَهُ أَفْكَل , فَقَالَ : إِنَّ نِسَاءَنَا نِسَاء حِسَان , فَكَثُرَ فِينَا الْقَتْل , فَاخْتَصَرْنَا أُخْصُورَة , فَجَلَدْنَا مِائَة , وَحَلَقْنَا الرُّءُوس , وَخَالَفْنَا بَيْن الرُّءُوس إِلَى الدَّوَابّ - أَحْسَبهُ قَالَ : الْإِبِل - قَالَ : فَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ } الْآيَة , وَهَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إِلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } )|الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ|قَوْله : { وَيَعْفُو عَنْ كَثِير } يَعْنِي بِقَوْلِهِ وَيَعْفُو : وَيَتْرُك أَخْذكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَلَا تَعْمَلُونَ بِهِ حَتَّى يَأْمُرهُ اللَّه بِأَخْذِكُمْ بِهِ .|كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه نُور } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب : قَدْ جَاءَكُمْ يَا أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ اللَّه نُور , يَعْنِي بِالنُّورِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي أَنَارَ اللَّه بِهِ الْحَقّ , وَأَظْهَرَ بِهِ الْإِسْلَام , وَمَحَقَ بِهِ الشِّرْك فَهُوَ نُور لِمَنْ اِسْتَنَارَ بِهِ يُبَيِّن الْحَقّ , وَمِنْ إِنَارَته الْحَقّ تَبْيِينه لِلْيَهُودِ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب .|نُورٌ وَكِتَابٌ|وَقَوْله : { وَكِتَاب مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه تَعَالَى النُّور الَّذِي أَنَارَ لَكُمْ بِهِ مَعَالِم الْحَقّ . { وَكِتَاب مُبِين } يَعْنِي : كِتَابًا فِيهِ بَيَان مَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنهمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَحَلَاله وَحَرَامه وَشَرَائِع دِينه , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُبَيِّن لِلنَّاسِ جَمِيع مَا بِهِمْ الْحَاجَة إِلَيْهِ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَيُوَضِّحهُ لَهُمْ , حَتَّى يَعْرِفُوا حَقّه مِنْ بَاطِله .

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَهْدِي بِهِ اللَّه مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه } </subtitle>يَعْنِي عَزَّ ذِكْره : يَهْدِي بِهَذَا الْكِتَاب الْمُبِين الَّذِي جَاءَ مِنْ اللَّه جَلَّ جَلَاله , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَهْدِي بِهِ اللَّه } يُرْشِد بِهِ اللَّه وَيُسَدِّد بِهِ . وَالْهَاء فِي قَوْله بِهِ عَائِدَة عَلَى الْكِتَاب . { مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه } يَقُول : مَنْ اِتَّبَعَ رِضَا اللَّه . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرِّضَا مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الرِّضَا مِنْهُ بِالشَّيْءِ : الْقَبُول لَهُ وَالْمَدْح وَالثَّنَاء . قَالُوا : فَهُوَ قَابِل الْإِيمَان وَمُزَكٍّ لَهُ , وَمُثْنٍ عَلَى الْمُؤْمِن بِالْإِيمَانِ , وَوَاصِف الْإِيمَان بِأَنَّهُ نُور وَهُدًى وَفَصْل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الرِّضَا مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَعْنًى مَفْهُوم , هُوَ خِلَاف السُّخْط , وَهُوَ صِفَة مِنْ صِفَاته عَلَى مَا يُعْقَل مِنْ مَعَانِي الرِّضَا , الَّذِي هُوَ خِلَاف السُّخْط , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَدْحِ ; لِأَنَّ الْمَدْح وَالثَّنَاء قَوْل , وَإِنَّمَا يُثْنَى وَيُمْدَح مَا قَدْ رَضِيَ ; قَالُوا : فَالرِّضَا مَعْنًى , وَالثَّنَاء وَالْمَدْح مَعْنًى لَيْسَ بِهِ .|سُبُلَ السَّلَامِ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { سُبُل السَّلَام } طُرُق السَّلَام , وَالسَّلَام هُوَ اللَّه عَزَّ ذِكْره . 9059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه سُبُل السَّلَام } سَبِيل اللَّه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ , وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ , وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد عَمَلًا إِلَّا بِهِ , لَا الْيَهُودِيَّة , وَلَا النَّصْرَانِيَّة , وَلَا الْمَجُوسِيَّة .)|وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : يَهْدِي اللَّه بِهَذَا الْكِتَاب الْمُبِين مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه إِلَى سُبُل السَّلَام , وَشَرَائِع دِينه . { وَيُخْرِجهُمْ } يَقُول : وَمَنْ يُخْرِج مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَانه , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي : وَيُخْرِجهُمْ إِلَى مَنْ ذَكَرَ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , يَعْنِي : مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر وَالشِّرْك إِلَى نُور الْإِسْلَام وَضِيَائِهِ بِإِذْنِهِ , يَعْنِي : بِإِذْنِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِذْنه فِي هَذَا الْمَوْضِع تَحْبِيبه إِيَّاهُ الْإِيمَان بِرَفْعِ طَابِع الْكُفْر عَنْ قَلْبه , وَخَاتَم الشِّرْك عَنْهُ , وَتَوْفِيقه لِإِبْصَارِ سُبُل السَّلَام .|وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } </subtitle>يَعْنِي عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَهْدِيهِمْ } وَيُرْشِدهُمْ وَيُسَدِّدهُمْ { إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الْقَوِيم الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } </subtitle>هَذَا ذَمّ مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره لِلنَّصَارَى وَالنَّصْرَانِيَّة الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سُبُل السَّلَام , وَاحْتِجَاج مِنْهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِرْيَتهمْ عَلَيْهِ بِادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُقْسِم لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم , وَكُفْرهمْ فِي ذَلِكَ تَغْطِيَتهمْ الْحَقّ فِي تَرْكهمْ نَفْي الْوَلَد عَنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ الْمَسِيح هُوَ اللَّه فِرْيَة وَكَذِبًا عَلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَسِيح فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّصَارَى الَّذِينَ اِفْتَرَوْا عَلَيَّ , وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل , بِقِيلِهِمْ : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم { مَنْ يَمْلِك مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَقُول : مَنْ الَّذِي يُطِيق أَنْ يَدْفَع مِنْ أَمْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ شَيْئًا , فَيَرُدّهُ إِذَا قَضَاهُ ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَلَكْت عَلَى فُلَان أَمْره : إِذَا صَارَ لَا يَقْدِر أَنْ يُنَفِّذ أَمْرًا إِلَّا بِهِ .|إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا|وَقَوْله : { إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِر أَنْ يَرُدّ مِنْ أَمْر اللَّه شَيْئًا إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِك الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم بِإِعْدَامِهِ مِنْ الْأَرْض وَإِعْدَام أُمّه مَرْيَم , وَإِعْدَام جَمِيع مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْخَلْق جَمِيعًا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ النَّصَارَى لَوْ كَانَ الْمَسِيح كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّه , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَقَدَرَ أَنْ يَرُدّ أَمْر اللَّه إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلَاكِهِ وَإِهْلَاك أُمّه , وَقَدْ أَهْلَكَ أُمّه فَلَمْ يَقْدِر عَلَى دَفْع أَمْره فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ , فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَر إِنْ اِعْتَبَرْتُمْ , وَحُجَّة عَلَيْكُمْ إِنْ عَقَلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَسِيح بَشَر كَسَائِرِ بَنِي آدَم , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي لَا يُغْلَب وَلَا يُقْهَر وَلَا يُرَدّ لَهُ أَمْر , بَلْ هُوَ الْحَقّ الدَّائِم الْقَيُّوم الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , وَيُنْشِئ وَيُفْنِي , وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت .|وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } </subtitle>يَعْنِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ : وَاَللَّه لَهُ تَصْرِيف مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , يَعْنِي : وَمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , يُهْلِك مَنْ يَشَاء مِنْ ذَلِكَ , وَيُبْقِي مَا يَشَاء مِنْهُ , وَيُوجِد مَا أَرَادَ , وَيُعْدِم مَا أَحَبَّ , لَا يَمْنَعهُ مِنْ شَيْء أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِع , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْهُ دَافِع ; يُنَفِّذ فِيهِمْ حُكْمه , وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ , لَا الْمَسِيح الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكه رَبّه وَإِهْلَاك أُمّه , لَمْ يَمْلِك دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ رَبّه مِنْ ذَلِكَ . يَقُول جَلَّ وَعَزَّ : كَيْفَ يَكُون إِلَهًا يُعْبَد مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْع مَا أَرَادَ بِهِ غَيْره مِنْ السُّوء , وَغَيْر قَادِر عَلَى صَرْف مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الْهَلَاك ؟ بَلْ الْإِلَه الْمَعْبُود الَّذِي لَهُ مُلْك كُلّ شَيْء , وَبِيَدِهِ تَصْرِيف كُلّ مَنْ فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا بَيْنهمَا } , وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَات بِلَفْظِ الْجَمْع , وَلَمْ يَقُلْ : وَمَا بَيْنهنَّ , لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَمَا بَيْن هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْأَشْيَاء , كَمَا قَالَ الرَّاعِي : <br>طَرَقًا فَتِلْكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِمَا .......... قُلُصًا لَوَاقِح كَالْقِسِيِّ وُحُولًا <br>فَقَالَ : طَرَقًا , مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ , ثُمَّ قَالَ : فَتِلْكَ هَمَاهِمِي , فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلَام .|يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ|وَقَوْله : { يَخْلُق مَا يَشَاء } يَقُول : جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيُنْشِئ مَا يَشَاء وَيُوجِدهُ , وَيُخْرِجهُ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود , وَلَنْ يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْر اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ تَدْبِير السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه وَإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامه , وَإِيجَاد مَا يَشَاء مِمَّا هُوَ غَيْر مَوْجُود وَلَا مُنْشَأ , يَقُول : فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ , فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَيّهَا الْكَذَبَة أَنَّ الْمَسِيح إِلَه , وَهُوَ لَا يُطِيق شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , بَلْ لَا يَقْدِر عَلَى دَفْع الضَّرَر عَنْ نَفْسه , وَلَا عَنْ أُمّه , وَلَا اِجْتِلَاب نَفْع إِلَيْهَا , إِلَّا بِإِذْنِي .|وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : اللَّه الْمَعْبُود هُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , وَالْمَالِك كُلّ شَيْء , الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَغْلِبهُ شَيْء طَلَبَهُ , الْمُقْتَدِر عَلَى هَلَاك الْمَسِيح وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا , لَا الْعَاجِز الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى مَنْع نَفْسه مِنْ ضُرّ نَزَلَ بِهِ مِنْ اللَّه وَلَا مَنْع أُمّه مِنْ الْهَلَاك .

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قَوْم مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الْقَوْل . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس تَسْمِيَة الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِنْ الْيَهُود . 9060 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعْمَان بْن أَضَاءٍ وَبَحْرِيّ بْن عَمْرو , وَشَأْس بْن عَدِيّ , فَكَلَّمُوهُ , فَكَلَّمَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَته , فَقَالُوا : مَا تُخَوِّفنَا يَا مُحَمَّد , نَحْنُ وَاَللَّه أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ ! كَقَوْلِ النَّصَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِيهِمْ : { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } إِلَى آخِر الْآيَة . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا ): 9061 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَقَالَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ } أَمَّا أَبْنَاء اللَّه فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيل أَنَّ وَلَدًا مِنْ وَلَدك أُدْخِلهُمْ النَّار فَيَكُونُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى تُطَهِّرهُمْ وَتَأْكُل خَطَايَاهُمْ , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : أَنْ أَخْرِجُوا كُلّ مَخْتُون مِنْ وَلَد إِسْرَائِيل , فَأُخْرِجهُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَات } وَأَمَّا النَّصَارَى , فَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ قَالَ لِلْمَسِيحِ : اِبْن اللَّه . )وَالْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْخَبَر إِذَا اِفْتَخَرَتْ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , وَإِنْ كَانَ مَا اِفْتَخَرَتْ بِهِ مِنْ فِعْل وَاحِد مِنْهُمْ , فَتَقُول : نَحْنُ الْأَجْوَاد الْكِرَام , وَإِنَّمَا الْجَوَاد فِيهِمْ وَاحِد مِنْهُمْ وَغَيْر الْمُتَكَلِّم الْفَاعِل ذَلِكَ , كَمَا قَالَ جَرِير : <br>نَدَسْنَا أَبَا مَنْدُوسَة الْقَيْن بِالْقَنَا .......... وَمَا رَدَم مِنْ جَار بَيْبَة نَاقِع <br>فَقَالَ : | نَدَسْنَا | , وَإِنَّمَا النَّادِس : رَجُل مِنْ قَوْم جَرِير غَيْره , فَأَخْرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ جَمَاعَة هُوَ أَحَدهمْ . فَكَذَا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ النَّصَارَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْه إِنْ شَاءَ اللَّه . وَقَوْله : { وَأَحِبَّاؤُهُ } وَهُوَ جَمْع حَبِيب ,|قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ|يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْكَذَبَة الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبّهمْ { فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ } ؟ يَقُول : فَلِأَيِّ شَيْء يُعَذِّبكُمْ رَبّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ إِنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ , فَإِنَّ الْحَبِيب لَا يُعَذِّب حَبِيبه , وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبكُمْ . وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ : إِنَّ اللَّه مُعَذِّبنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْل , ثُمَّ يُخْرِجنَا جَمِيعًا مِنْهَا ; فَقَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , فَلِمَ يُعَذِّبكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ؟ يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُمْ أَهْل فِرْيَة وَكَذِب عَلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .|بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : لَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ بَلْ أَنْتُمْ بَشَر مِمَّنْ خَلَقَ , يَقُول : خَلْق مِنْ بَنِي آدَم , خَلَقَكُمْ اللَّه مِثْل سَائِر بَنِي آدَم , إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ كَمَا سَائِر بَنِي آدَم مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ , وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ كَمَا غَيْركُمْ مَجْزِيّ بِهَا , لَيْسَ لَكُمْ عِنْد اللَّه إِلَّا مَا لِغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقه , فَإِنَّهُ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ ذُنُوبه , فَيَصْفَح عَنْهُ بِفَضْلِهِ , وَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ , فَلَا يُعَاقِبهُ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَة فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِشَوَاهِدِهِ , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : وَيَعْدِل عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيُعَاقِبهُ عَلَى ذُنُوبه , وَيَفْضَحهُ بِهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , فَلَا يَسْتُرهَا عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِيد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِل سَلَفهمْ الْخِيَار عِنْد اللَّه , الَّذِينَ فَضَّلَهُمْ اللَّه بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَاجْتِنَابهمْ مَعْصِيَته , لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ , وَاصْطِبَارهمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ . يَقُول لَهُمْ : لَا تَغْتَرُّوا بِمَكَانِ أُولَئِكَ مِنِّي , وَمَنَازِلهمْ عِنْدِي , فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا مِنِّي بِالطَّاعَةِ لِي , وَإِيثَار رِضَايَ عَلَى مَحَابّهمْ , لَا بِالْأَمَانِيِّ , فَجِدُّوا فِي طَاعَتِي , وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِي , وَانْزَجِرُوا عَمَّا نَهَيْتهمْ عَنْهُ , فَإِنِّي إِنَّمَا أَغْفِر ذُنُوب مَنْ أَشَاء أَنْ أَغْفِر ذُنُوبه مِنْ أَهْل طَاعَتِي , وَأُعَذِّب مَنْ أَشَاء تَعْذِيبه مِنْ أَهْل مَعْصِيَتِي , لَا لِمَنْ قَرَّبْت زُلْفَة آبَائِهِ مِنِّي , وَهُوَ لِي عَدُوّ وَلِأَمْرِي وَنَهْيِي مُخَالِف . وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9062 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَوْله : ( { يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء } يَقُول : يَهْدِي مِنْكُمْ مَنْ يَشَاء فِي الدُّنْيَا فَيَغْفِر لَهُ , وَيُمِيت مَنْ يَشَاء مِنْكُمْ عَلَى كُفْره فَيُعَذِّبهُ .)|وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير } </subtitle>يَقُول : لِلَّهِ تَدْبِير مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا , وَتَصْرِيفه , وَبِيَدِهِ أَمْره , وَلَهُ مُلْكه , يُصَرِّفهُ كَيْفَ يَشَاء وَيُدَبِّرهُ كَيْفَ أَحَبَّهُ , لَا شَرِيك لَهُ فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ مُلْك , فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْقَائِلُونَ : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , أَنَّهُ إِنْ عَذَّبَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ , لَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهُ مَانِع وَلَا لَكُمْ عَنْهُ دَافِع ; لِأَنَّهُ لَا نَسَب بَيْن أَحَد وَبَيْنه فَيُحَابِيه لِسَبَبِ ذَلِكَ , وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْء , وَمَرْجِعه فَاتَّقُوا أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عِقَابه إِيَّاكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ بَعْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ , وَلَا تَغْتَرُّوا بِالْأَمَانِيِّ وَفَضَائِل الْآبَاء وَالْأَسْلَاف .

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب } الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْ بَعْضهمْ فِيمَا ذُكِرَ لَمَّا دَعَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , قَالُوا : مَا بَعَثَ اللَّه مِنْ نَبِيّ بَعْد مُوسَى , وَلَا أَنْزَلَ بَعْد التَّوْرَاة كِتَابًا . 9063 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ مُعَاذ بْن جَبَل وَسَعْد بْن عُبَادَة وَعُقْبَة بْن وَهْب لِلْيَهُودِ : (يَا مَعْشَر الْيَهُود , اِتَّقُوا اللَّه , فَوَاَللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه , لَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْل مَبْعَثه , وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ . فَقَالَ رَابِع بْن حَرْمَلَة وَوَهْب بْن يَهُوذَا : مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَاب بَعْد مُوسَى , وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْده . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمَا : { يَا أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } .)|الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا } قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولنَا , { يُبَيِّنُ لَكُمْ } يَقُول : يُعَرِّفكُمْ الْحَقّ , وَيُوَضِّح لَكُمْ أَعْلَام الْهُدَى , وَيُرْشِدكُمْ إِلَى دِين اللَّه الْمُرْتَضَى . كَمَا : 9064 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جَاءَ بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّه بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , فِيهِ بَيَان اللَّه وَنُوره وَهُدَاهُ , وَعِصْمَة لِمَنْ أَخَذَ بِهِ .)|لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ|يَقُول : عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الِانْقِطَاع , يَقُول : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ الْحَقّ وَالْهُدَى عَلَى اِنْقِطَاع مِنْ الرُّسُل . وَالْفَتْرَة : الْفَعْلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَتَرَ هَذَا الْأَمْر يَفْتُر فُتُورًا , وَذَلِكَ إِذَا هَدَأَ وَسَكَنَ , وَكَذَلِكَ الْفَتْرَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهَا : السُّكُون , يُرَاد بِهِ سُكُون مَجِيء الرُّسُل , وَذَلِكَ اِنْقِطَاعهَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَدْر مُدَّة تِلْكَ الْفَتْرَة , فَاخْتَلَفَ فِي الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ قَتَادَة . فَرَوَى مَعْمَر عَنْهُ , مَا : 9065 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَة . وَرَوَى سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْهُ , مَا ): 9066 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ سِتّمِائَةِ سَنَة , أَوْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ اللَّه أَعْلَم . )9067 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَصْحَابه , قَوْله : ( { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَ بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسمِائَةِ سَنَة وَأَرْبَعُونَ سَنَة . )قَالَ مَعْمَر : قَالَ قَتَادَة : خَمْسمِائَةِ سَنَة وَسِتُّونَ سَنَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 9068 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كَانَتْ الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَة .)|الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير } أَنْ لَا تَقُولُوا , وَكَيْ لَا تَقُولُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَضِلُّوا , وَكَيْ لَا تَضِلُّوا . فَمَعْنَى الْكَلَام : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِنْ الرُّسُل , كَيْ لَا تَقُولُوا : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير . يُعْلِمهُمْ عَزَّ ذِكْره أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عُذْرهمْ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّة . وَيَعْنِي بِالْبَشِيرِ : الْمُبَشِّر مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَآمَنَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَمِلَ بِمَا آتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه بِعَظِيمِ ثَوَابه فِي آخِرَته , وَبِالنَّذِيرِ الْمُنْذِر مَنْ عَصَاهُ وَكَذَّبَ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَتَاهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ أَمْره وَنَهْيه بِمَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيم عِقَابه فِي مَعَاده وَشَدِيد عَذَابه فِي قِيَامَته .|نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِير وَنَذِير وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ : قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكُمْ , وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ بِرَسُولِنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ , وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ , لِيُبَيِّن لَكُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْر دِينكُمْ , كَيْلَا تَقُولُوا لَمْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدك رَسُول يُبَيِّن لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِي رَسُول , يُبَشِّر مَنْ آمَنَ بِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْته , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْته عَنْهُ , وَيُنْذِر مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي , وَأَنَا الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , أَقْدِر عَلَى عِقَاب مَنْ عَصَانِي وَثَوَاب مَنْ أَطَاعَنِي , فَاتَّقُوا عِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّايَ وَتَكْذِيبكُمْ رَسُولِي , وَاطْلُبُوا ثَوَابِي عَلَى طَاعَتكُمْ إِيَّايَ , وَتَصْدِيقكُمْ بَشِيرِي وَنَذِيرِي , فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ وَلَا يَفُوتهُ شَيْء طَلَبَهُ .

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } </subtitle>وَهَذَا أَيْضًا مِنْ اللَّه تَعْرِيف لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيم بِتَمَادِي هَؤُلَاءِ الْيَهُود فِي الْغَيّ وَبُعْدهمْ عَنْ الْحَقّ وَسُوء اِخْتِيَارهمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَشِدَّة خِلَافهمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَبُطْء إِنَابَتهمْ إِلَى الرَّشَاد , مَعَ كَثْرَة نِعَمِ اللَّه عِنْدهمْ وَتَتَابُع أَيَادِيه وَآلَائِهِ عَلَيْهِ , مُسَلِّيًا بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلّ بِهِ مِنْ عِلَاجهمْ وَيَنْزِل بِهِ مِنْ مُقَاسَاتهمْ فِي ذَات اللَّه . يَقُول اللَّه لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَأْسَ عَلَى مَا أَصَابَك مِنْهُمْ , فَإِنَّ الذَّهَاب عَنْ اللَّه وَالْبُعْد مِنْ الْحَقّ وَمَا فِيهِ لَهُمْ الْحَظّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْ عَادَاتهمْ وَعَادَات أَسْلَافهمْ وَأَوَائِلهمْ , وَتَعَزَّ بِمَا لَاقَى مِنْهُمْ أَخُوك مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى لَهُمْ : { يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : اُذْكُرُوا أَيَادِي اللَّه عِنْدكُمْ وَآلَاءَهُ قِبَلكُمْ . كَمَا : 9069 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة : ( { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : أَيَادِيَ اللَّه عِنْدكُمْ وَأَيَّامه . )9070 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } يَقُول : عَافِيَة اللَّه . )وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا مَا قُلْنَا ; لِأَنَّ اللَّه لَمْ يُخَصِّص مِنْ النِّعَم شَيْئًا , بَلْ عَمَّ ذَلِكَ يَذْكُر النِّعَم , فَذَلِكَ عَلَى الْعَافِيَة وَغَيْرهَا , إِذْ كَانَتْ الْعَافِيَة أَحَد مَعَانِي النِّعَم .|عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } </subtitle>يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَنَّ مُوسَى ذَكَّرَ قَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِأَيَّامِ اللَّه عِنْدهمْ وَبِآلَائِهِ قِبَلهمْ , فَحَرَّضَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى اِتِّبَاع أَمْر اللَّه فِي قِتَال الْجَبَّارِينَ , فَقَالَ لَهُمْ : اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ أَنْ فَضَّلَكُمْ بِأَنْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء يَأْتُونَكُمْ بِوَحْيِهِ وَيُخْبِرُونَكُمْ بِآيَاتِهِ الْغَيْب , وَلَمْ يُعْطِ ذَلِكَ غَيْركُمْ فِي زَمَانكُمْ هَذَا . فَقِيلَ إِنَّ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ جُعِلُوا فِيهِمْ هُمْ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى , إِذْ صَارَ إِلَى الْجَبَل وَهُمْ السَّبْعُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } سَخَّرَ لَكُمْ مِنْ غَيْركُمْ خَدَمًا يَخْدُمُونَكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُوسَى ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَان أَحَد سِوَاهُمْ يَخْدُمهُ أَحَد مِنْ بَنِي آدَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9071 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُمْ أَوَّل مَنْ سُخِّرَ لَهُمْ الْخَدَم مِنْ بَنِي آدَم وَمُلِّكُوا . )وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَنْ مَلَكَ بَيْتًا وَخَادِمًا وَامْرَأَة , فَهُوَ مَلِك كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9072 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئ , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْحُبُلِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص وَسَأَلَهُ رَجُل , فَقَالَ : (أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : أَلَكَ اِمْرَأَة تَأْوِي إِلَيْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَلَكَ مَسْكَن تَسْكُنهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْأَغْنِيَاء . فَقَالَ : إِنَّ لِي خَادِمًا . قَالَ : فَأَنْتَ مِنْ الْمُلُوك . )9073 - حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بَكَّار , قَالَ : ثنا أَبُو ضَمْرَة أَنَس بْن عِيَاض , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ , يَقُول : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَلَا أَعْلَم إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | مَنْ كَانَ لَهُ بَيْت وَخَادِم فَهُوَ مَلِك | )9074 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعَلَاء بْن عَبْد الْجَبَّار , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } فَقَالَ : وَهَلْ الْمُلْك إِلَّا مَرْكَب وَخَادِم وَدَار . )فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الدُّور وَالْخَدَم , وَلَهُمْ نِسَاء وَأَزْوَاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9075 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ الْحَكَم : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ بَيْت وَامْرَأَة وَخَادِم , عُدَّ مَلِكًا . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْخَادِم . قَالَ سُفْيَان : أَوْ اِثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَة . )9076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الْبَيْت وَالْخَادِم . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم أَوْ غَيْره , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالْبَيْت . )9077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج بْن تَمِيم , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسَمَّى مَلِكًا . )9078 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : مَلَّكهمْ الْخَدَم . قَالَ قَتَادَة : كَانُوا أَوَّل مَنْ مَلَكَ الْخَدَم . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } قَالَ : جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَنْفُسهمْ وَأَهْلَيهِمْ وَأَمْوَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9079 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا } يَمْلِك الرَّجُل مِنْكُمْ نَفْسه وَأَهْله وَمَاله .)|مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } </subtitle>اُخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنُوا بِهَذَا الْخِطَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9080 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك وَسَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَا : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ قَوْم مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُمْ قَوْم مُوسَى . )9082 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُمْ بَيْن ظَهْرَانِيهِ يَوْمَئِذٍ . )ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي الَّذِي آتَاهُمْ اللَّه مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9083 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان , الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9084 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا بِشْر بْن السَّرِيّ , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : الرَّجُل يَكُون لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وَالزَّوْجَة . )9085 - حَدَّثَنِي الْحَارِث . قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَر وَالْغَمَام . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ , خِطَاب لِبَنِي إِسْرَائِيل , حَيْثُ جَاءَ فِي سِيَاق قَوْله : { اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ . وَلَا دَلَالَة فِي الْكَلَام تَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } مَصْرُوف عَنْ خِطَاب الَّذِينَ اُبْتُدِئَ بِخِطَابِهِمْ فِي أَوَّل الْآيَة . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَنْ يَكُون خِطَابًا لَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَال : هُوَ مَصْرُوف عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } لَا يَجُوز أَنْ يَكُون خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ كَانَتْ أُمَّة مُحَمَّد قَدْ أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَة اللَّه نَبِيّهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُحَمَّدًا , مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا غَيْرهمْ , وَهُمْ مِنْ الْعَالَمِينَ ; فَقَدْ ظَنَّ غَيْر الصَّوَاب , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } خِطَاب مِنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ يَوْمئِذٍ , وَعَنَى بِذَلِكَ عَالِمِي زَمَانه لَا عَالِمِي كُلّ زَمَان , وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَان مِنْ نِعَم اللَّه وَكَرَامَته مَا أُوتِيَ قَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ , فَخَرَجَ الْكَلَام مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى جَمِيع كُلّ زَمَان .

يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَمْره إِيَّاهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُ , يَأْمُرهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَرْض الَّتِي عَنَاهَا بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الطُّور وَمَا حَوْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9086 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْأَرْض الْمُقَدَّسَة : (الطُّور وَمَا حَوْله . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9087 - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : الطُّور وَمَا حَوْله . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الشَّام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9088 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : هِيَ الشَّام . )وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أَرْض أَرِيحَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9089 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : أَرِيحَاء . )9090 - حَدَّثَنِي يُوسُف بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (هِيَ أَرِيحَاء . )9091 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (هِيَ أَرِيحَاء . )وَقِيلَ : إِنَّ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة : دِمَشْق وَفِلَسْطِين وَبَعْض الْأُرْدُن . وَعَنَى بِقَوْلِهِ { الْمُقَدَّسَة } الْمُطَهَّرَة الْمُبَارَكَة . كَمَا : 9092 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { الْأَرْض الْمُقَدَّسَة } قَالَ : الْمُبَارَكَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِمِثْلِهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , أَنْ يُقَال : هِيَ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , كَمَا قَالَ نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . لِأَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَرْض دُون أَرْض , لَا تُدْرَك حَقِيقَة صِحَّته إِلَّا بِالْخَبَرِ , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ يَجُوز قَطْع الشَّهَادَة بِهِ , غَيْر أَنَّهَا لَنْ تَخْرُج مِنْ أَنْ تَكُون مِنْ الْأَرْض الَّتِي بَيْن الْفُرَات وَعَرِيش مِصْر لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل وَالسِّيَر وَالْعُلَمَاء بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ .|الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِن , وَمَنَازِل دُون الْجَبَابِرَة الَّتِي فِيهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ } ؟ فَكَيْفَ يَكُون مُثْبَتًا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهَا مَسَاكِن لَهُمْ , وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا ؟ قِيلَ : إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل دَارًا وَمَسَاكِن , وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا , وَصَارَتْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِهَا : كَتَبَهَا اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل - وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل - وَلَمْ يَعْنِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَتَبَهَا لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَوْ قَالَ قَائِل : قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَة لِبَعْضِهِمْ , وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ , فَأَخْرَجَ الْكَلَام عَلَى الْعُمُوم وَالْمُرَاد مِنْهُ الْخَاصّ , إِذْ كَانَ يُوشَع وَكَالِب قَدْ دَخَلَا , وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْل , كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 9093 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : ( { الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي وَهَبَ اللَّه لَكُمْ . )وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول : مَعْنَى | كَتَبَ | فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى | أَمَرَ | . 9094 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } الَّتِي أَمَرَكُمْ اللَّه بِهَا .)|لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قِيل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَمَرَهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه عَزَّ ذِكْره إِيَّاهُ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : اِمْضُوا أَيّهَا الْقَوْم لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ دُخُول الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , { وَلَا تَرْتَدُّوا } يَقُول : لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ { عَلَى أَدْبَاركُمْ } يَعْنِي : إِلَى وَرَائِكُمْ , وَلَكِنْ اِمْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الدُّخُول عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ أَمَرَكُمْ اللَّه بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُوم عَلَيْهِمْ فِي أَرْضهمْ , وَأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ وَجْه قِيل مُوسَى لِقَوْمِهِ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ؟ أَوَيَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَة مَنْ لَمْ يَدْخُل أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره كَانَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولهَا , فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْم الْخَسَارَة بِتَرْكِهِمْ إِذًا فَرْضَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا تَضْيِيع فَرْض الْجِهَاد الَّذِي كَانَ اللَّه فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ . وَالثَّانِي : خِلَافهمْ أَمْر اللَّه فِي تَرْكهمْ دُخُول الْأَرْض , وَقَوْلهمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ لَهُمْ | اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة | : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } كَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9095 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } أُمِرُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة .)|أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَنَّكُمْ تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هَكَذَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَسَارَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَاب قَوْم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , أَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ إِجَابَة إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , وَاعْتَلُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ فِي الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي تَأْمُرنَا بِدُخُولِهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ لَا طَاقَة لَنَا بِحَرْبِهِمْ وَلَا قُوَّة لَنَا بِهِمْ . وَسَمَّوْهُمْ جَبَّارِينَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِشِدَّةِ بَطْشهمْ وَعَظِيم خَلْقهمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا قَدْ قَهَرُوا سَائِر الْأُمَم غَيْرهمْ . وَأَصْل الْجَبَّار : الْمُصْلِح أَمْر نَفْسه وَأَمْر غَيْره , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلّ مَنْ اِجْتَرَّ نَفْعًا إِلَى نَفْسه بِحَقٍّ أَوْ بَاطِل طَلَبَ الْإِصْلَاح لَهَا حَتَّى قِيلَ لِلْمُتَعَدِّي إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بَغْيًا عَلَى النَّاس وَقَهْرًا لَهُمْ وَعُتُوًّا عَلَى رَبّه : جَبَّار , وَإِنَّمَا هُوَ فَعَّال مِنْ قَوْلهمْ : جَبَرَ فُلَان هَذَا الْكَسْر إِذَا أَصْلَحَهُ وَلَأَمَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرْ .......... وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَر <br>يُرِيد : قَدْ أَصْلَحَ الدِّين الْإِلَه فَصَلُحَ وَمِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْجَبَّار ; لِأَنَّهُ الْمُصْلِح أَمْر عِبَاده الْقَاهِر لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . وَمِمَّا ذَكَرْته مِنْ عِظَم خَلْقهمْ مَا : 9096 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي قِصَّة ذَكَرَهَا مِنْ أَمْر مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل , قَالَ : (ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاء , وَهِيَ أَرْض بَيْت الْمَقْدِس , فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ , بَعَثَ مُوسَى اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا مِنْ جَمِيع أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَّارِينَ , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ , يُقَال لَهُ : عُوج , فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَر فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَته , وَعَلَى رَأْسه حُزْمَة حَطَب , وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى اِمْرَأَته , فَقَالَ : اُنْظُرِي لِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا ! فَطَرَحَهُمْ بَيْن يَدَيْهَا , فَقَالَ : أَلَا أَطْحَنهُمْ بِرِجْلِي ؟ فَقَالَتْ اِمْرَأَته : لَا , بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمهمْ بِمَا رَأَوْا , فَفَعَلَ ذَلِكَ . )9097 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُل مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , قَالَ : فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة , وَهِيَ أَرِيحَاء . فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ اِثْنَيْ عَشَر عَيْنًا , مِنْ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْنًا , لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْم . قَالَ : فَدَخَلُوا الْمَدِينَة , فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتهمْ وَجُثَثهمْ وَعِظَمهمْ , فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ , فَجَاءَ صَاحِب الْحَائِط لِيَجْتَنِيَ الثِّمَار مِنْ حَائِطه , فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَار وَيَنْظُر إِلَى آثَارهمْ وَتَتَبَّعَهُمْ , فَكُلَّمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ , فَجَعَلَهُ فِي كُمّه مَعَ الْفَاكِهَة . وَذَهَبَ إِلَى مَلِكهمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ الْمَلِك : قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْننَا وَأَمْرنَا , اِذْهَبُوا فَأَخْبِرُوا صَاحِبكُمْ ! قَالَ : فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ . )9098 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَام وَخَلْق لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ . )9099 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِقَوْمِهِ : (إِنِّي سَأَبْعَثُ رِجَالًا يَأْتُونَنِي بِخَبَرِهِمْ ! وَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , فَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَقَالَ : سِيرُوا إِلَيْهِمْ وَحَدِّثُونِي حَدِيثهمْ وَمَا أَمْرهمْ ! وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّه مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمْ الصَّلَاة , وَآتَيْتُمْ الزَّكَاة , وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِهِ , وَعَزَّرْتُمُوهُمْ , وَأَقْرَضْتُمْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا . ثُمَّ إِنَّ الْقَوْم سَارُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ , فَرَأَوْا أَقْوَامًا لَهُمْ أَجْسَامًا عَجَب , عِظَمًا وَقُوَّة , وَأَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ أَبْصَرَهُمْ أَحَد الْجَبَّارِينَ , وَهُمْ لَا يَأْلُونَ أَنْ يُخْفُوا أَنْفُسهمْ حِين رَأَوْا الْعَجَب , فَأَخَذَ ذَلِكَ الْجَبَّار مِنْهُمْ رِجَالًا , فَأَتَى رَئِيسهمْ , فَأَلْقَاهُمْ قُدَّامه , فَعَجِبُوا وَضَحِكُوا مِنْهُمْ , فَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : إِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَزْوكُمْ , وَأَنَّهُ لَوْلَا مَا دَفَعَ اللَّه عَنْهُمْ لَقُتِلُوا . وَإِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَحَدَّثُوهُ الْعَجَب . )9100 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا } مِنْ كُلّ سِبْط مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ , فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُل فِي كُمّ أَحَدهمْ اِثْنَانِ مِنْهُمْ , يُلْقُونَهُمْ إِلْقَاء , وَلَا يَحْمِل عُنْقُود عِنَبهمْ إِلَّا خَمْسَة أَنْفُس بَيْنهمْ فِي خَشَبَة , وَيَدْخُل فِي شَطْر الرُّمَّانَة إِذَا نُزِعَ حَبّهَا خَمْسَة نَفْس أَوْ أَرْبَعَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 9101 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْوَزِير بْن قَيْس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : ( { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } قَالَ : سَفَلَة لَا خَلَاق لَهُمْ .)|جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل قَوْم مُوسَى لِمُوسَى جَوَابًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } فَقَالُوا : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا } يَعْنُونَ : مِنْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الْجَبَّارُونَ الَّذِينَ فِيهَا , جُبْنًا مِنْهُمْ وَجَزَعًا مِنْ قِتَالهمْ . وَقَالُوا لَهُ : إِنْ يَخْرُج مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْجَبَّارُونَ دَخَلْنَاهَا , وَإِلَّا فَإِنَّا لَا نُطِيق دُخُولهَا وَهُمْ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَا طَاقَة لَنَا بِهِمْ وَلَا يَد . 9102 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , أَنَّ كَالِب بْن يوفنا , أَسْكَتَ الشَّعْب عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ : (إِنَّا سَنَعْلُو الْأَرْض وَنَرِثهَا , وَإِنَّ لَنَا بِهِمْ قُوَّة . وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع أَنْ نَصِل إِلَى ذَلِكَ الشَّعْب مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أَجْرَأ مِنَّا . ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْجَوَاسِيس أَخْبَرُوا بَنِي إِسْرَائِيل الْخَبَر , وَقَالُوا : إِنَّا مَرَرْنَا فِي أَرْض وَأَحْسَسْنَاهَا , فَإِذَا هِيَ تَأْكُل سَاكِنهَا , وَرَأَيْنَا رِجَالهَا جِسَامًا , وَرَأَيْنَا الْجَبَابِرَة بَنِي الْجَبَابِرَة , وَكُنَّا فِي أَعْيُنهمْ مِثْل الْجَرَاد . فَأَرْجَفَتْ الْجَمَاعَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَرَفَعُوا أَصْوَاتهمْ بِالْبُكَاءِ . فَبَكَى الشَّعْب تِلْكَ اللَّيْلَة , وَوَسْوَسُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُون , فَقَالُوا لَهُمَا : يَا لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْض مِصْر , وَلَيْتَنَا نَمُوت فِي هَذِهِ الْبَرِيَّة وَلَمْ يُدْخِلنَا اللَّه هَذِهِ الْأَرْض لِنَقَع فِي الْحَرْب , فَتَكُون نِسَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَأَثْقَالنَا غَنِيمَة , وَلَوْ كُنَّا قُعُودًا فِي أَرْض مِصْر , كَانَ خَيْرًا لَنَا وَجَعَلَ الرَّجُل يَقُول لِأَصْحَابِهِ : تَعَالَوْا نَجْعَل عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِف إِلَى مِصْر .)

قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ مِنْ قَوْم مُوسَى : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , أَنَّهُمَا وَفَّيَا لِمُوسَى بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِمَا مِنْ تَرْك إِعْلَام قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة عَلَى الْجَبَابِرَة مِنْ الْكَنْعَانِيِّينَ , بِمَا رَأَيَا وَعَايَنَا مِنْ شِدَّة بَطْش الْجَبَابِرَة وَعِظَم خَلْقهمْ , وَوَصَفَهُمَا اللَّه بِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَخَاف اللَّه وَيُرَاقِبهُ فِي أَمْره وَنَهْيه ; كَمَا : 9103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان . ح , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : كَالِب بْن يوفنا وَيُوشَع بْن نُون . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , وَهُمَا مِنْ النُّقَبَاء . )9104 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : (فَرَجَعَ النُّقَبَاء كُلّهمْ يَنْهَى سِبْطه عَنْ قِتَالهمْ , إِلَّا يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب بْن يوفنا , يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاط بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَمُجَاهَدَتهمْ , فَعَصَوْهُمَا , وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ , فَهُمَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل حَدِيث اِبْن بَشَّار , عَنْ اِبْن مَهْدِيّ , إِلَّا أَنَّ اِبْن حُمَيْد قَالَ فِي حَدِيثه : (هُمَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا . )9105 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , قَالَ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : (فَرَجَعُوا - يَعْنِي النُّقَبَاء الِاثْنَيْ عَشَر - إِلَى مُوسَى , فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُكْتُمُوا شَأْنهمْ وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعَسْكَرَة ! فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهَذَا الْخَبَر فَشِلُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَة . قَالَ : فَذَهَبَ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ , فَأَخْبَرَ قَرِيبه وَابْن عَمّه , إِلَّا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُوشَع بْن نُون وَكِلَاب بْن يوفنا , فَإِنَّهُمَا كَتَمَا وَلَمْ يُخْبِرَا بِهِ أَحَدًا , وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّه : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } إِلَى قَوْله : { وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . )9106 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَهُمَا اللَّذَانِ كَتَمَاهُمْ : يُوشَع بْن نُون فَتَى مُوسَى , وَكَالُوب بْن يوفنة خَتَن مُوسَى . )9107 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } كَالُوب وَيُوشَع بْن نُون فَتَى مُوسَى . )9108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : يُوشَع بْن نُون , : وَكَالُوب بْن يوفنة . )9109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ : يُوشَع بْن نُون , وَكَالِب . )9110 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : (أَنَّ مُوسَى قَالَ لِلنُّقَبَاءِ لَمَّا رَجَعُوا فَحَدَّثُوهُ الْعَجَب : لَا تُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ , إِنَّ اللَّه سَيَفْتَحُهَا لَكُمْ وَيُظْهِركُمْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْد مَا رَأَيْتُمْ وَإِنَّ الْقَوْم أَفْشَوْا الْحَدِيث فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا : كَانَ أَحَدهمَا فِيمَا سَمِعْنَا يُوشَع بْن نُون وَهُوَ فَتَى مُوسَى , وَالْآخَر كَالِب , فَقَالَا : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . )وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ } قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ | يَخَافُونَ | , عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا , أَنَّهُمَا يُوشَع بْن نُون وَكَالِب مِنْ قَوْم مُوسَى , مِمَّنْ يَخَاف اللَّه , وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي بَعْض الْقِرَاءَة : | قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا | . 9111 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . ح , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } فِي بَعْض الْحُرُوف : | يَخَافُونَ اللَّه أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا | . وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يُوشَع , وَكَالِب . وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يُخَافُونَ | بِضَمِّ الْيَاء | أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . )9112 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , وَلَا نَعْلَمهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِضَمِّ الْيَاء مِنْ : | يُخَافُونَ . )وَكَأَنَّ سَعِيدًا ذَهَبَ فِي قِرَاءَته هَذِهِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لِبَنِي إِسْرَائِيل : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ , كَانَا مِنْ رَهْط الْجَبَابِرَة , وَكَانَا أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى , فَهُمَا مِنْ أَوْلَاد الْجَبَابِرَة , الَّذِينَ يَخَافهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي الدِّين مُخَالِفِينَ . وَقَدْ حُكِيَ نَحْو هَذَا التَّأْوِيل عَنْ اِبْن عَبَّاس . 9113 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } قَالَ : هِيَ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , لَمَّا نَزَلَ بِهَا مُوسَى وَقَوْمه , بَعَثَ مِنْهُمْ اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , وَهُمْ النُّقَبَاء الَّذِينَ ذَكَرَ نَعْتهمْ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِهِمْ . فَسَارُوا , فَلَقِيَهُمْ رَجُل مِنْ الْجَبَّارِينَ , فَجَعَلَهُمْ فِي كِسَائِهِ , فَحَمَلَهُمْ حَتَّى أَتَى بِهِمْ الْمَدِينَة , وَنَادَى فِي قَوْمه , فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ , فَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : نَحْنُ قَوْم مُوسَى , بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَأْتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ , فَأَعْطَوْهُمْ حَبَّة مِنْ عِنَب بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا لَهُمْ : اِذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَوْمه , فَقُولُوا لَهُمْ : اُقْدُرُوا قَدْر فَاكِهَتهمْ ! فَلَمَّا أَتَوْهُمْ , قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } وَكَانَا مِنْ أَهْل الْمَدِينَة أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى وَهَارُون , فَقَالَا لِمُوسَى : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . )فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة وَهَذَا التَّأْوِيل لَمْ يَكْتُم مِنْ الِاثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا أَحَدًا مَا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِكِتْمَانِهِ بَنِي إِسْرَائِيل مِمَّا رَأَوْا وَعَايَنُوا مِنْ عِظَم أَجْسَام الْجَبَابِرَة وَشِدَّة بَطْشهمْ وَعَجِيب أُمُورهمْ , بَلْ أَفْشَوْا ذَلِكَ كُلّه . وَإِنَّمَا الْقَائِل لِلْقَوْمِ وَلِمُوسَى : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب , رَجُلَانِ مِنْ أَوْلَاد الَّذِينَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل يَخَافُونَهُمْ وَيَرْهَبُونَ الدُّخُول عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَبَابِرَة , كَانَ أَسْلَمَا وَتَبِعَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهَا , وَأَنَّ مَا اِسْتَفَاضَتْ بِهِ الْقِرَاءَة عَنْهُمْ فَحُجَّة لَا يَجُوز خِلَافهَا , وَمَا اِنْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِد فَجَائِز فِيهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو . ثُمَّ فِي إِجْمَاع الْحُجَّة فِي تَأْوِيلهَا عَلَى أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَاب مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنَّهُمَا يُوشَع وَكِلَاب , مَا أَغْنَى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّة الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْيَاء فِي ذَلِكَ وَفَسَاد غَيْره , وَهُوَ التَّأْوِيل الصَّحِيح عِنْدنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعهَا عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله : { أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِطَاعَةِ اللَّه فِي طَاعَة نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَانْتِهَائِهِمْ إِلَى أَمْره , وَالِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ إِفْشَاء مَا عَايَنَا مِنْ عَجِيب أَمْر الْجَبَّارِينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِي حَذَّرَ عَنْهُ أَصْحَابهمَا الْآخَرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا مِنْ النُّقَبَاء . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9114 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا خَلَف بْن تَمِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن الْقَاسِم , عَنْ سَهْل بْن عَلِيّ , قَوْله : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } قَالَ : أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ . )وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , كَانَ الضَّحَّاك يَقُول وَجَمَاعَة غَيْره . 9115 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا } بِالْهُدَى فَهَدَاهُمَا , فَكَانَا عَلَى دِين مُوسَى , وَكَانَا فِي مَدِينَة الْجَبَّارِينَ .)|ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذْ جَبُنُوا وَخَافُوا مِنْ الدُّخُول عَلَى الْجَبَّارِينَ لَمَّا سَمِعُوا خَبَرهمْ , وَأَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء الَّذِينَ أَفْشَوْا مَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرهمْ فِيهِمْ , وَقَالُوا : إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا , فَقَالَا لَهُمْ : اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَيّهَا الْقَوْم بَاب مَدِينَتهمْ , فَإِنَّ اللَّه مَعَكُمْ وَهُوَ نَاصِركُمْ , وَإِنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ الْبَاب غَلَبْتُمُوهُمْ . كَمَا : 9116 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : (لَمَّا هَمَّ بَنُو إِسْرَائِيل بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْر حِين أَخْبَرَهُمْ النُّقَبَاء بِمَا أَخْبَرُوهُمْ مِنْ أَمْر الْجَبَابِرَة , خَرَّ مُوسَى وَهَارُون عَلَى وُجُوههمَا سُجُودًا قُدَّام جَمَاعَة بَنِي إِسْرَائِيل , وَخَرَقَ يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوفنا ثِيَابهمَا , وَكَانَا مِنْ جَوَاسِيس الْأَرْض , وَقَالَا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيل : إِنَّ الْأَرْض مَرَرْنَا بِهَا وَجَسَسْنَاهَا صَالِحَة رَضِيَهَا رَبّنَا لَنَا فَوَهَبَهَا لَنَا , وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُفِيض لَبَنًا وَعَسَلًا , وَلَكِنْ اِفْعَلُوا وَاحِدَة , لَا تَعْصُوا اللَّه , وَلَا تَخْشَوْا الشَّعْب الَّذِينَ بِهَا , فَإِنَّهُمْ جُبَنَاء , مَدْفُوعُونَ فِي أَيْدِينَا , إِنْ حَارَبْنَاهُمْ ذَهَبَتْ مِنْهُمْ , وَإِنَّ اللَّه مَعَنَا فَلَا تَخْشَوْهُمْ . فَأَرَادَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ . )9117 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , مِنْ كُلّ سِبْط رَجُلًا , عُيُونًا لَهُمْ , وَلِيَأْتُوهُمْ بِأَخْبَارِ الْقَوْم . فَأَمَّا عَشَرَة فَجَبَّنُوا قَوْمهمْ وَكَرَّهُوا إِلَيْهِمْ الدُّخُول عَلَيْهِمْ . وَأَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمَرَا قَوْمهمَا أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَمْر اللَّه , وَرَغَّبَا فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَا قَوْمهمَا أَنَّهُمْ غَالِبُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ . )9118 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { عَلَيْهِمْ الْبَاب } قَرْيَة الْجَبَّارِينَ .)|وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى اللَّه فَتَوَكَّلُوا } </subtitle>وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ , عَنْ قَوْل الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّه أَنَّهُمَا قَالَا لِقَوْمِ مُوسَى يُشَجِّعَانِهِمْ بِذَلِكَ , وَيُرَغِّبَانِهِمْ فِي الْمُضِيّ لِأَمْرِ اللَّه بِالدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ فِي مَدِينَتهمْ : تَوَكَّلُوا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى اللَّه فِي دُخُولكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَقُولَانِ لَهُمْ : ثِقُوا بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ مَعَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ .|إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ|وَعَنَيَا بِقَوْلِهِمَا { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيمَا أَنْبَأَكُمْ عَنْ رَبّكُمْ مِنْ النُّصْرَة وَالظَّفَر عَلَيْهِمْ , وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ إِخْبَاره عَنْ رَبّه , وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَبّكُمْ قَادِر عَلَى الْوَفَاء لَكُمْ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ تَمْكِينكُمْ فِي بِلَاد عَدُوّه وَعَدُوّكُمْ .

قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلًا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ قَوْل الْمَلَإِ مِنْ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى , إِذْ رَغِبُوا فِي جِهَاد عَدُوّهُمْ , وَوُعِدُوا نَصْر اللَّه إِيَّاهُمْ , إِنْ هُمْ نَاهَضُوهُمْ , وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ بَاب مَدِينَتهمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا } يَعْنُونَ : إِنَّا لَنْ نَدْخُل مَدِينَتهمْ أَبَدًا . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا } مِنْ ذِكْر الْمَدِينَة . وَيَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ : { أَبَدًا } أَيَّام حَيَاتنَا مَا دَامُوا فِيهَا , يَعْنِي : مَا كَانَ الْجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَة الَّتِي كَتَبَهَا اللَّه لَهُمْ وَأُمِرُوا بِدُخُولِهَا . { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } لَا نَجِيء مَعَك يَا مُوسَى إِنْ ذَهَبْت إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ , وَلَكِنْ نَتْرُكك تَذْهَب أَنْتَ وَحْدك وَرَبّك فَتُقَاتِلَانِهِمْ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول فِي ذَلِكَ : لَيْسَ مَعْنَى الْكَلَام : اِذْهَبْ أَنْتَ وَلْيَذْهَبْ مَعَك رَبّك فَقَاتِلَا , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ : اِذْهَبْ أَنْتَ يَا مُوسَى , وَلْيُعِنْك رَبّك , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَا يَجُوز عَلَيْهِ الذَّهَاب . وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يَحْتَاج إِلَى طَلَب الْمَخْرَج لَهُ لَوْ كَانَ الْخَبَر عَنْ قَوْم مُؤْمِنِينَ , فَأَمَّا قَوْم أَهْل خِلَاف عَلَى اللَّه عَزَّ ذِكْره وَرَسُوله , فَلَا وَجْه لِطَلَبِ الْمَخْرَج لِكَلَامِهِمْ فِيمَا قَالُوا فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُشْبِه كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْمِقْدَاد أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَاف مَا قَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى . 9119 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُخَارِق , عَنْ طَارِق : (أَنَّ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا لَا نَقُول كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } وَلَكِنْ نَقُول : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا , إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ )9120 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , حِين صَدَّ الْمُشْرِكُونَ الْهَدْي وَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَنَاسِكهمْ : | إِنِّي ذَاهِب بِالْهَدْيِ فَنَاحِرُهُ عِنْد الْبَيْت | . فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد : أَمَّا وَاَللَّه لَا نَكُون كَالْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ , وَلَكِنْ : اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ ! فَلَمَّا سَمِعَهَا أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ )وَكَانَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَجَمَاعَة غَيْرهمَا يَقُولُونَ : إِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْقَوْل لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين تَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْر الْجَبَّارِينَ وَشِدَّة بَطْشهمْ . 9121 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : (سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : أَمَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة مَعَ نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَة قَالَ لَهُمْ مُوسَى : اُدْخُلُوهَا ! فَأَبَوْا وَجَبُنُوا , وَبَعَثُوا اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ . فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا , فَجَاءُوا بِحَبَّةِ فَاكِهَة مِنْ فَاكِهَتهمْ بِوِقْرِ الرَّجُل , فَقَالُوا : قَدِّرُوا قُوَّة قَوْم وَبَأْسهمْ هَذِهِ فَاكِهَتهمْ ! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . )9122 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه .

قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قِيلَ قَوْم مُوسَى حِين قَالَ لَهُ قَوْمه مَا قَالُوا مِنْ قَوْلهمْ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } أَنَّهُ قَالَ عِنْد ذَلِكَ , وَغَضِبَ مِنْ قِيلهمْ لَهُمْ دَاعِيًا : يَا رَبّ { إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَا أَقْدِر عَلَى أَحَد أَنْ أَحْمِلهُ عَلَى مَا أُحِبّ وَأُرِيد مِنْ طَاعَتك وَاتِّبَاع أَمْرك وَنَهْيك , إِلَّا عَلَى نَفْسِي وَعَلَى أَخِي . مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَا أَمْلِك مِنْ الْأَمْر شَيْئًا إِلَّا كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : لَا أَقْدِر عَلَى شَيْء غَيْره .|فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } </subtitle>وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } اِفْصِلْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ بِقَضَاءٍ مِنْك تَقْضِيه فِينَا وَفِيهِمْ فَتُبْعِدهُمْ مِنَّا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَرَقْت بَيْن هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ , بِمَعْنَى : فَصَلْت بَيْنهمَا ; مِنْ قَوْل الرَّاجِز : <br>يَا رَبّ فَافْرُقْ بَيْنه وَبَيْنِي .......... أَشَدّ مَا فَرَقْت بَيْن اِثْنَيْنِ <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْنِي وَبَيْنهمْ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } . )يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ . 9124 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (غَضِبَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ لَهُ الْقَوْم : { اِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } , فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَكَانَتْ عَجَلَة مِنْ مُوسَى عَجِلهَا . )9125 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَافْرُقْ بَيْننَا وَبَيْن الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } يَقُول : اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , وَافْتَحْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ , كُلّ هَذَا مِنْ قَوْل الرَّجُل : اِقْضِ بَيْننَا , فَقَضَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنه وَبَيْنهمْ أَنْ سَمَّاهُمْ فَاسْقِينَ . )وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { الْفَاسِقِينَ } الْخَارِجِينَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِهِ , إِلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْق : الْخُرُوج مِنْ شَيْء إِلَى شَيْء , فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي النَّاصِب لِلْأَرْبَعِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : النَّاصِب لَهُ قَوْله : { مُحَرَّمَة } وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْره مِنْ قَوْم مُوسَى وَأَبَوْا حَرْب الْجَبَّارِينَ , دُخُول مَدِينَتهمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ , وَأُسْكِنُوهَا , وَأَهْلَكَ الْجَبَّارِينَ بَعْد حَرْب مِنْهُمْ لَهُمْ , بَعْد أَنْ قُضِيَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة , وَخَرَجُوا مِنْ التِّيه . 9126 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ الْقَوْم مَا قَالُوا وَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ , أَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : { إِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } وَهُمْ يَوْمئِذٍ فِيمَا ذُكِرَ سِتّمِائَةِ أَلْف مُقَاتِل فَجَعَلَهُمْ فَاسْقِينَ بِمَا عَصَوْا , فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَة فِي فَرَاسِخ سِتَّة , أَوْ دُون ذَلِكَ , يَسِيرُونَ كُلّ يَوْم جَادِّينَ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنْهَا , حَتَّى يُمْسُوا وَيَنْزِلُوا , فَإِذَا هُمْ فِي الدَّار الَّتِي مِنْهَا اِرْتَحَلُوا . وَإِنَّهُمْ اِشْتَكَوْا إِلَى مُوسَى مَا فَعَلَ بِهِمْ , فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأُعْطُوا مِنْ الْكِسْوَة مَا هِيَ قَائِمَة لَهُمْ , يَنْشَأ النَّاشِئ فَتَكُون مَعَهُ عَلَى هَيْئَته . وَسَأَلَ مُوسَى رَبّه أَنْ يَسْقِيهِمْ , فَأَتَى بِحَجَرِ الطُّور , وَهُوَ حَجَر أَبْيَض , إِذَا مَا نَزَلَ الْقَوْم ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَخْرُج مِنْهُ اِثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا لِكُلِّ سِبْط مِنْهُمْ عَيْن , قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس مَشْرَبهمْ . حَتَّى إِذَا خَلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَة , وَكَانَتْ عَذَابًا بِمَا اِعْتَدَوْا وَعَصَوْا , أَوْحَى إِلَى مُوسَى أَنْ مُرْهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , فَإِنَّ اللَّه قَدْ كَفَاهُمْ عَدُوّهُمْ , وَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوْا الْمَسْجِد أَنْ يَأْتُوا الْبَاب وَيَسْجُدُوا إِذَا دَخَلُوا , وَيَقُولُوا حِطَّة . وَإِنَّمَا قَوْلهمْ حِطَّة , أَنْ يَحُطّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ . فَأَبَى عَامَّة الْقَوْم , وَعَصَوْا , وَسَجَدُوا عَلَى خَدّهمْ , وَقَالُوا حِنْطَة , فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } إِلَى : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ النَّاصِب لِلْأَرْبَعِينَ : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : قَالَ : فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَبَدًا يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ سَنَة . قَالُوا : وَلَمْ يَدْخُل مَدِينَة الْجَبَّارِينَ أَحَد مِمَّنْ قَالَ : { إِنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ . قَالُوا : وَإِنَّمَا دَخَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْم : يُوشَع وَكِلَاب اللَّذَانِ قَالَا لَهُمْ : { اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } وَأَوْلَاد الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ دُخُولهَا , فَتَيَّهَهُمْ اللَّه فَلَمْ يَدْخُلهَا مِنْهُمْ أَحَد . (ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9127 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : ) { إِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ } قَالَ : أَبَدًا . (9128 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : أَرْبَعِينَ سَنَة . )9129 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَارُون النَّحْوِيّ , قَالَ : ثني الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : التَّحْرِيم لَا مُنْتَهَى لَهُ . )9130 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (غَضِبَ مُوسَى عَلَى قَوْمه , فَدَعَا عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { رَبّ إِنِّي لَا أَمْلِك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } الْآيَة , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } فَلَمَّا ضَرَبَ عَلَيْهِمْ التِّيه , نَدِمَ مُوسَى , وَأَتَاهُ قَوْمه الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُ , فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْت بِنَا يَا مُوسَى ؟ فَمَكَثُوا فِي التِّيه ; فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ التِّيه , رُفِعَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , وَأَكَلُوا مِنْ الْبُقُول . وَالْتَقَى مُوسَى وعوج , فَوَثَبَ مُوسَى فِي السَّمَاء عَشَرَة أَذْرُع , وَكَانَتْ عَصَاهُ عَشَرَة أَذْرُع , وَكَانَ طُوله عَشَرَة أَذْرُع , فَأَصَابَ كَعْب عوج فَقَتَلَهُ . وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُل قَرْيَة الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى إِلَّا مَاتَ , وَلَمْ يَشْهَد الْفَتْح . ثُمَّ إِنَّ اللَّه لَمَّا اِنْقَضَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة بَعَثَ يُوشَع بْن نُون نَبِيًّا , فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيّ , وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِل الْجَبَّارِينَ , فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ , فَهَزَمَ الْجَبَّارِينَ , وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ يُقَاتِلُونَهُمْ , فَكَانَتْ الْعِصَابَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُق الرَّجُل يَضْرِبُونَهَا لَا يَقْطَعُونَهَا . )9131 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا دَعَا مُوسَى , قَالَ اللَّه : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ : فَدَخَلُوا التِّيه , فَكُلّ مَنْ دَخَلَ التِّيه مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ سَنَة مَاتَ فِي التِّيه . قَالَ : فَمَاتَ مُوسَى فِي التِّيه , وَمَاتَ هَارُون قَبْله . قَالَ : فَلَبِثُوا فِي تِيههمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , فَنَاهَضَ يُوشَع بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , فَافْتَتَحَ يُوشَع الْمَدِينَة . )9132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : ( { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة } حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْقُرَى , وَكَانُوا لَا يَهْبِطُونَ قَرْيَة , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ , إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الْأَطْوَاء أَرْبَعِينَ سَنَة . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَة , وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بَيْت الْمَقْدِس مِنْهُمْ إِلَّا أَبْنَاؤُهُمْ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ قَالَا مَا قَالَا . )9133 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : (لَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيل مَا فَعَلَتْ , مِنْ مَعْصِيَتهمْ نَبِيّهمْ , وَهَمّهمْ بِكَالِب وَيُوشَع , إِذْ أَمَرَاهُمْ بِدُخُولِ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ , وَقَالَا لَهُمْ مَا قَالَا , ظَهَرَتْ عَظَمَة اللَّه بِالْغَمَامِ عَلَى نَار فِيهِ الرَّمْز عَلَى كُلّ بَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى : إِلَى مَتَى يَعْصِينِي هَذَا الشَّعْب وَإِلَى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَ بِالْآيَاتِ كُلّهَا الَّتِي وَضَعْت بَيْنهمْ ؟ أَضْرِبهُمْ بِالْمَوْتِ فَأُهْلِكهُمْ , وَأَجْعَل لَك شَعْبًا أَشَدّ مِنْهُمْ . فَقَالَ مُوسَى يَسْمَع أَهْل الْمِصْر الَّذِينَ أَخْرَجْت هَذَا الشَّعْب بِقُوَّتِك مِنْ بَيْنهمْ , وَيَقُول سَاكِنُو هَذِهِ الْبِلَاد الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا إِنَّك أَنْتَ اللَّه فِي هَذَا الشَّعْب , فَلَوْ أَنَّك قَتَلْت هَذَا الشَّعْب كُلّهمْ كَرَجُلٍ وَاحِد , لَقَالَتْ الْأُمَم الَّذِينَ سَمِعُوا بِاسْمِك : إِنَّمَا قَتَلَ هَذَا الشَّعْب مِنْ أَجْل لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُدْخِلهُمْ الْأَرْض الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ , فَقَتَلَهُمْ فِي الْبَرِّيَّة , وَلَكِنْ لِتَرْتَفِع أَيَادِيك , وَيَعْظُم جَزَاؤُك يَا رَبّ كَمَا كُنْت تَكَلَّمْت وَقُلْت لَهُمْ , فَإِنَّهُ طَوِيلٌ صَبْرُك , كَثِيرَةٌ نِعَمُك , وَأَنْتَ تَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَلَا تُوبِقُ , وَإِنَّك تَحْفَظُ الْآبَاءَ عَلَى الْأَبْنَاء وَأَبْنَاءَ الْأَبْنَاء إِلَى ثَلَاثَة أَجْيَال وَأَرْبَعَة , فَاغْفِرْ أَيْ رَبّ آثَام هَذَا الشَّعْب , بِكَثْرَةِ نِعَمك , كَمَا غَفَرْت لَهُمْ مُنْذُ أَخْرَجْتهمْ مِنْ أَرْض مِصْر إِلَى الْآن ! فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ غَفَرْت لَهُمْ بِكَلِمَتِك , وَلَكِنْ قَدْ أَتَى أَنِّي أَنَا اللَّه , وَقَدْ مَلَأَتْ الْأَرْض مَحْمَدَتِي كُلّهَا , أَلَا يَرَى الْقَوْم الَّذِينَ قَدْ رَأَوْا مَحْمَدَتِي وَآيَاتِي الَّتِي فَعَلْت فِي أَرْض مِصْر وَفِي الْقِفَار , سَأَلُونِي عَشْر مَرَّات وَلَمْ يُطِيعُونِي , لَا يَرَوْنَ الْأَرْض الَّتِي خَلَقْت لِآبَائِهِمْ , وَلَا يَرَاهَا مَنْ أَغْضَبَنِي ; فَأَمَّا عَبْدِي كَالِب الَّذِي كَانَ رُوحه مَعِي وَاتَّبَعَ هَوَايَ , فَإِنِّي مُدْخِلُهُ الْأَرْض الَّتِي دَخَلَهَا , وَيَرَاهَا خَلْفه . وَكَانَ الْعَمَالِيق وَالْكَنْعَانِيُّونَ جُلُوسًا فِي الْجِبَال , ثُمَّ غَدَوْا فَارْتَحَلُوا فِي الْقِفَار فِي طَرِيق يَحْرُسُونَ , وَكَلَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُون , وَقَالَ لَهُمَا : إِلَى مَتَى تُوَسْوِس عَلَيَّ هَذِهِ الْجَمَاعَة جَمَاعَة السُّوء ؟ قَدْ سَمِعْت وَسْوَسَة بَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ : لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا قُلْت لَكُمْ , وَلَتُلْقَيَنَّ جِيَفكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَار , وَحِسَابكُمْ مِنْ بَنِي عِشْرِينَ سَنَة فَمَا فَوْق ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ عَلَيَّ , فَلَا تَدْخُلُوا الْأَرْض الَّتِي دَفَعْت إِلَيْهَا , وَلَا يَنْزِل فِيهَا أَحَد مِنْكُمْ غَيْر كَالِب بْن يوفنا وَيُوشَع بْن نُون , وَتَكُون أَثْقَالكُمْ كَمَا كُنْتُمْ الْغَنِيمَة . وَأَمَّا بَنُوكُمْ الْيَوْم الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا بَيْن الْخَيْر وَالشَّرّ , فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْض , وَإِنِّي بِهِمْ عَارِف لَهُمْ الْأَرْض الَّتِي أَرَدْت لَهُمْ وَتَسْقُط جِيَفكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَار , وَتَتِيهُونَ فِي هَذِهِ الْقِفَار عَلَى حِسَاب الْأَيَّام الَّتِي جَسَسْتُمْ الْأَرْض أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَكَان كُلّ يَوْم سَنَة وَتُقْتَلُونَ بِخَطَايَاكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَتَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ : قَدْ أَتَى أنِّي أَنَا اللَّه فَاعِل بِهَذِهِ الْجَمَاعَة , جَمَاعَة بَنِي إِسْرَائِيل , الَّذِينَ وُعِدُوا بِأَنْ يَتِيهُوا فِي الْقِفَار , فِيهَا يَمُوتُونَ ! فَأَمَّا الرَّهْط الَّذِينَ كَانَ مُوسَى بَعَثَهُمْ يَتَجَسَّسُونَ الْأَرْض , ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَة , فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَر الشَّرّ , فَمَاتُوا كُلّهمْ بَغْتَة , وَعَاشَ يُوشَع وَكَالِب بْن يوفنا مِنْ الرَّهْط الَّذِينَ اِنْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْض . فَلَمَّا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَذَا الْكَلَام كُلّه لِبَنِي إِسْرَائِيل , حَزِنَ الشَّعْب حُزْنًا شَدِيدًا , وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا عَلَى رَأْس الْجَبَل , وَقَالُوا : نَرْتَقِي الْأَرْض الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَجْل أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَام اللَّه مِنْ أَجْل ذَلِكَ , لَا يَصْلُح لَكُمْ عَمَل , وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه لَيْسَ مَعَكُمْ , فَالْآن تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّام أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَجْل الْعَمَالِقَة وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامكُمْ , فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْب مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ اِنْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّه فَلَمْ يَكُنْ اللَّه مَعَكُمْ ! فَأَخَذُوا يَرْقُونَ فِي الْجَبَل , وَلَمْ يَبْرَح التَّابُوت الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيق اللَّه جَلَّ ذِكْره وَمُوسَى مِنْ الْمَحَلَّة ; يَعْنِي مِنْ الْحِكْمَة , حَتَّى هَبَطَ الْعَمَالِيق وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِط , فَحَرَّقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . فَتَيَّهَهُمْ اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي التِّيه أَرْبَعِينَ سَنَة بِالْمَعْصِيَةِ , حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اِسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَة مِنْ اللَّه فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئ مِنْ ذَرَارِيّهمْ , وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ , وَانْقَضَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة الَّتِي تَتَيَّهُوا فِيهَا وَسَارَ بِهِمْ مُوسَى وَمَعَهُ يُوشَع بْن نُون وَكَالِب بْن يوفنا , وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَلَى مَرْيَم اِبْنَة عِمْرَان أُخْت مُوسَى وَهَارُون , وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا ; قَدِمَ يُوشَع بْن نُون إِلَى أَرِيحَاء فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَدَخَلَهَا بِهِمْ , وَقَتَلَ الْجَبَابِرَة الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا , ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل , فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يُقِيم , ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه إِلَيْهِ لَا يَعْلَم قَبْره أَحَد مِنْ الْخَلَائِق . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَرْبَعِينَ مَنْصُوبَة بِالتَّحْرِيمِ , وَإِنَّ قَوْله : { مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة } مَعْنِيّ بِهِ جَمِيع قَوْم مُوسَى لَا بَعْض دُون بَعْض مِنْهُمْ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَمَّ بِذَلِكَ الْقَوْم , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض . وَقَدْ وَفَّى اللَّه بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الْعُقُوبَة , فَتَيَّهَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , وَحَرَّمَ عَلَى جَمِيعهمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَة الَّتِي مَكَثُوا فِيهَا تَائِهِينَ دُخُول الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , فَلَمْ يَدْخُلهَا مِنْهُمْ أَحَد , لَا صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا صَالِح وَلَا طَالِح , حَتَّى اِنْقَضَتْ السُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا دُخُولهَا . ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَذَرَارِيّهمْ بِدُخُولِهَا مَعَ نَبِيّ اللَّه مُوسَى , وَالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا . وَافْتَتَحَ قَرْيَة الْجَبَّارِينَ إِنْ شَاءَ اللَّه نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مُقَدِّمَته يُوشَع , وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْم بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ عوج بْن عنق قَتَلَهُ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَوْ كَانَ قَتْله إِيَّاهُ قَبْل مَصِيره فِي التِّيه وَهُوَ مِنْ أَعْظَم الْجَبَّارِينَ خَلْقًا لَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيل تَجْزَع مِنْ الْجَبَّارِينَ الْجَزَع الَّذِي ظَهَرَ مِنْهَا , وَلَكِنْ ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّه بَعْد فَنَاء الْأُمَّة الَّتِي جَزِعَتْ وَعَصَتْ رَبّهَا وَأَبَتْ الدُّخُول عَلَى الْجَبَّارِينَ مَدِينَتهمْ . وَبَعْد : فَإِنَّ أَهْل الْعِلْم بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ بلعم بْن باعوراء كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ الْجَبَّارِينَ بِالدُّعَاءِ عَلَى مُوسَى ; وَمُحَال أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ وَقَوْم مُوسَى مُمْتَنِعُونَ مِنْ حَرْبهمْ وَجِهَادهمْ ; لِأَنَّ الْمَعُونَة إِنَّمَا يَحْتَاج إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَطْلُوبًا , فَأَمَّا وَلَا طَالِب فَلَا وَجْه لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا . 9134 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ نَوْف , قَالَ : (كَانَ سَرِير عوج ثَمَانمِائَةِ ذِرَاع , وَكَانَ طُول مُوسَى عَشَرَة أَذْرُع وَعَصَاهُ عَشَرَة أَذْرُع وَوَثَبَ فِي السَّمَاء عَشَرَة أَذْرُع , فَضَرَبَ عوجا فَأَصَابَ كَعْبه , فَسَقَطَ مَيِّتًا , فَكَانَ جِسْرًا لِلنَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ . )9135 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ عَصَا مُوسَى عَشَرَة أَذْرُع وَوَثْبَته عَشَرَة أَذْرُع وَطُوله عَشَرَة أَذْرُع , فَوَثَبَ فَأَصَابَ كَعْب عوج فَقَتَلَهُ , فَكَانَ جِسْرًا لِأَهْلِ النِّيل سَنَة . وَمَعْنَى : { يَتِيهُونَ فِي الْأَرْض } يَحَارُونَ فِيهَا وَيَضِلُّونَ , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الضَّالّ عَنْ سَبِيل الْحَقّ تَائِهٌ . وَكَانَ تِيههمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصْبِحُونَ أَرْبَعِينَ سَنَة كُلّ سَنَة يَوْم جَادِّينَ فِي قَدْر سِتَّة فَرَاسِخ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ , فَيُمْسُونَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي اِبْتَدَءُوا السَّيْر مِنْهُ . )9136 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع . 9137 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ سَنَة , يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا , وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا فِي تِيههمْ .)|فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال مِنْهُ : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا يَأْسَى أَسًى , وَقَدْ أَسَيْت مِنْ كَذَا : أَيْ حَزِنْت , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقِيس : <br>وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ .......... يَقُولُونَ لَا تَهْلِك أَسًى وَتَجَمَّل <br>يَعْنِي : لَا تَهْلِك حُزْنًا . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9138 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَلَا تَأْسَ } يَقُول : فَلَا تَحْزَن . )9139 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمْ التِّيه , نَدِمَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } لَا تَحْزَن عَلَى الْقَوْم الَّذِينَ سَمَّيْتهمْ فَاسْقِينَ .)

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيهمْ إِلَيْكُمْ , عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابك مَعَك , وَعَرِّفْهُمْ مَكْرُوه عَاقِبَة الظُّلْم وَالْمَكْر , وَسُوء مَغَبَّة الْجَوْر وَنَقْضِ الْعَهْد , وَمَا جَزَاء النَّاكِث وَثَوَاب الْوَافِي , خَبَر اِبْنَيْ آدَم هَابِيل وَقَابِيل , وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْر الْمُطِيع مِنْهُمَا رَبّه الْوَافِي بِعَهْدِهِ , وَمَا إِلَيْهِ صَارَ أَمْر الْعَاصِي مِنْهُمَا رَبّه الْجَائِر النَّاقِض عَهْده ; فَلْتُعَرِّفْ بِذَلِكَ الْيَهُود وَخَامَة غِبّ غَدْرهمْ , وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ بَيْنك وَبَيْنهمْ , وَهَمّهمْ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْط أَيْدِيهمْ إِلَيْك وَإِلَى أَصْحَابك . فَإِنَّ لَك وَلَهُمْ فِي حُسْن ثَوَابِي وَعِظَم جَزَائِي عَلَى الْوَفَاء بِالْعَهْدِ الَّذِي جَازَيْت الْمَقْتُول الْوَافِي بِعَهْدِهِ مِنْ اِبْنَيْ آدَم , وَعَاقَبْت بِهِ الْقَاتِل النَّاكِث عَهْده ; عَزَاء جَمِيلًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي سَبَب تَقْرِيب اِبْنَيْ آدَم الْقُرْبَان , وَسَبَب قَبُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا تَقَبَّلَ مِنْهُ , وَمَنْ اللَّذَانِ قَرَّبَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ عَنْ أَمْر اللَّه جَلَّ وَعَزَّ إِيَّاهُمَا بِتَقْرِيبِهِ . وَكَانَ سَبَب الْقَبُول أَنَّ الْمُتَقَبَّل مِنْهُ قَرَّبَ خَيْر مَاله وَقَرَّبَ الْآخَر شَرّ مَاله , وَكَانَ الْمُقَرِّبَانِ اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ أَحَدهمَا : هَابِيل , وَالْآخِر قَابِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9140 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن سَعِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع , قَالَ : (بَلَغَنِي أَنَّ اِبْنَيْ آدَم لَمَّا أُمِرَا بِالْقُرْبَانِ , كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب غَنَم , وَكَانَ أُنْتِجَ لَهُ حَمَل فِي غَنَمه , فَأَحَبَّهُ حَتَّى كَانَ يُؤْثِرهُ بِاللَّيْلِ , وَكَانَ يَحْمِلهُ عَلَى ظَهْره مِنْ حُبّه , حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ . فَلَمَّا أُمِرَ بِالْقُرْبَانِ , قَرَّبَهُ لِلَّهِ فَقَبِلَهُ اللَّه مِنْهُ , فَمَا زَالَ يَرْتَع فِي الْجَنَّة حَتَّى فَدَى بِهِ اِبْن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )9141 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : (إِنَّ اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر , كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب حَرْث , وَالْآخَر صَاحِب غَنَم , وَأَنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا ; وَإِنَّ صَاحِب الْغَنَم قَرَّبَ أَكْرَم غَنَمه وَأَسْمَنهَا وَأَحْسَنهَا طَيِّبَة بِهَا نَفْسه , وَإِنَّ صَاحِب الْحَرْث قَرَّبَ شَرّ حَرْثه الْكَوْزَن وَالزُّوَان غَيْر طَيِّبَة بِهَا نَفْسه ; وَإِنَّ اللَّه تَقَبَّلَ قُرْبَان صَاحِب الْغَنَم وَلَمْ يَتَقَبَّل قُرْبَان صَاحِب الْحَرْث . وَكَانَ مِنْ قِصَّتهمَا مَا قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه , وَقَالَ : أَيْم اللَّه إِنْ كَانَ الْمَقْتُول لَأَشَدّ الرَّجُلَيْنِ , وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّج أَنْ يَبْسُط يَده إِلَى أَخِيهِ )! وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمَا عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9142 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ مِنْ شَأْنهمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِين فَيُتَصَدَّق عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَان يُقَرِّبهُ الرَّجُل . فَبَيْنَا اِبْنَا آدَم قَاعِدَانِ , إِذْ قَالَا : لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا ! وَكَانَ الرَّجُل إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ اللَّه أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَأَكَلَتْهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّه خَبَتْ النَّار . فَقَرَّبَا قُرْبَانًا , وَكَانَ أَحَدهمَا رَاعِيًا , وَكَانَ الْآخَر حَرَّاثًا , وَإِنَّ صَاحِب الْغَنَم قَرَّبَ خَيْر غَنَمه وَأَسْمَنهَا وَقَرَّبَ الْآخَر أَبْغَض زَرْعه , فَجَاءَتْ النَّار , فَنَزَلَتْ بَيْنهمَا , فَأَكَلَتْ الشَّاة وَتَرَكَتْ الزَّرْع . وَإِنَّ اِبْن آدَم قَالَ لِأَخِيهِ : أَتَمْشِي فِي النَّاس وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّك قَرَّبْت قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْك وَرُدَّ عَلَيَّ ؟ فَلَا وَاَللَّه , لَا تَنْظُر النَّاس إِلَيَّ وَإِلَيْك وَأَنْتَ خَيْر مِنِّي ! فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي , إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ . )9143 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : اِبْنَا آدَم هَابِيل وَقَابِيل لِصُلْبِ آدَم , فَقَرَّبَ أَحَدهمَا شَاة وَقَرَّبَ الْآخَر بَقْلًا , فَقُبِلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة , فَقَتَلَهُ صَاحِبه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9144 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : هَابِيل وَقَابِيل , فَقَرَّبَ هَابِيل عَنَاقًا مِنْ أَحْسَن غَنَمه , وَقَرَّبَ قَابِيل زَرْعًا مِنْ زَرْعه . قَالَ : فَأَكَلَتْ النَّار الْعَنَاق , وَلَمْ تَأْكُل الزَّرْع , فَ { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . )9145 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل سَمِعَ مُجَاهِدًا فِي قَوْله : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : هُوَ هَابِيل وَقَابِيل لِصُلْبِ آدَم , قَرَّبَا قُرْبَانًا , قَرَّبَ أَحَدهمَا شَاة مِنْ غَنَمه وَقَرَّبَ الْآخَر بَقْلًا , فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة , فَقَالَ لَهُ صَاحِبِهِ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَتَلَهُ , فَعَقَلَ اللَّه إِحْدَى رِجْلَيْهِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَجَعَلَ وَجْهه إِلَى الشَّمْس حَيْثُمَا دَارَتْ عَلَيْهِ حَظِيرَة مِنْ ثَلْج فِي الشِّتَاء وَعَلَيْهِ فِي الصَّيْف حَظِيرَة مِنْ نَار , وَمَعَهُ سَبْعَة أَمْلَاك كُلَّمَا ذَهَبَ مَلَك جَاءَ الْآخَر . )9146 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } قَالَ : قَرَّبَ هَذَا كَبْشًا وَقَرَّبَ هَذَا صُبْرَة مِنْ طَعَام ; فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا . قَالَ : تُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الشَّاة وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر . )9147 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر } كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَم , فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ الْآخَر . )9148 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } قَالَ : كَانَ أَحَدهمَا اِسْمه قَابِيل وَالْآخَر هَابِيل ; أَحَدهمَا صَاحِب غَنَم , وَالْآخَر صَاحِب زَرْع , فَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَمْثَل غَنَمه حَمَلًا , وَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَرْدَإِ زَرْعه . قَالَ : فَنَزَلَتْ النَّار , فَأَكَلَتْ الْحَمَل , فَقَالَ لِأَخِيهِ : لَأَقْتُلَنَّكَ )! 9149 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل : (أَنَّ آدَم أَمَرَ اِبْنه قَابِيل أَنْ يَنْكِح أُخْته تَوْأَمَة هَابِيل , وَأَمَرَ هَابِيل أَنْ يَنْكِح أُخْته تَوْأَمَة قَابِيل . فَسَلَّمَ لِذَلِكَ هَابِيل وَرَضِيَ , وَأَبَى قَابِيل ذَلِكَ وَكَرِهَهُ , تَكَرُّمًا عَنْ أُخْت هَابِيل , وَرَغِبَ بِأُخْتِهِ عَنْ هَابِيل , وَقَالَ : نَحْنُ وِلَادَة الْجَنَّة وَهُمَا مِنْ وِلَادَة الْأَرْض , وَأَنَا أَحَقّ بِأُخْتِي وَيَقُول بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل : كَانَتْ أُخْت قَابِيل مِنْ أَحْسَن النَّاس , فَضَنَّ بِهَا عَلَى أَخِيهِ وَأَرَادَهَا لِنَفْسِهِ , فَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيَّ إِنَّهَا لَا تَحِلّ لَك ! فَأَبَى قَابِيل أَنْ يَقْبَل ذَلِكَ مِنْ قَوْل أَبِيهِ , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيّ فَقَرِّبْ قُرْبَانًا , وَيُقَرِّب أَخُوك هَابِيل قُرْبَانًا , فَأَيُّكُمَا قَبِلَ اللَّه قُرْبَانه فَهُوَ أَحَقّ بِهَا . وَكَانَ قَابِيل عَلَى بَذْر الْأَرْض , وَكَانَ هَابِيل عَلَى رِعَايَة الْمَاشِيَة , فَقَرَّبَ قَابِيل قَمْحًا وَقَرَّبَ هَابِيل أَبْكَارًا مِنْ أَبْكَار غَنَمه - وَبَعْضهمْ يَقُول : قَرَّبَ بَقَرَة - فَأَرْسَلَ اللَّه نَارًا بَيْضَاء , فَأَكَلَتْ قُرْبَان هَابِيل وَتَرَكَتْ قُرْبَان قَابِيل , وَبِذَلِكَ كَانَ يَقْبَل الْقُرْبَان إِذَا قَبِلَهُ . )9150 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كَانَ لَا يُولَد لِآدَم مَوْلُود إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَة , فَكَانَ يُزَوِّج غُلَام هَذَا الْبَطْن جَارِيَة هَذَا الْبَطْن الْآخَر , وَيُزَوِّج جَارِيَة هَذَا الْبَطْن غُلَام هَذَا الْبَطْن الْآخَر . حَتَّى وُلِدَ لَهُ اِبْنَانِ يُقَال لَهُمَا : قَابِيل , وَهَابِيل , وَكَانَ قَابِيل صَاحِب زَرْع , وَكَانَ هَابِيل صَاحِب ضَرْع . وَكَانَ قَابِيل أَكْبَرهمَا , وَكَانَ لَهُ أُخْت أَحْسَن مِنْ أُخْت هَابِيل . وَإِنَّ هَابِيل طَلَبَ أَنْ يَنْكِح أُخْت قَابِيل , فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ : هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي , وَهِيَ أَحْسَن مِنْ أُخْتك , وَأَنَا أَحَقّ أَنْ أَتَزَوَّجهَا . فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجهَا هَابِيل فَأَبَى . وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّه أَيّهمَا أَحَقّ بِالْجَارِيَةِ , وَكَانَ آدَم يَوْمئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا إِلَى مَكَّة يَنْظُر إِلَيْهَا , قَالَ اللَّه لِآدَم : يَا آدَم , هَلْ تَعْلَم أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا ! قَالَ : فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّة فَأْتِهِ ! فَقَالَ آدَم لِلسَّمَاءِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ , فَأَبَتْ . وَقَالَ لِلْأَرْضِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْجِبَالِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِقَابِيل , فَقَالَ : نَعَمْ تَذْهَب وَتَرْجِع وَتَجِد أَهْلك كَمَا يَسُرّك . فَلَمَّا اِنْطَلَقَ آدَم قَرَّبَا قُرْبَانًا , وَكَانَ قَابِيل يَفْخَر عَلَيْهِ , فَقَالَ : أَنَا أَحَقّ بِهَا مِنْك , هِيَ أُخْتِي , وَأَنَا أَكْبَر مِنْك , وَأَنَا وَصِيّ وَالِدِي . فَلَمَّا قَرَّبَا , قَرَّبَ هَابِيل جَذَعَة سَمِينَة , وَقَرَّبَ قَابِيل حُزْمَة سُنْبُل , فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَة عَظِيمَة فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا . فَنَزَلَتْ النَّار فَأَكَلَتْ قُرْبَان هَابِيل , وَتَرَكَتْ قُرْبَان قَابِيل , فَغَضِبَ وَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِح أُخْتِي ! فَقَالَ هَابِيل { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . )9151 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا هَابِيل وَقَابِيل . فَأَمَّا هَابِيل فَكَانَ صَاحِب مَاشِيَة , فَعَمَدَ إِلَى خَيْر مَاشِيَته , فَتَقَرَّبَ بِهَا , فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَار فَأَكَلَتْهُ . وَكَانَ الْقُرْبَان إِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ نَار فَأَكَلَتْهُ , وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِمْ أَكَلَتْهُ الطَّيْر وَالسِّبَاع . وَأَمَّا قَابِيل فَكَانَ صَاحِب زَرْع , فَعَمَدَ إِلَى أَرْدَإِ زَرْعه , فَتَقَرَّبَ بِهِ , فَلَمْ تَنْزِل عَلَيْهِ النَّار , فَحَسَدَ أَخَاهُ عِنْد ذَلِكَ فَقَالَ : { لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : ( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } قَالَ : هُمَا قَابِيل وَهَابِيل . قَالَ : كَانَ أَحَدهمَا صَاحِب زَرْع وَالْآخَر صَاحِب مَاشِيَة , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِخَيْرِ مَاله وَجَاءَ الْآخَر بِشَرِّ مَاله , فَجَاءَتْ النَّار , فَأَكَلَتْ قُرْبَان أَحَدهمَا وَهُوَ هَابِيل , وَتَرَكَتْ قُرْبَان الْآخَر , فَحَسَدَهُ فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ )! * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } قَالَ : قَرَّبَ هَذَا زَرْعًا وَذَا عَنَاقًا , فَتَرَكَتْ النَّارُ الزَّرْعَ وَأَكَلَتْ الْعَنَاق . )وَقَالَ آخَرُونَ : اللَّذَانِ قَرَّبَا قُرْبَانًا وَقَصَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَصَصهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة , رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا مِنْ وَلَد آدَم لِصُلْبِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9152 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : . (كَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآن , اللَّذَانِ قَالَ اللَّه : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ اِبْنَيْ آدَم بِالْحَقِّ } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونَا اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَان فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ آدَم أَوَّل مَنْ مَاتَ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , أَنَّ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا الْقُرْبَان كَانَ اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , لَا مِنْ ذُرِّيَّته مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة , وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا عَالِمِينَ أَنَّ تَقْرِيب الْقُرْبَان لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي وَلَد آدَم دُون الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَسَائِر الْخَلْق غَيْرهمْ . فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا ذَلِكَ عِنْدهمْ , فَمَعْقُول أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِابْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي كِتَابه اِبْنَاهُ لِصُلْبِهِ , لَمْ يُفِدْهُمْ بِذِكْرِهِ جَلَّ جَلَاله إِيَّاهُمَا فَائِدَة لَمْ تَكُنْ عِنْدهمْ . وَإِذَا كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يُخَاطِبهُمْ خِطَابًا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ مَعْنًى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ عَنَى اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , لَا اِبْنَيْ بَنِيهِ الَّذِينَ بَعُدَ مِنْهُ نَسَبهمْ مَعَ إِجْمَاع أَهْل الْأَخْبَار وَالسِّيَر وَالْعِلْم بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا اِبْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ وَفِي عَهْد آدَم وَزَمَانه , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا . وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ نَصَّ عَنْهُ الْقَوْل بِذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يَذْكُر إِنْ شَاءَ اللَّه . 9153 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : ثنا حُسَام بْن مِصَكّ , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : (لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ , مَكَثَ آدَم مِائَة سَنَة حَزِينًا لَا يَضْحَك , ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : حَيَّاك اللَّه وَبَيَّاك ! فَقَالَ : بَيَّاك : أَضْحَكَك . )9154 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ غِيَاث بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ : (لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ , بَكَى آدَم فَقَالَ : <br>تَغَيَّرَتْ الْبِلَاد وَمَنْ عَلَيْهَا .......... فَلَوْن الْأَرْض مُغْبَرّ قَبِيح <br><br>تَغَيَّرَ كُلّ ذِي لَوْن وَطَعْم .......... وَقَلَّ بَشَاشَة الْوَجْه الْمَلِيح <br>فَأُجِيبَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام : <br>أَبَا هَابِيل قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا .......... وَصَارَ الْحَيّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيح <br><br>وَجَاءَ بِشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا .......... عَلَى خَوْف فَجَاءَ بِهَا يَصِيح <br>وَأَمَّا الْقَوْل فِي تَقْرِيبهمَا مَا قَرَّبَا , فَإِنَّ الصَّوَاب فِيهِ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره أَخْبَرَ عِبَاده عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا , وَلَمْ يُخْبِر أَنَّ تَقْرِيبهمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِهِ وَلَا عَنْ غَيْر أَمْره . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ عَنْ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عَنْ غَيْر أَمْره . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَب قُرْبَة إِلَى اللَّه إِنْ شَاءَ اللَّه .)|قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ|وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهُ قُرْبَانه لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانه : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَتَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه وَالْمَرْدُود عَلَيْهِ قُرْبَانه , اِسْتِغْنَاء بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرهمَا عَنْ إِعَادَته , وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْر الْمُتَقَبَّل قُرْبَانه مَعَ قَوْله : { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس : 9155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ } فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } . )9156 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } قَالَ : يَقُول : إِنَّك لَوْ اِتَّقَيْت اللَّه فِي قُرْبَانك تُقُبِّلَ مِنْك , جِئْت بِقُرْبَانٍ مَغْشُوش بِأَشَرّ مَا عِنْدك , وَجِئْت أَنَا بِقُرْبَانٍ طَيِّب بِخَيْرِ مَا عِنْدِي ; قَالَ : وَكَانَ قَالَ : يَتَقَبَّل اللَّه مِنْك وَلَا يَتَقَبَّل مِنِّي .)|قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ الْمُتَّقِينَ } مِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه وَخَافُوهُ بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته . وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : الْمُتَّقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الَّذِينَ اِتَّقَوْا الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9157 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : ( { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . )وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقُرْبَان فِيمَا مَضَى , وَأَنَّهُ الْفُعْلَان مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَرَّبَ , كَمَا الْفُرْقَان : الْفُعْلَان مِنْ فَرَّقَ , وَالْعُدْوَان مِنْ عَدَا . وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَم الْمَاضِيَة قَبْل أُمَّتنَا كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات فِينَا , غَيْر أَنَّ قَرَابِينهمْ كَانَ يُعْلَم الْمُتَقَبَّل مِنْهَا وَغَيْر الْمُتَقَبَّل فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّار مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا وَتَرْك النَّار مَا لَمْ يُتَقَبَّل مِنْهَا . وَالْقُرْبَان فِي أُمَّتنَا : الْأَعْمَال الصَّالِحَة : مِنْ الصَّلَاة , وَالصِّيَام , وَالصَّدَقَة عَلَى أَهْل الْمَسْكَنَة , وَأَدَاء الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , وَلَا سَبِيل لَهَا إِلَى الْعِلْم فِي عَاجِل بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُود . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَامِر بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , أَنَّهُ حِين حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بَكَى , فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك , فَقَدْ كُنْت وَكُنْت ؟ فَقَالَ : يُبْكِينِي أَنِّي أَسْمَع اللَّه يَقُول : { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } 9158 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عُمَر الْمُقَدِّمِيّ , قَالَ : ثني سَعِيد بْن عَامِر , عَنْ هَمَّام , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ عَامِر . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة . 9159 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عِمْرَان بْن سُلَيْم , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : (كَانَ قُرْبَان الْمُتَّقِينَ : الصَّلَاة .)

لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك لِأَقْتُلك } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَقْتُول مِنْ اِبْنَيْ آدَم أَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَخُوهُ الْقَاتِل لَأَقْتُلَنَّكَ : وَاَللَّه { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك } يَقُول : مَدَدْت إِلَيَّ يَدك { لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك } يَقُول : مَا أَنَا بِمَادٍّ يَدِي إِلَيْك { لِأَقْتُلك } وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَالَ الْمَقْتُول ذَلِكَ لِأَخِيهِ وَلَمْ يُمَانِعهُ مَا فَعَلَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَالَ ذَلِكَ إِعْلَامًا مِنْهُ لِأَخِيهِ الْقَاتِل أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلّ قَتْله وَلَا بَسْط يَده إِلَيْهِ بِمَا لَمْ يَأْذَن اللَّه بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْف عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ قَالَ : (وَاَيْم اللَّه إِنْ كَانَ الْمَقْتُول لَأَشَدّ الرَّجُلَيْنِ , وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّج أَنْ يَبْسُط إِلَى أَخِيهِ . )9161 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك } لَا أَنَا بِمُنْتَصِرٍ , وَلَأُمْسِكَنَّ يَدِي عَنْك . )وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَمْنَعهُ مِمَّا أَرَادَ مِنْ قَتْله , وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ مِمَّا قَصَّ اللَّه فِي كِتَابه . إِلَّا أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمْتَنِع مَنْ أُرِيدَ قَتْله مِمَّنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9162 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل , سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : ( { لَئِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك لِتَقْتُلنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك لِأَقْتُلك } قَالَ مُجَاهِد : كَانَ كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ : إِذَا أَرَادَ الرَّجُل أَنْ يَقْتُل رَجُلًا تَرَكَهُ وَلَا يَمْتَنِع مِنْهُ . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ قَتْل نَفْس بِغَيْرِ نَفْس ظُلْمًا , وَأَنَّ الْمَقْتُول قَالَ لِأَخِيهِ : مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْك إِنْ بَسَطْت إِلَيَّ يَدك ; لِأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ قَتْل أَخِيهِ مِثْل الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى أَخِيهِ الْقَاتِل مِنْ قَتْله . فَأَمَّا الِامْتِنَاع مِنْ قَتْله حِين أَرَادَ قَتْله , فَلَا دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْقَاتِل حِين أَرَادَ قَتْله وَعَزَمَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَقْتُول عَالِمًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ عَازِم مِنْهُ وَمُحَاوِل مِنْ قَتْله , فَتَرَكَ دَفْعه عَنْ نَفْسه ; بَلْ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَة , اِغْتَالَهُ وَهُوَ نَائِم , فَشَدَخَ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَرْكِ مَنْع أَخِيهِ مِنْ قَتْله , لَمْ يَكُنْ جَائِزًا اِدِّعَاء مَا لَيْسَ فِي الْآيَة إِلَّا بِبُرْهَانٍ يَجِب تَسْلِيمه .|إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ|وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنِّي أَخَاف اللَّه } فَإِنِّي أَخَاف اللَّه فِي بَسْط يَدِي إِلَيْك إِنْ بَسَطْتهَا لِقَتْلِك . { رَبّ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي : مَالِك الْخَلَائِق كُلّهَا أَنْ يُعَاقِبنِي عَلَى بَسْط يَدِي إِلَيْك .

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمك } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي مِنْ قَتْلِك إِيَّايَ وَإِثْمك فِي مَعْصِيَتك اللَّه بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9163 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي حَدِيثه عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِثْم قَتْلِي إِلَى إِثْمك الَّذِي فِي عُنُقك { فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار } ) 9164 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول بِقَتْلِك إِيَّايَ , وَإِثْمك قَبْل ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } قَالَ : بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمك . )9165 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ يَكُون عَلَيْك خَطِيئَتك وَدَمِي , تَبُوء بِهِمَا جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِقَتْلِك إِيَّايَ . { وَإِثْمك } قَالَ : بِمَا كَانَ مِنْك قَبْل ذَلِكَ . )9166 - حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْم , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } قَالَ : أَمَّا إِثْمك , فَهُوَ الْإِثْم الَّذِي عَمِلَ قَبْل قَتْل النَّفْس , يَعْنِي أَخَاهُ . وَأَمَّا إِثْمه : فَقَتْله أَخَاهُ . )وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة وَجَّهُوا تَأْوِيل قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } أَيْ إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي , فَحَذَفَ الْقَتْل وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِثْم , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِخَطِيئَتِي فَتَتَحَمَّل وِزْرهَا وَإِثْمك فِي قَتْلِك إِيَّايَ . وَهَذَا قَوْل وَجَدْته عَنْ مُجَاهِد , وَأَخْشَى أَنْ يَكُون غَلَطًا ; لِأَنَّ الصَّحِيح مِنْ الرِّوَايَة عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9167 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَقُول : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَكُون عَلَيْك خَطِيئَتِي وَدَمِي , فَتَبُوء بِهِمَا جَمِيعًا . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ تَأْوِيله : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَنْصَرِف بِخَطِيئَتِك فِي قَتْلك إِيَّايَ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي } وَأَمَّا مَعْنَى { وَإِثْمك } فَهُوَ إِثْمه بِغَيْرِ قَتْله , وَذَلِكَ مَعْصِيَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَعْمَال سِوَاهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلّ عَامِل فَجَزَاء عَمَله لَهُ أَوْ عَلَيْهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمه فِي خَلْقه فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون آثَام الْمَقْتُول مَأْخُوذًا بِهَا الْقَاتِل وَإِنَّمَا يُؤْخَذ الْقَاتِل بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّم وَسَائِر آثَام مَعَاصِيه الَّتِي اِرْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ دُون مَا رَكِبَهُ قَتِيله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ قَتْل الْمَقْتُول مِنْ بَنِي آدَم كَانَ مَعْصِيَة لِلَّهِ مِنْ الْقَاتِل ؟ قِيلَ : بَلَى , وَأَعْظِمْ بِهَا مَعْصِيَة ! فَإِنْ قَالَ : فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْصِيَة , فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُرِيد ذَلِكَ مِنْهُ الْمَقْتُول وَيَقُول : { إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي } وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي ؟ فَمَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ قَتْلِي إِنْ قَتَلْتَنِي لِأَنِّي لَا أَقْتُلك , فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَنِي فَإِنِّي مُرِيد أَنْ تَبُوء بِإِثْمِ مَعْصِيَتك اللَّه فِي قَتْلك إِيَّايَ . وَهُوَ إِذَا قَتَلَهُ , فَهُوَ لَا مَحَالَة بَاءَ بِهِ فِي حُكْم اللَّه , فَإِرَادَته ذَلِكَ غَيْر مُوجِبَة لَهُ الدُّخُول فِي الْخَطَأ .|فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : فَتَكُون بِقَتْلِك إِيَّايَ مِنْ سُكَّان الْجَحِيم , وَوُقُود النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا . { وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَالنَّار ثَوَاب التَّارِكِينَ طَرِيق الْحَقّ الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْد السَّبِيل , الْمُتَعَدِّينَ مَا جَعَلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَجْعَل لَهُمْ . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَم بَعْد أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْض , وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ , وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُول لِلْقَائِلِ : فَتَكُون مِنْ أَصْحَاب النَّار بِقَتْلِك إِيَّايَ , وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ . فَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ الْقَاتِل بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذهَا مِنْ يَوْمئِذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَوَجْهه فِي الشَّمْس حَيْثُمَا دَارَتْ دَار , عَلَيْهِ فِي الصَّيْف حَظِيرَة مِنْ نَار وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاء حَظِيرَة مِنْ ثَلْج . 9168 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد ذَلِكَ . قَالَ : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : (إِنَّا لَنَجِد اِبْن آدَم الْقَاتِل يُقَاسِم أَهْل النَّار قِسْمَة صَحِيحَة الْعَذَاب , عَلَيْهِ شَطْر عَذَابهمْ . )وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو خَبَر . 9169 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا جَرِير وَأَبُو مُعَاوِيَة ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَوَكِيع جَمِيعًا , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ نَفْس تُقْتَل ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل كِفْل مِنْهَا , ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل | )* - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوه . 9170 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر . عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ , قَالَ : (مَا مِنْ مَقْتُول يُقْتَل ظُلْمًا , إِلَّا كَانَ عَلَى اِبْن آدَم الْأَوَّل وَالشَّيْطَان كِفْل مِنْهُ . )9171 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ حَكِيم بْن حَكِيم , أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (إِنَّ أَشْقَى النَّاس رَجُلًا لِابْنِ آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ , مَا سُفِكَ دَم فِي الْأَرْض مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل . )وَبِهَذَا الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ الْحَسَن فِي اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ , ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ آدَم لِصُلْبِهِ , وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَأَنَّ الْقَوْل الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ , أَنَّ أَوَّل مَنْ مَاتَ آدَم , وَأَنَّ الْقُرْبَان الَّذِي كَانَتْ النَّار تَأْكُلهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيل خَطَأ ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِل الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ . أَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , وَقَدْ كَانَ لَا شَكَّ الْقَتْل قَبْل إِسْرَائِيل , فَكَيْفَ قَبْل ذُرِّيَّته ! وَخَطَأ مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل هُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ اِبْن آدَم لِصُلْبِهِ ; لِأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل , فَأَوْجَبَ اللَّه لَهُ مِنْ الْعُقُوبَة مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ فَقَتَلَهُ } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { فَطَوَّعَتْ } فَأَقَامَتْهُ وَسَاعَدَتْهُ عَلَيْهِ . وَهُوَ | فَعَّلَتْ | مِنْ الطَّوْع , مِنْ قَوْل الْقَائِل : طَاعَنِي هَذَا الْأَمْر : إِذَا اِنْقَادَ لَهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَشَجَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9172 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ وَمُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : شَجَّعَتْ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : فَشَجَّعَتْهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } قَالَ : شَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْل أَخِيهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : زَيَّنَتْ لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9173 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه } قَالَ : زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ , فَقَتَلَهُ .)|فَقَتَلَهُ|ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْله إِيَّاهُ كَيْفَ كَانَتْ , وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَتَلَهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : وَجَدَهُ نَائِمًا فَشَدَخَ رَأْسه بِصَخْرَةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9174 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه . وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلهُ , فَرَاغَ الْغُلَام مِنْهُ فِي رُءُوس الْجِبَال . وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَل وَهُوَ نَائِم , فَرَفَعَ صَخْرَة فَشَدَخَ بِهَا رَأْسه , فَمَاتَ , فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ . )وَقَالَ بَعْضهمْ , مَا : 9175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَشْعَث السِّجِسْتَانِيّ يَقُول : سَمِعْت اِبْن جُرَيْج قَالَ : (اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ صَاحِبه لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَتَمَثَّلَ إِبْلِيس لَهُ فِي هَيْئَة طَيْر , فَأَخَذَ طَيْرًا فَقَصَعَ رَأْسه , ثُمَّ وَضَعَهُ بَيْن حَجَرَيْنِ فَشَدَخَ رَأْسه , فَعَلَّمَهُ الْقَتْل . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَتَلَهُ حَيْثُ يَرْعَى الْغَنَم , فَأَتَى فَجَعَلَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلهُ , فَلَوَى بِرَقَبَتِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ . فَنَزَلَ إِبْلِيس , وَأَخَذَ دَابَّة أَوْ طَيْرًا , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر , ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه , وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر , فَأَخَذَ أَخَاهُ , فَوَضَعَ رَأْسه عَلَى حَجَر وَأَخَذَ حَجَرًا آخَر فَرَضَخَ بِهِ رَأْسه . (9176 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا رَجُل سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . 9177 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : )لَمَّا أَكَلَتْ النَّار قُرْبَان اِبْن آدَم الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانه , قَالَ الْآخَر لِأَخِيهِ : أَتَمْشِي فِي النَّاس وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّك قَرَّبْت قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْك وَرُدَّ عَلَيَّ ؟ وَاَللَّه لَا تَنْظُر النَّاس إِلَيَّ وَإِلَيْك وَأَنْتَ خَيْر مِنِّي ! فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ : مَا ذَنْبِي { إِنَّمَا يَتَقَبَّل اللَّه مِنْ الْمُتَّقِينَ } ؟ فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ , فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِر , فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ , فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ . (9178 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , قَالَ : أَقْبَلْت مَعَ سَعِيد بْن جُبَيْر أَرْمِي الْجَمْرَة وَهُوَ مُتَقَنِّع مُتَوَكِّئ عَلَى يَدَيَّ , حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَة الصَّرَّاف , وَقَفَ يُحَدِّثنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )نَهَى أَنْ يَنْكِح الْمَرْأَة أَخُوهَا تَوْأَمهَا وَيَنْكِحهَا غَيْره مِنْ إِخْوَتهَا , وَكَانَ يُولَد فِي كُلّ بَطْن رَجُل وَامْرَأَة , فَوُلِدَتْ اِمْرَأَة وَسِيمَة , وَوُلِدَتْ اِمْرَأَة دَمِيمَة قَبِيحَة , فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَة : أَنْكِحْنِي أُخْتك وَأُنْكِحك أُخْتِي ! قَالَ : لَا , أَنَا أَحَقّ بِأُخْتِي . فَقَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِب الْكَبْش , وَلَمْ يُتَقَبَّل مِنْ صَاحِب الزَّرْع , فَقَتَلَهُ . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْش مَحْبُوسًا عِنْد اللَّه حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فَدَاء إِسْحَاق , فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا فِي ثَبِيِر عِنْد مَنْزِل سَمُرَة الصَّرَّاف , وَهُوَ عَلَى يَمِينك حِين تَرْمِي الْجِمَار . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة . قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ بَنُو آدَم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَة آبَاء , فَنَكَحَ اِبْنَة عَمّه , وَذَهَبَ نِكَاح الْأَخَوَات . (وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْقَاتِل أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ , وَلَا خَبَر عِنْدنَا يَقْطَع الْعُذْر بِصِفَةِ قَتْله إِيَّاهُ . وَجَائِز أَنْ يَكُون عَلَى نَحْو مَا قَدْ ذَكَرَ السُّدِّيّ فِي خَبَره , وَجَائِر أَنْ يَكُون كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِد , وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ , غَيْر أَنَّ الْقَتْل قَدْ كَانَ لَا شَكّ فِيهِ .|فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَإِنَّ تَأْوِيله : فَأَصْبَحَ الْقَاتِل أَخَاهُ مِنْ اِبْنَيْ آدَم مِنْ حِزْب الْخَاسِرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتهمْ بِدُنْيَاهُمْ بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهَا عَلَيْهَا فَوُكِسُوا فِي بَيْعهمْ وَغُبِنُوا فِيهِ , وَخَابُوا فِي صَفْقَتهمْ .

فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } </subtitle>قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا أَيْضًا أَحَد الْأَدِلَّة عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي أَمْر اِبْنَيْ آدَم بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَمْرو عَنْ الْحَسَن ; لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة لَوْ كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يَجْهَل الْقَاتِل دَفْن أَخِيهِ وَمُوَارَاة سَوْأَة أَخِيهِ , وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مِنْ وَلَد آدَم لِصُلْبِهِ . وَلَمْ يَكُنْ الْقَاتِل مِنْهُمَا أَخَاهُ عَلِمَ سُنَّة اللَّه فِي عَادَة الْمَوْتَى , وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع بِأَخِيهِ الْمَقْتُول , فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى عَاتِقه حِينًا حَتَّى أَرَاحَتْ جِيفَته , فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعْرِيفَهُ السُّنَّة فِي مَوْتَى خَلْقه , فَقَيَّضَ لَهُ الْغُرَابَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ صِفَتهمَا فِي كِتَابه . ذِكْر الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل بِاَلَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل الْقَاتِل مِنْ اِبْنَيْ آدَم بِأَخِيهِ الْمَقْتُول بَعْد قَتْله إِيَّاهُ : 9179 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي رِزْق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَكَثَ يَحْمِل أَخَاهُ فِي جِرَاب عَلَى رَقَبَته سَنَة , حَتَّى بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ الْغُرَابَيْنِ , فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ , فَقَالَ : أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب ؟ فَدَفَنَ أَخَاهُ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } بَعَثَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَجَعَلَ الْغُرَاب الْحَيّ يُوَارِي سَوْأَة الْغُرَاب الْمَيِّت , فَقَالَا اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . )9180 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِك . وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه . وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَمَّا مَاتَ الْغُلَام تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَم كَيْفَ يُدْفَن , فَبَعَثَ اللَّه غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ , فَاقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , فَحَفَرَ لَهُ , ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ , فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } فَهُوَ قَوْل اللَّه : { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } . )9181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَبْحَث } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا حَتَّى حَفَرَ لِآخَر إِلَى جَنْبه مَيِّت وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر إِلَيْهِ , ثُمَّ بَحَثَ عَلَيْهِ حَتَّى غَيَّبَهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } حَتَّى حَفَرَ لِآخَر مَيِّت إِلَى جَنْبه , فَغَيَّبَهُ , وَابْن آدَم الْقَاتِل يَنْظُر إِلَيْهِ حَيْثُ يَبْحَث عَلَيْهِ , حَتَّى غَيَّبَهُ فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } )الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور . عَنْ مُجَاهِد . قَوْله : ( { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا إِلَى غُرَاب , فَاقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَاب , فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } قَالَ : جَاءَ غُرَاب إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَاب حَتَّى وَارَاهُ , فَقَالَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة . )9182 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق . عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : (لَمَّا قَتَلَهُ نَدِمَ , فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَح , وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْر وَالسِّبَاع تَنْتَظِر مَتَى يَرْمِي بِهِ فَتَأْكُلهُ . )9183 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ } أَنَّهُ بَعَثَهُ اللَّه عَزَّ ذِكْره يَبْحَث فِي الْأَرْض ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا غُرَابَانِ اِقْتَتَلَا , فَقَتَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه , وَذَلِكَ - يَعْنِي اِبْن آدَم - يَنْظُر , وَجَعَلَ الْحَيّ يَحْثِي عَلَى الْمَيِّت التُّرَاب , فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الْآيَة , إِلَى قَوْله : { مِنْ النَّادِمِينَ } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أَمَّا قَوْله : ( { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا } قَالَ : قَتَلَ غُرَاب غُرَابًا . فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَيْهِ , فَقَالَ اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ حِين رَآهُ : ) { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . (* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ) { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ } قَالَ : وَارَى الْغُرَاب . قَالَ : كَانَ يَحْمِلهُ عَلَى عَاتِقه مِائَة سَنَة لَا يَدْرِي مَا يَصْنَع بِهِ , يَحْمِلهُ وَيَضَعهُ إِلَى الْأَرْض حَتَّى رَأَى الْغُرَاب يَدْفِن الْغُرَاب , فَقَالَ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . (9184 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْل اللَّه : ) { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } قَالَ : بَعَثَ اللَّه غُرَابًا , فَجَعَلَ يَبْحَث عَلَى غُرَاب مَيِّت التُّرَاب , قَالَ : فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ { أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } . (9185 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ) { فَبَعَثَ اللَّه غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض } بَعَثَ اللَّه غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَاب مَيِّت , فَجَعَلَ الْغُرَاب الْحَيّ يُوَارِي سَوْأَة الْغُرَاب الْمَيِّت , فَقَالَ اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } (الْآيَة . 9186 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِيمَا يُذْكَر عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ الْأَوَّل , قَالَ : )لَمَّا قَتَلَهُ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ , وَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُوَارِيه , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّل قَتِيل مِنْ بَنِي آدَم , وَأَوَّل مَيِّت قَالَ { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } الْآيَة إِلَى قَوْله : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } قَالَ : وَيَزْعُم أَهْل التَّوْرَاة أَنَّ قَابِيل حِين قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيل , قَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا قَابِيل أَيْنَ أَخُوك هَابِيل ؟ قَالَ : مَا أَدْرِي مَا كُنْت عَلَيْهِ رَقِيبًا . فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ : إِنَّ صَوْت دَم أَخِيك لَيُنَادِينِي مِنْ الْأَرْض , الْآن أَنْتَ مَلْعُون مِنْ الْأَرْض الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا فَبَلَعَتْ دَم أَخِيك مِنْ يَدك , فَإِذَا أَنْتَ عَمِلْت فِي الْأَرْض , فَإِنَّهَا لَا تَعُود تُعْطِيك حَرْثهَا حَتَّى تَكُون فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْض . قَالَ قَابِيل : عَظُمَتْ خَطِيئَتِي عَنْ أَنْ تَغْفِرهَا , قَدْ أَخْرَجْتنِي الْيَوْم عَنْ وَجْه الْأَرْض , وَأَتَوَارَى مِنْ قُدَّامك , وَأَكُون فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْض , وَكُلّ مَنْ لَقِيَنِي قَتَلَنِي ! فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَا يَكُون كُلّ قَاتِل قَتِيلًا يَجْزِي وَاحِدًا , وَلَكِنْ يَجْزِي سَبْعَة , وَجَعَلَ اللَّه فِي قَابِيل آيَة , لِئَلَّا يَقْتُلهُ كُلّ مَنْ وَجَدَهُ . وَخَرَجَ قَابِيل مِنْ قُدَّام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , مِنْ شَرْقِيّ عَدَن الْجَنَّة . (9187 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : )لَمَّا قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ نَشَّفَتْ الْأَرْضُ دَمَهُ , فَلُعِنَتْ , فَلَمْ تُنَشِّف الْأَرْض دَمًا بَعْدُ . (فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَأَثَارَ اللَّه لِلْقَاتِلِ إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع بِأَخِيهِ الْمَقْتُول غُرَابًا يَبْحَث فِي الْأَرْض , يَقُول : يَحْفِر فِي الْأَرْض , فَيُثِير تُرَابهَا لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَة أَخِيهِ , يَقُول : لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي جِيفَة أَخِيهِ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَنَى بِالسَّوْأَةِ الْفَرْج , غَيْر أَنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْت مِنْ الْجِيفَة , وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل . وَفِي ذَلِكَ مَحْذُوف تُرِكَ ذِكْره , اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ , وَهُوَ : فَأَرَاهُ بِأَنْ بَحَثَ فِي الْأَرْض لِغُرَابٍ آخَر مَيِّت , فَوَارَاهُ فِيهَا , فَقَالَ الْقَاتِل أَخَاهُ حِينَئِذٍ : { يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْت أَنْ أَكُون مِثْل هَذَا الْغُرَاب } الَّذِي وَارَى الْغُرَاب الْآخَر الْمَيِّت { فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي } ؟ فَوَارَاهُ حِينَئِذٍ { فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه عَزَّ ذِكْره فِي قَتْله أَخَاهُ . وَكُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَات , مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِبَنِي آدَم , وَحَرَّضَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِسْتِعْمَال الْعَفْو وَالصَّفْح عَنْ الْيَهُود , الَّذِينَ كَانُوا هَمُّوا بِقَتْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَتْلهمْ مِنْ بَنِي النَّضِير , إِذْ أَتَوْهُمْ يَسْتَعِينُونَهُمْ فِي دِيَة قَتِيلَيْ عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ , وَعَرَّفَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ رَدَاءَة سَجِيَّة أَوَائِلهمْ وَسُوء اِسْتِقَامَتهمْ عَلَى مَنْهَج الْحَقّ مَعَ كَثْرَة أَيَادِيه وَآلَائِهِ عِنْدهمْ , وَضَرَبَ مَثَلهمْ فِي عَدُوّهُمْ وَمَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَفَاء لَهُمْ وَالْعَفْو عَنْهُمْ بِابْنَيْ آدَم الْمُقَرِّبَيْنِ قَرَابِينهمَا اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَات . ثُمَّ ذَلِكَ مَثَل لَهُمْ عَلَى التَّأَسِّي بِالْفَاضِلِ مِنْهُمَا دُون الطَّالِح , وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9188 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قُلْت لِبَكْرِ بْن عَبْد اللَّه : (أَمَا بَلَغَك أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | إِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ضَرَبَ لَكُمْ اِبْنَيْ آدَم مَثَلًا , فَخُذُوا خَيْرهمَا وَدَعُوا شَرّهمَا ؟ | قَالَ : بَلَى )9189 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اِبْنَيْ آدَم ضُرِبَا مَثَلًا لِهَذِهِ الْأُمَّة فَخُذُوا بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا | )* - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه ضَرَبَ لَكُمْ اِبْنَيْ آدَم مَثَلًا , فَخُذُوا مِنْ خَيْرهمْ وَدَعُوا الشَّرّ |)

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِال

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ } مِنْ جَرّ ذَلِكَ وَجَرِيرَته وَجِنَايَته , يَقُول : مِنْ جَرّ الْقَاتِل أَخَاهُ مِنْ اِبْنَيْ آدَم اللَّذَيْنِ اِقْتَصَصْنَا قِصَّتهمَا الْجَرِيرَة الَّتِي جَرَّهَا وَجِنَايَته الَّتِي جَنَاهَا , كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . يُقَال مِنْهُ : أَجَّلْت هَذَا الْأَمْر : أَيْ جَرَرْته إِلَيْهِ وَكَسَبْته آجُلهُ لَهُ أَجْلًا , كَقَوْلِك : أَخَذْته أَخْذًا , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَأَهْل خِبَاء صَالِح ذَات بَيْنهمْ .......... قَدْ احْتَرَبُوا فِي عَاجِل أَنَا آجِلهْ <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : أَنَا آجِله : أَنَا الْجَارّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْجَانِي . فَمَعْنَى الْكَلَام : مِنْ جِنَايَة اِبْن آدَم الْقَاتِل أَخَاهُ ظُلْمًا , حَكَمْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا ظُلْمًا بِغَيْرِ نَفْس قَتَلَتْ فَقُتِلَ بِهَا قِصَاصًا ; { أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } يَقُول : أَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا بِغَيْرِ فَسَاد كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْض , فَاسْتَحَقَّتْ بِذَلِكَ قَتْلهَا . وَفَسَادهَا فِي الْأَرْض إِنَّمَا يَكُون بِالْحَرْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِخَافَة السَّبِيل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9190 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل } يَقُول : مِنْ أَجْل اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَام عَدْل , فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ شَدَّ عَلَى عَضُد نَبِيّ أَوْ إِمَام عَدْل , فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9191 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّار حُسَيْن بْن حُرَيْث الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن مُوسَى , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ شَدَّ عَلَى عَضُد نَبِيّ أَوْ إِمَام عَدْل فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَام عَدْل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا وَاحِدَة حَرَّمْتهَا , فَهُوَ مِثْل مَنْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . { وَمَنْ أَحْيَاهَا } يَقُول : مَنْ تَرَكَ قَتْل نَفْس وَاحِدَة حَرَّمْتهَا مَخَافَتِي وَاسْتَحْيَا أَنْ يَقْتُلهَا , فَهُوَ مِثْل اِسْتِحْيَاء النَّاس جَمِيعًا ; يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاء . )وَقَالَ آخَرُونَ : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمَقْتُول فِي الْإِثْم ; { وَمَنْ أَحْيَاهَا } فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَة { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمُسْتَنْقَذ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 9192 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِيمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَوْله : ( { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } عِنْد الْمَقْتُول , يَقُول فِي الْإِثْم : وَمَنْ أَحْيَاهَا فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَة , فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا عِنْد الْمُسْتَنْقَذ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ قَاتِل النَّفْس الْمُحَرَّم قَتْلهَا يَصْلَى النَّار كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا : مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9193 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ( { مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا , وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . قَالَ : وَمَنْ أَوْبَقَهَا . )9194 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (مَنْ أَوْبَقَ نَفْسًا فَكَمَا لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْل النَّاس جَمِيعًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } لَمْ يَقْتُلهَا , وَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ النَّاس جَمِيعًا لَمْ يَقْتُل أَحَدًا . )9195 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة , قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا . أَوْ سَمِعْته يُسْأَل عَنْ قَوْله : ( { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا كَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج قِرَاءَة , عَنْ الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : الَّذِي يَقْتُل النَّفْس الْمُؤْمِنَة مُتَعَمِّدًا , جَعَلَ اللَّه جَزَاءَهُ جَهَنَّم , وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ , وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا يَقُول : لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى مِثْل ذَلِكَ مِنْ الْعَذَاب قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ لَمْ يَقْتُل أَحَدًا فَقَدْ اِسْتَرَاحَ النَّاس مِنْهُ . )9196 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَانِ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أَوْبَقَ نَفْسًا . )9197 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (فِي الْإِثْم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } , وَقَوْله : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } قَالَ : يَصِير إِلَى جَهَنَّم بِقَتْلِ الْمُؤْمِن , كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا لَصَارَ إِلَى جَهَنَّم . (9198 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ) { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : هُوَ كَمَا قَالَ . وَقَالَ : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَإِحْيَاؤُهَا لَا يَقْتُل نَفْسًا حَرَّمَهَا اللَّه , فَذَلِكَ الَّذِي أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا , يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ حَرَّمَ قَتْلهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ جَمِيعًا . (* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : ) { وَمَنْ أَحْيَاهَا } قَالَ : وَمَنْ حَرَّمَهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا . (* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْعَلَاء , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : { مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا . )9199 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : هِيَ كَاَلَّتِي فِي النِّسَاء : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم } فِي جَزَائِهِ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } كَاَلَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } فِي جَزَائِهِ { وَمَنْ أَحْيَاهَا } وَلَمْ يَقْتُل أَحَدًا فَقَدْ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ . )9200 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : اِلْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ : هُوَ هَذَا وَهَذَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاص بِهِ وَالْقَوَد بِقَتْلِهِ , مِثْل الَّذِي يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقَوَد وَالْقِصَاص لَوْ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9201 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : يَجِب عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْل مِثْل لَوْ أَنَّهُ قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا . قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ .)|وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } </subtitle>وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاص مِنْهُ فَلَمْ يَقْتُلهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9202 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : مَنْ أَحْيَاهَا أَعْطَاهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مِنْ الْأَجْر مِثْل لَوْ أَنَّهُ أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا . أَحْيَاهَا فَلَمْ يَقْتُلهَا وَعَفَا عَنْهَا . قَالَ : وَذَلِكَ وَلِيّ الْقَتِيل , وَالْقَتِيل نَفْسه يَعْفُو عَنْهُ قَبْل أَنْ يَمُوت . قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول ذَلِكَ . (9203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ) { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ عَفَا . (* - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : ) { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ قَتَلَ حَمِيم لَهُ فَعَفَا عَنْ دَمه . (* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : الْعَفْو بَعْد الْقُدْرَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } وَمَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9204 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق أَوْ هَلَكَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : مِنْ غَرَق أَوْ حَرْق أَوْ هَدْم . )9205 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ أَحْيَاهَا } قَالَ : أَنْجَاهَا . وَقَالَ الضَّحَّاك بِمَا : )9206 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي عَامِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : ( { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } قَالَ : مَنْ تَوَرَّعَ أَوْ لَمْ يَتَوَرَّع . )9207 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } يَقُول : لَوْ لَمْ يَقْتُلهُ لَكَانَ قَدْ أَحْيَا النَّاس , فَلَمْ يَسْتَحِلّ مُحَرَّمًا . وَقَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن فِي ذَلِكَ بِمَا : . )9208 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن : ( { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } قَالَ : عَظَّمَ ذَلِكَ . )9209 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } الْآيَة : مَنْ قَتَلَهَا عَلَى غَيْر نَفْس وَلَا فَسَاد أَفْسَدَتْهُ { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } عَظَّمَ وَاَللَّه أَجْرَهَا , وَعَظَّمَ وِزْرَهَا ! فَأَحْيِهَا يَا اِبْن آدَم بِمَالِك , وَأَحْيِهَا بِعَفْوِك إِنْ اِسْتَطَعْت , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . وَإِنَّا لَا نَعْلَمهُ يَحِلّ دَم رَجُل مُسْلِم مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقِبْلَة إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : رَجُل كَفَرَ بَعْد إِسْلَامه فَعَلَيْهِ الْقَتْل , أَوْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه فَعَلَيْهِ الرَّجْم , أَوْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَد . 9210 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : تَلَا قَتَادَة : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : عَظَّمَ وَاَللَّه أَجْرَهَا , وَعَظَّمَ وَاَللَّه وِزْرَهَا )! . 9211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سَلَّام بْن مِسْكِين , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن عَلِيّ الرَّبَعِيّ , قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ : ( { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس } الْآيَة , أَهِيَ لَنَا يَا أَبَا سَعِيد كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل ؟ فَقَالَ : إِي وَاَلَّذِي لَا إِلَه غَيْره , كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل ! وَمَا جَعَلَ دِمَاء بَنِي إِسْرَائِيل أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْ دِمَائِنَا . )9212 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : سَمِعْت خَالِدًا أَبَا الْفَضْل , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن تَلَا هَذِهِ الْآيَة : ( { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسه قَتْل أَخِيهِ } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } ثُمَّ قَالَ : عَظَّمَ وَاَللَّه فِي الْوِزْر كَمَا تَسْمَعُونَ , وَرَغَّبَ وَاَللَّه فِي الْأَجْر كَمَا تَسْمَعُونَ ! إِذَا ظَنَنْت يَا اِبْن آدَم أَنَّك لَوْ قَتَلْت النَّاس جَمِيعًا فَإِنَّ لَك مِنْ عَمَلك مَا تَفُوز بِهِ مِنْ النَّار , كَذَبَتْك وَاَللَّه نَفْسك , وَكَذَبَك الشَّيْطَان . )9213 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : وِزْرًا { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } قَالَ : أَجْرًا . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُؤْمِنَة بِغَيْرِ نَفْس قَتَلَتْهَا فَاسْتَحَقَّتْ الْقَوَد بِهَا وَالْقَتْل قِصَاصًا , أَوْ بِغَيْرِ فَسَاد فِي الْأَرْض , بِحَرْبِ اللَّه وَرَسُوله وَحَرْب الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا , فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا فِيمَا اِسْتَوْجَبَ مِنْ عَظِيم الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , كَمَا أَوْعَدَهُ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } فَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِهِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَنْ حَرَّمَ قَتْل مَنْ حَرَّمَ اللَّه عَزَّ ذِكْره قَتْله عَلَى نَفْسه , فَلَمْ يَتَقَدَّم عَلَى قَتْله , فَقَدْ حَيِيَ النَّاس مِنْهُ بِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ , وَذَلِكَ إِحْيَاؤُهُ إِيَّاهَا . وَذَلِكَ نَظِير خَبَر اللَّه عَزَّ ذِكْره عَمَّنْ حَاجَّ إِبْرَاهِيم فِي رَبّه , إِذْ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم : { رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت } فَكَانَ مَعْنَى الْكَافِر فِي قِيله : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت : أَنَا أَتْرُك مَنْ قَدَرْت عَلَى قَتْله ; وَفِي قَوْله : وَأُمِيت : قَتْله مَنْ قَتَلَهُ . فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاء فِي قَوْله : { وَمَنْ أَحْيَاهَا } مَنْ سَلِمَ النَّاس مِنْ قَتْله إِيَّاهُمْ , إِلَّا فِيمَا أَذِنَ اللَّه فِي قَتْله مِنْهُمْ { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة ; لِأَنَّهُ لَا نَفْس يَقُوم قَتْلهَا فِي عَاجِل الضُّرّ مَقَام قَتْل جَمِيع النُّفُوس , وَلَا إِحْيَاؤُهَا مَقَام إِحْيَاء جَمِيع النُّفُوس فِي عَاجِل النَّفْع , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاء : سَلَامَة جَمِيع النُّفُوس مِنْهُ ; لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّم عَلَى نَفْس وَاحِدَة , فَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ جَمِيع النُّفُوس , وَأَنَّ الْوَاحِدَة مِنْهَا الَّتِي يَقُوم قَتْلهَا مَقَام جَمِيعهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْوِزْر ; لِأَنَّهُ لَا نَفْس مِنْ نُفُوس بَنِي آدَم يَقُوم فَقْدهَا مَقَام فَقْد جَمِيعهَا وَإِنْ كَانَ فَقْد بَعْضهَا أَعَمّ ضَرَرًا مِنْ فَقْد بَعْض .|وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } </subtitle>وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِهِ , أَنَّ رُسُله صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ قَدْ أَتَتْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ وَذَكَرَ نَبَأَهُمْ فِي الْآيَات الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْم أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهمْ } إِلَى هَذَا الْمَوْضِع . { بِالْبَيِّنَاتِ } يَعْنِي : بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَة , وَالْحُجَج الْبَيِّنَة عَلَى حَقِّيَّة مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ وَصِحَّة مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان بِهِمْ وَأَدَاء فَرَائِض اللَّه عَلَيْهِمْ , يَقُول اللَّه عَزَّ ذِكْره : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ } يَعْنِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ } مِنْ ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ } بَعْد ذَلِكَ , يَعْنِي بَعْد مَجِيء رُسُل اللَّه بِالْبَيِّنَاتِ فِي الْأَرْض . { لَمُسْرِفُونَ } يَعْنِي : أَنَّهُمْ فِي الْأَرْض لَعَامِلُونَ بِمَعَاصِي اللَّه , وَمُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَمُحَادُّو اللَّه وَرُسُله , بِاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ وَخِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ; وَذَلِكَ كَانَ إِسْرَافهمْ فِي الْأَرْض .

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } </subtitle>وَهَذَا بَيَان مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَنْ حُكْم الْفَسَاد فِي الْأَرْض الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله : { مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الْأَرْض } أَعْلَمَ عِبَاده مَا الَّذِي يَسْتَحِقّ الْمُفْسِد فِي الْأَرْض مِنْ الْعُقُوبَة وَالنَّكَال , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَا جَزَاء لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْقَتْل وَالصَّلْب وَقَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف أَوْ النَّفْي مِنْ الْأَرْض , خِزْيًا لَهُمْ ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الدُّنْيَا فَعَذَاب عَظِيم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , كَانُوا أَهْل مُوَادَعَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , فَعَرَّفَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْم فِيهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9214 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : كَانَ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب بَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد وَمِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض ; فَخَيَّرَ اللَّه رَسُوله , إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُل وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف . )9215 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (كَانَ قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض ; فَخَيَّرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف )* - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9216 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَالَ : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ , فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيل ; وَلَيْسَتْ تُحْرِز هَذِهِ الْآيَة الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ الْحَدّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض أَوْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام فِيهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَ . )9217 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الشِّرْك . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ عُرَيْنَة وَعُكْل اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , وَحَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9218 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس : (أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْل وَعُرَيْنَة أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا أَهْل ضَرْع وَلَمْ نَكُنْ أَهْل رِيف وَإِنَّا اِسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَة . فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا . فَقَتَلُوا رَاعِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتَاقُوا الذَّوْد , وَكَفَرُوا بَعْد إِسْلَامهمْ . فَأُتِيَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ , وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّة حَتَّى مَاتُوا . فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا رَوْح , قَالَ : ثنا هِشَام بْن أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّة . 9219 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي يَقُول : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة , عَنْ عَبْد الْكَرِيم وَسُئِلَ عَنْ أَبْوَال الْإِبِل , فَقَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ الْمُحَارَبِينَ , فَقَالَ : (كَانَ نَاس أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : نُبَايِعك عَلَى الْإِسْلَام ! فَبَايَعُوهُ وَهُمْ كَذَبَة , وَلَيْسَ الْإِسْلَامَ يُرِيدُونَ . ثُمَّ قَالُوا : إِنَّا نَجْتَوِي الْمَدِينَة . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | هَذِهِ اللِّقَاح تَغْدُو عَلَيْكُمْ وَتَرُوح , فَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا | . قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الصَّرِيخ , فَصَرَخَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : قَتَلُوا الرَّاعِي , وَسَاقُوا النَّعَم ! فَأَمَرَ نَبِيّ اللَّه فَنُودِيَ فِي النَّاس , أَنْ : يَا خَيْل اللَّه اِرْكَبِي . قَالَ : فَرَكِبُوا لَا يَنْتَظِر فَارِس فَارِسًا . قَالَ : فَرَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَثَرهمْ , فَلَمْ يَزَالُوا يَطْلُبُونَهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنهمْ , فَرَجَعَ صَحَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَسَرُوا مِنْهُمْ , فَأَتَوْا بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ نَفْيهمْ أَنْ نَفَوْهُمْ , حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنهمْ وَأَرْضهمْ , وَنَفَوْهُمْ مِنْ أَرْض الْمُسْلِمِينَ , وَقَتَلَ نَبِيّ اللَّه مِنْهُمْ وَصَلَبَ وَقَطَعَ وَسَمَلَ الْأَعْيُن قَالَ : فَمَا مَثَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ . قَالَ : | نَهَى عَنْ الْمُثْلَة , وَقَالَ : وَلَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ | )قَالَ : فَكَانَ أَنَس بْن مَالِك يَقُول ذَلِكَ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : (أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ بَعْد مَا قَتَلَهُمْ . )قَالَ : وَبَعْضهمْ يَقُول : هُمْ نَاس مِنْ بَنِي سُلَيْم , وَمِنْهُمْ مِنْ عُرَيْنَة وَنَاس مِنْ بَجِيلَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 9220 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن هَنَّاد , عَنْ عَمْرو بْن هَاشِم , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْد , عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ جَرِير , قَالَ : (قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْم مِنْ عُرَيْنَة حُفَاة مَضْرُورِينَ , فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا صَحُّوا وَاشْتَدُّوا قَتَلُوا رِعَاء اللِّقَاح , ثُمَّ خَرَجُوا بِاللِّقَاحِ عَامِدِينَ بِهَا إِلَى أَرْض قَوْمهمْ . قَالَ جَرِير : فَبَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فِي نَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُمْ بَعْد مَا أَشْرَفُوا عَلَى بِلَاد قَوْمهمْ , فَقَدِمْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف , وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ , وَجَعَلُوا يَقُولُونَ : الْمَاء ! وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | النَّار | حَتَّى هَلَكُوا . قَالَ : وَكَرِهَ اللَّه سَمْل الْأَعْيُن , فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى آخِر الْآيَة )9221 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي الْأَسْوَد مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن سَالِم , وَسَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , وَابْن سَمْعَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (أَغَارَ نَاس مِنْ عُرَيْنَة عَلَى لِقَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَاقُوهَا وَقَتَلُوا غُلَامًا لَهُ فِيهَا , فَبَعَثَ فِي آثَارهمْ فَأُخِذُوا , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ . )9222 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ أَبِي الزِّنَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر - أَوْ عَمْرو , شَكَّ يُونُس - عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِذَلِكَ , وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَة الْمُحَارَبَة . )9223 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي قِلَابَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : (قَدِمَ ثَمَانِيَة نَفَر مِنْ عُكْل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَسْلَمُوا , ثُمَّ اِجْتَوَوْا الْمَدِينَة , فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِل الصَّدَقَة فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانهَا , فَفَعَلُوا , فَقَتَلُوا رُعَاتهَا , وَاسْتَاقُوا الْإِبِل . فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرهمْ قَافَة , فَأُتِيَ بِهِمْ , فَقَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ , وَتَرَكَهُمْ فَلَمْ يَحْسِمهُمْ حَتَّى مَاتُوا . )9224 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ثني سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : . (كَانُوا أَرْبَعَة نَفَر مِنْ عُرَيْنَة وَثَلَاثَة مِنْ عُكْل , فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمْ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ وَسَمَلَ أَعْيُنهمْ وَلَمْ يَحْسِمهُمْ , وَتَرَكَهُمْ يَتَلَقَّمُونَ الْحِجَارَة بِالْحَرَّةِ , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِي ذَلِكَ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة . )9225 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب أَنَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبَ إِلَى أَنَس يَسْأَلهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَس يُخْبِرهُ (أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفَر الْعُرَنِيِّينَ , وَهُمْ مِنْ بَجِيلَة , قَالَ أَنَس : فَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام , وَقَتَلُوا الرَّاعِي , وَاسْتَاقُوا الْإِبِل , وَأَخَافُوا السَّبِيل , وَأَصَابُوا الْفَرْج الْحَرَام . )9226 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي سُودَان عُرَيْنَة , قَالَ : أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِمْ الْمَاء الْأَصْفَر , فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا إِلَى إِبِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدَقَة , فَقَالَ : | اِشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا | . فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا , حَتَّى إِذَا صَحُّوا وَبَرَءُوا , قَتَلُوا الرُّعَاة وَاسْتَاقُوا الْإِبِل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرِفَة حُكْمه عَلَى مَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ )وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَصَص الَّتِي قَصَّهَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَبْل هَذِهِ الْآيَة وَبَعْدهَا مِنْ قَصَص بَنِي إِسْرَائِيل وَأَنْبَائِهِمْ , فَأَنْ يَكُون ذَلِكَ مُتَوَسِّطًا مِنْهُ يُعْرَف الْحُكْم فِيهِمْ وَفِي نُظَرَائِهِمْ أَوْلَى وَأَحَقّ . وَقُلْنَا : كَانَ نُزُول ذَلِكَ بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا , فَتَأْوِيلهَا : مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ سَعَى بِفَسَادٍ فِي الْأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعًا , وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا , وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ , ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْض لَمُسْرِفُونَ , يَقُول : لَسَاعُونَ فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ , وَقَاتِلُو النُّفُوس بِغَيْرِ نَفْس وَغَيْر سَعْي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ حَرْبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد , فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْحَال الَّتِي ذَكَرْت مِنْ حَال نَقْضِ كَافِر مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَهْده , وَمِنْ قَوْلك إِنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة حُكْم مِنْ اللَّه فِي أَهْل الْإِسْلَام دُون أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؟ قِيلَ : جَازَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ حُكْم مَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا مِنْ أَهْل ذِمَّتنَا وَمِلَّتنَا وَاحِد , وَاَلَّذِينَ عُنُوا بِالْآيَةِ كَانُوا أَهْل عَهْد وَذِمَّة , وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ ذِمِّيّ وَمِلِّيّ , وَلَيْسَ يَبْطُل بِدُخُولِ مَنْ دَخَلَ فِي حُكْم الْآيَة مِنْ النَّاس أَنْ يَكُون صَحِيحًا نُزُولهَا فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي نَسْخ حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُرَنِيِّينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ حُكْم مَنْسُوخ , نَسَخَهُ نَهْيه عَنْ الْمُثْلَة بِهَذِهِ الْآيَة , أَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } الْآيَة , وَقَالُوا : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة عِتَابًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ حُكْم ثَابِت فِي نُظَرَائِهِمْ أَبَدًا , لَمْ يُنْسَخ وَلَمْ يُبَدَّل . وَقَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , حُكْم مِنْ اللَّه فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا بِالْحِرَابَةِ . قَالُوا : وَالْعُرَنِيُّونَ اِرْتَدُّوا وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله , فَحُكْمهمْ غَيْر حُكْم الْمُحَارِب السَّاعِي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام وَالذِّمَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَسْمُل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُن الْعُرَنِيِّينَ , وَلَكِنَّهُ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَسْمُل , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرِّفهُ الْحُكْم فِيهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ سَمْل أَعْيُنهمْ . ذِكْر الْقَائِلِينَ مَا وَصَفْنَا : 9227 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ذَاكَرْت اللَّيْث بْن سَعْد (مَا كَانَ مِنْ سَمْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنهمْ وَتَرْكه حَسْمهمْ حَتَّى مَاتُوا , فَقَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَجْلَان يَقُول : أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاتَبَة فِي ذَلِكَ , وَعَلَّمَهُ عُقُوبَة مِثْلهمْ مِنْ الْقَطْع وَالْقَتْل وَالنَّفْي , وَلَمْ يَسْمُل بَعْدهمْ غَيْرهمْ . قَالَ : وَكَانَ هَذَا الْقَوْل ذُكِرَ لِأَبِي عَمْرو , فَأَنْكَرَ أَنْ تَكُون نَزَلَتْ مُعَاتَبَة , وَقَالَ : بَلَى كَانَتْ عُقُوبَة أُولَئِكَ النَّفَر بِأَعْيَانِهِمْ , ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي عُقُوبَة غَيْرهمْ مَنْ حَارَبَ بَعْدهمْ فَرُفِعَ عَنْهُمْ السَّمْل )9228 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأُتِيَ بِهِمْ - يَعْنِي الْعُرَنِيِّينَ - فَأَرَادَ أَنْ يَسْمُل أَعْيُنهمْ , فَنَهَاهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيم فِيهِمْ الْحُدُود كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَيْهِ )وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمُسْتَحِقّ اِسْم الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله الَّذِي يَلْزَمهُ حُكْم هَذِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9229 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } الْآيَة , قَالَا : هَذَا هُوَ اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق , فَهُوَ مُحَارِب . )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اللِّصّ الْمُجَاهِر بِلُصُوصِيَّتِهِ , الْمُكَابِر فِي الْمِصْر وَغَيْره . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ . 9230 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْعَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ , وَعَنْ مَالِك وَاللَّيْث بْن سَعْد وَابْن لَهِيعَة . 9231 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِمَالِك بْن أَنَس : (تَكُون مُحَارَبَة فِي الْمِصْر ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَالْمُحَارِب عِنْدنَا مَنْ حَمَلَ السِّلَاح عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْر أَوْ خَلَاء , فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى غَيْر نَائِرَة كَانَتْ بَيْنهمْ وَلَا ذَحْل وَلَا عَدَاوَة , قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ وَالطَّرِيق وَالدِّيَار , مُخِيفًا لَهُمْ بِسِلَاحِهِ , فَقَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ الْإِمَام كَقَتْلِهِ الْمُحَارَب لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول فِيهِ عَفْو وَلَا قَوَد . )9232 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ اللَّيْث بْن سَعْد وَابْن لَهِيعَة , قُلْت : (تَكُون الْمُحَارَبَة فِي دُور الْمِصْر وَالْمَدَائِن وَالْقُرَى ؟ فَقَالَا : نَعَمْ , إِذَا هُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ عَلَانِيَة , أَوْ لَيْلًا بِالنِّيرَانِ . قُلْت : فَقَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَال وَلَمْ يَقْتُلُوا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ هُمْ الْمُحَارِبُونَ , فَإِنْ قَتَلُوا قُتِلُوا , وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَأَخَذُوا الْمَال قُطِعُوا مِنْ خِلَاف إِذَا هُمْ خَرَجُوا بِهِ مِنْ الدَّار , لَيْسَ مَنْ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَلَاء وَالسَّبِيل بِأَعْظَم مِنْ مُحَارَبَة مَنْ حَارَبَهُمْ فِي حَرِيمهمْ وَدُورهمْ . )9233 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : (وَتَكُون الْمُحَارَبَة فِي الْمِصْر شُهِرَ عَلَى أَهْله بِسِلَاحِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا . قَالَ عَلِيّ : قَالَ الْوَلِيد : وَأَخْبَرَنِي مَالِك أَنَّ قَتْل الْغِيلَة عِنْده بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارَبَة . قُلْت : وَمَا قَتْل الْغِيلَة ؟ قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَخْدَع الرَّجُل وَالصَّبِيّ , فَيُدْخِلهُ بَيْتًا أَوْ يَخْلُو بِهِ فَيَقْتُلهُ وَيَأْخُذ مَاله , فَالْإِمَام وَلِيّ قَتْل هَذَا , وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّم وَالْجُرْح قَوَد وَلَا قِصَاص . )وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُحَارِب : هُوَ قَاطِع الطَّرِيق ; فَأَمَّا الْمُكَابِر فِي الْأَمْصَار فَلَيْسَ بِالْمُحَارِبِ الَّذِي لَهُ حُكْم الْمُحَارِبِينَ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه . 9234 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : (تَذَاكَرْنَا الْمُحَارِب وَنَحْنُ عِنْد اِبْن هُبَيْرَة فِي نَاس مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , فَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنَّ الْمُحَارِب مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْر . وَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : . )9235 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : الزِّنَا وَالسَّرِقَة , وَقَتْل النَّاس , وَإِهْلَاك الْحَرْث وَالنَّسْل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَ : الْفَسَاد : الْقَتْل , وَالزِّنَا , وَالسَّرِقَة . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله مَنْ حَارَبَ فِي سَابِلَة الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتهمْ , وَالْمُغِير عَلَيْهِمْ فِي أَمْصَارهمْ وَقُرَاهُمْ حِرَابَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْحُجَّة أَنَّ مَنْ نَصَبَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الظُّلْم مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَهُمْ مُحَارِب , وَلَا خِلَاف فِيهِ . فَاَلَّذِي وَصَفْنَا صِفَته , لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ مُنَاصِب حَرْبًا ظُلْمًا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ نَصْبه الْحَرْب لَهُمْ فِي مِصْرهمْ وَقُرَاهُمْ أَوْ فِي سُبُلهمْ وَطُرُقهمْ فِي أَنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَارِب بِحَرْبِهِ مَنْ نَهَاهُ اللَّه وَرَسُوله عَنْ حَرْبه .|وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } </subtitle>فَإِنَّهُ يَعْنِي : يَعْمَلُونَ فِي أَرْض اللَّه بِالْمَعَاصِي مِنْ إِخَافَة سُبُل عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَوْ سُبُل ذِمَّتهمْ وَقَطْع طُرُقهمْ , وَأَخْذ أَمْوَالهمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا , وَالتَّوَثُّب عَلَى حُرُمهمْ فُجُورًا وَفُسُوقًا .|أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لِلَّذِي حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا مِنْ أَهْل مِلَّة الْإِسْلَام أَوْ ذِمَّتهمْ إِلَّا بَعْض هَذِهِ الْخِلَال الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْخِلَال أَتَلْزَمُ الْمُحَارِب بِاسْتِحْقَاقِهِ اِسْم الْمُحَارَبَة , أَمْ يَلْزَمهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْر جُرْمه مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَجْرَامه ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : يَلْزَمهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْر جُرْمه , مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَجْرَامه ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي . عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : إِذَا حَارَبَ فَقَتَلَ , فَعَلَيْهِ الْقَتْل إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ , فَعَلَيْهِ الصَّلْب إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ وَلَمْ يَقْتُل , فَعَلَيْهِ قَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْل تَوْبَته . وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَاف السَّبِيل , فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّفْي . )9237 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : إِذَا خَرَجَ فَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال , قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف . وَإِذَا أَخَافَ السَّبِيل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال وَقَتَلَ , صُلِبَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم - فِيمَا أَرَى - فِي الرَّجُل يَخْرُج مُحَارِبًا , قَالَ : (إِنْ قَطَعَ الطَّرِيق وَأَخَذَ الْمَال قُطِعَتْ يَده وَرِجْله , وَإِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ قُتِلَ , وَإِنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ وَمَثَّلَ : صُلِبَ . )9238 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة . قَالَ : إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَأَخَافَ السَّبِيل صُلِبَ , وَإِذَا قَتَلَ لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُتِلَ , إِذَا أَخَذَ الْمَال لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُطِعَ , وَإِذَا كَانَ يُفْسِد نُفِيَ . )9239 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا الْحَمَّانِيّ , قَالَ ثنا شَرِيك , عَنْ سِمَاك , عَنْ الْحَسَن : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : إِذَا أَخَافَ الطَّرِيق وَلَمْ يَقْتُل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال نُفِيَ . )9240 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : (كَانَ يُقَال : مَنْ حَارَبَ فَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف . وَإِذَا أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ : صُلِبَ . )9241 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } حُدُود أَرْبَعَة أَنْزَلَهَا اللَّه . فَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّم وَالْمَال جَمِيعًا : صُلِبَ ; وَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّم وَكَفَّ عَنْ الْمَال : قُتِلَ ; وَمَنْ أَصَابَ الْمَال وَكَفَّ عَنْ الدَّم : قُطِعَ ; وَمَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا : نُفِيَ . )9242 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . قَالَ : (نَهَى اللَّه نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ أَنْ يَسْمُل أَعْيُن الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَى لِقَاحه , وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيم فِيهِمْ الْحُدُود كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَيْهِ . فَنَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل فَقَطَعَ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف , يَده الْيُمْنَى وَرِجْله الْيُسْرَى . وَنَظَرَ إِلَى مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا فَقَتَلَهُ . وَنَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَال وَقَتَلَ فَصَلَبَهُ . وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ أَخَافَ طَرِيق الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ أَنْ يُصْنَع بِهِ إِنْ أُخِذَ وَقَدْ أَخَذَ مَالًا قُطِعَتْ يَده بِأَخْذِهِ الْمَال رِجْله بِإِخَافَةِ الطَّرِيق , وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا قُتِلَ , وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ . )9243 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , قَالَ سَمِعْت السُّدِّيّ يَسْأَل عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , (عَنْ رَجُل مُحَارِب خَرَجَ , فَأَخَذَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا وَلَمْ يُهْرِق دَمًا . قَالَ : النَّفْي بِالسَّيْفِ ; وَإِنْ أَخَذَ مَالًا فَيَده بِالْمَالِ وَرِجْله بِمَا أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا : قُتِلَ ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ . وَأَكْبَر ظَنِّيّ أَنَّهُ قَالَ : تُقْطَع يَده وَرِجْله . )9244 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : هَذَا اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق , فَهُوَ مُحَارِب . فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا : صُلِبَ ; وَإِنْ قَتَلَ , وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا : قُتِلَ ; وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله ; وَإِنْ أُخِذَ قَبْل أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ : نُفِيَ . )9245 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (مَنْ خَرَجَ فِي الْإِسْلَام مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُوله فَقَتَلَ وَأَصَابَ مَالًا , فَإِنَّهُ يُقْتَل وَيُصْلَب ; وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا , فَإِنَّهُ يُقْتَل كَمَا قَتَلَ ; وَمَنْ أَصَابَ مَالًا وَلَمْ يُقْتَل , فَإِنَّهُ يُقْطَع مِنْ خِلَاف ; وَإِنْ أَخَافَ سَبِيل الْمُسْلِمِينَ نُفِيَ مِنْ بَلَده إِلَى غَيْره , لِقَوْلِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } . )9246 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : كَانَ نَاس يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَقَتَلُوا وَقَطَعُوا السَّبِيل , فَصُلِبَ أُولَئِكَ . وَكَانَ آخَرُونَ حَارَبُوا وَاسْتَحَلُّوا الْمَال وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ , فَقُطِعَتْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ . وَآخَرُونَ حَارَبُوا وَاعْتَزَلُوا وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ , فَأُولَئِكَ أُخْرِجُوا مِنْ الْأَرْض . )9247 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ مُوَرِّق الْعِجْلِيّ فِي الْمُحَارِب , قَالَ : (إِنْ كَانَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : صُلِبَ ; وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : قُتِلَ ; وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْمَال وَلَمْ يَقْتُل : قُطِعَ ; وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ : نُفِيَ . )9248 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (إِذَا خَرَجَ الْمُحَارِب وَأَخَافَ الطَّرِيق وَأَخَذَ الْمَال : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف ; فَإِنْ هُوَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال : قُطِعَتْ يَده وَرِجْله مِنْ خِلَاف ثُمَّ صُلِبَ ; وَإِنْ خَرَجَ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : قُتِلَ ; وَإِنْ أَخَافَ السَّبِيل وَلَمْ يَقْتُل وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال : نُفِيَ . )9249 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ ; وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } قَالَا : إِنْ أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ , فَاقْتَطَعَ الْمَال , وَلَمْ يَسْفِك : قُطِعَ ; وَإِذَا سَفَكَ دَمًا : قُتِلَ وَصُلِبَ ; وَإِنْ جَمَعَهُمَا فَاقْتَطَعَ مَالًا وَسَفَكَ دَمًا : قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ . كَأَنَّ الصَّلْب مُثْلَة , وَكَأَنَّ الْقَطْع { السَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } , وَكَأَنَّ الْقَتْل . النَّفْس بِالنَّفْسِ . وَإِنْ اِمْتَنَعَ فَإِنَّ مِنْ الْحَقّ عَلَى الْإِمَام وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ فَيُقِيمُوا عَلَيْهِ حُكْم كِتَاب اللَّه , أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض مِنْ أَرْض الْإِسْلَام إِلَى أَرْض الْكُفْر . )وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة لِقَوْلِهِمْ هَذَا , بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه أَوْجَبَ عَلَى الْقَاتِل الْقَوَد , وَعَلَى السَّارِق الْقَطْع ; وَقَالُوا : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث خِلَال : رَجُل قَتَلَ فَقُتِلَ , وَرَجُل زَنَى بَعْد إِحْصَان فَرُجِمَ , وَرَجُل كَفَرَ بَعْد إِسْلَامه | قَالُوا : فَحَظَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْل رَجُل مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَال الثَّلَاث , فَإِمَّا أَنْ يُقْتَل مِنْ أَجْل إِخَافَته السَّبِيل مِنْ غَيْر أَنْ يَقْتُل أَوْ يَأْخُذ مَالًا , فَذَلِكَ تَقَدُّم عَلَى اللَّه وَرَسُوله بِالْخِلَافِ عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْم . قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْل مَنْ قَالَ : الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ إِذَا قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيل وَأَخَذَ الْمَال ; فَهُنَالِكَ خِيَار الْإِمَام فِي قَوْلهمْ بَيْن الْقَتْل أَوْ الْقَتْل وَالصَّلْب , أَوْ قَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف . وَأَمَّا صَلْبه بِاسْمِ الْمُحَارَبَة مِنْ غَيْر أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ قَتْل أَوْ أَخْذ مَال , فَذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِم . وَقَالَ آخَرُونَ : الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَفْعَل أَيّ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي كِتَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9250 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ عَطَاء , وَعَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي الْمُحَارِب : (أَنَّ الْإِمَام مُخَيَّر فِيهِ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . )9251 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عُبَيْدَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : الْإِمَام مُخَيَّر فِي الْمُحَارِب , أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ : إِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ , وَإِنْ شَاءَ نَفَى , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ . 9252 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } إِلَى قَوْله : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يَأْخُذ الْإِمَام بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ . )* - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : الْإِمَام مُخَيَّر فِيهَا . )9253 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 9254 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ عَطَاء : (يَصْنَع الْإِمَام فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ : إِنْ شَاءَ قَتَلَ , أَوْ قَطَعَ , أَوْ نَفَى , لِقَوْلِ اللَّه : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض } فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَام الْحَاكِم يَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . )9255 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : مَنْ شَهَرَ السِّلَاح فِي فِئَة الْإِسْلَام , وَأَخَافَ السَّبِيل , ثُمَّ ظُفِرَ بِهِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ , فَإِمَام الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ , إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَده وَرِجْله . )9256 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَال , قَالَ : أَخْبَرَنَا قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحَارِب : (ذَلِكَ إِلَى الْإِمَام , إِذَا أَخَذَهُ يَصْنَع بِهِ مَا شَاءَ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي هِلَال , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ الْحَسَن فِي الْمُحَارِب , قَالَا : (ذَاكَ إِلَى الْإِمَام يَصْنَع بِهِ مَا شَاءَ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } قَالَ : ذَلِكَ إِلَى الْإِمَام . )وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَنْ قَالُوا : وَجَدْنَا الْعُطُوف الَّتِي بِأَوْ فِي الْقُرْآن بِمَعْنَى التَّخْيِير فِي كُلّ مَا أَوْجَبَ اللَّه بِهِ فَرْضًا مِنْهَا , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتهمْ أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } , وَكَقَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسه فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك } , وَكَقَوْلِهِ : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالُوا : فَإِذَا كَانَتْ الْعُطُوف الَّتِي بِأَوْ فِي الْقُرْآن فِي كُلّ مَا أَوْجَبَ اللَّه بِهِ فَرْضًا مِنْهَا فِي سَائِر الْقُرْآن بِمَعْنَى التَّخْيِير , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي آيَة الْمُحَارِبِينَ الْإِمَام مُخَيَّر فِيمَا رَأَى الْحُكْم بِهِ عَلَى الْمُحَارِب إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْل التَّوْبَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا تَأْوِيل مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِب مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه وَجَعَلَ الْحُكْم عَلَى الْمُحَارِبِينَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَفْعَالهمْ , فَأَوْجَبَ عَلَى مُخِيف السَّبِيل مِنْهُمْ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْل التَّوْبَة وَقَبْل أَخْذ مَال أَوْ قَتْل : النَّفْي مِنْ الْأَرْض ; وَ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ بَعْد أَخْذ الْمَال وَقَتْل النَّفْس الْمُحَرَّم قَتْلهَا : الصَّلْب ; لِمَا ذَكَرْت مِنْ الْعِلَّة قَبْل لِقَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة . فَأَمَّا مَا اِعْتَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ : إِنَّ الْإِمَام فِيهِ بِالْخِيَارِ مِنْ أَنَّ | أَوْ | فِي الْعَطْف تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِير فِي الْفَرْض , فَنَقُول : لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ | أَوْ | فِي كَلَام الْعَرَب قَدْ تَأْتِي بِضُرُوبٍ مِنْ الْمَعَانِي لَوْلَا كَرَاهَة إِطَالَة الْكِتَاب بِذِكْرِهَا لَذَكَرْتهَا , وَقَدْ بَيَّنْت كَثِيرًا مِنْ مَعَانِيهَا فِيمَا مَضَى وَسَنَأْتِي عَلَى بَاقِيهَا فِيمَا يُسْتَقْبَل فِي أَمَاكِنهَا إِنْ شَاءَ اللَّه . فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِع فَإِنَّ مَعْنَاهَا : التَّعْقِيب , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : إِنَّ جَزَاء الْمُؤْمِنِينَ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة , أَوْ يَرْفَع مَنَازِلهمْ فِي عِلِّيِّينَ , أَوْ يُسْكِنهُمْ مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ . فَمَعْلُوم أَنَّ قَائِل ذَلِكَ غَيْر قَاصِد بِقِيلِهِ إِلَى أَنَّ جَزَاء كُلّ مُؤْمِن آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَهُوَ فِي مَرْتَبَة وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِب وَمَنْزِلَة وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِل بِإِيمَانِهِ , بَلْ الْمَعْقُول عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ جَزَاء الْمُؤْمِن لَمْ يَخْلُو عِنْد اللَّه مِنْ بَعْض هَذِهِ الْمَنَازِل , فَالْمُقْتَصِد مَنْزِلَته دُون مَنْزِلَة السَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ أَعْلَى مِنْهُ مَنْزِلَة , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ دُونهمَا , وَكُلٌّ فِي الْجَنَّة كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْعُطُوف بِأَوْ فِي قَوْله : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , إِنَّمَا هُوَ التَّعْقِيب . فَتَأْوِيله : إِنَّ الَّذِي يُحَارِب اللَّه وَرَسُوله , وَيَسْعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , لَنْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَسْتَحِقّ الْجَزَاء بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه عَزَّ ذِكْره , لَا أَنَّ الْإِمَام مُحَكَّم فِيهِ , وَمُخَيَّر فِي أَمْره كَائِنَة مَا كَانَتْ حَالَته , عَظُمَتْ جَرِيرَته أَوْ خَفَّتْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لِلْإِمَامِ قَتْل مَنْ شَهَرَ السِّلَاح مُخِيفًا السَّبِيل وَصَلْبه , وَإِنْ لَمْ يَأْخُذ مَالًا وَلَا قَتَلَ أَحَدًا , وَكَانَ لَهُ نَفْي مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَأَخَافَ السَّبِيل . وَذَلِكَ قَوْل إِنْ قَالَهُ قَائِل خِلَاف مَا صَحَّتْ بِهِ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : | لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث : رَجُل قَتَلَ رَجُلًا فَقُتِلَ , أَوْ زَنَى بَعْد إِحْصَان فَرُجِمَ , أَوْ اِرْتَدَّ عَنْ دِينه | وَخِلَاف قَ

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ شِرْكهمْ وَمُنَاصَبَتهمْ الْحَرْب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَالسَّعْي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ بِالْإِسْلَامِ , وَالدُّخُول فِي الْإِيمَان مِنْ قَبْل قُدْرَة الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , فَإِنَّهُ لَا سَبِيل لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَات الَّتِي حَمَلَهَا اللَّه جَزَاء لِمَنْ حَارَبَهُ وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , مِنْ قَتْل , أَوْ صَلْب , أَوْ قَطْع يَد وَرِجْل مِنْ خِلَاف , أَوْ نَفْي مِنْ الْأَرْض , فَلَا تِبَاعَة قِبَله لِأَحَدٍ فِيمَا كَانَ أَصَابَ فِي حَال كُفْره وَحَرْبه الْمُؤْمِنِينَ فِي مَال وَلَا دَم وَلَا حُرْمَة قَالُوا : فَأَمَّا الْمُسْلِم إِذَا حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُعَاهَدِينَ وَأَتَى بَعْض مَا يَجِب عَلَيْهِ الْعُقُوبَة , فَلَنْ تَضَع تَوْبَتُهُ عَنْهُ عُقُوبَة ذَنْبه , بَلْ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَعَلَى الْإِمَام إِقَامَة الْحَدّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ وَأَخْذه بِحُقُوقِ النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9272 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض } إِلَى قَوْله : { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ , فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيل , وَلَيْسَ تُحْرِز هَذِهِ الْآيَة الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ الْحَدّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض أَوْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , ذَلِكَ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَ . )9273 - حَدَّثَنَا بَشَّار , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا شِبْل , أَنَّ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْك إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا فِي شِرْكهمْ , فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم إِذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا . )9274 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي , نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } بِالزِّنَا , وَالسَّرِقَة وَقَتْل النَّفْس , وَإِهْلَاك الْحَرْث وَالنَّسْل { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } عَلَى عَهْد الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )9275 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : (كَانَ قَوْم بَيْنهمْ وَبَيْن الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيثَاق , فَنَقَضُوا الْعَهْد وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , فَخَيَّرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ , وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف , فَمَنْ تَابَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْهُ )9276 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْو قَوْل الضَّحَّاك , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَام قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُؤَاخَذ بِمَا سَلَفَ . )9277 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } قَالَ : هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْك إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي شِرْكهمْ ثُمَّ تَابُوا وَأَسْلَمُوا , فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم . )9278 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة , أَمَّا قَوْله : ( { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } فَهَذِهِ لِأَهْلِ الشِّرْك , فَمَنْ أَصَابَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ لَهُمْ حَرْب , فَأَخَذَ مَالًا أَوْ أَصَابَ دَمًا ثُمَّ تَابَ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ , أَهْدَرَ عَنْهُ مَا مَضَى . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ الْآيَة مَعْنِيّ بِالْحُكْمِ بِهَا الْمُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله الْحُرَّاب مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ الطَّرِيق وَهُوَ مُقِيم عَلَى إِسْلَامه , ثُمَّ اِسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ عَلَى جِنَايَاته الَّتِي جَنَاهَا وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْب . وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَام ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب , ثُمَّ اِسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ ; قَالُوا : فَإِذَا أَمَّنَهُ الْإِمَام عَلَى جِنَايَاته الَّتِي سَلَفَتْ لَمْ يَكُنْ قِبَله لِأَحَدٍ تَبَعَة فِي دَم وَلَا مَال أَصَابَهُ قَبْل تَوْبَته وَقَبْل أَمَان الْإِمَام إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9279 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَة عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ : (أَنَّ حَارِثَة بْن بَدْر خَرَجَ مُحَارِبًا , فَأَخَافَ السَّبِيل , وَسَفَكَ الدَّم , وَأَخَذَ الْأَمْوَال , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , فَقَبِلَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام تَوْبَته , وَجَعَلَ لَهُ أَمَانًا مَنْشُورًا عَلَى مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَم أَوْ مَال . )9280 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّ حَارِثَة بْن بَدْر حَارَبَ فِي عَهْد عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَأَتَى الْحَسَن بْن عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمَا , فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِنَ لَهُ مِنْ عَلِيّ , فَأَبَى . ثُمَّ أَتَى اِبْن جَعْفَر , فَأَبَى عَلَيْهِ . فَأَتَى سَعِيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَأَمَّنَهُ , وَضَمَّهُ إِلَيْهِ , وَقَالَ لَهُ : اِسْتَأْمَنَ إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ! قَالَ : فَلَمَّا صَلَّى عَلِيّ الْغَدَاة , أَتَاهُ سَعِيد بْن قَيْس , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله ؟ قَالَ : أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ . قَالَ سَعِيد : وَإِنْ كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر ! قَالَ : فَهَذَا حَارِثَة بْن بَدْر قَدْ جَاءَ تَائِبًا فَهُوَ آمِن ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَجَاءَ بِهِ فَبَايَعَهُ , وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ , وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا . )9281 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء , عَنْ مُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (كَانَ حَارِثَة بْن بَدْر قَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض وَحَارَبَ ثُمَّ تَابَ , وَكَلَّمَ لَهُ عَلِيّ فَلَمْ يُؤَمِّنهُ . فَأَتَى سَعِيد بْن قَيْس فَكَلَّمَهُ , فَانْطَلَقَ سَعِيد بْن قَيْس إِلَى عَلِيّ , فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , مَا تَقُول فِيمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله ؟ فَقَرَأَ الْآيَة كُلّهَا , فَقَالَ : أَرَأَيْت مَنْ تَابَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِر عَلَيْهِ ؟ قَالَ : أَقُول كَمَا قَالَ اللَّه . قَالَ : فَإِنَّهُ حَارِثَة بْن بَدْر . قَالَ : فَأَمَّنَهُ عَلِيّ ), فَقَالَ حَارِثَة : <br>أَلَا أَبْلِغَن هَمَدَان إِمَّا لَقِيتهَا .......... عَلَى النَّأْي لَا يَسْلَم عَدُوّ يَعِيبهَا <br><br>لَعَمْر أَبِيهَا إِنَّ هَمْدَان تَتَّقِي الْ .......... إِلَه وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبهَا <br>9282 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } وَتَوْبَته مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُب إِلَى الْإِمَام يَسْتَأْمِنهُ عَلَى مَا قَتَلَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْض : فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنِّي عَلَى ذَلِكَ اِزْدَدْت فَسَادًا وَقَتْلًا وَأَخْذًا لِلْأَمْوَالِ أَكْثَر مِمَّا فَعَلْت ذَلِكَ قَبْل . فَعَلَى الْإِمَام مِنْ الْحَقّ أَنْ يُؤَمِّنهُ عَلَى ذَلِكَ , فَإِذَا أَمَّنَهُ الْإِمَام جَاءَ حَتَّى يَضَع يَده فِي يَد الْإِمَام . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاس أَنْ يَتَّبِعهُ وَلَا يَأْخُذهُ بِدَمٍ سَفَكَهُ وَلَا مَال أَخَذَهُ , وَكُلّ مَال كَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ , لِكَيْلَا يَقْتُل الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَيُفْسِدهُ . فَإِذَا رَجَعَ إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فَهُوَ وَلِيّه يَأْخُذهُ بِمَا صَنَعَ . وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن الْإِمَام وَالنَّاس , فَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَام وَقَدْ تَابَ فِيمَا يَزْعُم إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْل أَنْ يُؤَمِّنهُ الْإِمَام فَلْيُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدّ . 9283 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , أَخْبَرَنِي مَكْحُول , أَنَّهُ قَالَ : )إِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَام أَمَانًا , فَهُوَ آمِن وَلَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ مَا كَانَ أَصَابَ . (وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُلّ مَنْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ الْحُرَّاب قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , اِسْتَأْمَنَ الْإِمَام فَأَمَّنَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْمِنهُ بَعْد أَنْ يَجِيء مُسْتَسْلِمًا تَارِكًا لِلْحَرْبِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9284 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ عَامِر , قَالَ : )جَاءَ رَجُل مِنْ مُرَاد إِلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ عَلَى الْكُوفَة فِي إِمْرَة عُثْمَان بَعْد مَا صَلَّى الْمَكْتُوبَة , فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى هَذَا مَقَام الْعَائِذ بِك , أَنَا فُلَان اِبْن فُلَان الْمُرَادِيّ , كُنْت حَارَبْت اللَّه وَرَسُوله وَسَعَيْت فِي الْأَرْض , وَإِنِّي تُبْت مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيَّ . فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ : هَذَا فُلَان اِبْن فُلَان , وَإِنَّهُ كَانَ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , وَإِنَّهُ تَابَ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , فَمَنْ لَقِيَهُ فَلَا يَعْرِض لَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ . فَأَقَامَ الرَّجُل مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ , فَأَدْرَكَهُ اللَّه بِذُنُوبِهِ فَقَتَلَهُ . (* - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل السُّدِّيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى أَبِي مُوسَى , فَذَكَرَ نَحْوه . 9285 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قُلْت لِمَالِك : . )أَرَأَيْت هَذَا الْمُحَارِب الَّذِي قَدْ أَخَافَ السَّبِيل وَأَصَابَ الدَّم وَالْمَال , فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب أَوْ تَمَنَّعَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُقْبَل تَوْبَته . قَالَ : قُلْت : فَلَا يُتْبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه ؟ قَالَ : لَا , إِلَّا أَنْ يُوجَد مَعَهُ مَال بِعَيْنِهِ فَيُرَدّ إِلَى صَاحِبه , أَوْ يَطْلُبهُ وَلِيّ مَنْ قُتِلَ بِدَمٍ فِي حَرْبه يَثْبُت بِبَيِّنَةٍ أَوْ اِعْتِرَاف فَيُقَاد بِهِ ; وَأَمَّا الدِّمَاء الَّتِي أَصَابَهَا وَلَمْ يَطْلُبهَا أَوْلِيَاؤُهَا فَلَا يَتَّبِعهُ الْإِمَام بِشَيْءٍ . قَالَ عَلِيّ : قَالَ الْوَلِيد : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي عَمْرو , فَقَالَ : تُقْبَل تَوْبَته إِذَا كَانَ مُحَارِبًا لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّة قَدْ آذَاهُمْ بِحَرْبِهِ فَشَهَرَ سِلَاحه وَأَصَابَ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال , فَكَانَتْ لَهُ مَنَعَة أَوْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهِمْ , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْهُ . (9286 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : سَمِعْت اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ يَقُول ذَلِكَ . 9287 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : فَذَكَرْت قَوْل أَبِي عَمْرو وَمَالِك لِلَّيْثِ بْن سَعْد فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة , فَقَالَ : )إِذَا أَعْلَنَ بِالْمُحَارَبَةِ لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّة وَأَصَابَ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال , فَامْتَنَعَ بِمُحَارَبَتِهِ مِنْ الْحُكُومَة عَلَيْهِ , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه فِي حَرْبه مِنْ دَم خَاصَّة وَلَا عَامَّة وَإِنْ طَلَبه وَلِيُّهُ . (9288 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ اللَّيْث : وَكَذَلِكَ ثني مُوسَى بْن إِسْحَاق الْمَدَنِيّ , وَهُوَ الْأَمِير عِنْدنَا : )أَنَّ عَلِيًّا الْأَسَدِيّ حَارَبَ وَأَخَافَ السَّبِيل وَأَصَابَ الدَّم وَالْمَال , فَطَلَبَتْهُ الْأَئِمَّة وَالْعَامَّة , فَامْتَنَعَ وَلَمْ يُقْدَر عَلَيْهِ , حَتَّى جَاءَ تَائِبًا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } الْآيَة , فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا عَبْد اللَّه , أَعِدْ قِرَاءَتهَا فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ . فَغَمَدَ سَيْفه , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَة مِنْ السَّحَر , فَاغْتَسَلَ , ثُمَّ أَتَى مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى الصُّبْح , ثُمَّ قَعَدَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فِي غِمَار أَصْحَابه ; فَلَمَّا أَسْفَرَ عَرَفَهُ النَّاس وَقَامُوا إِلَيْهِ , فَقَالَ : لَا سَبِيل لَكُمْ عَلَيَّ , جِئْت تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيَّ ! فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : صَدَقَ . وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَبُو هُرَيْرَة حَتَّى أَتَى مَرْوَان بْن الْحَكَم فِي إِمْرَته عَلَى الْمَدِينَة فِي زَمَن مُعَاوِيَة , فَقَالَ : هَذَا عَلِيّ , جَاءَ تَائِبًا وَلَا سَبِيل لَكُمْ عَلَيْهِ وَلَا قَتْل . قَالَ : فَتُرِكَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه . قَالَ : وَخَرَجَ عَلِيّ تَائِبًا مُجَاهِدًا فِي سَبِيل اللَّه فِي الْبَحْر , فَلَقُوا الرُّوم , فَقَرَّبُوا سَفِينَته إِلَى سَفِينَة مِنْ سُفُنهمْ , فَاقْتَحَمَ عَلَى الرُّوم فِي سَفِينَتهمْ , فَهُزِمُوا مِنْهُ إِلَى سَفِينَتهمْ الْأُخْرَى , فَمَالَتْ بِهِمْ وَبِهِ فَغَرِقُوا جَمِيعًا . (9289 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن مَعْقِل , قَالَ : )سَمِعْت عَطَاء قَالَ فِي رَجُل سَرَقَ سَرِقَة فَجَاءَ بِهَا تَائِبًا مِنْ غَيْر أَنْ يُؤْخَذ : فَهَلْ عَلَيْهِ حَدّ ؟ قَالَ : لَا , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } الْآيَة . (9290 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : ثني أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَا : )إِنْ جَاءَ تَائِبًا لَمْ يَقْتَطِع مَالًا وَلَمْ يَسْفِك دَمًا تُرِكَ , فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُ لَمْ يَسْفِك دَمًا وَلَمْ يَقْتَطِع مَالًا . (وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ التَّائِب مِنْ حَرْبه اللَّه وَرَسُوله وَالسَّعْي فِي الْأَرْض فَسَادًا , بَعْد لَحَاقه فِي حَرْبه بِدَارِ الْكُفْر ; فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه وَهُوَ مُقِيم فِي دَار الْإِسْلَام وَدَاخِل فِي غِمَار الْأُمَّة , فَلَيْسَتْ تَوْبَته وَاضِعَة عَنْهُ شَيْئًا مِنْ حُدُود اللَّه وَلَا مِنْ حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ , بَلْ يُؤْخَذ بِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9291 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيل , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة : )أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عُرْوَة عَمَّنْ تَلَصَّص فِي الْإِسْلَام فَأَصَابَ حُدُودًا ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , فَقَالَ : لَا تُقْبَل تَوْبَته , لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ اِجْتَرَءُوا عَلَيْهِ وَكَانَ فَسَادًا كَبِيرًا , وَلَكِنْ لَوْ فَرَّ إِلَى الْعَدُوّ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا , لَمْ أَرَ عَلَيْهِ عُقُوبَة . (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَة خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 9292 - حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة قَالَ : )يُقَام عَلَيْهِ حَدّ مَا فَرَّ مِنْهُ , وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَان - يَعْنِي : الَّذِي يُصِيب حَدًّا - ثُمَّ يَفِرّ فَيَلْحَق الْكُفَّار , ثُمَّ يَجِيء تَائِبًا . (وَقَالَ آخَرُونَ : إِنْ كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه فِي دَار الْإِسْلَام , وَهُوَ فِي غَيْر مَنَعَة مِنْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , فَإِنَّ تَوْبَته لَا تَضَع عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الْعُقُوبَة وَلَا مِنْ حُقُوق النَّاس . وَإِنْ كَانَتْ حِرَابَته وَحَرْبه فِي دَار الْإِسْلَام أَوْ هُوَ لَاحِق بِدَارِ الْكُفْر , غَيْر أَنَّهُ فِي كُلّ ذَلِكَ كَانَ يَلْجَأ إِلَى فِئَة تَمْنَع مَنْ أَرَادَهُ مِنْ سُلْطَان الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , فَإِنَّ تَوْبَته تَضَع عَنْهُ كُلّ مَا كَانَ مِنْ إِحْدَاثه فِي أَيَّام حِرَابَته تِلْكَ , إِلَّا أَنْ يَكُون أَصَابَ حَدًّا أَوْ أَمَرَ الرُّفْقَة بِمَا فِيهِ عُقُوبَة أَوْ غُرْم لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَد , وَهُوَ غَيْر مُلْتَجِئ إِلَى فِئَة تَمْنَعهُ , فَإِنَّهُ يُؤْخَذ بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ , وَلَا يَضَع ذَلِكَ عَنْهُ تَوْبَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9293 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو : )إِذَا قَطَعَ الطَّرِيق لِصّ أَوْ جَمَاعَة مِنْ اللُّصُوص , فَأَصَابُوا مَا أَصَابُوا مِنْ الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَة يَلْجَئُونَ إِلَيْهَا وَلَا مَنَعَة وَلَا يَأْمَنُونَ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي غِمَار أُمَّتهمْ وَسَوَاد عَامَّتهمْ , ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , لَمْ تُقْبَل تَوْبَته وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّه مَا كَانَ . (9294 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : ذَكَرْت لِأَبِي عَمْرو قَوْل عُرْوَة : يُقَام عَلَيْهِ حَدّ مَا فَرَّ مِنْهُ , وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَان . فَقَالَ أَبُو عَمْرو : إِنْ فَرَّ مِنْ حَدَثه فِي دَار الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُ إِمَام أَمَانًا , لَمْ يَجُزْ أَمَانه . وَإِنْ هُوَ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب , ثُمَّ سَأَلَ إِمَامًا عَلَى أَحْدَاثه , لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيه أَمَانًا , وَإِنْ أَعْطَاهُ الْإِمَام أَمَانًا وَهُوَ غَيْر عَالِم بِأَحْدَاثِهِ , فَهُوَ آمِنٌ , وَإِنْ جَاءَ أَحَد يَطْلُبهُ بِدَمٍ أَوْ مَال , رُدَّ إِلَى مَأْمَنه , فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِع فَهُوَ آمِن , وَلَا يُتَعَرَّض لَهُ . قَالَ : وَإِنْ أَعْطَاهُ أَمَانًا عَلَى أَحْدَاثه وَهُوَ يَعْرِفهَا , فَالْإِمَام ضَامِن وَاجِب عَلَيْهِ عَقْل مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَم أَوْ مَال , وَكَانَ فِيمَا عَطَّلَ مِنْ تِلْكَ الْحُدُود وَالدِّمَاء آثِمًا , وَأَمْره إِلَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ . قَالَ : وَقَالَ أَبُو عَمْرو : فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ مَنَعَة أَوْ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا , أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْب فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام , أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ , قُبِلَتْ تَوْبَته , وَلَمْ يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه الَّتِي أَصَابَهَا فِي حَرْبه , إِلَّا أَنْ يُوجَد مَعَهُ شَيْء قَائِم بِعَيْنِهِ فَيُرَدّ إِلَى صَاحِبه . )9295 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن لَهِيعَة , عَنْ رَبِيعَة , قَالَ : تُقْبَل تَوْبَته , وَلَا يُتَّبَع بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثه فِي حَرْبه إِلَّا أَنْ يَطْلُبهُ أَحَد بِدَمٍ كَانَ أَصَابَهُ فِي سِلْمه قَبْل حَرْبه فَإِنَّهُ يُقَاد بِهِ . (9296 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مَعْمَر الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة , قَالَ : )قَاتَلَ اللَّه الْحَجَّاج ! إِنْ كَانَ لَيَفْقَه ! أَمَّنَ رَجُلًا مِنْ مُحَارَبَته , فَقَالَ : اُنْظُرُوا هَلْ أَصَابَ شَيْئًا قَبْل خُرُوجه ؟ . (وَقَالَ آخَرُونَ تَضَع تَوْبَته عَنْهُ حَدّ اللَّه الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِمُحَارَبَتِهِ , وَلَا يَسْقُط عَنْهُ حُقُوق بَنِي آدَم . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ , حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : تَوْبَة الْمُحَارِب الْمُمْتَنِع بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مَعَهُ قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , تَضَع عَنْهُ تَبِعَات الدُّنْيَا الَّتِي كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي أَيَّام حَرْبه وَحِرَابَته مِنْ حُدُود اللَّه , وَغُرْم لَازِم وَقَوَد وَقِصَاص , إِلَّا مَا كَانَ قَائِمًا فِي يَده مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ بِعَيْنِهِ , فَيُرَدّ عَلَى أَهْله ; لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم الْجَمَاعَة الْمُمْتَنِعَة الْمُحَارِبَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِيَة فِي الْأَرْض فَسَادًا عَلَى وَجْه الرِّدَّة عَنْ الْإِسْلَام , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ مُمْتَنِع سَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا , جَمَاعَة كَانُوا أَوْ وَاحِدًا , فَأَمَّا الْمُسْتَخْفِي بِسَرِقَتِهِ وَالْمُتَلَصِّص عَلَى وَجْه إِغْفَال مَنْ سَرَقَهُ , وَالشَّاهِر السِّلَاح فِي خَلَاء عَلَى بَعْض السَّابِلَة , وَهُوَ عِنْد الطَّلَب غَيْر قَادِر عَلَى الِامْتِنَاع , فَإِنَّ حُكْم اللَّه عَلَيْهِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ مَاضٍ , وَبِحُقُوقِ مَنْ أَخَذَ مَاله أَوْ أَصَابَ وَلِيّه بِدَمٍ أَوْ خَتْل مَأْخُوذ , وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه ; قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلْم ثُمَّ صَارَ لَهُمْ حَرْبًا , أَنَّ حَرْبه إِيَّاهُمْ لَنْ يَضَع عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلَا لِآدَمِيٍّ , فَكَذَلِكَ حُكْمه إِذَا أَصَابَ ذَلِكَ فِي خَلَاء أَوْ بِاسْتِخْفَاءٍ وَهُوَ غَيْر مُمْتَنِع مِنْ السُّلْطَان بِنَفْسِهِ إِنْ أَرَادَهُ , وَلَا لَهُ فِئَة يَلْجَأ إِلَيْهَا مَانِعَة مِنْهُ . وَفِي قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } دَلِيل وَاضِح لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ , أَنَّ الْحُكْم الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْمُحَارِبِينَ يَجْرِي فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ دُون الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ نَصَبُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبًا . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حُكْمًا فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُون الْمُسْلِمِينَ وَدُون ذِمَّتهمْ لَوَجَبَ أَوْ لَا يَسْقُط إِسْلَامهمْ عَنْهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا أَوْ تَابُوا بَعْد قُدْرَتنَا عَلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْل إِسْلَامهمْ وَتَوْبَتهمْ مِنْ الْقَتْل وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَفِي إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ أَنَّ إِسْلَام الْمُشْرِك الْحَرْبِيّ يَضَع عَنْهُ بَعْد قُدْرَة الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَا كَانَ وَاضِعه عَنْهُ إِسْلَامه قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ , مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَنْ قَالَ : عَنَى بِآيَةِ الْمُحَارِبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : حُرَّاب أَهْل الْإِسْلَام أَوْ الذِّمَّة دُون مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ مُشْرِكِي أَهْل الْحَرْب .|فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ|وَأَمَّا قَوْله : { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّه غَيْر مُؤَاخِذ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْل الْحَرْب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَغَيْرهمْ بِذُنُوبِهِ , وَلَكِنَّهُ يَعْفُو عَنْهُ فَيَسْتُرهَا عَلَيْهِ وَلَا يَفْضَحهُ بِهَا بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , رَحِيم بِهِ فِي عَفْوه عَنْهُ وَتَرْكه عُقُوبَته عَلَيْهَا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَخْبَرَهُمْ وَوَعَدَهُمْ مِنْ الثَّوَاب , وَأَوْعَدَ مِنْ الْعِقَاب { اِتَّقُوا اللَّه } يَقُول : أَجِيبُوا اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ , وَحَقِّقُوا إِيمَانكُمْ وَتَصْدِيقكُمْ رَبّكُمْ وَنَبِيّكُمْ بِالصَّالِحِ مِنْ أَعْمَالكُمْ .|اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ|يَقُول : وَاطْلُبُوا الْقُرْبَة إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيه . وَالْوَسِيلَة : هِيَ الْفِعْلِيَّة مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَوَسَّلْت إِلَى فُلَان بِكَذَا , بِمَعْنَى : تَقَرَّبْت إِلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : <br>إِنَّ الرِّجَال لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَة .......... إِنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي <br>يَعْنِي بِالْوَسِيلَةِ : الْقُرْبَة . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : <br>إِذَا غَفَلَ الْوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا .......... وَعَادَ التَّصَافِي بَيْننَا وَالْوَسَائِل <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9297 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان ( ح ) , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة فِي الْأَعْمَال . 9298 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع ( ح ) , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ طَلْحَة , عَنْ عَطَاء : ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة ). 9299 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : . ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : هِيَ الْمَسْأَلَة وَالْقُرْبَة ). 9300 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } أَيْ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يُرْضِيه ). 9301 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } الْقُرْبَة إِلَى اللَّه ). 9302 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرْبَة ). 9303 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْقُرَب ). 9304 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله . ( { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة } قَالَ : الْمَحَبَّة , تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّه . وَقَرَأَ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة } ).|الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاهِدُوا فِي سَبِيله } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : وَجَاهِدُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ فِي سَبِيلِي , يَعْنِي : فِي دِينه وَشَرِيعَته الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ , وَهِيَ الْإِسْلَام , يَقُول : أَتْعِبُوا أَنْفُسكُمْ فِي قِتَالهمْ وَحَمْلهمْ عَلَى الدُّخُول فِي الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة .|سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ|يَقُول : كَيْمَا تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْبَقَاء الدَّائِم , وَالْخُلُود فِي جَنَّاته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْفَلَاح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } </subtitle>يَقُول عَزَّ ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رُبُوبِيَّة رَبّهمْ وَعَبَدُوا غَيْره مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْل وَمِنْ غَيْرهمْ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَهَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ قَبْل التَّوْبَة . لَوْ أَنَّ لَهُمْ مُلْك مَا فِي الْأَرْض كُلّهَا وَضَعْفه مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عِقَاب اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى تَرْكهمْ أَمْره وَعِبَادَتهمْ غَيْره يَوْم الْقِيَامَة , فَافْتَدَوْا بِذَلِكَ كُلّه مَا تَقَبَّلَ اللَّه مِنْهُمْ ذَلِكَ فِدَاء وَعِوَضًا مِنْ عَذَابهمْ وَعِقَابهمْ , بَلْ هُوَ مُعَذِّبهمْ فِي حَمِيم يَوْم الْقِيَامَة عَذَابًا مُوجِعًا لَهُمْ . وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر الْمُشْرِكِينَ بِهِ سَوَاء عِنْده فِيمَا لَهُمْ مِنْ الْعَذَاب الْأَلِيم وَالْعِقَاب الْعَظِيم , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } وَاغْتِرَارًا بِاَللَّهِ وَكَذِبًا عَلَيْهِ . فَكَذَّبَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِهَذِهِ الْآيَة وَبِالَّتِي بَعْدهَا , وَحَسَمَ طَمَعهمْ , فَقَالَ لَهُمْ وَلِجَمِيعِ الْكَفَرَة بِهِ وَبِرَسُولِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم } يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَا تَطْمَعُوا أَيّهَا الْكَفَرَة فِي قَبُول الْفِدْيَة مِنْكُمْ وَلَا فِي خُرُوجكُمْ مِنْ النَّار بِوَسَائِل آبَائِكُمْ عِنْدِي بَعْد دُخُولكُمُوهَا إِنْ أَنْتُمْ مُتُّمْ عَلَى كُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ , وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَى اللَّه تَوْبَة نَصُوحًا .

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } </subtitle>يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار } يُرِيد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار بَعْد دُخُولهَا ,|وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ|يَقُول : لَهُمْ عَذَاب دَائِم ثَابِت لَا يَزُول عَنْهُمْ وَلَا يَنْتَقِل أَبَدًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَإِنَّ لَكُمْ بِيَوْمِ الشِّعْب مِنِّي .......... عَذَابًا دَائِمًا لَكُمْ مُقِيمَا <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 9305 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّ نَافِع بْن الْأَزْرَق قَالَ لِابْنِ عَبَّاس : (يَا أَعْمَى الْبَصَر , أَعْمَى الْقَلْب , تَزْعُم أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار , وَقَدْ قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَيْحك , اقْرَأ مَا فَوْقهَا ! هَذِهِ لِلْكُفَّارِ ).

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ سَرَقَ مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة , فَاقْطَعُوا أَيّهَا النَّاس يَده . وَلِذَلِكَ رَفَعَ السَّارِق وَالسَّارِقَة , لِأَنَّهُمَا غَيْر مُعَيَّنَيْنِ , وَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ سَارِق وَسَارِقَة بِأَعْيَانِهِمَا لَكَانَ وَجْه الْكَلَام النَّصْب . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات | . 9306 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي قِرَاءَتنَا قَالَ : (وَرُبَّمَا قَالَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه - : | وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا | ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم : (فِي قِرَاءَتنَا : | وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا | ). وَفِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَاهُ , وَصِحَّة الرَّفْع فِيهِ , وَأَنَّ السَّارِق وَالسَّارِقَة مَرْفُوعَانِ بِفِعْلِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْت لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْت . وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } وَالْمَعْنَى أَيْدِيهمَا الْيُمْنَى ; كَمَا : 9307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا } الْيُمْنَى ). 9308 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : (فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْمَانهمَا | ). ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي السَّارِق الَّذِي عَنَاهُ اللَّه , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ سَارِق ثَلَاثَة دَرَاهِم فَصَاعِدًا ; وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , مِنْهُمْ مَالِك بْن أَنَس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم | . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : سَارِق رُبُع دِينَار أَوْ قِيمَته . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ . وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | الْقَطْع فِي رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا | . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ سَارِق عَشَرَة دَرَاهِم فَصَاعِدًا . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَابْن عَبَّاس , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته عَشَرَة دَرَاهِم | . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ سَارِق الْقَلِيل وَالْكَثِير . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَة عَلَى الظَّاهِر , وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصّ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَقَالُوا : لَمْ يَصِحّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر بِأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصّ مِنْ السُّرَّاق . قَالُوا : وَالْأَخْبَار فِيمَا قَطَعَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَرِبَة مُخْتَلِفَة , وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَد أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقِ دِرْهَم فَخَلَّى عَنْهُ , وَإِنَّمَا رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم . قَالُوا : وَمُمْكِن أَنْ يَكُون لَوْ أُتِيَ بِسَارِقٍ مَا قِيمَته دَانَق أَنْ يُقْطَع . قَالُوا : وَقَدْ قَطَعَ اِبْن الزُّبَيْر فِي دِرْهَم . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْآيَة عَلَى الْعُمُوم . 9309 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ نَجْدَة الْحَنَفِيّ , قَالَ : (سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة } أَخَاصّ أَمْ عَامّ ؟ . )فَقَالَ : بَلْ عَامّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا خَاصّ مِنْ السُّرَّاق , وَهُمْ سُرَّاق رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا أَوْ قِيمَته , لِصِحَّةِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : | الْقَطْع فِي رُبُع دِينَار فَصَاعِدًا | . وَقَدْ اِسْتَقْصَيْت ذِكْر أَقْوَال الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلَلهمْ الَّتِي اِعْتَلُّوا بِهَا لِأَقْوَالِهِمْ , وَالتَّلْمِيح عَنْ أَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ بِشَوَاهِدِهِ فِي كِتَابنَا كِتَاب السَّرِقَة , فَكَرِهْنَا إِطَالَة الْكِتَاب بِإِعَادَةِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه } يَقُول : مُكَافَأَة لَهُمَا عَلَى سَرِقَتهمَا وَعَمَلهمَا فِي التَّلَصُّص بِمَعْصِيَةِ اللَّه . { نَكَالًا مِنْ اللَّه } يَقُول : عُقُوبَة مِنْ اللَّه عَلَى لُصُوصِيَّتهمَا . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9310 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم } |جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّه } </subtitle>لَا تَرْثُوا لَهُمْ أَنْ تُقِيمُوا فِيهِمْ الْحُدُود , فَإِنَّهُ وَاَللَّه مَا أَمَرَ اللَّه بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَلَاح , وَلَا نَهَى عَنْ أَمْر قَطُّ إِلَّا وَهُوَ فَسَاد . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول : اِشْتَدُّوا عَلَى السُّرَّاق فَاقْطَعُوهُمْ يَدًا يَدًا وَرِجْلًا رِجْلًا .|وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ|وَقَوْله : { وَاَللَّه عَزِيز حَكِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه عَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ هَذَا السَّارِق وَالسَّارِقَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَهْل مَعَاصِيه , حَكِيم فِي حُكْمه فِيهِمْ وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ . يَقُول : فَلَا تُفَرِّطُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي إِقَامَة حُكْمِي عَلَى السَّارِق وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْجَرَائِم الَّذِينَ أَوْجَبْت عَلَيْهِمْ حُدُودًا فِي الدُّنْيَا عُقُوبَة لَهُمْ , فَإِنِّي بِحُكْمِي قَضَيْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , وَعِلْمِي بِصَلَاحِ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَكُمْ .

فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ { فَمَنْ تَابَ } مِنْ هَؤُلَاءِ السُّرَّاق , يَقُول : مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْ مَعْصِيَته إِيَّاهُ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَته مِنْ بَعْد ظُلْمه ; وَظُلْمه : هُوَ اِعْتِدَاؤُهُ وَعَمَله مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ مِنْ سَرِقَة أَمْوَال النَّاس . يَقُول : وَأَصْلَحَ نَفْسه بِحَمْلِهَا عَلَى مَكْرُوههَا فِي طَاعَة اللَّه وَالتَّوْبَة إِلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَته . وَكَانَ مُجَاهِد فِيمَا ذُكِرَ لَنَا يَقُول : تَوْبَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , الْحَدّ الَّذِي يُقَام عَلَيْهِ . 9311 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ } يَقُول : فَتَابَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ ). 9312 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ حُيَيّ بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْحُبْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : (سَرَقَتْ اِمْرَأَة حُلِيًّا , فَجَاءَ الَّذِينَ سَرَقَتْهُمْ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه سَرَقَتْنَا هَذِهِ الْمَرْأَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اِقْطَعُوا يَدهَا الْيُمْنَى ! | فَقَالَتْ الْمَرْأَة : هَلْ مِنْ تَوْبَة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنْتِ الْيَوْم مِنْ خَطِيئَتك كَيَوْمِ وَلَدَتْك أُمّك | . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْد ظُلْمه وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ } ).|فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ|وَقَوْله : { فَإِنَّ اللَّه يَتُوب عَلَيْهِ } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ يُرْجِعهُ إِلَى مَا يُحِبّ وَيَرْضَى عَمَّا يَكْرَههُ وَيَسْخَط مِنْ مَعْصِيَته .|إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْره سَاتِر عَلَى مَنْ تَابَ وَأَنَابَ عَنْ مَعَاصِيه إِلَى طَاعَته ذُنُوبه بِالْعَفْوِ عَنْ عُقُوبَته عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة وَتَرْكه فَضِيحَته بِهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , رَحِيم بِهِ وَبِعِبَادِهِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبهمْ .

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء وَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء } . </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , أَنَّ اللَّه مُدَبِّر مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض , وَمُصَرِّفه وَخَالِقه , لَا يَمْتَنِع شَيْء مَا فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا مِمَّا أَرَادَهُ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِلْكه وَإِلَيْهِ أَمْره , وَلَا نَسَب بَيْنه وَبَيْن شَيْء مِمَّا فِيهَا وَلَا مِمَّا فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا فَيُحَابِيه بِسَبَبِ قَرَابَته مِنْهُ فَيُنْجِيه مِنْ عَذَابه وَهُوَ بِهِ كَافِر وَلِأَمْرِهِ وَنَهْيه مُخَالِف , أَوْ يُدْخِلهُ النَّار وَهُوَ لَهُ مُطِيع لِبُعْدِ قَرَابَته مِنْهُ ; وَلَكِنَّهُ يُعَذِّب مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه فِي الدُّنْيَا عَلَى مَعْصِيَته بِالْقَتْلِ وَالْخَسْف وَالْمَسْخ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف عَذَابه , وَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ مِنْ كُفْره وَمَعْصِيَته , فَيُنْقِذهُ مِنْ الْهَلَكَة وَيُنَجِّيه مِنْ الْعُقُوبَة . وَخَرَجَ قَوْله : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } خِطَابًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ مَنْ ذَكَرْت مِنْ فِرَق بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بِمَدِينَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا حَوَالَيْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا اِسْتِعْمَال الْعَرَب نَظِير ذَلِكَ فِي كَلَامهَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|يَقُول : وَاَللَّه عَلَى تَعْذِيب مَنْ أَرَادَ تَعْذِيبه مِنْ خَلْقه عَلَى مَعْصِيَته وَغُفْرَان مَا أَرَادَ غُفْرَانه مِنْهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ الْهَلَكَة بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور كُلّهَا قَادِر ; لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقُهُ وَالْمُلْك مُلْكُهُ وَالْعِبَاد عِبَاده .

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر بِقَوْلِهِ لِبَنِي قُرَيْظَة حِين حَاصَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّمَا هُوَ الذَّبْح , فَلَا تَنْزِلُوا عَلَى حُكْم سَعْد | . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9313 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار زَعَمُوا أَنَّهُ أَبُو لُبَابَة أَشَارَتْ إِلَيْهِ بَنُو قُرَيْظَة يَوْم الْحِصَار مَا الْأَمْر ؟ وَعَلَام نَنْزِل ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ : إِنَّهُ الذَّبْح ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْيَهُود سَأَلَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَسْأَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمه فِي قَتِيل قَتَلَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9314 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ الْيَهُود قَتَلَهُ رَجُل مِنْ أَهْل دِينه , فَقَالَ الْقَاتِل لِحُلَفَائِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : سَلُوا فِيَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ كَانَ يَقْضِي بِالدِّيَةِ اِخْتَصَمْنَا إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقَتْلِ لَمْ نَأْتِهِ (. * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا , وَذَلِكَ أَنَّهُ اِرْتَدَّ بَعْد إِسْلَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9315 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَة يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة حَدَّثَهُمْ , (أَنَّ أَحْبَار يَهُود اِجْتَمَعُوا فِي بَيْت الْمِدْرَاس حِين قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , وَقَدْ زَنَى رَجُل مِنْهُمْ بَعْد إِحْصَانه بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُود قَدْ أُحْصِنَتْ . فَقَالُوا : اِنْطَلِقُوا بِهَذَا الرَّجُل وَبِهَذِهِ الْمَرْأَة إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْأَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْم فِيهِمَا فَوَلُّوهُ الْحُكْم عَلَيْهِمَا , فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التَّحْمِيم , وَهُوَ الْجَلْد بِحَبْلٍ مِنْ لِيف مَطْلِيّ بِقَارٍ , ثُمَّ يُسَوِّد وُجُوههمَا , ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُحَوَّل وُجُوههمَا مِنْ قِبَل دُبُر الْحِمَار , فَاتَّبِعُوهُ , فَإِنَّمَا هُوَ مَلِك . وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرَّجْمِ فَإِنَّهُ نَبِيّ فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد هَذَا الرَّجُل قَدْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه بِامْرَأَةٍ قَدْ أُحْصِنَتْ , فَاحْكُمْ فِيهِمَا , فَقَدْ وَلَّيْنَاك الْحُكْم فِيهِمَا ! فَمَشَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى أَحْبَارهمْ فِي بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَالَ : | يَا مَعْشَر الْيَهُود أَخْرِجُوا إِلَيَّ أَعْلَمكُمْ ! | فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا الْأَعْوَر . وَقَدْ رَوَى بَعْض بَنِي قُرَيْظَة أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا إِلَيْهِ يَوْمئِذٍ مَعَ اِبْن صُورِيَّا أَبَا يَاسِر بْن أَخْطَب وَوَهْب بْن يَهُودَا , فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا ! فَسَأَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَصَلَ أَمْرهمْ , إِلَى أَنْ قَالُوا لِابْنِ صُورِيَّا : هَذَا أَعْلَم مَنْ بَقِيَ بِالتَّوْرَاةِ . فَخَلَا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ غُلَامًا شَابًّا مِنْ أَحْدَثهمْ سِنًّا , فَأَلَظَّ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَة , يَقُول : | يَا اِبْن صُورِيَّا أَنْشُدك اللَّه وَأُذَكِّرك أَيَادِيه عِنْد بَنِي إِسْرَائِيل , هَلْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْد إِحْصَانه بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاة ؟ | فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ! أَمَا وَاَللَّه يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّك نَبِيّ مُرْسَل , وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَك . فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْد بَاب مَسْجِده فِي بَنِي عُثْمَان بْن غَالِب بْن النَّجَّار . ثُمَّ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ اِبْن صُورِيَّا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } ). 9316 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش ( ح ) , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : (مُرَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّم مَجْلُود , فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ , فَقَالَ : | أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِيكُمْ ؟ | قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : | فَأَنْشُدك بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِيكُمْ | ؟ قَالَ : لَا , وَلَوْلَا أَنَّك نَشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُحَدِّثك , وَلَكِنَّ الرَّجْم , وَلَكِنْ كَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافنَا , فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيف تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيف أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدّ , فَقُلْنَا تَعَالَوْا نَجْتَمِع فَنَضَع شَيْئًا مَكَان الرَّجْم فَيَكُون عَلَى الشَّرِيف وَالْوَضِيع , فَوَضَعْنَا التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اللَّهُمَّ إِنِّي أَنَا أَوَّل مَنْ أَحْيَا أَمْرك إِذْ أَمَاتُوهُ ! | فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } )الْآيَة . 9317 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعِنْد سَعِيد , رَجُل يُوَقِّرهُ , فَإِذَا هُوَ رَجُل مِنْ مُزَيْنَة كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : (كُنْت جَالِسًا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ح ) , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح كَاتِب اللَّيْث , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل مِنْ مُزَيْنَة مِمَّنْ يَتَّبِع الْعِلْم وَيَعِيه , حَدَّثَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ جَاءَهُ رَجُل مِنْ الْيَهُود , وَكَانُوا قَدْ أَشَارُوا فِي صَاحِب لَهُمْ زَنَى بَعْد مَا أُحْصِنَ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا النَّبِيّ قَدْ بُعِثَ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الرَّجْم فِي التَّوْرَاة فَكَتَمْتُمُوهُ وَاصْطَلَحْتُمْ بَيْنكُمْ عَلَى عُقُوبَة دُونه , فَانْطَلِقُوا فَنَسْأَل هَذَا النَّبِيّ , فَإِنْ أَفْتَانَا بِمَا فَرَضَ عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاة مِنْ الرَّجْم تَرَكْنَا ذَلِكَ , فَقَدْ تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي التَّوْرَاة , فَهِيَ أَحَقّ أَنْ تُطَاع وَتُصَدَّق . فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُ زَنَى صَاحِب لَنَا قَدْ أُحْصِنَ , فَمَا تَرَى عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَة ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَلَمْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ , فَانْطَلَقَ يَوْم مِدْرَاس الْيَهُود حَتَّى أَتَاهُمْ , فَوَجَدَهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاة فِي بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَالَ لَهُمْ : | يَا مَعْشَر الْيَهُود أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى مَاذَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة مِنْ الْعُقُوبَة عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ | ؟ قَالُوا : إِنَّا نَجِدهُ يُحَمَّم وَيُجْلَد . وَسَكَتَ حَبْرهمْ فِي جَانِب الْبَيْت . فَلَمَّا رَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَمْته أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَة , فَقَالَ حَبْرهمْ : اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدَنَا فَإِنَّا نَجِد عَلَيْهِمْ الرَّجْم . فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَمَاذَا كَانَ أَوَّل مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْر اللَّه | ؟ قَالَ : زَنَى اِبْن عَمّ مَلِك فَلَمْ يَرْجُمهُ , ثُمَّ زَنَى رَجُل آخَر فِي أُسْرَة مِنْ النَّاس , فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِك رَجْمه , فَقَامَ دُونه قَوْمه , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَا تَرْجُمهُ حَتَّى تَرْجُم فُلَانًا اِبْن عَمّ الْمَلِك ! فَاصْطَلَحُوا بَيْنهمْ عُقُوبَة دُون الرَّجْم , وَتَرَكُوا الرَّجْم . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَإِنِّي أَقْضِي بِمَا فِي التَّوْرَاة | . فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9318 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير فِي قَوْله : ) { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ (. 9319 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ) { آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ } قَالَ : يَقُول هُمْ الْمُنَافِقُونَ (. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : عَنَى بِذَلِكَ : { لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ } قَوْم مِنْ الْمُنَافِقِينَ . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ . الْآيَة اِبْن صُورِيَّا , وَجَائِز أَنْ يَكُون أَبُو لُبَابَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْرهمَا . غَيْر أَنَّ أَثْبَتَ شَيْء رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الرِّوَايَة قَبْل عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَالْبَرَاء بْن عَازِب ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِهِ عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ تَأْوِيل الْآيَة : يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي جُحُود نُبُوَّتك وَالتَّكْذِيب بِأَنَّك لِي نَبِيّ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا : صَدَّقْنَا بِك يَا مُحَمَّد أَنَّك لِلَّهِ رَسُول مَبْعُوث , وَعَلِمْنَا بِذَلِكَ يَقِينًا بِوُجُودِنَا صِفَتك فِي كِتَابنَا ; وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , أَنَّ اِبْن صُورِيَّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا وَاَللَّه يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّك نَبِيّ مُرْسَل , وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَك . فَذَلِكَ كَانَ عَلَى هَذَا الْخَبَر مِنْ اِبْن صُورِيَّا إِيمَانًا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِيهِ , وَلَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا لِذَلِكَ بِقَلْبِهِ , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلِعه عَلَى ضَمِير اِبْن صُورِيَّا وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِن بِقَلْبِهِ , يَقُول : وَلَمْ يُصَدِّق قَلْبه بِأَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل .|قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } </subtitle>يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الرَّسُول , لَا يَحْزُنك تَسَرُّع مَنْ تَسَرَّعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَصْدِيقك , وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ تَكْذِيبك إِلَى الْكُفْر بِك , وَلَا تَسَرُّع الْيَهُود إِلَى جُحُود نُبُوَّتك . ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ذِكْره صِفَتهمْ وَنَعْتهمْ لَهُ بِنُعُوتِهِمْ الذَّمِيمَة وَأَفْعَالهمْ الرَّدِيئَة , وَأَخْبَرَهُ مُعَزِّيًا لَهُ عَلَى مَا يَنَالهُ مِنْ الْحُزْن بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ مَعَ عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ أَنَّهُمْ أَهْل اِسْتِحْلَال الْحَرَام وَالْمَآكِل الرَّدِيئَة وَالْمَطَاعِم الدَّنِيئَة مِنْ الرُّشَا وَالسُّحْت , وَأَنَّهُمْ أَهْل إِفْك وَكَذِب عَلَى اللَّه وَتَحْرِيف كِتَابه . ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُحِلّ بِهِمْ خِزْيه فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَعِقَابه فِي آجِل الْآخِرَة , فَقَالَ : هُمْ { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْيَهُود , يَقُول : هُمْ يَسْمَعُونَ الْكَذِب , وَسَمْعهمْ الْكَذِب : سَمْعهمْ قَوْل أَحْبَارهمْ أَنَّ حُكْم الزَّانِي الْمُحْصَن فِي التَّوْرَاة : التَّحْمِيم وَالْجَلْد , { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } يَقُول : يَسْمَعُونَ لِأَهْلِ الزَّانِي الَّذِينَ أَرَادُوا الِاحْتِكَام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ الْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ , كَمَا قَالَ مُجَاهِد . 9320 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : ( { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } مَعَ مَنْ أَتَوْك ). وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ السَّمَّاعِينَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَمَّاعُونَ لِقَوْلِ آخَرِينَ يَهُود فَدَك , وَالْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُود الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا وَمُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَابِر فِي قَوْله : ( { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قَالَ : يَهُود الْمَدِينَة ; { لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } قَالَ : يَهُود فَدَك يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَة : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ). وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود كَانَ أَهْل الْمَرْأَة الَّتِي بَغَتْ بَعَثُوا بِهِمْ يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُكْم فِيهَا , وَالْبَاعِثُونَ بِهِمْ هُمْ الْقَوْم الْآخَرُونَ , وَهُمْ أَهْل الْمَرْأَة الْفَاجِرَة , لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9322 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ } كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ : إِذَا زَنَى مِنْكُمْ أَحَد فَارْجُمُوهُ . فَلَمْ يَزَالُوا بِذَلِكَ حَتَّى زَنَى رَجُل مِنْ خِيَارهمْ ; فَلَمَّا اِجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيل يَرْجُمُونَهُ , قَامَ الْخِيَار وَالْأَشْرَاف فَمَنَعُوهُ . ثُمَّ زَنَى رَجُل مِنْ الضُّعَفَاء , فَاجْتَمَعُوا لِيَرْجُمُوهُ , فَاجْتَمَعَتْ الضُّعَفَاء فَقَالُوا : لَا تَرْجُمُوهُ حَتَّى تَأْتُوا بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمُونَهُمَا جَمِيعًا ! فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل : إِنَّ هَذَا الْأَمْر قَدْ اِشْتَدَّ عَلَيْنَا , فَتَعَالَوْا فَلْنُصْلِحْهُ ! فَتَرَكُوا الرَّجْم , وَجَعَلُوا مَكَانه أَرْبَعِينَ جَلْدَة بِحَبْلٍ مُقَيَّر وَيُحَمِّمُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى حِمَار وَوَجْهه إِلَى ذَنَبه , وَيُسَوِّدُونَ وَجْهه , وَيَطُوفُونَ بِهِ . فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِمَ الْمَدِينَة , فَزَنَتْ اِمْرَأَة مِنْ أَشْرَاف الْيَهُود , يُقَال لَهَا بُسْرَة , فَبَعَثَ أَبُوهَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : سَلُوهُ عَنْ الزِّنَا وَمَا نَزَلَ إِلَيْهِ فِيهِ ; فَإِنَّا نَخَاف أَنْ يَفْضَحنَا وَيُخْبِرنَا بِمَا صَنَعْنَا , فَإِنْ أَعْطَاكُمْ الْجَلْد فَخُذُوهُ وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوهُ . فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ : | الرَّجْم | . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } حِين حَرَّفُوا الرَّجْم فَجَعَلُوهُ جَلْدًا ). وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ , هُمْ السَّمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ يَهُود الْمَدِينَة وَالْمَسْمُوع لَهُمْ مِنْ يَهُود فَدَك , وَيَجُوز أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنْ غَيْرهمْ . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ , فَهُوَ مِنْ صِفَة قَوْم مِنْ يَهُود سَمِعُوا الْكَذِب عَلَى اللَّه فِي حُكْم الْمَرْأَة الَّتِي كَانَتْ بَغَتْ فِيهِمْ وَهِيَ مُحْصَنَة , وَأَنَّ حُكْمهَا فِي التَّوْرَاة التَّحْمِيم وَالْجَلْد , وَسَأَلُوا رَسُول اللَّه عَنْ الْحُكْم اللَّازِم لَهَا , وَسَمِعُوا مَا يَقُول فِيهَا قَوْم الْمَرْأَة الْفَاجِرَة قَبْل أَنْ يَأْتُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ فِيهَا . وَإِنَّمَا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لَهُمْ لِيُعْلِمُوا أَهْل الْمَرْأَة الْفَاجِرَة مَا يَكُون مِنْ جَوَابه لَهُمْ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمه الرَّجْم رَضُوا بِهِ حَكَمًا فِيهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِنْ حُكْمه الرَّجْم حَذِرُوهُ وَتَرَكُوا الرِّضَا بِهِ وَبِحُكْمِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ اِبْن زَيْد يَقُول . 9323 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قَالَ : لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك مِنْ أَهْل الْكِتَاب , هَؤُلَاءِ سَمَّاعُونَ لِأُولَئِكَ الْقَوْم الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوهُ , يَقُولُونَ لَهُمْ الْكَذِب : مُحَمَّد كَاذِب , وَلَيْسَ هَذَا فِي التَّوْرَاة , فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ .|يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُحَرِّف هَؤُلَاءِ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ , السَّمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَأْتُوك بَعْد مِنْ الْيَهُود الْكَلِم . وَكَانَ تَحْرِيفهمْ ذَلِكَ : تَغْيِيرهمْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي التَّوْرَاة فِي الْمُحْصَنَات وَالْمُحْصَنِينَ مِنْ الزُّنَاة بِالرَّجْمِ إِلَى الْجَلْد وَالتَّحْمِيم , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الْيَهُود , وَالْمَعْنَى : حُكْم الْكَلِم , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَبَر مِنْ تَحْرِيف الْكَلِم عَنْ ذِكْر الْحُكْم لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ . وَكَذَلِكَ قَوْله : { مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } وَالْمَعْنَى : مِنْ بَعْد وَضْع اللَّه ذَلِكَ مَوَاضِعه , فَاكْتَفَى بِالْخَبَرِ مِنْ ذِكْر مَوَاضِعه عَنْ ذِكْر وَضْع ذَلِكَ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } وَالْمَعْنَى : وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , فَتَكُون | بَعْد | وُضِعَتْ مَوْضِع | عَنْ | , كَمَا يُقَال : جِئْتُك عَنْ فَرَاغِي مِنْ الشُّغْل , يُرِيد : بَعْد فَرَاغِي مِنْ الشُّغْل . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } يَقُول : هَؤُلَاءِ الْبَاغُونَ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ , إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّد بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيم فِي صَاحِبنَا فَخُذُوهُ , يَقُول : فَاقْبَلُوهُ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يُفْتِكُمْ بِذَلِكَ وَأَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ , فَاحْذَرُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9324 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , قَالَ : (سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَة يُحَدِّث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة حَدَّثَهُمْ فِي قِصَّة ذَكَرَهَا : { وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك } قَالَ : بَعَثُوا وَتَخَلَّفُوا , وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيف الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , فَقَالَ : يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه , يَقُولُونَ : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ لِلتَّحْمِيمِ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا : أَيْ الرَّجْم ). 9325 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا } إِنْ وَافَقَكُمْ هَذَا , { فَخُذُوهُ } يَهُود تَقُولهُ لِلْمُنَافِقِينَ ). * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ } إِنْ وَافَقَكُمْ هَذَا فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ يُوَافِقكُمْ فَاحْذَرُوهُ ). يَهُود تَقُولهُ لِلْمُنَافِقِينَ . 9326 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } حِين حَرَّفُوا الرَّجْم فَجَعَلُوهُ جَلْدًا , يَقُولُونَ : { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } ). 9327 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا وَمُجَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ جَابِر : ( { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ } يَهُود فَدَك يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَة : إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا الْجَلْد فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا الرَّجْم ). 9328 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } هُمْ الْيَهُود , زَنَتْ مِنْهُمْ اِمْرَأَة , وَكَانَ اللَّه قَدْ حَكَمَ فِي التَّوْرَاة فِي الزِّنَا بِالرَّجْمِ , فَنَفِسُوا أَنْ يَرْجُمُوهَا , وَقَالُوا : اِنْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّد فَعَسَى أَنْ يَكُون عِنْده رُخْصَة , فَإِنْ كَانَتْ عِنْده رُخْصَة فَاقْبَلُوهَا . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّ اِمْرَأَة مِنَّا زَنَتْ , فَمَا تَقُول فِيهَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | كَيْفَ حُكْم اللَّه فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي ؟ | فَقَالُوا : دَعْنَا مِنْ التَّوْرَاة , وَلَكِنْ مَا عِنْدك فِي ذَلِكَ ! فَقَالَ : | اِئْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى | . فَقَالَ لَهُمْ : | بِاَلَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آل فِرْعَوْن وَبِاَلَّذِي فَلَقَ لَكُمْ الْبَحْر فَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آل فِرْعَوْن إِلَّا أَخْبَرْتُمُونِي مَا حُكْم اللَّه فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي ! | قَالُوا : حُكْمه الرَّجْم . فَأَمَرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ ). 9329 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَمْ يَأْتُوك يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَتِيل مِنْ بَنِي قُرَيْظَة قَتَلَتْهُ النَّضِير , فَكَانَتْ النَّضِير إِذَا قَتَلَتْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَة لَمْ يُقِيدُوهُمْ , إِنَّمَا يُعْطُونَهُمْ الدِّيَة لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ , وَكَانَتْ قُرَيْظَة إِذَا قَتَلَتْ مِنْ النَّضِير قَتِيلًا لَمْ يَرْضَوْا إِلَّا بِالْقَوَدِ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسهمْ تَعَزُّزًا . فَقَدِمَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة عَلَى هَيْئَة فِعْلهمْ هَذَا , فَأَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُمْ رَجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ : إِنَّ قَتِيلكُمْ هَذَا قَتِيل عَمْد , مَتَى مَا تَرْفَعُوهُ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ الْقَوَد , فَإِنْ قَبِلَ مِنْكُمْ الدِّيَة فَخُذُوهُ , وَإِلَّا فَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَر ). 9330 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه } يَقُول يُحَرِّف هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوك الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , لَا يَضَعُونَهُ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّه . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ يَهُود , بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ). 9331 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَعُبَيْدَة بْن حُمَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : ( { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِذْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا } يَقُولُونَ : اِئْتُوا مُحَمَّدًا , فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْد فَخُذُوهُ , وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا ).|فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُرِدْ اللَّه فِتْنَته فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا } </subtitle>وَهَذَا تَسْلِيَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُزْنه عَلَى مُسَارَعَة الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ مِنْ الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَة , يَقُول لَهُ تَعَالَى ذِكْره : لَا يَحْزُنك تَسَرُّعهمْ إِلَى جُحُود نُبُوَّتك , فَإِنِّي قَدْ حَتَّمْت عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ مِنْ ضَلَالَتهمْ , وَلَا يَرْجِعُونَ عَنْ كُفْرهمْ لِلسَّابِقِ مِنْ غَضَبِي عَلَيْهِمْ , وَغَيْر نَافِعهمْ حُزْنك عَلَى مَا تَرَى مِنْ تَسَرُّعهمْ إِلَى مَا جَعَلْته سَبِيلًا لِهَلَاكِهِمْ وَاسْتِحْقَاقهمْ وَعِيدِي . وَمَعْنَى الْفِتْنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الضَّلَالَة عَنْ قَصْد السَّبِيل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُرِدْ اللَّه يَا مُحَمَّد مَرْجِعه بِضَلَالَتِهِ عَنْ سَبِيل الْهُدَى , فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه اِسْتِنْقَاذًا مِمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ مِنْ الْحِيرَة وَالضَّلَالَة , فَلَا تُشْعِر نَفْسك بِالْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَك مِنْ اِهْتِدَائِهِ لِلْحَقِّ . كَمَا : 9332 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمَنْ يُرِدْ اللَّه فِتْنَته فَلَنْ تَمْلِك لَهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا } ).|شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر , مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَإِنَّ مُسَارَعَتهمْ إِلَى { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر , مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَإِنَّ مُسَارَعَتهمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ أَرَادَ فِتْنَتهمْ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبهمْ , وَلَا يَهْتَدُونَ أَبَدًا . { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر مِنْ دَنَس الْكُفْر وَوَسَخ الشِّرْك قُلُوبهمْ بِطَهَارَةِ الْإِسْلَام وَنَظَافَة الْإِيمَان فَيَتُوبُوا , بَلْ أَرَادَ بِهِمْ الْخِزْي فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ الذُّلّ وَالْهَوَان , وَفِي الْآخِرَة عَذَاب جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخِزْي رُوِيَ الْقَوْل عَنْ عِكْرِمَة . 9333 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلِيّ بْن الْأَرْقَم وَغَيْره , عَنْ عِكْرِمَة : ( { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي } قَالَ : مَدِينَة فِي الرُّوم تُفْتَح فَيُسْبَوْنَ ).

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ , سَمَّاعُونَ لِقِيلِ الْبَاطِل وَالْكَذِب , وَمِنْ قِيل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مُحَمَّد كَاذِب , لَيْسَ بِنَبِيٍّ , وَقِيلَ بَعْضهمْ : إِنَّ حُكْم الزَّانِي الْمُحْصَن فِي التَّوْرَاة الْجَلْد وَالتَّحْمِيم , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَبَاطِيل وَالْإِفْك , وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا , فَيَأْكُلُونَهَا عَلَى كَذِبهمْ عَلَى اللَّه وَفِرْيَتهمْ عَلَيْهِ . كَمَا : 9334 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو عَقِيل , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : ( { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : تِلْكَ الْحُكَّام سَمِعُوا كَذَبَة , وَأَكَلُوا رَشْوَة ). 9335 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : . ( { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : كَانَ هَذَا فِي حُكَّام الْيَهُود بَيْن أَيْدِيكُمْ , كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَذِب وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا ). 9336 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَهُمْ يَهُود ). 9337 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَإِسْحَاق الْأَزْرَق , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : ( { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : السُّحْت : الرِّشْوَة ). 9338 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع وَوَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , قَالَ : قِيلَ لِعَبْدِ اللَّه : (مَا السُّحْت ؟ قَالَ : الرِّشْوَة . قَالُوا : فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر ). * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا غُنْدَر وَوَهْب بْن جَرِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (السُّحْت : الرِّشْوَة ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّه : مَا كُنَّا نَرَى السُّحْت إِلَّا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم ! قَالَ عَبْد اللَّه : ذَاكَ الْكُفْر ). * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (السُّحْت : الرُّشَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ). 9339 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : (سَأَلْت عَبْد اللَّه عَنْ السُّحْت , فَقَالَ : الرَّجُل يَطْلُب الْحَاجَة فَيَقْضِيهَا , فَيُهْدِي إِلَيْهِ فَيَقْبَلهَا ). * - حَدَّثَنَا سَوَّار , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور وَسُلَيْمَان الْأَعْمَش , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : (السُّحْت : الرُّشَا ). * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه : (السُّحْت , قَالَ : الرِّشْوَة فِي الدِّين ). 9340 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : (مَا كَانَ مِنْ السُّحْت : الرُّشَا , وَمَهْر الزَّانِيَة ). 9341 - حَدَّثَنِي سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : : الرِّشْوَة (. 9342 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ) { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرُّشَا (. 9343 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ طَلْحَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : )مَهْر الْبَغِيِّ سُحْت , وَعَسْب الْفَحْل سُحْت , وَكَسْب الْحَجَّام سُحْت , وَثَمَن الْكَلْب سُحْت (. 9344 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : )السُّحْت : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم (. * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ السُّحْت , قَالَ : الرُّشَا , فَقُلْت : فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . 9345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ) { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } يَقُول : لِلرُّشَا (. 9346 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَلْقَمَة : أَنَّهُمَا سَأَلَا اِبْن مَسْعُود عَنْ الرِّشْوَة , فَقَالَ : )هِيَ السُّحْت , قَالَا فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } (. 9347 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن أَبِي بُكَيْر , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , قَالَ : )شَفَعَ مَسْرُوق لِرَجُلٍ فِي حَاجَة , فَأَهْدَى لَهُ جَارِيَة , فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ : لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَفْعَل هَذَا مَا كَلَّمْت فِي حَاجَتك وَلَا أُكَلِّم فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتك , سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول : مَنْ شَفَعَ شَفَاعَة لِيَرُدّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَرْفَع بِهَا ظُلْمًا , فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ , فَهُوَ سُحْت , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذ عَلَى الْحُكْم ! قَالَ : الْأَخْذ عَلَى الْحُكْم كُفْر (. 9348 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ) { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا الرِّشْوَة فِي الْحُكْم وَقَضَوْا بِالْكَذِبِ (. 9349 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ عَمَّار , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ السُّحْت , أَهْوَ الرُّشَا فِي الْحُكْم ؟ فَقَالَ : )لَا , مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ كَافِر , وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ ظَالِم , وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَهُوَ فَاسِق , وَلَكِنَّ السُّحْت يَسْتَعِينك الرَّجُل عَلَى الْمَظْلِمَة فَتُعِينهُ عَلَيْهَا , فَيُهْدِي لَك الْهَدِيَّة فَتَقْبَلهَا (. 9350 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة السَّبَئِيّ , قَالَ : )مِنْ السُّحْت ثَلَاثَة : مَهْر الْبَغِيّ , وَالرِّشْوَة فِي الْحُكْم , وَمَا كَانَ يُعْطَى الْكُهَّان فِي الْجَاهِلِيَّة (. 9351 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن مُطِيع , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , )أَنَّهُ قَالَ فِي كَسْب الْحَجَّام , وَمَهْر الْبَغْي , وَثَمَن الْكَلْب , وَالِاسْتِجْعَال فِي الْقَضِيَّة , وَحُلْوَان الْكَاهِن , وَعَسْب الْفَحْل , وَالرِّشْوَة فِي الْحُكْم , وَثَمَن الْخَمْر , وَثَمَن الْمَيْتَة : مِنْ السُّحْت (. 9352 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ) { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } قَالَ : الرِّشْوَة فِي الْحُكْم (. 9353 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْمَوَالِي , عَنْ عُمَر بْن حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( كُلّ لَحْم أَنْبَتَهُ السُّحْت فَالنَّار أَوْلَى بِهِ | . قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه , وَمَا السُّحْت ؟ قَالَ : | الرِّشْوَة فِي الْحُكْم | ). 9354 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ لِي أَنَس بْن مَالِك , إِذَا اِنْقَلَبْت إِلَى أَبِيك فَقُلْ لَهُ : )إِيَّاكَ وَالرِّشْوَة فَإِنَّهَا سُحْت ! وَكَانَ أَبُوهُ عَلَى شُرَط الْمَدِينَة (. 9355 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَالِم , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : )الرِّشْوَة سُحْت . قَالَ مَسْرُوق : فَقُلْنَا لِعَبْدِ اللَّه : أَفِي الْحُكْم ؟ قَالَ : لَا , ثُمَّ قَرَأَ : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } (. وَأَصْل السُّحْت : كَلَب الْجُوع , يُقَال مِنْهُ : فُلَان مَسْحُوت الْمَعِدَة : إِذَا كَانَ أَكُولًا لَا يُلْفَى أَبَدًا إِلَّا جَائِعًا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلرَّشْوَةِ السُّحْت , تَشْبِيهًا بِذَلِكَ ; كَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي مِنْ الشَّرَه إِلَى أَخْذ مَا يُعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْل الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَة مِنْ الشَّرَه إِلَى الطَّعَام , يُقَال مِنْهُ : سَحَتَهُ وَأَسْحَته , لُغَتَانِ مَحْكِيَّتَانِ عَنْ الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : <br>وَعَضّ زَمَان يَا اِبْن مَرْوَان لَمْ يَدَع .......... مِنْ الْمَال إِلَّا مُسَحَتًا أَوْ مُجَلَّف <br>يَعْنِي بِالْمُسَحَّتِ : الَّذِي قَدْ اِسْتَأْصَلَهُ هَلَاكًا بِأَكْلِهِ إِيَّاهُ وَإِفْسَاده , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } ; وَتَقُول الْعَرَب لِلْحَالِقِ : اِسْحَتْ الشَّعْر : أَيْ اِسْتَأْصِلْهُ .|فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِنْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوك بَعْد , وَهُمْ قَوْم الْمَرْأَة الْبَغِيَّة , مُحْتَكِمِينَ إِلَيْك , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ إِنْ شِئْت بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه حُكْمًا لَهُ , فِيمَنْ فَعَلَ فِعْل الْمَرْأَة الْبَغِيَّة مِنْهُمْ , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ , فَدَعْ الْحُكْم بَيْنهمْ إِنْ شِئْت وَالْخِيَار إِلَيْك فِي ذَلِكَ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9356 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } يَهُود , زَنَى رَجُل مِنْهُمْ لَهُ نَسَب حَقِير فَرَجَمُوهُ , ثُمَّ زَنَى مِنْهُمْ شَرِيف فَحَمَّمُوهُ , ثُمَّ طَافُوا بِهِ , ثُمَّ اِسْتَفْتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُوَافِقهُمْ . قَالَ : فَأَفْتَاهُمْ فِيهِ بِالرَّجْمِ , فَأَنْكَرُوهُ , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا أَحْبَارهمْ وَرُهْبَانهمْ , فَنَاشَدَهُمْ بِاَللَّهِ أَيَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاة , فَكَتَمُوهُ إِلَّا رَجُلًا مِنْ أَصْغَرهمْ أَعْوَر , فَقَالَ : كَذَبُوك يَا رَسُول اللَّه , إِنَّهُ لَفِي التَّوْرَاة ! )9357 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , عَنْ اِبْن شِهَاب : (أَنَّ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ } كَانَتْ فِي شَأْن الرَّجْم ). 9358 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (إِنَّهُمْ أَتَوْهُ - يَعْنِي الْيَهُود - فِي اِمْرَأَة مِنْهُمْ زَنَتْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ عُقُوبَتهَا , فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْفَ تَجِدُونَهُ عِنْدكُمْ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة ؟ | فَقَالُوا نُؤْمَر بِرَجْمِ الزَّانِيَة . فَأَمَرَ بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرُجِمَتْ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } ). 9359 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَوْله : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : كَانُوا يَحِدُّونَ فِي الزِّنَا , إِلَى أَنْ زَنَى شَابّ مِنْهُمْ ذُو شَرَف , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : لَا يَدَعُكُمْ قَوْمه تَرْجُمُونَهُ , وَلَكِنْ اِجْلِدُوهُ وَمَثِّلُوا بِهِ ! فَجَلَدُوهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى إِكَاف حِمَار , وَجَعَلُوا وَجْهه مُسْتَقْبِل ذَنَب الْحِمَار , إِلَى أَنْ زَنَى آخَر وَضِيع لَيْسَ لَهُ شَرَف فَقَالُوا : اُرْجُمُوهُ ! ثُمَّ قَالُوا : فَكَيْفَ لَمْ تَرْجُمُوا الَّذِي قَبْله ؟ وَلَكِنْ مِثْل مَا صَنَعْتُمْ بِهِ فَاصْنَعُوا بِهَذَا . فَلَمَّا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : سَلُوهُ , لَعَلَّكُمْ تَجِدُونَ عِنْده رُخْصَة ! فَنَزَلَتْ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِلَى قَوْله : { إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَتِيل قُتِلَ فِي يَهُود مِنْهُمْ قَتَلَهُ بَعْضهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9360 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : )أَنَّ الْآيَات فِي الْمَائِدَة , قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } إِلَى قَوْله : { الْمُقْسِطِينَ } إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَة فِي بَنِي النَّضِير وَبَنِي قُرَيْظَة , وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَى بَنِي النَّضِير كَانَ لَهُمْ شَرَف تُؤَدِّي الدِّيَة كَامِلَة , وَإِنَّ قُرَيْظَة كَانُوا يُؤَدُّونَ نِصْف الدِّيَة . فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه ذَلِكَ فِيهِمْ , فَحَمَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ , فَجَعَلَ الدِّيَة فِي ذَاكَ سَوَاء . وَاَللَّه أَعْلَم أَيّ ذَلِكَ كَانَ (. 9361 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ عَلِيّ بْن صَالِح , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَتْ قُرَيْظَة وَالنَّضِير , وَكَانَ النَّضِير أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَة , فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُل مِنْ قُرَيْظَة رَجُلًا مِنْ النَّضِير قُتِلَ بِهِ , وَإِذَا قَتَلَ رَجُل مِنْ النَّضِير رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَة أَدَّى مِائَة وَسْق تَمْر . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُل مِنْ النَّضِير رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَة , فَقَالُوا : اِدْفَعُوهُ إِلَيْنَا ! فَقَالُوا : بَيْننَا وَبَيْنكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } ). 9362 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : )كَانَ فِي حُكْم حُيَيّ بْن أَخْطَب لِلنَّضْرِيِّ دِيَتَانِ , وَالْقُرَظِيّ دِيَة ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ النَّضِير ; قَالَ : وَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي التَّوْرَاة , قَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قُرَيْظَة , لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ اِبْن أَخْطَب , فَقَالُوا : نَتَحَاكَم إِلَى مُحَمَّد ! فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } فَخَيَّرَهُ , { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } الْآيَة كُلّهَا . وَكَانَ الشَّرِيف إِذَا زَنَى بِالدَّنِيئَةِ رَجَمُوهَا هِيَ وَحَمَّمُوا وَجْه الشَّرِيف , وَحَمَلُوهُ عَلَى الْبَعِير , أَوْ جَعَلُوا وَجْهه مِنْ قِبَل ذَنَب الْبَعِير . وَإِذَا زَنَى الدَّنِيء بِالشَّرِيفَةِ رَجَمُوهُ , وَفَعَلُوا بِهَا ذَلِكَ . فَتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَجَمَهَا . قَالَ : وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : | مَنْ أَعْلَمكُمْ بِالتَّوْرَاةِ ؟ | قَالُوا : فُلَان الْأَعْوَر . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ , فَأَتَاهُ , فَقَالَ : | أَنْتَ أَعْلَمهُمْ بِالتَّوْرَاةِ ؟ | قَالَ : كَذَاك تَزْعُم يَهُود , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنْشُدك أَعْلَمهُمْ بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء مَا تَجِد فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِيَيْنِ ؟ | فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم يَرْجُمُونَ0 الدَّنِيئَة , وَيَحْمِلُونَ الشَّرِيف عَلَى بَعِير , وَيُحَمِّمُونَ وَجْهه , وَيَجْعَلُونَ وَجْهه مِنْ قِبَل ذَنَب الْبَعِير , وَيَرْجُمُونَ الدَّنِيء إِذَا زَنَى بِالشَّرِيفَةِ , وَيَفْعَلُونَ بِهَا هِيَ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَنْشُدك بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء مَا تَجِد فِي التَّوْرَاة ؟ | فَجَعَلَ يَرُوغ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُدهُ بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء , حَتَّى قَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِم الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّة . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَهُوَ ذَاكَ , اِذْهَبُوا بِهِمَا فَارْجُمُوهُمَا ! | . قَالَ عَبْد اللَّه : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا , فَمَا زَالَ يُجْنِئُ عَلَيْهَا وَيَقِيهَا الْحِجَارَة بِنَفْسِهِ حَتَّى مَاتَ (. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي حُكْم هَذِهِ الْآيَة هَلْ هُوَ ثَابِت الْيَوْم وَهَلْ لِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي الْحُكْم وَالنَّظَر بَيْن أَهْل الذِّمَّة وَالْعَهْد إِذَا اِحْتَكَمُوا إِلَيْهِمْ , مِثْل الَّذِي جُعِلَ لِنَبِيِّهِ , فِي هَذِهِ الْآيَة , أَمْ ذَلِكَ مَنْسُوخ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ ثَابِت الْيَوْم لَمْ يَنْسَخهُ شَيْء , وَلِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي كُلّ دَهْر بِهَذِهِ الْآيَة مِثْل مَا جَعَلَهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9363 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : (إِنْ رَفَعَ إِلَيْك أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي قَضَاء , فَإِنْ شِئْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَإِنْ شِئْت أَعْرِض عَنْهُمْ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم , قَالَا : (إِذَا أَتَاك الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ , وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : إِنْ شَاءَ حَكَمَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُم ). 9364 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُم ). 9365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُحَمَّد بْن سَالِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : . (إِذَا أَتَاك أَهْل الْكِتَاب بَيْنهمْ أَمْر , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ خَلِّ عَنْهُمْ وَأَهْل دِينهمْ يَحْكُمُونَ فِيهِمْ إِلَّا فِي سَرِقَة أَوْ قَتْل ). 9366 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء : (نَحْنُ مُخَيَّرُونَ , إِنْ شِئْنَا حَكَمْنَا بَيْن أَهْل الْكِتَاب , وَإِنْ شِئْنَا أَعْرَضْنَا فَلَمْ نَحْكُم بَيْنهمْ , وَإِنَّ حُكْمَنَا بَيْنهمْ حُكْمُنَا بَيْننَا أَوْ نَتْرُكهُمْ وَحُكْمهمْ بَيْنهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ عَمْرو بْن شُعَيْب , وَذَلِكَ قَوْله : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } ). * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَا : إِذَا جَاءُوا إِلَى حَاكِم الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ , وَإِنْ حَكَمَ بَيْنهمْ حَكَمَ بَيْنهمْ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه ). 9367 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ } يَقُول : إِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ . فَجَعَلَ اللَّه لَهُ فِي ذَلِكَ رُخْصَة , إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ , قَالَا : (إِذَا أَتَاك الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوك فِيمَا بَيْنهمْ , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْره , أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ وَخَلِّهِمْ وَأَهْل دِينهمْ ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ التَّخْيِير مَنْسُوخ , وَعَلَى الْحَاكِم إِذَا اِحْتَكَمَ إِلَيْهِ أَهْل الذِّمَّة أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِالْحَقِّ , وَلَيْسَ لَهُ تَرْك النَّظَر بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9368 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ). 9369 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : (نَسَخَتْهَا { وَأَنْ اُحْكُم بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ). 9370 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : (نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ). 9371 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : (لَمْ يُنْسَخ مِنْ الْمَائِدَة إِلَّا هَاتَانِ الْآيَتَانِ : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } وَقَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد } نَسَخَتْهَا : { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } ). 9372 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (نَسَخَتْهَا : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ). 9373 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } يَعْنِي الْيَهُود . فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ , وَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُعْرِض عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه بَعْد مَا رَخَّصَ لَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يُعْرِض عَنْهُمْ ). 9374 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ : (أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَتَبَ إِلَى عَدِيّ بْن عَدِيّ : إِذَا جَاءَك أَهْل الْكِتَاب فَاحْكُمْ بَيْنهمْ ). * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : (نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ). 9375 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَوْله : ( { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } قَالَ : مَضَتْ السُّنَّة أَنْ يُرَدُّوا فِي حُقُوقهمْ وَمَوَارِيثهمْ إِلَى أَهْل دِينهمْ , إِلَّا أَنْ يَأْتُوا رَاغِبِينَ فِي حَدّ يُحْكَم بَيْنهمْ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّه ). 9376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ . ثُمَّ نَسَخَهَا فَقَالَ : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } وَكَانَ مَجْبُورًا عَلَى أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ ). 9377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَة , يَعْنِي الْمَائِدَة , آيَة الْقَلَائِد , وَقَوْله : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ } , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا , إِنْ شَاءَ حَكَمَ , وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ , فَرَدَّهُمْ إِلَى أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِمَا فِي كِتَابنَا ). وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة ثَابِت لَمْ يُنْسَخ , وَإِنَّ لِلْحُكَّامِ مِنْ الْخِيَار فِي الْحُكْم بَيْن أَهْل الْعَهْد إِذَا اِرْتَفَعُوا إِلَيْهِمْ فَاحْتَكَمُوا وَتَرْك الْحُكْم بَيْنهمْ وَالنَّظَر مِثْل الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ أَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخ زَعَمُوا أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي كِتَابنَا : | كِتَاب الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام | أَنَّ النَّسْخ لَا يَكُون نَسْخًا إِلَّا مَا كَانَ نَفْيًا لِحُكْمِ غَيْره بِكُلِّ مَعَانِيه , حَتَّى لَا يَجُوز اِجْتِمَاع الْحُكْم بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى صِحَّته بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر مُسْتَحِيل فِي الْكَلَام أَنْ يُقَال : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَمَعْنَاهُ : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِذْ حَكَمْت بَيْنهمْ بِاخْتِيَارِك الْحُكْم بَيْنهمْ إِذَا اِخْتَرْت ذَلِكَ وَلَمْ تَخْتَرْ الْإِعْرَاض عَنْهُمْ , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِعْلَام الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَائِله أَنَّ لَهُ الْخِيَار فِي الْحُكْم وَتَرْك الْحُكْم ; كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ لَا دَلَالَة فِي قَوْله : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } أَنَّهُ نَاسِخ قَوْله : { فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِض عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } لِمَا وَصَفْنَا مِنْ اِحْتِمَال ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا , بَلْ هُوَ دَلِيل عَلَى مِثْل الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِر التَّنْزِيل دَلِيل عَلَى نَسْخ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَى , وَلَا نَفْي أَحَد الْأَمْرَيْنِ حُكْم الْآخَر , وَلَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر يَصِحّ بِأَنَّ أَحَدهمَا نَاسِخ صَاحِبه , وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاع ; صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ يُؤَيِّد أَحَدهمَا صَاحِبه وَيُوَافِق حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا نَسْخ فِي أَحَدهمَا لِلْآخَرِ .|وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تُعْرِض عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنْ تُعْرِض يَا مُحَمَّد عَنْ الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْك مِنْ أَهْل الْكِتَاب فَتَدَع النَّظَر بَيْنهمْ فِيمَا اِحْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْك , فَلَا تَحْكُم فِيهِ بَيْنهمْ , فَلَنْ يَضُرُّوك شَيْئًا , يَقُول : فَلَنْ يَقْدِرُوا لَك عَلَى ضُرّ فِي دِين وَلَا دُنْيَا , فَدَعْ النَّظَر بَيْنهمْ إِذَا اِخْتَرْت تَرْك النَّظَر بَيْنهمْ .|وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ|وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنْ اِخْتَرْت الْحُكْم وَالنَّظَر يَا مُحَمَّد بَيْن أَهْل الْعَهْد إِذَا أَتَوْك , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ , وَهُوَ الْعَدْل , وَذَلِكَ هُوَ الْحُكْم بِمَا جَعَلَهُ اللَّه حُكْمًا فِي مِثْله عَلَى جَمِيع خَلْقه مِنْ أُمَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9378 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ : { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَا : إِنْ حَكَمَ بَيْنهمْ حَكَمَ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه . 9379 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَحْكُم فِيهِمْ بِالرَّجْمِ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي قَوْله : ( { وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : بِالرَّجْمِ ). 9380 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { بِالْقِسْطِ } بِالْعَدْلِ ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي قَوْله : ( { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِالرَّجْمِ ).|إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } فَمَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْعَامِلِينَ فِي حُكْمه بَيْن النَّاس , الْقَاضِينَ بَيْنهمْ بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه وَأَمَرَ أَنْبِيَاءَهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , يُقَال مِنْهُ : أَقْسَط الْحَاكِم فِي حُكْمه إِذَا عَدَلَ وَقَضَى بِالْحَقِّ يُقْسِط إِقْسَاطًا بِهِ . وَأَمَّا قَسَطَ فَمَعْنَاهُ : الْجَوْر , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حَطَبًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : الْجَائِرِينَ عَلَى الْحَقّ .

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَكَيْفَ يُحَكِّمك هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَا مُحَمَّد بَيْنهمْ , فَيَرْضَوْنَ بِك حَكَمًا بَيْنهمْ , وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى مُوسَى , الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا حَقّ وَأَنَّهَا كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَى نَبِيِّي , وَأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ حُكْم فَمِنْ حُكْمِي , يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَا يَتَنَاكَرُونَهُ , وَلَا يَتَدَافَعُونَهُ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّ حُكْمِي فِيهَا عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَن الرَّجْم , وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ { يَتَوَلَّوْنَ } |ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ|يَقُول : يَتْرُكُونَ الْحُكْم بِهِ بَعْد الْعِلْم بِحُكْمِي فِيهِ جَرَاءَة عَلَيَّ وَعِصْيَانًا لِي . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خِطَابًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ تَقْرِيع مِنْهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , يَقُول لَهُمْ تَعَالَى : كَيْفَ تُقِرُّونَ أَيّهَا الْيَهُود بِحُكْمِ نَبِيِّي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جُحُود نُبُوَّته وَتَكْذِيبكُمْ إِيَّاهُ , وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ أَنَّهُ حَقّ عَلَيْكُمْ وَاجِب جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْد اللَّه ؟ يَقُول : فَإِذَا كُنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى , الَّذِي تُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ فِي كِتَابِي , فَأَنْتُمْ بِتَرْكِ حُكْمِي الَّذِي يُخْبِركُمْ بِهِ نَبِيِّي مُحَمَّد أَنَّهُ حُكْمِي أَحْرَى , مَعَ جُحُودكُمْ نُبُوَّته .|وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ|ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَال هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة عِنْده , وَحَال نُظَرَائِهِمْ مِنْ الْجَائِرِينَ عَنْ حُكْمه الزَّائِلِينَ عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ : { وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : لَيْسَ مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْل : أَيْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ حُكْم اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه فِي خَلْقه بِالَّذِي صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله فَأَقَرَّ بِتَوْحِيدِهِ وَنُبُوَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْل أَهْل الْإِيمَان . وَأَصْل التَّوَلِّي عَنْ الشَّيْء : الِانْصِرَاف عَنْهُ ; كَمَا : 9381 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ( { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } قَالَ : تَوَلِّيهمْ مَا تَرَكُوا مِنْ كِتَاب اللَّه ). 9382 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } يَعْنِي : حُدُود اللَّه , فَأَخْبَرَ اللَّه بِحُكْمِهِ فِي التَّوْرَاة ). 9383 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } أَيْ بَيَان اللَّه مَا تَشَاجَرُوا فِيهِ مِنْ شَأْن قَتِيلهمْ , { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } الْآيَة ). 9384 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (قَالَ - يَعْنِي الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره - يُعَيِّرهُمْ : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه } يَقُول الرَّجْم ).

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا بَيَان مَا سَأَلَك هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَنْهُ مِنْ حُكْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , { وَنُور } يَقُول : وَفِيهَا جَلَاء مَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ وَضِيَاء مَا اِلْتَبَسَ مِنْ الْحُكْم . { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَقُول : يَحْكُم بِحُكْمِ التَّوْرَاة فِي ذَلِكَ : أَيْ فِيمَا اِحْتَكَمُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَمْر الزَّانِيَيْنِ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا , وَهُمْ الَّذِينَ أَذْعَنُوا لِحُكْمِ اللَّه وَأَقَرُّوا بِهِ . وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمه عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ مِنْ الْيَهُود بِالرَّجْمِ , وَفِي تَسْوِيَته بَيْن دَم قَتْلَى النَّضِير وَقُرَيْظَة فِي الْقِصَاص وَالدِّيَة , وَمَنْ قَبْل مُحَمَّد مِنْ الْأَنْبِيَاء يَحْكُم بِمَا فِيهَا مِنْ حُكْم اللَّه . كَمَا : 9385 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). 9386 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( نَحْنُ نَحْكُم عَلَى الْيَهُود وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان | ). 9387 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا رَجُل مِنْ مُزَيْنَة وَنَحْنُ عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : (زَنَى رَجُل مِنْ الْيَهُود بِامْرَأَةٍ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : اِذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيّ فَإِنَّهُ نَبِيّ بُعِثَ بِتَخْفِيفٍ , فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُون الرَّجْم قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْد اللَّه وَقُلْنَا : فُتْيَا نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِك ! قَالَ : فَأَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِس فِي الْمَسْجِد فِي أَصْحَابه , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم مَا تَقُول فِي رَجُل وَامْرَأَة مِنْهُمْ زَنَيَا ؟ فَلَمْ يُكَلِّمهُمْ كَلِمَة , حَتَّى أَتَى بَيْت الْمِدْرَاس , فَقَامَ عَلَى الْبَاب , فَقَالَ : | أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى ! مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ | قَالُوا : يُحَمَّم وَيُجَبَّه وَيُجْلَد - وَالتَّجْبِيه : أَنْ يُحْمَل الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَار تُقَابَل أَقْفِيَتهمَا , وَيُطَاف بِهِمَا - وَسَكَتَ شَابّ , فَلَمَّا رَآهُ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَة , فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا , فَإِنَّا نَجِد فِي التَّوْرَاة الرَّجْم . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَمَا أَوَّل مَا اِرْتَخَصَ أَمْر اللَّه ؟ | قَالَ : زَنَى رَجُل ذُو قَرَابَة مِنْ مَلِك مِنْ مُلُوكنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْم , ثُمَّ زَنَى رَجُل فِي أُسْرَة مِنْ النَّاس , فَأَرَادَ رَجْمه , فَحَالَ قَوْمه دُونه , وَقَالُوا : لَا تَرْجُم صَاحِبنَا حَتَّى تَجِيء بِصَاحِبِك فَتَرْجُمهُ , فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَة بَيْنهمْ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | فَإِنِّي أَحْكُم بِمَا فِي التَّوْرَاة | . فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ). 9388 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء يَحْكُمُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ ). 9389 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لِلَّذِينَ هَادُوا } يَعْنِي الْيَهُود , فَاحْكُمْ بَيْنهمْ وَلَا تَخْشَهُمْ ).|وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيْحكُمْ بِالتَّوْرَاةِ وَأَحْكَامهَا الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِيهَا فِي كُلّ زَمَان عَلَى مَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِهِ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا , الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار . وَالرَّبَّانِيُّونَ : جَمْع رَبَّانِيّ , وَهُمْ الْعُلَمَاء الْحُكَمَاء , الْبُصَرَاء بِسِيَاسَةِ النَّاس وَتَدْبِير أُمُورهمْ وَالْقِيَام بِمَصَالِحِهِمْ . وَالْأَحْبَار : هُمْ الْعُلَمَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , وَأَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ . وَأَمَّا الْأَحْبَار : فَإِنَّهُمْ جَمْع حَبْر , وَهُوَ الْعَالِم الْمُحْكِم لِلشَّيْءِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِكَعْبٍ : كَعْب الْأَحْبَار . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : أَكْثَر مَا سَمِعْت الْعَرَب تَقُول فِي وَاحِد الْأَحْبَار : حِبْر بِكَسْرِ الْحَاء . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول : عُنِيَ بِالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار فِي هَذَا الْمَوْضِع : اِبْنَا صُورِيَّا اللَّذَانِ أَقَرَّا لِرَسُولِ اللَّه بِحُكْمِ اللَّه تَعَالَى فِي التَّوْرَاة عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9390 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (كَانَ رَجُلَانِ مِنْ الْيَهُود أَخَوَانِ يُقَال لَهُمَا اِبْنَا صُورِيَّا , وَقَدْ اِتَّبَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسْلِمَا , وَأَعْطَيَاهُ عَهْدًا أَنْ لَا يَسْأَلهُمَا عَنْ شَيْء فِي التَّوْرَاة إِلَّا أَخْبَرَاهُ بِهِ . وَكَانَ أَحَدهمَا رِبِّيًّا , وَالْآخَر حَبْرًا , وَإِنَّمَا اِتَّبَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ . فَدَعَاهُمَا فَسَأَلَهُمَا , فَأَخْبَرَاهُ الْأَمْر كَيْفَ كَانَ حِين زَنَى الشَّرِيف وَزَنَى الْمِسْكِين , وَكَيْفَ غَيَّرُوهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة فِيهَا هُدًى وَنُور يَحْكُم بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا } يَعْنِي : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : هُمَا اِبْنَا صُورِيَّا . { لِلَّذِينَ هَادُوا } . ثُمَّ ذَكَرَ اِبْنَيْ صُورِيَّا , فَقَالَ : { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } ). وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْرَاة يَحْكُم بِهَا مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاء لِلْيَهُودِ وَالرَّبَّانِيُّونَ مِنْ خَلْقه وَالْأَحْبَار . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ اِبْنَا صُورِيَّا وَغَيْرهمَا , غَيْر أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي ظَاهِر التَّنْزِيل مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاء وَكُلّ رَبَّانِيّ وَحَبْر , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر التَّنْزِيل عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ خَاصّ مِنْ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار , وَلَا قَامَتْ بِذَلِكَ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , فَكُلّ رَبَّانِيّ وَحَبْر دَاخِل فِي الْآيَة بِظَاهِرِ التَّنْزِيل . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْأَحْبَار قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9391 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة , عَنْ الضَّحَّاك : (الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : قُرَّاؤُهُمْ وَفُقَهَاؤُهُمْ ). 9392 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن : (الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار : الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء ). 9393 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : . (الرَّبَّانِيُّونَ الْعُلَمَاء الْفُقَهَاء , وَهُمْ فَوْق الْأَحْبَار ). 9394 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : (الرَّبَّانِيُّونَ : فُقَهَاء الْيَهُود , وَالْأَحْبَار : عُلَمَاؤُهُمْ ). 9395 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا سُنَيْد بْن دَاوُد , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار } كُلّهمْ يَحْكُم بِمَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ ). 9396 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الرَّبَّانِيُّونَ : . (الْوُلَاة , وَالْأَحْبَار : الْعُلَمَاء ). وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَاب اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يَحْكُم النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِحُكْمِ التَّوْرَاة , وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار - يَعْنِي الْعُلَمَاء - بِمَا اُسْتُوْدِعُوا عِلْمهُ مِنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي هُوَ التَّوْرَاة . وَالْبَاء فِي قَوْله : { بِمَا اُسْتُحْفِظُوا } مِنْ صِلَة الْأَحْبَار . وَأَمَّا قَوْله : { وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار بِمَا اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَاب اللَّه يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا , وَكَانُوا عَلَى حُكْم النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا شُهَدَاء أَنَّهُمْ قَضَوْا عَلَيْهِمْ بِكِتَابِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه مُوسَى وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 9397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء } يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار هُمْ الشُّهَدَاء لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ أَنَّهُ حَقّ جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , فَهُوَ نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد , أَتَتْهُ الْيَهُود فَقَضَى بَيْنهمْ بِالْحَقِّ ).|فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوْا النَّاس وَاخْشَوْنِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعُلَمَاء الْيَهُود وَأَحْبَارهمْ : لَا تَخْشَوْا النَّاس فِي تَنْفِيذ حُكْمِي الَّذِي حَكَمْت بِهِ عَلَى عِبَادِي وَإِمْضَائِهِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا أَمَرْت , فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ لَكُمْ عَلَى ضُرّ وَلَا نَفْع إِلَّا بِإِذْنِي , وَلَا تَكْتُمُوا الرَّجْم الَّذِي جَعَلْته حُكْمًا فِي التَّوْرَاة عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , وَلَكِنْ اِخْشَوْنِي دُون كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقِي , فَإِنَّ النَّفْع وَالضُّرّ بِيَدِي , وَخَافُوا عِقَابِي فِي كِتْمَانكُمْ مَا اُسْتُحْفِظْتُمْ مِنْ كِتَابِي . كَمَا : 9398 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَلَا تَخْشَوْا النَّاس وَاخْشَوْنِ } يَقُول : لَا تَخْشَوْا النَّاس فَتَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْت .|وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : وَلَا تَأْخُذُوا بِتَرْكِ الْحُكْم بِآيَاتِ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَى مُوسَى أَيّهَا الْأَحْبَار عِوَضًا خَسِيسًا , وَذَلِكَ هُوَ الثَّمَن الْقَلِيل . وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْره نَهْيهمْ عَنْ أَكْل السُّحْت عَلَى تَحْرِيفهمْ كِتَاب اللَّه وَتَغْيِيرهمْ حُكْمه عَمَّا حَكَمَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام الَّتِي بَدَّلُوهَا , طَلَبًا مِنْهُمْ لِلرُّشَا ; كَمَا : . (9399 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : لَا تَأْكُلُوا السُّحْت عَلَى كِتَابِي . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا } قَالَ : لَا تَأْخُذُوا بِهِ رَشْوَة ). 9400 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا } وَلَا تَأْخُذُوا طُعْمًا قَلِيلًا عَلَى أَنْ تَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْت ).|وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ كَتَمَ حُكْم اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه , وَجَعَلَهُ حُكْمًا بَيْنَ عِبَاده فَأَخْفَاهُ , وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ , كَحُكْمِ الْيَهُود فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ بِالتَّجْبِيهِ وَالتَّحْمِيم , وَكِتْمَانهمْ الرَّجْم , وَكَقَضَائِهِمْ فِي بَعْض قَتْلَاهُمْ بِدِيَةٍ كَامِلَة وَفِي بَعْض بِنِصْفِ الدِّيَة , وَفِي الْأَشْرَاف بِالْقِصَاصِ وَفِي الْأَدْنِيَاء بِالدِّيَةِ , وَقَدْ سَوَّى اللَّه بَيْن جَمِيعهمْ فِي الْحُكْم عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة ; { فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه , وَلَكِنْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا حُكْمه وَكَتَمُوا الْحَقّ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه . { هُمْ الْكَافِرُونَ } يَقُول : هُمْ الَّذِينَ سَتَرُوا الْحَقّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ كَشْفه وَتَبْيِينه وَغَطَّوْهُ عَنْ النَّاس وَأَظْهَرُوا لَهُمْ غَيْره وَقَضَوْا بِهِ لِسُحْتٍ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْكُفْر فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْيَهُود الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه وَبَدَّلُوا حُكْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9401 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فِي الْكَافِرِينَ كُلّهَا ). 9402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو حَيَّان , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : (الثَّلَاث الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لَيْسَ فِي أَهْل الْإِسْلَام مِنْهَا شَيْء , هِيَ فِي الْكُفَّار ). 9403 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ الضَّحَّاك : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } و { الظَّالِمُونَ } و { الْفَاسِقُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب ). 9404 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان بْن حُدَيْر , قَالَ : أَتَى أَبَا مِجْلَز نَاس مِنْ بَنِي عَمْرو بْن سَدُوس , فَقَالُوا : (يَا أَبَا مِجْلَز , أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } أَحَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَقَالُوا : يَا أَبَا مِجْلَز , فَيَحْكُم هَؤُلَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه ؟ قَالَ : هُوَ دِينهمْ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ , وَبِهِ يَقُولُونَ , وَإِلَيْهِ يَدْعُونَ , فَإِنْ هُمْ تَرَكُوا شَيْئًا مِنْهُ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا ذَنْبًا . فَقَالُوا : لَا وَاَللَّه , وَلَكِنَّك تَفْرَقُ . قَالَ : أَنْتُمْ أَوْلَى بِهَذَا مِنِّي لَا أَرَى وَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ هَذَا وَلَا تَحَرَّجُونَ , وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأَهْل الشِّرْك . أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا ). 9405 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , قَالَ : (قَعَدَ إِلَى أَبِي مِجْلَز نَفَر مِنْ الْإِبَاضِيَّة , قَالَ : فَقَالُوا لَهُ : يَقُول اللَّه : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } . قَالَ أَبُو مِجْلَز : إِنَّهُمْ يَعْمَلُونَ مَا يَعْمَلُونَ - يَعْنِي الْأُمَرَاء - وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْب . قَالَ : وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالُوا : أَمَا وَاَللَّه إِنَّك لَتَعْلَم مِثْل مَا نَعْلَم , وَلَكِنَّك تَخْشَاهُمْ . قَالَ : أَنْتُمْ أَحَقّ بِذَلِكَ مِنَّا , أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْرِف مَا تَعْرِفُونَ وَلَكِنَّكُمْ تَعْرِفُونَهُ , وَلَكِنْ يَمْنَعكُمْ أَنْ تُمْضُوا أَمْركُمْ مِنْ خَشْيَتهمْ ). 9406 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة فِي قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نِعْمَ الْإِخْوَة لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , إِنْ كَانَتْ لَكُمْ كُلّ حُلْوَة وَلَهُمْ كُلّ مُرَّة , وَلَتَسْلُكُنَّ طَرِيقهمْ قَدْر الشِّرَاك ). 9407 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } و { الظَّالِمُونَ } وَ { الْفَاسِقُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب (. * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : قِيلَ لِحُذَيْفَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن بَشَّار , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ). * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل حُذَيْفَة , عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَات : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فَقِيلَ : ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : نِعْمَ الْإِخْوَة لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيل , إِنْ كَانَتْ لَهُمْ كُلّ مُرَّة , وَلَكُمْ كُلّ حُلْوَة , كَلَّا وَاَللَّه لَتَسْلُكُنَّ طَرِيقهمْ قَدْر الشِّرَاك ). 9408 - الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : (هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب ). 9409 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَات أُنْزِلَتْ فِي قَتِيل الْيَهُود الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ ). * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } وَ { الظَّالِمُونَ } وَ { الْفَاسِقُونَ } , لِأَهْلِ الْكِتَاب كُلّهمْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ كِتَاب اللَّه ). 9410 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : (مُرَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّم مَجْلُود , فَدَعَاهُمْ فَقَالَ : | هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ مَنْ زَنَى ؟ | قَالُوا : نَعَمْ . فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ , فَقَالَ : | أَنْشُدك اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى , هَكَذَا تَجِدُونَ حَدّ الزَّانِي فِي كِتَابكُمْ ؟ | قَالَ : لَا , وَلَوْلَا أَنَّك أَنْشَدْتنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرك , نَجِد حَدّه فِي كِتَابنَا الرَّجْم , وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافنَا , فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيف تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيع أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدّ , فَقُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ جَمِيعًا عَلَى التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّل مَنْ أَحْيَا أَمْرك إِذْ أَمَاتُوهُ | . فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } يَعْنِي الْيَهُود , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي الْيَهُود , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } لِلْكُفَّارِ كُلّهَا ). 9411 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : مَنْ حَكَمَ بِكِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ بِيَدِهِ وَتَرَكَ كِتَاب اللَّه وَزَعَمَ أَنَّ كِتَابه هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَقَدْ كَفَرَ ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْو حَدِيث الْقَاسِم , عَنْ الْحَسَن . (غَيْر أَنَّ هَنَّادًا قَالَ فِي حَدِيثه : فَقُلْنَا : تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ فِي شَيْء نُقِيمهُ عَلَى الشَّرِيف وَالضَّعِيف ! فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيم وَالْجَلْد مَكَان الرَّجْم . وَسَائِر الْحَدِيث نَحْو حَدِيث الْقَاسِم ). 9412 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : . (كُنَّا عِنْد عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , فَذَكَرَ رَجُل عِنْده : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فَقَالَ عُبَيْد اللَّه : أَمَا وَاَللَّه إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس يَتَأَوَّلُونَ هَؤُلَاءِ الْآيَات عَلَى مَا لَمْ يَنْزِلْنَ عَلَيْهِ , وَمَا أُنْزِلْنَ إِلَّا فِي حَيَّيْنِ مِنْ يَهُود . ثُمَّ قَالَ : هِيَ قُرَيْظَة وَالنَّضِير ; وَذَلِكَ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَانَتْ قَدْ غَزَتْ الْأُخْرَى وَقَهَرَتْهَا قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , حَتَّى اِرْتَضَوْا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلّ قَتِيل قَتَلَتْهُ الْعَزِيزَة مِنْ الذَّلِيلَة فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقًا , وَكُلّ قَتِيل قَتَلَتْهُ الذَّلِيلَة مِنْ الْعَزِيزَة فَدِيَتُهُ مِائَة وَسْق . فَأَعْطَوْهُمْ فَرَقًا وَضَيْمًا . فَقَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَذَلَّتْ الطَّائِفَتَانِ بِمَقْدِمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَظْهَر عَلَيْهِمَا . فَبَيْنَمَا هُمَا عَلَى ذَلِكَ أَصَابَتْ الذَّلِيلَة مِنْ الْعَزِيزَة قَتِيلًا , فَقَالَتْ الْعَزِيزَة : أَعْطُونَا مِائَة وَسْق ! فَقَالَتْ الذَّلِيلَة : وَهَلْ كَانَ هَذَا قَطُّ فِي حَيَّيْنِ دِينهمَا وَاحِد وَبَلَدهمَا وَاحِد دِيَة بَعْضهمْ ضِعْف دِيَة بَعْض ؟ إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا فَرَقًا مِنْكُمْ وَضَيْمًا , فَاجْعَلُوا بَيْننَا وَبَيْنكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمْ . ثُمَّ إِنَّ الْعَزِيزَة تَذَاكَرَتْ بَيْنهَا , فَخَشِيَتْ أَنْ لَا يُعْطِيهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابهَا ضِعْف مَا تُعْطَى أَصْحَابهَا مِنْهَا , فَدَسُّوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ , فَقَالُوا لَهُمْ : اُخْبُرُوا لَنَا رَأْي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ أَعْطَانَا مَا نُرِيد حَكَّمْنَاهُ , وَإِنْ لَمْ يُعْطِنَا حَذِرْنَاهُ وَلَمْ نُحَكِّمهُ ! فَذَهَبَ الْمُنَافِق إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ الْأَمْر كُلّه . قَالَ عُبَيْد اللَّه : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيهِمْ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول لَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } هَؤُلَاءِ الْآيَات كُلّهنَّ , حَتَّى بَلَغَ : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ } إِلَى { الْفَاسِقُونَ } ; قَرَأَ عُبَيْد اللَّه ذَلِكَ آيَة آيَة وَفَسَّرَهَا عَلَى مَا أَنْزَلَ , حَتَّى فَرَغَ مِنْ تَفْسِير ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآيَات , ثُمَّ قَالَ : إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ يَهُود , وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الصِّفَة ). وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِالْكَافِرِينَ أَهْل الْإِسْلَام , وَبِالظَّالِمِينَ : الْيَهُود , وَبِالْفَاسِقِينَ : النَّصَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9413 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , قَالَ : (نَزَلَتْ | الْكَافِرُونَ | فِي الْمُسْلِمِينَ , وَ | الظَّالِمُونَ | فِي الْيَهُود , وَ | الْفَاسِقُونَ | فِي النَّصَارَى ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي السَّفَر , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : ( الْكَافِرُونَ | فِي الْمُسْلِمِينَ , وَ | الظَّالِمُونَ | فِي الْيَهُود , وَ | الْفَاسِقُونَ | فِي النَّصَارَى ). 9414 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَأَبُو السَّائِب , وَوَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالُوا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ اِبْن شُبْرُمَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (آيَة فِينَا , وَآيَتَانِ فِي أَهْل الْكِتَاب : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } فِينَا ; { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَ | الْفَاسِقُونَ | فِي أَهْل الْكِتَاب ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , مِثْل حَدِيث زَكَرِيَّا عَنْهُ . 9415 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ اِبْن أَبِي السَّفَر , عَنْ الشَّعْبِيّ : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : النَّصَارَى ). * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : فِينَا أَهْل الْإِسْلَام . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } قَالَ فِي الْيَهُود . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فِي النَّصَارَى ). * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ الْأُولَى فِي الْمُسْلِمِينَ , وَالثَّانِيَة فِي الْيَهُود , وَالثَّالِثَة فِي النَّصَارَى ). * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يَعْلَى , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِي بِذَلِكَ : كُفْر دُون كُفْر , وَظُلْم دُون ظُلْم , وَفِسْق دُون فِسْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : كُفْر دُون كُفْر , وَفِسْق دُون فِسْق , وَظُلْم دُون ظُلْم ). * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ أَيُّوب بْن أَبِي تَمِيمَة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , بِنَحْوِهِ . 9417 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَعِيد الْمَكِّيّ , عَنْ طَاوُس : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُل عَنْ الْمِلَّة ). 9418 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر بْن رَاشِد , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هِيَ بِهِ كُفْر , وَلَيْسَ كُفْرًا بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله ). * - حَدَّثَنِي الْحَسَن , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَات : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهِ كُفْر , وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَبِكَذَا وَكَذَا ). * - الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : هِيَ بِهِ كُفْر . قَالَ اِبْن طَاوُس : وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله ). * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ طَاوُس : ( { فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : كُفْر لَا يَنْقُل عَنْ الْمِلَّة . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : كُفْر دُون كُفْر , وَظُلْم دُون ظُلْم , وَفِسْق دُون فِسْق ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي أَهْل الْكِتَاب , وَهِيَ مُرَاد بِهَا جَمِيع النَّاس مُسْلِمُوهُمْ وَكُفَّارهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9419 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّة بِهَا (. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَضِيَ لَكُمْ بِهَا ). * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , ثُمَّ رَضِيَ بِهَا لِهَؤُلَاءِ ). 9420 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود , وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَة (. 9421 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عَلْقَمَة وَمَسْرُوق : )أَنَّهُمَا سَأَلَا اِبْن مَسْعُود عَنْ الرِّشْوَة , فَقَالَ : مِنْ السُّحْت . قَالَ : فَقَالَا : أَفِي الْحُكْم ؟ قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } (. 9422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ) { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلْت فَتَرَكَهُ عَمْدًا وَجَارَ وَهُوَ يَعْلَم فَهُوَ مِنْ الْكَافِرِينَ (. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه جَاحِدًا بِهِ , فَأَمَّا الظُّلْم وَالْفِسْق فَهُوَ لِلْمُقِرِّ بِهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9423 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } قَالَ : مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فَقَدْ كَفَرَ , وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُم فَهُوَ ظَالِم فَاسِق (. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي كُفَّار أَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ مَا قَبْلهَا وَمَا بَعْدهَا مِنْ الْآيَات فَفِيهِمْ نَزَلَتْ وَهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا , وَهَذِهِ الْآيَات سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , فَكَوْنهَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيع مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , فَكَيْفَ جَعَلْته خَاصًّا ؟ قِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْم كَانُوا بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابه جَاحِدِينَ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمْ الْحُكْم عَلَى سَبِيل مَا تَرَكُوهُ كَافِرُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي كُلّ مَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه جَاحِدًا بِهِ , هُوَ بِاَللَّهِ كَافِر , كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حُكْم اللَّه بَعْد عِلْمه أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه نَظِير جُحُوده نُبُوَّة نَبِيّه بَعْد عِلْمه أَنَّهُ نَبِيّ .

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ا

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَتَبْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ يُحَكِّمُونَك يَا مُحَمَّد , وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة فِيهَا حُكْم اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { كَتَبْنَا } فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَحْكُمُوا فِي النَّفْس إِذَا قَتَلَتْ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقّ بِالنَّفْسِ , يَعْنِي : أَنْ تُقْتَل النَّفْس الْقَاتِلَة بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة . { وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ } يَقُول : وَفَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَفْقَئُوا الْعَيْن الَّتِي فَقَأَ صَاحِبهَا مِثْلهَا مِنْ نَفْس أُخْرَى بِالْعَيْنِ الْمَفْقُوءَة , وَيُجْدَع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , وَيُقْطَع الْأُذُن بِالْأُذُنِ , وَيُقْلَع السِّنّ بِالسِّنِّ , وَيُقْتَصّ مِنْ الْجَارِح غَيْره ظُلْمًا لِلْمَجْرُوحِ . وَهَذَا إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُود , وَتَعْزِيَة مِنْهُ لَهُ عَنْ كُفْر مَنْ كُفْر مِنْهُمْ بِهِ بَعْد إِقْرَاره بِنُبُوَّتِهِ وَإِدْبَاره عَنْهُ بَعْد إِقْبَاله , وَتَعْرِيف مِنْهُ لَهُ جَرَاءَتهمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى رَبّهمْ وَعَلَى رُسُل رَبّهمْ وَتَقَدُّمهمْ عَلَى كِتَاب اللَّه بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيل ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : وَكَيْفَ يَرْضَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَا مُحَمَّد بِحُكْمِك إِذَا جَاءُوا يُحَكِّمُونَك وَعِنْدهمْ التَّوْرَاة الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا كِتَابِي وَوَحْيِي إِلَى رَسُولِي مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حُكْمِي بِالرَّجْمِ عَلَى الزُّنَاة الْمُحْصَنِينَ , وَقَضَائِي بَيْنهمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا فَهُوَ بِهَا قَوَد , وَمَنْ فَقَأَ عَيْنًا بِغَيْرِ حَقّ فَعَيْنه بِهَا مَفْقُوءَة قِصَاصًا , وَمَنْ جَدَعَ أَنْفًا فَأَنْفه بِهِ مَجْدُوع , وَمَنْ قَلَعَ سِنًّا فَسِنّه بِهَا مَقْلُوعَة , وَمَنْ جَرَحَ غَيْره جُرْحًا فَهُوَ مُقْتَصّ مِنْهُ مِثْل الْجُرْح الَّذِي جَرَحَهُ , ثُمَّ هُمْ مَعَ الْحُكْم الَّذِي عِنْده فِي التَّوْرَاة مِنْ أَحْكَامِي يَتَوَلَّوْنَ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَ الْعَمَل بِهِ ; يَقُول : فَهُمْ بِتَرْكِ حُكْمك وَبِسَخَطِ قَضَائِك بَيْنهمْ أَحْرَى وَأَوْلَى . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9424 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (لَمَّا رَأَتْ قُرَيْظَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ وَكَانُوا يُخْفُونَهُ فِي كِتَابهمْ , نَهَضَتْ قُرَيْظَة , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد اِقْضِ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا بَنِي النَّضِير ! وَكَانَ بَيْنهمْ دَم قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ النَّضِير يَتَعَزَّزُونَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَة وَدِيَاتهمْ عَلَى أَنْصَاف دِيَات النَّضِير , وَكَانَتْ الدِّيَة مِنْ وُسُوق التَّمْر أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَسْق لِبَنِي النَّضِير وَسَبْعِينَ وَسْقًا لِبَنِي قُرَيْظَة . فَقَالَ : | دَم الْقُرَظِيّ وَفَاء مِنْ دَم النَّضِيرِيّ | . فَغَضِبَ بَنُو النَّضِير , وَقَالُوا : لَا نُطِيعك فِي الرَّجْم , وَلَكِنْ نَأْخُذ بِحُدُودِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا ! فَنَزَلَتْ : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } , وَنَزَلَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } الْآيَة ). 9425 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ : فَمَا بَالهمْ يُخَالِفُونَ , يَقْتُلُونَ النَّفْسَيْنِ بِالنَّفْسِ , وَيَفْقَئُونَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَيْنِ ؟ ). 9426 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا خَلَّاد الْكُوفِيّ , قَالَ : ثنا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : (كَانَ بَيْن حَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَار قِتَال , فَكَانَ بَيْنهمْ قَتْلَى , وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَر طَوْلٌ . فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَجْعَل الْحُرّ بِالْحُرِّ , وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ , وَالْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ ; فَنَزَلَتْ : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ } . قَالَ سُفْيَان : وَبَلَغَنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : نَسَخَتْهَا : { النَّفْس بِالنَّفْسِ } ). 9427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } فِيهَا فِي التَّوْرَاة , { وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ } حَتَّى : { وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى , لَيْسَ بَيْنهمْ دِيَة فِي نَفْس وَلَا جُرْح . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } فِي التَّوْرَاة , فَخَفَّفَ اللَّه عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَة فِي النَّفْس وَالْجِرَاح , وَذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة , فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ ). 9428 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } قَالَ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمْ يُجْعَل لَهُمْ دِيَة فِيمَا كَتَبَ اللَّه لِمُوسَى فِي التَّوْرَاة مِنْ نَفْس قُتِلَتْ , أَوْ جُرْح , أَوْ سِنّ , أَوْ عَيْن , أَوْ أَنْف , إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاص أَوْ الْعَفْو ). 9429 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } أَيْ فِي التَّوْرَاة , { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } ). 9430 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } أَيْ فِي التَّوْرَاة , { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } ). 9431 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } حَتَّى بَلَغَ : { وَالْجُرُوح قِصَاص } بَعْضهَا بِبَعْضٍ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } قَالَ : يَقُول : تُقْتَل النَّفْس بِالنَّفْسِ , وَتُفْقَأ الْعَيْن بِالْعَيْنِ , وَيُقْطَع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , وَتُنْزَع السِّنّ بِالسِّنِّ , وَتُقْتَصّ الْجِرَاح بِالْجِرَاحِ ). فَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ أَحْرَار الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنهمْ رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ إِذَا كَانَ فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس ; وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَبِيد رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ إِذَا كَانَ عَمْدًا فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس .|فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهِ : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَجْرُوح وَوَلِيّ الْقَتِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : يُهْدَم عَنْهُ - يَعْنِي الْمَجْرُوح - مِثْل ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبه ). * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , عَنْ الْهَيْثَم بْن الْأَسْوَد أَبِي الْعُرْيَان , قَالَ : (رَأَيْت مُعَاوِيَة قَاعِدًا عَلَى السَّرِير وَإِلَى جَنْبه رَجُل آخَر كَأَنَّهُ مَوْلَى , وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , فَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : يُهْدَم عَنْهُ مِنْ ذُنُوبه مِثْل مَا تَصَدَّقَ بِهِ ). 9433 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ ). 9434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ أَبِي عُقْبَة , عَنْ جَابِر بْن زَيْد : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ رَجُل - قَالَ حَرَمِيّ : نَسِيت اِسْمه - عَنْ جَابِر بْن زَيْد بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : لِلْمَجْرُوحِ ). 9435 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي السَّفَر , قَالَ : (دَفَعَ رَجُل مِنْ قُرَيْش رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , فَانْدَقَّتْ ثنيَّته , فَرَفَعَهُ الْأَنْصَارِيّ إِلَى مُعَاوِيَة . فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ الرَّجُل , قَالَ مُعَاوِيَة : شَأْنك وَصَاحِبك ! قَالَ : وَأَبُو الدَّرْدَاء عِنْد مُعَاوِيَة , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | مَا مِنْ مُسْلِم يُصَاب بِشَيْءٍ مِنْ جَسَده فَيَهَبهُ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه بِهِ دَرَجَة وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَة | . فَقَالَ لَهُ الْأَنْصَارِيّ : أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي . فَخَلَّى سَبِيل الْقُرَشِيّ , فَقَالَ مُعَاوِيَة : مُرُوا لَهُ بِمَالٍ ). 9436 - حَدَّثَنَا مَحْمُود بْن خِدَاش , قَالَ : ثنا هُشَيْم بْن بَشِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ اِبْن الصَّامِت : (سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | مَنْ جُرِحَ فِي جَسَده جِرَاحَة فَتَصَدَّقَ بِهَا , كُفِّرَ عَنْهُ ذُنُوبه بِمِثْلِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ | ). 9437 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْمَجْرُوحِ ). 9438 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ زَكَرِيَّا , قَالَ : سَمِعْت عَامِرًا يَقُول : . (كَفَّارَة لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ ). 9439 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : لِوَلِيِّ الْقَتِيل الَّذِي عَفَا ). * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي شُبَيْب بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ الْهَيْثَم أَبِي الْعُرْيَان , قَالَ : (كُنْت بِالشَّامِ , وَإِذَا بِرَجُلٍ مَعَ مُعَاوِيَة قَاعِد عَلَى السَّرِير كَأَنَّهُ مَوْلًى , قَالَ : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ هَدَمَ اللَّه عَنْهُ مِثْله مِنْ ذُنُوبه . فَإِذَا هُوَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ). وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِح , وَقَالُوا مَعْنَى الْآيَة : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ قَوَد أَوْ قِصَاص عَلَى مَنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِ , فَعَفَا عَنْهُ , فَعَفْوه ذَلِكَ عَنْ الْجَانِي كَفَّارَة لِذَنْبِ الْجَانِي الْمُجْرِم , كَمَا الْقِصَاص مِنْهُ كَفَّارَة لَهُ ; قَالُوا : فَأَمَّا أَجْر الْعَافِي الْمُتَصَدِّق فَعَلَى اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9440 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه ). 9441 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : (سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول لِأَبِي إِسْحَاق : { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَا أَبَا إِسْحَاق ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاق : لِلْمُتَصَدِّقِ . فَقَالَ مُجَاهِد : لِلْمُذْنِبِ الْجَارِح ). * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : قَالَ مُغِيرَة , قَالَ مُجَاهِد : . (لِلْجَارِحِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9442 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم وَمُجَاهِد : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَا : الَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه . قَالَ هَنَّاد فِي حَدِيثه , قَالَا : كَفَّارَة لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد بْن حُمَيْد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 9443 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ عَامِر , قَالَ : . (كَفَّارَة لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم , قَالَا : (كَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّه ). 9444 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن أَسْلَمَ يَقُول : (إِنْ عَفَا عَنْهُ أَوْ اِقْتَصَّ مِنْهُ , أَوْ قَبِلَ مِنْهُ الدِّيَة , فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ ). 9445 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (كَفَّارَة لِلْجَارِحِ وَأَجْر لِلْعَافِي , لِقَوْلِهِ : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْره عَلَى اللَّه } ). 9446 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : كَفَّارَة لِلْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَا } قَالَ : هِيَ كَفَّارَة لِلْجَارِحِ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } قَالَ : فَالْكَفَّارَة لِلْجَارِحِ , وَأَجْر الْمُتَصَدِّق عَلَى اللَّه ). * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : ( { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : لِلْقَاتِلِ , وَأَجْر لِلْعَافِي ). 9447 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن ظَبْيَانِ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : (هُتِمَ رَجُل عَلَى عَهْد مُعَاوِيَة , فَأُعْطِيَ دِيَة فَلَمْ يَقْبَل , ثُمَّ أُعْطِيَ دِيَتَيْنِ فَلَمْ يَقْبَل , ثُمَّ أُعْطِيَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَقْبَل . فَحَدَّثَ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُول اللَّه , قَالَ : | فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ فَمَا دُونه , كَانَ كَفَّارَة لَهُ مِنْ يَوْم تَصَدَّقَ إِلَى يَوْم وُلِدَ | . قَالَ : فَتَصَدَّقَ الرَّجُل (. 9448 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { وَالْجُرُوح قِصَاص فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ } يَقُول : مَنْ جُرِحَ فَتَصَدَّقَ بِاَلَّذِي جُرِحَ بِهِ عَلَى الْجَارِح , فَلَيْسَ عَلَى الْجَارِح سَبِيل وَلَا قَوَد وَلَا عَقْل وَلَا جُرْح عَلَيْهِ ; مِنْ أَجْل أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ الَّذِي جَرَحَ , فَكَانَ كَفَّارَة لَهُ مِنْ ظُلْمه الَّذِي ظَلَمَ (. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ الْمَجْرُوح , فَلِأَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله | لَهُ | عَائِدَة عَلَى مَنْ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر مَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر إِلَّا بِالْمَعْنَى دُون التَّصْرِيح وَأَحْرَى , إِذْ الصَّدَقَة هِيَ الْمُكَفِّرَة ذَنْب صَاحِبهَا دُون الْمُتَصَدَّق عَلَيْهِ فِي سَائِر الصَّدَقَات غَيْر هَذِهِ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون سَبِيل هَذِهِ سَبِيل غَيْرهَا مِنْ الصَّدَقَات . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْقِصَاص إِذْ كَانَ يُكَفِّر ذَنْب صَاحِبه الْمُقْتَصّ , مِنْهُ الَّذِي أَتَاهُ فِي قَتْل مَنْ قَتَلَهُ ظُلْمًا , لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ الْبَيْعَة عَلَى أَصْحَابه : | أَنْ لَا تَقْتُلُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا | ثُمَّ قَالَ : | فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّه , فَهُوَ كَفَّارَته | . فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون عَفْو الْعَافِي الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيّ الْمَقْتُول عَنْهُ , نَظِيره فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ كَفَّارَة , فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون عَفْو الْمَقْذُوف عَنْ قَاذِفه بِالزِّنَا وَتَرْكه أَخْذه بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنْ الْحَدّ , وَقَدْ قَذَفَهُ قَاذِفه وَهُوَ عَفِيف مُسْلِم مُحْصَن , كَفَّارَة لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ وَمَعْصِيَته الَّتِي أَتَاهَا , وَذَلِكَ مَا لَا نَعْلَم قَائِلًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولهُ . فَإِذْ كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون تَرْك الْمَقْذُوف الَّذِي وَصَفْنَا أَمْره أَخْذ قَاذِفه بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنْ الْحَدّ كَفَّارَة لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ , كَانَ كَذَلِكَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون تَرْك الْمَجْرُوح أَخْذ الْجَارِح بِحَقِّهِ مِنْ الْقِصَاص كَفَّارَة لِلْجَارِحِ مِنْ ذَنْبه الَّذِي رَكِبَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ لِلْمَجْرُوحِ عِنْدك أَخْذ جَارِحه بِدِيَةِ جُرْحه مَكَان الْقِصَاص ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : أَفَرَأَيْت لَوْ اِخْتَارَ الدِّيَة ثُمَّ عَفَا عَنْهَا , أَكَانَتْ لَهُ قَبْله فِي الْآخِرَة تَبِعَة ؟ قِيلَ لَهُ : هَذَا كَلَام عِنْدنَا مُحَال , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُون عِنْدنَا مُخْتَار الدِّيَة إِلَّا وَهُوَ لَهَا آخِذ . فَأَمَّا الْعَفْو فَإِنَّمَا هُوَ عَفْو عَنْ الدَّم . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة ذَلِكَ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع . إِلَّا أَنْ يَكُون مُرَادًا بِذَلِكَ هِبَتهَا لِمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَعْد الْأَخْذ , مَعَ أَنَّ عَفْوه عَنْ الدِّيَة بَعْد اِخْتِيَاره إِيَّاهَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِي صِحَّة ذَلِكَ مَا يُوجِب أَنْ يَكُون الْمَعْفُوّ لَهُ عَنْهَا بَرِيئًا مِنْ عُقُوبَة ذَنْبه عِنْد اللَّه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَوْعَدَ قَاتِل الْمُؤْمِن بِمَا أَوْعَدَهُ بِهِ , إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبه , وَالدِّيَة مَأْخُوذَة مِنْهُ , أَحَبَّ أَمْ سَخِطَ , وَالتَّوْبَة مِنْ التَّائِب إِنَّمَا تَكُون تَوْبَة إِذَا اِخْتَارَهَا وَأَرَادَهَا وَآثَرَهَا عَلَى الْإِصْرَار . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون لَهُ كَفَّارَة كَمَا جَازَ الْقِصَاص كَفَّارَة ; فَإِنَّا إِنَّمَا جَعَلْنَا الْقِصَاص لَهُ كَفَّارَة مَعَ نَدَمه وَبَذْله نَفْسه لِأَخْذِ الْحَقّ مِنْهَا تَنَصُّلًا مِنْ ذَنْبه , بِخَبَرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَمَّا الدِّيَة إِذَا اِخْتَارَهَا الْمَجْرُوح ثُمَّ عَفَا عَنْهَا فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِحَدِّ ذَنْبه , فَيَكُون مِمَّنْ دَخَلَ فِي حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْله : | فَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ فَهُوَ كَفَّارَته | . ثُمَّ مِمَّا يُؤَكِّد صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : | فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ | , وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْل . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْقَائِلُونَ أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِح , أَرَادُوا الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , الَّذِي : 9449 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا اِبْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : )أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِذَا أَصَابَ رَجُل رَجُلًا وَلَا يَعْلَم الْمُصَاب مَنْ أَصَابَهُ فَاعْتَرَفَ لَهُ الْمُصِيب , قَالَ : وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول عِنْد هَذَا : أَصَابَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر عَيْن إِنْسَان عِنْد الرُّكْن فِيمَا يَسْتَلِمُونَ , فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَنَا عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِك بَأْس فَأَنَا بِهَا (. وَإِذَا كَانَ الْأَمْر مِنْ الْجَارِح عَلَى نَحْو مَا كَانَ مِنْ عُرْوَة مِنْ خَطَأ فِعْل عَلَى غَيْر عَمْد ثُمَّ اِعْتَرَفَ لِلَّذِي أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَهُ فَعَفَا لَهُ الْمُصَاب بِذَلِكَ عَنْ حَقّه قِبَلَهُ , فَلَا تَبِعَة لَهُ حِينَئِذٍ قِبَل الْمُصِيب فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ; لِأَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ قِبَله مَال لَا قِصَاص وَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ , فَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ كَفَّارَة لَهُ مِنْ حَقّه الَّذِي كَانَ لَهُ أَخْذه بِهِ , فَلَا طَلَبَة لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ قِبَلَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , وَلَا عُقُوبَة تَلْزَمهُ بِهَا بِمَا كَانَ مِنْهُ مَنْ أَصَابَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّد إِصَابَته بِمَا أَصَابَهُ بِهِ فَيَكُون بِفِعْلِهِ إِنَّمَا يَسْتَحِقّ بِهِ الْعُقُوبَة مِنْ رَبّه ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَ الْجُنَاح عَنْ عِبَاده فِيمَا أَخْطَئُوا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدُوهُ مِنْ أَفْعَالهمْ , فَقَالَ فِي كِتَابه : { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبكُمْ } . وَقَدْ يُرَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع بِالدَّمِ : الْعَفْو عَنْهُ .|وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي التَّوْرَاة مِنْ قَوَد النَّفْس الْقَاتِلَة قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة ظُلْمًا . وَلَمْ يَفْقَأ عَيْن الْفَاقِئ بِعَيْنِ الْمَفْقُوءَة ظُلْمًا قِصَاصًا مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّه بِهِ بِذَلِكَ فِي كِتَابه , وَلَكِنْ أَقَادَ مِنْ بَعْض وَلَمْ يَقُدْ مِنْ بَعْض , أَوْ قَتَلَ فِي بَعْض اِثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ , وَإِنَّ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْ الظَّالِمِينَ , يَعْنِي مِمَّنْ جَارَ عَلَى حُكْم اللَّه وَوَضَعَ فِعْله مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُ مَوْضِعًا .

وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارهمْ بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارهمْ } أَتْبَعْنَا , يَقُول : أَتْبَعْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَى آثَار النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلك يَا مُحَمَّد , فَبَعَثْنَاهُ نَبِيًّا مُصَدِّقًا لِكِتَابِنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُوسَى مِنْ قَبْله أَنَّهُ حَقّ وَأَنَّ الْعَمَل بِمَا لَمْ يَنْسَخهُ الْإِنْجِيل مِنْهُ فَرْض وَاجِب .|وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ| {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل } يَقُول : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِ كِتَابنَا الَّذِي اِسْمه الْإِنْجِيل .|فِيهِ هُدًى وَنُورٌ| { فِيهِ هُدًى وَنُور } يَقُول : فِي الْإِنْجِيل هُدًى , وَهُوَ بَيَان مَا جَهِلَهُ النَّاس مِنْ حُكْم اللَّه فِي زَمَانه , { وَنُور } يَقُول : وَضِيَاء مِنْ عَمَى الْجَهَالَة|وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ| { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ , وَأَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ بِتَصْدِيقِ مَا كَانَ قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي كَانَ أَنْزَلَهَا عَلَى كُلّ أُمَّة أُنْزِلَ إِلَى نَبِيّهَا كِتَاب لِلْعَمَلِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى نَبِيّهمْ فِي ذَلِكَ الْكِتَاب مِنْ تَحْلِيل مَا حَلَّلَ وَتَحْرِيم مَا حَرَّمَ .|وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ| { وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : أَنْزَلْنَا الْإِنْجِيل إِلَى عِيسَى مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ الَّتِي قَبْله , وَبَيَانًا لِحُكْمِ اللَّه الَّذِي اِرْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ فِي زَمَان عِيسَى وَمَوْعِظَة لَهُمْ , يَقُول : وَزَجْرًا لَهُمْ عَمَّا يَكْرَههُ اللَّه إِلَى مَا يُحِبّهُ مِنْ الْأَعْمَال , وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَيْهِ . وَالْمُتَّقُونَ : هُمْ الَّذِينَ خَافُوا اللَّه وَحَذِرُوا عِقَابه , فَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَحَذِرُوهُ بِتَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ فِعْله , وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته .

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل } فَقَرَأَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَلْيَحْكُمْ } بِتَسْكِينِ اللَّام عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه لِأَهْلِ الْإِنْجِيل أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مِنْ أَحْكَامه . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَأَمَرْنَا أَهْله أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ . فَيَكُون فِي الْكَلَام مَحْذُوف تُرِكَ اِسْتِغْنَاء بِمَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة : | وَلِيَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل | بِكَسْرِ اللَّام مِنْ | لِيَحْكُم | , بِمَعْنَى : كَيْ يَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل . وَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَكَيْ يَحْكُم أَهْله بِمَا فِيهِ مِنْ حُكْم اللَّه . وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ قَارِئ فَمُصِيب فِيهِ الصَّوَاب ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُنْزِل كِتَابًا عَلَى نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا لِيَعْمَل بِمَا فِيهِ أَهْله الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ , وَلَمْ يُنْزِلهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ , فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ , وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَهْله . فَكَذَلِكَ الْإِنْجِيل , إِذْ كَانَ مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ , فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ عَلَى عِيسَى , وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ أَهْله . فَسَوَاء قُرِئَ عَلَى وَجْه الْأَمْر بِتَسْكِينِ اللَّام أَوْ قُرِئَ عَلَى وَجْه الْخَبَر بِكَسْرِهَا لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب مِنْ قِرَاءَته ذَلِكَ : | وَأَنْ اُحْكُمْ | عَلَى وَجْه الْأَمْر , فَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحّ بِهِ النَّقْل عَنْهُ , وَلَوْ صَحَّ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِب أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِخِلَافِهِ مَحْظُورَة , إِذْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا , وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَئِمَّة الْقُرَّاء قَدْ قَرَءُوا بِهَا . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّام مِنْ | لِيَحْكُم | : وَآتَيْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْإِنْجِيل , فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَهُدًى وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ , وَكَيْ يَحْكُم أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ ; فَبَدَّلُوا حُكْمه وَخَالَفُوهُ , فَضَلُّوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ , إِذْ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَخَالَفُوهُ . { فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } يَعْنِي : الْخَارِجِينَ عَنْ أَمْر اللَّه فِيهِ , الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فِي كِتَابه . فَأَمَّا إِذَا قُرِئَ بِتَسْكِينِ اللَّام , فَتَأْوِيله : وَآتَيْنَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْإِنْجِيل , فِيهِ هُدًى وَنُور , وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاة , وَأَمَرْنَا أَهْله أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ , فَلَمْ يُطِيعُونَا فِي أَمْرنَا إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ , وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا أَمْرنَا , فَاَلَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ هُمْ الْفَاسِقُونَ . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : الْفَاسِقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِع وَفِي غَيْره : هُمْ الْكَاذِبُونَ . 9450 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَلْيَحْكُمْ أَهْل الْإِنْجِيل بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُم مِنْ أَهْل الْإِنْجِيل أَيْضًا بِذَلِكَ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ; قَالَ : الْكَاذِبُونَ بِهَذَا . قَالَ : وَقَالَ اِبْن زَيْد : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن إِلَّا قَلِيلًا | فَاسِق | فَهُوَ كَاذِب ; وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَأٍ } [49 6 ]قَالَ : الْفَاسِق هَاهُنَا : كَاذِب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْق بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع ).

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } </subtitle>وَهَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك } يَا مُحَمَّد { الْكِتَاب } , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِالْحَقِّ } بِالصِّدْقِ , وَلَا كَذِب فِيهِ , وَلَا شَكّ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : أَنْزَلْنَاهُ بِتَصْدِيقِ مَا قَبْله مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِى أَنْزَلَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ .|وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ| {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَقُول : أَنْزَلْنَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ قَبْله , وَشَهِيدًا عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه , أَمِينًا عَلَيْهَا , حَافِظًا لَهَا . وَأَصْل الْهَيْمَنَة : الْحِفْظ وَالِارْتِقَاب , يُقَال إِذَا رَقَبَ الرَّجُل الشَّيْء وَحَفِظَهُ وَشَهِدَهُ : قَدْ هَيْمَنَ فُلَان عَلَيْهِ , فَهُوَ يُهَيْمِن هَيْمَنَة , وَهُوَ عَلَيْهِ مُهَيْمِن . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . إِلَّا أَنَّهُمْ اِخْتَلَفَتْ عِبَارَاتهمْ عَنْهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : شَهِيدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9451 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَقُول : شَهِيدًا ). 9452 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : شَهِيدًا عَلَيْهِ ). 9453 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : الْكُتُب الَّتِي خَلَتْ قَبْله , { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } أَمِينًا وَشَاهِدًا عَلَى الْكُتُب الَّتِي خَلَتْ قَبْله ). 9454 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } مُؤْتَمَنًا عَلَى الْقُرْآن وَشَاهِدًا وَمُصَدِّقًا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج وَآخَرُونَ : الْقُرْآن أَمِين عَلَى الْكُتُب فِيمَا إِذَا أَخْبَرَنَا أَهْل الْكِتَاب فِي كِتَابهمْ بِأَمْرٍ إِنْ كَانَ فِي الْقُرْآن فَصَدَقُوا , وَإِلَّا فَكَذَبُوا ). وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَمِين عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9455 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : . ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : وَالْمُهَيْمِن : الْأَمِين , قَالَ : الْقُرْآن أَمِين عَلَى كُلّ كِتَاب قَبْله ). 9456 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } وَهُوَ الْقُرْآن , شَاهِد عَلَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , مُصَدِّقًا لَهُمَا . { مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } يَعْنِي : أَمِينًا عَلَيْهِ , يَحْكُم عَلَى مَا كَانَ قَبْله مِنْ الْكُتُب ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ زُهَيْر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى الْحَمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9457 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب . )9458 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : (سَأَلْت الْحُسَيْن , عَنْ قَوْله : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُصَدِّقًا لِهَذِهِ الْكُتُب وَأَمِينًا عَلَيْهَا . وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَة وَأَنَا أَسْمَع , فَقَالَ : مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْمُهَيْمِن الْمُصَدِّق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9459 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُصَدِّقًا عَلَيْهِ . كُلّ شَيْء أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ تَوْرَاة أَوْ إِنْجِيل أَوْ زَبُور فَالْقُرْآن مُصَدِّق عَلَى ذَلِكَ , وَكُلّ شَيْء ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن فَهُوَ مُصَدِّق عَلَيْهَا وَعَلَى مَا حَدَّثَ عَنْهَا أَنَّهُ حَقّ ). وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9460 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُؤْتَمَن عَلَى الْقُرْآن ). * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُؤْتَمَن عَلَى الْقُرْآن ). فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مُجَاهِد : وَأَنْزَلْنَا الْكِتَاب مُصَدِّقًا الْكُتُب قَبْله إِلَيْك , مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ . فَيَكُون قَوْله | مُصَدِّقًا | حَالًا مِنْ الْكِتَاب وَبَعْضًا مِنْهُ , وَيَكُون التَّصْدِيق مِنْ صِفَة الْكِتَاب , وَالْمُهَيْمِن حَالًا مِنْ الْكَاف الَّتِي فِي | إِلَيْك | , وَهِيَ كِنَايَة عَنْ ذِكْر اِسْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْهَاء فِي قَوْله : { عَلَيْهِ } عَائِدَة عَلَى الْكِتَاب . وَهَذَا التَّأْوِيل بَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم فِي كَلَام الْعَرَب , بَلْ هُوَ خَطَأ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُهَيْمِن عُطِفَ عَلَى الْمُصَدِّق , فَلَا يَكُون إِلَّا مِنْ صِفَة مَا كَانَ الْمُصَدِّق صِفَة لَهُ , وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد لَقِيلَ : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَقَدِّم مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي | إِلَيْك | , وَلَيْسَ بَعْدهَا شَيْء يَكُون مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ عَطْفًا عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا عُطِفَ بِهِ عَلَى الْمُصَدِّق , لِأَنَّهُ مِنْ صِفَة | الْكِتَاب | الَّذِي مِنْ صِفَته | الْمُصَدِّق | . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْمُصَدِّق عَلَى قَوْل مُجَاهِد وَتَأْوِيله هَذَا مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي | إِلَيْك | , فَإِنَّ قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب } يُبْطِل أَنْ يَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَأَنْ يَكُون الْمُصَدِّق مِنْ صِفَة الْكَاف الَّتِي فِي | إِلَيْك | ; لِأَنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { بَيْن يَدَيْهِ } كِنَايَة اِسْم غَيْر الْمُخَاطَب , وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله | إِلَيْك | , وَلَوْ كَانَ الْمُصَدِّق مِنْ صِفَة الْكَاف لَكَانَ الْكَلَام : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْك الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ كَذَلِكَ .|فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ } </subtitle>وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُم بَيْن الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَسَائِر أَهْل الْمِلَل , بِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي خَصَّهُ بِشَرِيعَتِهِ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اُحْكُمْ يَا مُحَمَّد بَيْن أَهْل الْكِتَاب وَالْمُشْرِكِينَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْك مِنْ كِتَابِي وَأَحْكَامِي , فِي كُلّ مَا اِحْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْك مِنْ الْحُدُود وَالْجُرُوح وَالْقَوَد وَالنُّفُوس , فَارْجُمْ الزَّانِي الْمُحْصَن , وَاقْتُلْ النَّفْس الْقَاتِلَة بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَة ظُلْمًا , وَافْقَأْ الْعَيْن بِالْعَيْنِ , وَاجَدْع الْأَنْف بِالْأَنْفِ , فَإِنِّي أَنْزَلْت إِلَيْك الْقُرْآن مُصَدِّقًا فِي ذَلِكَ مَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب , وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ , رَقِيبًا يَقْضِي عَلَى مَا قَبْله مِنْ سَائِر الْكُتُب قَبْله . وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاء هَؤُلَاءِ الْيَهُود - الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنْ أُوتِيتُمْ الْجَلْد فِي الزَّانِي الْمُحْصَن دُون الرَّجْم , وَقَتْل الْوَضِيع بِالشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَهُ , وَتَرْك قَتْل الشَّرِيف بِالْوَضِيعِ إِذَا قَتَلَهُ , فَخُذُوهُ , وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا - عَنْ الَّذِي جَاءَك مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْحَقّ , وَهُوَ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْك . يَقُول لَهُ : اِعْمَلْ بِكِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْتهُ إِلَيْك إِذَا اِحْتَكَمُوا إِلَيْك , فَاخْتَرْ الْحُكْم عَلَيْهِمْ , وَلَا تَتْرُكَن الْعَمَل بِذَلِكَ اِتِّبَاعًا مِنْك أَهْوَاءَهُمْ وَإِيثَارًا لَهَا عَلَى الْحَقّ الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك فِي كِتَابِي . كَمَا : 9461 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } يَقُول : بِحُدُودِ اللَّه , { وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ } ). 9462 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق : (أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّف الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ بِاَللَّهِ ; ثُمَّ قَرَأَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } وَأَنْزَلَ اللَّه : { أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ).|لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِكُلِّ قَوْم مِنْكُمْ جَعَلْنَا شِرْعَة . وَالشِّرْعَة : هِيَ الشَّرِيعَة بِعَيْنِهَا , تُجْمَع الشِّرْعَة شِرَاعًا , وَالشَّرِيعَة شَرَائِع , وَلَوْ جُمِعَتْ الشِّرْعَة شَرَائِع كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الشَّرِيعَة وَاحِد , فَيَرُدّهَا عِنْد الْجَمْع إِلَى لَفْظ نَظِيرهَا . وَكُلّ مَا شَرَعْت فِيهِ مِنْ شَيْء فَهُوَ شَرِيعَة , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِشَرِيعَةِ الْمَاء : شَرِيعَة ; لِأَنَّهُ يُشْرَع مِنْهَا إِلَى الْمَاء , وَمِنْهُ سُمِّيَتْ شَرَائِع الْإِسْلَام شَرَائِع , لِشُرُوعِ أَهْله فِيهِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَوْمِ إِذَا تَسَاوَوْا فِي الشَّيْء : هُمْ شَرَعٌ سَوَاء . وَأَمَّا الْمِنْهَاج , فَإِنَّ أَصْله : الطَّرِيق الْبَيِّن الْوَاضِح , يُقَال مِنْهُ : هُوَ طَرِيق نَهْج وَمَنْهَج بَيِّن , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>مَنْ يَكُ فِي شَكّ فَهَذَا فَلْجٌ .......... مَاءٌ رَوَاءٌ وَطَرِيق نَهْجٌ <br>ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي كُلّ شَيْء كَانَ بَيِّنًا وَاضِحًا يُعْمَل بِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَهْل الْمِلَل الْمُخْتَلِفَة , أَيْ أَنَّ اللَّه جَعَلَ لِكُلِّ مِلَّة شَرِيعَة وَمِنْهَاجًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9463 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول سَبِيلًا وَسُنَّة . وَالسُّنَن مُخْتَلِفَة : لِلتَّوْرَاةِ شَرِيعَة , وَلِلْإِنْجِيلِ شَرِيعَة , وَلِلْقُرْآنِ شَرِيعَة , يَحِلّ اللَّه فِيهَا مَا يَشَاء وَيُحَرِّم مَا يَشَاء بَلَاء , لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه , وَلَكِنَّ الدِّين الْوَاحِد الَّذِي لَا يُقْبَل غَيْره التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل ). 9464 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : الدِّين وَاحِد , وَالشَّرِيعَة مُخْتَلِفَة ). 9465 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : (الْإِيمَان مُنْذُ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , لِكُلِّ قَوْم مَا جَاءَهُمْ مِنْ شِرْعَة أَوْ مِنْهَاج , فَلَا يَكُون الْمُقِرّ تَارِكًا وَلَكِنَّهُ مُطِيع ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالُوا : إِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : قَدْ جَعَلْنَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيّهَا النَّاس لِكُلِّكُمْ : أَيْ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام وَأَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لِي نَبِيّ , شِرْعَة وَمِنْهَاجًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9466 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة { وَمِنْهَاجًا } السَّبِيل لِكُلِّكُمْ , مَنْ دَخَلَ فِي دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لَهُ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا , يَقُول : الْقُرْآن هُوَ لَهُ شِرْعَة وَمِنْهَاج ). وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لِكُلِّ أَهْل مِلَّة مِنْكُمْ أَيّهَا الْأُمَم جَعَلْنَا شِرْعَة وَمِنْهَاجًا . | وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة | وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِقَوْلِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } وَلَوْ كَانَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ } أُمَّة مُحَمَّد وَهُمْ أُمَّة وَاحِدَة , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة } وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُمْ أُمَّة وَاحِدَة مَعْنًى مَفْهُوم , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْخِطَاب مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا كُتِبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة , وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَفَّى بِعِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَى آثَار الْأَنْبِيَاء قَبْله , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيل , وَأَمَرَ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ . ثُمَّ ذَكَرَ نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَاب مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب , وَأَمَرَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَالْحُكْم بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ فِيهِ دُون مَا فِي سَائِر الْكُتُب غَيْره وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ شَرِيعَة غَيْر شَرَائِع الْأَنْبِيَاء وَالْأُمَم قَبْله الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصهمْ , وَإِنْ كَانَ دِينه وَدِينهمْ فِي تَوْحِيد اللَّه وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْده وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره وَنَهْيه وَاحِدًا , فَهُمْ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَال فِيمَا شَرَعَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ , وَلِأُمَّتِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الشِّرْعَة وَالْمِنْهَاج مِنْ التَّأْوِيل قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9467 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا ). * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان وَإِسْرَائِيل وَأَبِيهِ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي شَيْبَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب , قَالَ : (سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا ). * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا ). * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَعْنِي : سَبِيلًا وَسُنَّة ). 9468 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , قَالَ : (سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : الشِّرْعَة : السُّنَّة ). 9469 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى (الْقَتَّات , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سُنَّة وَسَبِيلًا ). * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : ( { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : الشِّرْعَة : السُّنَّة , وَمِنْهَاجًا , قَالَ : السَّبِيل ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَوْضِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيم , عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ . 9470 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة ). * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاح , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (السُّنَّة وَالسَّبِيل ). 9471 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : قَوْله : ( { لِكُلِّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } يَقُول : سَبِيلًا وَسُنَّة ). 9472 حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد بْن سَلْمَان قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } قَالَ : سَبِيلًا وَسُنَّة ).|وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ شَاءَ رَبّكُمْ لَجَعَلَ شَرَائِعكُمْ وَاحِدَة , وَلَمْ يَجْعَل لِكُلِّ أُمَّة شَرِيعَة وَمِنْهَاجًا غَيْر شَرَائِع الْأُمَم الْأُخَر وَمِنْهَاجهمْ , فَكُنْتُمْ تَكُونُونَ أُمَّة وَاحِدَة , لَا تَخْتَلِف شَرَائِعكُمْ وَمِنْهَاجكُمْ . وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره يَعْلَم ذَلِكَ , فَخَالَفَ بَيْن شَرَائِعكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ فَيَعْرِف الْمُطِيع مِنْكُمْ مِنْ الْعَاصِي وَالْعَامِل بِمَا أَمَرَهُ فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُخَالِف . وَالِابْتِلَاء : هُوَ الِاخْتِيَار , وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَقَوْله { فِيمَا آتَاكُمْ } يَعْنِي : فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكُتُب . كَمَا : 9473 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ } قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : لَا أَعْلَمهُ إِلَّا قَالَ : لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ مِنْ الْكُتُب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ , وَمَنْ الْمُخَاطَب بِذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّ الْمَعْنَى : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا لِكُلِّ نَبِيّ مَعَ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ مَضَوْا قَبْله وَأُمَمهمْ الَّذِينَ قَبْل نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمُخَاطَب النَّبِيّ وَحْده ؟ قِيلَ : إِنَّ الْخِطَاب وَإِنْ كَانَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخَبَر عَنْ الْأَنْبِيَاء قَبْله وَأُمَمهمْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب مِنْ شَأْنهَا إِذَا خَاطَبَتْ إِنْسَانًا وَضَمَّتْ إِلَيْهِ غَائِبًا فَأَرَادَتْ الْخَبَر عَنْهُ أَنْ تَغْلِب الْمُخَاطَب فَيَخْرُج الْخَبَر عَنْهُمَا عَلَى وَجْه الْخِطَاب , فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا } .|فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبَادِرُوا أَيّهَا النَّاس , إِلَى الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال وَالْقُرَب إِلَى رَبّكُمْ بِإِدْمَانِ الْعَمَل بِمَا فِي كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيّكُمْ , فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ اِمْتِحَانًا لَكُمْ وَابْتِلَاء , لِيَتَبَيَّن الْمُحْسِن مِنْكُمْ مِنْ الْمُسِيء , فَيُجَازِي جَمِيعكُمْ عَلَى عَمَله جَزَاءَهُ عِنْد مَصِيركُمْ إِلَيْهِ , فَإِنَّ مَصِيركُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا , فَيُخْبِر كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يُخَالِف فِيهِ الْفِرَق الْأُخْرَى , فَيَفْصِل بَيْنهمْ بِفَصْلِ الْقَضَاء , وَيُبَيِّن الْمُحِقّ بِمُجَازَاتِهِ إِيَّاهُ بِجَنَّاتِهِ مِنْ الْمُسِيء بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ بِالنَّارِ , فَيَتَبَيَّن حِينَئِذٍ كُلّ حِزْب عِيَانًا , الْمُحِقّ مِنْهُمْ مِنْ الْمُبْطِل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَمْ يُنَبِّئنَا رَبّنَا فِي الدُّنْيَا قَبْل مَرْجِعنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ؟ قِيلَ . إِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِالرُّسُلِ وَالْأَدِلَّة وَالْحُجَج , دُون الثَّوَاب وَالْعِقَاب عِيَانًا , فَمُصَدِّقٌ بِذَلِكَ وَمُكَذِّبٌ . وَأَمَّا عِنْد الْمَرْجِع إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ يُنَبِّئهُمْ بِذَلِكَ بِالْمُجَازَاةِ الَّتِي لَا يَشُكُّونَ مَعَهَا فِي مَعْرِفَة الْمُحِقّ وَالْمُبْطِل , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِدْخَال اللَّبْس مَعَهَا عَلَى أَنْفُسهمْ , فَكَذَلِكَ خَبَره تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ يُنَبِّئنَا عِنْد الْمَرْجِع إِلَيْهِ بِمَا كُنَّا فِيهِ نَخْتَلِف فِي الدُّنْيَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا , فَتَعْرِفُونَ الْمُحِقّ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُبْطِل مِنْكُمْ . كَمَا : 9474 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ أَبِي سِنَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : ( { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرّ وَالْفَاجِر ).

وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب , مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب , وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ ; فَ | أَنْ | فِي مَوْضِع نَصْب بِالتَّنْزِيلِ . { بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } بِحُكْمِ اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْك فِي كِتَابه .|وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ } فَإِنَّهُ نَهْي مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّبِع أَهْوَاء الْيَهُود الَّذِينَ اِحْتَكَمُوا إِلَيْهِ فِي قَتِيلهمْ وَفَاجِرِيهِمْ , وَأَمْر مِنْهُ لَهُ بِلُزُومِ الْعَمَل بِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ .|وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ|وَقَوْله : { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاحْذَرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ جَاءُوك مُحْتَكِمِينَ إِلَيْك أَنْ يَفْتِنُوك , فَيَصُدُّوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك مِنْ حُكْم كِتَابه , فَيَحْمِلُوك عَلَى تَرْك الْعَمَل بِهِ وَاتِّبَاع أَهْوَائِهِمْ .|فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ|وَقَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُصِيبهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ اِخْتَصَمُوا إِلَيْك عَنْك , فَتَرَكُوا الْعَمَل بِمَا حَكَمْت بِهِ عَلَيْهِمْ , وَقَضَيْت فِيهِمْ , فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُصِيبهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبهمْ , يَقُول : فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَلَّوْا عَنْ الرِّضَا بِحُكْمِك وَقَدْ قَضَيْت بِالْحَقِّ إِلَّا مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه يُرِيد أَنْ يَتَعَجَّل عُقُوبَتهمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا بِبَعْضِ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذُنُوبهمْ .|وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ|يَقُول : وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْيَهُود لَفَاسِقُونَ , يَقُول : لَتَارِكُو الْعَمَل بِكِتَابِ اللَّه , وَلَخَارِجُونَ عَنْ طَاعَته إِلَى مَعْصِيَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9475 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ كَعْب بْن أَسَد وَابْن صُورِيَّا وَشَأْس بْن قَيْس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : (اِذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّد لَعَلَّنَا نَفْتِنهُ عَنْ دِينه ! فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد إِنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّا أَحْبَار يَهُود وَأَشْرَافهمْ وَسَادَاتهمْ , وَأَنَّا إِنْ اِتَّبَعْنَاك اِتَّبَعَنَا يَهُود وَلَمْ يُخَالِفُونَا , وَإِنَّ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا خُصُومَة , فَنُحَاكِمهُمْ إِلَيْك , فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِن لَك وَنُصَدِّقك ! فَأَبَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } إِلَى قَوْله : { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ). 9476 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْض مَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك } قَالَ : أَنْ يَقُولُوا فِي التَّوْرَاة كَذَا , وَقَدْ , بَيَّنَّا لَك مَا فِي التَّوْرَاة . وَقَرَأَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } بَعْضهَا بِبَعْضٍ ). 9477 حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : دَخَلَ الْمَجُوس مَعَ أَهْل الْكِتَاب فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه } ).

أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيَبْغِي هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ اِحْتَكَمُوا إِلَيْك فَلَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِك , وَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِالْقِسْطِ حُكْم الْجَاهِلِيَّة , يَعْنِي أَحْكَام عَبَدَة الْأَوْثَان مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَعِنْدهمْ كِتَاب اللَّه فِيهِ بَيَان حَقِيقَة الْحُكْم الَّذِي حَكَمْت بِهِ فِيهِمْ , وَإِنَّهُ الْحَقّ الَّذِي لَا يَجُوز خِلَافه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره مُوَبِّخًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَبَوْا قَبُول حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنْ الْيَهُود , وَمُسْتَجْهِلًا فِعْلهمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ : وَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ أَحْسَن حُكْمًا أَيّهَا الْيَهُود مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِنْد مَنْ كَانَ يُوقِن بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَيُقِرّ بِرُبُوبِيَّتِهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيُّ حُكْم أَحْسَن مِنْ حُكْم اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أَنَّ لَكُمْ رَبًّا وَكُنْتُمْ أَهْل تَوْحِيد وَإِقْرَار بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد . 9478 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } قَالَ : يَهُود ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } يَهُود ). * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْخ , عَنْ مُجَاهِد : ( { أَفَحُكْم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ } قَالَ : يَهُود ).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : عُبَادَة بْن الصَّامِت وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول فِي بَرَاءَة عُبَادَة مِنْ حِلْف الْيَهُود , وَفِي تَمَسّك عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول بِحِلْفِ الْيَهُود بَعْد مَا ظَهَرَتْ عَدَاوَتهمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهُ إِذَا تَوَلَّاهُمْ وَتَمَسَّكَ بِحِلْفِهِمْ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي بَرَاءَته مِنْ اللَّه وَرَسُوله كَبَرَاءَتِهِمْ مِنْهُمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9479 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , قَالَ : (جَاءَ عُبَادَة بْن الصَّامِت مِنْ بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ لِي مَوَالِي مِنْ يَهُود كَثِير عَدَدهمْ , وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه وَرَسُوله مِنْ وِلَايَة يَهُود وَأَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله ! فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ : إِنِّي رَجُل أَخَاف الدَّوَائِر , لَا أَبْرَأ مِنْ وِلَايَة مَوَالِيَّ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ : | يَا أَبَا الْحُبَاب مَا بَخِلْت بِهِ مِنْ وِلَايَة يَهُود عَلَى عُبَادَة بْن الصَّامِت فَهُوَ إِلَيْك دُونه | . قَالَ : قَدْ قَبِلْت . فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى قَوْله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } ). 9480 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (لَمَّا اِنْهَزَمَ أَهْل بَدْر قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِأَوْلِيَائِهِمْ مِنْ يَهُود : آمِنُوا قَبْل أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِيَوْمٍ مِثْل يَوْم بَدْر ! فَقَالَ مَالِك بْن صَيْف : غَرَّكُمْ أَنْ أَصَبْتُمْ رَهْطًا مِنْ قُرَيْش لَا عِلْم لَهُمْ بِالْقِتَالِ , أَمَّا لَوْ أَسْرَرْنَا الْعَزِيمَة أَنْ نَسْتَجْمِع عَلَيْكُمْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ يَد أَنْ تُقَاتِلُونَا فَقَالَ عُبَادَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ الْيَهُود كَانَتْ شَدِيدَة أَنْفُسهمْ كَثِيرًا سِلَاحهمْ شَدِيدَة شَوْكَتهمْ , وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ وِلَايَتهمْ , وَلَا مَوْلَى لِي إِلَّا اللَّه وَرَسُوله . فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ : لَكِنِّي لَا أَبْرَأ مِنْ وَلَاء يَهُود , إِنِّي رَجُل لَا بُدّ لِي مِنْهُمْ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | يَا أَبَا حُبَاب أَرَأَيْت الَّذِي نَفَسْت بِهِ مِنْ وَلَاء يَهُود عَلَى عُبَادَة , فَهُوَ لَك دُونه | . قَالَ : إِذَن أَقْبَل . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض } إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى قَوْله : { وَاَللَّهُ يَعْصِمك مِنْ النَّاس } ). 9481 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : (لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَقَامَ دُونهمْ . وَمَشَى عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج مَنْ لَهُ حِلْفهمْ مِثْل الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ , وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَتَبَرَّأ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ وَأَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَبْرَأ مِنْ حِلْف الْكُفَّار وَوِلَايَتهمْ ! فَفِيهِ وَفِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ نَزَلَتْ الْآيَات فِي الْمَائِدَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } الْآيَة ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا هَمُّوا حِين نَالَهُمْ بِأُحُدٍ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَا نَالَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْيَهُود عِصَمًا , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9482 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قَالَ : لَمَّا كَانَتْ وَقْعَة أُحُد , اِشْتَدَّ عَلَى طَائِفَة مِنْ النَّاس وَتَخَوَّفُوا أَنْ يُدَال عَلَيْهِمْ الْكُفَّار , فَقَالَ رَجُل لِصَاحِبِهِ : أَمَّا أَنَا فَأَلْحَق بِدَهْلَكَ الْيَهُودِيّ فَآخُذ مِنْهُ أَمَانًا وَأَتَهَوَّد مَعَهُ , فَإِنِّي أَخَاف أَنْ تُدَال عَلَيْنَا الْيَهُود . وَقَالَ الْآخَر : أَمَّا أَنَا فَأَلْحَق بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيّ بِبَعْضِ أَرْض الشَّام فَآخُذ مِنْهُ أَمَانًا وَأَنْتَصِر مَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَنْهَاهُمَا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر فِي إِعْلَامه بَنِي قُرَيْظَة إِذْ رَضَوْا بِحُكْمِ سَعْد أَنَّهُ الذَّبْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9483 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَة بْن عَبْد الْمُنْذِر مِنْ الْأَوْس , وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْظَة حِين نَقَضَتْ الْعَهْد , فَلَمَّا أَطَاعُوا لَهُ بِالنُّزُولِ أَشَارَ إِلَى حَلْقه الذَّبْح الذَّبْح ). وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَهَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنْصَارًا وَحُلَفَاء عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ اِتَّخَذَهُمْ نَصِيرًا وَحَلِيفًا وَوَلِيًّا مِنْ دُون اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي التَّحَزُّب عَلَى اللَّه وَعَلَى رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَنَّ اللَّه وَرَسُوله مِنْهُ بَرِيئَانِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي شَأْن عُبَادَة بْن الصَّامِت وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول وَحُلَفَائِهِمَا مِنْ الْيَهُود , وَيَجُوز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة بِسَبَبِ فِعْله فِي بَنِي قُرَيْظَة , وَيَجُوز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِي شَأْن الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّ أَحَدهمَا هَمَّ بِاللَّحَاقِ بِدَهْلَكَ الْيَهُودِيّ وَالْآخَر بِنَصْرَانِيٍّ بِالشَّامِ , وَلَمْ يَصِحّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة خَبَر يَثْبُت بِمِثْلِهِ حُجَّة فَيُسَلَّم لِصِحَّتِهِ الْقَوْل بِأَنَّهُ كَمَا قِيلَ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالصَّوَاب أَنْ يُحْكَم لِظَاهِرِ التَّنْزِيل بِالْعُمُومِ عَلَى مَا عَمَّ , وَيَجُوز مَا قَالَهُ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا عِلْم عِنْدنَا بِخِلَافِهِ ; غَيْر أَنَّهُ لَا شَكّ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي مُنَافِق كَانَ يُوَالِي يَهُود أَوْ نَصَارَى , خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْ دَوَائِر الدَّهْر , لِأَنَّ الْآيَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ تَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , وَذَلِكَ قَوْله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } الْآيَة .|أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ|وَأَمَّا قَوْله : { بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } فَإِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ بَعْض الْيَهُود أَنْصَار بَعْضهمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَيَد وَاحِدَة عَلَى جَمِيعهمْ , وَأَنَّ النَّصَارَى كَذَلِكَ بَعْضهمْ أَنْصَار بَعْض عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينهمْ وَمِلَّتهمْ , مُعَرِّفًا بِذَلِكَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَلِيًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَلِيّهمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِلَّتهمْ وَدِينهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَهُمْ حَرْب , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضكُمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَلِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ حَرْبًا كَمَا هُمْ لَكُمْ حَرْب , وَبَعْضهمْ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاء ; لِأَنَّ مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ أَظْهَرَ لِأَهْلِ الْإِيمَان الْحَرْب وَمِنْهُمْ الْبَرَاءَة , وَأَبَانَ قَطْع وِلَايَتهمْ .|بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وَمَنْ يَتَوَلَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى دُون الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ , يَقُول : فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَهُوَ مِنْ أَهْل دِينهمْ وَمِلَّتهمْ , فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ بِهِ وَبِدِينِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ رَاضٍ , وَإِذَا رَضِيَهُ وَرَضِيَ دِينه فَقَدْ عَادَى مَا خَالَفَهُ وَسَخِطَهُ , وَصَارَ حُكْمه حُكْمه , وَلِذَلِكَ حَكَمَ مَنْ حَكَمَ مِنْ أَهْل الْعِلْم لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِب فِي ذَبَائِحهمْ وَنِكَاح نِسَائِهِمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ بِأَحْكَامِ نَصَارَى بَنِي إِسْرَائِيل , لِمُوَالَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَرِضَاهُمْ بِمِلَّتِهِمْ وَنُصْرَتهمْ لَهُمْ عَلَيْهَا , وَإِنْ كَانَتْ أَنْسَابهمْ لِأَنْسَابِهِمْ مُخَالِفَة وَأَصْل دِينهمْ لِأَصْلِ دِينهمْ مُفَارِقًا . وَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا نَقُول , مِنْ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ يَدِين بِدِينٍ فَلَهُ حُكْم أَهْل ذَلِكَ الدِّين كَانَتْ دَيْنُونَته بِهِ قَبْل مَجِيء الْإِسْلَام أَوْ بَعْده , إِلَّا أَنْ يَكُون مُسْلِمًا مِنْ أَهْل دِيننَا اِنْتَقَلَ إِلَى مِلَّة غَيْرهَا , فَإِنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَى مَا دَانَ بِهِ فَانْتَقَلَ إِلَيْهِ , وَلَكِنْ يُقْتَل لِرِدَّتِهِ عَنْ الْإِسْلَام وَمُفَارَقَته دِين الْحَقّ , إِلَّا أَنْ يَرْجِع قَبْل الْقَتْل إِلَى الدِّين الْحَقّ , وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ مِنْ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُحْكَم بِحُكْمِ أَهْل الْكِتَابَيْنِ لِمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ , إِلَّا أَنْ يَكُون إِسْرَائِيلِيًّا أَوْ مُنْتَقِلًا إِلَى دِينهمْ مِنْ غَيْرهمْ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان . فَأَمَّا مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ بَعْد نُزُول الْفُرْقَان مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ خَالَفَ نَسَبه نَسَبهمْ وَجِنْسه جِنْسهمْ , فَإِنَّ حُكْمَهُ لِحُكْمِهِمْ مُخَالِفٌ . ذِكْر مَنْ قَالَ بِمَا قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل : 9484 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (سُئِلَ اِبْن عَبَّاس عَنْ ذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب , فَقَرَأَ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ). 9485 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } أَنَّهَا فِي الذَّبَائِح , مَنْ دَخَلَ فِي دِين قَوْم فَهُوَ مِنْهُمْ ). 9486 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كُلُوا مِنْ ذَبَائِح بَنِي تَغْلِب , وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ , فَإِنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ ). 9487 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , قَالَ : . (كَانَ الْحَسَن لَا يَرَى بِذَبَائِح نَصَارَى الْعَرَب وَلَا نِكَاح نِسَائِهِمْ بَأْسًا , وَكَانَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ). 9488 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ هَارُون بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : (سُئِلَ اِبْن سِيرِينَ عَنْ رَجُل يَبِيع دَاره مِنْ نَصَارَى يَتَّخِذُونَهَا بِيعَة , قَالَ : فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } ).|مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ , أَنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق مَنْ وَضَعَ الْوِلَايَة فِي غَيْر مَوْضِعهَا فَوَالَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَعَ عَدَاوَتهمْ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَكَانَ لَهُمْ ظَهِيرًا وَنَصِيرًا ; لِأَنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ فَهُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ حَرْب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع وَأَنَّهُ وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9489 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد : ( { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } فِي وِلَايَتهمْ , { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } إِلَى آخِر الْآيَة { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } ). 9490 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت : ( { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَعْنِي : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } لِقَوْلِهِ : إِنِّي أَخْشَى دَائِرَة تُصِيبنِي ). وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُنَاصِحُونَ الْيَهُود وَيَغُشُّونَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَقُولُونَ : نَخْشَى أَنْ تَكُون دَائِرَة لِلْيَهُودِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9491 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : ( { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ فِي مُصَانَعَة يَهُود وَمُنَاجَاتهمْ , وَاسْتِرْضَاعهمْ أَوْلَادهمْ إِيَّاهُمْ . وَقَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } قَالَ : يَقُول : نَخْشَى أَنْ تَكُون الدَّائِرَة لِلْيَهُودِ ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9492 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } إِلَى قَوْله : { نَادِمِينَ } أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَوَدُّونَ الْيَهُود وَيُنَاصِحُونَهُمْ دُون الْمُؤْمِنِينَ ). 9493 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : شَكّ ; { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } وَالدَّائِرَة : ظُهُور الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ ). وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه خَبَر عَنْ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُوَالُونَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَيَغُشُّونَ الْمُؤْمِنِينَ , وَيَقُولُونَ : نَخْشَى أَنْ تَدُور دَوَائِر , إِمَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , وَإِمَّا لِأَهْلِ الشِّرْك مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان أَوْ غَيْرهمْ عَلَى أَهْل الْإِسْلَام , أَوْ تَنْزِل بِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ نَازِلَة , فَيَكُون بِمَا إِلَيْهِمْ حَاجَة . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ مِنْ قَوْل عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ قَوْل غَيْره , غَيْر أَنَّهُ لَا شَكّ أَنَّهُ مِنْ قَوْل الْمُنَافِقِينَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : فَتَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَشَكّ إِيمَان بِنُبُوَّتِك , وَتَصْدِيق مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } يَعْنِي فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَيَعْنِي بِمُسَارَعَتِهِمْ فِيهِمْ : مُسَارَعَتهمْ فِي مُوَالَاتهمْ وَمُصَانَعَتهمْ . { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبنَا دَائِرَة } يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ : إِنَّمَا نُسَارِع فِي مُوَالَاة هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى خَوْفًا مِنْ دَائِرَة تَدُور عَلَيْنَا مِنْ عَدُوّنَا . وَيَعْنِي بِالدَّائِرَةِ : الدَّوْلَة , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>تَرُدُّ عَنْك الْقَدَر الْمَقْدُورَا .......... وَدَائِرَات الدَّهْر أَنْ تَدُورَا <br>يَعْنِي : أَنْ تَدُول لِلدَّهْرِ دَوْلَة فَنَحْتَاج إِلَى نُصْرَتهمْ إِيَّانَا , فَنَحْنُ نُوَالِيهِمْ لِذَلِكَ . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } .|فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل الْفَتْح فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ هَاهُنَا الْقَضَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9494 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } قَالَ : بِالْقَضَاءِ ). وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ فَتْح مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9495 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } قَالَ : فَتْح مَكَّة ). وَالْفَتْح فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْقَضَاء كَمَا قَالَ قَتَادَة , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { رَبّنَا اِفْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ } . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْقَضَاء الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ } فَتْح مَكَّة ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَظِيم قَضَاء اللَّه وَفَصْل حُكْمه بَيْن أَهْل الْإِيمَان وَالْكُفْر , وَيُقَرَّر عِنْد أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق أَنَّ اللَّه مُعْلِي كَلِمَته وَمُوهِن كَيْد الْكَافِرِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } فَإِنَّ السُّدِّيّ كَانَ يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9496 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } قَالَ : الْأَمْر : الْجِزْيَة ). وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْأَمْر الَّذِي وَعَدَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِي بِهِ , هُوَ الْجِزْيَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون غَيْرهَا . غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِمَّا فِيهِ إِدَالَة الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَمِمَّا يَسُوء الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَسُرّهُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْر إِذَا جَاءَ أَصْبَحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ .|فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } </subtitle>فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَأْتِي بِأَمْرٍ مِنْ عِنْده يُدِيل بِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , فَيُصْبِح هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ مِنْ مُخَالَّة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمَوَدَّتهمْ وَبِغْضَة الْمُؤْمِنِينَ وَمُحَادَّتهمْ نَادِمِينَ . كَمَا : 9497 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ } مِنْ مُوَادَّتهمْ الْيَهُود , وَمِنْ غِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله ).

وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } فَقَرَأَتْهَا قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ | بِغَيْرِ وَاو . وَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَيُصْبِح الْمُنَافِقُونَ إِذَا أَتَى اللَّه بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده , عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , يَقُول الْمُؤْمِنُونَ تَعَجُّبًا مِنْهُمْ وَمِنْ نِفَاقهمْ وَكَذِبهمْ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه فِي أَيْمَانهمْ الْكَاذِبَة بِاَللَّهِ : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لَنَا بِاَللَّهِ إِنَّهُمْ لَمَعَنَا وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي أَيْمَانهمْ لَنَا وَهَذَا الْمَعْنَى قَصَدَ مُجَاهِد فِي تَأْوِيله ذَلِكَ الَّذِي : 9498 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده } حِينَئِذٍ , يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ , إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ , حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ كَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْمَدِينَة بِغَيْرِ وَاو . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } بِالْوَاوِ , وَنَصْب | يَقُول | عَطْفًا بِهِ عَلَى | فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ | ). وَذَكَرَ قَارِئ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّمَا يُرِيد بِذَلِكَ : فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ , وَعَسَى أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا . وَمُحَال غَيْر ذَلِكَ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُقَال : وَعَسَى اللَّه أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا , وَكَانَ يَقُول : ذَلِكَ نَحْو قَوْلهمْ : أَكَلْت خُبْزًا وَلَبَنًا , وَكَقَوْلِ الشَّاعِر : <br>وَرَأَيْت زَوْجك فِي الْوَغَى .......... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا <br>فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : فَعَسَى اللَّه أَنْ يَأْتِي بِالْفَتْحِ الْمُؤْمِنِينَ , أَوْ أَمْر مِنْ عِنْده يُدِيلُهُمْ بِهِ عَلَى أَهْل الْكُفْر مِنْ أَعْدَائِهِمْ , فَيُصْبِح الْمُنَافِقُونَ عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , وَعَسَى أَنْ يَقُول الَّذِينَ آمَنُوا حِينَئِذٍ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ كَذِبًا جَهْد أَيْمَانهمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ . وَهِيَ فِي مَصَاحِف أَهْل الْعِرَاق بِالْوَاوِ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } . وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا } بِالْوَاوِ وَرَفْع يَقُول بِالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّلَامَة مِنْ الْجَوَازِم وَالنَّوَاصِب . وَتَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ يَنْدَمُونَ , وَيَقُول الَّذِينَ آمَنُوا ; فَيَبْتَدِئ | يَقُول | فَيَرْفَعهَا . وَقِرَاءَتنَا الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا : { وَيَقُول } بِإِثْبَاتِ الْوَاو فِي : | وَيَقُول | ; لِأَنَّهَا كَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفنَا مَصَاحِف أَهْل الشَّرْق بِالْوَاوِ , وَبِرَفْعِ | يَقُول | عَلَى الِابْتِدَاء . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا : فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسهمْ نَادِمِينَ , وَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَلَفُوا لَنَا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ كَذِبًا إِنَّهُمْ لَمَعَنَا . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَالهمْ عِنْده بِنِفَاقِهِمْ وَخُبْث أَعْمَالهمْ : { حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ } يَقُول : ذَهَبَتْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا بَاطِلًا لَا ثَوَاب لَهَا وَلَا أَجْر ; لِأَنَّهُمْ عَمِلُوهَا عَلَى غَيْر يَقِين مِنْهُمْ بِأَنَّهَا عَلَيْهِمْ لِلَّهِ فَرْض وَاجِب وَلَا عَلَى صِحَّة إِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْمَلُونَهَا لِيَدْفَعُوا الْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَنْ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ , فَأَحْبَطَ اللَّه أَجْرهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ { فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ } يَقُول : فَأَصْبَحَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عِنْد مَجِيء أَمْر اللَّه بِإِدَالَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَهْل الْكُفْر قَدْ وُكِسُوا فِي شِرَائِهِمْ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ , وَخَابَتْ صَفْقَتهمْ وَهَلَكُوا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } يَقُول : مَنْ يَرْجِع مِنْكُمْ عَنْ دِينه الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْم , فَيُبَدِّلهُ وَيُغَيِّرهُ بِدُخُولِهِ فِي الْكُفْر , إِمَّا فِي الْيَهُودِيَّة أَوْ النَّصْرَانِيَّة أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْكُفْر , فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا , وَسَيَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ; يَقُول : فَسَوْفَ يَجِيء اللَّه بَدَلًا مِنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُبَدِّلُوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يَرْتَدُّوا بِقَوْمٍ خَيْر مِنْ الَّذِينَ اِرْتَدُّوا وَبَدَّلُوا دِينهمْ , يُحِبّهُمْ اللَّه وَيُحِبُّونَ اللَّه . وَكَانَ هَذَا الْوَعِيد مِنْ اللَّه لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ سَيَرْتَدُّ بَعْد وَفَاة نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ وَعْده مَنْ وَعَدَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَا وَعَدَهُ فِي هَذَا الْآيَة , لِمَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمه أَنَّهُ لَا يُبَدِّل وَلَا يُغَيِّر دِينه وَلَا يَرْتَدّ . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ أَقْوَام مِنْ أَهْل الْوَبَر وَبَعْض أَهْل الْمَدَر , فَأَبْدَلَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره , وَوَفَّى لِلْمُؤْمِنِينَ بِوَعْدِهِ , وَأَنْفَذَ فِيمَنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ وَعِيده . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9499 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : (أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا وَعُمَر أَمِير الْمَدِينَة يَوْمئِذٍ , فَقَالَ : يَا أَبَا حَمْزَة , آيَة أَسْهَرَتْنِي الْبَارِحَة ! قَالَ مُحَمَّد : وَمَا هِيَ أَيّهَا الْأَمِير ؟ قَالَ : قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم } . بِاَلَّذِينَ آمَنُوا : الْوُلَاة مِنْ قُرَيْش , مَنْ يَرْتَدّ عَنْ الْحَقّ ). ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَان الْقَوْم الَّذِينَ أَتَى اللَّه بِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبْدَلَ الْمُؤْمِنِينَ مَكَان مَنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْل الرِّدَّة حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مِنْ الْبَاب الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9500 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : (ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ الْفَضْل بْن دَلْهَم , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هَذَا وَاَللَّه أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه (. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفَضْل بْن دَلْهَم , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ سَهْل , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ) { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه (. * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : قَرَأَ الْحَسَن : ) { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هِيَ وَاَللَّه لِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه (. * - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن بَشِير , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ) { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْر وَأَصْحَابه (. 9501 حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد بْن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ) { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَة لَائِم } قَالَ : هُوَ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه , لَمَّا اِرْتَدَّ مَنْ اِرْتَدَّ مِنْ الْعَرَب عَنْ الْإِسْلَام , جَاهَدَهُمْ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى الْإِسْلَام (. 9502 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , وَقَدْ عَلِمَ أَنْ سَيَرْتَدّ مُرْتَدُّونَ مِنْ النَّاس . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا , اِرْتَدَّ عَامَّة الْعَرَب عَنْ الْإِسْلَام إِلَّا ثَلَاثَة مَسَاجِد : أَهْل الْمَدِينَة , وَأَهْل مَكَّة , وَأَهْل الْبَحْرَيْنِ مِنْ عَبْد الْقَيْس قَالُوا : نُصَلِّي وَلَا نُزَكِّي , وَاَللَّه لَا تُغْصَب أَمْوَالنَا ! فَكَلَّمَ أَبُو بَكْر فِي ذَلِكَ , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَوْ قَدْ فَقِهُوا لِهَذَا , أَعْطَوْهَا وَزَادُوهَا : فَقَالَ : لَا وَاَللَّه , لَا أُفَرِّق بَيْن شَيْء جَمَعَ اللَّه بَيْنه , وَلَوْ مَنَعُوا عِقَالًا مِمَّا فَرَضَ اللَّه وَرَسُوله , لَقَاتَلْنَاهُمْ عَلَيْهِ ! فَبَعَثَ اللَّه عِصَابَة مَعَ أَبِي بَكْر , فَقَاتَلَ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى سَبَى وَقَتَلَ وَحَرَّقَ بِالنِّيرَانِ أُنَاسًا اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام وَمَنَعُوا الزَّكَاة , فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَقَرُّوا بِالْمَاعُونِ وَهِيَ الزَّكَاة صَغَرَة أَقْمِيَاء . فَأَتَتْهُ وُفُود الْعَرَب , فَخَيَّرَهُمْ بَيْن خُطَّة مُخْزِيَة أَوْ حَرْب مُجْلِيَة , فَاخْتَارُوا الْخُطَّة الْمُخْزِيَة , وَكَانَتْ أَهْوَن عَلَيْهِمْ , أَنْ يَعْتَدُّوا أَنَّ قَتَلَاهُمْ فِي النَّار وَأَنَّ قَتْلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّة , وَأَنَّ مَا أَصَابُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَال رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ , وَمَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ مِنْ مَال فَهُوَ لَهُمْ حَلَال ). 9503 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : اِرْتَدُّوا حِين تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْر ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } قَالَ : عَلَّمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , وَأَوْقَع مَعْنَى السُّوء عَلَى الْحَشْو الَّذِي فِيهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي عِلْمه أَنْ يَرْتَدُّوا , قَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه } الْمُرْتَدَّة عَنْ دِينهمْ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه ). وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْيَمَن . وَقَالَ بَعْض مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : هُمْ رَهْط أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ : عَبْد اللَّه بْن قَيْس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9504 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أَوْمَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي مُوسَى بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ , فَقَالَ : | هُمْ قَوْم هَذَا | ). * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : سَمِعْت عِيَاضًا يُحَدِّث عَنْ أَبِي مُوسَى , (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : يَعْنِي قَوْم أَبِي مُوسَى ). * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب سَلْم بْن جُنَادَة , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ شُعْبَة قَالَ أَبُو السَّائِب , قَالَ أَصْحَابنَا هُوَ عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , وَأَنَا لَا أَحْفَظ سِمَاكًا عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ قَوْم هَذَا | يَعْنِي أَبَا مُوسَى ). * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِيَاض الْأَشْعَرِيّ , قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى : ( هُمْ قَوْم هَذَا | فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ). * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , قَالَ : سَمِعْت عِيَاضًا الْأَشْعَرِيّ يَقُول : لَمَّا نَزَلَتْ : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ قَوْمك يَا أَبَا مُوسَى | , أَوْ قَالَ : | هُمْ قَوْم هَذَا | يَعْنِي أَبَا مُوسَى ). 9505 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان الْحِمْيَرِيّ , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِيَاض أَوْ اِبْن عِيَاض : ( { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْيَمَن ). 9506 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , عَنْ شُرَيْح بْن عُبَيْد , قَالَ : (لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ عُمَر : أَنَا وَقَوْمِي هُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | لَا بَلْ هَذَا وَقَوْمه | يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ )0 وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ هُمْ أَهْل الْيَمَن جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9507 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قَالَ : أُنَاس مِنْ أَهْل الْيَمَن ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9508 حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُمْ قَوْم سَبَأ ). 9509 حَدَّثَنَا مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ شَهْر بْن حَوْشَب , قَالَ : (هُمْ أَهْل الْيَمَن ). 9510 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : (أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة يَسْأَلهُ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ مُحَمَّد : يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ , وَهُمْ أَهْل الْيَمَن . قَالَ عُمَر : يَا لَيْتَنِي مِنْهُمْ ! قَالَ : آمِينَ )! وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَنْصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9511 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يَزْعُم أَنَّهُمْ الْأَنْصَار ). وَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } أَبَا بَكْر وَأَصْحَابه فِي قِتَالهمْ أَهْل الرِّدَّة بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيْئًا , وَسَيَأْتِي اللَّه مَنْ اِرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ , يَنْتَقِم بِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى أَيْدِيهمْ . وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر وَالرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ . 9512 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هِشَام , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ } قَالَ : يَقُول : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه الْمُرْتَدَّة فِي دُورهمْ , بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ بِأَبِي بَكْر وَأَصْحَابه ). وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ : أَهْل الْيَمَن ; فَإِنَّ تَأْوِيله : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا , مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه , فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَرْتَدُّوا بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ , أَعْوَانًا لَهُمْ وَأَنْصَارًا . وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ كَانَ يَتَأَوَّل ذَلِكَ كَذَلِكَ . 9513 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } الْآيَة ; وَعِيد مِنْ اللَّه أَنَّهُ مَنْ اِرْتَدَّ مِنْكُمْ أَنَّهُ سَيَسْتَبْدِلُ خَيْرًا مِنْهُمْ ). وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَنْصَار , فَإِنَّ تَأْوِيله فِي ذَلِكَ نَظِير تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْل الْيَمَن قَوْم أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ . وَلَوْلَا الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ مَا كَانَ الْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْل مَنْ قَالَ : هُمْ أَبُو بَكْر وَأَصْحَابه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُقَاتِل قَوْمًا كَانُوا أَظْهَرُوا الْإِسْلَام عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اِرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابهمْ كُفَّارًا , غَيْر أَبِي بَكْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ قَاتَلَ أَهْل الرِّدَّة مَعَهُ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدِن الْبَيَان عَنْ تَأْوِيل مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ وَحْيه وَآي كِتَابه . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْقَوْم الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ سَيَأْتِي بِهِمْ عِنْد اِرْتِدَاد مَنْ اِرْتَدَّ عَنْ دِينه مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , هُمْ أَهْل الْيَمَن , فَهَلْ كَانَ أَهْل الْيَمَن أَيَّام قِتَال أَبِي بَكْر أَهْل الرِّدَّة أَعْوَان أَبِي بَكْر عَلَى قِتَالهمْ , حَتَّى تَسْتَجِيز أَنْ تُوَجِّه تَأْوِيل الْآيَة إِلَى مَا وَجَّهْت إِلَيْهِ ؟ أَمْ لَمْ يَكُونُوا أَعْوَانًا لَهُ عَلَيْهِمْ , فَكَيْفَ اسْتَجَزْت أَنْ تُوَجِّه تَأْوِيل الْآيَة إِلَى ذَلِكَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا خُلْف لِوَعْدِ اللَّه ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَعِد الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُبَدِّلهُمْ بِالْمُرْتَدِّينَ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ خَيْرًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِمْ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْهُمْ , يَعِد فِعْل ذَلِكَ بِهِمْ قَرِيبًا غَيْر بَعِيد , فَجَاءَ بِهِمْ عَلَى عَهْد عُمَر , فَكَانَ مَوْقِعهمْ مِنْ الْإِسْلَام وَأَهْله أَحْسَن مَوْقِع , وَكَانُوا أَعْوَان أَهْل الْإِسْلَام وَأَنْفَع لَهُمْ مِمَّنْ كَانَ اِرْتَدَّ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَغَام الْأَعْرَاب وَجُفَاة أَهْل الْبَوَادِي الَّذِينَ كَانُوا عَلَى أَهْل الْإِسْلَام كَلًّا لَا نَفْعًا . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِي آمَنُوا مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } ; فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : | يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينه | بِإِظْهَارِ التَّضْعِيف بِدَالَيْنِ مَجْزُومَة الدَّال الْآخِرَة , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَأَمَّا قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ : { مَنْ يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِينه } بِالْإِدْغَامِ بِدَالٍ وَاحِدَة وَتَحْرِيكهَا إِلَى الْفَتْح بِنَاء عَلَى التَّثْنِيَة ; لِأَنَّ الْمَجْزُوم الَّذِي يَظْهَر تَضْعِيفه فِي الْوَاحِد إِذَا ثُنِّيَ أُدْغِمَ , وَيُقَال لِلْوَاحِدِ : اُرْدُدْ يَا فُلَان إِلَى فُلَان حَقّه , فَإِذَا ثُنِّيَ قِيلَ : رُدَّا إِلَيْهِ حَقّه , وَلَا يُقَال : ارْدُدَا . وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْع رُدُّوا , وَلَا يُقَال : ارْدُدُوا . فَتَبْنِي الْعَرَب أَحْيَانًا الْوَاحِد عَلَى الِاثْنَيْنِ , وَتُظْهِر أَحْيَانًا فِي الْوَاحِد التَّضْعِيف لِسُكُونِ لَام الْفِعْل , وَكِلْتَا اللُّغَتَيْنِ فَصَيْحَة مَشْهُورَة فِي الْعُرْف . وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي مَصَاحِفنَا وَمَصَاحِف أَهْل الْمَشْرِق بِدَالٍ وَاحِدَة مُشَدَّدَة بِتَرْكِ إِظْهَار التَّضْعِيف وَبِفَتْحِ الدَّال لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفْت .|وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَرِقَّاء عَلَيْهِمْ رُحَمَاء بِهِمْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَلَّ فُلَان لِفُلَانٍ : إِذَا خَضَعَ لَهُ وَاسْتَكَانَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } أَشِدَّاء عَلَيْهِمْ غُلَظَاء بِهِمْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ عَزَّنِي فُلَان : إِذَا أَظْهَرَ الْعِزَّة مِنْ نَفْسه لَهُ , وَأَبْدَى لَهُ الْجَفْوَة وَالْغِلْظَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9514 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن هَاشِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَيْف بْن عُمَر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : ( { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَهْل رِقَّة عَلَى أَهْل دِينهمْ , { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } أَهْل غِلْظَة عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينهمْ ). 9515 حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } يَعْنِي بِالذِّلَّةِ : الرَّحْمَة ). 9516 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : ( { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : رُحَمَاء بَيْنهمْ , { أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } قَالَ : أَشِدَّاء عَلَيْهِمْ ). 9517 حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : قَالَ سُفْيَان : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول فِي قَوْله : ( { أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ } ضُعَفَاء عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).|الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه } هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْتِيهِمْ بِهِمْ إِنْ اِرْتَدَّ مِنْهُمْ مُرْتَدّ بَدَلًا مِنْهُمْ , يُجَاهِدُونَ فِي قِتَال أَعْدَاء اللَّه , عَلَى النَّحْو الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِقِتَالِهِمْ وَالْوَجْه الَّذِي أَذِنَ لَهُمْ بِهِ , وَيُجَاهِدُونَ عَدُوّهُمْ , فَذَلِكَ مُجَاهَدَتهمْ فِي سَبِيل اللَّه .|اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ|يَقُول : وَلَا يَخَافُونَ فِي ذَات اللَّه أَحَدًا , وَلَا يَصُدّهُمْ عَنْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بْن مِنْ قِتَال عَدُوّهُمْ لَوْمَة لَائِم لَهُمْ فِي ذَلِكَ .|لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ|وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ فَضْل اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هَذَا النَّعْت الَّذِي نَعَتَهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مِنْ أَنَّهُمْ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ , يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَا يَخَافُونَ فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم , فَضْل اللَّه الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , مِنْهُ عَلَيْهِ وَتَطَوُّلًا .|يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ|يَقُول : وَاَللَّه جَوَاد بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ جَادَ بِهِ عَلَيْهِ , لَا يَخَاف نَفَاد خَزَائِنه فَيَكُفّ مِنْ عَطَائِهِ . { عَلِيم } بِمَوْضِعِ جُوده وَعَطَائِهِ , فَلَا يَبْذُلهُ إِلَّا لِمَنْ اِسْتَحَقَّهُ وَلَا يَبْذُل لِمَنْ اِسْتَحَقَّهُ إِلَّا عَلَى قَدْر الْمَصْلَحَة لِعِلْمِهِ بِمَوْضِعِ صَلَاحه لَهُ مِنْ مَوْضِع ضُرّه .

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } لَيْسَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَاصِر إِلَّا اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ , الَّذِينَ صِفَتهمْ مَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْره . فَأَمَّا الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَمَرَكُمْ اللَّه أَنْ تَبَرَّءُوا مِنْ وِلَايَتهمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء , فَلَيْسُوا لَكُمْ أَوْلِيَاء وَلَا نُصَرَاء , بَلْ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض , وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عُبَادَة بْن الصَّامِت فِي تَبَرِّيهِ مِنْ وِلَايَة يَهُود بَنِي قَيْنُقَاع وَحِلْفهمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9518 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني وَالِدِي إِسْحَاق بْن يَسَار , عَنْ عُبَادَة بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : (لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَشَى عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج , فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه , وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْ حِلْفهمْ , وَقَالَ : أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَأَبْرَأ مِنْ حِلْف الْكُفَّار وَوِلَايَتهمْ ! فَفِيهِ نَزَلَتْ : { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } لِقَوْلِ عُبَادَة : أَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا , وَتَبَرُّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع وَوِلَايَتهمْ . إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } ). 9519 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد , قَالَ : جَاءَ عُبَادَة بْن الصَّامِت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 9520 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } يَعْنِي : أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ تَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله ). وَأَمَّا قَوْله : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيّ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9521 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَنْ يَتَوَلَّاهُمْ , فَقَالَ : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } هَؤُلَاءِ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ , وَلَكِنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب مَرَّ بِهِ سَائِل وَهُوَ رَاكِع فِي الْمَسْجِد , فَأَعْطَاهُ خَاتَمه ). 9522 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : سَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } قُلْنَا : مَنْ الَّذِينَ آمَنُوا ؟ قَالَ : الَّذِينَ آمَنُوا ! قُلْنَا : بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : عَلِيّ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : سَأَلْت أَبَا جَعْفَر , عَنْ قَوْل اللَّه : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ } , وَذَكَر نَحْو حَدِيث هَنَّاد عَنْ عَبْدَة ). 9523 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْرَائِيل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ : عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ). 9524 حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز قَالَ : ثنا غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : ( { إِنَّمَا وَلِيّكُمْ اللَّه وَرَسُوله } الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , تَصَدَّقَ وَهُوَ رَاكِع ).

وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } </subtitle>وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده جَمِيعًا , الَّذِينَ تَبَرَّءُوا مِنْ الْيَهُود وَحِلْفهمْ رِضًا بِوِلَايَةِ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ , وَاَلَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِحِلْفِهِمْ , وَخَافُوا دَوَائِر السُّوء تَدُور عَلَيْهِمْ , فَسَارَعُوا إِلَى مُوَالَاتهمْ , بِأَنَّ مَنْ وَثِقَ بِاَللَّهِ وَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل حَاله مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , لَهُمْ الْغَلَبَة وَالدَّوَائِر وَالدَّوْلَة عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ وَحَادَّهُمْ , لِأَنَّهُمْ حِزْب اللَّه , وَحِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ دُون حِزْب الشَّيْطَان . كَمَا : 9525 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَهُمْ يَعْنِي الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره مَنْ الْغَالِب , فَقَالَ : (لَا تَخَافُوا الدَّوْلَة وَلَا الدَّائِرَة , فَقَالَ : { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّه وَرَسُوله وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ } وَالْحِزْب : هُمْ الْأَنْصَار ). وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَإِنَّ حِزْب اللَّه } فَإِنَّ أَنْصَار اللَّه , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : وَكَيْفَ أُضْوَى وَبِلَال حِزْبِي يَعْنِي بِقَوْلِهِ أُضْوَى : أُسْتُضْعَفُ وَأُضَام , مِنْ الشَّيْء الضَّاوِي . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَبِلَال حِزْبِي , يَعْنِي نَاصِرِي.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , { لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء , وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ الْكُتُب مِنْ قَبْل بَعْث نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ قَبْل نُزُول كِتَابنَا أَوْلِيَاء . يَقُول : لَا تَتَّخِذُوهُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْصَارًا وَإِخْوَانًا وَحُلَفَاء , فَإِنَّهُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَإِنْ أَظْهَرُوا لَكُمْ مَوَدَّة وَصَدَاقَة . وَكَانَ اِتِّخَاذ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ اِتَّخَذُوا دِينهمْ هُزُوًا وَلَعِبًا الدِّين عَلَى مَا وَصَفَهُمْ بِهِ رَبّنَا تَعَالَى ذِكْره , أَنَّ أَحَدهمْ كَانَ يُظْهِر لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان وَهُوَ عَلَى كُفْره مُقِيم , ثُمَّ يُرَاجِع الْكُفْر بَعْد يَسِير مِنْ الْمُدَّة بِإِظْهَارِ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ قَوْلًا بَعْد أَنْ كَانَ يُبْدِي بِلِسَانِهِ الْإِيمَان قَوْلًا وَهُوَ لِلْكُفْرِ مُسْتَبْطِن , تَلَعُّبًا بِالدِّينِ وَاسْتِهْزَاء بِهِ , كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ فِعْل بَعْضهمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينهمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس . 9526 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ رِفَاعَة بْن زَيْد بْن التَّابُوت وَسُوَيْد بْن الْحَارِث قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَام , ثُمَّ نَافَقَا , وَكَانَ رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادُّونَهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } ). فَقَدْ أَبَانَ هَذَا الْخَبَر عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اِتِّخَاذ مَنْ اِتَّخَذَ دِين اللَّه هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , إِنَّمَا كَانَ بِالنِّفَاقِ مِنْهُمْ وَإِظْهَارهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان وَاسْتِبْطَانهمْ الْكُفْر وَقِيلهمْ لِشَيَاطِينِهِمْ مِنْ الْيَهُود إِذَا خَلَوْا بِهِمْ : إِنَّا مَعَكُمْ . فَنَهَى اللَّه عَنْ مُوَادَّتهمْ وَمُحَالَفَتهمْ , وَالتَّمَسُّك بِحِلْفِهِمْ وَالِاعْتِدَاد بِهِمْ أَوْلِيَاء , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَأْلُونَهُمْ خَبَالًا , وَفِي دِينهمْ طَعْنًا وَعَلَيْهِ إِزْرَاء . وَأَمَّا الْكُفَّار الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } فَإِنَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَمِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَسَائِر أَهْل الْكُفْر أَوْلِيَاء دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ اِبْن مَسْعُود فِيمَا : 9527 حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ اِبْن مَسْعُود , يَقْرَأ : ( مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا | ). فَفِي هَذَا بَيَان صِحَّة التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ فِي ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : | وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء | بِخَفْضِ | الْكُفَّار | , بِمَعْنَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ , وَمِنْ الْكُفَّار أَوْلِيَاء . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب فِيمَا بَلَغَنَا : | مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الْكُفَّار أَوْلِيَاء | . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَالْكُفَّار أَوْلِيَاء } بِالنَّصْبِ , بِمَعْنَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا وَالْكُفَّار , عَطْفًا بِالْكُفَّارِ عَلَى الَّذِينَ اِتَّخَذُوا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى صَحِيحَتَا الْمَخْرَج , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَقَدْ أَصَابَ ; لِأَنَّ النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ وَلِيّ مِنْ الْكُفَّار نَهْي عَنْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء , وَالنَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء نَهْي عَنْ اِتِّخَاذ بَعْضهمْ وَلِيًّا . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُشْكِل عَلَى أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِذَا حَرَّمَ اِتِّخَاذ وَلِيّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء , وَلَا إِذَا حَرَّمَ اِتِّخَاذ جَمِيعهمْ أَوْلِيَاء أَنَّهُ لَمْ يُخَصِّص إِبَاحَة اِتِّخَاذ بَعْضهمْ وَلِيًّا , فَيَجِب مِنْ أَجْل إِشْكَال ذَلِكَ عَلَيْهِمْ طَلَب الدَّلِيل عَلَى أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاءٌ قَرَأَ الْقَارِئ بِالْخَفْضِ أَوْ بِالنَّصْبِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّة .|أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَخَافُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَمِنْ الْكُفَّار أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَنُصَرَاء , وَارْهَبُوا عُقُوبَته فِي فِعْل ذَلِكَ إِنْ فَعَلْتُمُوهُ بَعْد تَقَدُّمه إِلَيْكُمْ بِالنَّهْيِ عَنْهُ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَتُصَدِّقُونَهُ عَلَى وَعِيده عَلَى مَعْصِيَته .

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْقِلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أَذَّنَ مُؤَذِّنكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالصَّلَاةِ , سَخِرَ مِنْ دَعْوَتكُمْ إِلَيْهَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ , وَلَعِبُوا مِنْ ذَلِكَ , { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْقِلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : | ذَلِكَ | فِعْلهمْ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ , وَهُوَ هُزُؤُهُمْ وَلَعِبهمْ مِنْ الدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة , إِنَّمَا يَفْعَلُونَهُ بِجَهْلِهِمْ بِرَبِّهِمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ مَا لَهُمْ فِي إِجَابَتهمْ إِنْ أَجَابُوا إِلَى الصَّلَاة وَمَا عَلَيْهِمْ فِي اِسْتِهْزَائِهِمْ وَلَعِبهمْ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا , وَلَوْ عَقَلُوا مَا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِنْد اللَّه مِنْ الْعِقَاب مَا فَعَلُوهُ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ السُّدِّيّ فِي تَأْوِيله مَا : 9528 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا } كَانَ رَجُل مِنْ النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي يُنَادِي : أَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , قَالَ : حُرِّقَ الْكَاذِب ! فَدَخَلَتْ خَادِمَةٌ ذَات لَيْلَة مِنْ اللَّيَالِي بِنَارٍ وَهُوَ نَائِم وَأَهْله نِيَام , فَسَقَطَتْ شَرَارَة , فَأَحْرَقَتْ الْبَيْت , فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْله ).

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : يَا أَهْل الْكِتَاب , هَلْ تَكْرَهُونَ مِنَّا أَوْ تَجِدُونَ عَلَيْنَا حَتَّى تَسْتَهْزِءُوا بِدِينِنَا إِذَا أَنْتُمْ إِذَا نَادَيْنَا إِلَى الصَّلَاة اِتَّخَذْتُمْ نِدَاءَنَا ذَلِكَ هُزُوًا وَلَعِبًا , { إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ } يَقُول : إِلَّا أَنْ صَدَّقْنَا وَأَقْرَرْنَا بِاَللَّهِ فَوَحَّدْنَاهُ , وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكِتَاب , وَمَا أُنْزِلَ إِلَى أَنْبِيَاء اللَّه مِنْ الْكُتُب مِنْ قَبْل كِتَابنَا . وَالْعَرَب تَقُول : نَقَمْت عَلَيْك كَذَا أَنْقِم وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاء مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَغَيْرهمْ وَنَقَمْت أَنْقِم لُغَتَانِ , وَلَا نَعْلَم قَارِئًا قَرَأَ بِهَا بِمَعْنَى وَجَدْت وَكَرِهْت , وَمِنْهُ قَوْل عَبْد اللَّه بْن قَيْس الرُّقَيَّات : <br>مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّة إِلَّا .......... أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا <br>وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9529 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَر مِنْ الْيَهُود فِيهِمْ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَب , وَرَافِع بْن أَبِي رَافِع , وَعَازِر , وَزَيْد وَخَالِد , وأزار بْن أَبِي أزار , وأشيع , فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الرُّسُل ؟ قَالَ : | أُومِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا , وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى , وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ , لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ | . فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّته وَقَالُوا : لَا نُؤْمِن بِمَنْ آمَنَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ } ). عَطْفًا بِهَا عَلَى | أَنْ | الَّتِي فِي قَوْله : { إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ } لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا إِيمَاننَا بِاَللَّهِ وَفِسْقكُمْ .|قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ|يَقُول : إِلَّا أَنَّ أَكْثَركُمْ مُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه , خَارِجُونَ عَنْ طَاعَته , تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ .

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه مَنْ لَعَنَهُ اللَّه وَغَضِبَ عَلَيْهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَالْكُفَّار : هَلْ أُنَبِّئكُمْ يَا مَعْشَر أَهْل الْكِتَاب بِشَرٍّ مِنْ ثَوَاب مَا تَنْقِمُونَ مِنَّا مِنْ إِيمَاننَا بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ كِتَاب اللَّه , وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلنَا مِنْ كُتُبه ؟ غَيْر أَنَّ الْعَيْن لَمَّا سُكِّنَتْ , نُقِلَتْ حَرَكَتهَا إِلَى الْفَاء , وَهِيَ الثَّاء مِنْ | مَثُوبَة | , فَخَرَجَتْ مَخْرَج مَقُولَة , وَمَحُورَة , وَمَضُوفَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>وَكُنْت إِذَا جَارِي دَعَا لِمَضُوفَةٍ .......... أُشَمِّر حَتَّى يَنْصُف السَّاقَ مِئْزَرِي <br>وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9530 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه } يَقُول : ثَوَابًا عِنْد اللَّه ). 9531 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه } قَالَ : الْمَثُوبَة : الثَّوَاب , مَثُوبَة الْخَيْر وَمَثُوبَة الشَّرّ , وَقَرَأَ : | شَرّ ثَوَابًا | ). وَأَمَّا | مَنْ | فِي قَوْله : { مَنْ لَعَنَهُ اللَّه } فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : { بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ } . فَكَأَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه بِمَنْ لَعَنَهُ اللَّه . وَلَوْ قِيلَ هُوَ فِي مَوْضِع رَفْع لَكَانَ صَوَابًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف , بِمَعْنَى : ذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , أَوْ هُوَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه . وَلَوْ قِيلَ هُوَ فِي مَوْضِع نَصْب لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا , بِمَعْنَى : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , فَيُجْعَل | أُنَبِّئكُمْ | عَلَى مَا فِي مَنْ وَاقِعًا عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { مَنْ لَعَنَهُ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مَنْ أَبْعَدَهُ اللَّه وَأَسْحَقَهُ مِنْ رَحْمَته وَغَضِبَ عَلَيْهِ .|وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير } </subtitle>يَقُول : وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْمُسُوخ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , غَضَبًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَسُخْطًا , فَعَجَّلَ لَهُمْ الْخِزْي وَالنَّكَال فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا سَبَب مَسْخ اللَّه مَنْ مَسَخَ مِنْهُمْ قِرَدَة فَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضه فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّته إِنْ شَاءَ اللَّه فِي مَكَان غَيْر هَذَا . وَأَمَّا سَبَب مَسْخ اللَّه مَنْ مَسَخَ مِنْهُمْ خَنَازِير , فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا : 9532 حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن كَثِير بْن أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : (حُدِّثْت أَنَّ الْمَسْخ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ الْخَنَازِير كَانَ أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ فِي قَرْيَة مِنْ قُرَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ فِيهَا مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانُوا قَدْ اِسْتَجْمَعُوا عَلَى الْهَلَكَة , إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَة كَانَتْ عَلَى بَقِيَّة مِنْ الْإِسْلَام مُتَمَسِّكَة بِهِ , فَجَعَلَتْ تَدْعُو إِلَى اللَّه حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعَ إِلَيْهَا نَاس فَتَابَعُوهَا عَلَى أَمْرهَا , قَالَتْ لَهُمْ : إِنَّهُ لَا بُدّ لَكُمْ مِنْ أَنْ تُجَاهِدُوا عَنْ دِين اللَّه وَأَنْ تُنَادُوا قَوْمكُمْ بِذَلِكَ , فَاخْرُجُوا فَإِنِّي خَارِجَة ! فَخَرَجَتْ وَخَرَجَ إِلَيْهَا ذَلِكَ الْمَلِك فِي النَّاس , فَقَتَلَ أَصْحَابهَا جَمِيعًا , وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . قَالَ : وَدَعَتْ إِلَى اللَّه حَتَّى تَجَمَّعَ النَّاس إِلَيْهَا , حَتَّى إِذَا رَضِيَتْ مِنْهُمْ أَمَرَتْهُمْ بِالْخُرُوجِ , فَخَرَجُوا وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ , وَأُصِيبُوا جَمِيعًا وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . ثُمَّ دَعَتْ إِلَى اللَّه , حَتَّى إِذَا اِجْتَمَعَ إِلَيْهَا رِجَال اِسْتَجَابُوا لَهَا , أَمَرَتْهُمْ بِالْخُرُوجِ , فَخَرَجُوا وَخَرَجَتْ , فَأُصِيبُوا جَمِيعًا , وَانْفَلَتَتْ مِنْ بَيْنهمْ . فَرَجَعَتْ وَقَدْ أَيِسَتْ , وَهِيَ تَقُول : سُبْحَان اللَّه لَوْ كَانَ لِهَذَا الدِّين وَلِيّ وَنَاصِر لَقَدْ أَظْهَرَهُ بَعْد ! قَالَ : فَبَاتَتْ مَحْزُونَة , وَأَصْبَحَ أَهْل الْقَرْيَة يَسْعَوْنَ فِي نَوَاحِيهَا خَنَازِير وَقَدْ مَسَخَهُمْ اللَّه فِي لَيْلَتهمْ تِلْكَ , فَقَالَتْ حِين أَصْبَحَتْ وَرَأَتْ مَا رَأَتْ : الْيَوْم أَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَعَزَّ دِينه وَأَمْر دِينه ! قَالَ : فَمَا كَانَ مَسْخ الْخَنَازِير فِي بَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا عَلَى يَدَيْ تِلْكَ الْمَرْأَة ). 9533 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير } قَالَ : مُسِخَتْ مِنْ يَهُود ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَلِلْمَسْخِ سَبَب فِيمَا ذُكِرَ غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه .|وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْحِجَاز وَالشَّام وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } بِمَعْنَى : وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت , بِمَعْنَى : عَابِد , فَجَعَلَ | عَبَدَ | فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ صِلَة الْمُضْمَر , وَنَصَبَ | الطَّاغُوت | بِوُقُوعِ عَبَدَ عَلَيْهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ : | وَعَبُد الطَّاغُوت | بِفَتْحِ الْعَيْن مِنْ عَبُد وَضَمّ بَائِهَا وَخَفْض | الطَّاغُوت | بِإِضَافَةِ | عَبُد | إِلَيْهِ , وَعَنَوْا بِذَلِكَ : وَخَدَم الطَّاغُوت . 9534 حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , قَالَ : ثني حَمْزَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب أَنَّهُ قَرَأَ : | وَعَبَدَ الطَّاغُوت | يَقُول : خَدَم . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن : وَكَانَ حَمْزَة كَذَلِكَ يَقْرَؤُهَا . 9535 حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ ). وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : إِنْ يَكُنْ فِيهِ لُغَة مِثْل حَذِر وَحَذُر , وَعَجِل وَعَجُل , فَهُوَ وَجْه وَاَللَّه أَعْلَم . وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادَ قَوْل الشَّاعِر : <br>أَبَنِي لُبَيْنَى إِنَّ أُمّكُمْ .......... أَمَة وَإِنَّ أَبَاكُمْ عَبْد <br>فَإِنَّ هَذَا مِنْ ضَرُورَة الشِّعْر . وَهَذَا يَجُوز فِي الشِّعْر لِضَرُورَةِ الْقَوَافِي , وَأَمَّا فِي الْقِرَاءَة فَلَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ | وَعُبُد الطَّاغُوت | ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الْأَعْمَش , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ جَمْع الْجَمْع مِنْ الْعَبْد , كَأَنَّهُ جَمَعَ الْعَبْد عَبِيدًا , ثُمَّ جَمَعَ الْعَبِيد عُبُدًا , مِثْل ثِمَار وَثُمُر . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ : | عُبُد الطَّاغُوت | . 9536 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَر النَّحْوِيّ يَقْرَؤُهَا : ( وَعُبُد الطَّاغُوت | كَمَا يَقُول : ضُرِبَ عَبْد اللَّه ). قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ قِرَاءَة لَا مَعْنَى لَهَا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا اِبْتَدَأَ الْخَبَر بِذَمِّ أَقْوَام , فَكَانَ فِيمَا ذَمَّهُمْ بِهِ عِبَادَتهمْ الطَّاغُوت . وَأَمَّا الْخَبَر عَنْ أَنَّ الطَّاغُوت قَدْ عُبِدَ , فَلَيْسَ مِنْ نَوْع الْخَبَر الَّذِي اِبْتَدَأَ بِهِ الْآيَة , وَلَا مِنْ جِنْس مَا خَتَمَهَا بِهِ , فَيَكُون لَهُ وَجْه يُوَجِّه إِلَيْهِ مِنْ الصِّحَّة . وَذُكِرَ أَنَّ بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ كَانَ يَقْرَؤُهُ : | وَعَابِد الطَّاغُوت | . 9537 حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شَيْخ بَصْرِيّ : (أَنَّ بُرَيْدَة كَانَ يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ ). وَلَوْ قُرِئَ ذَلِكَ : | وَعَبَدَ الطَّاغُوت | , بِالْكَسْرِ كَانَ لَهُ مَخْرَج فِي الْعَرَبِيَّة صَحِيح , وَإِنْ لَمْ أَسْتَجِز الْيَوْم الْقِرَاءَة بِهَا , إِذْ كَانَتْ قِرَاءَة الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء بِخِلَافِهَا ; وَوَجْه جَوَازهَا فِي الْعَرَبِيَّة أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا وَعَبَدَة الطَّاغُوت , ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَاء مِنْ الْعَبَدَة لِلْإِضَافَةِ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>قَامَ وُلَاهَا فَسَقَوْهُ صَرْخَدَا <br>يُرِيد : قَامَ وُلَاتهَا , فَحَذَفَ التَّاء مِنْ وُلَاتهَا لِلْإِضَافَةِ . وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرَّاء فَبِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بَدَأْت بِذِكْرِهِمَا , وَهُوَ : | وَعَبَدَ الطَّاغُوت | بِنَصْبِ الطَّاغُوت وَإِعْمَال | عَبَدَ | فِيهِ , وَتَوْجِيه | عَبَدَ | إِلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ مِنْ الْعِبَادَة . وَالْآخَر : | عَبُد الطَّاغُوت | عَلَى مِثَال فَعُلَ , وَخَفْض | الطَّاغُوت | بِإِضَافَةِ | عَبُد | إِلَيْهِ . فَإِذَا كَانَتْ قِرَاءَة الْقُرَّاء بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ دُون غَيْرهمَا مِنْ الْأَوْجُه الَّتِي هِيَ أَصَحّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّة مِنْهُمَا , فَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ مِنْ الْقِرَاءَة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَعَبَدَ الطَّاغُوت } بِمَعْنَى : وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود : | وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَعَبَدُوا الطَّاغُوت | بِمَعْنَى : وَاَلَّذِينَ عَبَدُوا الطَّاغُوت . فَفِي ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ : وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت , وَأَنَّ النَّصْب بِالطَّاغُوتِ أَوْلَى عَلَى مَا وَصَفْت فِي الْقِرَاءَة لِإِعْمَالِ | عَبَدَ | فِيهِ , إِذْ كَانَ الْوَجْه الْآخَر غَيْر مُسْتَفِيض فِي الْعَرَب وَلَا مَعْرُوف فِي كَلَامهَا ; عَلَى أَنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَسْتَنْكِرُونَ إِعْمَال شَيْء فِي | مَنْ | وَ | الَّذِي | الْمُضْمَرَيْنِ مَعَ | مِنْ | وَ | فِي | إِذَا كَفَتْ | مِنْ | أَوْ | فِي | مِنْهُمَا , وَيَسْتَقْبِحُونَهُ , حَتَّى كَانَ بَعْضهمْ يُحِيل ذَلِكَ وَلَا يُجِيزهُ . وَكَانَ الَّذِي يُحِيل ذَلِكَ يَقْرَؤُهُ : | وَعَبُد الطَّاغُوت | , فَهُوَ عَلَى قَوْله خَطَأ وَلَحْن غَيْر جَائِز . وَكَانَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يَسْتَجِيزُونَهُ عَلَى قُبْح , فَالْوَاجِب عَلَى قَوْلهمْ أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة بِذَلِكَ قَبِيحَة ; وَهُمْ مَعَ اِسْتِقْبَاحهمْ ذَلِكَ فِي الْكَلَام قَدْ اِخْتَارُوا الْقِرَاءَة بِهَا , وَإِعْمَال وَجَعْل فِي | مَنْ | وَهِيَ مَحْذُوفَة مَعَ | مِنْ | وَلَوْ كُنَّا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَة الْجَمَاعَة فِي شَيْء مِمَّا جَاءَتْ بِهِ مُجْمَعَة عَلَيْهِ , لَاخْتَرْنَا الْقِرَاءَة بِغَيْرِ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ , غَيْر أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَفِيضًا , فَهُمْ لَا يَتَنَاكَرُونَهُ , فَلَا نَسْتَجِيزُ الْخُرُوج مِنْهُ إِلَى غَيْره ; فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِز الْقِرَاءَة بِخِلَافِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْدُوهُمَا . وَإِذْ كَانَتْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا مَا ذَكَرْنَا , فَتَأْوِيل الْآيَة : قُلْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَة عِنْد اللَّه : مَنْ لَعَنَهُ , وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَمَنْ عَبَدَ الطَّاغُوت . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطَّاغُوت فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ مِنْ الرِّوَايَات وَغَيْرهَا , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا .|أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ|وَأَمَّا قَوْله : { أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : | أُولَئِكَ | : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره , وَهُمْ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , فَقَالَ : مَنْ لَعَنَهُ اللَّه , وَغَضِبَ عَلَيْهِ , وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَعَبَدَ الطَّاغُوت ; وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ صِفَة الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ شَرّ مَكَانًا فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة عِنْد اللَّه مِمَّنْ نَقَمْتُمْ عَلَيْهِمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكِتَاب وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَى مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء , { وَأَضَلّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ أَيّهَا الْيَهُود , أَشَدّ أَخْذًا عَلَى غَيْر الطَّرِيق الْقَوِيم , وَأَجْوَر عَنْ سَبِيل الرُّشْد وَالْقَصْد مِنْهُمْ . وَهَذَا مِنْ لَحْن الْكَلَام , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَر إِخْبَار الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي الْآيَات قَبْل هَذِهِ بِقَبِيحِ فِعَالهمْ وَذَمِيم أَخْلَاقهمْ وَاسْتِيجَابهمْ سَخَطه بِكَثْرَةِ ذُنُوبهمْ وَمَعَاصِيهمْ , حَتَّى مُسِخَ بَعْضهمْ قِرَدَة وَبَعْضهمْ خَنَازِير , خِطَابًا مِنْهُ لَهُمْ بِذَلِكَ تَعْرِيضًا بِالْجَمِيلِ مِنْ الْخِطَاب , وَلَحْن لَهُمْ بِمَا عَرَفُوا مَعْنَاهُ مِنْ الْكَلَام بِأَحْسَن اللَّحْن , وَعَلَّمَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَدَب أَحْسَنه , فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد , أَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَبِكُتُبِهِ الَّذِينَ تَسْتَهْزِءُونَ مِنْهُمْ شَرّ أَمْ مَنْ لَعَنَهُ اللَّه ؟ وَهُوَ يَعْنِي الْمَقُول ذَلِكَ لَهُمْ .

وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا جَاءَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْيَهُود , قَالُوا لَكُمْ : | آمَنَّا | : أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى دِينه , وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ , قَدْ دَخَلُوا عَلَيْكُمْ بِكُفْرِهِمْ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ وَيُضْمِرُونَهُ فِي صُدُورهمْ , وَهُمْ يُبْدُونَ كَذِبًا التَّصْدِيق لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ . { وَقَدْ خَرَجُوا بِهِ } يَقُول : وَقَدْ خَرَجُوا بِالْكُفْرِ مِنْ عِنْدكُمْ كَمَا دَخَلُوا بِهِ عَلَيْكُمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِمَجِيئِهِمْ إِلَيْكُمْ عَنْ كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ , يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ يَخْفَى عَلَى اللَّه جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9538 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا } الْآيَة : أُنَاس مِنْ الْيَهُود كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ رَاضُونَ بِاَلَّذِي جَاءَ بِهِ , وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَالْكُفْر , وَكَانُوا يَدْخُلُونَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ عِنْد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). 9539 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَهُود . يَقُول : دَخَلُوا كُفَّارًا وَخَرَجُوا كُفَّارًا ). 9540 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } وَإِنَّهُمْ دَخَلُوا وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ وَتُسِرّ قُلُوبهمْ الْكُفْر , فَقَالَ : دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ). 9541 حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ; فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى كُفَّارهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَشَيَاطِينهمْ , رَجَعُوا بِكُفْرِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ يَهُود ). 9542 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : ( { وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } أَيْ إِنَّهُ مِنْ عِنْدهمْ ).|وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ|يَقُول : وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عِنْد قَوْلهمْ لَكِنْ بِأَلْسِنَتِهِمْ : آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَصَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ , يَكْتُمُونَ مِنْهُمْ بِمَا يُضْمِرُونَهُ مِنْ الْكُفْر بِأَنْفُسِهِمْ .

وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَرَى يَا مُحَمَّد كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ قَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَقُول : يَعْجَلُونَ بِمُوَاقَعَةِ الْإِثْم . وَقِيلَ : إِنَّ الْإِثْم فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيٌّ بِهِ الْكُفْر . 9543 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } قَالَ : الْإِثْم : الْكُفْر ). 9544 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } وَكَانَ هَذَا فِي حُكَّام الْيَهُود بَيْن أَيْدِيكُمْ ). 9545 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : . ( { يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْيَهُود ; { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ } إِلَى قَوْله : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } قَالَ : يَصْنَعُونَ وَيَعْمَلُونَ وَاحِد . قَالَ لِهَؤُلَاءِ حِين لَمْ يُنْهَوْا , كَمَا قَالَ لِهَؤُلَاءِ حِين عَمِلُوا ). قَالَ : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ السُّدِّيّ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا غَيْر مَدْفُوع جَوَاز صِحَّته , فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلَام أَنْ يَكُون الْقَوْم مَوْصُوفِينَ بِأَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي جَمِيع مَعَاصِي اللَّه لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ شَيْء مِنْهَا لَا مِنْ كُفْر وَلَا مِنْ غَيْره ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَمَّ فِي وَصْفهمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ إِثْمًا دُون إِثْم . وَأَمَّا الْعُدْوَان , فَإِنَّهُ مُجَاوَزَة الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لَهُمْ فِي كُلّ مَا حَدَّهُ لَهُمْ . وَتَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره , يُسَارِع كَثِير مِنْهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه وَخِلَاف أَمْره , وَيَتَعَدَّوْنَ حُدُوده الَّتِي حَدَّ لَهُمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلهمْ السُّحْت , وَذَلِكَ الرِّشْوَة الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ النَّاس عَلَى الْحُكْم بِخِلَافِ حُكْم اللَّه فِيهِمْ .|لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ|يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْعَمَل مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَعْمَلُونَ فِي مُسَارَعَتهمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت .

لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا يَنْهَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْل الرُّشَا فِي الْحُكْم مِنْ الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَبَّانِيُّوهُمْ , وَهُمْ أَئِمَّتهمْ الْمُؤْمِنُونَ , وَسَاسَتهمْ الْعُلَمَاء بِسِيَاسَتِهِمْ وَأَحْبَارهمْ , وَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ وَقُوَّادهمْ ; { عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } يَعْنِي : عَنْ قَوْل الْكَذِب وَالزُّور ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْكُمُونَ فِيهِمْ بِغَيْرِ حُكْم اللَّه , وَيَكْتُبُونَ كُتُبًا بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ : هَذَا مِنْ حُكْم اللَّه , وَهَذَا مِنْ كُتُبه . يَقُول اللَّه : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } .|وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَأَكْلهمْ السُّحْت } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الرِّشْوَة الَّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَهَا عَلَى حُكْمهمْ بِغَيْرِ كِتَاب اللَّه لِمَنْ حَكَمُوا لَهُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار وَمَعْنَى السُّحْت بِشَوَاهِد ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ|وَأَمَّا قَوْله : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه أَقْسَمَ بِهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الصَّنِيع كَانَ يَصْنَع هَؤُلَاءِ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار فِي تَرْكهمْ نَهْي الَّذِينَ يُسَارِعُونَ مِنْهُمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْل السُّحْت عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ الْعُلَمَاء يَقُولُونَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة وَلَا أَخْوَف عَلَيْهِمْ مِنْهَا . 9546 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم فِي قَوْله : ( { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } قَالَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَخْوَف عِنْدِي مِنْهَا أَنَّا لَا نَنْهَى ). 9547 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ خَالِد بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا مِنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : كَذَا قَرَأَ ). وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9548 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : ( { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } ) . 9549 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ أَنَّهُمْ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .)

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُم

الْقَوْم فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ جَرَاءَة الْيَهُود عَلَى رَبّهمْ وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَتَعْرِيفًا مِنْهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيم جَهْلهمْ وَاغْتِرَارهمْ بِهِ وَإِنْكَارهمْ جَمِيع جَمِيل أَيَادِيه عِنْدهمْ وَكَثْرَة صَفْحه عَنْهُمْ وَعَفْوه عَنْ عَظِيم إِجْرَامهمْ , وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَهُ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَنْبَأَهُمْ بِهَا كَانَتْ مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ وَمَكْنُونهَا الَّتِي لَا يَعْلَمهَا إِلَّا أَحْبَارهمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ دُون غَيْرهمْ مِنْ الْيَهُود فَضْلًا فَأَطْلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَرِّر عِنْدهمْ صِدْقه وَيَقْطَع بِذَلِكَ حُجَّتهمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَتْ الْيَهُود } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَعْنُونَ : أَنَّ خَيْر اللَّه مُمْسِك , وَعَطَاءَهُ مَحْبُوس عَنْ الِاتِّسَاع عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره فِي تَأْدِيب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } . وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره الْيَد بِذَلِكَ , وَالْمَعْنَى : الْعَطَاء ; لِأَنَّ عَطَاء النَّاس وَبَذْل مَعْرُوفهمْ الْغَالِب بِأَيْدِيهِمْ , فَجَرَى اِسْتِعْمَال النَّاس فِي وَصْف بَعْضهمْ بَعْضًا إِذَا وَصَفُوهُ بِجُودٍ وَكَرَم أَوْ بِبُخْلٍ وَشُحّ وَضِيق , بِإِضَافَةِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صِفَة الْمَوْصُوف إِلَى يَدَيْهِ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي مَدْح رَجُل : <br>يَدَاك يَدَا مَجْد فَكَفّ مُفِيدَة .......... وَكَفّ إِذَا مَا ضَنَّ بِالزَّادِ تُنْفِق <br>فَأَضَافَ مَا كَانَ صِفَة صَاحِب الْيَد مِنْ إِنْفَاق وَإِفَادَة إِلَى الْيَد ; وَمِثْل ذَلِكَ مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي أَشْعَارهَا وَأَمْثَالهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَى . فَخَاطَبَهُمْ اللَّه بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ , وَيَتَحَاوَرُونَهُ بَيْنهمْ فِي كَلَامهمْ , فَقَالَ : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه يَبْخَل عَلَيْنَا وَيَمْنَعنَا فَضْله فَلَا يَفْضُل , كَالْمَغْلُولَةِ يَده الَّذِي لَا يَقْدِر أَنْ يَبْسُطهَا بِعَطَاءٍ وَلَا بَذْل مَعْرُوف . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا قَالَ أَعْدَاء اللَّه ! فَقَالَ اللَّه مُكَذِّبهمْ وَمُخْبِرهمْ بِسَخَطِهِ عَلَيْهِمْ : { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } يَقُول : أُمْسِكَتْ أَيْدِيهمْ عَنْ الْخَيْرَات , وَقُبِضَتْ عَنْ الِانْبِسَاط بِالْعَطِيَّاتِ , وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا , وَأُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه وَفَضْله بِاَلَّذِي قَالُوا مِنْ الْكُفْر وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّه وَوَصَفُوهُ بِهِ مِنْ الْكَذِب , وَالْإِفْك . { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } يَقُول : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بِالْبَذْلِ وَالْإِعْطَاء وَأَرْزَاق عِبَاده وَأَقْوَات خَلْقه , غَيْر مَغْلُولَتَيْنِ وَلَا مَقْبُوضَتَيْنِ . { يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : يُعْطِي هَذَا وَيَمْنَع هَذَا فَيُقَتِّر عَلَيْهِ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9550 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } . قَالَا : لَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَد اللَّه مُوثَقَة , وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ بَخِيل أَمْسَكَ مَا عِنْده . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا )! 9551 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالَ : لَقَدْ يُجْهِدنَا اللَّه يَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى جَعَلَ اللَّه يَده إِلَى نَحْره . وَكَذَبُوا )! * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالَ : الْيَهُود تَقُول : لَقَدْ يُجْهِدنَا اللَّه يَا بَنِي إِسْرَائِيل وَيَا أَهْل الْكِتَاب حَتَّى إِنَّ يَده إِلَى نَحْره . بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ , يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء ). 9552 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } إِلَى : { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } . أَمَّا قَوْله { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالُوا : اللَّه بَخِيل غَيْر جَوَاد , قَالَ اللَّه : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } ). 9553 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } قَالُوا : إِنَّ اللَّه وَضَعَ يَده عَلَى صَدْره فَلَا يَبْسُطهَا حَتَّى يَرُدّ عَلَيْنَا مُلْكنَا ). 9554 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : ( { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } الْآيَة , نَزَلَتْ فِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ ). 9555 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَوْله : ( { يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَقُولُونَ : إِنَّهُ بَخِيل لَيْسَ بِجَوَادٍ ! قَالَ اللَّه : { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } أُمْسِكَتْ أَيْدِيهمْ عَنْ النَّفَقَة وَالْخَيْر . ثُمَّ قَالَ يَعْنِي نَفْسه : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } وَقَالَ : { لَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة } يَقُول : لَا تُمْسِك يَدك عَنْ النَّفَقَة ).|بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ|وَاخْتَلَفَ أَهْل الْجَدَل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ نِعْمَتَاهُ , وَقَالَ : ذَلِكَ بِمَعْنَى : يَد اللَّه عَلَى خَلْقه , وَذَلِكَ نِعَمه عَلَيْهِمْ ; وَقَالَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول : لَك عِنْدِي يَد , يَعْنُونَ بِذَلِكَ : نِعْمَة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُوَّة , وَقَالُوا : ذَلِكَ نَظِير قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَده مُلْكه ; وَقَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } مُلْكه وَخَزَائِنه . قَالُوا : وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب لِلْمَمْلُوكِ : هُوَ مِلْك يَمِينه , وَفُلَان بِيَدِهِ عُقْدَة نِكَاح فُلَانَة : أَيْ يَمْلِك ذَلِكَ , وَكَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَد اللَّه صِفَة مِنْ صِفَاته هِيَ يَد , غَيْر أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِح بَنِي آدَم . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ خُصُوصِيَّة آدَم بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِيَّةِ آدَم بِذَلِكَ وَجْه مَفْهُوم , إِذْ كَانَ جَمِيع خَلْقه مَخْلُوقِينَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته فِي خَلْقه تَعُمُّهُ وَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ مَالِك . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ خَصَّ آدَم بِذِكْرِهِ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ دُون غَيْره مِنْ عِبَاده , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ لِمَعْنًى بِهِ فَارَقَ غَيْره مِنْ سَائِر الْخَلْق . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَطَلَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد مِنْ اللَّه الْقُوَّة وَالنِّعْمَة أَوْ الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع . قَالُوا : وَأَحْرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُونَ إِنَّ يَد اللَّه فِي قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } هِيَ نِعْمَته , لَقِيلَ : بَلْ يَده مَبْسُوطَة , وَلَمْ يَقُلْ : بَلْ يَدَاهُ , لِأَنَّ نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصَى بِكَثْرَةٍ ; وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيل , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا } قَالُوا : وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتَيْنِ كَانَتَا مُحْصَاتَيْنِ . قَالُوا : فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ النِّعْمَتَيْنِ بِمَعْنَى النِّعَم الْكَثِيرَة , فَذَلِكَ مِنْهُ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْجَمِيع بِلَفْظِ الْوَاحِد لِأَدَاءِ الْوَاحِد عَنْ جَمِيع جِنْسه , وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } , وَكَقَوْلِهِ : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان } , وَقَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } . قَالَ : فَلَمْ يُرَدْ بِالْإِنْسَانِ وَالْكَافِر فِي هَذِهِ الْأَمَاكِن إِنْسَان بِعَيْنِهِ , وَلَا كَافِر مُشَار إِلَيْهِ حَاضِر , بَلْ عُنِيَ بِهِ جَمِيع الْإِنْس وَجَمِيع الْكُفَّار , وَلَكِنَّ الْوَاحِد أَدَّى عَنْ جِنْسه كَمَا تَقُول الْعَرَب : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر } مَعْنَاهُ : وَكَانَ الَّذِينَ كَفَرُوا . قَالُوا : فَأَمَّا إِذَا ثُنِّيَ الِاسْم , فَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجِنْس , وَلَا يُؤَدِّي إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا دُون الْجَمِيع وَدُون غَيْرهمَا . قَالُوا : وَخَطَأ فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَمَيْنِ فِي أَيْدِي النَّاس ! بِمَعْنَى : مَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ الدِّرْهَم إِذَا ثُنِّيَ لَا يُؤَدِّي فِي كَلَامهَا إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا . قَالُوا : وَغَيْر مُحَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس ! وَمَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ ! لِأَنَّ الْوَاحِد يُؤَدِّي عَنْ الْجَمِيع . قَالُوا : فَفِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } مَعَ إِعْلَامه عِبَاده أَنَّ نِعَمه لَا تُحْصَى , وَمَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنَّ اِثْنَيْنِ يُؤَدِّيَانِ عَنْ الْجَمِيع , مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد فِي هَذَا الْمَوْضِع : النِّعْمَة , وَصِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ يَد اللَّه هِيَ لَهُ صِفَة . قَالُوا : وَبِذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاء وَأَهْل التَّأْوِيل . وَأَمَّا قَوْله : { يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : يَرْزُق كَيْفَ يَشَاء .|وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَطْلَعْنَاك عَلَيْهِ مِنْ خَفِيّ أُمُور هَؤُلَاءِ الْيَهُود مِمَّا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارهمْ , اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ نُبُوَّتك , وَقَطْعًا لِعُذْرِ قَائِل مِنْهُمْ أَنْ يَقُول : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير , لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا , يَعْنِي بِالطُّغْيَانِ : الْغُلُوّ فِي إِنْكَار مَا قَدْ عَلِمُوا صِحَّته مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَادِي فِي ذَلِكَ . { وَكُفْرًا } يَقُول : وَيَزِيدهُمْ مَعَ غُلُوّهُمْ فِي إِنْكَار ذَلِكَ جُحُودهمْ عَظَمَة اللَّه وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته , بِأَنْ يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبُخْل , وَيَقُولُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } . وَإِنَّمَا أَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْل عُتُوّ وَتَمَرُّد عَلَى رَبّهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يُذْعِنُونَ لِحَقٍّ وَإِنْ عَلِمُوا صِحَّته , وَلَكِنَّهُمْ يُعَانِدُونَهُ ; يُسَلِّي بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُوجِدَة بِهِمْ فِي ذَهَابهمْ عَنْ اللَّه وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9556 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } حَمَلَهُمْ حَسَد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَرَب عَلَى أَنْ كَفَرُوا بِهِ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ ).|وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } بَيْن الْيَهُود وَ النَّصَارَى . كَمَا : 9557 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْيَهُود وَالنَّصَارَى ). فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } جُعِلَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله { بَيْنهمْ } كِنَايَة عَنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ذِكْر ؟ قِيلَ : قَدْ جَرَى لَهُمْ ذِكْر , وَذَلِكَ قَوْله : { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } جَرَى الْخَبَر فِي بَعْض الْآي عَنْ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي بَعْض عَنْ أَحَدهمَا , إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } , ثُمَّ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { أَلْقَيْنَا بَيْنهمْ } الْخَبَر عَنْ الْفَرِيقَيْنِ .|كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كُلَّمَا جَمَعَ أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَاسْتَقَامَ وَاسْتَوَى فَأَرَادُوا مُنَاهَضَة مَنْ نَاوَأَهُمْ , شَتَّتَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَفْسَدَهُ , لِسُوءِ فِعَالهمْ وَخُبْث نِيَّاتهمْ . كَاَلَّذِي : 9558 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : ( { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ } . قَالَ : كَانَ الْفَسَاد الْأَوَّل , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ عَدُوًّا , فَاسْتَبَاحُوا الدِّيَار وَاسْتَنْكَحُوا النِّسَاء وَاسْتَعْبَدُوا الْوِلْدَان وَخَرَّبُوا الْمَسْجِد . فَغَبَرُوا زَمَانًا , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه فِيهِمْ نَبِيًّا , وَعَادَ أَمْرهمْ إِلَى أَحْسَن مَا كَانَ . ثُمَّ كَانَ الْفَسَاد الثَّانِي بِقَتْلِهِمْ الْأَنْبِيَاء , حَتَّى قَتَلُوا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ , قَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَسَبَى مَنْ سَبَى وَخَرَّبَ الْمَسْجِد , فَكَانَ بُخْتَنَصَّرَ لِلْفَسَادِ الثَّانِي . قَالَ : وَالْفَسَاد : الْمَعْصِيَة . ثُمَّ قَالَ : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْأَخِرَة لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } فَبَعَثَ اللَّه لَهُمْ عُزَيْرًا , وَقَدْ كَانَ عَلِمَ التَّوْرَاة وَحَفِظَهَا فِي صَدْره , وَكَتَبَهَا لَهُمْ . فَقَامَ بِهَا ذَلِكَ الْقَرْن , وَلَبِثُوا وَنَسُوا . وَمَاتَ عُزَيْر , وَكَانَتْ أَحْدَاث , وَنَسُوا الْعَهْد , وَبَخَّلُوا رَبّهمْ , وَقَالُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } وَقَالُوا فِي عُزَيْز : إِنَّ اللَّه اِتَّخَذَهُ وَلَدًا . وَكَانُوا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , فَخَالَفُوا مَا نَهَوْا عَنْهُ وَعَمِلُوا بِمَا كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلَيْهِ . فَسَبَقَ مِنْ اللَّه كَلِمَة عِنْد ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَدُوّ آخِر الدَّهْر , فَقَالَ : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطَفَاهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَجُوس الثَّلَاثَة أَرْبَابًا , فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ وَالْمَجُوس عَلَى رِقَابهمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا لَيْتَنَا أَدْرَكْنَا هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا , عَسَى اللَّه أَنْ يَفُكّنَا بِهِ مِنْ الْمَجُوس وَالْعَذَاب الْهُون ! فَبُعِثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْمُهُ مُحَمَّد , وَاسْمُهُ فِي الْإِنْجِيل أَحْمَد ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } , قَالَ : { فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } وَقَالَ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } . 9559 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ) { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } هُمْ الْيَهُود (. 9560 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه , فَلَنْ تَلْقَى الْيَهُود بِبَلَدٍ إِلَّا وَجَدْتهمْ مِنْ أَذَلّ أَهْله , لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَام حِين جَاءَ وَهُمْ تَحْت أَيْدِي الْمَجُوس أَبْغَض خَلْقه إِلَيْهِ ). 9561 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : كُلَّمَا أَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَرَّقَهُ اللَّه , وَأَطْفَأَ حَدّهمْ وَنَارهمْ , وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب ). وَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : 9562 حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : حَرْب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).|وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَعْمَل هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمَعْصِيَةِ اللَّه , فَيَكْفُرُونَ بِآيَاتِهِ وَيُكَذِّبُونَ رُسُله وَيُخَالِفُونَ أَمْره وَنَهْيه , وَذَلِكَ سَعْيهمْ فِيهَا بِالْفَسَادِ .|وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ|يَقُول : وَاَللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ عَامِلًا بِمَعَاصِيهِ فِي أَرْضه .

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب آمَنُوا وَاتَّقَوْا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب } وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { آمَنُوا } بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . { وَاتَّقَوْا } مَا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ فَاجْتَنَبُوهُ . { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9563 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب آمَنُوا وَاتَّقَوْا } يَقُول : آمَنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَاتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّه . { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } ).|لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ|يَقُول : مَحَوْنَا عَنْهُمْ ذُنُوبهمْ , فَغَطَّيْنَا عَلَيْهَا وَلَمْ نَفْضَحهُمْ بِهَا .|وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ|يَقُول : وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ بَسَاتِين يَنْعَمُونَ فِيهَا فِي الْآخِرَة .

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } وَلَوْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ } يَقُول : وَعَمِلُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ مِنْ الْفُرْقَان الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يُقِيمُونَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعَ اِخْتِلَاف هَذِهِ الْكُتُب وَنَسْخ بَعْضهَا بَعْضًا ؟ قِيلَ : وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فِي بَعْض أَحْكَامهَا وَشَرَائِعهَا , فَهِيَ مُتَّفِقَة فِي الْأَمْر بِالْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللَّه وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه ; فَمَعْنَى إِقَامَتهمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقهمْ بِمَا فِيهَا وَالْعَمَل بِمَا هِيَ مُتَّفِقَة فِيهِ وَكُلّ وَاحِد مِنْهَا فِي الْخَبَر الَّذِي فُرِضَ الْعَمَل بِهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء قَطْرهَا , فَأَنْبَتَتْ لَهُمْ بِهِ الْأَرْض حَبّهَا وَنَبَاتهَا فَأَخْرَجَ ثِمَارهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : لَأَكَلُوا مِنْ بَرَكَة مَا تَحْت أَقْدَامهمْ مِنْ الْأَرْض , وَذَلِكَ مَا تُخْرِجهُ الْأَرْض مِنْ حَبّهَا وَنَبَاتهَا وَثِمَارهَا , وَسَائِر مَا يُؤْكَل مِمَّا تُخْرِجهُ الْأَرْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9564 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ } يَعْنِي : لَأَرْسَلَ السَّمَاء عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا . { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } تُخْرِج الْأَرْض بَرَكَتهَا ). 9565 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : إِذًا لَأَعْطَتْهُمْ السَّمَاء بَرَكَتهَا وَالْأَرْض نَبَاتهَا (. 9566 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ) { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : لَوْ عَمِلُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَطَر فَأَنْبَتَ الثَّمَر (. 9567 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ) { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ } أَمَّا إِقَامَتهمْ التَّوْرَاة : فَالْعَمَل بِهَا , وَأَمَّا مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . يَقُول : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } أَمَّا مِنْ فَوْقهمْ : فَأَرْسَلْت عَلَيْهِمْ مَطَرًا , وَأَمَّا مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ , يَقُول : لَأَنْبَتّ لَهُمْ مِنْ الْأَرْض مِنْ رِزْقِي مَا يُغْنِيهِمْ (. 9568 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ) { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } قَالَ : بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض . قَالَ اِبْن جُرَيْج : لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ الْمَطَر , وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ مِنْ نَبَات الْأَرْض (. * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : لَأَكَلُوا مِنْ الرِّزْق الَّذِي يَنْزِل مِنْ السَّمَاء , { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : مِنْ الْأَرْض (. وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : إِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } التَّوْسِعَة , كَمَا يَقُول الْقَائِل : هُوَ فِي خَيْر مِنْ فَرْقه إِلَى قَدَمه . وَتَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا , هَذَا الْقَوْل , وَكَفَى بِذَلِكَ شَهِيدًا عَلَى فَسَاده .|مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ أُمَّة } مِنْهُمْ جَمَاعَة . { مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُقْتَصِدَة فِي الْقَوْل فِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَائِلَة فِيهِ الْحَقّ إِنَّهُ رَسُول اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ , لَا غَالِيَة قَائِلَة إِنَّهُ اِبْن اللَّه , تَعَالَى عَمَّا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ ! وَلَا مُقَصِّرَة قَائِلَة هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9569 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : (ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } وَهُمْ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب ; { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } ) . 9570 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : (تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل فِرَقًا , فَقَالَتْ فِرْقَة : عِيسَى هُوَ اِبْن اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَرُوحه ; وَهِيَ الْمُقْتَصِدَة , وَهِيَ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب ). 9571 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : ( { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدة } يَقُول : عَلَى كِتَابه وَأَمْره . ثُمَّ ذَمَّ أَكْثَر الْقَوْم , فَقَالَ : { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } ) . 9572 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُؤْمِنَة ). 9573 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : الْمُقْتَصِدَة أَهْل طَاعَة اللَّه . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب ). 9574 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : ( { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : فَهَذِهِ الْأُمَّة الْمُقْتَصِدَة الَّذِينَ لَا هُمْ فَسَقُوا فِي الدِّين وَلَا هُمْ غَلَوْا . قَالَ . وَالْغُلُوّ : الرَّغْبَة , وَالْفِسْق : التَّقْصِير عَنْهُ ).|وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ|يَعْنِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , الْيَهُود وَالنَّصَارَى .|سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ|يَقُول : كَثِير مِنْهُمْ سَيِّئ عَمَلهمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ , فَتُكَذِّب النَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزْعُم أَنَّ الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَتُكَذِّب الْيَهُود بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ ذَامًّا لَهُمْ : { سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ .

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغَتْ رِسَالَته } </subtitle>وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِإِبْلَاغِ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ الَّذِينَ قَصَّ اللَّه تَعَالَى قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة وَذَكَرَ فِيهَا مَعَايِبهمْ وَخُبْث أَدْيَانهمْ وَاجْتِرَاءَهُمْ عَلَى رَبّهمْ وَتَوَثُّبهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَتَبْدِيلهمْ كِتَابه وَتَحْرِيفهمْ إِيَّاهُ وَرَدَاءَة مَطَاعِمهمْ وَمَآكِلهمْ ; وَسَائِر الْمُشْرِكِينَ غَيْرهمْ , مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ مِنْ مَعَايِبهمْ وَالْإِزْرَاء عَلَيْهِمْ وَالتَّقْصِير بِهِمْ وَالتَّهْجِين لَهُمْ , وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ , وَأَنْ لَا يُشْعِر نَفْسه حَذَرًا مِنْهُمْ أَنْ يُصِيبهُ فِي نَفْسه مَكْرُوه , مَا قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّه , وَلَا جَزَعًا مِنْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَد مَنْ مَعَهُ , وَأَنْ لَا يَتَّقِي أَحَدًا فِي ذَات اللَّه , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى كَافِيه كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقه , وَدَافِع عَنْهُ مَكْرُوه كُلّ مَنْ يَتَّقِي مَكْرُوهه . وَأَعْلَمهُ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ إِنْ قَصَّرَ عَنْ إِبْلَاغ شَيْء مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ إِلَيْهِمْ , فَهُوَ فِي تَرْكه تَبْلِيغ ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ مَا لَمْ يَبْلُغ مِنْهُ , فَهُوَ فِي عَظِيم مَا رَكِبَ بِذَلِكَ مِنْ الذَّنْب بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ لَمْ يَبْلُغ مِنْ تَنْزِيله شَيْئًا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9575 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } يَعْنِي : إِنْ كَتَمْت آيَة مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْك مِنْ رَبّك , لَمْ تُبَلِّغ رِسَالَتِي ). 9576 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة , أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَكْفِيهِ النَّاس وَيَعْصِمهُ مِنْهُمْ , وَأَمَرَهُ بِالْبَلَاغِ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : لَوْ اِحْتَجَبْت ! فَقَالَ : | وَاَللَّه لَأُبْدِيَنَّ عَقِبِي لِلنَّاسِ مَا صَاحَبْتهمْ | ). 9577 حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } قَالَ : | إِنَّمَا أَنَا وَاحِد , كَيْفَ أَصْنَع ؟ تَجْتَمِع عَلَيَّ النَّاس ! | فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } الْآيَة ). 9578 حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ ثَعْلَبَة , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا تَحْرُسُونِي إِنَّ رَبِّي قَدْ عَصَمَنِي | ). 9579 حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَقِبهُ نَاس مِنْ أَصْحَابه , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } خَرَجَ فَقَالَ : | يَا أَيّهَا النَّاس اِلْحَقُوا بِمُلَاحِقِكُمْ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ عَصَمَنِي مِنْ النَّاس | ). 9580 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عَاصِم بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَارَسُهُ أَصْحَابه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } إِلَى آخِرهَا ). 9581 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن عُبَيْدَة أَبُو قُدَامَة الْإِيَادِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد الْجَرِيرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَس , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } قَالَتْ : فَأَخْرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه مِنْ الْقُبَّة , فَقَالَ : | أَيّهَا النَّاس اِنْصَرِفُوا , فَإِنَّ اللَّه قَدْ عَصَمَنِي | ). 9582 حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْقُرَظِيّ : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُحْرَس حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } ). وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَعْرَابِيّ كَانَ هَمَّ بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَفَاهُ اللَّه إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9583 حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْره , قَالَ : (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا اِخْتَارَ لَهُ أَصْحَابه شَجَرَة ظَلِيلَة , فَيَقِيل تَحْتهَا , فَأَتَاهُ أَعْرَابِيّ , فَاخْتَرَطَ سَيْفه ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ قَالَ : | اللَّه | . فَرَعَدَت يَد الْأَعْرَابِيّ , وَسَقَطَ السَّيْف مِنْهُ . قَالَ : وَضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَة حَتَّى اِنْتَثَرَ دِمَاغه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } ) . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ لِأَنَّهُ كَانَ يَخَاف قُرَيْشًا , فَأُومِنَ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9584 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهَاب قُرَيْشًا , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَاللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } اِسْتَلْقَى ثُمَّ قَالَ : | مَنْ شَاءَ فَلْيَخْذُلْنِي ! | مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ). 9585 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (مَنْ حَدَّثَك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْي فَقَدْ كَذَبَ . ثُمَّ قَرَأَتْ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك } الْآيَة ). * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ وَأَعْظَمَ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه , قَالَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة ). * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ أَعْظَم عَلَى اللَّه الْفِرْيَة , وَاَللَّه يَقُول : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني خَالِد , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَمِيم , عَنْ مَسْرُوق بْن الْأَجْدَع , قَالَ : (دَخَلْت عَلَى عَائِشَة يَوْمًا , فَسَمِعْتهَا تَقُول : لَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْي , وَاَللَّه يَقُول : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } ).|رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } يَمْنَعك مِنْ أَنْ يَنَالُوك بِسُوءٍ , وَأَصْله مِنْ عِصَام الْقِرْبَة , وَهُوَ مَا تُوكَأُ بِهِ مِنْ سَيْر وَخَيْط , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>وَقُلْت عَلَيْكُمْ مَالِكًا إِنَّ مَالِكًا .......... سَيَعْصِمُكُمْ إِنْ كَانَ فِي النَّاس عَاصِم <br>يَعْنِي : يَمْنَعكُمْ .|النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ|وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق لِلرُّشْدِ مَنْ حَادَ عَنْ سَبِيل الْحَقّ وَجَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَجَحَدَ مَا جِئْته بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَى أَمْر اللَّه وَطَاعَته فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَهُ .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ ال

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } </subtitle>وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْلَاغِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَره , يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب } التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , لَسْتُمْ عَلَى شَيْء مِمَّا تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ عَلَيْهِ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْشَر الْيَهُود , وَلَا مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ عِيسَى مَعْشَر النَّصَارَى , حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفُرْقَان , فَتَعْمَلُوا بِذَلِكَ كُلّه وَتُؤْمِنُوا بِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه , وَتُقِرُّوا بِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِنْ عِنْد اللَّه , فَلَا تُكَذِّبُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا تُفَرِّقُوا بَيْن رُسُل اللَّه فَتُؤْمِنُوا بِبَعْضٍ وَتَكْفُرُوا بِبَعْضٍ , فَإِنَّ الْكُفْر بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ كُفْر بِجَمِيعِهِ ; لِأَنَّ كُتُب اللَّه يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا , فَمَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِهَا فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر : 9586 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَافِع بْن حَارِثَة , وَسَلَّام بْن مِشْكَم , وَمَالِك بْن الصَّيْف , وَرَافِع بْن حُرَيْمِلَة , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَسْت تَزْعُم أَنَّك عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدِينه , وَتُؤْمِن بِمَا عِنْدنَا مِنْ التَّوْرَاة , وَتَشْهَد أَنَّهَا مِنْ اللَّه حَقّ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | بَلَى , وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاق , وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ , وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ أَحْدَاثكُمْ ! | قَالُوا : فَإِنَّا نَأْخُذ بِمَا فِي أَيْدِينَا , فَإِنَّا عَلَى الْحَقّ وَالْهُدَى , وَلَا نُؤْمِن بِك وَلَا نَتَّبِعك . فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة , وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } إِلَى : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } ). 9587 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : فَقَدْ صِرْنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب ; التَّوْرَاة لِلْيَهُودِ وَالْإِنْجِيل لِلنَّصَارَى . وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا . أَيْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا حَتَّى تَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ ).|رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } وَأَقْسَمَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَصَّ , قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات الْكِتَابُ الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك يَا مُحَمَّد طُغْيَانًا , يَقُول : تَجَاوُزًا وَغُلُوًّا فِي التَّكْذِيب لَك عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَك مِنْ ذَلِكَ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان , { كُفْرًا } يَقُول : وَجُحُودًا لِنُبُوَّتِك . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى قَبْل .|وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ|وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَعْنِي : يَقُول { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا : إِذَا حَزِنَ يَأْسَى أَسًى , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : <br>وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْط الْأَسَى <br>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : لَا تَحْزَن يَا مُحَمَّد عَلَى تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَك , فَإِنَّ مِثْل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَادَة وَخُلُق فِي أَنْبِيَائِهِمْ , فَكَيْفَ فِيك ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } قَالَ : الْفُرْقَان . يَقُول : فَلَا تَحْزَن ). 9589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ : لَا تَحْزَن ).

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَهُمْ أَهْل الْإِسْلَام , { وَاَلَّذِينَ هَادُوا } وَهُمْ الْيَهُود وَالصَّابِئُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرهمْ . { وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ } مِنْهُمْ { بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخَر } فَصَدَّقَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَعَمِلَ مِنْ الْعَمَل صَالِحًا لِمَعَادِهِ , { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَال الْقِيَامَة , { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَعَيْشهَا بَعْد مُعَايَنَتهمْ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ جَزِيل ثَوَابه . وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه الْإِعْرَاب فِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسهمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى الْإِخْلَاص وَتَوْحِيدنَا , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ رُسُلًا , وَوَعَدْنَاهُمْ عَلَى أَلْسُن رُسُلنَا إِلَيْهِمْ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِنَا الْجَزِيل مِنْ الثَّوَاب , وَأَوْعَدْنَاهُمْ عَلَى الْعَمَل بِمَعْصِيَتِنَا الشَّدِيد مِنْ الْعِقَاب , كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول لَنَا بِمَا لَا تَشْتَهِيه نُفُوسهمْ وَلَا يُوَافِق مَحَبَّتهمْ كَذَّبُوا مِنْهُمْ فَرِيقًا وَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ فَرِيقًا , نَقْضًا لِمِيثَاقِنَا الَّذِي أَخَذْنَاهُ عَلَيْهِمْ , وَجَرَاءَة عَلَيْنَا وَعَلَى خِلَاف أَمْرنَا .

وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُون فِتْنَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى : وَظَنَّ هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ الَّذِينَ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ وَأَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا , وَأَنَّهُمْ كَانُوا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسهمْ كَذَّبُوا فَرِيقًا وَقَتَلُوا فَرِيقًا , أَنْ لَا يَكُون مِنْ اللَّه لَهُمْ اِبْتِلَاء وَاخْتِبَار بِالشَّدَائِدِ مِنْ الْعُقُوبَات بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9590 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } الْآيَة , يَقُول : حَسِبَ الْقَوْم أَنْ لَا يَكُون بَلَاء فَعَمُوا وَصَمُّوا , كُلَّمَا عَرَضَ بَلَاء اُبْتُلُوا بِهِ هَلَكُوا فِيهِ ). 9591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة فَعَمُوا وَصَمُّوا } يَقُول : حَسِبُوا أَنْ لَا يُبْتَلَوْا , فَعَمُوا عَنْ الْحَقّ وَصَمُّوا ). 9592 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ بَلَاء ). 9593 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : الشِّرْك ). 9594 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة فَعَمُوا وَصَمُّوا } قَالَ : الْيَهُود ). 9595 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : ( { فَعَمُوا وَصَمُّوا } قَالَ : يَهُود . قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : هَذِهِ الْآيَة لِبَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : وَالْفِتْنَة : الْبَلَاء وَالتَّمْحِيص ).|فَعَمُوا وَصَمُّوا|يَقُول : فَعَمُوا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ إِخْلَاص عِبَادَتِي , وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي , وَالْعَمَل بِطَاعَتِي بِحُسْبَانِهِمْ ذَلِكَ وَظَنّهمْ , وَصَمُّوا عَنْهُ .|ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ|ثُمَّ تُبْت عَلَيْهِمْ , يَقُول : ثُمَّ هَدَيْتهمْ بِلُطْفٍ مِنِّي لَهُمْ , حَتَّى أَنَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِي وَخِلَاف أَمْرِيّ , وَالْعَمَل بِمَا أَكْرَههُ مِنْهُمْ إِلَى الْعَمَل بِمَا أُحِبّهُ , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَتِي وَأَمْرِي وَنَهْيِي .|ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ|يَقُول : ثُمَّ عَمُوا أَيْضًا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل بِطَاعَتِي وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَاجْتِنَاب مَعَاصِيِيّ , { وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } يَقُول : عَمَى كَثِير مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كُنْت أَخَذْت مِيثَاقهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِاتِّبَاعِ رُسُلِي وَالْعَمَل بِمَا أَنْزَلْت إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبِي عَنْ الْحَقّ , وَصَمُّوا بَعْد تَوْبَتِي عَلَيْهِمْ وَاسْتِنْقَاذِي إِيَّاهُمْ مِنْ الْهَلَكَة .|وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ|يَقُول : بَصِير فَيَرَى أَعْمَالهمْ خَيْرهَا وَشَرّهَا , فَيُجَازِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة بِجَمِيعِهَا , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ بَعْض مَا فُتِنَ بِهِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَانَ مِمَّا اِبْتَلَيْتهمْ وَاخْتَبَرْتهمْ بِهِ فَنَقَضُوا فِيهِ مِيثَاقِي وَغَيَّرُوا عَهْدِي الَّذِي كُنْت أَخَذْته عَلَيْهِمْ , بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا سِوَايَ وَلَا يَتَّخِذُوا رَبًّا غَيْرِي , وَأَنْ يُوَحِّدُونِي , وَيَنْتَهُوا إِلَى طَاعَتِي ; عَبْدِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَإِنِّي خَلَقْته وَأَجْرَيْت عَلَى يَده نَحْو الَّذِي أَجْرَيْت النَّصَارَى , عَلَيْهِمْ غَضَب اللَّه ! يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا اِخْتَبَرْتهمْ وَابْتَلَيْتهمْ بِمَا اِبْتَلَيْتهمْ بِهِ أَشْرَكُوا بِي قَالُوا لِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِي وَعَبْد مِثْلهمْ مِنْ عَبِيدِي وَبَشَر نَحْوهمْ مَعْرُوف نَسَبه وَأَصْله مَوْلُود مِنْ الْبَشَر يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَيَأْمُرهُمْ بِعِبَادَتِي وَطَاعَتِي وَيُقِرّ لَهُمْ بِأَنِّي رَبّه وَرَبّهمْ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا , هُوَ إِلَههمْ ; جَهْلًا مِنْهُمْ اللَّه وَكُفْرًا بِهِ , وَلَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يَكُون وَالِدًا وَلَا مَوْلُودًا .|وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي|وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَقَالَ الْمَسِيح يَا بَنِي إِسْرَائِيل اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } يَقُول : اِجْعَلُوا الْعِبَادَة وَالتَّذَلُّل لِلَّذِي لَهُ يَذِلّ كُلّ شَيْء وَلَهُ يَخْضَع كُلّ مَوْجُود , رَبِّي وَرَبّكُمْ , يَقُول : مَالِكِي وَمَالِككُمْ , وَسَيِّدِي وَسَيِّدكُمْ , الَّذِي خَلَقَنِي وَإِيَّاكُمْ .|وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ| {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة } أَنْ يَسْكُنهَا فِي الْآخِرَة|الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ|يَقُول : وَمَرْجِعه وَمَكَانه الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ وَيَصِير فِي مَعَاده , مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَته نَار جَهَنَّم .|النَّارُ وَمَا|يَقُول : وَلَيْسَ لِمَنْ فَعَلَ غَيْر مَا أَبَاحَ اللَّه لَهُ وَعَبَدَ غَيْر الَّذِي لَهُ عِبَادَة الْخَلْق ,|لِلظَّالِمِينَ مِنْ|يَنْصُرُونَهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ اللَّه , فَيُنْقِذُونَهُ مِنْهُ إِذَا أَوْرَدَهُ جَهَنَّم .

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } </subtitle>وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ فَرِيق آخَر مِنْ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي الْآيَات قَبْل أَنَّهُ لَمَّا اِبْتَلَاهُمْ بَعْد حُسْبَانهمْ أَنَّهُمْ لَا يُبْتَلَوْنَ وَلَا يُفْتَنُونَ , قَالُوا كُفْرًا بِرَبِّهِمْ وَشِرْكًا : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة . وَهَذَا قَوْل كَانَ عَلَيْهِ جَمَاهِير النَّصَارَى قَبْل اِفْتِرَاق الْيَعْقُوبِيَّة وَالْمَلْكَانِيَّة وَالنُّسْطُورِيَّة , كَانُوا فِيمَا بَلَغَنَا يَقُولُونَ : الْإِلَه الْقَدِيم جَوْهَر وَاحِد يَعُمّ ثَلَاثَة أَقَانِيم : أَبًا وَالِدًا غَيْر مَوْلُود , وَابْنًا مَوْلُودًا غَيْر وَالِد , وَزَوْجًا مُتَتَبَّعَة بَيْنهمَا . وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل نَحْو قَوْلنَا فِي أَنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَات : النَّصَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9596 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } قَالَ : قَالَتْ النَّصَارَى : هُوَ الْمَسِيح وَأُمّه , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } [5 116 ]). 9597 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } نَحْوه .|وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ|يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ : { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد } يَقُول : مَا لَكُمْ مَعْبُود أَيّهَا النَّاس إِلَّا مَعْبُود وَاحِد , وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِوَالِدٍ لِشَيْءٍ وَلَا مَوْلُود , بَلْ هُوَ خَالِق كُلّ وَالِد وَمَوْلُود .|وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ|يَقُول : إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة عَمَّا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلهمْ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة ,|لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ|يَقُول : لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذِهِ الْمَقَالَة , وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ الْمَقَالَة الْأُخْرَى هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم ; لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا كَفَرَة مُشْرِكُونَ , فَلِذَلِكَ رَجَعَ فِي الْوَعِيد بِالْعَذَابِ إِلَى الْعُمُوم . وَلَمْ يَقُلْ : | لَيَمَسَّنَّهُمْ عَذَاب أَلِيم | , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ كَذَلِكَ صَارَ الْوَعِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَاصًّا لِقَائِلِ الْقَوْل الثَّانِي , وَهُمْ الْقَائِلُونَ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , وَلَمْ يَدْخُل فِيهِمْ الْقَائِلُونَ : الْمَسِيح هُوَ اللَّه . فَعَمَّ بِالْوَعِيدِ تَعَالَى ذِكْره كُلّ كَافِر , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَات أَنَّ وَعِيد اللَّه قَدْ شَمِلَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَنْ كَانَ مِنْ الْكُفَّار عَلَى مِثْل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فَعَلَى مَنْ عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : | مِنْهُمْ | ؟ قِيلَ : عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ عَمَّا يَقُولُونَ فِي اللَّه مِنْ عَظِيم الْقَوْل , لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ إِنَّ الْمَسِيح هُوَ اللَّه وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة وَكُلّ كَافِر سَلَكَ سَبِيلهمْ عَذَاب أَلِيم بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ .

أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّه وَيَسْتَغْفِرُونَهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَا يَرْجِع هَذَانِ الْفَرِيقَانِ الْكَافِرَانِ , الْقَائِل أَحَدهمَا : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم ; وَالْآخَر الْقَائِل : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , عَمَّا قَالَا مِنْ ذَلِكَ , وَيَتُوبَانِ بِمَا قَالَا وَقَطَعَا بِهِ مِنْ كُفْرهمَا , وَيَسْأَلَانِ رَبّهمَا الْمَغْفِرَة مِمَّا قَالَا .|وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ|وَاَللَّه غَفُور لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ مِنْ خَلْقه , الْمُنِيبِينَ إِلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَتهمْ , رَحِيم بِهِمْ فِي قَبُوله تَوْبَتهمْ وَمُرَاجَعَتهمْ إِلَى مَا يُحِبّ مِمَّا يَكْرَه , فَيَصْفَح بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْ إِجْرَامهمْ قَبْل ذَلِكَ .

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره اِحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِرَق النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح . يَقُول مُكَذِّبًا لِلْيَعْقُوبِيَّةِ فِي قِيلهمْ : هُوَ اللَّه , وَالْآخَرِينَ فِي قِيلهمْ : هُوَ اِبْن اللَّه : لَيْسَ الْقَوْل كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة فِي الْمَسِيح , وَلَكِنَّهُ اِبْن مَرْيَم وَلَدَتْهُ وِلَادَة الْأُمَّهَات أَبْنَاءَهُنَّ , وَذَلِكَ مِنْ صِفَة الْبَشَر لَا مِنْ صِفَة خَالِق الْبَشَر , وَإِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ رَسُول كَسَائِرِ رُسُله الَّذِينَ كَانُوا قَبْله فَمَضَوْا وَخَلَوْا , أَجْرَى عَلَى يَده مَا شَاءَ أَنْ يُجْرِيه عَلَيْهَا مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر بِحُجَّةٍ لَهُ عَلَى صِدْقه وَعَلَى أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه , كَمَا أَجْرَى عَلَى أَيْدِي مَنْ قَبْله مِنْ الرُّسُل مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر حُجَّة لَهُمْ عَلَى حَقِيقَة صِدْقهمْ فِي أَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُل .|وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأُمّ الْمَسِيح صِدِّيقَة , وَالصِّدِّيقَة : الْفِعِّيلَة مِنْ الصِّدْق , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ فُلَان صِدِّيق : فِعِّيل مِنْ الصِّدْق , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء } . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الصِّدِّيق لِصِدْقِهِ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ صِدِّيقًا لِتَصْدِيقِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره فِي لَيْلَة وَاحِدَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس مِنْ مَكَّة وَعَوْده إِلَيْهَا .|كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ|وَقَوْله : { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَسِيح وَأُمّه أَنَّهُمَا كَانَا أَهْل حَاجَة إِلَى مَا يَغْذُوهُمَا وَتَقُوم بِهِ أَبْدَانهمَا مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب كَسَائِرِ الْبَشَر مِنْ بَنِي آدَم . فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر كَائِن إِلَهًا ; لِأَنَّ الْمُحْتَاج إِلَى الْغِذَاء قِوَامه بِغَيْرِهِ , وَفِي قِوَامه بِغَيْرِهِ وَحَاجَته إِلَى مَا يُقِيمهُ دَلِيل وَاضِح عَلَى عَجْزه , وَالْعَاجِز لَا يَكُون إِلَّا مَرْبُوبًا لَا رَبًّا .|انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّن لَهُمْ الْآيَات } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ نُبَيِّن لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْآيَات , وَهِيَ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام وَالْحُجَج عَلَى بُطُولِ مَا يَقُولُونَ فِي أَنْبِيَاء اللَّه , وَفِي فِرْيَتهمْ عَلَى اللَّه , وَادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا , وَشَهَادَتهمْ لِبَعْضِ خَلْقه بِأَنَّهُ لَهُمْ رَبّ وَإِلَه , ثُمَّ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ كَذِبهمْ وَبَاطِل قِيلهمْ , وَلَا يَنْزَجِرُونَ عَنْ فِرْيَتهمْ عَلَى رَبّهمْ وَعَظِيم جَهْلهمْ , مَعَ وُرُود الْحُجَج الْقَاطِعَة عُذْرهمْ عَلَيْهِمْ .|ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد أَنَّى يُؤْفَكُونَ ؟ يَقُول : ثُمَّ اُنْظُرْ مَعَ تَبِيننَا لَهُمْ آيَاتنَا عَلَى بُطُولِ قَوْلهمْ : أَيّ وَجْه يَصْرِفُونَ عَنْ بَيَاننَا الَّذِي بَيَّنْته لَهُمْ , وَكَيْفَ عَنْ الْهُدَى الَّذِي نَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ يَضِلُّونَ ؟ وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَصْرُوف عَنْ شَيْء : هُوَ مَأْفُوك عَنْهُ , يُقَال : قَدْ أَفَكْت فُلَانًا عَنْ كَذَا : أَيْ صَرَفْته عَنْهُ , فَأَنَا آفِكهُ أَفْكًا , وَهُوَ مَأْفُوك , وَقَدْ أُفِكَتْ الْأَرْض : إِذَا صُرِفَ عَنْهَا الْمَطَر .

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَمْلِك لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } </subtitle>وَهَذَا أَيْضًا اِحْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّصَارَى الْقَائِلِينَ فِي الْمَسِيح مَا وَصَفَ مِنْ قِيلهمْ فِيهِ قَبْل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ النَّصَارَى الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْمَسِيح رَبّهمْ وَالْقَائِلِينَ إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة : أَتَعْبُدُونَ سِوَى اللَّه الَّذِي يَمْلِك ضُرّكُمْ وَنَفْعكُمْ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَهُوَ يُحْيِكُمْ وَيُمِيتكُمْ , شَيْئًا لَا يَمْلِك لَكُمْ شَرًّا وَلَا نَفْعًا ؟ يُخْبِرهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ الْمَسِيح الَّذِي زَعَمَ مَنْ زَعَمَ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ إِلَه , وَاَلَّذِي زَعَمَ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لِلَّهِ اِبْن , لَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا يَدْفَعهُ عَنْهُمْ إِنْ أَحَلَّهُ اللَّهُ بِهِمْ , وَلَا نَفْعًا يَجْلِبهُ إِلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَقْضِهِ اللَّه لَهُمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَيْفَ يَكُون رَبًّا وَإِلَهًا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته ؟ بَلْ الرَّبّ الْمَعْبُود الَّذِي بِيَدِهِ كُلّ شَيْء وَالْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة دُون غَيْره مِنْ الْعَجَزَة الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَكُمْ وَلَا يَضُرُّونَ .|وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع لِاسْتِغْفَارِهِمْ لَوْ اِسْتَغْفَرُوهُ مِنْ قِيلهمْ مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ فِي الْمَسِيح , وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنْطِقهمْ وَمَنْطِق خَلْقه , الْعَلِيم بِتَوْبَتِهِمْ لَوْ تَابُوا مِنْهُ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ .

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ غَيْر الْحَقّ } </subtitle>وَهَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْغَالِيَة مِنْ النَّصَارَى فِي الْمَسِيح : { يَا أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْإِنْجِيل , { لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول : لَا تُفَرِّطُوا فِي الْقَوْل فِيمَا تَدِينُونَ بِهِ مِنْ أَمْر الْمَسِيح , فَتُجَاوِزُوا فِيهِ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , فَتَقُولُوا فِيهِ : هُوَ اللَّه , أَوْ هُوَ اِبْنه ; وَلَكِنْ قُولُوا : هُوَ عَبْد اللَّه كَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ .|الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ|وَيَقُول : وَلَا تَتَّبِعُوا أَيْضًا فِي الْمَسِيح أَهْوَاء الْيَهُود الَّذِينَ قَدْ ضَلُّوا قَبْلكُمْ عَنْ سَبِيل الْهُدَى فِي الْقَوْل فِيهِ , فَتَقُولُونَ فِيهِ كَمَا قَالُوا : هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة , وَتَبْهَتُوا أُمّه كَمَا يَبْهَتُونَهَا بِالْفِرْيَةِ , وَهِيَ صِدِّيقَة .|قَبْلُ وَأَضَلُّوا|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَثِيرًا مِنْ النَّاس , فَحَادُوا بِهِمْ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالتَّكْذِيب بِالْمَسِيحِ .|كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ|يَقُول: وَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَنْ قَصْد الطَّرِيق , وَرَكِبُوا غَيْر مَحَجَّة الْحَقّ وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهمْ رُسُله عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَهَابهمْ عَنْ الْإِيمَان وَبُعْدهمْ مِنْهُ . وَذَلِكَ كَانَ ضَلَالهمْ الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } قَالَ : يَهُود ). 9599 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا } فَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعهمْ . { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } عَنْ عَدْل السَّبِيل ).

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ : لَا تَغْلُوا فَتَقُولُوا فِي الْمَسِيح غَيْر الْحَقّ , وَلَا تَقُولُوا فِيهِ مَا قَالَتْ الْيَهُود الَّذِينَ قَدْ لَعَنَهُمْ اللَّه عَلَى لِسَان أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَكَانَ لَعْن اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى أَلْسِنَتهمْ , كَاَلَّذِي : 9600 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : لُعِنُوا بِكُلِّ لِسَان , لُعِنُوا عَلَى عَهْد مُوسَى فِي التَّوْرَاة , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد دَاوُد فِي الزَّبُور , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد عِيسَى فِي الْإِنْجِيل , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآن ). * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } يَقُول : لُعِنُوا فِي الْإِنْجِيل عَلَى لِسَان عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَلُعِنُوا فِي الزَّبُور عَلَى لِسَان دَاوُد ). * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : خَالِطُوهُمْ بَعْد النَّهْي فِي تِجَارَاتهمْ , فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , فَهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ). 9601 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : لُعِنُوا عَلَى لِسَان دَاوُد فَصَارُوا قِرَدَة , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان عِيسَى فَصَارُوا خَنَازِير ). * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل } بِكُلِّ لِسَان ; لُعِنُوا عَلَى عَهْد مُوسَى فِي التَّوْرَاة , وَعَلَى عَهْد دَاوُد فِي الزَّبُور , وَعَلَى عَهْد عِيسَى فِي الْإِنْجِيل , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآن ). قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ آخَرُونَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنُو إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } عَلَى عَهْده , فَلُعِنُوا بِدَعْوَتِهِ . قَالَ : مَرَّ دَاوُد عَلَى نَفَر مِنْهُمْ وَهُمْ فِي بَيْت , فَقَالَ مَنْ فِي الْبَيْت ؟ قَالُوا : خَنَازِير , قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْهُمْ خَنَازِير ! فَكَانُوا خَنَازِير ; ثُمَّ أَصَابَتْهُمْ لَعْنَته . وَدَعَا عَلَيْهِمْ عِيسَى فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِلْعَنْ مَنْ اِفْتَرَى عَلَيَّ وَعَلَى أُمِّي , وَاجْعَلْهُمْ قِرَدَة خَاسِئِينَ ! 9602 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل } الْآيَة , لَعَنَهُمْ اللَّه عَلَى لِسَان دَاوُد فِي زَمَانه فَجَعَلَهُمْ قِرَدَة خَاسِئِينَ , وَفِي الْإِنْجِيل عَلَى لِسَان عِيسَى فَجَعَلَهُمْ خَنَازِير ). 9603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُحْصَن حُصَيْن بْن نُمَيْر , عَنْ حُصَيْن , يَعْنِي اِبْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } قَالَ : مُسِخُوا عَلَى لِسَان دَاوُد قِرَدَة , وَعَلَى لِسَان عِيسَى خَنَازِير ). * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ , ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 9604 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ إِذَا رَأَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْب نَهَاهُ عَنْهُ تَعْذِيرًا , فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَد لَمْ يَمْنَعهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَخَلِيطه وَشَرِيبه , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَان نَبِيّهمْ دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ; ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . )ثُمَّ قَالَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الْمُسِيء , وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه قُلُوب بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , وَلَيَلْعَنَنَّكُم كَمَا لَعَنَهُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : (لَمَّا فَشَا الْمُنْكَر فِي بَنِي إِسْرَائِيل , جَعَلَ الرَّجُل يَلْقَى الرَّجُل فَيَقُول : يَا هَذَا اِتَّقِ اللَّه ! ثُمَّ لَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاكِلهُ وَيُشَارِبهُ . فَلَمَّا رَأَى اللَّه ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , ثُمَّ أَنْزَلَ فِيهِمْ كِتَابًا : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَجَلَسَ وَقَالَ : | كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوا الظَّالِم عَلَى الْحَقّ أَطْرًا . )* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن بَذِيمَة عَنْ أَبِي عُبَيْدَة - أَظُنّهُ عَنْ مَسْرُوق - عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ الْمُنْكَر جَعَلَ الرَّجُل يَرَى أَخَاهُ وَجَاره وَصَاحِبه عَلَى الْمُنْكَر فَيَنْهَاهُ , ثُمَّ لَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَشَرِيبه وَنَدِيمه , فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ; ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ إِلَى { فَاسِقُونَ } | . قَالَ عَبْد اللَّه : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا , فَغَضِبَ وَقَالَ : | لَا وَاَللَّه حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْ الظَّالِم فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا . )- حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا اِبْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا وَقَعَ فِيهِمْ النَّقْص كَانَ الرَّجُل يَرَى أَخَاهُ عَلَى الرَّيْب فَيَنْهَاهُ عَنْهُ , فَإِذَا كَانَ الْغَد لَمْ يَمْنَعهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَشَرِيبه وَخَلِيطه ; فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , وَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } | قَالَ : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَجَلَسَ وَقَالَ : | لَا حَتَّى تَأْخُذُوا يَدَيْ الظَّالِم فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : أَمْلَاهُ عَلَيَّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه (غَيْر أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَدِيثهمَا : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : | كَلَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْ الظَّالِم , فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا . )9605 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْنُ زَيْد فِي قَوْله : ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : فَقَالَ : لُعِنُوا فِي الْإِنْجِيل وَفِي الزَّبُور . وَقَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ رَحَى الْإِيمَان قَدْ دَارَتْ , فَدُورُوا مَعَ الْقُرْآن حَيْثُ دَارَ , فَإِنَّهُ قَدْ فَرَغَ اللَّه مِمَّا اِفْتَرَضَ فِيهِ . وَإِنَّهُ كَانَتْ أُمَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا أَهْل عَدْل , يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , فَأَخَذَهُمْ قَوْمهمْ فَنَشَرُوهُمْ بِالْمَنَاشِيرِ , وَصَلَبُوهُمْ عَلَى الْخُشُب , وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّة , فَلَمْ يَرْضَوْا حَتَّى دَاخَلُوا الْمُلُوك وَجَالَسُوهُمْ , ثُمَّ لَمْ يَرْضَوْا حَتَّى وَاكَلُوهُمْ , فَضَرَبَ اللَّه تِلْكَ الْقُلُوب بَعْضهَا بِبَعْضٍ فَجَعَلَهَا وَاحِدَة | , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } إِلَى { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } مَاذَا كَانَتْ مَعْصِيَتهمْ ؟ قَالَ : | كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ , لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . )فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لَعَنَ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْيَهُود بِاَللَّهِ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَلُعِنَ وَاَللَّه آبَاؤُهُمْ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم , بِمَا عَصَوْا اللَّه فَخَالَفُوا أَمْره وَكَانُوا يَعْتَدُونَ , يَقُول : وَكَانُوا يَتَجَاوَزُونَ حُدُوده .

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه { لَا يَتَنَاهَوْنَ } يَقُول : لَا يَنْتَهُونَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ , وَلَا يَنْهَى بَعْضهمْ بَعْضًا . وَيَعْنِي بِالْمُنْكَرِ : الْمَعَاصِي الَّتِي كَانُوا يَعْصُونَ اللَّه بِهَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : كَانُوا لَا يَنْتَهُونَ عَنْ مُنْكَر أَتَوْهُ . كَمَا : 9606 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ } لَا تَتَنَاهَى أَنْفُسهمْ بَعْد أَنْ وَقَعُوا فِي الْكُفْر .)|لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ|وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْفِعْل كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي تَرْكهمْ الِانْتِهَاء عَنْ مَعَاصِي اللَّه تَعَالَى وَرُكُوب مَحَارِمه وَقَتْل أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله !

تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَرَى يَا مُحَمَّد كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا , يَقُول : يَتَوَلَّوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , يُعَادُونَ أَوْلِيَاء اللَّه وَرُسُله .|لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الشَّيْء الَّذِي قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسهمْ أَمَامهمْ إِلَى مَعَادهمْ فِي الْآخِرَة .|أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ|فِي مَوْضِع رَفْع تَرْجَمَة عَنْ | مَا | الَّذِي فِي قَوْله : { لَبِئْسَ مَا } |وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ|يَقُول : وَفِي عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة هُمْ خَالِدُونَ , دَائِم مَقَامهمْ وَمُكْثهمْ فِيهِ .

وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ } يَقُول : يُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ وَيُقِرُّونَ بِهِ وَيُوَحِّدُونَهُ وَيُصَدِّقُونَ نَبِيّه مُحَمَّدًا , بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل . { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : يُقِرُّونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ آي الْفُرْقَان .|مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ|يَقُول : مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ .)|وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ|يَقُول : لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَهْل خُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه إِلَى مَعْصِيَته وَأَهْل اِسْتِحْلَال لِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل .

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَتَجِدَنَّ } يَا مُحَمَّد { أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة } لِلَّذِينَ صَدَّقُوك وَاتَّبَعُوك وَصَدَّقُوا بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , { الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا } يَعْنِي عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَوْثَان آلِهَة يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه . { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَب النَّاس مَوَدَّة وَمَحَبَّة . وَالْمَوَدَّة : الْمَفْعَلَة , مِنْ قَوْل الرَّجُل : وَدِدْت كَذَا أَوُدّه وُدًّا وَوِدًّا وَوَدًّا وَمَوَدَّة : إِذَا أَحْبَبْته . { لِلَّذِينَ آمَنُوا } , يَقُول : لِلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } عَنْ قَبُول الْحَقّ وَاتِّبَاعه وَالْإِذْعَان بِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا نَزَلَتْ فِي نَفَر قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَصَارَى الْحَبَشَة , فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن أَسْلَمُوا وَاتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة وَأَصْحَاب لَهُ أَسْلَمُوا مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9608 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (بَعَثَ النَّجَاشِيّ وَفْدًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا } إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : فَرَجَعُوا إِلَى النَّجَاشِيّ فَأَخْبَرُوهُ , فَأَسْلَمَ النَّجَاشِيّ , فَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا حَتَّى مَاتَ . قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ , فَصَلُّوا عَلَيْهِ ! | فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَالنَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ . )9609 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : ( { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } قَالَ : هُمْ الْوَفْد الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ جَعْفَر وَأَصْحَابه مِنْ أَرْض الْحَبَشَة . )9610 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّة خَافَ عَلَى أَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَبَعَثَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان بْن مَظْعُون فِي رَهْط مِنْ أَصْحَابه إِلَى النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ , بَعَثُوا عَمْرو بْن الْعَاص فِي رَهْط مِنْهُمْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ سَبَقُوا أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيّ , فَقَالُوا : إِنَّهُ خَرَجَ فِينَا رَجُل سَفَّهُ عُقُول قُرَيْش وَأَحْلَامهَا زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيّ , وَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيْك رَهْطًا لِيُفْسِدُوا عَلَيْك قَوْمك , فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَأْتِيك وَنُخْبِرك خَبَرهمْ . قَالَ : إِنْ جَاءُونِي نَظَرْت فِيمَا يَقُولُونَ . فَقَدِمَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقَامُوا بِبَابِ النَّجَاشِيّ , فَقَالُوا : أَتَأْذَنُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّه ؟ فَقَالَ : اِئْذَنْ لَهُمْ , فَمَرْحَبًا بِأَوْلِيَاءِ اللَّه ! فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا , فَقَالَ لَهُ الرَّهْط مِنْ الْمُشْرِكِينَ : أَلَا تَرَى أَيّهَا الْمَلِك أَنَّا صَدَقْنَاك , لَمْ يُحَيُّوك بِتَحِيَّتِك الَّتِي تُحَيَّا بِهَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِي ؟ فَقَالُوا : إِنَّا حَيَّيْنَاك بِتَحِيَّةِ أَهْل الْجَنَّة وَتَحِيَّة الْمَلَائِكَة . قَالَ لَهُمْ : مَا يَقُول صَاحِبكُمْ فِي عِيسَى وَأُمّه ؟ قَالَ : يَقُول : هُوَ عَبْد اللَّه وَكَلِمَة مِنْ اللَّه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ , وَيَقُول فِي مَرْيَم : إِنَّهَا الْعَذْرَاء الْبَتُول . قَالَ : فَأَخَذَ عُودًا مِنْ الْأَرْض , فَقَالَ : مَا زَادَ عِيسَى وَأُمّه عَلَى مَا قَالَ صَاحِبكُمْ قَدْر هَذَا الْعُود ! فَكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قَوْله , وَتَغَيَّرَتْ وُجُوههمْ . قَالَ لَهُمْ : هَلْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : اِقْرَءُوا ! فَقَرَءُوا , وَهُنَالِكَ مِنْهُمْ قِسِّيسُونَ وَرُهْبَان وَسَائِر النَّصَارَى , فَعَرَفَتْ كُلّ مَا قَرَءُوا , وَانْحَدَرَتْ دُمُوعهمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ . قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول } الْآيَة . )9611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , : ( { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } الْآيَة . قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَة , سَبْعَة قِسِّيسِينَ وَخَمْسَة رُهْبَانًا , يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ . فَلَمَّا لَقُوهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه بَكَوْا وَآمَنُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ فِيهِمْ : { وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فَآمَنُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّجَاشِيّ . فَهَاجَرَ النَّجَاشِيّ مَعَهُمْ , فَمَاتَ فِي الطَّرِيق , فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ . )9612 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء فِي قَوْله : ( { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } الْآيَة , هُمْ نَاس مِنْ الْحَبَشَة آمَنُوا , إِذْ جَاءَتْهُمْ مُهَاجِرَة الْمُؤْمِنِينَ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ صِفَة قَوْم كَانُوا عَلَى شَرِيعَة عِيسَى مِنْ أَهْل الْإِيمَان ; فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9613 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا } , فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } أُنَاس مِنْ أَهْل الْكِتَاب كَانُوا عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْحَقّ مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى , يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنْتَهُونَ إِلَيْهِ ; فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقُوا بِهِ وَآمَنُوا , وَعَرَفُوا الَّذِي جَاءَ بِهِ أَنَّهُ الْحَقّ , فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ مَا تَسْمَعُونَ . )وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ صِفَة قَوْم قَالُوا : إِنَّا نَصَارَى , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدهُمْ أَقْرَب النَّاس وِدَادًا لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَلَمْ يُسَمِّ لَنَا أَسْمَاءَهُمْ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِذَلِكَ أَصْحَاب النَّجَاشِيّ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهِ قَوْم كَانُوا عَلَى شَرِيعَة عِيسَى فَأَدْرَكَهُمْ الْإِسْلَام فَأَسْلَمُوا لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن وَعَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقّ , وَلَمْ يَسْتَكْبِرُوا عَنْهُ .|ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ|وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَإِنَّهُ يَقُول : قَرُبَتْ مَوَدَّة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْل أَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا . وَالْقِسِّيسُونَ : جَمْع قِسِّيس , وَقَدْ يُجْمَع الْقِسِّيس : | قُسُوس | ; لِأَنَّ الْقُسّ وَالْقِسِّيس بِمَعْنًى وَاحِد . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي الْقِسِّيس بِمَا : 9614 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : (الْقِسِّيسُونَ : عُبَّادهمْ . )وَأَمَّا الرُّهْبَان , فَإِنَّهُ يَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا ; فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَمْعًا , فَإِنَّ وَاحِدهمْ يَكُون رَاهِبًا , وَيَكُون الرَّاهِب حِينَئِذٍ فَاعِلًا مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَهِبَ اللَّه فُلَان , بِمَعْنَى : خَافَهُ , يَرْهَبهُ رَهَبًا وَرَهْبًا , ثُمَّ يُجْمَع الرَّاهِب رُهْبَان , مِثْل رَاكِب وَرُكْبَان , وَفَارِس وَفُرْسَان . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب جَمْعًا قَوْل الشَّاعِر : <br>رُهْبَان مَدْيَن لَوْ رَأَوْك تَنَزَّلُوا .......... وَالْعُصْم مِنْ شَعَف الْعُقُول الْفَادِر <br>وَقَدْ يَكُون الرُّهْبَان وَاحِدًا , وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ جَمْعه رَهَابِين , مِثْل قُرْبَان وَقَرَابِين , وَجُرْدَان وَجَرَادِين . وَيَجُوز جَمْعه أَيْضًا رَهَابِنَة إِذَا كَانَ كَذَلِكَ . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب وَاحِدًا قَوْل الشَّاعِر : <br>لَوْ عَايَنَتْ رُهْبَان دَيْر فِي الْقُلَل .......... لَانْحَدَرَ الرُّهْبَان يَمْشِي وَنَزَل <br>وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا اِسْتَجَابُوا لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم حِين دَعَاهُمْ , وَاتَّبَعُوهُ عَلَى شَرِيعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9615 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : كَانُوا نَوَاتِيَّ فِي الْبَحْر - يَعْنِي مَلَّاحِينَ - قَالَ : فَمَرَّ بِهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَأَجَابُوهُ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْقَوْم الَّذِينَ كَانَ النَّجَاشِيّ بَعَثَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : ( { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : سِتَّة وَسِتُّونَ , أَوْ سَبْعَة وَسِتُّونَ , أَوْ اِثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنْ الْحَبَشَة , كُلّهمْ صَاحِب صَوْمَعَة , عَلَيْهِمْ ثِيَاب الصُّوف . )9617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ أَوْ سَبْعِينَ مِنْ خِيَارهمْ , فَجَعَلُوا يَبْكُونَ , فَقَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ . )9618 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : هُمْ رُسُل النَّجَاشِيّ الَّذِينَ أَرْسَلَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قَوْمه , كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا اِخْتَارَهُمْ الْخَيِّر فَالْخَيِّر . فَدَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ : { يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم } فَبَكَوْا وَعَرَفُوا الْحَقّ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا , وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } , وَأَنْزَلَ فِيهِمْ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } إِلَى قَوْله : { يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } . )وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ النَّفَر الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ مِنْ النَّصَارَى بِقُرْبِ مَوَدَّتهمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ لِأَنَّ مِنْهُمْ أَهْل اِجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَتَرْهِيب فِي الدِّيَارَات وَالصَّوَامِع , وَأَنَّ مِنْهُمْ عُلَمَاء بِكُتُبِهِمْ . وَأَهْل تِلَاوَة لَهَا , فَهُمْ لَا يَبْعُدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَوَاضُعِهِمْ لِلْحَقِّ إِذَا عَرَفُوهُ , وَلَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ قَبُوله إِذَا تَبَيَّنُوهُ لِأَنَّهُمْ أَهْل دِين وَاجْتِهَاد فِيهِ وَنَصِيحَة لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَات اللَّه , وَلَيْسُوا كَالْيَهُودِ الَّذِينَ قَدْ دَرِبُوا بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَمُعَانَدَة اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَتَحْرِيف تَنْزِيله الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كُتُبه .

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا سَمِعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ أَنَّك تَجِدهُمْ أَقْرَب النَّاس مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا , مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ الْكِتَاب يُتْلَى , { تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } وَفَيْض الْعَيْن مِنْ الدَّمْع : اِمْتِلَاؤُهَا مِنْهُ ثُمَّ سَيَلَانه مِنْهَا كَفَيْضِ النَّهْر مِنْ الْمَاء , وَفَيْض الْإِنَاء , وَذَلِكَ سَيَلَانه عَنْ شِدَّة اِمْتِلَائِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : <br>فَفَاضَتْ دُمُوعِي فَطَلُّ الشَّئُو .......... نِ إِمَّا وَكِيفًا وَإِمَّا اِنْحِدَارَا <br>وَقَوْله : { مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } يَقُول : فَيْض دُمُوعهمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِأَنَّ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى رَسُول اللَّه حَقّ . كَمَا : 9619 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر الْهَمْدَانِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن السُّدِّيّ , قَالَ : (بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا يَسْأَلُونَهُ وَيَأْتُونَهُ بِخَبَرِهِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن فَبَكَوْا . وَكَانَ مِنْهُمْ سَبْعَة رُهْبَان وَخَمْسَة قِسِّيسُونَ , أَوْ خَمْسَة رُهْبَان وَسَبْعَة قِسِّيسُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } إِلَى آخِر الْآيَة . )9620 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَلِيّ بْن مُقَدِّم , قَالَ : سَمِعْت هِشَام بْن عُرْوَة يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : (نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْم , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : ( { تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } قَالَ : ذَلِكَ فِي النَّجَاشِيّ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ فِي النَّجَاشِيّ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } )9621 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , (سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ الْآيَات : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } الْآيَة . وَقَوْله { وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : مَا زِلْت أَسْمَع عُلَمَاءَنَا يَقُولُونَ : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه .)|يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا|وَأَمَّا قَوْله : { يَقُولُونَ } فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ اِسْم كَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَال ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ , قَائِلِينَ رَبّنَا آمَنَّا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا } أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا صَدَّقْنَا لَمَّا سَمِعْنَا مَا أَنْزَلْته إِلَى نَبِيّك مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابك , وَأَقْرَرْنَا بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدك وَأَنَّهُ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ .|فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره فِي تَأْوِيله , مَا : 9622 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَابْن نُمَيْر جَمِيعًا , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )9623 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } مَعَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } يَعْنُونَ بِالشَّاهِدِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ مُحَمَّد وَأُمَّته , أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ . وَشَهِدُوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْ . )* - حَدَّثَنَا الرَّبِيع : قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , قَالَ : ثني إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْل حَدِيث الْحَارِث بْن عَبْد الْعَزِيز , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : (وَشَهِدُوا لِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا . )فَكَأَنَّ مُتَنَاوِل هَذَا التَّأْوِيل قَصَدَ بِتَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس إِلَى الشَّاهِدِينَ هُمْ الشُّهَدَاء فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } وَهُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيل ذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأَنْبِيَائِك يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا أُمَمهمْ رِسَالَاتك . وَلَوْ قَالَ قَائِل : مَعْنَى ذَلِكَ : فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ مَا أَنْزَلْته إِلَى رَسُولك مِنْ الْكُتُب حَقّ , كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَاتِمَة قَوْله : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وَذَلِكَ صِفَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا مِنْ كِتَاب اللَّه , فَتَكُون مَسْأَلَتهمْ أَيْضًا اللَّه أَنْ يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ صَحَّتْ عِنْده شَهَادَتهمْ بِذَلِكَ , وَيُلْحِقهُمْ فِي الثَّوَاب وَالْجَزَاء مَنَازِلهمْ . وَمَعْنَى الْكِتَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجَعْل , يَقُول : فَاجْعَلْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ , وَأَثْبِتْنَا مَعَهُمْ فِي عِدَادهمْ .

وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابه , آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا كِتَاب اللَّه , وَقَالُوا : مَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ ؟ يَقُول : لَا نُقِرّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه { وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ } يَقُول : وَمَا جَاءَنَا مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ كِتَابه وَآي تَنْزِيله , وَنَحْنُ نَطْمَع بِإِيمَانِنَا بِذَلِكَ { أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } يَعْنِي بِالْقَوْمِ الصَّالِحِينَ : الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ , الَّذِينَ اِسْتَحَقُّوا مِنْ اللَّه الْجَنَّة بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَنَحْنُ نَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ أَهْل طَاعَته مَدَاخِلهمْ مِنْ جَنَّته يَوْم الْقِيَامَة , وَيُلْحِق مَنَازِلنَا بِمَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتنَا بِدَرَجَاتِهِمْ فِي جَنَّاته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9624 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } قَالَ : | الْقَوْم الصَّالِحُونَ | : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه .)

فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِمَا قَالُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَجَزَاهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِمْ : رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ , وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ , وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ|جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ|يَعْنِي : بَسَاتِين تَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا الْأَنْهَار|خَالِدِينَ فِيهَا|يَقُول : دَائِمًا فِيهَا مُكْثهمْ , لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا .|وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ|يَقُول : وَهَذَا الَّذِي جَزَيْت هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِمَا وَصَفْت عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ الْجَنَّات الَّتِي هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , جَزَاء كُلّ مُحْسِن فِي قِيله وَفِعْله . وَإِحْسَان الْمُحْسِن فِي ذَلِكَ أَنْ يُوَحِّد اللَّه تَوْحِيدًا خَالِصًا مَحْضًا لَا شِرْك فِيهِ , وَيُقِرّ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكُتُب , وَيُؤَدِّي فَرَائِضه , وَيَجْتَنِب مَعَاصِيه , فَذَلِكَ كَمَال إِحْسَان الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا }

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَأَنْكَرُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ كِتَابه , فَإِنَّ أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم , يَقُول : هُمْ سُكَّانهَا وَاللَّابِثُونَ فِيهَا . وَالْجَحِيم : مَا اِشْتَدَّ مِنْ النَّار , وَهُوَ الْجَاحِم وَالْجَحِيم .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِالطَّيِّبَاتِ : اللَّذِيذَات الَّتِي تَشْتَهِيهَا النُّفُوس وَتَمِيل إِلَيْهَا الْقُلُوب , فَتَمْنَعُوهَا إِيَّاهَا , كَاَلَّذِي فَعَلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَان , فَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ النِّسَاء وَالْمَطَاعِم الطَّيِّبَة وَالْمَشَارِب اللَّذِيذَة , وَحَبَسَ فِي الصَّوَامِع بَعْضهمْ أَنْفُسهمْ , وَسَاحَ فِي الْأَرْض بَعْضهمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَا تَفْعَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ , وَلَا تَعْتَدُوا حَدّ اللَّه الَّذِي حَدَّ لَكُمْ فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَفِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَتُجَاوِزُوا حَدّه الَّذِي حَدّه , فَتُخَالِفُوا بِذَلِكَ طَاعَته , فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ اِعْتَدَى حَدّه الَّذِي حَدّه لِخَلْقِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9625 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر أَبُو زُبَيْد , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة , قَالَ : عُثْمَان بْن مَظْعُون وَأُنَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ النِّسَاء , وَامْتَنَعُوا مِنْ الطَّعَام الطَّيِّب , وَأَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يَقْطَع ذَكَرَهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )9626 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثني خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (كَانَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالْخِصَاءِ وَتَرْك اللَّحْم وَالنِّسَاء , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . )9627 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : (أَنَّ رِجَالًا أَرَادُوا كَذَا وَكَذَا , وَأَرَادُوا كَذَا وَكَذَا , وَأَنْ يَخْتَصُوا , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } . )9628 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : كَانُوا حَرَّمُوا الطِّيب وَاللَّحْم , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذَا فِيهِمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ أُنَاسًا قَالُوا : (لَا نَتَزَوَّج , وَلَا نَأْكُل , وَلَا نَفْعَل كَذَا وَكَذَا . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . )9629 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة قَالَ : (أَرَادَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَتْرُكُوا النِّسَاء وَيَتَرَهَّبُوا , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَلَّظَ فِيهِمْ الْمَقَالَة , ثُمَّ قَالَ : | إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِالتَّشْدِيدِ , شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَار وَالصَّوَامِع , اُعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا , وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ ! | . قَالَ : وَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة . )9630 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَرَادُوا أَنْ يَتَخَلَّوْا مِنْ اللِّبَاس وَيَتْرُكُوا النِّسَاء وَيَتَزَهَّدُوا , مِنْهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعُثْمَان بْن مَظْعُون . )9631 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا آمُركُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا . )9632 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة ; ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَضُوا النِّسَاء وَاللَّحْم وَأَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا الصَّوَامِع ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : | لَيْسَ فِي دِينِي تَرْك النِّسَاء وَاللَّحْم , وَلَا اِتِّخَاذ الصَّوَامِع | . وَخُبِّرْنَا أَنَّ ثَلَاثَة نَفَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِتَّفَقُوا , فَقَالَ أَحَدهمْ : أَمَّا أَنَا فَأَقُوم اللَّيْل لَا أَنَام , وَقَالَ أَحَدهمْ : أَمَّا أَنَا فَأَصُوم النَّهَار فَلَا أُفْطِر , وَقَالَ الْآخَر : أَمَّا أَنَا فَلَا آتِي النِّسَاء . فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : | أَلَمْ أُنَبَّأ أَنَّكُمْ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا ؟ | قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْر . قَالَ : | لَكِنِّي أَقُوم وَأَنَام وَأَصُوم وَأُفْطِر وَآتِي النِّسَاء , فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي | . وَكَانَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : | مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتك فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتك وَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل | . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عِلِّيّه وَسَلَّمَ قَالَ لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابه : | إِنَّ مَنْ قَبْلكُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَهَؤُلَاءِ إِخْوَانهمْ فِي الدُّور وَالصَّوَامِع , اُعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَقِيمُوا الصَّلَاة , وَآتُوا الزَّكَاة , وَصُومُوا رَمَضَان , وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا , وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ . )9633 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا , فَذَكَّرَ النَّاس , ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيف , فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَشَرَة , مِنْهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَعُثْمَان بْن مَظْعُون : مَا حَقّنَا إِنْ لَمْ نُحْدِث عَمَلًا ! فَإِنَّ النَّصَارَى قَدْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ , فَنَحْنُ نُحَرِّم . فَحَرَّمَ بَعْضهمْ أَكْلَ اللَّحْم وَالْوَدَك وَأَنْ يَأْكُل بِالنَّهَارِ , وَحَرَّمَ بَعْضهمْ النَّوْم , وَحَرَّمَ بَعْضهمْ النِّسَاء , فَكَانَ عُثْمَان بْن مَظْعُون مِمَّنْ حَرَّمَ النِّسَاء , وَكَانَ لَا يَدْنُو مِنْ أَهْله وَلَا يَدْنُونَ مِنْهُ , فَأَتَتْ اِمْرَأَته عَائِشَة وَكَانَ يُقَال لَهَا : الْحَوْلَاء , فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة وَمَنْ عِنْدهَا مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالك يَا حَوْلَاء مُتَغَيِّرَة اللَّوْن , لَا تَمْتَشِطِينَ وَلَا تَطَّيَّبِينَ ؟ فَقَالَتْ : وَكَيْفَ أَتَطَيَّب وَأَمْتَشِط وَمَا وَقَعَ عَلَيَّ زَوْجِي وَلَا رَفَعَ عَنِّي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ! فَجَعَلْنَ يَضْحَكْنَ مِنْ كَلَامهَا , فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ يَضْحَكْنَ , فَقَالَ : وَمَا يُضْحِككُنَّ ؟ | قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , الْحَوْلَاء سَأَلْتهَا عَنْ أَمْرهَا , فَقَالَتْ : مَا رَفَعَ عَنِّي زَوْجِي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَدَعَاهُ , فَقَالَ : | مَا بَالك يَا عُثْمَان ؟ قَالَ : إِنِّي تَرَكْته لِلَّهِ لِكَيْ أَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ . وَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْره , وَكَانَ عُثْمَان قَدْ أَرَادَ أَنْ يَجُبّ نَفْسه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَقْسَمْت عَلَيْك إِلَّا رَجَعْت فَوَاقَعْت أَهْلك ! | فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي صَائِم . قَالَ : | أَفْطِرْ ! | فَأَفْطَرَ وَأَتَى أَهْله . فَرَجَعَتْ الْحَوْلَاء إِلَى عَائِشَة قَدْ اِكْتَحَلَتْ وَامْتَشَطَتْ وَتَطَيَّبَتْ . فَضَحِكَتْ عَائِشَة فَقَالَتْ : مَا بَالك يَا حَوْلَاء ؟ فَقَالَتْ : إِنَّهُ أَتَاهَا أَمْس . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | مَا بَال أَقْوَام حَرَّمُوا النِّسَاء وَالطَّعَام وَالنَّوْم ؟ أَلَا إِنِّي أَنَام وَأَقُوم وَأُفْطِر وَأَصُوم وَأَنْكِح النِّسَاء , فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي | . فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا } يَقُول لِعُثْمَان : لَا تَجُبّ نَفْسك , فَإِنَّ هَذَا هُوَ الِاعْتِدَاء وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَيْمَانهمْ , فَقَالَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } )9634 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَهُ : هُمْ رَهْط مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : نَقْطَع مَذَاكِيرنَا , وَنَتْرُك شَهَوَات الدُّنْيَا . وَنَسِيح فِي الْأَرْض كَمَا تَفْعَل الرُّهْبَان . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ . فَقَالُوا : نَعَمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَكِنِّي أَصُوم وَأُفْطِر وَأُصَلِّي وَأَنَام وَأَنْكِح النِّسَاء , فَمَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَنْ لَمْ يَأْخُذ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُثْمَان بْن مَظْعُون حَرَّمُوا النِّسَاء وَاللَّحْم عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَخَذُوا الشِّفَار لِيَقْطَعُوا مَذَاكِيرهمْ لِكَيْ تَنْقَطِع الشَّهْوَة وَيَتَفَرَّغُوا لِعِبَادَةِ رَبّهمْ . فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | مَا أَرَدْتُمْ ؟ | فَقَالُوا : أَرَدْنَا أَنْ تَنْقَطِع الشَّهْوَة عَنَّا وَنَتَفَرَّغ لِعِبَادَةِ رَبّنَا وَنَلْهُو عَنْ النِّسَاء . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ , وَلَكِنِّي أُمِرْت فِي دِينِي أَنْ أَتَزَوَّج النِّسَاء | . فَقَالُوا : نُطِيع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ , وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } إِلَى قَوْله : { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } )9635 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أَرَادَ رِجَال مِنْهُمْ عُثْمَان بْن مَظْعُون وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنْ يَتَبَتَّلُوا وَيَخْصُوا أَنْفُسهمْ , وَيَلْبَسُوا الْمُسُوح , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة إِلَى قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عِكْرِمَة : إِنَّ عُثْمَان بْن مَظْعُون , وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَابْن مَسْعُود , وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد , وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة فِي أَصْحَاب تَبَتَّلُوا , فَجَلَسُوا فِي الْبُيُوت وَاعْتَزَلُوا النِّسَاء وَلَبِسُوا الْمُسُوح وَحَرَّمُوا طَيِّبَات الطَّعَام وَاللِّبَاس , إِلَّا مَا أَكَلَ وَلَبِسَ أَهْل السِّيَاحَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَهَمُّوا بِالِاخْتِصَاءِ , وَأَجْمَعُوا لِقِيَامِ اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } يَقُول . لَا تَسْتَنُّوا بِغَيْرِ سُنَّة الْمُسْلِمِينَ , يُرِيد مَا حَرَّمُوا مِنْ النِّسَاء وَالطَّعَام وَاللِّبَاس , وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ صِيَام النَّهَار وَقِيَام اللَّيْل , وَمَا هَمُّوا لَهُ مِنْ الْإِخْصَاء . فَلَمَّا نَزَلَتْ فِيهِمْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه , فَقَالَ : | إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ حَقًّا , وَإِنَّ لِأَعْيُنِكُمْ حَقًّا , صُومُوا وَأَفْطِرُوا وَصَلُّوا وَنَامُوا ! فَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَرَكَ سُنَّتنَا | . فَقَالُوا : اللَّهُمَّ أَسْلَمْنَا وَاتَّبَعْنَا مَا أَنْزَلْت )9636 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : قَالَ أُبَيّ : ضَافَ عَبْدَ اللَّه بْن رَوَاحَة ضَيْفٌ , فَانْقَلَبَ اِبْن رَوَاحَة وَلَمْ يَتَعَشَّ , فَقَالَ لِأَهْلِهِ : مَا عَشَّيْتِهِ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ الطَّعَام قَلِيلًا فَانْتَظَرْت أَنْ تَأْتِي . قَالَ : فَحَبَسْت ضَيْفِي مِنْ أَجْلِي ؟ فَطَعَامك عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته ! قَالَتْ هِيَ . وَهُوَ عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته إِنْ لَمْ تَذُقْهُ ! وَقَالَ الضَّيْف : هُوَ عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته إِنْ لَمْ تَذُوقُوهُ ! فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ , قَالَ اِبْن رَوَاحَة : قَرِّبِي طَعَامك , كُلُوا بِسْمِ اللَّه ! وَغَدَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ | قَدْ أَحْسَنْت ! | فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي إِيمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } إِذَا قُلْت : وَاَللَّه لَا أَذُوقهُ , فَذَلِكَ الْعَقْد . )9637 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي إِذَا أَصَبْت مِنْ اللَّحْم اِنْتَشَرْت وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي , فَحَرَّمْت اللَّحْم . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } )9638 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (هَمَّ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ النِّسَاء وَالْخِصَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة . )وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الِاعْتِدَاء الَّذِي قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الِاعْتِدَاء الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ مَا كَانَ عُثْمَان بْن مَظْعُون هَمَّ بِهِ مِنْ جَبّ نَفْسه , فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ , وَقِيلَ لَهُ : هَذَا هُوَ الِاعْتِدَاء . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ السُّدِّيّ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْهُ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ مَا كَانَ الْجَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم النِّسَاء وَالطَّعَام وَاللِّبَاس وَالنَّوْم , فَنُهُوا أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَنْ يَسْتَنُّوا بِغَيْرِ سُنَّة نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عِكْرِمَة . 9639 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْهُ وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ ذَلِكَ نَهْي مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُتَجَاوَز الْحَلَال إِلَى الْحَرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9640 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا } قَالَ : لَا تَعْتَدُوا إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ . )وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْمَرْء مَا لَهُ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ فِي كُلّ شَيْء , فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْتَدُوا } النَّهْي عَنْ الْعُدْوَان كُلّه , كَانَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون مَحْكُومًا لِمَا عَمَّهُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَخُصّهُ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى حَدَّ اللَّه تَعَالَى فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء مِمَّا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ , فَمَنْ تَعَدَّاهُ فَهُوَ دَاخِل فِي جُمْلَة مَنْ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } وَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَمْر عُثْمَان بْن مَظْعُون وَالرَّهْط الَّذِينَ هَمُّوا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم بَعْض مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَيَكُون مُرَادًا بِحُكْمِهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ أَوْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَوْ تَجَاوَزَ حَدًّا حَدَّهُ اللَّه لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم بَعْض مَا أُحِلَّ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ إِنَّمَا عُوتِبُوا عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَجَاوُزهمْ مَا سُنَّ لَهُمْ وَحُدَّ إِلَى غَيْره .

وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ : كُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ وَأَحَلَّهُ لَكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا . كَمَا : 9641 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } يَعْنِي : مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الطَّعَام .)|وَاتَّقُوا اللَّهَ|وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَقُول : وَخَافُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا فِي حُدُوده , فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَتُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ لَكُمْ , وَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَيُنْزِل بِكُمْ سَخَطه , أَوْ تَسْتَوْجِبُوا بِهِ عُقُوبَته .|الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ|يَقُول : الَّذِي أَنْتُمْ بِوَحْدَانِيِّهِ مُقِرُّونَ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ مُصَدِّقُونَ .

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ الطَّيِّبَات مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا حَرَّمُوا ذَلِكَ بِأَيْمَانٍ حَلَفُوا بِهَا , فَنَهَاهُمْ عَنْ تَحْرِيمهَا , وَقَالَ لَهُمْ : لَا يُؤَاخِذكُمْ رَبّكُمْ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ . كَمَا : 9642 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } فِي الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا النِّسَاء وَاللَّحْم عَلَى أَنْفُسهمْ , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كَيْفَ نَصْنَع بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } الْآيَة . )فَهَذَا يَدُلّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْقَوْم كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِأَيْمَانٍ حَلَفُوا بِهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِهِمْ .|وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ|وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } بِتَشْدِيدِ الْقَاف , بِمَعْنَى : وَكَّدْتُمْ الْأَيْمَان وَرَدَّدْتُمُوهَا ; وَقُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : | بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَان | بِتَخْفِيفِ الْقَاف , بِمَعْنَى : أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَعَزَمَتْ عَلَيْهَا قُلُوبكُمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِتَخْفِيفِ الْقَاف , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَسْتَعْمِل فَعَّلْت فِي الْكَلَام , إِلَّا فِيمَا يَكُون فِيهِ تَرَدُّد مَرَّة بَعْد مَرَّة , مِثْل قَوْلهمْ : شَدَّدْت عَلَى فُلَان فِي كَذَا إِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الشَّدّ مَرَّة بَعْد أُخْرَى , فَإِذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْ فِعْل مَرَّة وَاحِدَة قِيلَ : شَدَدْت عَلَيْهِ بِالتَّخْفِيفِ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّ الْيَمِين الَّتِي تَجِب بِالْحِنْثِ فِيهَا الْكَفَّارَة تَلْزَم بِالْحِنْثِ فِي حَلِف مَرَّة وَاحِدَة وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهَا الْحَالِف مَرَّات , وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه مُؤَاخِذ الْحَالِف الْعَاقِد قَلْبه عَلَى حَلِفه وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهُ وَلَمْ يُرَدِّدهُ ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَشْدِيدِ الْقَاف مِنْ عَقَّدْتُمْ وَجْه مَفْهُوم . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَيْمَانكُمْ بِمَا لَغَوْتُمْ فِيهِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْهَا وَعَقَدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْيَمِين الَّتِي هِيَ لَغْو وَاَلَّتِي اللَّه مُؤَاخِذ الْعَبْد بِهَا , وَاَلَّتِي فِيهَا الْحِنْث وَاَلَّتِي لَا حِنْث فِيهَا , فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إِعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع .|بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ|وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } فَإِنَّ هَنَّادًا : 9643 - حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9644 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : ( { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم , فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة .)|فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَلَى مَا هِيَ عَائِدَة , وَمَنْ ذَكَرَ مَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَائِدَة عَلَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9645 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ أَنْ تَحْلِف عَلَى الشَّيْء وَأَنْتَ يُخَيَّل إِلَيْك أَنَّهُ كَمَا حَلَفْت وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه , فَلَا كَفَّارَة , وَلَكِنَّ الْمُؤَاخَذَة وَالْكَفَّارَة فِيمَا حَلَفْت عَلَيْهِ عَلَى عِلْم . )9646 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : (اللَّغْو لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : مَا عَقَّدَ فِيهِ يَمِينه فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . )9647 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : (الْأَيْمَان ثَلَاث : يَمِين تُكَفَّر , وَيَمِين لَا تُكَفَّر , وَيَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا . فَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي تُكَفَّر , فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر لَا يَفْعَلهُ ثُمَّ يَفْعَلهُ , فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا تُكَفَّر : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَتَعَمَّد فِيهِ الْكَذِب , فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَرَى أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُون كَذَلِكَ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَة , وَهُوَ اللَّغْو . )9648 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (لَغْو الْيَمِين مَا لَمْ يَعْقِد عَلَيْهِ الْحَالِف قَلْبه . )9649 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . )9650 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , أَنَّ عُرْوَة حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : (أَيْمَان الْكَفَّارَة كُلّ يَمِين حَلَفَ فِيهَا الرَّجُل عَلَى جِدّ مِنْ الْأُمُور فِي غَضَب أَوْ غَيْره لَيَفْعَلَنَّ لَيَتْرُكَنَّ , فَذَلِكَ عَقْد الْأَيْمَان الَّتِي فَرَضَ اللَّه فِيهَا الْكَفَّارَة , وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } . )9651 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , قَالَا : (لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . )9652 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : ( { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة : أَمَّا اللَّغْو فَلَا كَفَّارَة فِيهِ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (لَا كَفَّارَة فِي لَغْو الْيَمِين . )9653 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : (لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . )فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْهَا : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . وَقَالَ آخَرُونَ : الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى اللَّغْو , وَهِيَ كِنَايَة عَنْهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ إِذَا كَفَّرْتُمُوهُ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ إِذَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان فَأَقَمْتُمْ عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحِنْث وَالْكَفَّارَة فِيهِ , وَالْإِقَامَة عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ غَيْر جَائِزَة لَكُمْ , فَكَفَّارَة اللَّغْو مِنْهَا إِذَا حَنِثْتُمْ فِيهِ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى أَمْر ضِرَار أَنْ يَفْعَلهُ فَلَا يَفْعَلهُ فَيَرَى الَّذِي هُوَ خَيْر مِنْهُ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي هُوَ خَيْر . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } إِلَى قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : وَاللَّغْو مِنْ الْيَمِين هِيَ الَّتِي تُكَفَّر لَا يُؤَاخِذ اللَّه بِهَا , وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ عَلَى تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ وَلَمْ يَتَحَوَّل عَنْهُ وَلَمْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه , فَتِلْكَ الَّتِي يُؤَاخَذ بِهَا . )9655 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يَفِي , فَيُكَفِّر . )9656 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهَا اللَّه تَعَالَى , يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي الَّذِي هُوَ خَيْر { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة ثُمَّ يُقِيم عَلَيْهَا , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . )9657 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , (قَالَ فِي لَغْو الْيَمِين : هِيَ الْيَمِين فِي الْمَعْصِيَة , فَقَالَ : أَوَلَا تَقْرَأ فَتَفْهَم ؟ قَالَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : فَلَا يُؤَاخِذهُ بِالْإِلْغَاءِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذهُ بِالْمَقَامِ عَلَيْهَا . قَالَ : وَقَالَ : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّه عُرْضَة لِأَيْمَانِكُمْ } . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِتَرْكِهَا إِنْ تَرَكَهَا . قُلْت : وَكَيْفَ يَصْنَع ؟ قَالَ : يُكَفِّر يَمِينه , وَيَتْرُك الْمَعْصِيَة . )9658 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : الْيَمِين الْمُكَفَّرَة . )9659 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (اللَّغْو : يَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا , وَفِيهَا كَفَّارَة . )وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , أَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } لِمَا قَدَّمْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِي يَمِينه كَفَّارَة وَأُوخِذَ بِهَا , غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لِمَنْ قَدْ أُوخِذَ : لَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِاللَّغْوِ ; وَفِي قَوْله تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } دَلِيل وَاضِح أَنَّهُ لَا يَكُون مُؤَاخَذ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه مَنْ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر مُؤَاخَذ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة إِذَا حَنِثْتُمْ وَكَفَّرْتُمْ , لَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِتَكْفِيرٍ ; فَإِنَّ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَأَمْره وَنَهْيه فِي كِتَابه عَلَى الظَّاهِر الْعَامّ عِنْدنَا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته , دُون الْبَاطِن الْعَامّ الَّذِي لَا دَلَالَة عَلَى خُصُوصه فِي عَقْل وَلَا خَبَر وَلَا دَلَالَة مِنْ عَقْل وَلَا خَبَر , أَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بَعْض مَعَانِي الْمُؤَاخَذَة دُون جَمِيعهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة فِي يَمِين حَنِثَ فِيهَا مُؤَاخَذًا بِهَا بِعُقُوبَةٍ فِي مَاله عَاجِلَة , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُ بِهَا . وَإِذَا كَانَ الصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا بِاَلَّذِي عَلَيْهِ دَلَّلْنَا , فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا النَّاس بِلَغْوٍ مِنْ الْقَوْل وَالْأَيْمَان إِذَا لَمْ تَتَعَمَّدُوا بِهَا مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى وَلَا خِلَاف أَمْره وَلَمْ تَقْصِدُوا بِهَا إِثْمًا , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا تَعَمَّدْتُمْ بِهِ الْإِثْم وَأَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَعَزَمَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , وَيُكَفِّر ذَلِكَ عَنْكُمْ , فَيُغَطِّي عَلَى سَيِّئ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ كَذِب وَزُور قَوْل وَيَمْحُوهُ عَنْكُمْ , فَلَا يُتْبِعكُمْ بِهِ رَبّكُمْ ; إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ .|مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أَعْدَله . كَمَا : 9660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ عَطَاء : أَوْسَطه : أَعْدَله , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم مِنْ أَجْنَاس الطَّعَام الَّذِي يَقْتَاتهُ أَهْل بَلَد الْمُكَفِّر أَهَالِيهمْ . )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9661 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , عَنْ الْأَسْوَد , قَالَ : سَأَلْته عَنْ : ( { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر وَالزَّيْت وَالسَّمْن , وَأَفْضَله اللَّحْم . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : (الْخُبْز وَالتَّمْر . زَادَ هَنَّاد فِي حَدِيثه : الزَّيْت , قَالَ : وَأَحْسَبهُ الْخَلّ . )9662 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : ( { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم أَهْله الْخُبْز وَالتَّمْر , وَالْخُبْز وَالسَّمْن وَالْخُبْز وَالزَّيْت , وَمِنْ أَفْضَل مَا يُطْعِمهُمْ : الْخُبْز وَاللَّحْم . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر : ( { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَاللَّحْم , وَالْخُبْز وَالسَّمْن , وَالْخُبْز وَالْجُبْن , وَالْخُبْز وَالْخَلّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد عَنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ؟ قَالَ : (الْخُبْز وَالتَّمْر . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , فَذَكَرَ مِثْله . 9663 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ : ( { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالسَّمْن . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة عَنْ ذَلِكَ , فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَزْهَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : ( { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالسَّمْن . )9664 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : (كَانُوا يَقُولُونَ : أَفْضَله الْخُبْز وَاللَّحْم , وَأَوْسَطه : الْخُبْز وَالسَّمْن , وَأَخَسّه : الْخُبْز وَالتَّمْر . )9665 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (خُبْز وَلَحْم , أَوْ خُبْز وَسَمْن , أَوْ خُبْز وَلَبَن . )9666 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ أَبِي مُصْلِح , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَاللَّحْم وَالْمَرَقَة . )9667 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ يَحْيَى بْن حِبَّان الطَّائِيّ , قَالَ : (كُنْت عِنْد شُرَيْح , فَأَتَاهُ رَجُل , فَقَالَ : إِنِّي حَلَفْت عَلَى يَمِين فَأَثِمْت ! قَالَ شُرَيْح : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : قَدَرٌ عَلَيَّ , فَمَا أَوْسَط مَا أُطْعِم أَهْلِي ؟ قَالَ لَهُ شُرَيْح . الْخُبْز وَالزَّيْت وَالْخَلّ طَيِّب . قَالَ : فَأَعَادَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ شُرَيْح ذَلِكَ ثَلَاث مِرَار لَا يَزِيدهُ شُرَيْح عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت إِنْ أَطْعَمْت الْخُبْز وَاللَّحْم ؟ قَالَ : ذَاكَ أَرْفَع طَعَام أَهْلك وَطَعَام النَّاس . )9668 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : (يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا , أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا . أَوْ خَلًّا وَزَيْتًا . )9669 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا . ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زِبْرِقَان , عَنْ أَبِي رَزِين : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } خُبْز وَزَيْت وَخَلّ . )9670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد , قَالَ : (أَكْلَة وَاحِدَة خُبْز وَلَحْم . قَالَ : وَهُوَ مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَإِنَّكُمْ لَتَأْكُلُونَ الْخَبِيص وَالْفَاكِهَة . )9671 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : (يَجْزِيك أَنْ تُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين أَكْلَة وَاحِدَة خُبْزًا وَلَحْمًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا حَتَّى يَشْبَعُوا . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ زِبْرِقَان , قَالَ : سَأَلْت أَبَا رَزِين , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين مَا يُطْعِم ؟ قَالَ : خُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَذَلِكَ قَدْر قُوتهمْ يَوْمًا وَاحِدًا . (ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي مَبْلَغه . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَبْلَغ ذَلِكَ نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . أَوْ صَاع مِنْ سَائِر الْحُبُوب غَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9672 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عُمَر , قَالَ : )إِنِّي أَحْلِف عَلَى الْيَمِين ثُمَّ يَبْدُو لِي , فَإِذَا رَأَيْتنِي قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ فَأُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّانِ مِنْ حِنْطَة . (9673 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَيَعْلَى عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ يَسَار بْن نُمَيْر , قَالَ : قَالَ عُمَر : )إِنِّي أَحْلِف أَنْ لَا أُعْطِي أَقْوَامًا ثُمَّ يَبْدُو لِي أَنْ أُعْطِيهِمْ , فَإِذَا رَأَيْتنِي فَعَلْت ذَلِكَ , فَأَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَة مَسَاكِين بَيْن كُلّ مِسْكِينَيْنِ صَاعًا مِنْ بُرّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر . (9674 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَمُحَمَّد بْن الْعَلَاء قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : )كَفَّارَة الْيَمِين إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين , لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . (9675 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : ) { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . (9676 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَجْمَعهُمْ ؟ قَالَ : )لَا , أَعْطِهِمْ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَة , مُدًّا لِطَعَامِهِ وَمُدًّا لِإِدَامِهِ . (* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدٍ , فَذَكَرَ نَحْوه . 9677 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زَيْد , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيّ , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : )مَكُّوكَيْنِ : مَكُّوكًا لِطَعَامِهِ , وَمَكُّوكًا لِإِدَامِهِ . (9678 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ . (* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ مِنْ بُرّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين . (9679 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : )مُدَّانِ مِنْ طَعَام لِكُلِّ مِسْكِين . (9680 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا سَعْد بْن يَزِيد أَبُو سَلَمَة , قَالَ : )سَأَلْت جَابِر بْن زَيْد عَنْ إِطْعَام الْمِسْكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : أَكْلَة . قُلْت : فَإِنَّ الْحَسَن يَقُول : مَكُّوك بُرّ , وَمَكُّوك تَمْر , فَمَا تَرَى فِي مَكُّوك بُرّ ؟ فَقَالَ : إِنْ مَكُّوك بُرّ لَا , أَوْ مَكُّوك تَمْر لَا . قَالَ يَعْقُوب : قَالَ اِبْن عُلَيَّة وَقَالَ أَبُو سَلَمَة بِيَدِهِ , كَأَنَّهُ يَرَاهُ حَسَنًا , وَقَلَّبَ أَبُو سَلَمَة يَده . (9681 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن : أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الطَّعَام : )مَكُّوك تَمْر , وَمَكُّوك بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . (9682 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن قَالَ , قَالَ : )إِنْ جَمَعَهُمْ أَشْبَعَهُمْ إِشْبَاعَة وَاحِدَة , وَإِنْ أَعْطَاهُمْ أَعْطَاهُمْ مَكُّوكًا مَكُّوكًا . (* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : )فَإِنْ أَعْطَاهُمْ فِي أَيْدِيهمْ فَمَكُّوك بُرّ وَمَكُّوك تَمْر . (9683 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي كَفَّارَة الْيَمِين : )نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . (9684 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم , فِي قَوْله : ) { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِطْعَام نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . (9685 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ) { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع . (9686 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : ) { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : (الطَّعَام لِكُلِّ مِسْكِين : نِصْف صَاع مِنْ تَمْر أَوْ بُرّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَبْلَغ ذَلِكَ مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْحُبُوب مُدّ وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9687 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , أَنَّهُ قَالَ (فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . )9688 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : (مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِينٍ رُبُعه إِدَامه . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 9689 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعُمَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . )9690 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : (أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّر الْيَمِين بِعَشَرَةِ أَمِدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . )9691 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْقَاسِم وَسَالِم فِي كَفَّارَة الْيَمِين : (مَا يُطْعِم ؟ قَالَا : مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . )9692 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , قَالَ : (كَانَ النَّاس إِذَا كَفَّرَ أَحَدُهُمْ , كَفَّرَ بِعَشَرَةِ أَمْدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . )9693 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : ( { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : عَشَرَة أَمْدَاد لِعَشَرَةِ مَسَاكِين . )9694 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : ( { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانَ يُقَال : الْبُرّ وَالتَّمْر , لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ مِنْ تَمْر وَمُدّ مِنْ بُرّ . )9695 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . )9696 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تَعُولُونَهُمْ . قَالَ : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رَأَوْا أَوْسَط ذَلِكَ مُدًّا بِمُدِّ رَسُول اللَّه مِنْ حِنْطَة . قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ الْوَسَط مِمَّا يَقُوت بِهِ أَهْله , لَيْسَ بِأَدْنَاهُ وَلَا بِأَرْفَعِهِ . )9697 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن سَالِم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مُدّ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ غَدَاء وَعَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9698 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : (يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . )9699 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين قَالَ : (غَدَاء وَعَشَاء . )9700 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : (يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم الْمُكَفِّر أَهْله . قَالَ : إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِع أَهْله أَشْبَع الْمَسَاكِين الْعَشَرَة , وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشْبِعهُمْ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ أَطْعَمَ الْمَسَاكِين عَلَى قَدْر مَا يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ فِي عُسْره وَيُسْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9701 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْ الْمَسَاكِين , وَإِلَّا فَعَلَى مَا تُطْعِم أَهْلك بِقَدْرِهِ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } وَهُوَ أَنْ تُطْعِم كُلّ مِسْكِين مِنْ نَحْو مَا تُطْعِم أَهْلك مِنْ الشِّبَع , أَوْ نِصْف صَاع مِنْ بُرّ . )9702 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . )9703 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : (مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . )9704 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . )9705 - حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن عُبَيْد الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانُوا يُفَضِّلُونَ الْحُرّ عَلَى الْعَبْد وَالْكَبِير عَلَى الصَّغِير , فَنَزَلَتْ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . )* - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (كَانُوا يُطْعِمُونَ الْكَبِير مَا لَا يُطْعِمُونَ الصَّغِير , وَيُطْعِمُونَ الْحُرّ مَا لَا يُطْعِمُونَ الْعَبْد , فَقَالَ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . )9706 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْهُمْ , وَإِنْ كُنْت لَا تُشْبِعهُمْ , فَعَلَى قَدْر ذَلِكَ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْبَان النَّحْوِيّ , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . )9707 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : (كَانَ الرَّجُل يَقُوت بَعْض أَهْله قُوتًا دُونًا وَبَعْضهمْ قُوتًا فِيهِ سَعَة , فَقَالَ اللَّه : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالزَّيْت . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ فِي الْقِلَّة وَالْكَثْرَة . وَذَلِكَ أَنَّ أَحْكَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات كُلّهَا بِذَلِكَ وَرَدَتْ , وَذَلِكَ كَحُكْمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة الْحَلْق مِنْ الْأَذَى بِفَرَقٍ مِنْ طَعَام بَيْن سِتَّة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع , وَكَحُكْمِهِ فِي كَفَّارَة الْوَطْء فِي شَهْر رَمَضَان بِخَمْسَة عَشَر صَاعًا بَيْن سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِين رُبُع صَاع . وَلَا يُعْرَف لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات أَمَرَ بِإِطْعَامِ خُبْز وَإِدَام وَلَا بِغَدَاءٍ وَعَشَاء . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ كَفَّارَة الْيَمِين إِحْدَى الْكَفَّارَات الَّتِي تَلْزَم مَنْ لَزِمَتْهُ , كَانَ سَبِيلهَا سَبِيل مَا تَوَلَّى الْحُكْم فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِب عَلَى مُكَفِّرهَا مِنْ الطَّعَام مِقْدَار لِلْمَسَاكِينِ الْعَشَرَة , مَحْدُود بِكَيْلٍ دُون جَمْعهمْ عَلَى غَدَاء أَوْ عَشَاء مَخْبُوز مَأْدُوم , إِذْ كَانَتْ سُنَّته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِر الْكَفَّارَات كَذَلِكَ . فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِمَا بِهِ اِسْتَشْهَدْنَا , فَبَيِّنٌ أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَعْدَل إِطْعَامكُمْ أَهْلِيكُمْ , وَأَنَّ | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } بِمَعْنَى الْمَصْدَر , لَا بِمَعْنَى الْأَسْمَاء . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَعْدَل أَقْوَات الْمُوَسِّع عَلَى أَهْله مُدَّانِ , وَذَلِكَ نِصْف صَاع فِي رُبُعه إِدَامُهُ , وَذَلِكَ أَعْلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين , وَأَعْدَل أَقْوَات الْمُقَتِّر عَلَى أَهْله مُدّ وَذَلِكَ رُبُع صَاع , وَهُوَ أَدْنَى مَا حَكَمَ بِهِ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين . وَأَمَّا الَّذِينَ رَأَوْا إِطْعَام الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين الْخُبْز وَاللَّحْم وَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ قَبْل , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدُّوا أَوْ يُعَشُّوا , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدَّوْا وَيُعَشَّوْا , فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط الطَّعَام الَّذِي تُطْعِمُونَهُ أَهْلِيكُمْ , فَجَعَلُوا | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } اِسْمًا لَا مَصْدَرًا , فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُكَفِّر إِطْعَام الْمَسَاكِين مِنْ أَعْدَل مَا يُطْعِم أَهْله مِنْ الْأَغْذِيَة . وَذَلِكَ مَذْهَب لَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات غَيْرهَا الَّتِي يَجِب إِلْحَاق أَشْكَالهَا بِهَا , وَأَنَّ كَفَّارَة الْيَمِين لَهَا نَظِيرَة وَشَبِيهَة يَجِب إِلْحَاقهَا بِهَا .|أَوْ كِسْوَتُهُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كِسْوَتهمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْ الْأَيْمَان إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ كِسْوَتهمْ . يَقُول إِمَّا أَنْ تُطْعِمُوهُمْ أَوْ تَكْسُوهُمْ , وَالْخِيَار فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُكَفِّر . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكِسْوَة الَّتِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ كِسْوَة ثَوْب وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9708 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي (كِسْوَة الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين : أَدْنَاهُ ثَوْب . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (أَدْنَاهُ ثَوْبٌ , وَأَعْلَاهُ مَا شِئْت . )9709 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . )9710 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ وُهَيْب , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير جَمِيعًا , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . )9711 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب . قَالَ مَنْصُور : الْقَمِيص , أَوْ الرِّدَاء , أَوْ الْإِزَار . )9712 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : كِسْوَة الشِّتَاء وَالصَّيْف ثَوْب ثَوْب . )9713 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : قَالَ ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . )9714 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سَلْمَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : إِذَا كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا أَجْزَأَ عَنْهُ . )9715 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الرَّازِيّ . عَنْ اِبْن سِنَان , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : (ثَوْب أَوْ ثَوْبَانِ , وَثَوْب لَا بُدّ مِنْهُ . )9716 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ إِنْسَان , وَقَدْ كَانَتْ الْعَبَاءَة تَقْضِي يَوْمئِذٍ مِنْ الْكِسْوَة . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : الْكِسْوَة : عَبَاءَة لِكُلِّ مِسْكِين أَوْ شَمْلَة . )9717 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا إِسْرَائِيل . عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : (ثَوْب , أَوْ قَمِيص , أَوْ رِدَاء , أَوْ إِزَار . )9718 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (إِنْ اِخْتَارَ صَاحِب الْيَمِين الْكِسْوَة , كَسَا عَشَرَة أُنَاسِيّ كُلّ إِنْسَان عَبَاءَة . )9719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } الْكِسْوَة : ثَوْب ثَوْب . )وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الْكِسْوَة ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9720 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبُو مُعَاوِيَة جَمِيعًا , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ( { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : عَبَاءَة وَعِمَامَة . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبِي . عَنْ سُفْيَان , عَنْ د

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } </subtitle>وَهَذَا بَيَان مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ النِّسَاء وَالنَّوْم وَاللَّحْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبُّهًا مِنْهُمْ بِالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَان , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابه يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } فَنَهَاهُمْ بِذَلِكَ عَنْ تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات . ثُمَّ قَالَ : وَلَا تَعْتَدُوا أَيْضًا فِي حُدُودِي , فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَكُمْ غَيْر جَائِز كَمَا غَيْر جَائِز لَكُمْ تَحْرِيم مَا حَلَّلْت , وَإِنِّي لَا أُحِبّ الْمُعْتَدِينَ . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا إِذَا اِسْتَحَلُّوهُ , وَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ كَانُوا مِنْ الْمُعْتَدِينَ فِي حُدُوده , فَقَالَ لَهُمْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , إِنَّ الْخَمْر الَّتِي تَشْرَبُونَهَا وَالْمَيْسِر الَّذِي تَتَيَاسَرُونَهُ وَالْأَنْصَاب الَّتِي تَذْبَحُونَ عِنْدهَا وَالْأَزْلَام الَّتِي تَسْتَقْسِمُونَ بِهَا { رِجْس } يَقُول : إِثْم وَنَتْن , سَخِطَهُ اللَّه وَكَرِهَهُ لَكُمْ { مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } يَقُول : شُرْبكُمْ الْخَمْر , وَقِمَاركُمْ عَلَى الْجُزُر , وَذَبْحكُمْ لِلْأَنْصَابِ , وَاسْتِقْسَامكُمْ بِالْأَزْلَامِ مِنْ تَزْيِين الشَّيْطَان لَكُمْ , وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ إِلَيْهِ , وَتَحْسِينه لَكُمْ , لَا مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي نَدَبَكُمْ إِلَيْهَا رَبّكُمْ , وَلَا مِمَّا يَرْضَاهُ لَكُمْ , بَلْ هُوَ مِمَّا يَسْخَطهُ لَكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَزْلَام فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَته . وَأَمَّا الْأَنْصَاب , فَإِنَّهَا جَمْع نُصُب , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النُّصُب بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي مَعْنَى الرِّجْس فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَا : 9761 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } يَقُول : سُخْط . )وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ , مَا : 9762 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } قَالَ : الرِّجْس : الشَّرّ .)|الشَّيْطَانِ|يَقُول : فَاتْرُكُوهُ وَارْفُضُوهُ , وَلَا تَعْمَلُوهُ .|فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ|يَقُول : لِكَيْ تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْفَلَاح عِنْد رَبّكُمْ , بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ .

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يُرِيد لَكُمْ الشَّيْطَان شُرْب الْخَمْر وَالْمُيَاسَرَة بِالْقِدَاحِ وَيُحَسِّن ذَلِكَ لَكُمْ إِرَادَة مِنْهُ أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي شُرْبكُمْ الْخَمْر وَمُيَاسَرَتكُمْ بِالْقِدَاحِ , لِيُعَادِيَ بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَيُبْغِض بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض , فَيُشَتِّت أَمْركُمْ بَعْد تَأْلِيف اللَّه بَيْنكُمْ بِالْإِيمَانِ وَجَمْعه بَيْنكُمْ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَام . { وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول : وَيَصْرِفكُمْ بِغَلَبَةِ هَذِهِ الْخَمْر بِسُكْرِهَا إِيَّاكُمْ عَلَيْكُمْ وَبِاشْتِغَالِكُمْ بِهَذَا الْمَيْسِر عَنْ ذِكْر اللَّه الَّذِي بِهِ صَلَاح دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ , وَعَنْ الصَّلَاة الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ رَبّكُمْ . { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } يَقُول : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ عَنْ شُرْب هَذِهِ , وَالْمُيَاسَرَة بِهَذَا , وَعَامِلُونَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبّكُمْ مِنْ أَدَاء مَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّلَاة لِأَوْقَاتِهَا , وَلُزُوم ذِكْره الَّذِي بِهِ نُجْح طَلَبَاتكُمْ فِي عَاجِل دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ كَانَ مِنْ عُمَر بْن الْخِطَاب , وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَكْرُوه عَاقِبَة شُرْبهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَأَلَ اللَّه تَحْرِيمهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9763 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : (اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! قَالَ : فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِع لِلنَّاسِ } قَالَ : فَدُعِيَ عُمَر فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } قَالَ : وَكَانَ مُنَادِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة : لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ السَّكْرَانُ ! قَالَ : فَدُعِيَ عُمَر , فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! قَالَ : فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قَالَ عُمَر : اِنْتَهَيْنَا اِنْتَهَيْنَا )! * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : (اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا , فَإِنَّهَا تَذْهَب بِالْعَقْلِ وَالْمَال ! ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث وَكِيع . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا ! فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , مِثْله . 9764 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : (لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَتَاهُ النَّاس , وَقَدْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْر وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِر , فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِع لِلنَّاسِ وَإِثْمهَا أَكْبَر مِنْ نَفْعهمَا } فَقَالُوا : هَذَا شَيْء قَدْ جَاءَ فِيهِ رُخْصَة , نَأْكُل الْمَيْسِر وَنَشْرَب الْخَمْر , وَنَسْتَغْفِر مِنْ ذَلِكَ . حَتَّى أَتَى رَجُل صَلَاة الْمَغْرِب , فَجَعَلَ يَقْرَأ : قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ , أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ , وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد . فَجَعَلَ لَا يُجَوِّد ذَلِكَ وَلَا يَدْرِي مَا يَقْرَأ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فَكَانَ النَّاس يَشْرَبُونَ الْخَمْر حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة فَيَدَعُونَ شُرْبهَا , فَيَأْتُونَ الصَّلَاة وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَقُولُونَ . فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالُوا : اِنْتَهَيْنَا يَا رَبّ )! وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَاحَى رَجُلًا عَلَى شَرَاب لَهُمَا , فَضَرَبَهُ صَاحِبه بِلَحْيِ جَمَل , فَفَزَرَ أَنْفه , فَنَزَلَتْ فِيهِمَا . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 9765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ سَعْد , أَنَّهُ قَالَ : (صَنَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار طَعَامًا فَدَعَانَا قَالَ : فَشَرِبْنَا الْخَمْر حَتَّى اِنْتَشَيْنَا , فَتَفَاخَرَتْ الْأَنْصَار وَقُرَيْش , فَقَالَتْ الْأَنْصَار : نَحْنُ أَفْضَل مِنْكُمْ . قَالَ : فَأَخَذَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار لَحْي جَمَل فَضَرَبَ بِهِ أَنْف سَعْد فَفَزَرَهُ , فَكَانَ سَعْد أَفْزَر الْأَنْف . قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى آخِر الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ سَعْد : (شَرِبْت مَعَ قَوْم مِنْ الْأَنْصَار , فَضَرَبْت رَجُلًا مِنْهُمْ - أَظُنّ بِفَكِّ جَمَل - فَكَسَرْته , فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته , فَلَمْ أَلْبَث أَنْ نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى آخِر الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : شَرِبْت الْخَمْر مَعَ قَوْم مِنْ الْأَنْصَار , فَذَكَرَ نَحْوه . 9766 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ اِبْن شِهَاب أَخْبَرَهُ أَنَّ سَالِم بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَهُ : (أَنَّ أَوَّل مَا حُرِّمَتْ الْخَمْر , أَنَّ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَصْحَابًا لَهُ شَرِبُوا , فَاقْتَتَلُوا , فَكَسَرُوا أَنْف سَعْد , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } الْآيَة . )وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْأَنْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9767 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ جُبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْأَنْصَار , شَرِبُوا حَتَّى إِذَا ثَمِلُوا عَبِثَ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ; فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَرَى الْأَثَر بِوَجْهِهِ وَلِحْيَته , فَيَقُول : فَعَلَ بِي هَذَا أَخِي فُلَان - وَكَانُوا إِخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ ضَغَائِن - وَاَللَّه لَوْ كَانَ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا مَا فَعَلَ بِي هَذَا ! حَتَّى وَقَعَتْ فِي قُلُوبهمْ الضَّغَائِن , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالَ نَاس مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ : هِيَ رِجْس , وَهِيَ فِي بَطْن فُلَان قُتِلَ يَوْم بَدْر , وَقُتِلَ فُلَان يَوْم أُحُد , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . 9768 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلْف , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن مُحَمَّد الْجَرْمِيّ , عَنْ أَبِي تُمَيْلَة , عَنْ سَلَّام مَوْلَى حَفْص بْن أَبِي قَيْس , عَنْ أَبِي بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُود عَلَى شَرَاب لَنَا وَنَحْنُ نَشْرَب الْخَمْر حِلًّا , إِذْ قُمْت حَتَّى آتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّم عَلَيْهِ , وَقَدْ نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } , فَجِئْت إِلَى أَصْحَابِي فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِمْ , إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قَالَ : وَبَعْض الْقَوْم شُرْبته فِي يَده قَدْ شَرِبَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْض فِي الْإِنَاء , فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحْت شَفَته الْعُلْيَا كَمَا يَفْعَل الْحَجَّام , ثُمَّ صَبُّوا مَا فِي بَاطِيَتهمْ , فَقَالُوا : اِنْتَهَيْنَا رَبّنَا , اِنْتَهَيْنَا رَبّنَا )! وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانَتْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء كَانَتْ تَكُون بَيْن الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِ الْمَيْسِر لَا بِسَبَبِ السُّكْر الَّذِي يَحْدُث لَهُمْ مِنْ شُرْب الْخَمْر , فَلِذَلِكَ نَهَاهُمْ اللَّه عَنْ الْمَيْسِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9769 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع قَالَ بِشْر : وَقَدْ سَمِعْته مِنْ يَزِيد - وَحَدَّثَنِيهِ - قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَامِر عَلَى أَهْله وَمَاله , فَيَقْعُد حَزِينًا سَلِيبًا يَنْظُر إِلَى مَاله فِي يَدَيْ غَيْره , فَكَانَتْ تُورِث بَيْنهمْ عَدَاوَة وَبَغْضَاء , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ ; وَاَللَّه أَعْلَم بِاَلَّذِي يُصْلِح خَلْقه . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ سَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي سَمَّاهَا فِي هَذِهِ الْآيَة رِجْسًا وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون نُزُولهَا كَانَ بِسَبَبِ دُعَاء عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَمْر الْخَمْر , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ مَا نَالَ سَعْدًا مِنْ الْأَنْصَارِيّ عِنْد اِنْتِشَائِهِمَا مِنْ الشَّرَاب , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ أَجْل مَا كَانَ يَلْحَق أَحَدهمْ عِنْد ذَهَاب مَاله بِالْقِمَارِ مِنْ عَدَاوَة مَنْ يُسْره وَبُغْضه . وَلَيْسَ عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ خَيْر قَاطِع لِلْعُذْرِ , غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ , فَقَدْ لَزِمَ حُكْم الْآيَة جَمِيع أَهْل التَّكْلِيف , وَغَيْر ضَائِرهمْ الْجَهْل بِالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَالْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَرْض عَلَى جَمِيع مَنْ بَلَغَتْهُ الْآيَة مِنْ التَّكْلِيف اِجْتِنَاب جَمِيع ذَلِكَ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ , وَأَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول فِي اِجْتِنَابكُمْ ذَلِكَ وَاتِّبَاعكُمْ أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي بَيَّنَهَا لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا , وَخَالِفُوا الشَّيْطَان فِي أَمْره إِيَّاكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْره , فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَبْغِي لَكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء بَيْنكُمْ بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسِر .|وَاحْذَرُوا|يَقُول : وَاتَّقُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ أَنْ يَرَاكُمْ عِنْد مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا , أَوْ يَفْقِدكُمْ عِنْد مَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَتُوبِقُوا أَنْفُسكُمْ وَتُهْلِكُوهَا .|فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ|يَقُول : فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَعْمَلُوا بِمَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ وَرَجَعْتُمْ مُدْبِرِينَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَاتِّبَاع مَا جَاءَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ .|فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ|يَقُول : فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ بِالنِّذَارَةِ غَيْر إِبْلَاغكُمْ الرِّسَالَة الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا إِلَيْكُمْ , مُبَيَّنَة لَكُمْ بَيَانًا يُوَضِّح لَكُمْ سَبِيل الْحَقّ وَالطَّرِيق الَّذِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوهُ ; وَأَمَّا الْعِقَاب عَلَى التَّوْلِيَة وَالِانْتِقَام بِالْمَعْصِيَةِ , فَعَلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِ دُون الرُّسُل . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى وَعِيد لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْره وَنَهْيه , يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , فَتَوَقَّعُوا عِقَابِي وَاحْذَرُوا سَخَطِي .

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا إِذْ أَنْزَلَ اللَّه تَحْرِيم الْخَمْر بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ } - : كَيْفَ بِمَنْ هَلَكَ مِنْ إِخْوَاننَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا وَبِنَا وَقَدْ كُنَّا نَشْرَبهَا : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } مِنْكُمْ حَرَج فِيمَا شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَال الَّتِي لَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ , وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ , جَاءَتْ الْأَخْبَار عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9770 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُوَ يَشْرَبُونَ الْخَمْر ؟ فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح } الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل بِإِسْنَادِهِ , نَحْوه . 9771 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني عَبْد الْكَبِير بْن عَبْد الْمَجِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : (بَيْنَا أَنَا أُدِير الْكَأْس عَلَى أَبِي طَلْحَة وَأَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح وَمُعَاذ بْن جَبَل وَسُهَيْل بْن بَيْضَاء وَأَبِي دُجَانَة , حَتَّى مَالَتْ رُءُوسهمْ مِنْ خَلِيط بُسْر وَتَمْر , فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي : أَلَا إِنَّ الْخَمْر قَدْ حُرِّمَتْ ! قَالَ : فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِل وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِج حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَاب وَكَسَرْنَا الْقِلَال . وَتَوَضَّأَ بَعْضنَا وَاغْتَسَلَ بَعْضنَا فَأَصَبْنَا مِنْ طِيب أُمّ سُلَيْم ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَسْجِد , وَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , فَمَا مَنْزِلَة مَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يَشْرَبهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . فَقَالَ رَجُل لِقَتَادَةَ : سَمِعْته مِنْ أَنَس بْن مَالِك ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَقَالَ رَجُل لِأَنَسِ بْن مَالِك : أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَحَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِب , وَاَللَّه مَا كُنَّا نَكْذِب وَلَا نَدْرِي مَا الْكَذِب . )9772 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : (لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْر قَالُوا : كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر ؟ فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ الْبَرَاء : (مَاتَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر , فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمهَا , قَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } الْآيَة . )9773 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : نَزَلَتْ : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَأُحُد مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )9774 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | قِيلَ لِي أَنْتَ مِنْهُمْ . )9775 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَحْرِيم الْخَمْر فِي سُورَة الْمَائِدَة بَعْد سُورَة الْأَحْزَاب , قَالَ فِي ذَلِكَ رِجَال مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُصِيبَ فُلَان يَوْم بَدْر وَفُلَان يَوْم أُحُد وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا , فَنَحْنُ نَشْهَد أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ثُمَّ اِتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اِتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : شَرِبَهَا الْقَوْم عَلَى تَقْوًى مِنْ اللَّه وَإِحْسَان وَهِيَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَلَال , ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدهمْ , فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . )9776 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا نَقُول لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَضَوْا , كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْر وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } يَعْنِي قَبْل التَّحْرِيم إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا مِنْ الْحَرَام قَبْل أَنْ يُحَرَّم عَلَيْهِمْ إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا بَعْد مَا حُرِّمَ وَهُوَ قَوْله : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر قَبْل أَنْ تُحَرَّم الْخَمْر , فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا جُنَاح قَبْل أَنْ تُحَرَّم , فَلَمَّا حُرِّمَتْ قَالُوا : كَيْفَ تَكُون عَلَيْنَا حَرَامًا وَقَدْ مَاتَ إِخْوَاننَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِمْ حَرَج فِيمَا كَانُوا يَشْرَبُونَ قَبْل أَنْ أُحَرِّمهَا إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ , وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ . )9777 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } لِمَنْ كَانَ يَشْرَب الْخَمْر مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَأُحُد . )9778 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : ( { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح } الْآيَة : هَذَا فِي شَأْن الْخَمْر حِين حُرِّمَت , سَأَلُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : إِخْوَاننَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة .)|إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا|يَقُول : إِذَا مَا اِتَّقَى اللَّه الْأَحْيَاء مِنْهُمْ , فَخَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ فِي اِجْتِنَابهمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَصَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ , فَأَطَاعُوهُمَا فِي ذَلِكَ كُلّه .|وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ|يَقُول : وَاكْتَسَبُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا يَرْضَاهُ اللَّه فِي ذَلِكَ مِمَّا كَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ رَبّهمْ .|ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا|يَقُول : ثُمَّ خَافُوا اللَّه وَرَاقَبُوهُ بِاجْتِنَابِهِمْ مَحَارِمه بَعْد ذَلِكَ التَّكْلِيف أَيْضًا , فَثَبَتُوا عَلَى اِتِّقَاء اللَّه فِي ذَلِكَ وَالْإِيمَان بِهِ , وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا .|ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا|يَقُول : ثُمَّ خَافُوا اللَّه , فَدَعَاهُمْ خَوْفهمْ اللَّه إِلَى الْإِحْسَان . وَذَلِكَ الْإِحْسَان هُوَ الْعَمَل بِمَا لَمْ يَفْرِضهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَال , وَلَكِنَّهُ نَوَافِل تَقَرَّبُوا بِهَا إِلَى رَبّهمْ طَلَب رِضَاهُ وَهَرَبًا مِنْ عِقَابه . فَالِاتِّقَاء الْأَوَّل : هُوَ الِاتِّقَاء بِتَلَقِّي أَمْر اللَّه بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيق وَالدَّيْنُونَة بِهِ وَالْعَمَل ; وَالِاتِّقَاء الثَّانِي : الِاتِّقَاء بِالثَّبَاتِ عَلَى التَّصْدِيق وَتَرْك التَّبْدِيل وَالتَّغْيِير ; وَالِاتِّقَاء الثَّالِث : هُوَ الِاتِّقَاء بِالْإِحْسَانِ وَالتَّقَرُّب بِنَوَافِل الْأَعْمَال . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الِاتِّقَاء الثَّالِث هُوَ الِاتِّقَاء بِالنَّوَافِلِ دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ ؟ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَضْعه الْجُنَاح عَنْ شَارِبِي الْخَمْر الَّتِي شَرِبُوهَا قَبْل تَحْرِيمه إِيَّاهَا إِذَا هُمْ اِتَّقَوْا اللَّه فِي شُرْبهَا بَعْد تَحْرِيمهَا وَصَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِي تَحْرِيمهَا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ الْفَرَائِض . وَلَا وَجْه لِتَكْرِيرِ ذَلِكَ , وَقَدْ مَضَى ذِكْره فِي آيَة وَاحِدَة .|وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ|يَقُول : وَاَللَّه يُحِبّ الْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ بِنَوَافِل الْأَعْمَال الَّتِي يَرْضَاهَا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد } يَقُول : لَيَخْتَبِرَنَّكُم اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد , يَعْنِي : بِبَعْضِ الصَّيْد . وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ يَبْلُوهُمْ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُهُمْ بِصَيْدِ الْبَحْر وَإِنَّمَا اِبْتَلَاهُمْ بِصَيْدِ الْبَرّ , فَالِابْتِلَاء بِبَعْضٍ لَمْ يَمْتَنِع . وَقَوْله : { تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِمَّا بِالْيَدِ , كَالْبَيْضِ وَالْفِرَاخ ; وَإِمَّا بِإِصَابَةِ النَّبْل وَالرِّمَاح , وَذَلِكَ كَالْحُمُرِ وَالْبَقَر وَالظِّبَاء , فَيَمْتَحِنكُمْ بِهِ فِي حَال إِحْرَامكُمْ بِعُمْرَتِكُمْ أَوْ بِحَجِّكُمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9779 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : { أَيْدِيكُمْ } صِغَار الصَّيْد , أَخْذ الْفِرَاخ وَالْبَيْض . وَ | الرِّمَاح | , قَالَ : كِبَار الصَّيْد . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : النَّبْل , وَرِمَاحكُمْ تَنَال كَبِير الصَّيْد , وَأَيْدِيكُمْ تَنَال صَغِير الصَّيْد , أَخْذ الْفِرَاخ وَالْبَيْض . )9780 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : مَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَفِرّ مِنْ الصَّيْد . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9781 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : هُوَ الضَّعِيف مِنْ الصَّيْد وَصَغِيره , يَبْتَلِي اللَّه تَعَالَى بِهِ عِبَاده فِي إِحْرَامهمْ حَتَّى لَوْ شَاءُوا نَالُوهُ بِأَيْدِيهِمْ , فَنَهَاهُمْ اللَّه أَنْ يَقْرَبُوهُ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , وَلَيْث عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : الْفِرَاخ وَالْبَيْض , وَمَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَفِرّ .)|وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَعْلَم اللَّه مَنْ يَخَافهُ بِالْغَيْبِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : لَيَخْتَبِرَنَّكُم اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الصَّيْد فِي حَال إِحْرَامكُمْ , كَيْ يَعْلَم أَهْل طَاعَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ وَالْمُنْتَهُونَ إِلَى حُدُوده وَأَمْره وَنَهْيه , مِنْ الَّذِي يَخَاف اللَّه , فَيَتَّقِي مَا نَهَاهُ عَنْهُ وَيَجْتَنِبهُ خَوْف عِقَابه بِالْغَيْبِ , بِمَعْنَى : فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْغَيْب إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر قَوْل الْقَائِل : غَابَ عَنِّي هَذَا الْأَمْر فَهُوَ يَغِيب غَيْبًا وَغَيْبَة , وَأَنَّ مَا لَمْ يُعَايَن فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّيه غَيْبًا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لِيَعْلَم أَوْلِيَاء اللَّه مَنْ يَخَاف اللَّه فَيَتَّقِي مَحَارِمه الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْد وَغَيْره , بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يُعَايِنهُ .|بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَمَنْ تَجَاوَزَ حَدّ اللَّه الَّذِي حَدَّهُ لَهُ بَعْد اِبْتِلَائِهِ بِتَحْرِيمِ الصَّيْد عَلَيْهِ وَهُوَ حَرَام , فَاسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَخْذِهِ وَقَتْله ;|ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ| { فَلَهُ عَذَاب } مِنْ اللَّه { أَلِيم } يَعْنِي : مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد } الَّذِي بَيَّنْت لَكُمْ , وَهُوَ صَيْد الْبَرّ دُون صَيْد الْبَحْر ; { وَأَنْتُمْ حُرُم } يَقُول : وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة وَالْحُرُم : جَمْع حَرَام , وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ وَاحِد , تَقُول : هَذَا رَجُل حَرَام وَهَذِهِ اِمْرَأَة حَرَام , فَإِذَا قِيلَ مُحْرِم , قِيلَ لِلْمَرْأَةِ مُحْرِمَة . وَالْإِحْرَام : هُوَ الدُّخُول فِيهِ , يُقَال : أَحْرَمَ الْقَوْم : إِذَا دَخَلُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام , أَوْ فِي الْحُرُم . فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة . وَقَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فَإِنَّ هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ حُكْم الْقَاتِل مِنْ الْمُحْرِمِينَ الصَّيْد الَّذِي نَهَاهُ عَنْ قَتْله مُتَعَمِّدًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْعَمْد الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَى صَاحِبه بِهِ الْكَفَّارَة وَالْجَزَاء فِي قَتْله الصَّيْد . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْعَمْد لِقَتْلِ الصَّيْد مَعَ نِسْيَان قَاتِله إِحْرَامه فِي حَال قَتْله , وَقَالَ : إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ ذَاكِر إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا قَتْله فَلَا حُكْم عَلَيْهِ وَأَمْره إِلَى اللَّه . قَالُوا : وَهَذَا أَجَلّ أَمْرًا مِنْ أَنْ يَحْكُم عَلَيْهِ أَوْ يَكُون لَهُ كَفَّارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9782 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , فَذَلِكَ الَّذِي يَحْكُم عَلَيْهِ . فَإِنْ قَتَلَهُ ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد (فِي الَّذِي يَقْتُل الصَّيْد مُتَعَمِّدًا , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ مُحْرِم وَمُتَعَمِّد قَتْله , قَالَ : لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , وَلَا حَجّ لَهُ .)|حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ|وَقَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : هُوَ الْعَمْد الْمُكَفَّر , وَفِيهِ الْكَفَّارَة وَالْخَطَأ أَنْ يُصِيبهُ , وَهُوَ نَاسٍ إِحْرَامه , مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , أَوْ يُصِيبهُ وَهُوَ يُرِيد غَيْره , فَذَلِكَ يُحْكَم عَلَيْهِ مَرَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره , فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة . وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . )* - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . )* - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا الْفُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (الْعَمْد هُوَ الْخَطَأ الْمُكَفَّر . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا يُونُس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا لَيْث قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : قَوْل اللَّه : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : (فَالْعَمْد الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ يُرِيد غَيْره فَيُصِيبهُ , فَهَذَا الْعَمْد الْمُكَفَّر ; فَأَمَّا الَّذِي يُصِيبهُ غَيْر نَاسٍ وَلَا مُرِيد لِغَيْرِهِ , فَهَذَا لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , هَذَا أَجَلّ مِنْ أَنْ يُحْكَم عَلَيْهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : يَقْتُلهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9783 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاس لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره , فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة . وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحُرْمِهِ أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . (9784 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : ) { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } لِلصَّيْدِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ , { فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } مُتَعَمِّدًا لِلصَّيْدِ يَذْكُر إِحْرَامه . (* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , قَالَ : )كَانَ الْحَسَن يُفْتِي فِيمَنْ قَتَلَ الصَّيْد مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ : لَمْ يَحْكُم عَلَيْهِ . قَالَ إِسْمَاعِيل , وَقَالَ حَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْل ذَلِكَ . (9785 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَفَّان بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : )أَمَرَنِي جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة أَنْ أَسْأَل عَمْرو بْن دِينَار عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } . الْآيَة , فَسَأَلْته , فَقَالَ : كَانَ عَطَاء يَقُول : هُوَ بِالْخِيَارِ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ , إِنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ . فَأَخْبَرْت بِهِ جَعْفَرًا , وَقُلْت : مَا سَمِعْت فِيهِ ؟ فَتَلَكَّأَ سَاعَة ثُمَّ جَعَلَ يَضْحَك , وَلَا يُخْبِرنِي , ثُمَّ قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : يُحْكَم عَلَيْهِ مِنْ النَّعَم هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد يُحْكَم عَلَيْهِ ثَمَنه , فَقُوِّمَ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد عَلَيْهِ حُكْم الصِّيَام فِيهِ مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى عَشَرَة . (* - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : ) { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة , وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . (9786 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : )أَمَّا الَّذِي يَتَعَمَّد فِيهِ لِلصَّيْدِ وَهُوَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ أَوْ جَاهِل أَنَّ قَتْله غَيْر مُحَرَّم , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْكَم عَلَيْهِمْ . فَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا بَعْد نَهْي اللَّه وَهُوَ يَعْرِف أَنَّهُ مُحْرِم وَأَنَّهُ حَرَام , فَذَلِكَ يُوَكَّل إِلَى نِقْمَة اللَّه , وَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ اللَّه عَلَيْهِ النِّقْمَة . (* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ) { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . (وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْد مِنْ الْمُحْرِم لِقَتْلِ الصَّيْد ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9787 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : )يُحْكَم عَلَيْهِ فِي الْعَمْد وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان . (9788 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ طَاوُس : )وَاَللَّه مَا قَالَ اللَّه إِلَّا : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } . (9789 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَابنَا عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : )نَزَلَ الْقُرْآن بِالْعَمْدِ , وَجَرَتْ السُّنَّة فِي الْخَطَأ . يَعْنِي فِي الْمُحْرِم يُصِيب الصَّيْد . (9790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } قَالَ : إِنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَاسِيًا حُكِمَ عَلَيْهِ , وَإِنْ عَادَ مُتَعَمِّدًا عُجِّلَتْ لَهُ الْعُقُوبَة , إِلَّا أَنْ يَعْفُو اللَّه . (9791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : )إِنَّمَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَة فِي الْعَمْد , وَلَكِنْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطَأ كَيْ يَتَّقُوا . (* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَوَكِيع , قَالَا : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَانَ طَاوُس يَقُول : وَاَللَّه مَا قَالَ اللَّه إِلَّا : ) { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } . (وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ قَتْل صَيْد الْبَرّ عَلَى كُلّ مُحْرِم فِي حَال إِحْرَامه مَا دَامَ حَرَامًا , بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد } ثُمَّ بَيَّنَ حُكْم مَنْ قَتَلَ مَا قَتَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَال إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , وَلَمْ يُخَصِّص بِهِ الْمُتَعَمِّد قَتْله فِي حَال نِسْيَانه إِحْرَامه , وَلَا الْمُخْطِئ فِي قَتْله فِي حَال ذِكْره إِحْرَامه , بَلْ عَمَّ فِي التَّنْزِيل بِإِيجَابِ الْجَزَاء كُلّ قَاتِل صَيْد فِي حَال إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا . وَغَيْر جَائِز إِحَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل إِلَى بَاطِنٍ مِنْ التَّأْوِيل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ نَصّ كِتَاب وَلَا خَبَر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِجْمَاع مِنْ الْأُمَّة وَلَا دَلَالَة مِنْ بَعْض هَذِهِ الْوُجُوه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَامِدًا قَتْلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ , أَوْ عَامِدًا قَتْلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ , أَوْ قَاصِدًا غَيْره فَقَتَلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ , فِي أَنَّ عَلَى جَمِيعهمْ مِنْ الْجَزَاء مَا قَالَ رَبّنَا تَعَالَى وَهُوَ : { مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل } مِنْ الْمُسْلِمِينَ { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } وَهَذَا قَوْل عَطَاء وَالزُّهْرِيّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا , دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد . وَأَمَّا مَا يَلْزَم بِالْخَطَأِ قَاتِله , فَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِيهِ فِي كِتَابنَا وَكِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام الشَّرَائِع | بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِع مَوْضِع ذِكْره ; لِأَنَّ قَصْدنَا فِي هَذَا الْكِتَاب الْإِبَانَة عَنْ تَأْوِيل التَّنْزِيل , وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيل لِلْخَطَإِ ذِكْر فَنَذْكُر أَحْكَامه .|مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ|وَأَمَّا قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلَى قَاتِل الصَّيْد جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | فَجَزَاؤُهُ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم | . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : | فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم | بِإِضَافَةِ الْجَزَاء إِلَى الْمِثْل وَخَفْض الْمِثْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ } بِتَنْوِينِ | الْجَزَاء | وَرَفْع | الْمِثْل | بِتَأْوِيلِ : فَعَلَيْهِ جَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ } بِتَنْوِينِ الْجَزَاء . وَرَفْع الْمِثْل , لِأَنَّ الْجَزَاء هُوَ الْمِثْل , فَلَا وَجْه لِإِضَافَةِ الشَّيْء إِلَى نَفْسه . وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ , رَأَوْا أَنَّ الْوَاجِب عَلَى قَاتِل الصَّيْد أَنْ يَجْزِي مِثْله مِنْ الصَّيْد بِمِثْلٍ مِنْ النَّعَم ; وَلَيْسَ ذَلِكَ كَاَلَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ , بَلْ الْوَاجِب عَلَى قَاتِله أَنْ يَجْزِي الْمَقْتُول نَظِيره مِنْ النَّعَم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْمِثْل هُوَ الْجَزَاء الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى قَاتِل الصَّيْد , وَلَنْ يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفْسه , وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْرَأ ذَلِكَ قَارِئ عَلِمْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ وَنَصْب الْمِثْل . وَلَوْ كَانَ الْمِثْل غَيْر الْجَزَاء لَجَازَ فِي الْمِثْل النَّصْب إِذَا نَوَّنَ الْجَزَاء , كَمَا نَصَبَ الْيَتِيم إِذْ كَانَ غَيْر الْإِطْعَام فِي قَوْله : { أَوْ إِطْعَام فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَة يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة } وَكَمَا نَصَبَ الْأَمْوَات وَالْأَحْيَاء وَنَوَّنَ الْكِفَات فِي قَوْله : { أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض كِفَاتًا أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا } إِذْ كَانَ الْكِفَات غَيْر الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات . وَكَذَلِكَ الْجَزَاء , لَوْ كَانَ غَيْر الْمِثْل لَاتَّسَعَتْ الْقِرَاءَة فِي الْمِثْل بِالنَّصْبِ إِذَا نَوَّنَ الْجَزَاء , وَلَكِنَّ ذَلِكَ ضَاقَ فَلَمْ يَقْرَأهُ أَحَد بِتَنْوِينِ الْجَزَاء وَنَصْب الْمِثْل , إِذْ كَانَ الْمِثْل هُوَ الْجَزَاء , وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا , فَعَلَيْهِ جَزَاء هُوَ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة الْجَزَاء , وَكَيْفَ يَجْزِي قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ مَا قَتَلَ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم . فَقَالَ بَعْضهمْ : يَنْظُر إِلَى أَشْبَه الْأَشْيَاء بِهِ شَبَهًا مِنْ النَّعَم , فَيَجْزِيه بِهِ وَيُهْدِيه إِلَى الْكَعْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9792 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : أَمَّا جَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَارًا فَعَلَيْهِ بَدَنَة , وَإِنْ قَتَلَ بَقَرَة أَوْ أَيِّلًا أَوْ أَرْوَى فَعَلَيْهِ بَقَرَة , أَوْ قَتَلَ غَزَالًا أَوْ أَرْنَبًا فَعَلَيْهِ شَاة . وَإِنْ قَتَلَ ضَبًّا أَوْ حِرْبَاء أَوْ يَرْبُوعًا , فَعَلَيْهِ سَخْلَة قَدْ أَكَلَتْ الْعُشْب وَشَرِبَتْ اللَّبَن . )9793 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ أَبِي مُجَاهِد , قَالَ : (سُئِلَ عَطَاء : أَيُغْرَمُ فِي صَغِير الصَّيْد كَمَا يُغْرَم فِي كَبِيره ؟ قَالَ : أَلَيْسَ يَقُول اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } . )9794 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : عَلَيْهِ مِنْ النَّعَم مِثْله . )9795 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ ذَبَحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد جَزَاءَهُ قُوِّمَ الْجَزَاء دَرَاهِم ثُمَّ قُوِّمَ الدَّرَاهِم حِنْطَة ثُمَّ صَامَ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . قَالَ : وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصَّوْم , فَإِذَا وَجَدَ طَعَامًا وَجَدَ جَزَاء . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ لَمْ يَجِد نُظِرَ كَمْ ثَمَنه - قَالَ اِبْن حُمَيْد : نُظِرَ كَمْ قِيمَته - فَقُوِّمَ عَلَيْهِ ثَمَنه طَعَامًا , فَصَامَ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا , أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين , أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا . قَالَ : إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ : الصِّيَام , فَإِذَا وَجَدَ الطَّعَام وَجَدَ جَزَاءَهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } فَإِنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا , قُوِّمَ الْهَدْي عَلَيْهِ طَعَامًا وَصَامَ عَنْ كُلّ صَاع يَوْمَيْنِ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد . قَالَ : ثنا عَبْد بْن حُمَيْد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الرَّجُل الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده قُوِّمَ عَلَيْهِ ثَمَنه طَعَامًا ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ نِصْف صَاع يَوْمًا . )9796 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : اِبْتَدَرْت وَصَاحِب لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَة , فَأَصَبْته . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَقْبَلَ عَلَى رَجُل إِلَى جَنْبه , فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : اِذْبَحْ كَبْشًا . (* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي قَبِيصَة بْن جَابِر نَحْوًا مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَبْد الْمَلِك . 9797 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : )قَتَلَ صَاحِب لِي ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِم , فَأَمَرَهُ عُمَر أَنْ يَذْبَح شَاة فَيَتَصَدَّق بِلَحْمِهَا وَيَسْقِي إِهَابهَا . (9798 - حَدَّثَنِي هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : )قَتَلَ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب وَهُوَ مُحْرِم ظَبْيًا , فَسَأَلَ عُمَر , فَقَالَ لَهُ عُمَر : أَهْدِ شَاة . (9799 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ حُصَيْن , وَحَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ قَبِيصَة بْن جَابِر : )أَصَبْت ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِم , فَأَتَيْت عُمَر فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَمْره أَهْوَن مِنْ ذَلِكَ ! قَالَ : فَضَرَبَنِي بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَابَقْته عَدْوًا . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : قَتَلْت الصَّيْد وَأَنْتَ مُحْرِم ثُمَّ تَغْمِص الْفُتْيَا ؟ قَالَ : فَجَاءَ عَبْد الرَّحْمَن , فَحَكَمَا شَاة . (9800 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ) { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِنْ الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ شَاة تُذْبَح بِمَكَّة , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَإِطْعَام سِتَّة مَسَاكِين , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام , فَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ بَقَرَة ; وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَار وَحْش أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ بَدَنَة مِنْ الْإِبِل . (9801 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : )أَرَأَيْت إِنْ قَتَلْت صَيْدًا فَإِذَا هُوَ أَعْوَر أَوْ أَعْرَج أَوْ مَنْقُوص أَغْرَم مِثْله ؟ قَالَ : نَعَمْ , إِنْ شِئْت . قُلْت : أُوفِي أَحَبّ إِلَيْك ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَقَالَ عَطَاء : وَإِنْ قَتَلْت وَلَد الظَّبْي فَفِيهِ وَلَد شَاة , وَإِنْ قَتَلْت وَلَد بَقَرَة وَحْشِيَّة فَفِيهِ وَلَد بَقَرَة إِنْسِيَّة مِثْله , فَكُلّ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ . (9802 - حَدَّثَنِي عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان الْبَاهِلِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : ) { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } مَا كَانَ مِنْ صَيْد الْبَرّ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قَرْن الْحِمَار وَالنَّعَامَة فَعَلَيْهِ مِثْله مِنْ الْإِبِل , وَمَا كَانَ ذَا قَرْن مِنْ صَيْد الْبَرّ مِنْ وَعْل أَوْ أَيِّل فَجَزَاؤُهُ مِنْ الْبَقَر , وَمَا كَانَ مِنْ ظَبْي فَمِنْ الْغَنَم مِثْله , وَمَا كَانَ مِنْ أَرْنَب فَفِيهَا ثنيَّة , وَمَا كَانَ مِنْ يَرْبُوع وَشَبَهه فَفِيهِ حَمَل صَغِير , وَمَا كَانَ مِنْ جَرَادَة أَوْ نَحْوهَا فَفِيهِ قَبْضَة مِنْ طَعَام , وَمَا كَانَ مِنْ طَيْر الْبَرّ فَفِيهِ أَنْ يُقَوَّم وَيُتَصَدَّق بِثَمَنِهِ , وَإِنْ شَاءَ صَامَ لِكُلٍّ نِصْف صَاع يَوْمًا . وَإِنْ أَصَابَ فَرْخ طَيْر بَرِّيَّة أَوْ بَيْضهَا فَالْقِيمَة فِيهَا طَعَام أَوْ صَوْم عَلَى الَّذِي يَكُون فِي الطَّيْر . غَيْر أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَيْض النَّعَام إِذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِم أَنْ يَحْمِل الْفَحْل عَلَى عِدَّة مَنْ أَصَابَ مِنْ الْبَيْض عَلَى بِكَارَةِ الْإِبِل , فَمَا لَقَّحَ مِنْهَا أَهْدَاهُ إِلَى الْبَيْت , وَمَا فَسَدَ مِنْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ . (9803 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : )مَنْ قَتَلَهُ - يَعْنِي الصَّيْد - نَاسِيًا , أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر , فَعَلَيْهِ مِثْله هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد اِبْتَاعَ بِثَمَنِهِ طَعَامًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْمًا . وَقَالَ عَطَاء : فَإِنْ أَصَابَ إِنْسَان نَعَامَة , كَانَ لَهُ إِنْ كَانَ ذَا يَسَار مَا شَاءَ , إِنْ شَاءَ يُهْدِي جَزُورًا أَوْ عَدْلهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلهَا صِيَامًا , أَيّهنَّ شَاءَ ; مِنْ أَجْل قَوْله : { فَجَزَاء } أَوْ كَذَا قَالَ : فَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن أَوْ أَوْ , فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبه مَا شَاءَ . (9804 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم , قَالَ : )مَنْ أَصَابَ مِنْ الصَّيْد مَا يَبْلُغ أَنْ يَكُون شَاة فَصَاعِدًا , فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَأَمَّا { كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَبْلُغ أَنْ يَكُون فِيهِ هَدْي , الْعُصْفُور يُقْتَل فَلَا يَكُون فِيهِ . قَالَ : أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا , عَدْل النَّعَامَة , أَوْ عَدْل الْعُصْفُور , أَوْ عَدْل ذَلِكَ كُلّه . (وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُقَوَّم الصَّيْد الْمَقْتُول قِيمَته مِنْ الدَّرَاهِم , ثُمَّ يَشْتَرِي الْقَاتِل بِقِيمَتِهِ نِدًّا مِنْ النَّعَم , ثُمَّ يُهْدِيه إِلَى الْكَعْبَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9805 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : )مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء حُكِمَ فِيهِ قِيمَته . (* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم يَقُول : )فِي كُلّ شَيْء مِنْ الصَّيْد ثَمَنه . (وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل الْآيَة , مَا قَالَ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا : إِنَّ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد يَجْزِي بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِثْل الَّذِي قَتَلَ مِنْ الصَّيْد دَرَاهِم وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { مِنْ النَّعَم } لِأَنَّ الدَّرَاهِم لَيْسَتْ مِنْ النَّعَم فِي شَيْء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الدَّرَاهِم وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلًا لِلْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْد , فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا الْمِثْل مِنْ النَّعَم , فَيُهْدِيه الْقَاتِل , فَيَكُون بِفِعْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازِيًا بِمَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْد مِثْلًا مِنْ النَّعَم ؟ قِيلَ لَهُ : أَفَرَأَيْت إِنْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا , أَوْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا بِقِيمَتِهِ مِنْ النَّعَم إِلَّا صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا , أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ خِلَافه وَخِلَاف صِفَته فَيُهْدِيه , أَمْ لَا يَجُوز ذَلِكَ لَهُ , وَهُوَ لَا يَجُوز إِلَّا خِلَافه ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ إِلَّا مِثْله , تُرِكَ قَوْله فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ ذَلِكَ فَيُهْدِيه إِلَّا مَا يَجُوز فِي الضَّحَايَا , وَإِذَا أَجَازُوا شِرَى مِثْل الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد بِقِيمَتِهِ وَإِهْدَاءَهَا وَقَدْ يَكُون الْمَقْتُول صَغِيرًا مَعِيبًا , أَجَازُوا فِي الْهَدْي مَا لَا يَجُوز فِي الْأَضَاحِيّ , وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ فَيُهْدِيه إِلَّا مَا يَجُوز فِي الضَّحَايَا أَوْضَحَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْله الْخِلَافَ لِظَاهِرِ التَّنْزِيل ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا الْمِثْل مِنْ النَّعَم إِذَا وَجَدُوهُ , وَقَدْ زَعَمَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْمِثْل مِنْ النَّعَم وَهُوَ إِلَى ذَلِكَ وَاجِد سَبِيلًا . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : أَرَأَيْت إِنْ قَالَ قَائِل آخَر : مَا عَلَى قَاتِل مَا لَا تَبْلُغ مِنْ الصَّيْد قِيمَته مَا يُصَاب بِهِ مِنْ النَّعَم مَا يَجُوز فِي الْأَضَاحِيّ مِنْ إِطْعَام وَلَا صِيَام ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا خَيَّرَ قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي أَحَد الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء الَّتِي سَمَّاهَا فِي كِتَابه , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى وَاحِد مِنْ ذَلِكَ سَبِيل سَقَطَ عَنْهُ فَرْض الْآخَرِينَ ; لِأَنَّ الْخِيَار إِنَّمَا كَانَ لَهُ وَلَهُ إِلَى الثَّلَاثَة سَبِيل ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى بَعْض ذَلِكَ سَبِيل بَطَلَ فَرْض الْجَزَاء عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْآيَةِ ; نَظِير الَّذِي قُلْت أَنْتَ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد يَبْلُغ قِيمَته مَا يُصَاب مِنْ النَّعَم مِمَّا يَجُوز فِي الضَّحَايَا , فَقَدْ سَقَطَ فَرْض الْجَزَاء بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم عَنْهُ , وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْجَزَاء بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَام ; هَلْ بَيْنك وَبَيْنه فَرْق مِنْ أَصْل أَوْ نَظِير ؟ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله .|النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْكُم بِذَلِكَ الْجَزَاء الَّذِي هُوَ مِثْل الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد مِنْ النَّعَم عَدْلَانِ مِنْكُمْ , يَعْنِي : فَقِيهَانِ عَالِمَانِ مِنْ أَهْل الدِّين وَالْفَضْل . { هَدْيًا } يَقُول : يَقْضِي بِالْجَزَاءِ ذَوَا عَدْل أَنْ يُهْدَى فَيَبْلُغ الْكَعْبَة . وَالْهَاء فِي قَوْله | يَحْكُم بِهِ | عَائِدَة عَلَى الْجَزَاء , وَوَجْه حُكْم الْعَدْلَيْنِ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَحْكُمَا بِمِثْلِ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد مِنْ النَّعَم عَلَى الْقَاتِل أَنْ يَنْظُرَا إِلَى الْمَقْتُول وَيَسْتَوْصِفَاهُ , فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ ظَبْيًا صَغِيرًا حَكَمَا عَلَيْهِ مِنْ وَلَد الضَّأْن بِنَظِيرِ ذَلِكَ الَّذِي قَتَلَهُ فِي السِّنّ وَالْجِسْم , فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرًا حَكَمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّأْن بِكَبِيرٍ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ حِمَار وَحْش حَكَمَا عَلَيْهِ بِبَقَرَةٍ إِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ كَبِيرًا مِنْ الْبَقَر , وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَصَغِيرًا , وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول ذَكَرًا فَمِثْله مِنْ ذُكُور الْبَقَر , وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَمِثْله مِنْ الْبَقَر أُنْثَى , ثُمَّ كَذَلِكَ يَنْظُرَانِ إِلَى أَشْبَه الْأَشْيَاء بِالْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْد شَبَهًا مِنْ النَّعَم فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ : 9806 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : (كَانَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَعْرَاب مُحْرِمَيْنِ , فَأَحَاشَ أَحَدهمَا ظَبْيًا فَقَتَلَهُ الْآخَر , فَأَتَيَا عُمَر وَعِنْده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَقَالَ لَهُ عُمَر : وَمَا تَرَى ؟ قَالَ : شَاة . قَالَ : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ , اِذْهَبَا فَأَهْدِيَا شَاة فَلَمَّا مَضَيَا , قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : مَا دَرَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ صَاحِبه . فَسَمِعَهَا عُمَر , فَرَدَّهُمَا فَقَالَ : هَلْ تَقْرَآنِ سُورَة الْمَائِدَة ؟ فَقَالَا : لَا . فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمَا : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } ثُمَّ قَالَ : اِسْتَعَنْت بِصَاحِبِي هَذَا . )9807 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : (اِبْتَدَرْت أَنَا وَصَاحِب لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَة , فَأَصَبْته . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَقْبَلَ عَلَى رَجُل إِلَى جَنْبه , فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَقَالَ : اِذْبَحْ كَبْشًا ! قَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : فَقَالَ لِي اِذْبَحْ شَاة . فَانْصَرَفْت فَأَتَيْت صَاحِبِي , قُلْت : إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُول ! فَقَالَ صَاحِبِي : اِنْحَرْ نَاقَتك ! فَسَمِعَهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ , وَقَالَ : تَقْتُل الصَّيْد وَأَنْتَ مُحْرِم وَتَغْمِص الْفُتْيَا ! إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } هَذَا اِبْن عَوْف وَأَنَا عُمَر . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي قَبِيصَة بْن جَابِر , بِنَحْوِ مَا حَدَّثَ بِهِ عَبْد الْمَلِك . 9808 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : (خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَكُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا الْغَدَاة , اِقْتَدَرْنَا رَوَاحِلنَا نَتَمَاشَى نَتَحَدَّثُ . قَالَ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَات غَدَاة إِذْ سَنَحَ لَنَا ظَبْي أَوْ بَرِحَ , فَرَمَاهُ رَجُل مِنَّا بِحَجَرٍ , فَمَا أَخْطَأَ خُشَشَاءه , فَرَكِبَ رَدْعَهُ مَيِّتًا . قَالَ : فَعَظَّمْنَا عَلَيْهِ ; فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّة , خَرَجْت مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا عُمَر , فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّة , قَالَ : وَإِذَا إِلَى جَنْبه رَجُل كَأَنَّ وَجْهه قُلْب فِضَّة - يَعْنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف - فَالْتَفَتَ إِلَى صَاحِبه فَكَلَّمَهُ ; قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُل , قَالَ : أَعَمْدًا قَتَلْته أَمْ خَطَأ ؟ قَالَ الرَّجُل : لَقَدْ تَعَمَّدْت رَمْيه , وَمَا أَرَدْت قَتْله . فَقَالَ عُمَر : مَا أَرَاك إِلَّا قَدْ أَشْرَكْت بَيْن الْعَمْد وَالْخَطَأ , اِعْمِدْ إِلَى شَاة فَاذْبَحْهَا , وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا , وَأَسْقِ إِهَابهَا ! قَالَ : فَقُمْنَا مِنْ عِنْده , فَقُلْت : أَيّهَا الرَّجُل عَظِّمْ شَعَائِر اللَّه فَمَا دَرَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا يُفْتِيك حَتَّى سَأَلَ صَاحِبه , اِعْمِدْ إِلَى نَاقَتك فَانْحَرْهَا ! فَفَعَلَ ذَاكَ . قَالَ قَبِيصَة : وَلَا أَذْكُر الْآيَة مِنْ سُورَة الْمَائِدَة : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : فَبَلَغَ عُمَر مَقَالَتِي , فَلَمْ يَفْجَأنَا إِلَّا وَمَعَهُ الدِّرَّة , قَالَ : فَعَلَا صَاحِبِي ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ , وَجَعَلَ يَقُول : أَقَتَلْت فِي الْحَرَم وَسَفَّهْت الْحُكْم ! قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , لَا أُحِلّ لَك الْيَوْم شَيْئًا يَحْرُم عَلَيْك مِنِّي . قَالَ : يَا قَبِيصَة بْن جَابِر , إِنِّي أَرَاك شَابّ السِّنّ فَسِيح الصَّدْر بَيِّن اللِّسَان , وَإِنَّ الشَّابّ يَكُون فِيهِ تِسْعَة أَخْلَاق حَسَنَة وَخُلُق سَيِّئ , فَيُفْسِد الْخُلُق السَّيِّئ الْأَخْلَاق الْحَسَنَة , فَإِيَّاكَ وَعَثَرَات الشَّبَاب )! 9809 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ مُخَارِق , عَنْ طَارِق , قَالَ : . (أَوْطَأَ أَرْبَدُ ضَبًّا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِم , فَأَتَى عُمَر لِيَحْكُم عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : اُحْكُمْ مَعِي ! فَحَكَمَا فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاء وَالشَّجَر , ثُمَّ قَالَ عُمَر : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } . )9810 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا , فَأَتَى اِبْن عُمَر فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَعِنْده عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان , فَقَالَ اِبْن عُمَر لِابْنِ صَفْوَان : إِمَّا أَنْ أَقُول فَتُصَدِّقنِي , وَإِمَّا أَنْ تَقُول فَأُصَدِّقك ! فَقَالَ اِبْن صَفْوَان : بَلْ أَنْتَ فَقُلْ ! فَقَالَ اِبْن عُمَر , وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان . )9811 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْح , أَنَّهُ قَالَ : (لَوْ وَجَدْت حُكْمًا عَدْلًا لَحَكَمْت فِي الثَّعْلَب جَدْيًا , وَجَدْي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الثَّعْلَب . )9812 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي مِجْلَز : (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ اِبْن عُمَر عَنْ رَجُل أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِم , وَعِنْده اِبْن صَفْوَان , فَقَالَ لَهُ اِبْن عُمَر : إِمَّا أَنْ تَقُول فَأُصَدِّقك , أَوْ أَقُول فَتُصَدِّقنِي ! قَالَ : قُلْ وَأُصَدِّقك . )9813 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جَرِير الْبَجَلِيّ , قَالَ : (أَصَبْت ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِم , فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَر , فَقَالَ : اِئْتِ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانك فَلْيَحْكُمَا عَلَيْك ! فَأَتَيْت عَبْد الرَّحْمَن وَسَعْدًا , فَحَكَمَا عَلَيَّ تَيْسًا أَعْفَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْأَعْفَر : الْأَبْيَض . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَر , مِثْله . 9814 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : (كَانَ رَجُل عَلَى نَاقَة وَهُوَ مُحْرِم , فَأَبْصَرَ ظَبْيًا يَأْوِي إِلَى أَكَمَة , فَقَالَ : لِأَنْظُر أَنَا أَسْبِق إِلَى هَذِهِ الْأَكَمَة أَمْ هَذَا الظَّبْي ؟ فَوَقَعَت عَنْز مِنْ الظِّبَاء تَحْت قَوَائِم نَاقَته فَقَتَلَتْهَا . فَأَتَى عُمَر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَحَكَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَابْن عَوْف عَنْزًا عَفْرَاء . قَالَ : وَهِيَ الْبَيْضَاء . )9815 - يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد : (أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِم . فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَإِلَى جَنْبه عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْد الرَّحْمَن فَكَلَّمَهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُل , فَقَالَ : أَهْدِ عَنْزًا عَفْرَاء )! 9816 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يَقُول : (مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء لَمْ يَمْضِ فِيهِ حُكُومَة , اِسْتَقْبَلَ بِهِ , فَيَحْكُم فِيهِ ذَوَا عَدْل . )9817 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى , عَنْ عَمْرو بْن حَبَشِيّ قَالَ : (سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَل عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ رَجُل أَصَابَ وَلَد أَرْنَب فَقَالَ : فِيهِ وَلَد مَاعِز فِيمَا أَرَى أَنَا . ثُمَّ قَالَ لِي : أَكَذَاك ؟ فَقُلْت : أَنْتَ أَعْلَم مِنِّي . فَقَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَحْكُم لَهُ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } . )9818 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , وَسَهْل بْن يُوسُف , عَنْ حُمَيْد , عَنْ بَكْر : (أَنَّ رَجُلَيْنِ أَبْصَرَا ظَبْيًا وَهُمَا مُحْرِمَانِ , فَتَرَاهَنَا , وَجَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ . فَسَبَقَ إِلَيْهِ أَحَدهمَا , فَرَمَاهُ بِعَصَاهُ فَقَتَلَهُ . فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّة , أَتَيَا عُمَر يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ وَعِنْده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ عُمَر : هَذَا قِمَار , وَلَا أُجِيزهُ ! ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن , فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ قَالَ : شَاة . فَقَالَ عُمَر : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ . فَلَمَّا قَفَّى الرَّجُلَانِ مِنْ عِنْد عُمَر , قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : مَا دَرَى عُمَر مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ الرَّجُل ! فَرَدَّهُمَا عُمَر فَقَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِعُمَر وَحْده فَقَالَ : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } وَأَنَا عُمَر , وَهَذَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَنْظُر الْعَدْلَانِ إِلَى الصَّيْد الْمَقْتُول فَيُقَوِّمَانِهِ قِيمَته دَرَاهِم , ثُمَّ يَأْمُرَانِ الْقَاتِل أَنْ يَشْتَرِي بِذَلِكَ مِنْ النَّعَم هَدْيًا . فَالْحَاكِمَانِ فِي قَوْل هَؤُلَاءِ بِالْقِيمَةِ , وَإِنَّمَا يَحْتَاج إِلَيْهِمَا لِتَقْوِيمِ الصَّيْد قِيمَته فِي الْمَوْضِع الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء حُكِمَ فِيهِ قِيمَته , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ مُتَفَقِّهَة الْكُوفِيِّينَ . وَأَمَّا قَوْله : { هَدْيًا } فَإِنَّهُ مَصْدَر عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { يَحْكُم بِهِ } , وَقَوْله : ( { بَالِغ الْكَعْبَة } مِنْ نَعْت الْهَدْي وَصِفَته . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُنْعَت بِهِ وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَعْرِفَة ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّكِرَة , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { بَالِغ الْكَعْبَة } يَبْلُغ الْكَعْبَة , فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا فَمَعْنَاهُ التَّنْوِين ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا } فَوَصَفَ بِقَوْلِهِ : | مُمْطِرنَا | عَارِضًا ; لِأَنَّ فِي | مُمْطِرنَا | مَعْنَى التَّنْوِين ; لِأَنَّ تَأْوِيله الِاسْتِقْبَال , فَمَعْنَاهُ : هَذَا عَارِض يُمْطِرنَا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } .)|الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين . وَالْكَفَّارَة مَعْطُوفَة عَلَى | الْ

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أُحِلَّ لَكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { صَيْد الْبَحْر } وَهُوَ مَا صِيدَ طَرِيًّا . كَمَا : 9876 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ . )9877 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : حُدِّثْت , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (خَطَبَ أَبُو بَكْر النَّاس , فَقَالَ : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر . قَالَ : فَصَيْده : مَا أَخَذَ . )9878 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ . )9879 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْحَرَّانِيّ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده الطَّرِيّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْهُذَيْل بْن بِلَال , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عِكْرِمَة بْن الْجُعْفِيّ - أَوْ الْحُسَيْن , شَكّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : (صَيْد الْبَحْر : مَا اِصْطَادَهُ . )9880 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . )9881 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْعَلَاء بْن بَدْر , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : (صَيْد الْبَحْر : مَا صِيدَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : السَّمَك الطَّرِيّ . )9882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } أَمَّا صَيْد الْبَحْر : فَهُوَ السَّمَك الطَّرِيّ , هِيَ الْحِيتَان . )9883 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : (صَيْده : مَا اِصْطَدْته طَرِيًّا . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ قَتَادَة : صَيْده : مَا اِصْطَدْته . )9884 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : ( { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : حِيتَانه . )9885 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : (سُئِلَ سَعِيد عَنْ صَيْد الْبَحْر , فَقَالَ : قَالَ مَكْحُول : قَالَ زَيْد بْن ثَابِت : )صَيْده : مَا اِصْطَدْت . (9886 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ) { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَك وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : يَصْطَاد الْمُحْرِم وَالْمُحِلّ مِنْ الْبَحْر , وَيَأْكُل مِنْ صَيْده . (9887 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : )طَعَام الْبَحْر : كُلّ مَا فِيهِ . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : مَا حَسِرَ عَنْهُ فَكُلْ . وَقَالَ : كُلْ مَا فِيهِ ; يَعْنِي : جَمِيع مَا صِيدَ . (9888 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , سَمِعَ عِكْرِمَة يَقُول : قَالَ أَبُو بَكْر : ) { وَطَعَامه مَتَاعًا لَك وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : هُوَ كُلّ مَا فِيهِ . وَعَنَى بِالْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْأَنْهَار كُلّهَا ; وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَنْهَار بِحَارًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : ( { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } . )فَتَأْوِيل الْكَلَام : أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ طَرِيّ سَمَك الْأَنْهَار الَّذِي صِدْتُمُوهُ فِي حَال حِلّكُمْ وَحُرْمكُمْ , وَمَا لَمْ تَصِيدُوهُ مِنْ طَعَامه الَّذِي قَتَلَهُ ثُمَّ رَمَى بِهِ إِلَى سَاحِله .|وَطَعَامُهُ|وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَطَعَامه } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : مَا قَذَفَ بِهِ إِلَى سَاحِله مَيِّتًا , نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9889 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : حُدِّثْت , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَطَبَ أَبُو بَكْر النَّاس , فَقَالَ : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ , وَطَعَامه : مَا قَذَفَ . )9890 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (كُنْت بِالْبَحْرَيْنِ , فَسَأَلُونِي عَمَّا قَذَفَ الْبَحْر , قَالَ : فَأَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا . فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , ذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ لِي : بِمَ أَفْتَيْتهمْ ؟ قَالَ : قُلْت : أَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا , قَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } فَصَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ , وَطَعَامه : مَا قَذَفَ . )9891 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9892 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (طَعَامه : كُلّ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر . )9893 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَلِيّ - أَوْ الْحُسَيْن بْن عَلَى الْجُعْفِيّ , شَكَّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (طَعَامه : مَا لَفَظَ مِنْ مَيْتَته . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْهُذَيْل بْن بِلَال . قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ . طَعَامه : مَا وُجِدَ عَلَى السَّاحِل مَيِّتًا . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (طَعَامه : مَا قَذَفَ بِهِ . )9894 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , سَمِعَ عِكْرِمَة يَقُول : قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : هُوَ كُلّ مَا فِيهِ . )9895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَيْتَته . قَالَ عَمْرو : وَسَمِعَ أَبَا الشَّعْثَاء يَقُول : مَا كُنْت أَحْسِب طَعَامه إِلَّا مَالِحه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن حَفْص بْن عُمَر بْن سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : . ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَيْتَته . )9896 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . )9897 - حَدَّثَنَا بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مَعْمَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَبِيد اللَّه , عَنْ نَافِع , قَالَ : (جَاءَ عَبْد الرَّحْمَن إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : الْبَحْر قَدْ أَلْقَى حِيتَانًا كَثِيرَة ؟ قَالَ : فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلهَا , ثُمَّ قَالَ : يَا نَافِع هَاتِ الْمُصْحَف ! فَأَتَيْته بِهِ , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : قُلْت : طَعَامه : هُوَ الَّذِي أَلْقَاهُ . قَالَ : فَالْحَقْهُ , فَمُرْهُ بِأَكْلِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ نَافِع أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي هُرَيْرَة سَأَلَ اِبْن عُمَر , فَقَالَ : (إِنَّ الْبَحْر قَذَفَ حِيتَانًا كَثِيرَة مَيِّتَة أَفَنَأْكُلهَا ؟ قَالَ : لَا تَأْكُلُوهَا ! فَلَمَّا رَجَعَ عَبْد اللَّه إِلَى أَهْله , أَخَذَ الْمُصْحَف , فَقَرَأَ سُورَة الْمَائِدَة , فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : اِذْهَبْ , فَقُلْ لَهُ فَلْيَأْكُلْهُ , فَإِنَّهُ طَعَامه . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : مَيْتَته , قَالَ عَمْرو : سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاء يَقُول : مَا كُنْت أَحْسِب طَعَامه : إِلَّا مَالِحه . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي هُرَيْرَة سَأَلَ اِبْن عُمَر (عَنْ حِيتَان كَثِيرَة أَلْقَاهَا الْبَحْر , أَمَيْتَة هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَنَهَاهُ عَنْهَا . ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْت , فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ , فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : كُلّ شَيْء أُخْرِجَ مِنْهُ فَكُلْهُ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس , وَكُلّ شَيْء فِيهِ يُؤْكَل مَيْتًا أَوْ بِسَاحِلِهِ . )9898 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة : (طَعَامه : مَا قَذَفَ مِنْهُ . )9899 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : (مَا لَفَظَ الْبَحْر فَهُوَ طَعَامه , وَإِنْ كَانَ مَيْتًا . )9900 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر , قَالَ : سُئِلَ أَبُو أَيُّوب عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا } قَالَ : هُوَ مَا لَفَظَ الْبَحْر . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَطَعَامه } الْمَلِيح مِنْ السَّمَك . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلهمْ : أُحِلَّ لَكُمْ سَمَك الْبَحْر وَمَلِيحه فِي كُلّ حَال , إِحْلَالكُمْ وَإِحْرَامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9901 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه الْمَالِح مِنْهُ . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } يَعْنِي بِطَعَامِهِ : مَالِحه , وَمَا قَذَفَ الْبَحْر مِنْ مَالِحه . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَك } وَهُوَ الْمَالِح . )9902 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَجْمَع التَّيْمِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : ( { مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الْمَلِيح . )9903 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس وَأَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : (الْمَلِيح . )9904 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الْمَلِيح وَمَا لَفَظَ . )9905 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : يَأْتِي الرَّجُل أَهْل الْبَحْر فَيَقُول : | أَطْعِمُونِي | , فَإِنْ قَالَ : | غَرِيضًا | , أَلْقَوْا شَبَكَتْهُمْ فَصَادُوا لَهُ , وَإِنْ قَالَ : | أَطْعِمُونِي مِنْ طَعَامكُمْ | , أَطْعَمُوهُ مِنْ سَمَكهمْ الْمَالِح . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل : عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : (الْمَنْبُوذ , السَّمَك الْمَالِح . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { وَطَعَامه } قَالَ : الْمَالِح . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : ( { وَطَعَامه } قَالَ : هُوَ مَالِحه . ثُمَّ قَالَ : مَا قَذَفَ . )9906 - حَدَّثَنَا اِبْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَطَعَامه } قَالَ : مَمْلُوح السَّمَك . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول : (طَعَامه : السَّمَك الْمَلِيح . ثُمَّ قَالَ بَعْد : مَا قَذَفَ بِهِ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ( { طَعَامه } الْمَلِيح . )9907 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ( { طَعَامه } السَّمَك الْمَلِيح . )9908 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الصَّيِّر . قَالَ شُعْبَة : فَقُلْت لِأَبِي بِشْر : مَا الصَّيِّر ؟ قَالَ : الْمَالِح . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا هِشَام بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الصَّيِّر . قَالَ : قُلْت : مَا الصَّيِّر ؟ قَالَ : الْمَالِح . )9909 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : أَمَّا طَعَامه فَهُوَ الْمَالِح . )9910 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا تَزَوَّدْت مَمْلُوحًا فِي سَفَرك . )9911 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد وَسَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ عَمْرو , قَالَ : قَالَ جَابِر بْن زَيْد : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ طَعَامه مَلِيحه , وَنَكْرَه الطَّافِي مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : ( { طَعَامه } مَا فِيهِ )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9912 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (طَعَام الْبَحْر : مَا فِيهِ . )9913 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث , عَنْ عِكْرِمَة : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : مَا جَاءَ بِهِ الْبَحْر بِوَجْهٍ . )9914 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (طَعَامه : كُلّ مَا صِيدَ مِنْهُ . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قَوْل مَنْ قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَهُ الْبَحْر أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَوُجِدَ مَيِّتًا عَلَى سَاحِله . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ قَبْله صَيْد الَّذِي يُصَاد , فَقَالَ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَاَلَّذِي يَجِب أَنْ يُعْطَف عَلَيْهِ فِي الْمَفْهُوم مَا لَمْ يُصَدْ مِنْهُ , فَقَالَ : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد مَا صِدْتُمُوهُ مِنْ الْبَحْر وَمَا لَمْ تَصِيدُوهُ مِنْهُ . وَأَمَّا الْمَلِيح , فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِلْح بَعْد الِاصْطِيَاد , فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَة قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَلَا وَجْه لِتَكْرِيرِهِ , إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ . وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ تَعَالَى إِحْلَاله مَا صِيدَ مِنْ الْبَحْر بِقَوْلِهِ { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَلَا فَائِدَة أَنْ يُقَال لَهُمْ بَعْد ذَلِكَ : وَمَلِيحه الَّذِي صِيدَ حَلَال لَكُمْ ; لِأَنَّ مَا صِيدَ مِنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ تَحْلِيله طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَلِيحًا بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } وَاَللَّه يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا خَبَر , وَإِنْ كَانَ بَعْض نَقَلَته يَقِف بِهِ عَلَى نَاقِله عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة , وَذَلِكَ مَا : 9915 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : | طَعَامه : مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا فَهُوَ طَعَامه . )وَقَدْ وَقَفَ هَذَا الْحَدِيث بَعْضهمْ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة . 9916 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله : ( { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه : مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا .)|مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مَتَاعًا لَكُمْ } مَنْفَعَة لِمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُقِيمًا أَوْ حَاضِرًا فِي بَلَده يَسْتَمْتِع بِأَكْلِهِ وَيَنْتَفِع بِهِ . { وَلِلسَّيَّارَةِ } يَقُول : وَمَنْفَعَة أَيْضًا وَمُتْعَة لِلسَّائِرِينَ مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض , وَمُسَافِرِينَ يَتَزَوَّدُونَهُ فِي سَفَرِهِمْ مَلِيحًا . وَالسَّيَّارَة : جَمْع سَيَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9917 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاق , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : ( { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : لِمَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَحْر , { وَلِلسَّيَّارَةِ } السَّفْر . )9918 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } مَا قَذَفَ الْبَحْر , وَمَا يَتَزَوَّدُونَ فِي أَسْفَارهمْ مِنْ هَذَا الْمَالِح . يَتَأَوَّلهَا عَلَى هَذَا . )* - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع عَنْ حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } مَمْلُوح السَّمَك مَا يَتَزَوَّدُونَ فِي أَسْفَارهمْ . )9919 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مِسْكِين بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَبِيب النَّجَّارِيّ , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : ( { وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : هُمْ الْمُحْرِمُونَ . )9920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أَمَّا طَعَامه : فَهُوَ الْمَالِح مِنْهُ , بَلَاغ يَأْكُل مِنْهُ السَّيَّارَة فِي الْأَسْفَار . )9921 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : طَعَامه : مَالِحه وَمَا قَذَفَ الْبَحْر مِنْهُ يَتَزَوَّدُهُ الْمُسَافِر . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : مَالِحه وَمَا قَذَفَ الْبَحْر , فَمَالِحه يَتَزَوَّدُهُ الْمُسَافِر . )9922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } يَعْنِي الْمَالِح فَيَتَزَوَّدُهُ . )وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ( { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : أَهْل الْقُرَى , { وَلِلسَّيَّارَةِ } أَهْل الْأَمْصَار . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ لِأَهْلِ الْقُرَى , { وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : أَهْل الْأَمْصَار وَأَجْنَاس النَّاس كُلّهمْ . )وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ السَّيَّارَة هُمْ أَهْل الْأَمْصَار لَا وَجْه لَهُ مَفْهُوم , إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ بِقَوْلِهِ هُمْ أَهْل الْأَمْصَار : (هُمْ الْمُسَافِرُونَ مِنْ أَهْل الْأَمْصَار , فَيَجِب أَنْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ كُلّ سَيَّارَة مِنْ أَهْل الْأَمْصَار كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْل الْقُرَى , فَأَمَّا السَّيَّارَة فَلَا يَشْمَل الْمُقِيمِينَ فِي أَمْصَارهمْ .)|وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا , يَقُول : مَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ لَمْ تَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامكُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا كُلّ مَعَانِي صَيْد الْبَرّ مِنْ اِصْطِيَاد وَأَكْل وَقَتْل وَبَيْع وَشِرَاء وَإِمْسَاك وَتَمَلُّك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9924 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ نَوْفَل , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (حَجَّ عُثْمَان بْن عَفَّان , فَحَجّ عَلِيّ مَعَهُ . قَالَ : فَأُتِيَ عُثْمَان بِلَحْمِ صَيْد صَادَهُ حَلَال , فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْكُل عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : وَاَللَّه مَا صِدْنَا وَلَا أَمَرْنَا وَلَا أَشَرْنَا ! فَقَالَ عَلِيّ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . )9925 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ سِمَاك , عَنْ صُبَيْح بْن عُبَيْد اللَّه الْعَبْسِيّ , قَالَ : (بَعَثَ عُثْمَان بْن عَفَّان أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث عَلَى الْعَرُوض , فَنَزَلَ قَدِيدًا , فَمَرَّ بِهِ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام مَعَهُ بَازٍ وَصَقْر , فَاسْتَعَارَهُ مِنْهُ , فَاصْطَادَ بِهِ مِنْ الْيَعَاقِيب , فَجَعَلَهُنَّ فِي حَظِيرَة . فَلَمَّا مَرَّ بِهِ عُثْمَان طَبَخَهُنَّ , ثُمَّ قَدَّمَهُنَّ إِلَيْهِ , فَقَالَ عُثْمَان : كُلُوا ! فَقَالَ بَعْضهمْ : حَتَّى يَجِيء عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . فَلَمَّا جَاءَ فَرَأَى مَا بَيْن أَيْدِيهمْ , قَالَ عَلِيّ : إِنَّا لَنْ نَأْكُل مِنْهُ ! فَقَالَ عُثْمَان : مَالَك لَا تَأْكُل ؟ فَقَالَ : هُوَ صَيْد , وَلَا يَحِلّ أَكْله وَأَنَا مُحْرِم . فَقَالَ عُثْمَان : بَيِّنْ لَنَا ! فَقَالَ عَلِيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } فَقَالَ عُثْمَان : أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْك صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . )9926 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر وَعَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْقَنَّاد , قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ شَرِيك , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ صُبَيْح بْن عُبَيْد اللَّه الْعَبْسِيّ , قَالَ : اِسْتَعْمَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث عَلَى الْعَرُوض . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : . (قَالَ : فَمَكَثَ عُثْمَان مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ أَتَى فَقِيلَ لَهُ بِمَكَّة : هَلْ لَك فِي اِبْن أَبِي طَالِب أُهْدِيَ لَهُ صَفِيف حِمَار فَهُوَ يَأْكُل مِنْهُ ! فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَان وَسَأَلَهُ عَنْ أَكْل الصَّفِيف , فَقَالَ : أَمَّا أَنْتَ فَتَأْكُل , وَأَمَّا نَحْنُ فَتَنْهَانَا ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ صِيدَ عَام أَوَّل , وَأَنَا حَلَال , فَلَيْسَ عَلَيَّ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ , وَصَيْد ذَلِكَ - يَعْنِي الْيَعَاقِيب - وَأَنَا مُحْرِم , وَذُبِحْنَ وَأَنَا حَرَام . )9927 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ الْحَسَن : (أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِلَحْمِ الصَّيْد لِلْمُحْرِمِ , وَكَرِهَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . )9928 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : (أَنَّ عَلِيًّا كَرِهَ لَحْم الصَّيْد لِلْمُحْرِمِ عَلَى كُلّ حَال . )9929 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث : أَنَّهُ شَهِدَ عُثْمَان وَعَلِيًّا أُتِيَا بِلَحْمٍ , فَأَكَلَ عُثْمَان وَلَمْ يَأْكُل عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : أَنَحْنُ صِدْنَا أَوْ صِيدَ لَنَا ؟ فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . (9930 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : )حَجَّ عُثْمَان بْن عَفَّان , فَحَجّ مَعَهُ عَلِيّ , فَأُتِيَ بِلَحْمِ صَيْد صَادَهُ حَلَال , فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِم , وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : إِنَّهُ صِيدَ قَبْل أَنْ نُحْرِم . فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : وَنَحْنُ قَدْ بَدَا لَنَا وَأَهَالِينَا لَنَا حَلَال , أَفَيَحْلِلْنَ لَنَا الْيَوْم . (9931 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل : )أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِشِقِّ عَجُز حِمَار وَهُوَ مُحْرِم , فَقَالَ : إِنِّي مُحْرِم . (9932 - حَدَّثَنَا اِبْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ يَعْلَى بْن حَكِيم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : )أَنَّهُ كَانَ يَكْرَههُ عَلَى كُلّ حَال مَا كَانَ مُحْرِمًا . (9933 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر )كَانَ يَكْرَه كُلّ شَيْء مِنْ الصَّيْد وَهُوَ حَرَام , أُخِذَ لَهُ أَوْ لَمْ يُؤْخَذ لَهُ , وَشِيقَة وَغَيْرهَا . (* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : )أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ لَا يَأْكُل الصَّيْد وَهُوَ مُحْرِم وَإِنْ صَادَهُ الْحَلَال . (9934 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن يَنَّاق : أَنَّ طَاوُسًا )كَانَ يَنْهَى الْحَرَام عَنْ أَكْلِ الصَّيْد وَشِيقَة وَغَيْرهَا صِيدَ لَهُ أَوْ لَمْ يُصَدْ لَهُ . (9935 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْأَشْعَث , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : )إِذَا صَادَ الصَّيْد ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَأْكُل مِنْ لَحْمه حَتَّى يَحِلّ . فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِم لَمْ يَرَ الْحَسَن عَلَيْهِ شَيْئًا . (9936 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام وَهَارُون عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر , )عَنْ الصَّيْد يَصِيدهُ الْحَلَال , أَيَأْكُلُ مِنْهُ الْمُحْرِم ؟ فَقَالَ : سَأَذْكُرُ لَك مِنْ ذَلِكَ , إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } فَنَهَى عَنْ قَتْله , ثُمَّ قَالَ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : يَأْتِي الرَّجُل أَهْل الْبَحْر فَيَقُول : أَطْعِمُونِي ! فَإِنْ قَالَ : | غَرِيضًا | , أَلْقَوْا شَبَكَتهمْ فَصَادُوا لَهُ , وَإِنْ قَالَ : أَطْعِمُونِي مِنْ طَعَامكُمْ ! أَطْعَمُوهُ مِنْ سَمَكهمْ الْمَالِح . ثُمَّ قَالَ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَهُوَ عَلَيْك حَرَام , صِدْته أَوْ صَادَهُ حَلَال . (وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } مَا اِسْتَحْدَثَ الْمُحْرِم صَيْده فِي حَال إِحْرَامه أَوْ ذَبْحه , أَوْ اِسْتَحْدَثَ لَهُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَال . فَأَمَّا مَا ذَبَحَهُ حَلَال وَلِلْحَلَالِ فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ لِلْمُحْرِمِ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مِلْكه قَبْل حَال إِحْرَامه فَغَيْر مُحَرَّم عَلَيْهِ إِمْسَاكه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9937 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , قَالَ : ثنا قَتَادَة , أَنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , )أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَيْد صَادَهُ حَلَال أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِم ؟ قَالَ : فَأَفْتَاهُ هُوَ بِأَكْلِهِ , ثُمَّ لَقِيَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْره , فَقَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْت لَك رَأْسك (! 9938 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : )نَزَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان الْعَرْج وَهُوَ مُحْرِم , فَأَهْدَى صَاحِب الْعَرْج لَهُ قَطًا , قَالَ : فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا فَإِنَّهُ إِنَّمَا اُصْطِيدَ عَلَى اِسْمِي ! قَالَ : فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُل . (9939 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة )كَانَ بِالرَّبْذَةِ , فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْم صَيْد صَادَهُ حَلَال . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن بَزِيع عَنْ بِشْر . (* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ عُمَر , نَحْوه . 9940 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : )سَأَلْت اِبْن عُمَر عَنْ لَحْم صَيْد يُهْدِيه الْحَلَال إِلَى الْحَرَام , فَقَالَ : أَكَلَهُ عُمَر , وَكَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا . قَالَ : قُلْت : تَأْكُلهُ ؟ قَالَ : عُمَر خَيْر مِنِّي . (* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق . عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عُمَر )عَنْ صَيْد صَادَهُ حَلَال يَأْكُل مِنْهُ حَرَام ؟ قَالَ : كَانَ عُمَر يَأْكُلهُ . قَالَ : قُلْت : فَأَنْتَ ؟ قَالَ : كَانَ عُمَر خَيْرًا مِنِّي . (9941 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ هِشَام , عَنْ يَحْيَى , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : )اِسْتَفْتَانِي رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام فِي لَحْم صَيْد أَصَابَهُ وَهُوَ مُحْرِم , فَأَمَرْته أَنْ يَأْكُلهُ . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقُلْت لَهُ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الشَّام اِسْتَفْتَانِي فِي لَحْم صَيْد أَصَابَهُ وَهُوَ مُحْرِم . قَالَ : فَمَا أَفْتَيْته ؟ قَالَ : قُلْت : أَفْتَيْته أَنْ يَأْكُلهُ . قَالَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفْتَيْته بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ ! وَقَالَ عُمَر : إِنَّمَا نُهِيت أَنْ تَصْطَادهُ . (9942 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا خَارِجَة عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء , عَنْ كَعْب , قَالَ : )أَقْبَلْت فِي أُنَاس مُحْرِمِينَ , فَأَصَبْنَا لَحْم حِمَار وَحْش , فَسَأَلَنِي النَّاس عَنْ أَكْله , فَأَفْتَيْتهمْ بِأَكْلِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ . فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَر , فَأَخْبَرُوهُ أَنِّي أَفْتَيْتهمْ بِأَكْلِ حِمَار الْوَحْش وَهُمْ مُحْرِمُونَ , فَقَالَ عُمَر : قَدْ أَمَّرْته عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا . (9943 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : )مَرَرْت بِالرَّبْذَةِ , فَسَأَلَنِي أَهْلهَا عَنْ الْمُحْرِم يَأْكُل مَا صَادَهُ الْحَلَال , فَأَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ . فَلَقِيت عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , قَالَ : فَبِمَ أَفْتَيْتهمْ ؟ قَالَ : أَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا . قَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَخَالَفْتُك . (9944 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ يُونُس , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء الْكِنْدِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : )كَيْفَ تَرَى فِي قَوْم حَرَام لَقُوا قَوْمًا حَلَالًا وَمَعَهُمْ لَحْم صَيْد , فَإِمَّا بَاعُوهُمْ وَإِمَّا أَطْعَمُوهُمْ ؟ فَقَالَ : حَلَال . (9945 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا هِشَام , يَعْنِي اِبْن عُرْوَة , قَالَ : ثنا عُرْوَة , عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَهُ : )أَنَّهُ اِعْتَمَرَ مَعَ عُثْمَان بْن عَفَّان فِي رَكْب فِيهِمْ عَمْرو بْن الْعَاص حَتَّى نَزَلُوا بِالرَّوْحَاءِ , فَقُرِّبَ إِلَيْهِمْ طَيْر وَهُمْ مُحْرِمُونَ , فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَان : كُلُوا فَإِنِّي غَيْر آكِله ! فَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاص : أَتَأْمُرُنَا بِمَا لَسْت آكِلًا ؟ فَقَالَ عُثْمَان : إِنِّي لَوْلَا أَظُنّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِي لَأَكَلْت . فَأَكَلَ الْقَوْم . (9946 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : )أَنَّ الزُّبَيْر كَانَ يَتَزَوَّد لُحُوم الْوَحْش وَهُوَ مُحْرِم . (9947 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ وَأَنْتَ حَلَال فَهُوَ لَك حَلَال , وَمَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ وَأَنْتَ حَرَام فَهُوَ عَلَيْك حَرَام . (* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : )مَا صِيدَ مِنْ شَيْء وَأَنْتَ حَرَام فَهُوَ عَلَيْك حَرَام , وَمَا صِيدَ مِنْ شَيْء وَأَنْتَ حَلَال فَهُوَ لَك حَلَال . (9948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ) { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَجَعَلَ الصَّيْد حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِم صَيْده وَأَكْله مَا دَامَ حَرَامًا , وَإِنْ كَانَ الصَّيْد صِيدَ قَبْل أَنْ يُحْرِم الرَّجُل فَهُوَ حَلَال , وَإِنْ صَادَهُ حَرَام لِحَلَالٍ فَلَا يَحِلّ لَهُ أَكْله . (9949 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : سَأَلْت أَبَا بِشْر عَنْ الْمُحْرِم يَأْكُل مِمَّا صَادَهُ الْحَلَال , قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد يَقُولَانِ : مَا صِيدَ قَبْل أَنْ يُحْرِم أَكَلَ مِنْهُ , وَمَا صِيدَ بَعْد مَا أَحْرَمَ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ . )9950 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَانَ عَطَاء يَقُول (إِذَا سُئِلَ فِي الْعَلَانِيَة أَيَأْكُلُ الْحَرَام الْوَشِيقَة وَالشَّيْء الْيَابِس ؟ يَقُول بَيْنِي وَبَيْنه : لَا أَسْتَطِيع أَنْ أُبَيِّن لَك فِي مَجْلِس , إِنْ ذُبِحَ قَبْل أَنْ يُحْرِم فَكُلْ , وَإِلَّا فَلَا تَبِعْ لَحْمه وَلَا تَبْتَعْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ اِصْطِيَاده . قَالُوا : فَأَمَّا شِرَاؤُهُ مِنْ مَالِك يَمْلِكهُ وَذَبْحه وَأَكْله بَعْد أَنْ يَكُون مِلْكه إِيَّاهُ عَلَى غَيْر وَجْه الِاصْطِيَاد لَهُ وَبَيْعه وَشِرَاؤُهُ جَائِز . قَالُوا : وَالنَّهْي مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ صَيْده فِي حَال الْإِحْرَام دُون سَائِر الْمَعَانِي )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9951 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : (أَخْبَرَنِي يَحْيَى , أَنَّ أَبَا سَلَمَة اِشْتَرَى قَطًا وَهُوَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِم وَمَعَهُ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , فَأَكَلَهُ . فَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّاس . )وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ تَحْرِيم كُلّ مَعَانِي صَيْد الْبَرّ عَلَى الْمُحْرِم فِي حَال إِحْرَامه مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُون شَيْء , فَكُلّ مَعَانِي الصَّيْد حَرَام عَلَى الْمُحْرِم مَا دَامَ حَرَامًا بَيْعه وَشِرَاؤُهُ وَاصْطِيَاده وَقَتْله وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَعَانِيه , إِلَّا أَنْ يَجِدهُ مَذْبُوحًا قَدْ ذَبَحَهُ حَلَال لِحَلَالٍ , فَيَحِلّ لَهُ حِينَئِذٍ أَكْله , لِلثَّابِتِ مِنْ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 9952 - حَدَّثَنَاهُ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج . وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ مُعَاذ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , عَنْ أَبِيهِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , قَالَ : (كُنَّا مَعَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه وَنَحْنُ حُرُم , فَأُهْدِيَ لَنَا طَائِر , فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُل . فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ طَلْحَة وَفَّقَ مَنْ أَكَلَ , وَقَالَ : أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا رُوِيَ عَنْ الصَّعْب بْن جَثَّامَة : أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْل حِمَار وَحْش يَقْطُر دَمًا , فَرَدَّهُ فَقَالَ : | إِنَّا حُرُم | . وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة : | أَنَّ وَشِيقَة ظَبْي أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِم , فَرَدَّهَا | , وَمَا أَ

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : صَيَّرَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِوَامًا لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَا قِوَام لَهُمْ , مِنْ رَئِيس يَحْجِز قَوِيّهمْ عَنْ ضَعِيفهمْ وَمُسِيئهُمْ عَنْ مُحْسِنهمْ وَظَالِمهمْ عَنْ مَظْلُومهمْ { وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } فَحَجَزَ بِكُلِّ وَاحِد مِنْ ذَلِكَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِيَام غَيْره , وَجَعَلَهَا مَعَالِم لِدِينِهِمْ وَمَصَالِح أُمُورهمْ . وَالْكَعْبَة سُمِّيَتْ فِيمَا قِيلَ كَعْبَة لِتَرْبِيعِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَعْبَة لِأَنَّهَا مُرَبَّعَة . )9960 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِي سَعِيد الْمُؤَدِّب , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : (إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَعْبَة لِتَرْبِيعِهَا . )وَقِيلَ { قِيَامًا لِلنَّاسِ } بِالْيَاءِ , وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو , لِكَسْرَةِ الْقَاف وَهِيَ فَاء الْفِعْل , فَجُعِلَتْ الْعَيْن مِنْهُ بِالْكَسْرَةِ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي مَصْدَر : | قُمْت | قِيَامًا , وَ | صُمْت | صِيَامًا , فَحُوِّلَتْ الْعَيْن مِنْ الْفِعْل وَهِيَ وَاو يَاء لِكَسْرَةِ فَائِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْل : قُمْت قِوَامًا , وَصُمْت صِوَامًا . وَكَذَلِكَ قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } فَحُوِّلَتْ وَاوهَا يَاء , إِذْ هِيَ | قِوَام | . وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ مَقُولًا عَلَى أَصْله الَّذِي هُوَ أَصْله , قَالَ الرَّاجِز : <br>قِوَام دُنْيَا وَقِوَام دِين <br>فَجَاءَ بِهِ بِالْوَاوِ عَلَى أَصْله . وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره الْكَعْبَة وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد قِوَامًا لِمَنْ كَانَ يَحْتَرِم ذَلِكَ مِنْ الْعَرَب وَيُعَظِّمهُ , بِمَنْزِلَةِ الرَّئِيس الَّذِي يَقُوم بِهِ أَمْر أَتْبَاعه . وَأَمَّا الْكَعْبَة فَالْحَرَم كُلّه , وَسَمَّاهَا اللَّه تَعَالَى حَرَامًا لِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا أَنْ يُصَاد صَيْدهَا أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا أَوْ يُعْضَد شَجَرهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل .|وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ|وَقَوْله : { وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ الشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد أَيْضًا قِيَامًا لِلنَّاسِ , كَمَا جَعَلَ الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام لَهُمْ قِيَامًا . وَالنَّاس الَّذِينَ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ قِيَامًا مُخْتَلَف فِيهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : جَعَلَ اللَّه ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة قِيَامًا لِلنَّاسِ كُلّهمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ عَنَى بِهِ الْعَرَب خَاصَّة . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْقِوَام قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } الْقِوَام عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا : 9961 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ خُصَيْفًا يُحَدِّث عَنْ مُجَاهِد فِي : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : قِوَامًا لِلنَّاسِ . )9962 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : صَلَاحًا لِدِينِهِمْ . )9963 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : حِين لَا يَرْجُونَ جَنَّة وَلَا يَخَافُونَ نَارًا , فَشَدَّدَ اللَّه ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ . )* - حَدَّثَنِي هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : شِدَّة لِدِينِهِمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 9964 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : قِيَامهَا أَنْ يَأْمَن مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا . )9965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } يَعْنِي قِيَامًا لِدِينِهِمْ , وَمَعَالِم لِحَجِّهِمْ . )9966 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْأَرْبَعَة قِيَامًا لِلنَّاسِ , هُوَ قِوَام أَمْرهمْ . )وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ مِنْ قَائِلهَا أَلْفَاظهَا , فَإِنَّ مَعَانِيهَا آيِلَة إِلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقِوَام لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي بِهِ صَلَاحه , كَالْمَلِكِ الْأَعْظَم قِوَام رَعِيَّته وَمَنْ فِي سُلْطَانه ; لِأَنَّهُ مُدَبِّر أَمْرهمْ وَحَاجِز ظَالِمهمْ عَنْ مَظْلُومهمْ وَالدَّافِع عَنْهُمْ مَكْرُوه مَنْ بَغَاهُمْ وَعَادَاهُمْ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْكَعْبَة وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد قِوَام أَمْر الْعَرَب الَّذِي كَانَ بِهِ صَلَاحهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَهِيَ فِي الْإِسْلَام لِأَهْلِهِ مَعَالِم حَجّهمْ وَمَنَاسِكهمْ وَمُتَوَجِّههمْ لِصَلَاتِهِمْ وَقِبْلَتهمْ الَّتِي بِاسْتِقْبَالِهَا يَتِمّ فَرْضهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9967 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } حَوَاجِز أَبْقَاهَا اللَّه بَيْن النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة ; فَكَانَ الرَّجُل لَوْ جَرّ كُلّ جَرِيرَة ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَمْ يُتَنَاوَل وَلَمْ يُقْرَب . وَكَانَ الرَّجُل لَوْ لَقِيَ قَاتِل أَبِيهِ فِي الشَّهْر الْحَرَام لَمْ يَعْرِض لَهُ وَلَمْ يَقْرَبهُ . وَكَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ الْبَيْت تَقَلَّدَ قِلَادَة مِنْ شَعْر فَأَحْمَتْهُ وَمَنَعَتْهُ مِنْ النَّاس , وَكَانَ إِذَا نَفَرَ تَقَلَّدَ قِلَادَة مِنْ الْإِذْخِر أَوْ مِنْ لِحَاء السَّمُر , فَمَنَعَتْهُ مِنْ النَّاس حَتَّى يَأْتِي أَهْله ; حَوَاجِز أَبْقَاهَا اللَّه بَيْن النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة . )9968 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } قَالَ . كَانَ النَّاس كُلّهمْ فِيهِمْ مُلُوك تَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَب مُلُوك تَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا يَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض بِهِ , وَالشَّهْر الْحَرَام كَذَلِكَ يَدْفَع اللَّه بَعْضهمْ عَنْ بَعْض بِالْأَشْهُرِ الْحُرُم وَالْقَلَائِد . قَالَ : وَيَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَخِيهِ أَوْ اِبْن عَمّه فَلَا يَعْرِض لَهُ . وَهَذَا كُلّه قَدْ نُسِخَ . )9969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { وَالْقَلَائِد } كَانَ نَاس يَتَقَلَّدُونَ لِحَاء الشَّجَر فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَرَادُوا الْحَجّ , فَيَعْرِفُونَ بِذَلِكَ . )وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ ذِكْر الشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد فِيمَا مَضَى . بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَأَنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } تَصْيِيره الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : صَيَّرْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس ذَلِكَ قِيَامًا كَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ لَكُمْ لِمَصَالِح دُنْيَاكُمْ مَا أَحْدَثَ مِمَّا بِهِ قِوَامكُمْ , عِلْمًا مِنْهُ بِمَنَافِعِكُمْ وَمَضَارّكُمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَعْلَم جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِمَّا فِيهِ صَلَاح عَاجِلكُمْ وَآجِلكُمْ , وَلِتَعْلَمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ وَأَعْمَالكُمْ , وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِي الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء مِنْكُمْ بِإِسَاءَتِهِ .

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اِعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ رَبّكُمْ الَّذِي يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض , وَلَا يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ سَرَائِر أَعْمَالكُمْ وَعَلَانِيَتهَا , وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ لَمُجَازِيكُمْ بِهَا , شَدِيد عِقَابه مَنْ عَصَاهُ وَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ ,|وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ|وَهُوَ غَفُور الذُّنُوب مَنْ أَطَاعَهُ وَأَنَابَ إِلَيْهِ فَسَاتِر عَلَيْهِ وَتَارِك فَضِيحَته بِهَا , رَحِيم بِهِ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبه بَعْد إِنَابَته وَتَوْبَته مِنْهَا .

مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ } </subtitle>وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَهْدِيد لِعِبَادِهِ وَوَعِيد , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَى رَسُولنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس بِإِنْذَارِكُمْ عِقَابنَا بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد وَإِعْذَارنَا إِلَيْكُمْ بِمَا فِيهِ قَطْع حُجَجكُمْ , إِلَّا أَنْ يُؤَدِّي إِلَيْكُمْ رِسَالَتنَا , ثُمَّ إِلَيْنَا الثَّوَاب عَلَى الطَّاعَة , وَعَلَيْنَا الْعِقَاب عَلَى الْمَعْصِيَة .|وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ|يَقُول : وَغَيْر خَفِيّ عَلَيْنَا الْمُطِيع مِنْكُمْ الْقَابِل رِسَالَتنَا الْعَامِل بِمَا أَمَرْته بِالْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَاصِي التَّارِك الْعَمَل بِمَا أَمَرْته بِالْعَمَلِ بِهِ ; لِأَنَّا نَعْلَم مَا عَمِلَهُ الْعَامِل مِنْكُمْ فَأَظْهَرَهُ بِجَوَارِحِهِ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانه . { وَمَا تَكْتُمُونَ } يَعْنِي : مَا تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ إِيمَان وَكُفْر أَوْ يَقِين وَشَكّ وَنِفَاق . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ضَمَائِر الصُّدُور وَظَوَاهِر أَعْمَال النُّفُوس , مِمَّا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض . وَبِيَدِهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , فَحَقِيق أَنْ يُتَّقَى وَأَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى .

قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ يَا مُحَمَّد لَا يَعْتَدِل الرَّدِيء وَالْجَيِّد , وَالصَّالِح وَالطَّالِح , وَالْمُطِيع وَالْعَاصِي . { وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } يَقُول : لَا يَعْتَدِل الْعَاصِي وَالْمُطِيع لِلَّهِ عِنْد اللَّه وَلَوْ كَثُرَ أَهْل الْمَعَاصِي فَعَجِبْت مِنْ كَثْرَتهمْ ; لِأَنَّ أَهْل طَاعَة اللَّه هُمْ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَإِنْ قَلُّوا دُون أَهْل مَعْصِيَته , وَإِنَّ أَهْل مَعَاصِيه هُمْ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَة مَنْ يَعْصِي اللَّه فَيُمْهِلهُ وَلَا يُعَاجِلهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَة لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه عِنْده دُونهمْ . كَمَا : 9970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } قَالَ : الْخَبِيث : هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَالطَّيِّب : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ . )وَهَذَا الْكَلَام وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مَخْرَج الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَالْمُرَاد بِهِ بَعْض أَتْبَاعه , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه يَا أُولِي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } |فَاتَّقُوا اللَّهَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , وَاحْذَرُوا أَنْ يَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ الشَّيْطَان بِإِعْجَابِكُمْ كَثْرَة الْخَبِيث , فَتَصِيرُوا مِنْهُمْ .|يَا أُولِي|يَعْنِي بِذَلِكَ : أَهْل الْعُقُول وَالْحِجَا , الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْ اللَّه آيَاته , وَعَرَفُوا مَوَاقِع حُجَجِهِ .|الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ|يَقُول : اِتَّقُوا اللَّه لِتُفْلِحُوا : أَيْ كَيْ تَنْجَحُوا فِي طُلْبَتكُمْ مَا عِنْده .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } </subtitle>ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ مَسَائِل كَانَ يَسْأَلهَا إِيَّاهُ أَقْوَام , اِمْتِحَانًا لَهُ أَحْيَانًا , وَاسْتِهْزَاء أَحْيَانًا , فَيَقُول لَهُ بَعْضهمْ : مَنْ أَبِي ؟ وَيَقُول لَهُ بَعْضهمْ إِذَا ضَلَّتْ نَاقَته : أَيْنَ نَاقَتِي ؟ فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء مِنْ ذَلِكَ , كَمَسْأَلَةِ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ , { إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } يَقُول : إِنْ أَبَدَيْنَا لَكُمْ حَقِيقَة مَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ سَاءَكُمْ إِبْدَاؤُهَا وَإِظْهَارهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 9971 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا بَعْض بَنِي نُفَيْل , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْجُوَيْرِيَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس لِأَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْم : (هَلْ تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة , فَقَالَ : كَانَ قَوْم يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِهْزَاء , فَيَقُول الرَّجُل : مَنْ أَبِي ؟ وَالرَّجُل تَضِلّ نَاقَته فَيَقُول : أَيْنَ نَاقَتِي ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . )9972 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر وَأَبُو دَاوُد , قَالَا : ثنا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : (سَأَلَ النَّاس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ , فَصَعِدَ الْمِنْبَر ذَات يَوْم , فَقَالَ : | لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ | . قَالَ أَنَس : فَجَعَلْت أَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالًا , فَأَرَى كُلّ إِنْسَان لَافًّا ثَوْبه يَبْكِي ; فَأَنْشَأَ رَجُل كَانَ ذَا لَاحَى يُدْعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَنْ أَبِي ؟ فَقَالَ : | أَبُوك حُذَافَة | . قَالَ : فَأَنْشَأَ عُمَر فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا , وَأَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ سُوء الْفِتَن ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَمْ أَرَ فِي الشَّرّ وَالْخَيْر كَالْيَوْمِ قَطُّ , إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّة وَالنَّار حَتَّى رَأَيْتهمَا وَرَاء الْحَائِط . )وَكَانَ قَتَادَة يَذْكُر هَذَا الْحَدِيث عِنْد هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } 9973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَعْمَر الْبَحْرَانِيّ , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُوسَى بْن أَنَس , قَالَ : سَمِعْت أَنَسًا يَقُول : قَالَ رَجُل : (يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك فُلَان | . قَالَ : فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } )* - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُمْ : (أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ , فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ذَات يَوْم فَصَعِدَ الْمِنْبَر , فَقَالَ : | لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ | ! فَأَشْفَقَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُون بَيْن يَدَيْهِ أَمْر قَدْ حَضَرَ , فَجَعَلْت لَا أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا وَجَدْت كُلًّا لَافًّا رَأْسه فِي ثَوْبه يَبْكِي . فَأَنْشَأَ رَجُل كَانَ يُلَاحِي فَيُدْعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك حُذَافَة | . قَالَ : ثُمَّ قَامَ عُمَر - أَوْ قَالَ : فَأَنْشَأَ عُمَر - فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا عَائِذًا بِاَللَّهِ - أَوْ قَالَ : أَعُوذ بِاَللَّهِ - مِنْ سُوء الْفِتَن . قَالَ : وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَمْ أَرَ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ كَالْيَوْمِ قَطُّ , صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّة وَالنَّار حَتَّى رَأَيْتهمَا دُون الْحَائِط . )9974 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , قَالَ : سَأَلْت عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : ذَاكَ يَوْم قَامَ فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ | قَالَ : فَقَامَ رَجُل , فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مَقَامه يَوْمَئِذٍ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك حُذَافَة | قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . )9975 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَزَلَتْ : ( { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } فِي رَجُل قَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك فُلَان . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ , فَقَامَ مُغْضَبًا خَطِيبًا , فَقَالَ : | سَلُونِي فَوَاَللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء مَا دُمْت فِي مَقَامِي إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ ! | فَقَامَ رَجُل فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك حُذَافَة | وَاشْتَدَّ غَضَبه وَقَالَ : | سَلُونِي ! | فَلَمَّا رَأَى النَّاس ذَلِكَ كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ , فَجَثَا عُمَر عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , قَالَ مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : قَالَ أَنَس مِثْل ذَلِكَ : فَجَثَا عُمَر عَلَى رُكْبَتَيْهِ , فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَقَدْ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّة وَالنَّار آنِفًا فِي عُرْض هَذَا الْحَائِط , فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ | . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَقَالَتْ أُمّ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة : مَا رَأَيْت وَلَدًا أَعَقّ مِنْك قَطُّ , أَتَأْمَنُ أَنْ تَكُون أُمّك قَارَفَتْ مَا قَارَفَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة , فَتَفْضَحهَا عَلَى رُءُوس النَّاس ! فَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَد لَلَحِقْته . )9976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : غَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام فَقَامَ خَطِيبًا , فَقَالَ : | سَلُونِي فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ ! | فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ قُرَيْش مِنْ بَنِي سَهْم يُقَال لَهُ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة , وَكَانَ يُطْعَن فِيهِ , قَالَ : فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك فُلَان | فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر , فَقَبَّلَ رِجْله وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِك نَبِيًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا , فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّه عَنْك ! فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ , فَيَوْمئِذٍ قَالَ : | الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر . )9977 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَضْبَان مُحْمَارٌّ وَجْهُهُ , حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر , فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل , فَقَالَ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : | فِي النَّار | فَقَامَ آخَر فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك حُذَافَة | . فَقَامَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا , وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا , إِنَّا يَا رَسُول اللَّه حَدِيثُو عَهْد بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْك , وَاَللَّه يَعْلَم مَنْ آبَاؤُنَا . قَالَ : فَسَكَنَ غَضَبُهُ , وَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } )وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَة سَائِل سَأَلَهُ عَنْ شَيْء فِي أَمْر الْحَجّ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9978 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن وَرْدَان الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجُّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَفِي كُلّ عَام ؟ فَسَكَتَ , ثُمَّ قَالُوا : أَفِي كُلّ عَام ؟ فَسَكَتَ , ثُمَّ قَالَ : | لَا , وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ | فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } )9979 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الْهَجَرِيّ , عَنْ اِبْن عِيَاض , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : (قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ | فَقَالَ رَجُل : أَفِي كُلّ عَام يَا رَسُول اللَّه ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , حَتَّى عَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . فَقَالَ : | مَنْ السَّائِل ؟ | فَقَالَ فُلَان , فَقَالَ : | وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ مَا أَطَقْتُمُوهُ , وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ | . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حَتَّى خَتَمَ الْآيَة . )9980 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ سَمِعْت أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : (خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : | يَا أَيّهَا النَّاس , كَتَبَ اللَّه عَلَيْكُمْ الْحَجّ | . فَقَامَ مُحْصِن الْأَسَدِيّ , فَقَالَ : أَفِي كُلّ عَام يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : | أَمَّا إِنِّي لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ . اُسْكُتُوا عَنِّي مَا سَكَتّ عَنْكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ | فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إِلَى آخِر الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : (خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَامَ : فَقَامَ عُكَّاشَة بْن مُحْصِن الْأَسَدِيّ . )9981 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبَان الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو زَيْد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْعُمْر , قَالَ : ثنا أَبُو مُطِيع مُعَاوِيَة بْن يَحْيَى , عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثني سُلَيْم بْن عَامِر , قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ يَقُول : (قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس فَقَالَ : | كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ ! | فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب , فَقَالَ : أَفِي كُلّ عَام ؟ قَالَ : فَعَلَا كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْكَتَ وَأَغْضَبَ وَاسْتَغْضَبَ . فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ السَّائِل ؟ | فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَنَا ذَا , فَقَالَ : | وَيْحك مَاذَا يُؤْمِنك أَنْ أَقُول نَعَمْ , وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ ؟ أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلكُمْ أَئِمَّة الْحَرَج , وَاَللَّه لَوْ أَنِّي أَحْلَلْت لَكُمْ جَمِيع مَا فِي الْأَرْض وَحَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِع خُفّ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ ! | قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عِنْد ذَلِكَ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } إِلَى آخِر الْآيَة . )9982 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : (ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه أَذَّنَ فِي النَّاس , فَقَالَ : | يَا قَوْم , كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ ! | فَقَامَ رَجُل مِنْ بَنِي أَسَد فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَفِي كُلّ عَام ؟ فَأُغْضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا , فَقَالَ | وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَنْ لَكَفَرْتُمْ ! فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَانْتَهُوا عَنْهُ | . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْل الَّذِي سَأَلَتْ النَّصَارَى مِنْ الْمَائِدَة , فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ; فَنَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ نَزَلَ الْقُرْآن فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ اِنْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآن فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْء إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانه . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِين يُنَزَّل الْقُرْآن تُبْدَ لَكُمْ } قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَة الْحَجّ , نَادَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس , فَقَالَ | يَا أَيّهَا النَّاس , إِنَّ اللَّه قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا | فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَعَامًا وَاحِدًا أَمْ كُلّ عَام ؟ فَقَالَ | لَا بَلْ عَامًا وَاحِدًا , وَلَوْ قُلْت كُلّ عَام لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ | ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاء فَوَعَظَهُمْ , فَانْتَهَوْا . )9983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجّ , فَقِيلَ : أَوَاجِب هُوَ يَا رَسُول اللَّه كُلّ عَام ؟ قَالَ : | لَا , لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ مَا أَطَقْتُمْ , وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُمْ | ثُمَّ قَالَ : | سَلُونِي فَلَا يَسْأَلنِي رَجُل فِي مَجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْء إِلَّا أَخْبَرْته , وَإِنْ سَأَلَنِي عَنْ أَبِيهِ | فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل , فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : | أَبُوك حُذَافَة بْن قَيْس | فَقَامَ عُمَر , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا , وَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبه وَغَضَب رَسُوله . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَامِي ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9984 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } قَالَ : هِيَ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام . أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول بَعْد ذَلِكَ : مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ كَذَا وَلَا كَذَا ؟ قَالَ : وَأَمَّا عِكْرِمَة فَإِنَّهُ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْآيَات فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ثُمَّ قَاَلَ : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } قَالَ : فَقُلْت : قَدْ حَدَّثَنِي مُجَاهِد بِخِلَافِ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَمَا لَك تَقُول هَذَا ؟ فَقَالَ هَيْهَ . )9985 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : (هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَبِي ؟ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل إِكْثَار السَّائِلِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل , كَمَسْأَلَةِ اِبْن حُذَافَة إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ , وَمَسْأَلَة سَائِله إِذْ قَالَ : | إِنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ | : أَفِي كُلّ عَام ؟ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِل , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار بِذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّة أَهْل التَّأْوِيل , وَأَمَّا الْقَوْل الَّذِي رَوَاهُ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَوْل غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب , وَلَكِنَّ الْأَخْبَار الْمُتَظَاهِرَة عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ , وَكَرِهْنَا الْقَوْل بِهِ مِنْ أَجْل ذَلِكَ . عَلَى أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ تَكُون الْمَسْأَلَة عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام كَانَتْ فِيمَا سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ الْمَسَائِل الَّتِي كَرِهَ اللَّه لَهُمْ السُّؤَال عَنْهَا , كَمَا كَرِهَ اللَّه لَهُمْ الْمَسْأَلَة عَنْ الْحَجّ , أَكُلّ عَام هُوَ أَمْ عَامًا وَاحِدًا ؟ وَكَمَا كَرِهَ لِعَبْدِ اللَّه بْن حُذَافَة مَسْأَلته عَنْ أَبِيهِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَسَائِل كُلّهَا , فَأَخْبَرَ كُلّ مُخْبِر مِنْهُمْ بِبَعْضِ مَا نَزَلَتْ الْآيَة مِنْ أَجْله وَأَجْل غَيْره . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ مَخَارِج الْأَخْبَار بِجَمِيعِ الْمَعَانِي الَّتِي ذُكِرَتْ صِحَاح , فَتَوْجِيههَا إِلَى الصَّوَاب مِنْ وُجُوههَا أَوْلَى .|تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِين يُنَزَّل الْقُرْآن تُبْدَ لَكُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ نَهَاهُمْ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ مَسْأَلَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ عَنْهُ , مِنْ فَرَائِض لَمْ يَفْرِضهَا اللَّه عَلَيْهِمْ , وَتَحْلِيل أُمُور لَمْ يُحْلِلْهَا لَهُمْ , وَتَحْرِيم أَشْيَاء لَمْ يُحَرِّمهَا عَلَيْهِمْ قَبْل نُزُول الْقُرْآن بِذَلِكَ : أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ السَّائِلُونَ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ رَسُولِي مِمَّا لَمْ أُنْزِلَ بِهِ كِتَابًا وَلَا وَحْيًا , لَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , فَإِنَّكُمْ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَكُمْ تِبْيَان بِوَحْيٍ وَتَنْزِيل سَاءَكُمْ ; لِأَنَّ التَّنْزِيل بِذَلِكَ إِذَا جَاءَكُمْ إِنَّمَا يَجِيئكُمْ بِمَا فِيهِ اِمْتِحَانكُمْ وَاخْتِبَاركُمْ , إِمَّا بِإِيجَابِ عَمَل عَلَيْكُمْ , وَلُزُوم فَرْض لَكُمْ , وَفِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ مَشَقَّة وَلُزُوم مُؤْنَة وَكُلْفَة ; وَإِمَّا بِتَحْرِيمِ مَا لَوْ لَمْ يَأْتِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ وَحْي كُنْتُمْ مِنْ التَّقَدُّم عَلَيْهِ فِي فُسْحَة وَسَعَة ; وَإِمَّا بِتَحْلِيلِ مَا تَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه , وَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مَسَاءَة لِنَقْلِكُمْ عَمَّا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَقًّا إِلَى مَا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ بَاطِلًا , وَلَكِنَّكُمْ إِنْ سَأَلْتُمْ عَنْهَا بَعْد نُزُول الْقُرْآن بِهَا وَبَعْد اِبْتِدَائِكُمْ شَأْن أَمْرهَا فِي كِتَابِي إِلَى رَسُولِي إِلَيْكُمْ , بَيَّنَ لَكُمْ مَا أَنْزَلْته إِلَيْهِ مِنْ إِتْيَان كِتَابِي وَتَأْوِيل تَنْزِيلِي وَوَحْيِي وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 9986 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مَكْحُول , عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ , قَالَ : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِض فَلَا تُضَيِّعُوهَا , وَنَهَى عَنْ أَشْيَاء فَلَا تَنْتَهِكُوهَا , وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا , وَعَفَا عَنْ أَشْيَاء مِنْ غَيْر نِسْيَان فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا . )9987 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : (إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَلَّ وَحَرَّمَ , فَمَا أَحَلَّ فَاسْتَحِلُّوهُ وَمَا حَرَّمَ فَاجْتَنِبُوهُ , وَتَرَكَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاء لَمْ يُحِلّهَا وَلَمْ يُحَرِّمهَا فَذَلِكَ عَفْو مِنْ اللَّه عَفَاهُ ثُمَّ يَتْلُو : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ اللَّه حَرَّمَ وَأَحَلَّ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَذَلِكَ مَا : 9988 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } إِنْ نَزَلَ الْقُرْآن فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ اِنْتَظِرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآن , فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْء إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانه .)|لَكُمْ عَفَا اللَّهُ|وَأَمَّا قَوْله : { عَفَا اللَّه عَنْهَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : عَفَا اللَّه لَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتكُمْ عَنْ الْأَشْيَاء الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَرِهَ اللَّه لَكُمْ مَسْأَلَتكُمْ إِيَّاهُ عَنْهَا , أَنْ يُؤَاخِذكُمْ بِهَا , أَوْ يُعَاقِبكُمْ عَلَيْهَا , إِنْ عَرَفَ مِنْهَا تَوْبَتكُمْ وَإِنَابَتكُمْ .|عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ|يَقُول : وَاَللَّه سَاتِر ذُنُوب مَنْ تَابَ مِنْهَا , فَتَارِك أَنْ يَفْضَحهُ فِي الْآخِرَة { حَلِيم } أَنْ يُعَاقِبهُ بِهَا لِتَغَمُّدِهِ التَّائِب مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوه , عَنْ عُقُوبَته عَلَيْهَا .

قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ

تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ سَأَلَ الْآيَات قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ : فَلَمَّا آتَاهُمُوهَا اللَّه , أَصْبَحُوا بِهَا جَاحِدِينَ مُنْكِرِينَ أَنْ تَكُون دَلَالَة عَلَى حَقِيقَة مَا اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ , وَبُرْهَانًا عَلَى صِحَّة مَا جَعَلْت بُرْهَانًا عَلَى تَصْحِيحه , كَقَوْمِ صَالِح الَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَة ; فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ النَّاقَة آيَة عَقَرُوهَا , وَكَاَلَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى مَائِدَة تَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء : فَلَمَّا أُعْطَوْهَا كَفَرُوا بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَحَذَّرَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيل مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الَّتِي هَلَكَتْ بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّه لَمَّا جَاءَتْهُمْ عِنْد مَسْأَلتهُمُوهَا , فَقَالَ لَهُمْ : لَا تَسْأَلُوا الْآيَات , وَلَا تَبْحَثُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ , فَقَدْ سَأَلَ الْآيَات مِنْ قَبْلكُمْ قَوْم ; فَلَمَّا أُوتُوهَا أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ . كَاَلَّذِي : 9989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْل الَّذِي سَأَلَتْ النَّصَارَى مِنْ الْمَائِدَة , فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . )9990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ } قَدْ سَأَلَ الْآيَات قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ , وَذَلِكَ حِين قِيلَ لَهُ : غَيْر لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا .)

مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا بَحَّرَ اللَّه بَحِيرَة , وَلَا سَيَّبَ سَائِبَة , وَلَا وَصَلَ وَصِيلَة , وَلَا حَمَى حَامِيًا , وَلَكِنَّكُمْ الَّذِينَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَيّهَا الْكَفَرَة , فَحَرَّمْتُمُوهُ اِفْتِرَاء عَلَى رَبّكُمْ . كَاَلَّذِي : 9991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثني أَبِي وَشُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ اللَّيْث , عَنْ اِبْن الْهَادِ : وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني اِبْن الْهَادِ , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَة . )9992 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِأَكْثَم بْن الْجَوْن : ( يَا أَكْثَم , رَأَيْت عَمْرو بْن لُحَيّ بْن قَمَعَة بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك ! | فَقَالَ أَكْثَم : أَخْشَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهه يَا رَسُول اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | لَا , إِنَّك مُؤْمِن وَهُوَ كَافِر , إِنَّهُ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِسْمَاعِيل ; وَبَحَّرَ الْبَحِيرَة , وَسَيَّبَ السَّائِبَة , وَحَمَى الْحَامِي . )9993 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس , قَالَ : ثني هِشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَدْ عَرَفْت أَوَّل مَنْ بَحَّرَ الْبَحَائِر ; رَجُل مِنْ مُدْلِج , كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ , فَجَدَعَ آذَانهمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانهمَا وَظُهُورهمَا وَقَالَ : هَاتَانِ لِلَّهِ , ثُمَّ اِحْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشَرِبَ أَلْبَانهمَا وَرَكِبَ ظُهُورهمَا | قَالَ : | فَلَقَدْ رَأَيْته فِي النَّار يُؤْذِي أَهْل النَّار رِيح قُصْبه . )9994 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّار فَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بْن فُلَان بْن فُلَان بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَهُوَ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِبْرَاهِيم وَسَيَّبَ السَّائِبَة , وَأَشْبَهَ مَنْ رَأَيْت بِهِ أَكْثَم بْن الْجَوْن | . فَقَالَ أَكْثَم : يَا رَسُول اللَّه , أَيَضُرُّنِي شَبَهه ؟ قَالَ : | لَا ; لِأَنَّك مُسْلِم , وَإِنَّهُ كَافِر . )9995 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : (رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب . )9996 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْرِف أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب وَأَوَّل مَنْ غَيَّرَ عَهْد إِبْرَاهِيم | قَالُوا : مَنْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | عَمْرو بْن لُحَيّ أَخُو بَنِي كَعْب , لَقَدْ رَأَيْته يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , يُؤْذِي رِيحه أَهْل النَّار . وَإِنِّي لَأَعْرِف أَوَّل مَنْ بَحَّرَ الْبَحَائِر | . قَالُوا : مَنْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : | رَجُل مِنْ بَنِي مُدْلِج كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ , فَجَدَعَ آذَانهمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانهمَا , ثُمَّ شَرِبَ أَلْبَانهمَا بَعْد ذَلِكَ , فَلَقَدْ رَأَيْته فِي النَّار هُوَ وَهُمَا يَعَضَّانِهِ بِأَفْوَاهِهِمَا , وَيَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا . )وَالْبَحِيرَة : الْفَعِيلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : بَحَرْت أُذُن هَذِهِ النَّاقَة : إِذَا شَقَّهَا , أَبْحُرهَا بَحْرًا , وَالنَّاقَة مَبْحُورَة , ثُمَّ تُصْرَف الْمَفْعُولَة إِلَى فَعِيلَة , فَيُقَال : هِيَ بَحِيرَة . وَأَمَّا الْبَحِر مِنْ الْإِبِل : فَهُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَهُ دَاء مِنْ كَثْرَة شُرْب الْمَاء , يُقَال مِنْهُ : بَحِرَ الْبَعِير يَبْحَر بَحَرًا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>لَأَعْلِطَنَّك وَسْمًا لَا تُفَارِقهُ .......... كَمَا يُحَزُّ بِحُمَّى الْمِيسَم الْبَحِر <br>وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْبَحِيرَة , جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9997 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : (دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | أَرَأَيْت إِبِلك أَلَسْت تُنْتِجُهَا مُسَلَّمَة آذَانهَا , فَتَأْخُذ الْمُوسَى فَتَجْدَعُهَا تَقُول هَذِهِ بَحِيرَة , وَتَشُقّ آذَانهَا تَقُول هَذِهِ حُرُم ؟ | قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : | فَإِنَّ سَاعِد اللَّه أَشَدّ , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ , كُلّ مَالِك لَك حَلَال لَا يَحْرُم عَلَيْك مِنْهُ شَيْء . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْأَحْوَص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( هَلْ تُنْتَج إِبِل قَوْمك صِحَاحًا آذَانهَا فَتَعْمَد إِلَى الْمُوسَى فَتَقْطَع آذَانهَا فَتَقُول هَذِهِ بُحْرٌ , وَتَشُقّهَا أَوْ تَشُقّ جُلُودهَا فَتَقُول هَذِهِ حُرُم , فَتُحَرِّمهَا عَلَيْك وَعَلَى أَهْلك ؟ | قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : | فَإِنَّ مَا آتَاك اللَّه لَك حِلّ , وَسَاعِد اللَّه أَشَدّ , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ | وَرُبَّمَا قَالَ : | سَاعِد اللَّه أَشَدّ مِنْ سَاعِدك , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ مِنْ مُوسَاك . )وَأَمَّا السَّائِبَة : فَإِنَّهَا الْمُسَيَّبَة الْمُخَلَّاة , وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة يَفْعَل ذَلِكَ أَحَدهمْ بِبَعْضِ مَوَاشِيه , فَيُحَرِّم الِانْتِفَاع بِهِ عَلَى نَفْسه , كَمَا كَانَ بَعْض أَهْل الْإِسْلَام يَعْتِق عَبْده سَائِبَة فَلَا يَنْتَفِع بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ . وَأُخْرِجَتْ الْمُسَيَّبَة بِلَفْظِ السَّائِبَة , كَمَا قِيلَ : | عِيشَة رَاضِيَة | , بِمَعْنَى : مَرْضِيَّة . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَإِنَّ الْأُنْثَى مِنْ نَعَمهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ إِذَا أَتْأَمَتْ بَطْنًا بِذَكَرٍ وَأُنْثَى , قِيلَ : قَدْ وَصَلَتْ الْأُنْثَى أَخَاهَا , بِدَفْعِهَا عَنْهُ الذَّبْح , فَسَمَّوْهَا وَصِيلَة . وَأَمَّا الْحَامِي : فَإِنَّهُ الْفَحْل مِنْ النَّعَم يُحْمَى ظَهْره مِنْ الرُّكُوب , وَالِانْتِفَاع بِسَبَبِ تَتَابُع أَوْلَاد تَحْدُث مِنْ فِحْلَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَات الْمُسَمَّيَات بِهَذِهِ الْأَسْمَاء وَمَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَانَتْ تَفْعَل ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ : 9998 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث التَّيْمِيّ أَنَّ أَبَا صَالِح السَّمَّان , حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِأَكْثَم بْن الْجَوْن الْخُزَاعِيّ : ( يَا أَكْثَم رَأَيْت عُمَر بْن لُحَيّ بْن قَمَعَة بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , فَمَا رَأَيْت مِنْ رَجُل أَشْبَه بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك ! | فَقَالَ أَكْثَم : أَيَضُرُّنِي شَبَهه يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : | لَا ; لِأَنَّك مُؤْمِن وَهُوَ كَافِر , وَإِنَّهُ كَانَ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِسْمَاعِيل وَنَصَبَ الْأَوْثَان , وَسَيَّبَ السَّوَائِب فِيهِمْ . )وَذَلِكَ أَنَّ النَّاقَة إِذَا تَابَعَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَة إِنَاثًا لَيْسَ فِيهَا ذَكَر سُيِّبَتْ , فَلَمْ يَرْكَب ظَهْرهَا وَلَمْ يَجُزّ وَبَرهَا وَلَمْ يَشْرَب لَبَنهَا إِلَّا ضَيْف . فَمَا نَتَجَتْ بَعْد ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شَقَّ أُذُنهَا ثُمَّ خَلَّى سَبِيلهَا مَعَ أُمّهَا فِي الْإِبِل , فَلَمْ يَرْكَب ظَهْرهَا وَلَمْ يَجُزّ وَبَرهَا وَلَمْ يَشْرَب لَبَنهَا إِلَّا ضَيْف , كَمَا فَعَلَ بِأُمِّهَا ; فَهِيَ الْبَحِيرَة اِبْنَة السَّائِبَة . وَالْوَصِيلَة : أَنَّ الشَّاة إِذَا نَتَجَتْ عَشْر إِنَاث مُتَتَابِعَات فِي خَمْسَة أَبْطُن لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَر جُعِلَتْ وَصِيلَة , قَالُوا : وَصَلَتْ , فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْد ذَلِكَ لِذُكُورِهِمْ دُون إِنَاثهمْ , إِلَّا أَنْ يَمُوت مِنْهَا شَيْء فَيَشْتَرِكُونَ فِي أَكْله ذُكُورهمْ وَإِنَاثهمْ . وَالْحَامِي : أَنَّ الْفَحْل إِذَا نَتَجَ لَهُ عَشْر إِنَاث مُتَتَابِعَات لَيْسَ بَيْنهنَّ ذَكَر حُمِيَ ظَهْره , وَلَمْ يُرْكَب , وَلَمْ يُجَزّ وَبَره , وَيُخَلَّى فِي إِبِله يَضْرِب فِيهَا , لَا يَنْتَفِع بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } إِلَى قَوْله : { وَلَا يَهْتَدُونَ } 9999 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار ; قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } - قَالَ أَبُو جَعْفَر : سَقَطَ عَلَيَّ فِيمَا أَظُنّ كَلَام مِنْهُ - قَالَ : فَأَتَيْت عَلْقَمَة فَسَأَلْته , فَقَالَ : مَا تُرِيد إِلَى شَيْء كَانَتْ تَصْنَعهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . )10000 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : أَتَيْت عَلْقَمَة , فَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } فَقَالَ : وَمَا تَصْنَع بِهَذَا ؟ إِنَّمَا هَذَا شَيْء مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّة ! قَالَ : فَأَتَيْت مَسْرُوقًا , فَسَأَلْته , فَقَالَ : الْبَحِيرَة : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا وَلَدَتْ بَطْنًا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا , شَقُّوا أُذُنهَا وَقَالُوا : هَذِهِ بَحِيرَة . قَالَ : { وَلَا سَائِبَة } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَأْخُذ بَعْض مَاله , فَيَقُول : هَذِهِ سَائِبَة . قَالَ : { وَلَا وَصِيلَة } قَالَ : كَانُوا إِذَا وَلَدَتْ النَّاقَة الذَّكَر أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الْإِنَاث , وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فِي بَطْن قَالُوا : وَصَلَتْ أَخَاهَا , فَلَا يَأْكُلُونَهُمَا ; قَالَ : فَإِذَا مَاتَ الذَّكَر , أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الْإِنَاث . قَالَ : وَلَا حَامٍ , قَالَ : كَانَ الْبَعِير إِذَا وَلَدَ وَوَلَدَ وَلَده , قَالُوا : قَدْ قَضَى هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ , فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِظَهْرِهِ , قَالُوا : هَذَا حَامٍ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , قَالَ : سَأَلْت عَلْقَمَة , عَنْ قَوْله : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } قَالَ : مَا تَصْنَع بِهَذَا ؟ هَذَا شَيْء كَانَ يَفْعَلهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . )10001 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } قَالَ : الْبَحِيرَة : الَّتِي قَدْ وَلَّتْ خَمْسَة أَبْطُن ثُمَّ تُرِكَتْ . )10002 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } قَالَ : الْبَحِيرَة : الْمُخَضْرَمَة . { وَلَا سَائِبَة } وَالسَّائِبَة : مَا سُيِّبَ لِلْهَدْيِ . وَالْوَصِيلَة : إِذَا وَلَدَتْ بَعْد أَرْبَعَة أَبْطُن - فِيمَا يَرَى جَرِير - ثُمَّ وَلَدَتْ الْخَامِس ذَكَرًا وَأُنْثَى وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَالْحَام : الَّذِي قَدْ ضَرَبَ أَوْلَاد أَوْلَاده فِي الْإِبِل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَالْوَصِيلَة : (الَّتِي وَلَدَتْ بَعْد أَرْبَعَة أَبْطُن ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَسَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث اِبْن حُمَيْد . )10003 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَحِيرَة , فَقَالَ : (هِيَ الَّتِي تُجْدَع آذَانهَا . وَسُئِلَ عَنْ السَّائِبَة , فَقَالَ : كَانُوا يُهْدُونَ لِآلِهَتِهِمْ الْإِبِل وَالْغَنَم فَيَتْرُكُونَهَا عِنْد آلِهَتهمْ لِتُذْبَح , فَتُخْلَط بِغَنَمِ النَّاس , فَلَا يَشْرَب أَلْبَانهَا إِلَّا الرِّجَال , فَإِذَا مَاتَ مِنْهَا شَيْء أَكَلَهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا . )10004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } وَمَا مَعَهَا : الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل , يُحَرِّم أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَبَرهَا وَظَهْرهَا وَلَحْمهَا وَلَبَنهَا إِلَّا عَلَى الرِّجَال , فَمَا وَلَدَتْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى فَهُوَ عَلَى هَيْئَتهَا , وَإِنْ مَاتَتْ اِشْتَرَكَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أَكْل لَحْمهَا , فَإِذَا ضَرَبَ الْجَمَل مِنْ وَلَد الْبَحِيرَة فَهُوَ الْحَامِي ; وَالسَّائِبَة مِنْ الْغَنَم عَلَى نَحْو ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَد بَيْنهَا وَبَيْن سِتَّة أَوْلَاد كَانَ عَلَى هَيْئَتهَا , فَإِذَا وَلَدَتْ فِي السَّابِع ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرَيْنِ , ذَبَحُوهُ فَأَكَلَهُ رِجَالهمْ دُون نِسَائِهِمْ ; وَإِنْ تَوْأَمَتْ أُنْثَى وَذَكَرًا فَهِيَ وَصِيلَة , تُرِكَ ذَبْح الذَّكَر بِالْأُنْثَى , وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ تُرِكَتَا . )10005 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } فَالْبَحِيرَة : النَّاقَة , كَانَ الرَّجُل إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَة أَبْطُن , فَيَعْمِد إِلَى الْخَامِسَة , فَمَا لَمْ يَكُنْ سَقْبًا , فَيُبَتِّك آذَانهَا , وَلَا يَجُزّ لَهَا وَبَرًا , وَلَا يَذُوق لَهَا لَبَنًا , فَتِلْكَ الْبَحِيرَة . { وَلَا سَائِبَة } كَانَ الرَّجُل يُسَيِّب مِنْ مَاله مَا شَاءَ . { وَلَا وَصِيلَة } فَهِيَ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ سَبْعًا , عَمَدَ إِلَى السَّابِع , فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذُبِحَ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ , وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنهَا اِثْنَانِ ذَكَر وَأُنْثَى فَوَلَدَتْهُمَا , قَالُوا : وَصَلَتْ أَخَاهَا , فَيُتْرَكَانِ جَمِيعًا لَا يُذْبَحَانِ , فَتِلْكَ الْوَصِيلَة . وَقَوْله : { وَلَا حَامٍ } كَانَ الرَّجُل يَكُون لَهُ الْفَحْل فَإِذَا لَقَّحَ عَشْرًا قِيلَ : حَامٍ , فَاتْرُكُوهُ ! . )10006 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } لِيُسَيِّبُوهَا لِأَصْنَامِهِمْ . { وَلَا وَصِيلَة } يَقُول : الشَّاة . { وَلَا حَامٍ } يَقُول : الْفَحْل مِنْ الْإِبِل . )10007 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } تَشْدِيد شَدَّدَهُ الشَّيْطَان عَلَى أَهْل الْجَاهِلِيَّة فِي أَمْوَالهمْ , وَتَغْلِيظ عَلَيْهِمْ , فَكَانَتْ الْبَحِيرَة مِثْل الْإِبِل إِذَا نَتَجَ الرَّجُل خَمْسًا مِنْ إِبِله نَظَرَ الْبَطْن الْخَامِس , فَإِنْ كَانَتْ سَقْبًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَ مَيْتَة اِشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَهِيَ الْأُنْثَى تُرِكَتْ فَبُتِكَتْ أُذُنهَا , فَلَمْ يُجَزّ لَهَا وَبَر وَلَمْ يُشْرَب لَهَا لَبَن وَلَمْ يُرْكَب لَهَا ظَهْر وَلَمْ يُذْكَر لِلَّهِ عَلَيْهَا اِسْم . وَكَانَتْ السَّائِبَة : يُسَيِّبُونَ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ , فَلَا تَمْتَنِع مِنْ حَوْض أَنْ تَشْرَع فِيهِ وَلَا مِنْ حِمًى أَنْ تَرْتَع فِيهِ . وَكَانَتْ الْوَصِيلَة مِنْ الشَّاء : مِنْ الْبَطْن السَّابِع , إِذَا كَانَ جَدْيًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَ مَيْتَة اِشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , وَإِنْ جَاءَتْ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى قِيلَ وَصَلَتْ أَخَاهَا فَمَنَعَتْهُ الذَّبْح . وَالْحَام : كَانَ الْفَحْل إِذَا رُكِبَ مِنْ بَنِي بَنِيهِ عَشَرَة أَوْ وَلَد وَلَده , قِيلَ حَامٍ , حَمَى ظَهْره , فَلَمْ يُزَمَّ وَلَمْ يُخْطَم وَلَمْ يُرْكَب . )10008 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } فَالْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَة أَبْطُن , إِنْ كَانَ الْخَامِس سَقْبًا ذَبَحُوهُ فَأَهْدَوْهُ إِلَى آلِهَتهمْ وَكَانَتْ أُمّه مِنْ عَرْض الْإِبِل , وَإِنْ كَانَتْ رُبَعَة اِسْتَحْيَوْهَا , وَشَقُّوا أُذُن أُمّهَا , وَجَزُّوا وَبَرهَا , وَخَلَّوْهَا فِي الْبَطْحَاء , فَلَمْ تَجُزْ لَهُمْ فِي دِيَة , وَلَمْ يَحْلُبُوا لَهَا لَبَنًا , وَلَمْ يَجُزُّوا لَهَا وَبَرًا , وَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَى ظَهْرهَا , وَهِيَ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورهَا . وَأَمَّا السَّائِبَة : فَهُوَ الرَّجُل يُسَيِّب مِنْ مَاله مَا شَاءَ عَلَى وَجْه الشُّكْر إِنْ كَثُرَ مَاله , أَوْ بَرَأَ مِنْ وَجَع , أَوْ رَكِبَ نَاقَة فَأَنْجَحَ , فَإِنَّهُ يُسَمِّي السَّائِبَة يُرْسِلهَا فَلَا يَعْرِض لَهَا أَحَد مِنْ الْعَرَب إِلَّا أَصَابَتْهُ عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَمِنْ الْغَنَم , هِيَ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ ثَلَاثَة أَبْطُن أَوْ خَمْسَة , فَكَانَ آخِر ذَلِكَ جَدْيًا ذَبَحُوهُ وَأَهْدَوْهُ لِبَيْتِ الْآلِهَة , وَإِنْ كَانَتْ عَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهَا , وَإِنْ كَانَتْ جَدْيًا وَعَنَاقًا اِسْتَحْيَوْا الْجَدْي مِنْ أَجْل الْعَنَاق , فَإِنَّهَا وَصِيلَة وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَأَمَّا الْحَام : فَالْفَحْل يَضْرِب فِي الْإِبِل عَشْر سِنِينَ , وَيُقَال : إِذَا ضَرَبَ وَلَد وَلَدِهِ قِيلَ : قَدْ حَمَى ظَهْره , فَيَتْرُكُونَهُ لَا يُمَسّ , وَلَا يُنْحَر أَبَدًا , وَلَا يُمْنَع مِنْ كَلَإٍ يُرِيدهُ , وَهُوَ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورهَا . )10009 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ( { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } قَالَ : الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل الَّتِي يَمْنَع دَرّهَا لِلطَّوَاغِيتِ . وَالسَّائِبَة مِنْ الْإِبِل : كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ . وَالْوَصِيلَة مِنْ الْإِبِل كَانَتْ النَّاقَة تُبَكِّر بِأُنْثَى , ثُمَّ تُثَنِّي بِأُنْثَى , فَيُسَمُّونَهَا الْوَصِيلَة , يَقُولُونَ : وَصَلَتْ اِثْنَتَيْنِ لَيْسَ بَيْنهمَا ذَكَر , فَكَانُوا يَجْدَعُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ , أَوْ يَذْبَحُونَهَا , الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر . وَالْحَام : الْفَحْل مِنْ الْإِبِل , كَانَ يَضْرِب . الضِّرَاب الْمَعْدُود , فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ , قَالُوا : هَذَا حَامٍ , قَدْ حَمَى ظَهْره فَتُرِكَ , فَسَمَّوْهُ الْحَام . قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة : إِذَا ضَرَبَ عَشَرَة . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : (أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : )الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَة أَبْطُن , فَإِنْ كَانَ الْخَامِس ذَكَرًا كَانَ لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى بَتَكُوا آذَانهَا , ثُمَّ أَرْسَلُوهَا , فَلَمْ يَنْحَرُوا لَهَا وَلَدًا , وَلَمْ يَشْرَبُوا لَهَا لَبَنًا , وَلَمْ يَرْكَبُوا لَهَا ظَهْرًا . وَأَمَّا السَّائِبَة , فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَيِّبُونَ بَعْض إِبِلهمْ , فَلَا تُمْنَع حَوْضًا أَنْ تَشْرَع فِيهِ , وَلَا مَرْعًى أَنْ تَرْتَع فِيهِ . وَالْوَصِيلَة : الشَّاة : كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَة أَبْطُن , فَإِنْ كَانَ السَّابِع ذَكَرًا ذُبِحَ وَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ . (10010 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : ) { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } أَمَّا الْبَحِيرَة : فَكَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجُوهَا خَمْسَة أَبْطُن نَحَرُوا الْخَامِس إِنْ كَانَ سَقْبًا , وَإِنْ كَانَ رُبَعَة شَقُّوا أُذُنهَا وَاسْتَحْيَوْهَا , وَهِيَ بَحِيرَة . وَأَمَّا السَّقْب فَلَا يَأْكُل نِسَاؤُهُمْ مِنْهُ , وَهُوَ خَالِص لِرِجَالِهِمْ , فَإِنْ مَاتَتْ النَّاقَة أَوْ نَتَجُوهَا مَيِّتًا فَرِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيهِ سَوَاء يَأْكُلُونَ مِنْهُ . وَأَمَّا السَّائِبَة : فَكَانَ يُسَيِّب الرَّجُل مِنْ مَاله مِنْ الْأَنْعَام , فَيُهْمَل فِي الْحِمَى فَلَا يُنْتَفَع بِظَهْرِهِ وَلَا بِوَلَدِهِ , وَلَا بِلَبَنِهِ , وَلَا بِشَعْرِهِ , وَلَا بِصُوفِهِ . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَكَانَتْ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَة أَبْطُن ذَبَحُوا السَّابِع إِذَا كَانَ جَدْيًا , وَإِنْ كَانَ عَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهُ , وَإِنْ كَانَ جَدْيًا وَعَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهُمَا كِلَيْهِمَا , وَقَالُوا : إِنَّ الْجَدْي وَصَلَتْهُ أُخْته , فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا . وَأَمَّا الْحَامِي : فَالْفَحْل إِذَا رَكِبُوا أَوْلَاد وَلَده , قَالُوا : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْره , وَأُحْرِزَ أَوْلَاد وَلَده , فَلَا يَرْكَبُونَهُ , وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمَى شَجَر , وَلَا حَوْض مَا شَرَعَ فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَوْض لِصَاحِبِهِ , وَكَانَتْ مِنْ إِبِلهمْ طَائِفَة لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا فِي شَيْء مِنْ شَأْنهمْ , لَا إِنْ رَكِبُوا , وَلَا إِنْ حَمَلُوا , وَلَا إِنْ حَلَبُوا , وَلَا إِنْ نَتَجُوا , وَلَا إِنْ بَاعُوا , فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } إِلَى قَوْله : { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } . (10011 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ) { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } قَالَ : هَذَا شَيْء كَانَتْ تَعْمَل بِهِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة , وَقَدْ ذَهَبَ . قَالَ : الْبَحِيرَة : كَانَ الرَّجُل يَجْدَع أُذُنَيْ نَاقَته ثُمَّ يُعْتِقهَا , كَمَا يُعْتِق جَارِيَته وَغُلَامه , لَا تُحْلَب , وَلَا تُرْكَب . وَالسَّائِبَة : يُسَيِّبهَا بِغَيْرِ تَجْدِيع . وَالْحَام : إِذَا نَتَجَ لَهُ سَبْع إِنَاث مُتَوَالِيَات , قَدْ حُمِيَ ظَهْره , وَلَا يُرْكَب , وَلَا يُعْمَل عَلَيْهِ . وَالْوَصِيلَة مِنْ الْغَنَم : إِذَا وَلَدَتْ سَبْع إِنَاث مُتَوَالِيَات حَمَتْ لَحْمهَا أَنْ يُؤْكَل . (* - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , قَالَ : ثني اِبْن الْهَادِ , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : السَّائِبَة : الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّب فَلَا يُحْمَل عَلَيْهَا شَيْء . وَالْبَحِيرَة : الَّتِي يُمْنَع دَرّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبهَا أَحَد . وَالْوَصِيلَة : النَّاقَة الْبِكْر تُبَكِّر أَوَّل نِتَاج الْإِبِل بِأُنْثَى , ثُمَّ تُثَنِّي بَعْد بِأُنْثَى , وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لِلطَّوَاغِيتِ , يَدْعُونَهَا الْوَصِيلَة , إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . وَالْحَامِي : فَحْل الْإِبِل يَضْرِب الْعَشْر مِنْ الْإِبِل , فَإِذَا نَقَصَ ضِرَابه يَدَعُونَهُ لِلطَّوَاغِيتِ , وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْحَمْل , فَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ شَيْئًا , وَسَمَّوْهُ الْحَامِي . )وَهَذِهِ أُمُور كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَام , فَلَا نَعْرِف قَوْمًا يَعْمَلُونَ بِهَا الْيَوْم . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَعْمَل بِهِ لَا يُوصَل إِلَى عِلْمه - إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَام الْيَوْم أَثَر , وَلَا فِي الشِّرْك نَعْرِفهُ - إِلَّا بِخَبَرٍ , وَكَانَتْ الْأَخْبَار عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَلِفَة الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكَرْنَا ; فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : أَمَّا مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاء , فَمَا بَيَّنَّا فِي اِبْتِدَاء الْقَوْل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة . وَأَمَّا كَيْفَِيَّة عَمَل الْقَوْم فِي ذَلِكَ , فَمَا لَا عِلْم لَنَا بِهِ . وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَخْبَار بِوَصْفِ عَمَلهمْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ حَكَيْنَا , وَغَيْر ضَائِر الْجَهْل بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُرَاد مِنْ عِلْمه الْمُحْتَاج إِلَيْهِ , مُوَصِّلًا إِلَى حَقِيقَته , وَهُوَ أَنَّ الْقَوْم كَانُوا مُحَرِّمِينَ مِنْ أَنْعَامهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ اللَّه اِتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَات الشَّيْطَان , فَوَبَّخَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ كُلّ ذَلِكَ حَلَال , فَالْحَرَام مِنْ كُلّ شَيْء عِنْدنَا , مَا حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَصٍّ أَوْ دَلِيل . وَالْحَلَال مِنْهُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّه وَرَسُوله كَذَلِكَ .|وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِاَلَّذِينَ كَفَرُوا فِي هَذَا الْمَوْضِع وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ : { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَعْنِيّ بِاَلَّذِينَ كَفَرُوا : الْيَهُود , وَبِاَلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ : أَهْل الْأَوْثَان ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10012 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى : ( { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } قَالَ : أَهْل الْكِتَاب . { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } قَالَ : أَهْل الْأَوْثَان . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ أَهْل مِلَّة وَاحِدَة , وَلَكِنَّ | الْمُفْتَرِينَ | الْمَتْبُوعُونَ , وَ | الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ | : الْأَتْبَاع ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10013 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا خَارِجَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : ( { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } هُمْ الْأَتْبَاع . وَأَمَّا | الَّذِينَ اِفْتَرَوْا | , يَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ اِفْتَرَوْا . )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } الَّذِينَ بَحَّرُوا الْبَحَائِر , وَسَيَّبُوا السَّوَائِب , وَوَصَلُوا الْوَصَائِل , وَحَمُوا الْحَوَامِي ; مِثْل عَمْرو بْن لُحَيّ وَأَشْكَاله , مِمَّنْ سَنُّوا لِأَهْلِ الشِّرْك السُّنَن الرَّدِيئَة وَغَيَّرُوا دِين اللَّه دِين الْحَقّ وَأَضَافُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ , وَاخْتِلَاقًا عَلَيْهِ الْإِفْك وَهُمْ يَعْمَهُونَ . فَكَذَّبَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي قِيلهمْ ذَلِكَ , وَإِضَافَتهمْ إِلَيْهِ مَا أَضَافُوا مِنْ تَحْلِيل مَا أَحَلُّوا وَتَحْرِيم مَا حَرَّمُوا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : مَا جَعَلْت مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة , وَلَكِنَّ الْكُفَّار هُمْ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب . وَأَنْ يُقَال : إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } هُمْ أَتْبَاع مَنْ سَنَّ لَهُمْ هَذِهِ السُّنَن مِنْ جَهَلَة الْمُشْرِكِينَ , فَهُمْ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَكْثَر مِنْ الَّذِينَ لَهُمْ سَنُّوا ذَلِكَ ; فَوَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ أَنَّ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمْ تِلْكَ السُّنَن , وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه كَذَبَة فِي إِخْبَارهمْ أَفْكَة , بَلْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ مُحِقُّونَ فِي إِخْبَارهمْ صَادِقُونَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيم الَّذِي حَرَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى كَذِب وَبَاطِل . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ نَظِير قَوْل الشَّعْبِيّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِاَلَّذِين كَفَرُوا : أَهْل الْكِتَاب , وَذَلِكَ أَنَّ النَّكِير فِي اِبْتِدَاء الْآيَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب , فَالْخَتْم بِهِمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرهمْ , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَرَضَ فِي الْكَلَام مَا يُصْرَف مِنْ أَجْله عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ يَقُول قَتَادَة . 10014 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } يَقُول : لَا يَعْقِلُونَ تَحْرِيم الشَّيْطَان الَّذِي يُحَرِّم عَلَيْهِمْ , إِنَّمَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَان وَلَا يَعْقِلُونَ .)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُول قَالُوا حَسْبنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبَحِّرُونَ الْبَحَائِر وَيُسَيِّبُونَ السَّوَائِب الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ تَحْرِيم ذَلِكَ إِلَى اللَّه تَعَالَى يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب : تَعَالَوْا إِلَى تَنْزِيل اللَّه وَآي كِتَابه وَإِلَى رَسُوله , لِيَتَبَيَّن لَكُمْ كَذِب قِيلكُمْ فِيمَ تُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء , أَجَابُوا مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ , بِأَنْ يَقُولُوا : حَسْبنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلنَا آبَاءَنَا يَعْمَلُونَ بِهِ , وَيَقُولُونَ : نَحْنُ لَهُمْ تَبَع وَهُمْ لَنَا أَئِمَّة وَقَادَة , وَقَدْ اِكْتَفَيْنَا بِمَا أَخَذْنَا عَنْهُمْ وَرَضِينَا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيم وَتَحْلِيل . قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ كَانَ آبَاء هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَة لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا , يَقُول : لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ تَحْرِيم الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام كَذِب وَفِرْيَة عَلَى اللَّه , لَا حَقِيقَة لِذَلِكَ وَلَا صِحَّة ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَتْبَاع الْمُفْتَرِينَ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا تَحْرِيم ذَلِكَ اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه بِقِيلِهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنْ إِضَافَتهمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى مَا يُضِيفُونَ مَا كَانُوا فِيمَا هُمْ بِهِ عَامِلُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى اِسْتِقَامَة وَصَوَاب , بَلْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَة وَخَطَأ .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَأَصْلِحُوهَا , وَاعْمَلُوا فِي خَلَاصهَا مِنْ عِقَاب اللَّه تَعَالَى , وَانْظُرُوا لَهَا فِيمَا يُقَرِّبهَا مِنْ رَبّهَا , فَإِنَّهُ { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } يَقُول : لَا يَضُرّكُمْ مَنْ كَفَرَ وَسَلَكَ غَيْر سَبِيل الْحَقّ إِذَا أَنْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ وَآمَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ وَأَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَحَرَّمْتُمْ حَرَامه وَحَلَّلْتُمْ حَلَاله . وَنَصَبَ قَوْله : { أَنْفُسكُمْ } بِالْإِغْرَاءِ , وَالْعَرَب تُغْرِي مِنْ الصِّفَات بِ | عَلَيْك | , وَ | عِنْدك | وَ | دُونك | وَ | إِلَيْك | . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر فَلَمْ يُقْبَل مِنْكُمْ ذَلِكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10015 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن : (أَنَّ هَذِهِ الْآيَة قُرِئَتْ عَلَى اِبْن مَسْعُود : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا , قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ مَسْعُود : (أَلَمْ يَقُلْ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا , قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ . )10016 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا شَبَابَة بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن صُبَيْح , عَنْ سُفْيَان بْن عِقَال , قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عُمَر : (لَوْ جَلَسْت فِي هَذِهِ الْأَيَّام فَلَمْ تَأْمُر وَلَمْ تَنْهَ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ! فَقَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي وَلَا لِأَصْحَابِي ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : | أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ | فَكُنَّا نَحْنُ الشُّهُود وَأَنْتُمْ الْغُيَّب , وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَة لِأَقْوَامٍ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدنَا إِنْ قَالُوا لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ . )10017 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ أَبِي مَازِن قَالَ : (اِنْطَلَقْت عَلَى عَهْد عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة , فَإِذَا قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ جُلُوس , فَقَرَأَ أَحَدهمْ هَذِهِ الْآيَة : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَقَالَ أَكْثَرهمْ : لَمْ يَجِيء تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة الْيَوْم . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي مَازِن , بِنَحْوِهِ . 10018 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَأَبُو عَاصِم , قَالَا : ثنا عَوْف , عَنْ سَوَّار بْن شُبَيْب , قَالَ : (كُنْت عِنْد اِبْن عُمَر , إِذْ أَتَاهُ رَجُل جَلِيد فِي الْعَيْن , شَدِيد اللِّسَان , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن نَحْنُ سِتَّة كُلّهمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآن فَأَسْرَعَ فِيهِ , وَكُلّهمْ مُجْتَهِد لَا يَأْلُو , وَكُلّهمْ بَغِيض إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِي دَنَاءَة , وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَشْهَد بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِالشِّرْكِ . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : وَأَيّ دَنَاءَة تُرِيد أَكْثَر مِنْ أَنْ يَشْهَد بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِالشِّرْكِ ؟ قَالَ : فَقَالَ الرَّجُل : إِنِّي لَسْت إِيَّاكَ أَسْأَل , أَنَا أَسْأَل الشَّيْخ . فَأَعَادَ عَلَى عَبْد اللَّه الْحَدِيث , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : لَعَلَّك تَرَى لَا أَبَا لَك إِنِّي سَآمُرُك أَنْ تَذْهَب فَتَقْتُلهُمْ ؟ عِظْهُمْ وَانْهَهُمْ , فَإِنْ عَصَوْك فَعَلَيْك بِنَفْسِك , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ اِبْن مَسْعُود سَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْله : ( { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِزَمَانِهَا , إِنَّهَا الْيَوْم مَقْبُولَة , وَلَكِنَّهُ قَدْ أَوْشَكَ أَنْ يَأْتِي زَمَان تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيُصْنَع بِكُمْ كَذَا وَكَذَا - أَوْ قَالَ : فَلَا يُقْبَل مِنْكُمْ - فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ , لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ رَجُل قَالَ : (كُنْت فِي خِلَافَة عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ فِي حَلْقَة فِيهِمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فِيهِمْ شَيْخ يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ , فَقَرَأَ رَجُل : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ الشَّيْخ : إِنَّمَا تَأْوِيلهَا آخِر الزَّمَان . )* - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو مَازِن رَجُل مِنْ صَالِحِي الْأَزْد مِنْ بَنِي الْجَدَّانِ , قَالَ : (اِنْطَلَقْت فِي حَيَاة عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة , فَقَعَدْت إِلَى حَلْقَة فِيهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ رَجُل مِنْ الْقَوْم هَذِهِ الْآيَة { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : فَقَالَ رَجُل مِنْ أَسَنّ الْقَوْم : دَعْ هَذِهِ الْآيَة , فَإِنَّمَا تَأْوِيلهَا فِي آخِر الزَّمَان . )10019 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا اِبْن فَضَالَة , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر , قَالَ : (كُنْت فِي حَلْقَة فِيهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنِّي لَأَصْغَر الْقَوْم , فَتَذَاكَرُوا الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , فَقُلْت أَنَا : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ فَأَقْبَلُوا عَلَيَّ بِلِسَانٍ وَاحِد , وَقَالُوا : تَنْزِع بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآن لَا تَعْرِفهَا وَلَا تَدْرِي مَا تَأْوِيلهَا ! حَتَّى تَمَنَّيْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَكَلَّمْت . ثُمَّ أَقْبَلُوا يَتَحَدَّثُونَ ; فَلَمَّا حَضَرَ قِيَامهمْ , قَالُوا : إِنَّك غُلَام حَدَث السِّنّ , وَإِنَّك نَزَعْت بِآيَةٍ لَا تَدْرِي مَا هِيَ , وَعَسَى أَنْ تُدْرِك ذَلِكَ الزَّمَان ; إِذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا , وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك بِنَفْسِك لَا يَضُرّك مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْت ! . )10020 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا لَيْث بْن هَارُون , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : كَانُوا عِنْد عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود جُلُوسًا , فَكَانَ بَيْن رَجُلَيْنِ مَا يَكُون بَيْن النَّاس , حَتَّى قَامَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبه , فَقَالَ رَجُل مِنْ جُلَسَاء عَبْد اللَّه : أَلَا أَقُوم فَآمُرهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَر ؟ فَقَالَ آخَر إِلَى جَنْبه : عَلَيْك بِنَفْسِك , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ! قَالَ : فَسَمِعَهَا اِبْن مَسْعُود , فَقَالَ : مَهْ ! لَمْ يَجِئْ تَأْوِيل هَذِهِ بَعْد , إِنَّ الْقُرْآن أُنْزِلَ حَيْثُ أُنْزِلَ وَمِنْهُ آي قَدْ مَضَى تَأْوِيلهنَّ قَبْل أَنْ يَنْزِلْنَ , وَمِنْهُ مَا وَقَعَ تَأْوِيلهنَّ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهُ آي قَدْ وَقَعَ تَأْوِيلهنَّ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرِ , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ بَعْد الْيَوْم , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ عِنْد السَّاعَة عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر السَّاعَة , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ يَوْم الْحِسَاب عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر الْحِسَاب وَالْجَنَّة وَالنَّار ; فَمَا دَامَتْ قُلُوبكُمْ وَاحِدَة وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَة وَلَمْ تُلْبَسُوا شِيَعًا وَلَمْ يَذُقْ بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَأْمُرُوا وَانْهَوْا ! فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ الْقُلُوب وَالْأَهْوَاء وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا وَذَاقَ بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَامْرُؤٌ وَنَفْسه , فَعِنْد ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة . )* - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود : (أَنَّهُ كَانَ بَيْن رَجُلَيْنِ بَعْض مَا يَكُون بَيْن النَّاس , حَتَّى قَامَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبه , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 10021 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : تَأَوَّلَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : دَعُوا هَذِهِ الْآيَة فَلَيْسَتْ لَكُمْ ! . (10022 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْرَائِيل اللآل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم , عَنْ عَمْرو بْن جَارِيَة اللَّخْمِيّ , عَنْ أَبِي أُمَيَّة الشَّعْبَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْت عَنْهَا خَبِيرًا , سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | أَبَا ثَعْلَبَة ! اِئْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , فَإِذَا رَأَيْت دُنْيَا مُؤْثَرَة وَشُحًّا مُطَاعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك نَفْسك ! أَرَى مِنْ بَعْدكُمْ أَيَّام الصَّبْر , لِلْمُتَمَسِّكِ يَوْمئِذٍ بِمِثْلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا | . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْهُمْ ؟ قَالَ : | لَا , كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْكُمْ | . (* - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ اِبْن الْمُبَارَك وَغَيْره , عَنْ عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم , عَنْ عَمْرو بْن جَارِيَة اللَّخْمِيّ عَنْ أَبِي أُمَيَّة الشَّعْبَانِيّ , قَالَ : )سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ : كَيْفَ نَصْنَع بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ فَقَالَ أَبُو ثَعْلَبَة : سَأَلْت عَنْهَا خَبِيرًا , سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : | اِئْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , حَتَّى إِذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك بِخُوَيْصَة نَفْسك , وَذَرْ عَوَامّهمْ فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا أَجْر الْعَامِل فِيهَا كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ | . (وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ الْعَبْد إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه لَمْ يَضُرّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْده وَهَلَكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10023 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } يَقُول : إِذَا مَا الْعَبْد أَطَاعَنِي فِيمَا أَمَرْته مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام , فَلَا يَضُرّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْد إِذَا عَمِلَ بِمَا أَمَرْته بِهِ . (10024 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : )أَطِيعُوا أَمْرِي , وَاحْفَظُوا وَصِيَّتِي . (10025 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا لَيْث بْن هَارُون , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازَيّ , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ صَفْوَان بْن الْجَوْن , قَالَ : )دَخَلَ عَلَيْهِ شَابّ مِنْ أَصْحَاب الْأَهْوَاء , فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْره , فَقَالَ صَفْوَان : أَلَا أَدُلّك عَلَى خَاصَّة اللَّه الَّتِي خَصَّ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } الْآيَة . (10026 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُطَرِّف الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : ) { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } مَا لَمْ يَكُنْ سَيْف أَوْ سَوْط . (10027 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , قَالَ : تَلَا الْحَسَن هَذِهِ الْآيَة : ) { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ الْحَسَن : الْحَمْد لِلَّهِ بِهَا وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَيْهَا , مَا كَانَ مُؤْمِن فِيمَا مَضَى وَلَا مُؤْمِن فِيمَا بَقِيَ إِلَّا وَإِلَى جَانِبه مُنَافِق يَكْرَه عَمَله . (وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّه { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر ذُكِرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10028 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَعْد الْبَقَّال , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ) { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِذَا أَمَرْت بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْت عَنْ الْمُنْكَر , لَا يَضُرّك مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْت . (10029 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْعُمَيْس , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِذَا أَمَرْتُمْ وَنَهَيْتُمْ . )10030 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : (تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا الظَّالِم - قَالَ اِبْن وَكِيع - : فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , أَوْشَكَ أَنْ يَعُمّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل , عَنْ بَيَان , عَنْ قَيْس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : (إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ الْقَوْم إِذَا رَأَوْا الظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , يَعُمّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 10031 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر . قَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة : يَا أَيّهَا النَّاس لَا تَغْتَرُّوا بِقَوْلِ اللَّه : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَيَقُول أَحَدكُمْ عَلَيَّ نَفْسِي . وَاَللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر أَوْ لَتُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَاركُمْ فَلَيَسُومُنَّكُمْ سُوء الْعَذَاب , ثُمَّ لَيَدْعُوَنَّ اللَّهَ خِيَارُكُمْ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ . )* - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا بَيَان , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر : (يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى غَيْر مَوْضِعهَا : { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا الظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , عَمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . )10032 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني عِيسَى بْن الْمُسَيِّب الْبَجَلِيّ , قَالَ : ثنا قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ (يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | إِذَا رَأَى النَّاس الْمُنْكَر فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ وَالظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , فَيُوشِك أَنْ يَعُمّهُمْ اللَّه مِنْهُ بِعِقَابٍ . )* - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سَالِم , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن دِينَار , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : (صَعِدَ أَبُو بَكْر الْمِنْبَر , مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ لَتَتْلُونَ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , وَتَعُدُّونَهَا رُخْصَة وَاَللَّه مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه أَشَدّ مِنْهَا : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَاَللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر , أَوْ لَيَعُمَّنَّكُمْ اللَّه مِنْهُ بِعِقَابٍ . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَيَّار , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : ثنا مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر يَقُول وَهُوَ يَخْطُب النَّاس : (يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة , وَلَا تَدْرُونَ مَا هِيَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : | إِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابٍ . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة : لَا يَضُرّكُمْ مَنْ حَادَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَكَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10033 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : يَعْنِي : مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَنْ ضَلَّ عَنْ دِين اللَّه الْحَقّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10034 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَسْلَمَ , قَالُوا لَهُ : سَفَّهْت آبَاءَك وَضَلَّلْتهمْ , وَفَعَلْت وَفَعَلْت , وَجَعَلْت آبَاءَك كَذَا وَكَذَا , كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَنْصُرهُمْ وَتَفْعَل ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } . )وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال , وَأَصَحّ التَّأْوِيلَات عِنْدنَا بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق فِيهَا , وَهُوَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } اِلْزَمُوا الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَبِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاكُمْ اللَّه عَنْهُ . { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : فَإِنَّهُ لَا يَضُرّكُمْ ضَلَال مَنْ ضَلَّ إِذَا أَنْتُمْ رُمْتُمْ الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَأَدَّيْتُمْ فِيمَنْ ضَلَّ مِنْ النَّاس مَا أَلْزَمَكُمْ اللَّه بِهِ فِيهِ مِنْ فَرْض الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , الَّذِي يَرْكَبهُ أَوْ يُحَاوِل رُكُوبه , وَالْأَخْذ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَامَ ظُلْمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَد وَمَنَعَهُ مِنْهُ فَأَبَى النُّزُوع عَنْ ذَلِكَ , وَلَا ضَيْر عَلَيْكُمْ فِي تَمَادِيهِ فِي غَيّه وَضَلَاله إِذَا أَنْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ وَأَدَّيْتُمْ حَقّ اللَّه تَعَالَى فِيهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُومُوا بِالْقِسْطِ وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى ; وَمِنْ الْقِيَام بِالْقِسْطِ : الْأَخْذ عَلَى يَد الظَّالِم ; وَمِنْ التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ . وَهَذَا مَعَ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْره بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ; وَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ تَرْك ذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِهِ مَعْنًى إِلَّا فِي الْحَال الَّتِي رَخَّصَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك ذَلِكَ , وَهِيَ حَال الْعَجْز عَنْ الْقِيَام بِهِ بِالْجَوَارِحِ الظَّاهِرَة فَيَكُون مُرَخَّصًا لَهُ تَرْكه إِذَا قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ فَرْض اللَّه عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِقَلْبِهِ . وَإِذَا كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنْ التَّأْوِيل بِالْآيَةِ أَوْلَى , فَبَيِّنٌ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى قَوْله : { إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } مَا قَالَهُ حُذَيْفَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ : إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر , وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .|اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَاده : اِعْمَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , وَمُرُوا أَهْل الزَّيْغ وَالضَّلَال وَمَا حَادَ عَنْ سَبِيلِي بِالْمَعْرُوفِ , وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر ; فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ وَلَكُمْ , وَإِنْ تَمَادَوْا فِي غَيّهمْ وَضَلَالهمْ فَإِنَّ إِلَيَّ مَرْجِع جَمِيعكُمْ وَمَصِيركُمْ فِي الْآخِرَة وَمَصِيرهمْ , وَأَنَا الْعَالِم بِمَا يَعْمَل جَمِيعكُمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَأُخْبِر هُنَاكَ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يَعْمَلهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُجَازِيه عَلَى عَمَله الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلَيَّ جَزَاءَهُ حَسْب اِسْتِحْقَاقه , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَه

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِين الْوَصِيَّة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } يَقُول : لِيَشْهَد بَيْنكُمْ { إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة } يَقُول : وَقْت الْوَصِيَّة .|الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ|يَقُول : ذَوَا رَشَد وَعَقْل وَحِجًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . كَمَا : 10035 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , وَعُبَيْد اللَّه بْن يُوسُف الْجُبَيْرِيّ , قَالَا : ثنا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ( { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : ذَوَا عَقْل . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ : مِنْ أَهْل مِلَّتكُمْ (ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10036 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : )شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . (10037 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : ) { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ . (* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : ) { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : اِثْنَانِ مِنْ أَهْل دِينكُمْ . (10038 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْته , عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ) { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ الْمِلَّة . (* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ : مِنْ أَهْل الْمِلَّة . )* - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ أَهْل الْمِلَّة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة , فَذَكَرَ مِثْله . 10039 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , وَقَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10040 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : ذَوَا عَدْل مِنْ أَهْل الْإِسْلَام . )10041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَيْ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام . )وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : ذَوَا عَدْل مِنْ حَيّ الْمُوصِي , وَذَلِكَ قَوْل رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَعَبِيدَة وَعِدَّة غَيْرهمَا . وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة مَا هِيَ , وَمَا هُمَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمَا شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّة الْمُوصِي . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمَا وَصِيَّانِ . وَتَأْوِيل الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ , قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } لِيَشْهَد شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ عَلَى وَصِيَّتكُمْ . وَتَأْوِيل الَّذِينَ قَالُوا : هُمَا وَصِيَّانِ لَا شَاهِدَانِ , قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } بِمَعْنَى الْحُضُور وَالشُّهُود لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمَرِيض , مِنْ قَوْلك : شَهِدْت وَصِيَّة فُلَان , بِمَعْنَى حَضَرْته . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : أَنَّهُمَا مِنْ أَهْل الْمِلَّة دُون مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُمَا مِنْ حَيّ الْمُوصِي . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِطَابِهِمْ بِذَلِكَ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَغَيْر جَائِز أَنْ يَصْرِف مَا عَمَّهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْخُصُوص إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون الْعَائِد مِنْ ذِكْرهمْ عَلَى الْعُمُوم , كَمَا كَانَ ذِكْرهمْ اِبْتِدَاء عَلَى الْعُمُوم . وَأَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْيَمِين , لَا الشَّهَادَة الَّتِي يَقُوم بِهَا مِنْ عِنْده شَهَادَة لِغَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ عِنْده عَلَى مِنْ هِيَ عَلَيْهِ عِنْد الْحُكَّام ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمًا يَجِب فِيهِ عَلَى الشَّاهِد الْيَمِين , فَيَكُون جَائِزًا صَرْف الشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى الشَّهَادَة الَّتِي يَقُوم بِهَا بَعْض النَّاس عِنْد الْحُكَّام وَالْأَئِمَّة . وَفِي حُكْم الْآيَة فِي هَذِهِ الْيَمِين عَلَى ذَوَيْ الْعَدْل , وَعَلَى مَنْ قَامَ مَقَامهمْ فِي الْيَمِين بِقَوْلِهِ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَة فِيهِ الْأَيْمَان دُون الشَّهَادَة الَّتِي يَقْضِي بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ , وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ وَجَدْت فِي حُكْم اللَّه تَعَالَى يَمِينًا تَجِب عَلَى الْمُدَّعِي فَتُوَجِّه قَوْلك فِي الشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى الصِّحَّة ؟ فَإِنْ قُلْت : لَا , تَبَيَّنَ فَسَاد تَأْوِيلك ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلْت ; لِأَنَّهُ يَجِب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون الْمُقْسِمَانِ فِي قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَا عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } هُمَا الْمُدَّعِيَيْنِ . وَإِنْ قُلْت بَلَى , قِيلَ لَك : وَفِي أَيّ حُكْم اللَّه تَعَالَى وَجَدْت ذَلِكَ ؟ قِيلَ : وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي أَكْثَر الْمَعَانِي , وَذَلِكَ فِي حُكْم الرَّجُل يَدَّعِي قِبَل رَجُل مَالًا , فَيُقِرّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَله ذَلِكَ وَيَدَّعِي قَضَاءَهُ , فَيَكُون الْقَوْل قَوْل رَبّ الدِّين , وَالرَّجُل يَعْتَرِف فِي يَد الرَّجُل السِّلْعَة , فَيَزْعُم الْمُعْتَرَفَة فِي يَده أَنَّهُ اِشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِي وَهَبَهَا لَهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُر إِحْصَاؤُهُ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْه أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعِيَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَا عَلَى الْجَانِيَيْنِ فِيمَا جَنَيَا فِيهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الرَّافِع قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } , وَقَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } شَهَادَة اِثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْل , ثُمَّ أُلْقِيَتْ الشَّهَادَة وَأُقِيمَ الِاثْنَانِ مَقَامهَا , فَارْتَفَعَا بِمَا كَانَتْ الشَّهَادَة بِهِ مُرْتَفِعَة لَوْ جُعِلَتْ فِي الْكَلَام . قَالَ : وَذَلِكَ فِي حَذْف مَا حُذِفَ مِنْهُ وَإِقَامَة مَا أُقِيمَ مَقَام الْمَحْذُوف , نَظِير قَوْله : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة } [12 82 ]وَإِنَّمَا يُرِيد : وَاسْأَلْ أَهْل الْقَرْيَة , وَانْتَصَبَتْ الْقَرْيَة بِانْتِصَابِ الْأَهْل وَقَامَتْ مَقَامه , ثُمَّ عَطَفَ قَوْله : | أَوْ آخَرَانِ | عَلَى | الِاثْنَيْنِ | . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : رَفَعَ الِاثْنَيْنِ بِالشَّهَادَةِ : أَيْ لِيَشْهَدكُمْ اِثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : رُفِعَتْ الشَّهَادَة بِ | إِذَا حَضَرَ | . وَقَالَ : إِنَّمَا رُفِعَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : | إِذَا حَضَرَ | , فَجَعَلَهَا شَهَادَة مَحْذُوفَة مُسْتَأْنَفَة , لَيْسَتْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ لِكُلِّ الْخَلْق ; لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } , وَهَذِهِ شَهَادَة لَا تَقَع إِلَّا فِي هَذَا الْحَال , وَلَيْسَتْ مِمَّا ثَبَتَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الشَّهَادَة مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : { إِذَا حَضَرَ } لِأَنَّ قَوْله : { إِذَا حَضَرَ } بِمَعْنَى : عِنْد حُضُور أَحَدكُمْ الْمَوْت , وَالِاثْنَانِ مَرْفُوع بِالْمَعْنَى الْمُتَوَهَّم , وَهُوَ أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ , فَاكْتُفِيَ مِنْ قِيل أَنْ يَشْهَد بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْر الشَّهَادَة فِي قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ الشَّهَادَة مَصْدَر فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَالِاثْنَانِ اِسْم , وَالِاسْم لَا يَكُون مَصْدَرًا , غَيْر أَنَّ الْعَرَب قَدْ تَضَع الْأَسْمَاء مَوَاضِع الْأَفْعَال . فَالْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَصُرِفَ كُلّ ذَلِكَ إِلَى أَصَحّ وُجُوهه مَا وَجَدْنَا إِلَيْهِ سَبِيلًا أَوْلَى بِنَا مِنْ صَرْفه إِلَى أَضْعَفهَا .|مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : لِيَشْهَد بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت عَدْلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ ; نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10042 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , وَبِشْر بْن مُعَاذ , قَالَا : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْص الْجُبَيْرِيّ عُبَيْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , مِثْله . 10043 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَسُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَا : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )10044 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر , يَقُول , مِثْل ذَلِكَ . 10045 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )10046 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 10047 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (إِنْ كَانَ قُرْبه أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدَهُمْ , وَإِلَّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . )10048 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَسَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَا : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَوَاء , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 10049 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَمِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . )10050 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح , فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : (إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتهمَا , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْمُسْلِمِينَ , وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْآخَرِينَ . )10051 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح : (أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيز شَهَادَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِم إِلَّا فِي الْوَصِيَّة , وَلَا يُجِيز شَهَادَتهمَا عَلَى الْوَصِيَّة إِلَّا إِذَا كَانُوا فِي سَفَر . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَوَكِيع , قَالَا : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , قَالَ : (لَا تَجُوز شَهَادَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِلَّا فِي سَفَر , وَلَا تَجُوز فِي سَفَر إِلَّا فِي وَصِيَّة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , نَحْوه . 10052 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (كَتَبَ هِشَام بْن هُبَيْرَة لِمَسْلَمَةَ عَنْ شَهَادَة الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَكَتَبَ : لَا تَجُوز شَهَادَة الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّة , وَلَا يَجُوز فِي وَصِيَّة إِلَّا أَنْ يَكُون الرَّجُل مُسَافِرًا . )10053 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْهَب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر الْمِلَّة . )* - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة , عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل الْمِلَّة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل الصَّلَاة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل دِينكُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل الْمِلَّة . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو حُرَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا هِشَام بْن مُحَمَّد , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْل اللَّه : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )10054 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . )10055 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . )10056 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ : قَالَ شُرَيْح : لَا تَجُوز شَهَادَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِلَّا فِي وَصِيَّة , وَلَا تَجُوز فِي وَصِيَّة إِلَّا فِي سَفَر . )10057 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بِدَقُوقَا , وَلَمْ يَجِد أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَقَدِمَا الْكُوفَة , فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ , وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّته , فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : هَذَا أَمْر لَمْ يَكُنْ بَعْد الَّذِي كَانَ فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَحْلَفَهُمَا , وَأَمْضَى شَهَادَتهمَا . )10058 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة الْأَزْرَق , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّ أَبَا مُوسَى قَضَى بِهَا بِدَقُوقَا . )10059 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ مُحَمَّد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } شَاهِدَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر الْمُسْلِمِينَ . )10060 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } (مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . )* - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . )10061 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة كُلّهَا . قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي رَجُل تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , وَذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام وَالْأَرْض حَرْب وَالنَّاس كُفَّار , إِلَّا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ , وَكَانَ النَّاس يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ , ثُمَّ نُسِخَتْ الْوَصِيَّة وَفُرِضَتْ الْفَرَائِض , وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر حَيّكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10062 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن الْهَيْثَم بْن الْجَهْم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : شَاهِدَانِ مِنْ قَوْمكُمْ وَمِنْ غَيْر قَوْمكُمْ . )10063 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا صَالِح بْن أَبِي الْأَخْضَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : (مَضَتْ السُّنَّة أَنْ لَا تَجُوز شَهَادَة كَافِر فِي حَضَر وَلَا سَفَر , إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَيْ مِنْ عَشِيرَته { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر عَشِيرَته . )10064 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم , عَنْ عِكْرِمَة : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل حَيّكُمْ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم , عَنْ عِكْرِمَة : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر حَيّكُمْ . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل حَيّه ; يَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر عَشِيرَتك , وَمِنْ غَيْر قَوْمك كُلّهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . )10065 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَوْله : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مُسْلِمِينَ مِنْ غَيْر حَيّكُمْ . )10066 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , قَالَ : (سَأَلْت اِبْن شِهَاب عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } قُلْت : أَرَأَيْت الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّه مِنْ غَيْر أَهْل الْمَرْء الْمُوصِي أَهُمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمْ هُمَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب ؟ وَأَرَأَيْت الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا , أَتَرَاهُمَا مِنْ غَيْر أَهْل الْمَرْء الْمُوصِي ؟ أَمْ هُمَا مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ اِبْن شِهَاب : لَمْ نَسْمَع فِي هَذِهِ الْآيَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَئِمَّة الْعَامَّة سُنَّة أَذْكُرهَا , وَقَدْ كُنَّا نَتَذَاكَرهَا أُنَاسًا مِنْ عُلَمَائِنَا أَحْيَانًا , فَلَا يَذْكُرُونَ فِيهَا سُنَّة مَعْلُومَة وَلَا قَضَاء مِنْ إِمَام عَادِل , وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِف فِيهَا رَأْيهمْ . وَكَانَ أَعْجَبهُمْ فِيهَا رَأْيًا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ : هِيَ فِيمَا بَيْن أَهْل الْمِيرَاث مِنْ الْمُسْلِمِينَ , يَشْهَد بَعْضهمْ الْمَيِّت الَّذِي يَرِثُونَهُ وَيَغِيب عَنْهُ بَعْضهمْ , وَيَشْهَد مَنْ شَهِدَهُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى فَيُخْبِرُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِمَا حَضَرُوا مِنْ وَصِيَّة , فَإِنْ سَلَّمُوا جَازَتْ وَصِيَّته وَإِنْ اِرْتَابُوا أَنْ يَكُونُوا بَدَّلُوا قَوْل الْمَيِّت وَآثَرُوا بِالْوَصِيَّةِ مَنْ أَرَادُوا مِمَّنْ لَمْ يُوصِ لَهُمْ الْمَيِّت بِشَيْءٍ حَلَفَ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ بَعْد الصَّلَاة وَهِيَ صَلَاة الْمُسْلِمِينَ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ ! فَإِذَا أَقْسَمَا عَلَى ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتهمَا وَأَيْمَانهمَا مَا لَمْ يُعْثَر عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ عُثِرَ قَامَ آخَرَانِ مَقَامهمَا مِنْ أَهْل الْمِيرَاث مِنْ الْخَصْم الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ الْمُسْتَحْلَفَانِ أَوَّل مَرَّة , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : لَشَهَادَتنَا عَلَى تَكْذِيبكُمَا أَوْ إِبْطَال مَا شَهِدْتُمَا بِهِ وَمَا اِعْتَدَيْنَا , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الظَّالِمِينَ ! ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ الْآيَة . )وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ عِنْد الْوَصِيَّة شَهَادَة اِثْنَيْنِ مِنْ عُدُول الْمُؤْمِنِينَ أَوْ اِثْنَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال فِي الْكَلَام صِفَة شَهَادَة مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر عَشِيرَتكُمْ , وَإِنَّمَا يُقَال : صِفَة شَهَادَة رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتكُمْ أَوْ مِنْ غَيْر عَشِيرَتكُمْ , أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ . فَإِذْ كَانَ لَا وَجْه لِذَلِكَ فِي الْكَلَام , فَغَيْر جَائِز صَرْف مُغْلَق كَلَام اللَّه تَعَالَى إِلَّا إِلَى أَحْسَن وُجُوهه . وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْل عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ , فَمَعْلُوم أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } إِنَّمَا هُوَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مِنْ غَيْر أَهْل دِيننَا يَهُودِيَّيْنِ كَانَا أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ عَابِدِي وَثَن أَوْ عَلَى أَيّ دِين كَانَا , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُخَصِّص آخَرَيْنِ مِنْ أَهْل مِلَّة بِعَيْنِهَا دُون مِلَّة بَعْد أَلَّا يَكُونَا مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام .|غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : صِفَة شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت وَقْت الْوَصِيَّة , أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ , إِنْ أَنْتُمْ سَافَرْتُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ فِي الْأَرْض . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لِلْمُسَافِرِ الضَّارِب فِي الْأَرْض . { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } يَقُول : فَنَزَلَ بِكُمْ الْمَوْت . وَوَجْه أَكْثَر التَّأْوِيل هَذَا الْمَوْضِع إِلَى مَعْنَى التَّعْقِيب دُون التَّخْيِير وَقَالُوا : مَعْنَاهُ : شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ , إِنْ وُجِدَا , فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَآخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ , وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ ; لِأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الشَّهَادَة فِي قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى مَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي تُوجِب لِلْقَوْمِ قِيَام صَاحِبهَا عِنْد الْحَاكِم , أَوْ يُبْطِلهَا . ذِكْر بَعْض مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 10067 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : ( { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . )10068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي قَوْله : ( { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : اِثْنَانِ مِنْ أَهْل دِينكُمْ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِذَا كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَجِد غَيْرهمْ . )10069 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . )10070 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : هَذَا فِي الْحَضَر , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فِي السَّفَر , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } هَذَا فِي الرَّجُل يُدْرِكهُ الْمَوْت فِي سَفَره وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , فَيُوصِي إِلَيْهِمَا . )10071 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَسَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة , قَالَ : إِذَا حَضَرَ الرَّجُل الْوَفَاة فِي سَفَر , فَيَشْهَد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يَجِد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . )10072 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْده الْمُسْلِمُونَ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُشْهِد عَلَى وَصِيَّته عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . ثُمَّ قَالَ : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . )وَوَجَّهَ ذَلِكَ آخَرُونَ إِلَى مَعْنَى التَّخْيِير , وَقَالُوا : إِنَّمَا عَنَى بِالشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْأَيْمَان عَلَى الْوَصِيَّة الَّتِي أَوْصَى إِلَيْهِمَا وَائْتِمَان الْمَيِّت إِيَّاهُمَا عَلَى مَا اِئْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ مَال لِيُؤَدِّيَاهُ إِلَى وَرَثَته بَعْد وَفَاته إِنْ اُرْتِيبَ بِهِمَا . قَالُوا : وَقَدْ يَأْمَن الرَّجُل عَلَى مَاله مَنْ رَآهُ مَوْضِعًا لِلْأَمَانَةِ , مِنْ مُؤْمِن وَكَافِر , فِي السَّفَر وَالْحَضَر . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل فِيمَا مَضَى , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّته إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى بَعْد .|الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت , إِنْ شَهِدَ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ , أَوْ كَانَ أَوْصَى إِلَيْهِمَا , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ , إِنْ كُنْتُمْ فِي سَفَر فَحَضَرَتْكُمْ الْمَنِيَّة فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال وَتَرِكَة لِوَرَثَتِكُمْ , فَإِذَا أَنْتُمْ أَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت , فَأَدَّيَا إِلَى وَرَثَتكُمْ مَا اِئْتَمَنْتُمُوهُمَا وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَة خَانَاهَا مِمَّا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ , فَإِنَّ الْحُكْم فِيهِمَا حِينَئِذٍ أَنْ تَحْبِسُوهُمَا , يَقُول : تَسْتَوْقِفُونَهُمَا بَعْد الصَّلَاة . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى مَا حُذِفَ , وَهُوَ : فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت وَقَدْ أَسْنَدْتُمْ وَصِيَّتكُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال , فَإِنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة . { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ } يَقُول : يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِتَّهَمْتُمُوهُمَا بِخِيَانَةٍ فِيمَا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ مِنْ تَغْيِير وَصِيَّة أَوْصَى إِلَيْهِمَا بِهَا , أَوْ تَبْدِيلهَا . وَالِارْتِيَاب : هُوَ الِاتِّهَام . { لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } يَقُول : يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا بِاَللَّهِ ثَمَنًا , يَقُول : لَا نَحْلِف كَاذِبِينَ عَلَى عِوَض نَأْخُذهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَال نَذْهَب بِهِ أَوْ لِحَقّ نَجْحَدهُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَوْصَى إِلَيْنَا وَإِلَيْهِمْ وَصِيَّتهمْ . وَالْهَاء فِي قَوْله | بِهِ | مِنْ ذِكْر اللَّه , وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْحَلِف وَالْقَسَم ; وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ جَرَى قَبْل ذَلِكَ ذِكْر الْقَسَم بِهِ , فَيُعْرَف مِنْ مَعْنَى الْكَلَام , وَاكْتُفِيَ بِهِ مِنْ إِعَادَة ذِكْر الْقَسَم وَالْحَلِف . { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يَقُول : يُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَا نَطْلُب بِإِقْسَامِنَا بِاَللَّهِ عِوَضًا فَنَكْذِب فِيهَا لِأَحَدٍ , وَلَوْ كَانَ الَّذِي نُقْسِم بِهِ لَهُ ذَا قَرَابَة مِنَّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10073 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَمَرَهُ اللَّه بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْد الصَّلَاة بِاَللَّهِ : لَمْ نَشْتَرِ بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا . )وَقَوْله : ( { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة } مِنْ صَلَاة الْآخَرَيْنِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة إِنْ اِرْتَبْتُمْ بِهِمَا , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . )وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ صَلَاة الْعَصْر ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10074 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بِدَقُوقَا , فَلَمْ يَجِد أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . قَالَ : فَقَدِمَا الْكُوفَة , فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ , وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّته , فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : هَذَا أَمْر لَمْ يَكُنْ بَعْد الَّذِي كَانَ فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَأَحْلَفَهُمَا بَعْد الْعَصْر بِاَللَّهِ : مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا , وَإِنَّهَا لَوَصِيَّة الرَّجُل وَتَرِكَته . قَالَ : فَأَمْضَى شَهَادَتهمَا . )10075 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ الشِّرْك فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْد الْعَصْر . )10076 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . 10077 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى : { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا رَجُل مَاتَ بِغُرْبَةٍ مِنْ الْأَرْض وَتَرَكَ تَرِكَته وَأَوْصَى بِوَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ عَلَى وَصِيَّته رَجُلَانِ , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْد الْعَصْر . وَكَانَ يُقَال عِنْدهَا تَصِير الْأَيْمَان . )10078 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَسَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } قَالَا : إِذَا حَضَرَ الرَّجُل الْوَفَاة فِي سَفَر , فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِذَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ , فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَرَثَة قُبِلَ قَوْلهمَا , وَإِنْ اِتَّهَمُوهُمَا أُحْلِفَا بَعْد صَلَاة الْعَصْر : بِاَللَّهِ مَا كَذَبْنَا , وَلَا كَتَمْنَا , وَلَا خُنَّا , وَلَا غَيَّرْنَا . )* - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْقَطَّان , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا , قَالَ : ثنا عَامِر : (أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ بِدَقُوقَا , فَلَمْ يَجِد مَنْ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته إِلَّا رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلهَا , فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى دُبُر صَلَاة الْعَصْر فِي مَسْجِد الْكُوفَة بِاَللَّهِ : مَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا , وَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّة . فَأَجَازَهَا . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُسْتَحْلَفَانِ بَعْد صَلَاة أَهْل دِينهمَا وَمِلَّتهمَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10079 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : هَذَا فِي الْوَصِيَّة عِنْد الْمَوْت يُوصِي وَيُشْهِد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا لَهُ وَعَلَيْهِ , قَالَ : هَذَا فِي الْحَضَر : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فِي السَّفَر { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } هَذَا الرَّجُل يُدْرِكهُ الْمَوْت فِي سَفَره وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , فَيُوصِي إِلَيْهِمَا وَيَدْفَع إِلَيْهِمَا مِيرَاثه , فَيَقْبَلَانِ بِهِ , فَإِنْ رَضِيَ أَهْل الْمَيِّت الْوَصِيَّة وَعَرَفُوا مَال صَاحِبهمْ تَرَكُوا الرَّجُلَيْنِ , وَإِنْ اِرْتَابُوا رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَان , فَذَلِكَ قَوْله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة إِنْ اِرْتَبْتُمْ } قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى الْعِلْجَيْنِ حِين اُنْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي دَاره , فَفَتَحَ الصَّحِيفَة فَأَنْكَرَ أَهْل الْمَيِّت وَخَوَّنُوهُمَا , فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفهُمَا بَعْد الْعَصْر , فَقُلْت لَهُ : إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاة الْعَصْر , وَلَكِنْ اِسْتَحْلِفْهُمَا بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , فَيُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , وَيُحْلَفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لِمَنْ الْآثِمِينَ , أَنَّ صَاحِبهمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته . فَيَقُول لَهُمَا الْإِمَام قَبْل أَنْ يَحْلِفَا : إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمكُمَا , وَلَمْ تَجُزْ لَكُمَا شَهَادَة وَعَاقَبْتُكُمَا ; فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا . )وَأَوْلَى ا

فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ عُثِرَ } فَإِنْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا , أَوْ ظَهَرَ . وَأَصْل الْعَثْر : الْوُقُوع عَلَى الشَّيْء وَالسُّقُوط عَلَيْهِ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهمْ : عَثَرَتْ إِصْبَع فُلَان بِكَذَا : إِذَا صَدَمَته وَأَصَابَتْهُ , وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : <br>بِذَاتِ لَوْث عَفَرْنَاة إِذَا عَثَرَتْ .......... فَالتَّعْس أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُول لَعَا <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : | عَثَرَتْ | : أَصَابَ مِيسَم خُفّهَا حَجَر أَوْ غَيْره , ثُمَّ يُسْتَعْمَل ذَلِكَ فِي كُلّ وَاقِع عَلَى شَيْء كَانَ عَنْهُ خَفِيًّا , كَقَوْلِهِمْ : | عَثَرَتْ عَلَى الْغَزْل بِأَخَرَةِ , فَلَمْ تَدَع بِنَجْدٍ قَرَدَة | , بِمَعْنَى : وَقَعَتْ . وَأَمَّا قَوْله : { عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ اُطُّلِعَ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّه أَمْرهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة بَعْد حَلِفهمَا بِاَللَّهِ : لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا , وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , يَقُول : عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَوْجَبَا بِأَيْمَانِهِمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا إِثْمًا , وَذَلِكَ أَنْ يُطَّلَع عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ فِي أَيْمَانهمَا بِاَللَّهِ مَا خُنَّا , وَلَا بَدَّلْنَا , وَلَا غَيَّرْنَا , فَإِنْ وُجِدَا قَدْ خَانَا مِنْ مَال الْمَيِّت شَيْئًا , أَوْ غَيَّرَا وَصِيَّته , أَوْ بَدَّلَا , فَأَثِمَا بِذَلِكَ مِنْ حَلِفهمَا بِرَبِّهِمَا ; { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : يَقُوم حِينَئِذٍ مَقَامهمَا مِنْ وَرَثَة الْمَيِّت الْأَوْلَيَانِ الْمُوصَى إِلَيْهِمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ الشِّرْك فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْد الْعَصْر , فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِمَا بَعْد حَلِفهمَا أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا , حَلَفَ أَوْلِيَاء الْمَيِّت أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ اِسْتَحَقُّوا . )10085 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . 10086 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا , اُسْتُحْلِفَا بَعْد الصَّلَاة بِاَللَّهِ : مَا اِشْتَرَيْنَا بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا ; فَإِنْ اُطُّلِعَ الْأَوْلِيَاء عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا فِي شَهَادَتهمَا , قَامَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَوْلِيَاء فَحَلَفَا بِاَللَّهِ : إِنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة , وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ ; فَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } يَقُول : إِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : مِنْ الْأَوْلِيَاء , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ : إِنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة , وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ . فَتُرَدّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ , وَتَجُوز شَهَادَة الْأَوْلِيَاء . )10087 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } أَيْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَة أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا . )وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ حَكَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَنَقَلَهَا إِلَى الْآخَرَيْنِ بَعْد أَنْ عُثِرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا . فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا أَلْزَمَهُمَا الْيَمِين إِذَا اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا عَلَى الْمَيِّت فِي وَصِيَّته أَنَّهُ أَوْصَى لِغَيْرِ الَّذِي يَجُوز فِي حُكْم الْإِسْلَام , وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلّه , أَوْ أَوْصَى أَنْ يُفَضَّل بَعْض وَلَده بِبَعْضِ مَاله ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10088 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض } إِلَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } يَقُول : فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ بَعْد الصَّلَاة , فَإِنْ حَلَفَا عَلَى شَيْء يُخَالِف مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْفَرِيضَة , يَعْنِي اللَّذَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت , فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ : مَا كَانَ صَاحِبنَا لَيُوصِي بِهَذَا , أَوْ : إِنَّهُمَا لَكَاذِبَانِ , وَلَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا . )10089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (يُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ : لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الْآثِمِينَ إِنَّ صَاحِبكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته ! فَإِذَا شَهِدَا , وَأَجَازَ الْإِمَام شَهَادَتهمَا عَلَى مَا شَهِدَا , قَالَ لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُل : اِذْهَبُوا فَاضْرِبُوا فِي الْأَرْض وَاسْأَلُوا عَنْهُمَا , فَإِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمْ عَلَيْهِمَا خِيَانَة أَوْ أَحَدًا يَطْعَن عَلَيْهِمَا رَدَدْنَا شَهَادَتهمَا ! فَيَنْطَلِق الْأَوْلِيَاء فَيَسْأَلُونَ , فَإِنْ وَجَدُوا أَحَدًا يَطْعَن عَلَيْهِمَا أَوْ هُمَا غَيْر مَرْضِيَّيْنِ عِنْدهمْ , أَوْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا مِنْ الْمَال وَجَدُوهُ عِنْدهمَا , فَأَقْبَلَ الْأَوْلِيَاء فَشَهِدُوا عِنْد الْإِمَام وَحَلَفُوا بِاَللَّهِ : لَشَهَادَتنَا إِنَّهُمَا لَخَائِنَانِ مُتَّهَمَانِ فِي دِينهمَا مَطْعُون عَلَيْهِمَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا بِمَا شَهِدَا , وَمَا اِعْتَدَيْنَا . فَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا أَلْزَمَ الشَّاهِدَانِ الْيَمِين ; لِأَنَّهُمَا اِدَّعَيَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِبَعْضِ الْمَال . وَإِنَّمَا يُنْقَل إِلَى الْآخَرَيْنِ مِنْ أَجْل ذَلِكَ إِذَا اِرْتَابُوا بِدَعْوَاهُمَا )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10090 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعْد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر فِي قَوْله : ( { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } قَالَ : زَعَمَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِكَذَا وَكَذَا , { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } أَيْ بِدَعْوَاهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } أَنَّ صَاحِبنَا لَمْ يُوصِ إِلَيْكُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقُولَانِ . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أُلْزِمَا الْيَمِين فِي ذَلِكَ بِاتِّهَامِ وَرَثَة الْمَيِّت إِيَّاهُمَا فِيمَا دَفَعَ إِلَيْهِمَا الْمَيِّت مِنْ مَاله , وَدَعْوَاهُمْ قِبَلهَا خِيَانَة مَال مَعْلُوم الْمَبْلَغ , وَنُقِلَتْ بَعْد إِلَى الْوَرَثَة عِنْد ظُهُور الرِّيبَة الَّتِي كَانَتْ مِنْ الْوَرَثَة فِيهِمَا , وَصِحَّة التُّهْمَة عَلَيْهِمَا بِشَهَادَةِ شَاهِد عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدهمَا , فَيَحْلِف الْوَارِث حِينَئِذٍ مَعَ شَهَادَة الشَّاهِد عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدهمَا إِنَّمَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ إِذَا حَقَّقَ حَقّه , أَوْ الْإِقْرَار يَكُون مِنْ الشُّهُود بِبَعْضِ مَا اِدَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَارِث أَوْ بِجَمِيعِهِ , ثُمَّ دَعْوَاهُمَا فِي الَّذِي أَقَرَّا بِهِ مِنْ مَال الْمَيِّت مَا لَا يُقْبَل فِيهِ دَعْوَاهُمَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ , ثُمَّ لَا يَكُون لَهُمَا عَلَى دَعْوَاهُمَا تِلْكَ بَيِّنَة , فَيُنْقَل حِينَئِذٍ الْيَمِين إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم مِنْ أَحْكَام الْإِسْلَام حُكْمًا يَجِب فِيهِ الْيَمِين عَلَى الشُّهُود اُرْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُرْتَبْ بِهَا , فَيَكُون الْحُكْم فِي هَذِهِ الشَّهَادَة نَظِيرًا لِذَلِكَ . وَلَمْ نَجِد ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ بِخَبَرٍ عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّة , لِأَنَّ اِسْتِحْلَاف الشُّهُود فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى , فَيَكُون أَصْلًا مُسَلَّمًا . وَالْمَقُول إِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُون أَصْلًا أَوْ نَظِيرًا لِأَصْلٍ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّة , كَانَ وَاضِحًا فَسَاده . وَإِذَا فَسَدَ هَذَا الْقَوْل بِمَا ذَكَرْنَا , فَالْقَوْل بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اُسْتُحْلِفَا مِنْ أَجْل أَنَّهُمَا اِدَّعَيَا عَلَى الْمَيِّت وَصِيَّة لَهُمَا بِمَالٍ مِنْ مَاله أَفْسَدَ مِنْ أَجْل أَنَّ أَهْل الْعِلْم لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى أَنَّ مُدَّعِيًا لَوْ اِدَّعَى فِي مَال مَيِّت وَصِيَّة أَنَّ الْقَوْل قَوْل وَرَثَة الْمُدَّعِي فِي مَاله الْوَصِيَّة مَعَ أَيْمَانهمْ , دُون قَوْل مُدَّعِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينه , وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَة . وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْيَمِين فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى الشُّهُود إِذَا اُرْتِيبَ بِهِمَا , وَإِنَّمَا نَقَلَ الْأَيْمَان عَنْهُمْ إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت , إِذَا عُثِرَ عَلَى أَنَّ الشُّهُود اِسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمْ ; فَمَعْلُوم بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : أَلْزَمَ الْيَمِين الشُّهُود لِدَعْوَاهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَصِيَّة أَوْصَى بِهَا لَهُمْ الْمَيِّت فِي مَاله , عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل هُوَ التَّأْوِيل الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10091 - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : . (خَرَجَ رَجُل مِنْ بَنِي سَهْم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وَعَدِيّ بْن بَدَّاء , فَمَاتَ السَّهْمِيّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِم , فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ , فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّة مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ , فَأَحْلَفَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ وَجَدَ الْجَام بِمَكَّة , فَقَالُوا : اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيم الدَّارِيّ وَعَدِيّ بْن بَدَّاء . فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاء السَّهْمِيّ فَحَلَفَا : لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا , وَأَنَّ الْجَام لِصَاحِبِهِمْ . قَالَ : وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } . )10092 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَبِي شُعَيْب الْحَرَّانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْحَرَّانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِي النَّضْر , عَنْ زَاذَان مَوْلَى أُمّ هَانِئ اِبْنَة أَبِي طَالِب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } قَالَ : بَرِئَ النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْر عَدِيّ بْن بَدَّاء , وَكَانَا نَصْرَانِيِّينَ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قَبْل الْإِسْلَام , فَأَتَيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا , وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلَى لِبَنِي سَهْم , يُقَال لَهُ بُدَيْل بْن أَبِي مَرْيَم بِتِجَارَةٍ , وَمَعَهُ جَام فِضَّة يُرِيد بِهِ الْمَلِك , وَهُوَ عِظَم تِجَارَته , فَمَرِضَ , فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْله . قَالَ تَمِيم : فَلَمَّا مَاتَ , أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَام , فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَم فَقَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيّ بْن بَدَّاء , فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى أَهْله دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا , وَفَقَدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنْهُ فَقُلْنَا : مَا تَرَكَ غَيْر هَذَا , وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْره . قَالَ تَمِيم : فَلَمَّا أَسْلَمْت بَعْد قُدُوم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة تَأَثَّمْت مِنْ ذَلِكَ , فَأَتَيْت أَهْله فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَر , وَأَدَّيْت إِلَيْهِمْ خَمْسمِائَةِ دِرْهَم , وَأَخْبَرْتهمْ أَنَّ عِنْد صَاحِبِي مِثْلهَا , فَأَتَوْا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلَمْ يَجِدُوا , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعَظَّم بِهِ عَلَى أَهْل دِينه , فَحَلَفَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } فَقَامَ عَمْرو بْن الْعَاص , وَرَجُل آخَر مِنْهُمْ , فَحَلَفَا , فَنُزِعَتْ الْخَمْسمِائَةِ مِنْ عَدِيّ بْن بَدَّاء . )10093 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَابْن سِيرِينَ وَغَيْره . قَالَ : وَثنا الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , دَخَلَ حَدِيث بَعْضهمْ فِي بَعْض : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة , قَالَ : كَانَ عَدِيّ وَتَمِيم الدَّارِيّ - وَهُمَا مِنْ لَخْم - نَصْرَانِيَّينِ يَتَّجِرَانِ إِلَى مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة . فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَا مَتْجَرهمَا إِلَى الْمَدِينَة , فَقَدِمَ اِبْن أَبِي مَارِيَة مَوْلَى عَمْرو بْن الْعَاص الْمَدِينَة , وَهُوَ يُرِيد الشَّام تَاجِرًا . فَخَرَجُوا جَمِيعًا , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق مَرِضَ اِبْن أَبِي مَارِيَة , فَكَتَبَ وَصِيَّته بِيَدِهِ ثُمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعه , ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا . فَلَمَّا مَاتَ , فَتَحَا مَتَاعه , فَأَخَذَا مَا أَرَادَا . ثُمَّ قَدِمَا عَلَى أَهْله فَدَفَعَا مَا أَرَادَا , فَفَتَحَ أَهْله مَتَاعه , فَوَجَدُوا كِتَابه وَعَهْده وَمَا خَرَجَ بِهِ , وَفَقَدُوا شَيْئًا فَسَأَلُوهُمَا عَنْهُ , فَقَالُوا : هَذَا الَّذِي قَبَضْنَا لَهُ وَدَفَعَ إِلَيْنَا ! قَالَ لَهُمَا أَهْله : فَبَاعَ شَيْئًا أَوْ اِبْتَاعَهُ ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَهَلْ اِسْتَهْلَكَ مِنْ مَتَاعه شَيْئًا ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَهَلْ تَجَرَ تِجَارَة ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَإِنَّا قَدْ فَقَدْنَا بَعْضه ! فَاتُّهِمَا , فَرَفَعُوهُمَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } قَالَ : فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُمَا فِي دُبُر صَلَاة الْعَصْر : بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , مَا قَبَضْنَا لَهُ غَيْر هَذَا وَلَا كَتَمْنَا ! قَالَ : فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ نَمْكُث , ثُمَّ ظُهِرَ مَعَهُمَا عَلَى إِنَاء مِنْ فِضَّة مَنْقُوش مُمَوَّه بِذَهَبٍ , فَقَالَ أَهْله : هَذَا مِنْ مَتَاعه , قَالَا : نَعَمْ , وَلَكِنَّا اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ وَنَسِينَا أَنْ نَذْكُرهُ حِين حَلَفْنَا , فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّب أَنْفُسنَا ! فَتَرَافَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ الْآيَة الْأُخْرَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْمَيِّت أَنْ يَحْلِفَا عَلَى مَا كَتَمَا وَغَيَّبَا وَيَسْتَحِقَّانِهِ . ثُمَّ إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيّ أَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ يَقُول : صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله , أَنَا أَخَذْت الْإِنَاء . )10094 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَذَا شَيْء حِين لَمْ يَكُنْ الْإِسْلَام إِلَّا بِالْمَدِينَةِ , وَكَانَتْ الْأَرْض كُلّهَا كُفْرًا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَخْرُج مُسَافِرًا وَالْعَرَب أَهْل كُفْر , فَعَسَى أَنْ يَمُوت فِي سَفَره فَيُسْنِد وَصِيَّته إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ فِي أَمْرهمَا إِذَا قَالَ الْوَرَثَة : كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا . { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } إِنَّمَا حَلَفَا عَلَى بَاطِل وَكَذِبٍ . { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } بِالْمَيِّتِ ; { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا وَمَا اِعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , قَالَ هَؤُلَاءِ : لَمْ يَكُنْ مَعَهُ . قَالَ : ثُمَّ عُثِرَ عَلَى بَعْض الْمَتَاع عِنْدهمَا , فَلَمَّا عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّتْ الْقَسَامَة عَلَى وَارِثه , فَأَقْسَمَا , ثُمَّ ضَمِنَ هَذَانِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان } فَتَبْطُل أَيْمَانهمْ , { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : قَدِمَ تَمِيم الدَّارِيّ وَصَاحِب لَهُ , وَكَانَا يَوْمئِذٍ مُشْرِكَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا أَسْلَمَا , فَأَخْبَرَا أَنَّهُمَا أَوْصَى إِلَيْهِمَا رَجُل , وَجَاءَا بِتَرِكَتِهِ , فَقَالَ أَوْلِيَاء الْمَيِّت : كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , وَكَانَ مَعَهُ إِبْرِيق فِضَّة ; وَقَالَ الْآخَرَانِ : لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا الَّذِي جِئْنَا بِهِ . فَحَلَفَا خَلْف الصَّلَاة . ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِمَا بَعْدُ وَالْإِبْرِيق مَعَهُمَا ; فَلَمَّا عُثِرَ عَلَيْهِمَا رُدَّتْ الْقَسَامَة عَلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت بِاَلَّذِي قَالُوا مَعَ صَاحِبهمْ , ثُمَّ ضَمَّنَهَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوْلَيَانِ . )10095 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا الشَّافِعِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن مُعَاذ بْن مُوسَى الْجَعْفَرِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن مَعْرُوف , عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , قَالَ بَكْر : قَالَ مُقَاتِل : (أَخَذْت هَذَا التَّفْسِير عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْل دَارِينَ , أَحَدهمَا تَمِيمِيّ وَالْآخَر يَمَانِيّ , صَاحَبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَة , فَرَكِبُوا الْبَحْر وَمَعَ الْقُرَشِيّ مَال مَعْلُوم قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْن آنِيَة وَبَزّ وَرِقَة . فَمَرِضَ الْقُرَشِيّ , فَجَعَلَ وَصِيَّته إِلَى الدَّارِيَيْنِ , فَمَاتَ . وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَال وَالْوَصِيَّة , فَدَفَعَاهُ إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت , وَجَاءَا بِبَعْضِ مَاله . وَأَنْكَرَ الْقَوْم قِلَّة الْمَال , فَقَالُوا لِلدَّارِيَيْنِ : إِنَّ صَاحِبنَا قَدْ خَرَجَ مَعَهُ بِمَالٍ أَكْثَر مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ , فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ اِشْتَرَى شَيْئًا فَوَضَعَ فِيهِ ؟ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضه فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسه ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا ! فَقَبَضُوا الْمَال وَرَفَعُوا أَمْرهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى آخَر الْآيَة . فَلَمَّا نَزَلَ : أَنْ يُحْبَسَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَا بَعْد الصَّلَاة , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبّ السَّمَوَات مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنْ الْمَال إِلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ , وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ الدُّنْيَا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الْآثِمِينَ ! فَلَمَّا حَلَفَا خُلِّيَ سَبِيلهمَا . ثُمَّ إِنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْد ذَلِكَ إِنَاء مِنْ آنِيَّة الْمَيِّت , فَأُخِذَ الدَّارِيَانِ فَقَالَا : اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاته ! وَكَذَبَا , فَكُلِّفَا الْبَيِّنَة فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا . فَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ } يَقُول : فَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ إِنْ كَتَمَا حَقًّا , فَآخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنَّ مَال صَاحِبنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ الَّذِي يُطْلَب قِبَل الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ , وَمَا اِعْتَدَيْنَا , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الظَّالِمِينَ . هَذَا قَوْل الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاء الْمَيِّت , ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاس أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِّينَا دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ حُكْم اللَّه تَعَالَى بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْل دَعْوَى وَرَثَته عَلَى الْمُسْنَد إِلَيْهِمَا الْوَصِيَّة خِيَانَة فِيمَا دَفَعَ الْمَيِّت مِنْ مَاله إِلَيْهِمَا , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْرَأ فِيهَا الْمُدَّعِي ذَلِكَ قِبَله إِلَّا بِيَمِينٍ , وَإِنْ نُقِلَ الْيَمِين إِلَى وَرَثَة الْمَيِّت , بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى بَعْد أَنْ عُثِرَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمَا , ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى كَذِبهمَا فِيهَا , إِنَّ الْقَوْم اِدَّعَوْا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوَى مِنْ اِنْتِقَال مِلْك عَنْهُ إِلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُول بِهِ الْأَمْلَاك , مِمَّا يَكُون الْيَمِين فِيهَا عَلَى وَرَثَة الْمَيِّت دُون الْمُدَّعَى , وَتَكُون الْبَيِّنَة فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي ; وَفَسَاد مَا خَالَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل . وَفِيهَا أَيْضًا الْبَيَان الْوَاضِح عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي أَوَّل هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا هِيَ الْيَمِين , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي مَوَاضِع أُخَر : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } , فَالشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهَا الْقَسَم مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَشْهَد بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ , وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِنَّمَا هُوَ قَسَم بَيْنكُمْ , { إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة } أَنْ يُقْسِم { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } إِنْ كَانَا ائْتُمِنَا عَلَى مَا قَالَ , فَارْتِيبَ بِهِمَا , أَوْ اؤْتُمِنَ آخَرَانِ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ فَاتُّهِمَا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ نَقْل الْيَمِين مِنْ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا إِلَى الْآخَرَيْنِ , قَالَ : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } وَمَعْلُوم أَنَّ أَوْلِيَاء الْمَيِّت الْمُدَّعِينَ قِبَل اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا , غَيْر جَائِز أَنْ يَكُونَا شُهَدَاء بِمَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي يُؤْخَذ بِهَا فِي الْحُكْم حَقّ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَم لِلَّهِ تَعَالَى حُكْم قَضَى فِيهِ لِأَحَدٍ بِدَعْوَاهُ , وَيَمِينه عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُرْهَان . فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْله : { لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : قَسَمنَا أَحَقّ مِنْ قَسَمهمَا , وَكَانَ قَسَم اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا أَثِمَا هُوَ الشَّهَادَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } صَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } بِمَعْنَى الشَّهَادَة فِي قَوْله : { لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَسَم . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : | مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ | بِضَمِّ التَّاء . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَأُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ } بِفَتْحِ التَّاء . وَاخْتَلَفَتْ أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { الْأَوْلَيَانِ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام وَالْبَصْرَة : { الْأَوْلَيَانِ } , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : | الْأَوَّلَيْنِ | . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : | مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوَّلَانِ | . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : | مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ | قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاء , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , مَعَ مُسَاعَدَة عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل عَلَى صِحَّة تَأْوِيله , وَذَلِكَ إِجْمَاع عَامَّتهمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيله : فَآخَرَانِ مِنْ أَهْل الْمَيِّت الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ الْمُؤْتَمَنَانِ عَلَى مَال الْمَيِّت الْإِثْم فِيهِمْ , يَقُومَانِ مَقَام الْمُسْتَحِقّ الْإِثْم فِيهِمَا بِخِيَانَتِهِمَا مَا خَانَا مِنْ مَال الْمَيِّت . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِل ذَلِكَ أَوْ أَكْثَر قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَنَحْنُ ذَاكِرُوا بَاقِيهمْ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ . )10096 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { شَهَادَة بَيْنكُمْ } أَنْ يَمُوت الْمُؤْمِن فَيَحْضُر مَوْته مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَا يَحْضُرهُ غَيْر اِثْنَيْنِ مِنْهُمْ , فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَته مَا عَاجَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَته فَذَاكَ , وَحَلَفَ الشَّاهِدَانِ إِنْ اُتُّهِمَا إِنَّهُمَا لَصَادِقَانِ , فَإِنْ عُثِرَ وُجِدَ لَطْخ حَلَفَ الِاثْنَانِ الْأَوْلَيَانِ مِنْ الْوَرَثَة , فَاسْتَحَقَّا , وَأَبْطَلَا أَيْمَان الشَّاهِدَيْنِ . وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ التَّاء , أَرَادُوا أَنْ يُوَجِّهُوا تَأْوِيله إِلَى : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مَقَام الْمُؤْتَمَنَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا فِي الْقَسَم وَالِاسْتِحْقَاق بِهِ عَلَيْهِمَا دَعْوَاهُمَا قِبَلهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤْتَمَنَيْنِ عَلَى الْمَال عَلَى خِيَانَتهمَا الْقِيَام مَقَامهمَا فِي الْقَسَم وَالِاسْتِحْقَاق فِي الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَة مَنْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْهُ , فَقَرَأَ ذَلِكَ : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ } بِفَتْحِ التَّاء عَلَى مَعْنَى : الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ وَمَاله . وَذَلِكَ مَذْهَب صَحِيح وَقِرَاءَة غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّتهَا , غَيْر أَنَّا نَخْتَار الْأُخْرَى لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا مَعَ مُوَافَقَتهَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . )10097 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن وَكُرَيْب عَنْ عَلِيّ , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : ( مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ . )10098 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ وَائِل مَوْلَى أَبِي عُبَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن عَقِيل , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , عَنْ أَبِي بْن كَعْب , (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : | مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ . )وَأَمَّا أَوْلَى الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : { الْأَوْلَيَانِ } عِنْدِي , فَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { الْأَوْلَيَانِ } بِصِحَّةِ مَعْنَاهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ فِيهِمْ الْإِثْم , ثُمَّ حُذِفَ | الْإِثْم | وَأُقِيمَ مَقَامه | الْأَوْلَيَانِ | , لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظُلِمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَة اللَّذَيْنِ اِسْتَحَقَّا الْإِثْم وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ اِئْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّت , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْل الْعَرَب مِثْل ذَلِكَ مِنْ حَذْفهمْ الْفِعْل اِجْتِزَاء بِالِاسْمِ , وَحَذْفهمْ الِاسْم اِجْتِزَاء بِالْفِعْلِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْقِصَّة , وَهُوَ قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ } وَمَعْنَاهُ : أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ , وَكَمَا قَالَ : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } فَقَالَ | بِهِ | , فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اِسْم | اللَّه | ; وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاَللَّهِ , فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اِسْم اللَّه بِالذِّكْرِ , وَالْمُرَاد بِهِ : لَا نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاَللَّهِ ; اِسْتِغْنَاء بِفَهْمِ السَّامِع بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْر اِسْم الْقَسَم . وَكَذَلِكَ اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْأَوْلَيَيْنِ مِنْ ذِكْر الْإِثْم الَّذِي اِسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهَا , إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْر ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِع عِنْد سَمَاعه إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَته , وَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ | الْأَوَّلِينَ | فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَة بِهِ عَنْ | الَّذِينَ | , فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْجَمْع , إِذْ كَانَ | الَّذِينَ | جَمْعًا وَخَفْضًا , إِذْ كَانَ | الَّذِينَ | مَخْفُوضًا . وَذَلِكَ وَجْه مِنْ التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال لِلشَّيْءِ أَوَّل إِذَا كَانَ لَهُ آخِر هُوَ لَهُ أَوَّل , وَلَيْسَ لِلَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْإِثْم آخِرهمْ لَهُ أَوَّل , بَلْ كَانَتْ أَيْمَان الَّذِينَ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْل إِيمَانهمْ , فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانهمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آخَرِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَيْنِ وَأَيْمَانهمْ آخِرَة لِأُولَى قَبْلهَا . وَأَمَّا الْقِرَاءَة الَّتِي حُكِيَتْ عَنْ الْحَسَن , فَقِرَاءَة عَنْ قِرَاءَة الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء شَاذَّة , وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتهمْ دَلِيلًا عَلَى بُعْدهَا مِنْ الصَّوَاب . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الرَّافِع لِقَوْلِهِ : { الْأَوْلَيَانِ } إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : يَزْعُم أَنَّهُ رُفِعَ ذَلِكَ بَدَلًا مِنْ | آخَرَانِ | فِي قَوْله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } وَقَالَ : إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَل الْأَوْلَيَانِ وَهُوَ مَعْرِفَة مِنْ آخَرَانِ وَهُوَ نَكِرَة , لِأَنَّهُ حِين قَالَ : { يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ } كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى , فَقَالَ : | الْأَوْلَيَانِ | , فَأَجْرَى الْمَعْرِفَة عَلَيْهِمَا بَدَلًا . قَالَ : وَمِثْل هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِير . وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْله ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِز : <br>عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِك الْأُمُورَا .......... صَوْمَ شُهُور وَجَبَتْ نُذُورَا <br><br>وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا <br>قَالَ : فَجَعَلَهُ | عَلَيَّ وَاجِب | ; لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَقُول : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون | الْأَوْلَيَانِ | بَدَلًا مِنْ | آخَرَانِ | مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ | فَيُقْسِمَانِ | عَلَى | يَقُومَانِ | فِي قَوْله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ } فَلَمْ يَتِمّ الْخَبَر عِنْد مَنْ قَالَ : لَا يَجُوز الْإِبْدَال قَبْل إِتْمَام الْخَبَر , كَمَا قَالَ : غَيْر جَائِز | مَرَرْت بِرَجُلٍ قَامَ زَيْد وَقَعَدَ | وَزَيْد بَدَل مِنْ رَجُل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : | الْأَوْلَيَانِ | مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَهُوَ قَوْله : | اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ | وَأَنَّهُمَا مَوْضِع الْخَبَر عَنْهُمَا , فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَر عَنْهُمَا ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْإِثْم بِالْخِيَانَةِ , فَوَضَعَ | الْأَوْلَيَانِ | مَوْضِع | الْإِثْم | كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِع آخَر : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } وَمَعْنَاهُ : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر ؟ وَكَمَا قَالَ : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل بِكُفْرِهِمْ } , وَكَمَا قَالَ بَعْض الْهُذَلِيِّينَ : <br>يَمْشِي بَيْننَا حَانُوت خَمْر .......... مِنْ الْخُرْس الصَّرَاصِرَة الْقِطَاط <br>وَهُوَ يَعْنِي صَاحِب حَانُوت خَمْر , فَأَقَامَ الْحَانُوت مَقَامه لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْحَانُوت لَا يَمْشِي , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْده أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعه مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ حَذَفَ الصَّاحِب , وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْحَانُوت مِنْهُ , فَكَذَلِكَ قَوْله : | مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ | إِنَّمَا هُوَ مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ فِيهِمْ خِيَانَتهمَا , فَحُذِفَتْ | الْخِيَانَة | وَأُقِيمَ | الْمُخْتَانَانِ | مَقَامهَا , فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَل فِي الْمَحْذُوف وَلَوْ ظَهَرَ . وَأَمَّا قَوْله : | عَلَيْهِمْ | فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّ مَعْنَاهَا : فِيهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } يَعْنِي : فِي مُلْك سُلَيْمَان , وَكَمَا قَالَ : { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوع النَّخْل } فَ | فِي | تُوضَع مَوْضِع | عَلَى | , وَ | عَلَى | فِي مَوْضِع | فِي | كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تُعَاقِب صَاحِبَتهَا فِي الْكَلَام , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : <br>مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا .......... عَلَى أَقْطَارهَا عَلَق نَفِيث <br>وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى : | فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ | أَنَّهُمَا رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ رَجُلَانِ أَعْدَل مِنْ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح فِي هَذِهِ الْآيَة : ( { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة , وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ , فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتهمْ , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْمُسْلِمَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْآخَرَيْنِ . )10100 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ( { فَإِنْ عُثِرَ } أَيْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَة عَلَى أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا , فَشَهِدَ رَجُلَانِ هُمَا أَعْدَل مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا قَالَا , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْآخَرَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْأَوَّلَيْنِ . )10101 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : (كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ : | مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ | قَالَ : كَيْفَ يَكُون | الْأَوْلَيَانِ | , أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ . )* - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (كَانَ يَقْرَأ : | مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ | قَالَ : وَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ , كَيْفَ يَقُومَانِ مَقَامهمَا . )قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر : فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا أَرَى إِلَى نَحْو الْقَوْل الَّذِي حَكَيْت عَنْ شُرَيْح وَقَتَادَة , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُومَانِ مَقَام النَّصْرَانِيِّينَ , أَوْ عَدْلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُمَا أَعْدَل وَأَجْوَز شَهَادَة مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الْمُقْسِمَيْنِ . وَفِي إِجْمَاع جَمِيع أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ لَا حُكْم لِلَّهِ تَعَالَى يَجِب فِيهِ عَلَى شَاهِد يَمِين فِيمَا قَامَ بِهِ مِنْ الشَّهَادَة , دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ غَيْر هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ الْحَسَن وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } أَوْلَى بِهِ . وَأَمَّا قَوْله { الْأَوْلَيَانِ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدنَا : الْأَوْلَى - بِالْمَيِّتِ مِنْ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ - فَالْأَوْلَى , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : الْأَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى , ثُمَّ حَذَفَ | مِنْهُمَا | ; وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فَتَقُول : فُلَان أَفْضَل , وَهِيَ تُرِيد أَفْضَل مِنْك , وَذَلِكَ إِذَا وُضِعَ أَفْعَل مَوْضِع الْخَبَر . وَإِنْ وَقَعَ مَوْقِع الِاسْم وَأُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام , فَعَلُوا ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَدْ مَضَى , فَقَالُوا : هَذَا الْأَفْضَل , وَهَذَا الْأَشْرَف ; يُرِيدُونَ هُوَ الْأَشْرَف مِنْك . وَقَالَ اِبْن زَيْد : مَعْنَى ذَلِكَ : الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ . 10102 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن وَهْب , ع

ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } هَذَا الَّذِي قُلْت لَكُمْ فِي أَمْر الْأَوْصِيَاء إِذَا اِرْتَبْتُمْ فِي أَمْرهمْ وَاتَّهَمْتُمُوهُمْ بِخِيَانَةِ الْمَال مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْسهمْ بَعْد الصَّلَاة , وَاسْتِحْلَافكُمْ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا اِدَّعَى قِبَلهمْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت ; { أَدْنَى لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا } يَقُول : هَذَا الْفِعْل إِذَا فَعَلْتُمْ بِهِمْ أَقْرَب لَهُمْ أَنْ يَصْدُقُوا فِي أَيْمَانهمْ , وَلَا يَكْتُمُوا , وَيُقِرُّوا بِالْحَقِّ , وَلَا يَخُونُوا . { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } يَقُول أَوْ يَخَافُوا هَؤُلَاءِ الْأَوْصِيَاء إِنْ عُثِرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ اِسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمْ بِاَللَّهِ , أَنْ تُرَدّ أَيْمَانهمْ عَلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت بَعْد أَيْمَانهمْ الَّتِي عُثِرَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَذِب , فَيَسْتَحِقُّوا بِهَا مَا اِدَّعَوْا قِبَلهمْ مِنْ حُقُوقهمْ , فَيَصْدُقُوا حِينَئِذٍ فِي أَيْمَانهمْ وَشَهَادَتهمْ مَخَافَة الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ وَحَذَرًا أَنْ يَسْتَحِقّ عَلَيْهِمْ مَا خَانُوا فِيهِ أَوْلِيَاء الْمَيِّت وَوَرَثَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ; وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ بَعْضهمْ , نَحْنُ ذَاكِرُو الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْض مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . 10103 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : ( { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } يَقُول : إِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : مِنْ الْأَوْلِيَاء , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ أَنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة وَأَنَّا لَمْ نَعْتَدِ , فَتُرَدّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ وَتَجُوز شَهَادَة الْأَوْلِيَاء . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتِيَ الْكَافِرُونَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ . وَلَيْسَ عَلَى شُهُود الْمُسْلِمِينَ أَقْسَام , وَإِنَّمَا الْأَقْسَام إِذَا كَانُوا كَافِرَيْنِ . )10104 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ } الْآيَة , يَقُول : ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يَصْدُقُوا فِي شَهَادَتهمْ , وَأَنْ يَخَافُوا الْعِقَاب . )10105 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } قَالَ : فَتَبْطُل أَيْمَانهمْ , وَتُؤْخَذ أَيْمَان هَؤُلَاءِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , وَعَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10106 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (يُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لِمَنْ الْآثِمِينَ , إِنَّ صَاحِبكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته ! فَيَقُول لَهُمَا الْإِمَام قَبْل أَنْ يَحْلِفَا : إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمكُمَا وَلَمْ أُجِزْ لَكُمَا شَهَادَة وَعَاقَبْتُكُمَا . فَإِنْ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا . )ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , هَلْ هُوَ مَنْسُوخ , أَوْ هُوَ مُحْكَم ثَابِت ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَنْسُوخ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10108 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا . اِبْن إِدْرِيس , عَنْ رَجُل , قَدْ سَمَّاهُ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : (هِيَ مَنْسُوخَة . )10109 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : (هِيَ مَنْسُوخَة . يَعْنِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة . )وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل أَكْثَرهمْ فِيمَا مَضَى . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْم الْآيَة مَنْسُوخ , وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل الْإِسْلَام , مِنْ لَدُنْ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمنَا هَذَا , أَنَّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَعْوَى مِمَّا يَمْلِكهُ بَنُو آدَم أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُبَرِّئُهُ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمِين إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَة تُصَحِّح دَعْوَاهُ , وَأَنَّهُ إِنْ اِعْتَرَفَ وَفِي يَدَيْ الْمُدَّعِي سِلْعَة لَهُ , فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ دُون الَّذِي فِي يَده , فَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَده : بَلْ هِيَ لِي اِشْتَرَيْتهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي , أَنَّ الْقَوْل قَوْل مَنْ زَعَمَ الَّذِي هِيَ فِي يَده أَنَّهُ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ دُون مَنْ هِيَ فِي يَده مَعَ يَمِينه إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي هِيَ فِي يَده بَيِّنَة تُحَقِّق بِهِ دَعْوَاهُ الشِّرَاء مِنْهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ حُكْم اللَّه الَّذِي لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل الْعِلْم , وَكَانَتْ الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيهِمَا أَمْر وَصِيَّة الْمُوصِي إِلَى عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إِلَى آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرهمْ , إِنَّمَا أَلْزَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ الْوَصِيَّيْنِ الْيَمِين حِين اِدَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَرَثَة مَا اِدَّعَوْا ثُمَّ لَمْ يُلْزِم الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا إِذْ حَلَفَا , حَتَّى اِعْتَرَفَتْ الْوَرَثَة فِي أَيْدِيهمَا مَا اِعْتَرَفُوا مِنْ الْجَام أَوْ الْإِبْرِيق أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالهمْ فَزَعَمَا أَنَّهُمَا اِشْتَرَيَاهُ مِنْ مَيِّتهمْ , فَحِينَئِذٍ أَلْزَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَثَة الْمَيِّت الْيَمِين , لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ تَحَوَّلَا مُدَّعِيَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا مَا وَجَدَا فِي أَيْدِيهمَا مِنْ مَال الْمَيِّت أَنَّهُ لَهُمَا اِشْتَرَيَا ذَلِكَ مِنْهُ فَصَارَا مُقِرَّيْنِ بِالْمَالِ لِلْمَيِّتِ مُدَّعِيَيْنِ مِنْهُ الشِّرَاء , فَاحْتَاجَا حِينَئِذٍ إِلَى بَيِّنَة تُصَحِّح دَعْوَاهُمَا ; وَوَرَثَة الْمَيِّت رَبّ السِّلْعَة أَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } الْآيَة . فَإِذْ كَانَ تَأْوِيل ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة ; لِأَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يُقْضَى عَلَى حُكْم مِنْ أَحْكَام اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ مَنْسُوخ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَع الْعُذْر إِمَّا مِنْ عِنْد اللَّه أَوْ مِنْ عِنْد رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ بِوُرُودِ النَّقْل الْمُسْتَفِيض بِذَلِكَ , فَأَمَّا وَلَا خَبَر بِذَلِكَ , وَلَا يَدْفَع صِحَّته عَقْل , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ .|وَاتَّقُوا اللَّهَ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَخَافُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس , وَرَاقِبُوهُ فِي أَيْمَانكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِهَا كَاذِبَة وَأَنْ تُذْهِبُوا بِهَا مَال مَنْ يَحْرُم عَلَيْكُمْ مَاله , وَأَنْ تَخُونُوا مَنْ اِئْتَمَنَكُمْ .|وَاسْمَعُوا|يَقُول : اِسْمَعُوا مَا يُقَال لَكُمْ وَمَا تُوعَظُونَ بِهِ , فَاعْمَلُوا بِهِ وَانْتَهُوا إِلَيْهِ .|وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ|يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق مَنْ فَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه فَخَالَفَهُ وَأَطَاعَ الشَّيْطَان وَعَصَى رَبّه . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : الْفَاسِق فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ الْكَاذِب . 10107 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : ( { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } الْكَاذِبِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب . )وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ اِبْن زَيْد مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي بِمَدْفُوعٍ , إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ الْخَبَر بِأَنَّهُ لَا يَهْدِي جَمِيع الْفُسَّاق , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض بِخَبَرٍ وَلَا عَقْل , فَذَلِكَ عَلَى مَعَانِي الْفِسْق كُلّهَا حَتَّى يُخَصِّص شَيْئًا مِنْهَا مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ فَيُسَلَّم لَهُ .

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس , وَاسْمَعُوا وَعْظه إِيَّاكُمْ وَتَذْكِيره لَكُمْ , وَاحْذَرُوا يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل . ثُمَّ حَذَفَ | وَاحْذَرُوا | وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا } عَنْ إِظْهَاره , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا .......... حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَة عَيْنَاهَا <br>يُرِيد : وَسَقَيْتهَا مَاء بَارِدًا , فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ | عَلَفْتهَا تِبْنًا | مِنْ إِظْهَار سَقَيْتهَا , إِذْ كَانَ السَّامِع إِذَا سَمِعَهُ عَرَفَ مَعْنَاهُ . فَكَذَلِكَ فِي قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه وَالرُّسُل } حَذَفَ | وَاحْذَرُوا | لِعِلْمِ السَّامِع مَعْنَاهُ , اِكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا } إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى خَلْقه عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه . وَأَمَّا قَوْله : { مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : مَا الَّذِي أَجَابَتْكُمْ بِهِ أُمَمكُمْ حِين دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَالْإِقْرَار بِي وَالْعَمَل بِطَاعَتِي وَالِانْتِهَاء عَنْ مَعْصِيَتِي ؟ قَالُوا : لَا عِلْم لَنَا . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْلهمْ : { لَا عِلْم لَنَا } لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الرُّسُل إِنْكَارًا أَنْ يَكُونُوا كَانُوا عَالِمِينَ بِمَا عَمِلَت أُمَمهمْ , وَأَنَّهُمْ ذَهِلُوا عَنْ الْجَوَاب مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْيَوْم , ثُمَّ أَجَابُوا بَعْد أَنْ ثَابَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولهمْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى أُمَمهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10110 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا } قَالَ : ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا مَنْزِلًا ذَهِلَتْ فِيهِ الْعُقُول , فَلَمَّا سُئِلُوا , قَالُوا : لَا عِلْم لَنَا . ثُمَّ نَزَلُوا مَنْزِلًا آخَر , فَشَهِدُوا عَلَى قَوْمهمْ . )10111 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول , فِي قَوْله : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل } الْآيَة , قَالَ : مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْيَوْم . )10112 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَيَفْزَعُونَ , فَيَقُول : مَاذَا أُجِبْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : { لَا عِلْم لَنَا } . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَيَقُولُونَ : { قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10114 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا } إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ { مَاذَا أُجِبْتُمْ } مَاذَا عَمِلُوا بَعْدكُمْ ؟ وَمَاذَا أَحْدَثُوا ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10115 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } مَاذَا عَمِلُوا بَعْدكُمْ , وَمَاذَا أَحْدَثُوا بَعْدكُمْ ؟ . قَالُوا : { قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } )وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لَا عِلْم لَنَا إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } أَيْ إِنَّك لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا عِنْدنَا مِنْ عِلْم ذَلِكَ وَلَا غَيْره مِنْ خَفِيّ الْعُلُوم وَجَلِيّهَا . فَإِنَّمَا نَفَى الْقَوْم أَنْ يَكُون لَهُمْ بِمَا سُئِلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْم لَا يَعْلَمهُ هُوَ تَعَالَى ذِكْره , لَا أَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوا مَا شَاهَدُوا , كَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ تَعَالَى ذِكْره يُخْبِر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ بِمَا أَجَابَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم وَأَنَّهُمْ سَيَشْهَدُونَ عَلَى تَبْلِيغهمْ الرِّسَالَة شُهَدَاء , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ اِبْن جُرَيْج مِنْ أَنْ مَعْنَاهُ : مَاذَا عَمِلْت الْأُمَم بَعْدكُمْ ؟ وَمَاذَا أَحْدَثُوا ؟ فَتَأْوِيل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَمْ يَكُنْ عِنْدهَا مِنْ الْعِلْم بِمَا يَحْدُث بَعْدهَا إِلَّا مَا أَعْلَمَهَا اللَّه مِنْ ذَلِكَ , وَإِذَا سُئِلَتْ عَمَّا عَمِلَتْ الْأُمَم بَعْدهَا وَالْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يُقَال لَهَا : مَاذَا عَرَّفْنَاك أَنَّهُ كَائِن مِنْهُمْ بَعْدك ؟ وَظَاهِر خَبَر اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ مَسْأَلَته إِيَّاهُمْ يَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ . الْقَوْل فِي

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْل

تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ : اِحْذَرُوا يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول لَهُمْ : مَاذَا أَجَابَتْكُمْ أُمَمكُمْ فِي الدُّنْيَا { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فَ | إِذْ | مِنْ صِلَة | أُجِبْتُمْ | , كَأَنَّ مَعْنَاهَا : مَاذَا أَجَابَتْ عِيسَى الْأُمَم الَّتِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا عِيسَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ سُئِلَتْ الرُّسُل عَنْ إِجَابَة الْأُمَم إِيَّاهَا فِي عَهْد عِيسَى , وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْد عِيسَى مِنْ الرُّسُل إِلَّا أَقَلّ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى عَنَى بِقَوْلِهِ : فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا أُرْسِلُوا فِي عَهْد عِيسَى . فَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْجَمِيع , وَالْمُرَاد مِنْهُمْ مَنْ كَانَ فِي عَهْد عِيسَى , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَالْمُرَاد : وَاحِد مِنْ النَّاس , وَإِنْ كَانَ مَخْرَج الْكَلَام عَلَى جَمِيع النَّاس . وَمَعْنَى الْكَلَام : { إِذْ قَالَ اللَّه } حِين قَالَ { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } يَقُول : يَا عِيسَى , اُذْكُرْ أَيَادِيَّ عِنْدك وَعِنْد وَالِدَتك , إِذْ قَوَّيْتُك بِرُوحِ الْقُدُس وَأَعَنْتُك بِهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي أَيَّدْتُك مَا هُوَ مِنْ الْفِعْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَعَّلْتُك , كَمَا فِي قَوْلك : قَوَّيْتُك فَعَّلْت مِنْ الْقُوَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ فَاعَلْتُك مِنْ الْأَيْد . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ : | إِذْ أَيَّدْتُك | بِمَعْنَى : أَفْعَلْتُك مِنْ الْقُوَّة وَالْأَيْد . وَقَوْله : { بِرُوحِ الْقُدُس } يَعْنِي بِجِبْرِيل , يَقُول : إِذْ أَعَنْتُك بِجِبْرِيل . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى ذَلِكَ وَمَا مَعْنَى الْقُدُس فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيله لِعِيسَى : { اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فِي حَال تَكْلِيمك النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِرُوحِ الْقُدُس صَغِيرًا فِي الْمَهْد وَكَهْلًا كَبِيرًا , فَرَدَّ | الْكَهْل | عَلَى قَوْله فِي | الْمَهْد | ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : صَغِيرًا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } |وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ|وَقَوْله : {وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك إِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب : وَهُوَ الْخَطّ , وَالْحِكْمَة : وَهِيَ الْفَهْم بِمَعَانِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك وَهُوَ الْإِنْجِيل .|وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى| { وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر } يَقُول : كَصُورَةِ الطَّيْر , { بِإِذْنِي } ; يَعْنِي بِقَوْلِهِ { تَخْلُق } تَعْمَل وَتُصْلِح مِنْ الطِّين , { كَهَيْئَةِ الطَّيْر بِإِذْنِي } يَقُول : بِعَوْنِي عَلَى ذَلِكَ وَعِلْم مِنِّي . { فَتَنْفُخ فِيهَا } يَقُول : فَتَنْفُخ فِي الْهَيْئَة , فَتَكُون الْهَيْئَة وَالصُّورَة { طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الْأَكْمَه } يَقُول : وَتَشْفِي الْأَكْمَه : وَهُوَ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا الْمَطْمُوس الْبَصَر , { وَالْأَبْرَص بِإِذْنِي } وَقَدْ بَيَّنْت مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوف فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا مُفَسَّرًا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .|بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ|وَقَوْله { وَإِذْ كَفَفْت بَنِي إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك , بِكَفِّي عَنْك بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَفَفْتهمْ عَنْك وَقَدْ هَمُّوا بِقَتْلِك , { إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : إِذْ جِئْتهمْ بِالْأَدِلَّةِ وَالْأَعْلَام الْمُعْجِزَة عَلَى نُبُوَّتك وَحَقِّيَّة مَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ .|بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك وَكَذَّبُوك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَعْنِي : يُبَيِّن عَمَّا أَتَى بِهِ لِمَنْ رَآهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : | إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِر مُبِين | بِمَعْنَى : مَا هَذَا , يَعْنِي بِهِ عِيسَى , إِلَّا سَاحِر مُبِين , يَقُول : يُبَيِّن بِأَفْعَالِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الْعَجِيبَة عَنْ نَفْسه أَنَّهُ سَاحِر لَا نَبِيّ صَادِق . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَّفِقَتَانِ غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِفِعْلِ السِّحْر فَهُوَ مَوْصُوف بِأَنَّهُ سَاحِر , وَمَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ سَاحِر فَإِنَّهُ مَوْصُوف بِفِعْلِ السِّحْر , فَالْفِعْل دَالّ عَلَى فَاعِله وَالصِّفَة تَدُلّ عَلَى مَوْصُوفهَا , وَالْمَوْصُوف يَدُلّ عَلَى صِفَته وَالْفَاعِل يَدُلّ عَلَى فِعْله ; فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ الصَّوَاب فِي قِرَاءَته .

وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ أَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا عِيسَى إِذْ أَلْقَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ , وَهُمْ وُزَرَاء عِيسَى عَلَى دِينه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ وَلِمَ قِيلَ لَهُمْ الْحَوَارِيُّونَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذْ أَوْحَيْت } وَإِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَة الْمَعَانِي , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 10116 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ } يَقُول قَذَفْت فِي قُلُوبهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَلْهَمْتهمْ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : وَإِذْ أَلْقَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ صَدِّقُوا بِي وَبِرَسُولِي عِيسَى .|قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ|فَقَالُوا : آمَنَّا : أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا أَمَرْتنَا أَنْ نُؤْمِن يَا رَبّنَا . { وَاشْهَدْ } عَلَيْنَا { بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } يَقُول : وَاشْهَدْ عَلَيْنَا بِأَنَّنَا خَاضِعُونَ لَك بِالذِّلَّةِ سَامِعُونَ , مُطِيعُونَ لِأَمْرِك .

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا عِيسَى أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك , إِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي , إِذْ قَالُوا لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } فَ | إِذْ | الثَّانِيَة مِنْ صِلَة | أَوْحَيْت | . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَسْتَطِيع رَبّك } فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ : | هَلْ تَسْتَطِيعُ | بِالتَّاءِ | رَبَّك | بِالنَّصْبِ , بِمَعْنَى : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك , وَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَدْعُو رَبّك أَوْ هَلْ تَسْتَطِيع وَتَرَى أَنْ تَدْعُوهُ ؟ وَقَالُوا : لَمْ يَكُنْ الْحَوَارِيُّونَ شَاكِّينَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَادِر أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا قَالُوا لِعِيسَى : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْتَ ذَلِكَ ؟ 10117 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : (كَانَ الْحَوَارِيُّونَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّ اللَّه قَادِر أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ مَائِدَة , وَلَكِنْ قَالُوا : يَا عِيسَى , هَلْ تَسْتَطِيع رَبَّك ؟ . )10118 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف الثَّعْلَبِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ جَابِر بْن يَزِيد بْن رِفَاعَة , عَنْ حَيَّان بْن مُخَارِق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر (أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ : | هَلْ تَسْتَطِيع رَبّك | وَقَالَ : تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك ؟ وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ؟ . )وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { هَلْ يَسْتَطِيع } بِالْيَاءِ { رَبّك } بِمَعْنَى أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا رَبّك , كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْهَض مَعَنَا فِي كَذَا ؟ وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ يَسْتَطِيع , وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيد : أَتَنْهَضُ مَعَنَا فِيهِ ؟ وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مُرَاد قَارِئِهِ كَذَلِكَ : هَلْ يَسْتَجِيب لَك رَبّك وَيُطِيعك أَنْ تُنَزِّل عَلَيْنَا ؟ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { هَلْ يَسْتَطِيعُ } بِالْيَاءِ { رَبُّك } بِرَفْعِ الرَّبّ , بِمَعْنَى : هَلْ يَسْتَجِيب لَك إِنْ سَأَلْته ذَلِكَ وَيُطِيعك فِيهِ ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ لِمَا بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْله : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ } مِنْ صِلَة | إِذْ أَوْحَيْت | , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك } فَبَيِّنٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَرِهَ مِنْهُمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ , وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَمُرَاجَعَة الْإِيمَان مِنْ قِيلهمْ ذَلِكَ , وَالْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلّ شَيْء , وَتَصْدِيق رَسُوله فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنْ رَبّهمْ مِنْ الْأَخْبَار . وَقَدْ قَالَ عِيسَى لَهُمْ عِنْد قِيلهمْ ذَلِكَ لَهُ اِسْتِعْظَامًا مِنْهُ لِمَا قَالُوا : { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَفِي اِسْتِتَابَة اللَّه إِيَّاهُمْ , وَدُعَائِهِ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قِيلهمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , وَاسْتِعْظَام نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَتهمْ , الدَّلَالَة الْكَافِيَة مِنْ غَيْرهَا عَلَى صِحَّة الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِالْيَاءِ وَرَفْع الرَّبّ إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي قَوْلهمْ لِعِيسَى لَوْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء ؟ أَنْ تَسْتَكْبِر هَذَا الِاسْتِكْبَار . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ قَوْلهمْ ذَلِكَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ اِسْتِعْظَام مِنْهُمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَسْأَلَة آيَة , فَإِنَّ الْآيَة إِنَّمَا يَسْأَلهَا الْأَنْبِيَاء مَنْ كَانَ بِهَا مُكَذِّبًا , لِيَتَقَرَّر عِنْده حَقِيقَة ثُبُوتهَا وَصِحَّة أَمْرهَا , كَمَا كَانَتْ مَسْأَلَة قُرَيْش نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَوِّل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا وَيُفَجِّر فِجَاج مَكَّة أَنْهَارًا مَنْ سَأَلَهُ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه , وَكَمَا كَانَتْ مَسْأَلَة صَالِح النَّاقَة مِنْ مُكَذِّبِي قَوْمه , وَمَسْأَلَة شُعَيْب أَنْ يُسْقِط كِسَفًا مِنْ السَّمَاء مِنْ كُفَّار مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ . وَكَانَ الَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى أَنْ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ مَائِدَة مِنْ السَّمَاء , عَلَى هَذَا الْوَجْه كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ , فَقَدْ أَحَلَّهُمْ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّاءِ وَنَصْب الرَّبّ مَحَلًّا أَعْظَم مِنْ الْمَحَلّ الَّذِي ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَزَّهُوا رَبّهمْ عَنْهُ , أَوْ يَكُونُوا سَأَلُوا ذَلِكَ عِيسَى وَهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَادِر . فَإِنْ كَانُوا سَأَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ عَلَى نَحْو مَا يَسْأَل أَحَدهمْ نَبِيّه , إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْ يَسْأَل لَهُ رَبّه أَنْ يُغْنِيه , وَإِنْ عَرَضَتْ بِهِ حَاجَة أَنْ يَسْأَل لَهُ رَبّه أَنْ يَقْضِيهَا , فَأَنَّى ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَة الْآيَة فِي شَيْء ؟ بَلْ ذَلِكَ سُؤَال ذِي حَاجَة عَرَضَتْ لَهُ إِلَى رَبّه , فَسَأَلَ نَبِيّه مَسْأَلَة رَبّه أَنْ يَقْضِيهَا لَهُ . وَخَبَر اللَّه تَعَالَى عَنْ الْقَوْم يُنْبِئ بِخِلَافِ ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِعِيسَى , إِذْ قَالَ لَهُمْ : { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيد أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا } فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا مِنْ قِيلهمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى قَدْ صَدَقَهُمْ , وَلَا اِطْمَأَنَّتْ قُلُوبهمْ إِلَى حَقِيقَة نُبُوَّته , فَلَا بَيَان أَبْيَن مِنْ هَذَا الْكَلَام فِي أَنَّ الْقَوْم كَانُوا قَدْ خَالَطَ قُلُوبهمْ مَرَض وَشَكّ فِي دِينهمْ وَتَصْدِيق رَسُولهمْ , وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ اِخْتِبَارًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10119 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ لَيْث , عَنْ عَقِيل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , (أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث عَنْ عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : هَلْ لَكُمْ أَنْ تَصُومُوا لِلَّهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا , ثُمَّ تَسْأَلُوهُ فَيُعْطِيكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ؟ فَإِنَّ أَجْر الْعَامِل عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ ! فَفَعَلُوا ; ثُمَّ قَالُوا : يَا مُعَلِّم الْخَيْر , قُلْت لَنَا : إِنَّ أَجْر الْعَامِل عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ , وَأَمَرْتنَا أَنْ نَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفَعَلْنَا , وَلَمْ نَكُنْ نَعْمَل لِأَحَدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أَطْعَمَنَا حِين نَفْرُغ طَعَامًا { فَهَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يَنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء قَالَ } عِيسَى { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيد أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا وَنَكُون عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ } إِلَى قَوْله : { لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : فَأَقْبَلَتْ الْمَلَائِكَة تَطِير بِمَائِدَةٍ مِنْ السَّمَاء عَلَيْهَا سَبْعَة أَحْوَات وَسَبْعَة أَرْغِفَة , حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْن أَيْدِيهمْ , فَأَكَلَ مِنْهَا آخِر النَّاس كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلهمْ . )10120 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالُوا : هَلْ يُطِيعك رَبّك إِنْ سَأَلْته ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَائِدَة مِنْ السَّمَاء فِيهَا جَمِيع الطَّعَام إِلَّا اللَّحْم فَأَكَلُوا مِنْهَا . وَأَمَّا الْمَائِدَة فَإِنَّهَا الْفَاعِلَة , مِنْ مَادَ فُلَان الْقَوْم يَمِيدُهُمْ مَيْدًا : إِذَا أَطْعَمَهُمْ وَمَارَهُمْ ; وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة : <br>نُهْدِي رُءُوس الْمُتْرَفِينَ الْأَنْدَاد .......... إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الْمُمْتَاد <br>يَعْنِي بِقَوْلِهِ : الْمُمْتَاد : الْمُسْتَعْطِي , فَالْمَائِدَة الْمُطْعِمَة سُمِّيَتْ | الْخِوَان | بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تُطْعِم الْآكِل مِمَّا عَلَيْهَا . وَالْمَائِد : الْمُدَار بِهِ فِي الْبَحْر , يُقَال : مَادَ يَمِيد مَيْدًا .)|السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ|وَأَمَّا قَوْله : { قَالَ اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : قَالَ عِيسَى لِلْحَوَارِيِّينَ الْقَائِلِينَ لَهُ : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } رَاقِبُوا اللَّه أَيّهَا الْقَوْم , وَخَافُوا أَنْ يَنْزِل بِكُمْ مِنْ اللَّه عُقُوبَة عَلَى قَوْلكُمْ هَذَا , فَإِنَّ اللَّه لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَفِي شَكّكُمْ فِي قُدْرَة اللَّه عَلَى إِنْزَال مَائِدَة مِنْ السَّمَاء كُفْر بِهِ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ يُنْزِل بِكُمْ نِقْمَته إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ! يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ عَلَى مَا أَتَوَعَّدكُمْ بِهِ مِنْ عُقُوبَة اللَّه إِيَّاكُمْ عَلَى قَوْلكُمْ : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء }

قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ

قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم اللَّهُمَّ رَبّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا وَآيَة مِنْك وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّازِقِينَ } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَجَابَ الْقَوْم إِلَى مَا سَأَلُوا مِنْ مَسْأَلَة رَبّه مَائِدَة تَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : نَتَّخِذ الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدًا نُعَظِّمهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدنَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } يَقُول : نَتَّخِذ الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدًا نُعَظِّمهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدنَا . )10122 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله ( { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } قَالَ : أَرَادُوا أَنْ تَكُون لِعَقِبِهِمْ مِنْ بَعْدهمْ . )10123 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : ( { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا } قَالَ : الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاء مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ { وَآخِرنَا } مَنْ بَعْدهمْ مِنْهُمْ . )10124 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : قَالَ سُفْيَان : ( { تَكُون لَنَا عِيدًا } قَالُوا : نُصَلِّي فِيهِ ; نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : نَأْكُل مِنْهَا جَمِيعًا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10125 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ لَيْث , عَنْ عَقِيل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَالَ : (أَكَلَ مِنْهَا - يَعْنِي مِنْ الْمَائِدَة - حِين وُضِعَتْ بَيْن أَيْدِيهمْ آخِر النَّاس كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلهمْ . )وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { عِيدًا } عَائِدَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْنَا حُجَّة وَبُرْهَانًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : تَكُون لَنَا عِيدًا , نَعْبُد رَبّنَا فِي الْيَوْم الَّذِي تَنْزِل فِيهِ وَنُصَلِّي لَهُ فِيهِ , كَمَا يُعَيِّد النَّاس فِي أَعْيَادهمْ ; لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام النَّاس الْمُسْتَعْمَل بَيْنهمْ فِي الْعِيد مَا ذَكَرْنَا دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ : عَائِدَة مِنْ اللَّه عَلَيْنَا ; وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام مَنْ خُوطِبَ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى الْمَجْهُول مِنْهُ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل . وَأَمَّا قَوْله : { لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } فَإِنَّ الْأَوْلَى مِنْ تَأْوِيله بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيله لِلْأَحْيَاءِ مِنَّا الْيَوْم وَمَنْ يَجِيء بَعْدنَا مِنَّا لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْله : { تَكُون لَنَا عِيدًا } لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَاهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَآيَة مِنْك } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَعَلَامَة وَحُجَّة مِنْك يَا رَبّ عَلَى عِبَادك فِي وَحْدَانِيّتك , وَفِي صِدْقِي عَلَى أَنِّي رَسُول إِلَيْهِمْ بِمَا أَرْسَلْتنِي بِهِ . { وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّازِقِينَ } وَأَعْطِنَا مِنْ عَطَائِك , فَإِنَّك يَا رَبّ خَيْر مَنْ يُعْطِي وَأَجْوَد مَنْ تَفَضَّلَ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُل عَطَاءَهُ مَنّ وَلَا نَكَد . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَائِدَة , هَلْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا ؟ وَمَا كَانَتْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ وَكَانَتْ حُوتًا وَطَعَامًا , فَأَكَلَ الْقَوْم مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا رُفِعَتْ بَعْد مَا نَزَلَتْ بِأَحْدَاثٍ مِنْهُمْ أَحْدَثُوهَا فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10126 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , قَالَ : (نَزَّلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَسَمَكًا . )10127 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : (الْمَائِدَة سَمَكَة فِيهَا طَعْم كُلّ طَعَام . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : الْمَائِدَة : (سَمَك فِيهِ مِنْ طَعْم كُلّ طَعَام . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : (نَزَلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَسَمَكًا . )10128 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : (نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَالْحَوَارِيِّينَ خِوَان عَلَيْهِ خُبْز وَسَمَك يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيْنَمَا نَزَلُوا إِذَا شَاءُوا . )10129 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُنْذِر بْن النُّعْمَان , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : ( { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا } قَالَ : نَزَلَ عَلَيْهِمْ قُرْصَة مِنْ شَعِير وَأَحْوَات . قَالَ الْحَسَن : قَالَ أَبُو بَكْر : فَحَدَّثْت بِهِ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , فَقَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَقِيلَ لَهُ : وَمَا كَانَ ذَلِكَ يُغْنِي عَنْهُمْ ؟ فَقَالَ : لَا شَيْء وَلَكِنَّ اللَّه حَثَا بَيْن أَضْعَافهنَّ الْبَرَكَة , فَكَانَ قَوْم يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ , وَيَجِيء آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ , حَتَّى أَكَلُوا جَمِيعهمْ وَأَفْضَلُوا . )10130 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (هُوَ الطَّعَام يَنْزِل عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَزَلُوا . )10131 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( { مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : مَائِدَة عَلَيْهَا طَعَام أَبَوْهَا حِين عُرِضَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا فَأَبَوْا أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِمْ . )10132 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه : (أَنَّ الْمَائِدَة نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم , عَلَيْهَا سَبْعَة أَرْغِفَة وَسَبْعَة أَحْوَات , يَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا . قَالَ : فَسَرَقَ بَعْضهمْ مِنْهَا , وَقَالَ : لَعَلَّهَا لَا تَنْزِل غَدًا ! فَرُفِعَتْ . )10133 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي عِجْل قَالَ : (صَلَّيْت إِلَى جَنْب عَمَّار بْن يَاسِر , فَلَمَّا فَرَغَ , قَالَ : هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ شَأْن مَائِدَة بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : فَقُلْت لَا . قَالَ : إِنَّهُمْ سَأَلُوا عِيسَى اِبْن مَرْيَم مَائِدَة يَكُون عَلَيْهَا طَعَام يَأْكُلُونَ مِنْهُ لَا يَنْفَد , قَالَ : فَقِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّهَا مُقِيمَة لَكُمْ مَا لَمْ تُخَبِّئُوا أَوْ تَخُونُوا أَوْ تَرْفَعُوا , فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبكُمْ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . قَالَ : فَمَا تَمَّ يَوْمهمْ حَتَّى خَبَّئُوا وَرَفَعُوا وَخَانُوا , فَعُذِّبُوا عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . وَإِنَّكُمْ مَعْشَر الْعَرَب كُنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَذْنَاب الْإِبِل وَالشَّاء , فَبَعَثَ اللَّه فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسكُمْ تَعْرِفُونَ حَسَبه وَنَسَبه , وَأَخْبَرَكُمْ عَلَى لِسَان نَبِيّكُمْ أَنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَى الْعَرَب , وَنَهَاكُمْ أَنْ تَكْنِزُوا الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَاَيْم اللَّه لَا يَذْهَب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تَكْنِزُوهُمَا وَيُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ! . )10134 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن قَزَعَة الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خَلَّاس بْن عَمْرو , عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَلَحْمًا , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا وَلَا يَرْفَعُوا لِغَدٍ , فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا , فَمُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير . )* - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْمَائِدَة , قَالَ : (كَانَتْ طَعَامًا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء حَيْثُمَا نَزَلُوا )ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10135 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خَلَّاس بْن عَمْرو , عَنْ عَمَّار , قَالَ : (نَزَلَتْ الْمَائِدَة , وَعَلَيْهَا ثَمَر مِنْ ثَمَر الْجَنَّة , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا . قَالَ : فَخَانَ الْقَوْم وَخَبَّئُوا وَادَّخَرُوا , فَحَوَّلَهُمْ اللَّه قِرَدَة وَخَنَازِير . )10136 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ مَائِدَة يَنْزِل عَلَيْهَا الثَّمَر مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ , بَلَاء اِبْتَلَاهُمْ اللَّه بِهِ , وَكَانُوا إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْبَأَهُمْ بِهِ عِيسَى , فَخَانَ الْقَوْم فِيهِ فَخَبَّئُوا وَادَّخَرُوا لِغَدٍ . )وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كُلّ طَعَام إِلَّا اللَّحْم ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10137 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : (كَانَتْ إِذَا وُضِعَتْ الْمَائِدَة لِبَنِي إِسْرَائِيل , اِخْتَلَفَتْ عَلَيْهَا الْأَيْدِي بِكُلِّ طَعَام . )10138 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة وَزَاذَان , قَالَا : (كَانَتْ الْأَيْدِي تَخْتَلِف عَلَيْهَا بِكُلِّ طَعَام . )* - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ زَاذَان وَمَيْسَرَة فِي : ( { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَا : رَأَوْا الْأَيْدِي تَخْتَلِف عَلَيْهَا بِكُلِّ شَيْء إِلَّا اللَّحْم . )وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُنَزِّل اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مَائِدَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة ; فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِخَلْقِهِ نَهَاهُمْ بِهِ عَنْ مَسْأَلَة نَبِيّ اللَّه الْآيَات ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10139 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : مَثَل ضُرِبَ , لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِمْ شَيْء . )وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ الْقَوْم لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } اِسْتَعْفَوْا مِنْهَا فَلَمْ تَنْزِل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10140 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : (كَانَ الْحَسَن يَقُول لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالُوا : لَا حَاجَة لَنَا فِيهَا ! فَلَمْ تَنْزِل . )* - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَة : (لَمْ تَنْزِل . )10141 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (مَائِدَة عَلَيْهَا طَعَام أَبَوْهَا حِين عُرِضَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا , فَأَبَوْا أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِمْ . )وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ الْمَائِدَة عَلَى الَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى مَسْأَلَته ذَلِكَ رَبّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَا بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَهْل التَّأْوِيل مِنْ بَعْدهمْ غَيْر مَنْ اِنْفَرَدَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ . وَبَعْد , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُخْلِف وَعْده وَلَا يَقَع فِي خَبَره الْخُلْف , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا فِي كِتَابه عَنْ إِجَابَة نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَأَلَهُ مَا سَأَلَهُ مِنْ ذَلِكَ : { إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ } , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُول تَعَالَى ذِكْره إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ , ثُمَّ لَا يُنَزِّلهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَالَى خَبَر , وَلَا يَكُون مِنْهُ خِلَاف مَا يُخْبِر . وَلَوْ جَازَ أَنْ يَقُول : إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ , ثُمَّ لَا يُنَزِّلهَا عَلَيْهِمْ , جَازَ أَنْ يَقُول : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } ثُمَّ يَكْفُر مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فَلَا يُعَذِّبهُ , فَلَا يَكُون لِوَعْدِهِ وَلَا لِوَعِيدِهِ حَقِيقَة وَلَا صِحَّة , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُوصَف رَبّنَا تَعَالَى بِذَلِكَ . وَأَمَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيمَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَة , فَأَنْ يُقَال : كَانَ عَلَيْهَا مَأْكُول , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ سَمَكًا وَخُبْزًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ ثَمَرًا مِنْ ثَمَر الْجَنَّة ; وَغَيْر نَافِع الْعِلْم بِهِ وَلَا ضَارّ الْجَهْل بِهِ إِذَا أَقَرَّ تَالِي الْآيَة بِظَاهِرِ مَا اِحْتَمَلَهُ التَّنْزِيل .

قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اللَّه إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } </subtitle>وَهَذَا جَوَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى الْقَوْم فِيمَا سَأَلُوا نَبِيّهمْ عِيسَى مَسْأَلَة رَبّهمْ مِنْ إِنْزَاله مَائِدَة عَلَيْهِمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْحَوَارِيُّونَ فَمُطْعِمْكُمُوهَا . { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } يَقُول : فَمَنْ يَجْحَد بَعْد إِنْزَالهَا عَلَيْكُمْ وَإِطْعَامكُمُوهَا مِنْكُمْ رِسَالَتِي إِلَيْهِ وَيُنْكِر نُبُوَّة نَبِيِّي عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخَالِف طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْته وَنَهَيْته , فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ عَالَمِي زَمَانه . فَفَعَلَ الْقَوْم , فَجَحَدُوا وَكَفَرُوا بَعْد مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , فَعُذِّبُوا فِيمَا بَلَغَنَا بِأَنْ مُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير . كَاَلَّذِي : 10142 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ } 00 الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ حُوِّلُوا خَنَازِير . )10143 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة الْقَوَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : (إِنَّ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا ثَلَاثَة : الْمُنَافِقُونَ , وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَصْحَاب الْمَائِدَة , وَآل فِرْعَوْن . )* - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَوْف , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْمُغِيرَة الْقَوَّاس يَقُول : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : (إِنَّ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا يَوْم الْقِيَامَة : مَنْ كَفَرَ مِنْ أَصْحَاب الْمَائِدَة , وَالْمُنَافِقُونَ , وَآل فِرْعَوْن . )10144 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } بَعْد مَا جَاءَتْهُ الْمَائِدَة , { فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : أُعَذِّبهُ بِعَذَابٍ لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ غَيْر أَهْل الْمَائِدَة .)

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَف

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل , فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ , إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه ؟ وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه قَالَ هَذَا الْقَوْل لِعِيسَى حِين رَفَعَهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10145 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : لَمَّا رَفَعَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم إِلَيْهِ , قَالَتْ النَّصَارَى مَا قَالَتْ , وَزَعَمُوا أَنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ , فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْله , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } إِلَى قَوْله : { وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } . )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّهُ يَقُول لِعِيسَى ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10146 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : وَالنَّاس يَسْمَعُونَ , فَرَاجَعَهُ بِمَا قَدْ رَأَيْت , وَأَقَرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسه , فَعَلِمَ مَنْ كَانَ يَقُول فِي عِيسَى مَا يَقُول أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَقُول بَاطِلًا . )10147 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : ( { قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } فَأَرْعَدَتْ مَفَاصِله , وَخَشِيَ أَنْ يَكُون قَدْ قَالَ , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } الْآيَة . )10148 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } مَتَى يَكُون ذَلِكَ ؟ قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } . )فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ اِبْن جُرَيْج يَجِب أَنْ يَكُون | وَإِذْ | بِمَعْنَى | وَإِذَا | , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا } بِمَعْنَى : يَفْزَعُونَ . وَكَمَا قَالَ أَبُو النَّجْم : <br>ثُمَّ جَزَاهُ اللَّه عَنَّا إِذْ جَزَى .......... جَنَّات عَدْن فِي الْعَلَالِيِّ الْعُلَا <br>وَالْمَعْنَى : إِذَا جَزَى . وَكَمَا قَالَ الْأَسْوَد : <br>فَالْآن إِذْ هَازَلْتُهُنَّ فَإِنَّمَا .......... يَقُلْنَ أَلَا لَمْ يَذْهَب الشَّيْخ مَذْهَبَا <br>بِمَعْنَى : إِذَا هَازَلْتُهُنَّ . وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اِبْن جُرَيْج هَذَا وَجَّهَ تَأْوِيل الْآيَة إِلَى : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } فِي الدُّنْيَا ; وَأُعَذِّبهُ أَيْضًا فِي الْآخِرَة , { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ بِقَوْلِ السُّدِّيّ : وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِعِيسَى حِين رَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَأَنَّ الْخَبَر خَبَر عَمَّا مَضَى لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ | إِذْ | إِنَّمَا تُصَاحِب فِي الْأَغْلَب مِنْ كَلَام الْعَرَب الْمُسْتَعْمَل بَيْنهَا الْمَاضِي مِنْ الْفِعْل , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُدْخِلهَا أَحْيَانًا فِي مَوْضِع الْخَبَر عَمَّا يَحْدُث إِذَا عَرَفَ السَّامِعُونَ مَعْنَاهَا ; وَذَلِكَ غَيْر فَاشٍ وَلَا فَصِيح فِي كَلَامهمْ , فَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه تَعَالَى إِلَى الْأَشْهَر الْأَعْرَف مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل أَوْلَى مِنْ تَوْجِيههَا إِلَى الْأَجْهَل الْأَنْكَر . وَالْأُخْرَى : أَنَّ عِيسَى لَمْ يَشُكّ هُوَ وَلَا أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء أَنَّ اللَّه لَا يَغْفِر لِمُشْرِكٍ مَاتَ عَلَى شِرْكه , فَيَجُوز أَنْ يُتَوَهَّم عَلَى عِيسَى أَنْ يَقُول فِي الْآخِرَة مُجِيبًا لِرَبِّهِ تَعَالَى : إِنْ تُعَذِّب مَنْ اِتَّخَذَنِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونك فَإِنَّهُمْ عِبَادك , وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ وَجْه سُؤَال اللَّه عِيسَى : أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه , وَهُوَ الْعَالِم بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : يَحْتَمِل ذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل . أَحَدهمَا : تَحْذِير عِيسَى عَنْ قِيل ذَلِكَ وَنَهْيه , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : أَفَعَلْت كَذَا وَكَذَا ؟ مِمَّا يَعْلَم الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِل يَسْتَعْظِم فِعْل مَا قَالَ لَهُ : | أَفَعَلْته | عَلَى وَجْه النَّهْي عَنْ فِعْله وَالتَّهْدِيد لَهُ فِيهِ . وَالْآخَر : إِعْلَامه أَنَّ قَوْمه الَّذِينَ فَارَقَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عَهْده وَبَدَّلُوا دِينهمْ بَعْده , فَيَكُون بِذَلِكَ جَامِعًا إِعْلَامه حَالهمْ بَعْده وَتَحْذِيره لَهُ قِيله . وَأَمَّا تَأْوِيل الْكَلَام : فَإِنَّهُ : أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ , أَيْ مَعْبُودَيْنِ تَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُون اللَّه ؟ قَالَ عِيسَى : تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّ وَتَعْظِيمًا أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ أَوْ أَتَكَلَّم بِهِ , مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ! يَقُول : لَيْسَ لِي أَنْ أَقُول ذَلِكَ لِأَنِّي عَبْد مَخْلُوق وَأُمِّي أَمَة لَك , فَهَلْ يَكُون لِلْعَبْدِ وَالْأَمَة اِدِّعَاء رُبُوبِيَّة ؟ { إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } , يَقُول : إِنَّك لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْء , وَأَنْتَ عَالِم أَنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ وَلَمْ آمُرهُمْ بِهِ .|عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَبْرَأ إِلَيْهِ مِمَّا قَالَتْ فِيهِ وَفِي أُمّه الْكَفَرَة مِنْ النَّصَارَى أَنْ يَكُون دَعَاهُمْ إِلَيْهِ أَوْ أَمَرَهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } ثُمَّ قَالَ : { تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي } يَقُول : إِنَّك يَا رَبّ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا أَضْمَرَتْهُ نَفْسِي مِمَّا لَمْ أَنْطِق بِهِ وَلَمْ أُظْهِرهُ بِجَوَارِحِي , فَكَيْفَ بِمَا قَدْ نَطَقْت بِهِ وَأَظْهَرْته بِجَوَارِحِي ؟ يَقُول : لَوْ كُنْت قَدْ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه كُنْت قَدْ عَلِمْته , لِأَنَّك تَعْلَم ضَمَائِر النُّفُوس مِمَّا لَمْ تَنْطِق بِهِ فَكَيْفَ بِمَا قَدْ نَطَقْت بِهِ .|نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي|يَقُول :وَلَا أَعْلَم أَنَا مَا أَخْفَيْته عَنِّي فَلَمْ تُطْلِعنِي عَلَيْهِ ; لِأَنِّي إِنَّمَا أَعْلَم مِنْ الْأَشْيَاء مَا أَعْلَمْتنِيهِ .|نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ|يَقُول : إِنَّك أَنْتَ الْعَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور الَّتِي لَا يَطَّلِع عَلَيْهَا سِوَاك وَلَا يَعْلَمهَا غَيْرك .

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْت فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } </subtitle>وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ قَوْل عِيسَى , يَقُول : مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا الَّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ الْقَوْل أَنْ أَقُولهُ لَهُمْ , وَهُوَ أَنْ قُلْت لَهُمْ { اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } يَقُول : وَكُنْت عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ وَأَنَا بَيْن أَظْهُرهمْ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَفْعَالهمْ وَأَقْوَالهمْ . { فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي } يَقُول : فَلَمَّا قَبَضْتنِي إِلَيْك , { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } يَقُول : كُنْت أَنْتَ الْحَفِيظ عَلَيْهِمْ دُونِي , لِأَنِّي إِنَّمَا شَهِدْت مِنْ أَعْمَالهمْ مَا عَمِلُوهُ وَأَنَا بَيْن أَظْهُرهمْ . وَفِي هَذَا تِبْيَان أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا عَرَّفَهُ أَفْعَال الْقَوْم وَمَقَالَتهمْ بَعْد مَا قَبَضَهُ إِلَيْهِ وَتَوَفَّاهُ بِقَوْلِهِ : { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : وَأَنْتَ تَشْهَد عَلَى كُلّ شَيْء ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْء , وَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا شَهِدْت بَعْض الْأَشْيَاء , وَذَلِكَ مَا عَايَنْت وَأَنَا مُقِيم بَيْن أَظْهُر الْقَوْم , فَإِنَّمَا أَنَا أَشْهَد عَلَى ذَلِكَ الَّذِي عَايَنْت وَرَأَيْت وَشَهِدْت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10149 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } أَمَّا الرَّقِيب : فَهُوَ الْحَفِيظ . )10150 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : ( { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْحَفِيظ . )وَكَانَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم تَقُول : كَانَ جَوَاب عِيسَى الَّذِي أَجَابَ بِهِ رَبّه مِنْ اللَّه تَعَالَى تَوْقِيفًا مِنْهُ لَهُ فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10151 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : ( { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } قَالَ : اللَّه وَقَّفَهُ . )* - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيّ , قَالَ : قُرِئَ عَلَى سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ طَاوُس , قَالَ : (اِحْتَجَّ عِيسَى وَاَللَّهُ وَقَّفَهُ : { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } الْآيَة . )10152 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } ؟ قَالَ : فَأَرْعَدَتْ مَفَاصِله , وَخَشِيَ أَنْ يَكُون قَدْ قَالَهَا , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } .)

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ تُعَذِّب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة بِإِمَاتَتِك إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا , فَإِنَّهُمْ عِبَادك , مُسْتَسْلِمُونَ لَك , لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّا أَرَدْت بِهِمْ وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسهمْ ضُرًّا وَلَا أَمْرًا تَنَالهُمْ بِهِ . وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ بِهِدَايَتِك إِيَّاهُمْ إِلَى التَّوْبَة مِنْهَا فَتَسْتُر عَلَيْهِمْ , فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ لَا يَقْدِر أَحَد يَدْفَعهُ عَنْهُ , الْحَكِيم فِي هِدَايَته مَنْ هَدَى مِنْ خَلْقه إِلَى التَّوْبَة وَتَوْفِيقه مَنْ وَفَّقَ مِنْهُمْ لِسَبِيلِ النَّجَاة مِنْ الْعِقَاب . كَاَلَّذِي : 10153 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : ( { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ } فَتُخْرِجهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّة وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَام , { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } وَهَذَا قَوْل عِيسَى فِي الدُّنْيَا . )10154 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : ( { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } قَالَ : وَاَللَّه مَا كَانُوا طَعَّانِينَ وَلَا لَعَّانِينَ .)

قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اللَّه هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَالْمَدِينَة : | هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ | بِنَصْبِ | يَوْم | . وَقَرَأَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ } بِرَفْعِ يَوْم . فَمَنْ رَفَعَهُ رَفَعَهُ بِهَذَا , وَجَعَلَ | يَوْم | اِسْمًا , وَإِنْ كَانَتْ إِضَافَته غَيْر مَحْضَة ; لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَنْعُوتِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّ الْعَرَب يَعْمَلُونَ فِي إِعْرَاب الْأَوْقَات مِثْل الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَمَلهمْ فِيمَا بَعْدهَا , إِنْ كَانَ مَا بَعْدهَا رَفْعًا رَفَعُوهَا , كَقَوْلِهِمْ : هَذَا يَوْم يَرْكَب الْأَمِير , وَلَيْلَة يَصْدُر الْحَاجّ , وَيَوْم أَخُوك مُنْطَلِق ; وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدهَا نَصْبًا نَصَبُوهَا , وَكَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : هَذَا يَوْم خَرَجَ الْجَيْش وَسَارَ النَّاس , وَلَيْلَة قُتِلَ زَيْد وَنَحْو ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ : | إِذْ | , و | إِذَا | . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذَا هَكَذَا رَفْعًا وَجَّهَ الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ مِنْ قِيل اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , وَكَذَلِكَ كَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ . 10155 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ( { قَالَ اللَّه هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } هَذَا فَصْلٌ مِنْ كَلَام عِيسَى , وَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة . )يَعْنِي السُّدِّيّ بِقَوْلِهِ : | هَذَا فَصْلٌ مِنْ كَلَام عِيسَى | أَنَّ قَوْله : { سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } مِنْ خَبَر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي الدُّنْيَا بَعْد أَنْ رَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَأَنَّ مَا بَعْد ذَلِكَ مِنْ كَلَام اللَّه لِعِبَادِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا النَّصْب فِي ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يَتَوَجَّه مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ إِضَافَة | يَوْم | مَا لَمْ تَكُنْ إِلَى اِسْم تَجْعَلهُ نَصْبًا ; لِأَنَّ الْإِضَافَة غَيْر مَحْضَة , وَإِنَّمَا تَكُون الْإِضَافَة مَحْضَة إِذَا أُضِيفَ إِلَى اِسْم صَحِيح . وَنَظِير الْيَوْم فِي ذَلِكَ الْحِين وَالزَّمَان وَمَا أَشْبَههمَا مِنْ الْأَزْمِنَة , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : <br>عَلَى حِين عَاتَبْت الْمَشِيب عَلَى الصِّبَا .......... وَقُلْت أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْب وَازِع <br>وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون مُرَادًا بِالْكَلَامِ هَذَا الْأَمْر وَهَذَا الشَّأْن , | يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ | فَيَكُون الْيَوْم حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا عَلَى الْوَقْت وَالصِّفَة , بِمَعْنَى : هَذَا الْأَمْر فِي يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ : | هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ | بِنَصْبِ الْيَوْم عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوب عَلَى الْوَقْت وَالصِّفَة ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَجَابَ عِيسَى حِين قَالَ : { سُبْحَانك مَا يَكُون أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } فَقَالَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا الْقَوْل النَّافِع أَوْ هَذَا الصِّدْق النَّافِع يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ ; فَالْيَوْم وَقْت الْقَوْل وَالصِّدْق النَّافِع . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَوْضِع | هَذَا | ؟ قِيلَ رَفْع ; فَإِنْ قَالَ : فَأَيْنَ رَافِعه ؟ قِيلَ مُضْمَر , وَكَأَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا , هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>أَمَا تَرَى السَّحَاب كَيْفَ يَجْرِي .......... هَذَا وَلَا خَيْلُك يَا اِبْن بِشْر <br>يُرِيد : هَذَا هَذَا , وَلَا خَيْلُك . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا لِمَا بَيَّنَّا : قَالَ اللَّه لِعِيسَى : هَذَا الْقَوْل النَّافِع فِي يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ فِي الدُّنْيَا صِدْقهمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة عِنْد اللَّه .|لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ|يَقُول : لِلصَّادِقِينَ فِي الدُّنْيَا جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار فِي الْآخِرَة ثَوَابًا لَهُمْ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , عَلَى مَا كَانَ مِنْ صِدْقهمْ الَّذِي صَدَقُوا اللَّه فِيمَا وَعَدُوهُ , فَوَفَوْا بِهِ لِلَّهِ , فَوَفَّى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ ثَوَابه .|خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا|يَقُول : بَاقِينَ فِي الْجَنَّات الَّتِي أَعْطَاهُمُوهَا أَبَدًا دَائِمًا لَهُمْ فِيهَا نَعِيم لَا يَنْتَقِل عَنْهُمْ وَلَا يَزُول . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الْخُلُود : الدَّوَام وَالْبَقَاء .|رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : رَضِيَ اللَّه عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي الْوَفَاء لَهُ بِمَا وَعَدُوهُ مِنْ الْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , { وَرَضُوا عَنْهُ } يَقُول : وَرَضُوا هُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى فِي وَفَائِهِ لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ , فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ مِنْ جَزِيل ثَوَابه .|ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ|يَقُول : هَذَا الَّذِي أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْجَنَّات الَّتِي تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , خَالِدِينَ فِيهَا , مَرْضِيًّا عَنْهُمْ , وَرَاضِينَ عَنْ رَبّهمْ , هُوَ الظَّفَر الْعَظِيم بِالطَّلِبَةِ وَإِدْرَاك الْحَاجَة الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَهَا فِي الدُّنْيَا , وَلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِيهَا , فَنَالُوا مَا طَلَبُوا وَأَدْرَكُوا مَا أَمَّلُوا .

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيّهَا النَّصَارَى { لِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض , { وَمَا فِيهِنَّ } دُون عِيسَى الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِلَهكُمْ وَدُون أُمّه , وَدُون جَمِيع مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض ; فَإِنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض خَلْق مِنْ خَلْقه وَمَا فِيهِنَّ وَعِيسَى وَأُمّه مِنْ بَعْض ذَلِكَ بِالْحُلُولِ وَالِانْتِقَال , يَدُلَّانِ بِكَوْنِهِمَا فِي الْمَكَان الَّذِي هُمَا فِيهِ بِالْحُلُولِ فِيهِ وَالِانْتِقَال أَنَّهُمَا عَبْدَانِ مَمْلُوكَانِ لِمَنْ لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ . يُنَبِّهُهُمْ وَجَمِيع خَلْقه عَلَى مَوْضِع حُجَّته عَلَيْهِمْ لِيَدَّبَّرُوهُ وَيَعْتَبِرُوهُ , فَيَعْقِلُوا عَنْهُ .|وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ|يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ , قَادِر عَلَى إِفْنَائِهِنَّ وَعَلَى إِهْلَاكهنَّ وَإِهْلَاك عِيسَى وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا كَمَا اِبْتَدَأَ خَلْقهمْ , لَا يُعْجِزهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْء أَرَادَهُ ; لِأَنَّ قُدْرَتَهُ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا يُشْبِهُهَا قُدْرَةٌ وَسُلْطَانَهُ السُّلْطَانُ الَّذِي لَا يُشْبِههُ سُلْطَان وَلَا مَملَكَة.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس