islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

تفسير الطبرى
12414

42-الشورى

حم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِر وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك . { إِنَّمَا أَنَا مُنْذِر } لَكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد , أُنْذِركُمْ عَذَاب اللَّه وَسَخَطه أَنْ يَحُلّ بِكُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِهِ , فَأَحْذَرُوهُ وَبَادِرُوا حُلُوله بِكُمْ بِالتَّوْبَةِ { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار } يَقُول : وَمَا مِنْ مَعْبُود تَصْلُح لَهُ الْعِبَادَة , وَتَنْبَغِي لَهُ الرُّبُوبِيَّة , إِلَّا اللَّه الَّذِي يَدِين لَهُ كُلّ شَيْء , وَيَعْبُدهُ كُلّ خَلْق , الْوَاحِد الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ فِي مُلْكه شَرِيك , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون لَهُ صَاحِبَة , الْقَهَّار لِكُلِّ مَا دُونه بِقُدْرَتِهِ ,

عسق

رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَقُول : مَالِك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْخَلْق ; يَقُول : فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ صِفَته , هُوَ الْإِلَه الَّذِي لَا إِلَه سِوَاهُ , لَا الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا , وَلَا يَضُرّ , وَلَا يَنْفَع. وَقَوْله : { الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول : الْعَزِيز فِي نِقْمَته مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , الْمُدَّعِينَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , الْغَفَّار لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ كُفْره وَمَعَاصِيه , فَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَالطَّاعَة لَهُ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْره وَنَهْيه .

كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك الْمُكَذِّبِيكَ فِيمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ هَذَا الْقُرْآن , الْقَائِلِينَ لَك فِيهِ : إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق { هُوَ نَبَأ عَظِيم } يَقُول : هَذَا الْقُرْآن خَبَر عَظِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23094- حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل بْن عِبَاد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } قَالَ : الْقُرْآن . )23095 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْح , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : أَتَقْضِي عَلَيَّ بِالنَّبَأِ ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ شُرَيْح : (أَوَ لَيْسَ الْقُرْآن نَبَأ ؟ قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم } قَالَ : وَقَضَى عَلَيْهِ . )23096 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } قَالَ : الْقُرْآن .)

لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ

وَقَوْله : { أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } يَقُول : أَنْتُمْ عَنْهُ مُنْصَرِفُونَ لَا تَعْمَلُونَ بِهِ , وَلَا تُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَج اللَّه وَآيَاته.

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

وَقَوْله : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } فِي شَأْن آدَم مِنْ قَبْل أَنْ يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي فَيُعْلِمنِي ذَلِكَ , يَقُول : فَفِي إِخْبَارِي لَكُمْ عَنْ ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآن وَحْي مِنْ اللَّه وَتَنْزِيل مِنْ عِنْده , لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِلْم ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قَبْل نُزُول هَذَا الْقُرْآن , وَلَا هُوَ مِمَّا شَاهَدْته فَعَايَنْته , وَلَكِنِّي عَلِمْت ذَلِكَ بِإِخْبَارِ اللَّه إِيَّايَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } قَالَ : الْمَلَأ الْأَعْلَى : الْمَلَائِكَة حِين شُووِرُوا فِي خَلْق آدَم , فَاخْتَصَمُوا فِيهِ , وَقَالُوا : لَا تَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . )23098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } هُوَ : { إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } )[2 30 ]. 23099- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة , كَانَتْ خُصُومَتهمْ فِي شَأْن آدَم حِين قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ : { إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } . . حَتَّى بَلَغَ { سَاجِدِينَ } وَحِين قَالَ : { إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } [2 30 ]... حَتَّى بَلَغَ { وَيَسْفِك الدِّمَاء } [2 30 ]فَفِي هَذَا اِخْتَصَمَ الْمَلَأ الْأَعْلَى .)

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ

وَقَوْله : { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قُرَيْش : مَا يُوحِي اللَّه إِلَيَّ عِلْم مَا لَا عِلْم لِي بِهِ , مِنْ نَحْو الْعِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى وَاخْتِصَامهمْ فِي أَمْر آدَم إِذَا أَرَادَ خَلْقه , إِلَّا لِأَنِّي إِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين ; | فَإِنَّمَا | عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى قَوْل مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّ مِثْل هَذَا الْحَرْف الَّذِي ذَكَرْنَا لَا بُدّ لَهُ مِنْ حَرْف خَافِض , فَسَوَاء إِسْقَاط خَافِضه مِنْهُ وَإِثْبَاته . وَإِمَّا عَلَى قَوْل مَنْ رَأَى أَنَّ مِثْل هَذَا يُنْصَب إِذَا أُسْقِطَ مِنْهُ الْخَافِض , فَإِنَّهُ عَلَى مَذْهَبه نَصْب , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ يُتَّجَه لِهَذَا الْكَلَام وَجْه آخَر , وَهُوَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : مَا يُوحِي اللَّه إِلَيَّ إِنْذَاركُمْ. وَإِذَا وَجْه الْكَلَام إِلَى هَذَا الْمَعْنَى , كَانَتْ | أَنَّمَا | فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ الْكَلَام يَصِير حِينَئِذٍ بِمَعْنَى : مَا يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَار. قَوْله : { إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين } يَقُول : إِلَّا أَنِّي نَذِير لَكُمْ مُبِين لَكُمْ إِلَّا إِنْذَاركُمْ . وَقِيلَ : إِلَّا أَنَّمَا أَنَا , وَلَمْ يَقُلْ : إِلَّا أَنَّمَا أَنَّك , وَالْخَبَر مِنْ مُحَمَّد عَنْ اللَّه , لِأَنَّ الْوَحْي قَوْل , فَصَارَ فِي مَعْنَى الْحِكَايَة , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَخْبِرُونِي أَنِّي مُسِيء , وَأَخْبِرُونِي أَنَّك مُسِيء بِمَعْنًى وَاحِد , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>رَجُلَانِ مِنْ ضَبَّة أَخْبَرَانَا .......... أَنَّا رَأَيْنَا رَجُلًا عُرْيَانَا <br>بِمَعْنَى : أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا رَأَيَا , وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَر أَصْله حِكَايَة .

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } </subtitle>وَقَوْله : { إِذْ قَالَ رَبّك } مِنْ صِلَة قَوْله : { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } وَتَأْوِيل الْكَلَام : مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ حِين قَالَ رَبّك يَا مُحَمَّد { لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } يَعْنِي بِذَلِكَ خُلِقَ آدَم .

وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

وَقَوْله : { فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا سَوَّيْت خَلْقه , وَعَدَلْت صُورَته , وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي , قِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ : وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ قُدْرَتِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23100 - حُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك ( { وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي } قَالَ : مِنْ قُدْرَتِي .)|فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ| { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } يَقُول : فَاسْجُدُوا لَهُ وَخِرُّوا لَهُ سُجَّدًا .

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

وَقَوْله : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا سَوَّى اللَّه خَلْق ذَلِكَ الْبَشَر , وَهُوَ آدَم , وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه , سَجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ , يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض .

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ

{ إِلَّا إِبْلِيس اِسْتَكْبَرَ } يَقُول : غَيْر إِبْلِيس , فَإِنَّهُ لَمْ يَسْجُد , اِسْتَكْبَرَ عَنْ السُّجُود لَهُ تَعَظُّمًا وَتَكَبُّرًا|وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ| { وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَكَانَ بِتَعَظُّمِهِ ذَلِكَ , وَتَكَبُّره عَلَى رَبّه وَمَعْصِيَته أَمْره , مِمَّنْ كَفَرَ فِي عِلْم اللَّه السَّابِق , فَجَحَدَ رُبُوبِيَّته , وَأَنْكَرَ مَا عَلَيْهِ الْإِقْرَار لَهُ بِهِ مِنْ الْإِذْعَان بِالطَّاعَةِ , كَمَا : 23101 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر فِي : ( { إِلَّا إِبْلِيس اِسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فِي عِلْم اللَّه مِنْ الْكَافِرِينَ .)

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ } اللَّه لِإِبْلِيس , إِذْ لَمْ يَسْجُد لِآدَم , وَخَالَفَ أَمْره : { يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد } يَقُول : أَيّ شَيْء مَنَعَك مِنْ السُّجُود { لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ } يَقُول : لِخَلْقِ يَدِي ; يُخْبِر تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَم بِيَدَيْهِ , كَمَا : 23102 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد المكتب , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يُحَدِّث عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : (خَلَقَ اللَّه أَرْبَعَة بِيَدِهِ : الْعَرْش , وَعَدْن , وَالْقَلَم , وَآدَم , ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ شَيْء كُنْ فَكَانَ . )وَقَوْله : { أَسْتَكْبَرْت } يَقُول لِإِبْلِيس : تَعَظَّمْت عَنْ السُّجُود لِآدَم , فَتَرَكْت السُّجُود لَهُ اِسْتِكْبَارًا عَلَيْهِ , وَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْمُتَكَبِّرِينَ الْعَالِينَ قَبْل ذَلِكَ { أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ } يَقُول : أَمْ كُنْت كَذَلِكَ مِنْ قَبْل ذَا عُلُوّ وَتَكَبُّر عَلَى رَبّك .

لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

{ قَالَ أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ إِبْلِيس لِرَبِّهِ : فَعَلْت ذَلِكَ فَلَمْ أَسْجُد لِلَّذِي أَمَرْتنِي بِالسُّجُودِ لَهُ لِأَنِّي خَيْر مِنْهُ وَكُنْت خَيْرًا لِأَنَّك خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين , وَالنَّار تَأْكُل الطِّين وَتُحْرِقهُ , فَالنَّار خَيْر مِنْهُ , يَقُول : لَمْ أَفْعَل ذَلِكَ اِسْتِكْبَارًا عَلَيْك , وَلَا لِأَنِّي كُنْت مِنْ الْعَالِينَ , وَلَكِنِّي فَعَلْته مِنْ أَجْل أَنِّي أَشْرَف مِنْهُ ; وَهَذَا تَقْرِيع مِنْ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبَوْا الِانْقِيَاد لَهُ , وَاتِّبَاع مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه اِسْتِكْبَارًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حِين قَالُوا : { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا } [38 8 ]و { هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } [21 3 ]فَقَصَّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى قِصَّة إِبْلِيس وَإِهْلَاكه بِاسْتِكْبَارِهِ عَنْ السُّجُود لِآدَم بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ خَيْر مِنْهُ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَار , وَخُلِقَ آدَم مِنْ طِين , حَتَّى صَارَ شَيْطَانًا رَجِيمًا , وَحَقَّتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّه لَعْنَته , مُحَذِّرهمْ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا بِاسْتِكْبَارِهِمْ عَلَى مُحَمَّد , وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه حَسَدًا , وَتَعَظُّمًا مِنْ اللَّعْن وَالسُّخْط مَا اِسْتَحَقَّهُ إِبْلِيس بِتَكَبُّرِهِ عَنْ السُّجُود لِآدَم .

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك رَجِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِإِبْلِيس : { فَاخْرُجْ مِنْهَا } يَعْنِي مِنْ الْجَنَّة { فَإِنَّك رَجِيم } يَقُول : فَإِنَّك مَرْجُوم بِالْقَوْمِ , مَشْتُوم مَلْعُون , كَمَا : 23103 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك رَجِيم } قَالَ : وَالرَّجِيم : اللَّعِين. 23104 - حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك بِمِثْلِهِ.

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ

وَقَوْله : { وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي } يَقُول : وَإِنَّ لَك طَرْدِي مِنْ الْجَنَّة { إِلَى يَوْم الدِّين } يَعْنِي : إِلَى يَوْم مُجَازَاة الْعِبَاد وَمُحَاسَبَتهمْ

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا و

{ قَالَ رَبّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْلِيس لِرَبِّهِ : رَبّ فَإِذْ لَعَنْتنِي , وَأَخْرَجْتنِي مِنْ جَنَّتك { فَأَنْظِرْنِي } يَقُول : فَأَخِّرْنِي فِي الْأَجَل , وَلَا تُهْلِكنِي { إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول : إِلَى يَوْم تَبْعَث خَلْقك مِنْ قُبُورهمْ .

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِإِبْلِيس : فَإِنَّك مِمَّنْ أَنْظَرْته إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم , وَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه أَجَلًا لِهَلَاكِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت وَقْت ذَلِكَ فِيمَا مَضَى عَلَى اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ ;

اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِإِبْلِيس : فَإِنَّك مِمَّنْ أَنْظَرْته إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم , وَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه أَجَلًا لِهَلَاكِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت وَقْت ذَلِكَ فِيمَا مَضَى عَلَى اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ ;

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ

وَقَالَ : { فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْلِيس : فَبِعِزَّتِك : أَيْ بِقُدْرَتِك وَسُلْطَانك وَقَهْرك مَا دُونك مِنْ خَلْقك { لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول : لَأُضِلَّن بَنِي آدَم أَجْمَعِينَ . 23105 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { قَالَ فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } قَالَ : عَلِمَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ عِزَّة .)

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

{ إِلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ } يَقُول : إِلَّا مَنْ أَخْلَصْته مِنْهُمْ لِعِبَادَتِك , وَعَصَمْته مِنْ إِضْلَالِي , فَلَمْ تَجْعَل لِي عَلَيْهِ سَبِيلًا , فَإِنِّي لَا أَقْدِر عَلَى إِضْلَاله وَإِغْوَائِهِ.

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } عِ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَعَامَّة الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الْحَقّ الْأَوَّل , وَنَصْب الثَّانِي . وَفِي رَفْع الْحَقّ الْأَوَّل إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا رَفْعه بِضَمِيرِ لِلَّهِ الْحَقّ , أَوْ أَنَا الْحَقّ وَأَقُول الْحَقّ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِتَأْوِيلِ قَوْله : { لَأَمْلَأَن } فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَالْحَقّ أَنْ أَمْلَأ جَهَنَّم مِنْك , كَمَا يَقُول : عَزْمَة صَادِقَة لَآتِيَنَّك , فَرَفَعَ عَزْمَة بِتَأْوِيلِ لَآتِيَنَّك , لِأَنَّ تَأْوِيله أَنْ آتِيك , كَمَا قَالَ : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لِيَسْجُنُنَّهُ } [12 35 ]فَلَا بُدّ لِقَوْلِهِ : { بَدَا لَهُمْ } مِنْ مَرْفُوع , وَهُوَ مُضْمَر فِي الْمَعْنَى . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ بِنَصْبِ الْحَقّ الْأَوَّل وَالثَّانِي كِلَيْهِمَا , بِمَعْنَى : حَقًّا لَأَمْلَأَن جَهَنَّم وَالْحَقّ أَقُول , ثُمَّ أُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام عَلَيْهِ , وَهُوَ مَنْصُوب , لِأَنَّ دُخُولهمَا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَام وَخُرُوجهمَا مِنْهُ سَوَاء , كَمَا سَوَاء قَوْلهمْ : حَمْدًا لِلَّهِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ عِنْدهمْ إِذَا نُصِبَ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى وَجْه الْإِغْرَاء بِمَعْنَى : اِلْزَمُوا الْحَقّ , وَاتَّبِعُوا الْحَقّ , وَالْأَوَّل أَشْبَهَ لِأَنَّهُ خِطَاب مِنْ اللَّه لِإِبْلِيس بِمَا هُوَ فَاعِل بِهِ وَبِتُبَّاعِهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِصِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا . وَأَمَّا الْحَقّ الثَّانِي , فَلَا اِخْتِلَاف فِي نَصْبه بَيْن قُرَّاء الْأَمْصَار كُلّهمْ , بِمَعْنَى : وَأَقُول الْحَقّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23106- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } يَقُول اللَّه : أَنَا الْحَقّ , وَالْحَقّ أَقُول . )23107 - وَحُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } يَقُول اللَّه : الْحَقّ مِنِّي , وَأَقُول الْحَقّ . )* -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : ثنا أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ طَلْحَة الْيَامِيّ , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَرَأَهَا ( { فَالْحَقُّ } بِالرَّفْعِ { وَالْحَقَّ أَقُول } نَصْبًا وَقَالَ : يَقُول اللَّه : أَنَا الْحَقّ , وَالْحَقّ أَقُول . )23108 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { الْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } قَالَ : قَسَمَ أَقْسَمَ اللَّه بِهِ.)

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

وَقَوْله : { لَأَمْلَأَن جَهَنَّم مِنْك } يَقُول لِإِبْلِيس : لَأَمْلَأَن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تَبِعَك مِنْ بَنِي آدَم أَجْمَعِينَ .

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

وَقَوْله : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك , الْقَائِلِينَ لَك { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا } : مَا أَسْأَلكُمْ عَلَى هَذَا الذِّكْر وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَجْرًا , يَعْنِي ثَوَابًا وَجَزَاء { وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ } يَقُول : وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَتَكَلَّف تَخَرُّصه وَافْتِرَاءَهُ , فَتَقُولُونَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك اِفْتَرَاهُ } [25 4 ]و { إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق } [38 38 ]كَمَا : 23109 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قُلْ مَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ } قَالَ : لَا أَسْأَلكُمْ عَلَى الْقُرْآن أَجْرًا تُعْطُونِي شَيْئًا , وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ أَتَخَرَّص وَأَتَكَلَّف مَا لَمْ يَأْمُرنِي اللَّه بِهِ .)

ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : { إِنْ هُوَ } يَعْنِي : مَا هَذَا الْقُرْآن { إِلَّا ذِكْر } يَقُول : إِلَّا تَذْكِير مِنْ اللَّه { لِلْعَالَمِينَ } مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , ذَكَّرَهُمْ رَبّهمْ إِرَادَة اِسْتِنْقَاذ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ مِنْ الْهَلَكَة .

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

وَقَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } يَقُول : وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قُرَيْش نَبَأَهُ , يَعْنِي : نَبَأ هَذَا الْقُرْآن , وَهُوَ خَبَره , يَعْنِي حَقِيقَة مَا فِيهِ مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد بَعْد حِين. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23110 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ } قَالَ : صَدَّقَ هَذَا الْحَدِيث نَبَأ مَا كَذَّبُوا بِهِ . , قِيلَ : { نَبَأَهُ } حَقِيقَة أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَبِيّ . )ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي مُدَّة الْحِين الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَا هِيَ , وَمَا نِهَايَتهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نِهَايَتهَا الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23111 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } : أَيْ بَعْد الْمَوْت ; وَقَالَ الْحَسَن : يَا اِبْن آدَم عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك الْخَبَر الْيَقِين . )وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ نِهَايَتهَا إِلَى يَوْم بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23112 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } قَالَ : يَوْم بَدْر . )وَقَالَ بَعْضهمْ : يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : نِهَايَتهَا الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23113 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة يَعْلَمُونَ نَبَأ مَا كَذَّبُوا بِهِ بَعْد حِين مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَرَأَ : { لِكُلِّ نَبَأ مُسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [6 67 ]قَالَ : وَهَذَا أَيْضًا الْأَخِرَة يَسْتَقِرّ فِيهَا الْحَقّ , وَيَبْطُل الْبَاطِل. )وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَعْلَمَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا الْقُرْآن أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ نَبَأَهُ بَعْد حِين مِنْ غَيْر حَدّ مِنْهُ لِذَلِكَ الْحِين بِحَدٍّ , وَقَدْ عَلِمَ نَبَأَهُ مِنْ أَحْيَائِهِمْ الَّذِينَ عَاشُوا إِلَى ظُهُور حَقِيقَته , وَوُضُوح صِحَّته فِي الدُّنْيَا , وَمِنْهُمْ مِنْ عَلِمَ حَقِيقَة ذَلِكَ بِهَلَاكِهِ بِبَدْرٍ , وَقَبْل ذَلِكَ , وَلَا حَدّ عِنْد الْعَرَب لِلْحِين , لَا يُجَاوِز وَلَا يَقْصُر عَنْهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْل فِيهِ أَصَحّ مِنْ أَنْ يُطْلَق كَمَا أَطْلَقَهُ اللَّه مِنْ غَيْر حَصْر ذَلِكَ عَلَى وَقْت دُون وَقْت . وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23114 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : (سُئِلْت عَنْ رَجُل حَلَفَ أَنْ لَا يَصْنَع كَذَا وَكَذَا إِلَى حِين , فَقُلْت : إِنَّ مِنْ الْحِين حِينًا لَا يُدْرَك , وَمِنْ الْحِين حِين يُدْرَك , فَالْحِين الَّذِي لَا يُدْرَك قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } وَالْحِين الَّذِي يُدْرَك قَوْله : { تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا } [14 25 ]وَذَلِكَ مِنْ حِين تُصْرَم النَّخْلَة إِلَى حِين تَطْلُع , وَذَلِكَ سِتَّة أَشْهُر. )آخِر تَفْسِير سُورَة ص

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { تَنْزِيل الْكِتَاب } الَّذِي نَزَّلْنَاهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّد { مِنْ اللَّه الْعَزِيز } فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ { الْحَكِيم } فِي تَدْبِيره خَلْقه , لَا مِنْ غَيْره , فَلَا تَكُونَن فِي شَكّ مِنْ ذَلِكَ ; وَرُفِعَ قَوْله : { تَنْزِيل } بِقَوْلِهِ : { مِنْ اللَّه } وَتَأْوِيل الْكَلَام : مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم تَنْزِيل الْكِتَاب . وَجَائِز رَفْعه بِإِضْمَارِ هَذَا , كَمَا قِيلَ : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا } [24 1 ]غَيْر أَنَّ الرَّفْع فِي قَوْله : { تَنْزِيل الْكِتَاب } بِمَا بَعْده , أَحْسَن مِنْ رَفْع سُورَة بِمَا بَعْدهَا , لِأَنَّ تَنْزِيل , وَإِنْ كَانَ فِعْلًا , فَإِنَّهُ إِلَى الْمَعْرِفَة أَقْرَب , إِذْ كَانَ مُضَافًا إِلَى مَعْرِفَة , فَحَسُنَ رَفْعه بِمَا بَعْده , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَسَنِ فِي | سُورَة | , لِأَنَّهُ نَكِرَة.

وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ

وَقَوْله : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب , يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْقُرْآن { بِالْحَقِّ } يَعْنِي بِالْعَدْلِ ; يَقُول : أَنْزَلْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن يَأْمُر بِالْحَقِّ وَالْعَدْل , وَمِنْ ذَلِكَ الْحَقّ وَالْعَدْل أَنْ تَعْبُد اللَّه مُخْلِصًا لَهُ الدِّين , لِأَنَّ الدِّين لَهُ لَا لِلْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَمْلِك ضُرًّا وَلَا نَفْعًا . , بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { الْكِتَاب } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23115 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ } يَعْنِي : الْقُرْآن .)|فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ|وَقَوْله : { فَاعْبُدْ اللَّه مُخْلِصًا لَهُ الدِّين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاخْشَعْ لِلَّهِ يَا مُحَمَّد بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلِصْ لَهُ الْأُلُوهَة , وَأَفْرِدْهُ بِالْعِبَادَةِ , وَلَا تَجْعَل لَهُ فِي عِبَادَتك إِيَّاهُ شَرِيكًا , كَمَا فَعَلَتْ عَبَدَة الْأَوْثَان. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23116 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شِمْر , قَالَ : (يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة لِلْحِسَابِ وَفِي صَحِيفَته أَمْثَال الْجِبَال مِنْ الْحَسَنَات , فَيَقُول رَبّ الْعِزَّة جَلَّ وَعَزَّ : صَلَّيْت يَوْم كَذَا وَكَذَا , لِيُقَالَ : صَلَّى فُلَان ! أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا , لِيَ الدِّين الْخَالِص . صُمْت يَوْم كَذَا وَكَذَا , لِيُقَالَ : صَامَ فُلَان ! أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا لِيَ الدِّين الْخَالِص , تَصَدَّقْت يَوْم كَذَا وَكَذَا , لِيُقَالَ : تَصَدَّقَ فُلَان ! أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا لِيَ الدِّين الْخَالِص ; فَمَا يَزَال يَمْحُو شَيْئًا بَعْد شَيْء حَتَّى تَبْقَى صَحِيفَته مَا فِيهَا شَيْء , فَيَقُول مَلَكَاهُ : يَا فُلَان , أَلِغَيْرِ اللَّه كُنْت تَعْمَل . )23117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا قَوْله : ( { مُخْلِصًا لَهُ الَّذِي } فَالتَّوْحِيد , وَالدِّين مَنْصُوب بِوُقُوعِ مُخْلِصًا عَلَيْهِ.)

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

وَقَوْله : { أَلَا لِلَّهِ الدِّين الْخَالِص } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا لِلَّهِ الْعِبَادَة وَالطَّاعَة وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , خَالِصَة لَا شِرْك لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهَا , فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ , لِأَنَّ كُلّ مَا دُونه مِلْكه , وَعَلَى الْمَمْلُوك طَاعَة مَالِكه لَا مَنْ لَا يَمْلِك مِنْهُ شَيْئًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23118 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { أَلَا لِلَّهِ الدِّين الْخَالِص } شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه .)|وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى|وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه أَوْلِيَاء يَتَوَلَّوْنَهُمْ , وَيَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه , يَقُولُونَ لَهُمْ : مَا نَعْبُدكُمْ أَيّهَا الْآلِهَة إِلَّا لِتُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى , قُرْبَة وَمَنْزِلَة , وَتَشْفَعُوا لَنَا عِنْده فِي حَاجَاتنَا ; وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : | مَا نَعْبُدكُمْ | , وَفِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | قَالُوا مَا نَعْبُدهُمْ | وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحِكَايَة إِذَا كَانَتْ بِالْقَوْلِ مُضْمَرًا كَانَ أَوْ ظَاهِرًا , جُعِلَ الْغَائِب أَحْيَانًا كَالْمُخَاطَبِ , وَيُتْرَك أُخْرَى كَالْغَائِبِ , وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي مَوْضِعه فِيمَا مَضَى. 23119 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : (هِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : | قَالُوا مَا نَعْبُدهُمْ . )وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23120 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } قَالَ : قُرَيْش تَقُولهُ لِلْأَوْثَانِ , وَمَنْ قَبْلهمْ يَقُولهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَلِعِيسَى اِبْن مَرْيَم وَلِعُزَيْرٍ . )23121 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } قَالُوا : مَا نَعْبُد هَؤُلَاءِ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا , إِلَّا لِيَشْفَعُوا لَنَا عِنْد اللَّه . )23122 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } قَالَ : هِيَ مَنْزِلَة. )23123 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } )وَقَوْله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا } يَقُول سُبْحَانه : لَوْ شِئْت لَجَمَعْتهمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ . 23124- حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } قَالَ : قَالُوا هُمْ شُفَعَاؤُنَا عِنْد اللَّه , وَهُمْ الَّذِينَ يُقَرِّبُونَنَا إِلَى اللَّه زُلْفَى يَوْم الْقِيَامَة لِلْأَوْثَانِ , وَالزُّلْفَى : الْقُرْب .)|إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ|وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَحْكُم بَيْنهمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه يَفْصِل بَيْن هَؤُلَاءِ الْأَحْزَاب الَّذِينَ اِتَّخَذُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ دُون اللَّه أَوْلِيَاء يَوْم الْقِيَامَة , فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عِبَادَتهمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِيهَا , بِأَنْ يُصْلِيهِمْ جَمِيعًا جَهَنَّم , إِلَّا مَنْ أَخْلَصَ الدِّين لِلَّهِ , فَوَحَّدَهُ , وَلَمْ يُشْرِك بِهِ شَيْئًا .|إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ|الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِب كَفَّار } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي } إِلَى الْحَقّ وَدِينه الْإِسْلَام , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّتِهِ , فَيُوَفِّقهُ لَهُ { مَنْ هُوَ كَاذِب } مُفْتَرٍ عَلَى اللَّه , يَتَقَوَّل عَلَيْهِ الْبَاطِل , وَيُضِيف إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , وَيَزْعُم أَنَّ لَهُ وَلَدًا اِفْتِرَاء عَلَيْهِ , كَفَّار لِنِعَمِهِ , جَحُود لِرُبُوبِيَّتِهِ .

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ

وَقَوْله : { لَوْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ شَاءَ اللَّه اِتِّخَاذ وَلَد , وَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ , لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُق مَا يَشَاء , يَقُول : لَاخْتَارَ مِنْ خَلْقه مَا يَشَاء . وَقَوْله : { سُبْحَانه هُوَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار } يَقُول : تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد , وَعَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنْ شِرْكهمْ { هُوَ اللَّه } يَقُول : هُوَ الَّذِي يَعْبُدهُ كُلّ شَيْء , وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَد لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبْدًا , يَقُول : فَالْأَشْيَاء كُلّهَا لَهُ مِلْك , فَأَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد , وَهُوَ الْوَاحِد الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ فِي مُلْكه وَسُلْطَانه , وَالْقَهَّار لِخَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ , فَكُلّ شَيْء لَهُ مُتَذَلِّل , وَمِنْ سَطْوَته خَاشِع .

وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَاصِفًا نَفْسه بِصِفَتِهَا : { خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } يَقُول : يُغَشِّي هَذَا عَلَى هَذَا , وَهَذَا عَلَى هَذَا , كَمَا قَالَ { يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل } [22 61 ]وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23125- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } يَقُول : يَحْمِل اللَّيْل عَلَى النَّهَار. )23126 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : ( { يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار } قَالَ : يُدَهْوِرهُ . )23127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } قَالَ : يَغْشَى هَذَا هَذَا , وَيَغْشَى هَذَا هَذَا . )23128 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } قَالَ : يَجِيء بِالنَّهَارِ وَيَذْهَب بِاللَّيْلِ , وَيَجِيء بِاللَّيْلِ , وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ . )23129 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { يُكَوِّر اللَّيْل عَلَى النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَى اللَّيْل } حِين يَذْهَب بِاللَّيْلِ وَيُكَوِّر النَّهَار عَلَيْهِ , وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ وَيُكَوِّر اللَّيْل عَلَيْهِ.)|وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ|وَقَوْله : { وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لِعِبَادِهِ , لِيَعْلَمُوا بِذَلِكَ عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب , وَيَعْرِفُوا اللَّيْل مِنْ النَّهَار لِمَصْلَحَةِ مَعَاشهمْ { كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } يَقُول : { كُلّ } ذَلِكَ يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر { يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } يَعْنِي إِلَى قِيَام السَّاعَة , وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تُكَوَّر الشَّمْس , وَتَنْكَدِر النُّجُوم . وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا مَنَازِل , لَا تَعْدُوهُ وَلَا تَقْصُر دُونه { أَلَا هُوَ الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا إِنَّ اللَّه الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال وَأَنْعَمَ عَلَى خَلْقه هَذِهِ النِّعَم هُوَ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ عَادَاهُ , الْغَفَّار لِذُنُوبِ عِبَاده التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا .

وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { خَلَقَكُمْ } أَيّهَا النَّاس { مِنْ نَفْس وَاحِدَة } يَعْنِي مِنْ آدَم { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا } يَقُول : ثُمَّ جَعَلَ مِنْ آدَم زَوْجه حَوَّاء , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه خَلَقَهَا مِنْ ضِلْع مِنْ أَضْلَاعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23130 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } يَعْنِي آدَم , ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا حَوَّاء , خَلَقَهَا مِنْ ضِلْع مِنْ أَضْلَاعه . )فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا ؟ وَإِنَّمَا خَلَقَ وَلَد آدَم مِنْ آدَم وَزَوْجَته , وَلَا شَكّ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ قَبْل الْوَلَد , فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا : أَحَدهَا أَنْ يُقَال : قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : | إِنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم مَسَحَ ظَهْره , فَأَخْرَجَ كُلّ نَسَمَة هِيَ كَائِنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ أَسْكَنَهُ بَعْد ذَلِكَ الْجَنَّة , وَخَلَقَ بَعْد ذَلِكَ حَوَّاء مِنْ ضِلْع مِنْ أَضْلَاعه | فَهَذَا قَوْل. وَالْآخَر : أَنَّ الْعَرَب رُبَّمَا أَخْبَرَ الرَّجُل مِنْهُمْ عَنْ رَجُل بِفِعْلَيْنِ , فَيَرُدّ الْأَوَّل مِنْهُمَا فِي الْمَعْنَى بِثُمَّ , إِذَا كَانَ مِنْ خَبَر الْمُتَكَلِّم , كَمَا يُقَال : قَدْ بَلَغَنِي مَا كَانَ مِنْك الْيَوْم , ثُمَّ مَا كَانَ مِنْك أَمْسِ أَعْجَب , فَذَلِكَ نَسَق مِنْ خَبَر الْمُتَكَلِّم . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون خَلْقه الزَّوْج مَرْدُودًا عَلَى وَاحِدهَا , كَأَنَّهُ قِيلَ : خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَحْدهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا , فَيَكُون فِي وَاحِدَة مَعْنَى : خَلَقَهَا وَحْدهَا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : <br>أَعْدَدْته لِلْخَصْمِ ذِي التَّعَدِّي .......... كَوَّحْتَهُ مِنْك بِدُونِ الْجَهْد <br>بِمَعْنَى : الَّذِي إِذَا تَعَدَّى كَوَّحْتَهُ , وَمَعْنَى : كَوَّحْتَهُ : غَلَبْته . وَالْقَوْل الَّذِي يَقُولهُ أَهْل الْعِلْم أَوْلَى بِالصَّوَابِ , وَهُوَ الْقَوْل الْأَوَّل الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْرَجَ ذُرِّيَّة آدَم مِنْ صُلْبه قَبْل أَنْ يَخْلُق حَوَّاء , وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَذَاهِب أَهْل الْعَرَبِيَّة .|وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ|وَقَوْله : { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الْإِبِل زَوْجَيْنِ , وَمِنْ الْبَقَر زَوْجَيْنِ , وَمِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثَمَانِيَة أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ } [6 143 ], كَمَا : 23131 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ , ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج } قَالَ : مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالضَّأْن وَالْمَعْز . )23132 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج } مِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ , مِنْ كُلّ وَاحِد زَوْج . )23133- حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزْوَاج } يَعْنِي مِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الْبَقَر اِثْنَيْنِ , وَمِنْ الْإِبِل اِثْنَيْنِ .)|يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ|وَقَوْله : { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَبْتَدِئ خَلْقكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق , وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحْدِث فِيهَا نُطْفَة , ثُمَّ يَجْعَلهَا عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة , ثُمَّ عِظَامًا , ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَام لَحْمًا , ثُمَّ يُنْشِئهُ خَلْقًا آخَر , تَبَارَكَ اللَّه وَتَعَالَى , فَذَلِكَ خَلْقه إِيَّاهُ خَلْقًا بَعْد خَلْق , كَمَا : 23134 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة ( { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْق مِنْ بَعْد خَلْق } قَالَ : نُطْفَة , ثُمَّ عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة . )23135 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } قَالَ : نُطْفَة , ثُمَّ مَا يَتْبَعهَا حَتَّى تَمَّ خَلْقه . )23136 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } نُطْفَة , ثُمَّ عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة , ثُمَّ عِظَامًا , ثُمَّ لَحْمًا , ثُمَّ أَنْبَتَ الشَّعْر , أَطْوَار الْخَلْق . )23137 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : ( { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } قَالَ : يَعْنِي بِخَلْقٍ بَعْد الْخَلْق , عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة , ثُمَّ عِظَامًا. )23138 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } قَالَ : يَكُونُونَ نُطَفًا , ثُمَّ يَكُونُونَ عَلَقًا , ثُمَّ يَكُونُونَ مُضَغًا , ثُمَّ يَكُونُونَ عِظَامًا , ثُمَّ يُنْفَخ فِيهِمْ الرُّوح . )23139 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : ( { فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } خَلْق نُطْفَة , ثُمَّ عَلَقَة , ثُمَّ مُضْغَة. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ مِنْ بَعْد خَلْقه إِيَّاكُمْ فِي ظَهْر آدَم , قَالُوا : فَذَلِكَ هُوَ الْخَلْق مِنْ بَعْد الْخَلْق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23140 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد ( { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } قَالَ : خَلْقًا فِي الْبُطُون مِنْ بَعْد الْخَلْق الْأُوَل الَّذِي خَلَقَهُمْ فِي ظَهْر آدَم . )وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد , وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مِثْل قَوْلهمَا , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَخْلُقنَا خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق فِي بُطُون أُمَّهَاتنَا فِي ظُلُمَات ثَلَاث , وَلَمْ يُخْبِر أَنَّهُ يَخْلُقنَا فِي بُطُون أُمَّهَاتنَا مِنْ بَعْد خَلْقنَا فِي ظَهْر آدَم , وَذَلِكَ نَحْو قَوْله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة عَلَقَة } [23 12 : 14]|فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ|وَقَوْله : { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } يَعْنِي : فِي ظُلْمَة الْبَطْن , وَظُلْمَة الرَّحِم , وَظُلْمَة الْمَشِيمَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23141 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : الظُّلُمَات الثَّلَاث : الْبَطْن , وَالرَّحِم , وَالْمَشِيمَة . )* - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : الْبَطْن , وَالْمَشِيمَة , وَالرَّحِم . )23142 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ الثَّلَاث : بَطْن أُمّه , وَالرَّحِم , وَالْمَشِيمَة . )23143 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : الْبَطْن , وَالرَّحِم وَالْمَشِيمَة . )23144 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } الْمَشِيمَة , وَالرَّحِم , وَالْبَطْن . )23145 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : ظُلْمَة الْمَشِيمَة , وَظُلْمَة الرَّحِم , وَظُلْمَة الْبَطْن . )23146 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } قَالَ : الْمَشِيمَة فِي الرَّحِم , وَالرَّحِم فِي الْبَطْن . )23147 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : ( { فِي ظُلُمَات ثَلَاث } : الرَّحِم , وَالْمَشِيمَة , وَالْبَطْن , وَالْمَشِيمَة الَّتِي تَكُون عَلَى الْوَلَد إِذَا خَرَجَ , وَهِيَ مِنْ الدَّوَابّ السَّلَى .)|ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ|وَقَوْله : { ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال أَيّهَا النَّاس هُوَ رَبّكُمْ , لَا مَنْ لَا يَجْلِب لِنَفْسِهِ نَفْعًا , وَلَا يَدْفَع عَنْهَا ضُرًّا , وَلَا يَسُوق إِلَيْكُمْ خَيْرًا , وَلَا يَدْفَع عَنْكُمْ سُوءًا مِنْ أَوْثَانكُمْ وَآلِهَتكُمْ .|لَهُ الْمُلْكُ|وَقَوْله : { لَهُ الْمُلْك } يَقُول جَلَّ وَعَزَّ : لَرَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس الَّذِي صِفَته مَا وَصَفَ لَكُمْ , وَقُدْرَته مَا بَيَّنَ لَكُمْ الْمُلْك , مَلِك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَسُلْطَانهمَا لَا لِغَيْرِهِ ; فَأَمَّا مُلُوك الدُّنْيَا فَإِنَّمَا يَمْلِك أَحَدهمَا شَيْئًا دُون شَيْء , فَإِنَّمَا لَهُ خَاصّ مِنْ الْمُلْك. وَأَمَّا الْمُلْك التَّامّ الَّذِي هُوَ الْمُلْك بِالْإِطْلَاقِ فَلِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار .|لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ|وَقَوْله : { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مَعْبُود سِوَاهُ , وَلَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أَيّهَا النَّاس فَتَذْهَبُونَ عَنْ عِبَادَة رَبّكُمْ , الَّذِي هَذِهِ الصِّفَة صِفَته , إِلَى عِبَادَة مَنْ لَا ضُرّ عِنْده لَكُمْ وَلَا نَفْع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23148- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } قَالَ : كَقَوْلِهِ : { تُؤْفَكُونَ } )23149 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ : أَنَّى تُصْرَف عُقُولكُمْ عَنْ هَذَا ؟)

وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر } فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ لِخَاصٍّ مِنْ النَّاس , وَمَعْنَاهُ : إِنْ تَكْفُرُوا أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ , وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ لِعِبَادَتِهِ وَطَاعَته الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23150 - حَدَّثَنِي عَلِيّ قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر } يَعْنِي الْكُفَّار الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يُطَهِّر قُلُوبهمْ , فَيَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , ثُمَّ قَالَ : { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر } وَهُمْ عِبَاده الْمُخْلِصُونَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان } فَأَلْزَمَهُمْ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحَبَّبَهَا إِلَيْهِمْ . )23151 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر } قَالَ : لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكْفُرُوا. )وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَامّ لِجَمِيعِ النَّاس , وَمَعْنَاهُ : أَيّهَا النَّاس إِنْ تَكْفُرُوا , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْكُمْ , وَلَا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَكْفُرُوا بِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : إِنْ تَكْفُرُوا بِاَللَّهِ أَيّهَا الْكُفَّار بِهِ , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ إِيمَانكُمْ وَعِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ , وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر , بِمَعْنَى : وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ , كَمَا يُقَال : لَسْت أُحِبّ الظُّلْم , وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ يَظْلِم فُلَان فُلَانًا فَيُعَاقَب .|وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ|وَقَوْله : { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } يَقُول : وَإِنْ تُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَتُطِيعُوهُ يَرْضَ شُكْركُمْ لَهُ , وَذَلِكَ هُوَ إِيمَانهمْ بِهِ وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ , فَكَنَّى عَنْ الشُّكْر وَلَمْ يَذْكُر , وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْل الدَّالّ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } [3 173 ]بِمَعْنَى : فَزَادَهُمْ قَوْل النَّاس لَهُمْ ذَلِكَ إِيمَانًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23152- حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } قَالَ : إِنْ تُطِيعُوا يَرْضَهُ لَكُمْ .)|وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى|وَقَوْله : { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } يَقُول : لَا تَأْثَم آثِمَة إِثْم آثِمَة أُخْرَى غَيْرهَا , وَلَا تُؤَاخَذ إِلَّا بِإِثْمِ نَفْسهَا , يُعْلِم عَزَّ وَجَلَّ عِبَاده أَنَّ عَلَى كُلّ نَفْس مَا جَنَتْ , وَأَنَّهَا لَا تُؤَاخَذ بِذَنْبِ غَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23153 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى } قَالَ : لَا يُؤْخَذ أَحَد بِذَنْبِ أَحَد .)|ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ|وَقَوْله : { ثُمَّ إِلَى رَبّكُمْ مَرْجِعكُمْ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ بَعْد اِجْتِرَاحكُمْ فِي الدُّنْيَا مَا اِجْتَرَحْتُمْ مِنْ صَالِح وَسَيِّئ , وَإِيمَان وَكُفْر أَيّهَا النَّاس , إِلَى رَبّكُمْ مَصِيركُمْ مِنْ بَعْد وَفَاتكُمْ , { فَيُنَبِّئكُمْ } يَقُول : فَيُخْبِركُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَهُ مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَيُجَازِيكُمْ عَلَى كُلّ ذَلِكَ جَزَاءَكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِمَا يَسْتَحِقّهُ ; يَقُول عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ : فَاتَّقُوا أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ وَقَدْ عَمِلْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا لَا يَرْضَاهُ مِنْكُمْ فَتَهْلِكُوا , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ عَمَل عَامِل مِنْكُمْ .|إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ|وَقَوْله : { إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَضْمَرَتْهُ صُدُوركُمْ أَيّهَا النَّاس مِمَّا لَا تُدْرِكهُ أَعْيُنكُمْ , فَكَيْفَ بِمَا أَدْرَكَتْهُ الْعُيُون وَرَأَتْهُ الْأَبْصَار . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ الْخَبَر عَنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَأَنَّهُ مُحْصٍ عَلَى عِبَاده أَعْمَالهمْ , لِيُجَازِيَهُمْ بِهَا كَيْ يَتَّقُوهُ فِي سِرّ أُمُورهمْ وَعَلَانِيَتهَا .

وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ دَعَا رَبّه مُنِيبًا إِلَيْهِ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان بَلَاء فِي جَسَده مِنْ مَرَض , أَوْ عَاهَة , أَوْ شِدَّة فِي مَعِيشَته , وَجَهْد وَضِيق { دَعَا رَبّه } يَقُول : اِسْتَغَاثَ بِرَبِّهِ الَّذِي خَلَقَهُ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ , وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي كَشْف مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ شِدَّة ذَلِكَ. وَقَوْله : { مُنِيبًا إِلَيْهِ } يَقُول : تَائِبًا إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مِنْ قَبْل ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر بِهِ , وَإِشْرَاك الْآلِهَة وَالْأَوْثَان بِهِ فِي عِبَادَته , رَاجِعًا إِلَى طَاعَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23154- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ } قَالَ : الْوَجَع وَالْبَلَاء وَالشِّدَّة { دَعَا رَبّه مُنِيبًا إِلَيْهِ } قَالَ : مُسْتَغِيثًا بِهِ .)|ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ|وَقَوْله : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَة مِنْهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ إِذَا مَنَحَهُ رَبّه نِعْمَة مِنْهُ , يَعْنِي عَافِيَة , فَكَشَفَ عَنْهُ ضُرّه , وَأَبْدَلَهُ بِالسَّقَمِ صِحَّة , وَبِالشِّدَّةِ رَخَاء . وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى غَيْره مِنْ مَال أَوْ غَيْره : قَدْ خَوَّلَهُ ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم الْعِجْلِيّ : <br>أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَل وَلَمْ يَبْخَل .......... كَوْم الذُّرَا مِنْ خَوَل الْمُخَوَّل <br>وَحُدِّثْت عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَمْرو يَقُول فِي بَيْت زُهَيْر : <br>هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَال يُخْوِلُوا .......... وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا <br>قَالَ مَعْمَر : قَالَ يُونُس : إِنَّمَا سَمِعْنَاهُ : * هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْبَلُوا الْمَال يُخْبِلُوا * قَالَ : وَهِيَ بِمَعْنَاهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23155- حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَة مِنْهُ } : إِذَا أَصَابَتْهُ عَافِيَة أَوْ خَيْر.)|نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ|وَقَوْله : { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْل } يَقُول : تَرَكَ دُعَاءَهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُو إِلَى اللَّه مِنْ قَبْل أَنْ يُكْشَف مَا كَانَ بِهِ مِنْ ضُرّ { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا } يَعْنِي : شُرَكَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23156 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { نَسِيَ } يَقُول : تَرَكَ , هَذَا فِي الْكَافِر خَاصَّة . )وَلِ | مَا | الَّتِي فِي قَوْله : { نَسِيَ مَا كَانَ } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الَّذِي , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : تَرَكَ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ فِي حَال الضُّرّ الَّذِي كَانَ بِهِ , يَعْنِي بِهِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , فَتَكُون | مَا | مَوْضُوعَة عِنْد ذَلِكَ مَوْضِع | مَنْ | كَمَا قِيلَ : { وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد } [109 3 ]يَعْنِي بِهِ اللَّه , وَكَمَا قِيلَ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاء } [4 3 ]. وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْمَصْدَر عَلَى مَا ذَكَرْت . وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمَصْدَر , كَانَ فِي الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { إِلَيْهِ } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مِنْ ذِكْر مَا . وَالْآخَر : مِنْ ذِكْر الرَّبّ .|وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا|وَقَوْله : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا } يَقُول : وَجَعَلَ لِلَّهِ أَمْثَالًا وَأَشْبَاهًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهَا فِيهِ لَهُ أَنْدَادًا , قَالَ بَعْضهمْ : جَعَلُوهَا لَهُ أَنْدَادًا فِي طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي مَعَاصِي اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا } قَالَ : الْأَنْدَاد مِنْ الرِّجَال : يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه . )وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ عَبَدَ الْأَوْثَان , فَجَعَلَهَا لِلَّهِ أَنْدَادًا فِي عِبَادَتهمْ إِيَّاهَا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ أَنَّهُ أَطَاعَ الشَّيْطَان فِي عِبَادَة الْأَوْثَان , فَحُصِلَ لَهُ الْأَوْثَان أَنْدَادًا , لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاق عِتَاب اللَّه إِيَّاهُمْ لَهُ عَلَى عِبَادَتهَا .|لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ|وَقَوْله : { لِيُضِلّ عَنْ سَبِيله } يَقُول : لِيُزِيلَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَحِّد اللَّه وَيُؤْمِن بِهِ عَنْ تَوْحِيده , وَالْإِقْرَار بِهِ , وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام. وَقَوْله : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِك قَلِيلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِفَاعِلِ ذَلِكَ : تَمَتَّعْ بِكُفْرِك بِاَللَّهِ قَلِيلًا إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِي أَجَلك , فَتَأْتِيك مَنِيَّتك { إِنَّك مِنْ أَصْحَاب النَّار } : أَيْ إِنَّك مِنْ أَهْل النَّار الْمَاكِثِينَ فِيهَا . وَقَوْله : { تَمَتَّعْ بِكُفْرِك } : وَعِيد مِنْ اللَّه وَتَهَدُّد.

إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمَّنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل } </subtitle>اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَمَّنْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّة الْكُوفِيِّينَ : | أَمَنْ | بِتَخْفِيفِ الْمِيم ; وَلِقِرَاءَتِهِمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون الْأَلِف فِي | أَمَّنْ | بِمَعْنَى الدُّعَاء , يُرَاد بِهَا : يَا مَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل , وَالْعَرَب تُنَادِي بِالْأَلِفِ كَمَا تُنَادِي بِيَا , فَتَقُول : أَزَيْد أَقْبِلْ , وَيَا زَيْد أَقْبِلْ ; وَمِنْهُ قَوْل أَوْس بْن حُجْر : <br>أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمْ بِيَدٍ .......... إِلَّا يَد لَيْسَتْ لَهَا عَضُد <br>وَإِذَا وُجِّهَتْ الْأَلِف إِلَى النِّدَاء كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ تَمَتَّعْ أَيّهَا الْكَافِر بِكُفْرِك قَلِيلًا إِنَّك مِنْ أَصْحَاب النَّار , وَيَا مَنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا إِنَّك مِنْ أَهْل الْجَنَّة , وَيَكُون فِي النَّار عَمَى لِلْفَرِيقِ الْكَافِر عِنْد اللَّه مِنْ الْجَزَاء فِي الْآخِرَة , الْكِفَايَة عَنْ بَيَان مَا لِلْفَرِيقِ الْمُؤْمِن , إِذْ كَانَ مَعْلُومًا اِخْتِلَاف أَحْوَالهمَا فِي الدُّنْيَا , وَمَعْقُولًا أَنَّ أَحَدهمَا إِذَا كَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّار لِكُفْرِهِ بِرَبِّهِ أَنَّ الْآخَر مِنْ أَصْحَاب الْجَنَّة , فَحُذِفَ الْخَبَر عَمَّا لَهُ , اِكْتِفَاء بِفَهْمِ السَّامِع الْمُرَاد مِنْهُ مِنْ ذِكْره , إِذْ كَانَ قَدْ دَلَّ عَلَى الْمَحْذُوف بِالْمَذْكُورِ. وَالثَّانِي : أَنْ تَكُون الْأَلِف الَّتِي فِي قَوْله : | أَمَّنْ | أَلِف اِسْتِفْهَام , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : أَهَذَا كَاَلَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلّ عَنْ سَبِيله , ثُمَّ اِكْتَفَى بِمَا قَدْ سَبَقَ مِنْ خَبَر اللَّه عَنْ فَرِيق الْكُفْر بِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ , إِذْ كَانَ مَفْهُومًا الْمُرَاد بِالْكَلَامِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : <br>فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْء أَتَانَا رَسُوله .......... سِوَاك وَلَكِنْ لَمْ نَجِد لَك مَدْفَعَا <br>فَحُذِفَ لَدَفَعْنَاهُ وَهُوَ مُرَاد فِي الْكَلَام إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْد السَّامِع مُرَاده. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة : { أَمَّنْ } بِتَشْدِيدِ الْمِيم , بِمَعْنَى : أَمْ مَنْ هُوَ ؟ وَيَقُولُونَ : إِنَّمَا هِيَ { أَمَّنْ } اِسْتِفْهَام اِعْتَرَضَ فِي الْكَلَام بَعْد كَلَام قَدْ مَضَى , فَجَاءَ بِأَمْ ; فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ يَكُون جَوَاب الِاسْتِفْهَام مَتْرُوكًا مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَدْ جَرَى الْخَبَر عَنْ فَرِيق الْكُفْر , وَمَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَة , ثُمَّ أُتْبِعَ الْخَبَر عَنْ فَرِيق الْإِيمَان , فَعُلِمَ بِذَلِكَ الْمُرَاد , فَاسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِع بِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْره , إِذْ كَانَ مَعْقُولًا أَنَّ مَعْنَاهُ : هَذَا أَفْضَل أَمْ هَذَا ؟. وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء مَعَ صِحَّة كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي التَّأْوِيل وَالْإِعْرَاب , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ , وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِيمَا مَضَى قَبْل فِي مَعْنَى الْقَانِت , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع ; غَيْر أَنَّا نَذْكُر بَعْض أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِيَعْلَم النَّاظِر فِي الْكِتَاب اِتِّفَاق مَعْنَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع وَغَيْره , فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع قِرَاءَة الْقَارِئ قَائِمًا فِي الصَّلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23158 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ عُبَيْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , (أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ الْقُنُوت , قَالَ : لَا أَعْلَم الْقُنُوت إِلَّا قِرَاءَة الْقُرْآن وَطُول الْقِيَام , وَقَرَأَ : { أَمَّنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا } )وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الطَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23159 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { أَمَّنْ هُوَ قَانِت } يَعْنِي بِالْقُنُوتِ : الطَّاعَة , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } [30 25 ]. .. إِلَى { كُلّ لَهُ قَانِتُونَ } [30 26 ]قَالَ : مُطِيعُونَ . )23160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { أَمَّنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا } قَالَ : الْقَانِت : الْمُطِيع . )وَقَوْله : { آنَاء اللَّيْل } يَعْنِي : سَاعَات اللَّيْل , كَمَا : 23161 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَمَّنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل } أَوَّله , وَأَوْسَطه , وَآخِره. )23162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { آنَاء اللَّيْل } قَالَ : سَاعَات اللَّيْل . )وَقَدْ مَضَى بَيَاننَا عَنْ مَعْنَى الْآنَاء بِشَوَاهِدِهِ , وَحِكَايَة أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.|اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ|وَقَوْله : { سَاجِدًا وَقَائِمًا } يَقُول : يَقْنُت سَاجِدًا أَحْيَانًا , وَأَحْيَانًا قَائِمًا , يَعْنِي : يُطِيع ; وَالْقُنُوت عِنْدنَا الطَّاعَة , وَلِذَلِكَ نُصِبَ قَوْله : { سَاجِدًا وَقَائِمًا } لِأَنَّ مَعْنَاهُ : أَمَّنْ هُوَ يَقْنُت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا طَوْرًا , وَقَائِمًا طَوْرًا , فَهُمَا حَال مِنْ قَانِت . وَقَوْله : { يَحْذَر الْآخِرَة } يَقُول : يَحْذَر عَذَاب الْآخِرَة , كَمَا : 23163 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ . قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : ( { يَحْذَر الْآخِرَة } قَالَ : يَحْذَر عِقَاب الْآخِرَة , وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه , يَقُول : وَيَرْجُو أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه فَيُدْخِلهُ الْجَنَّة .)|رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا|وَقَوْله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ فِي طَاعَتهمْ لِرَبِّهِمْ مِنْ الثَّوَاب , وَمَا عَلَيْهِمْ فِي مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ مِنْ التَّبِعَات , وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ , فَهُمْ يَخْبِطُونَ فِي عَشْوَاء , لَا يَرْجُونَ بِحُسْنِ أَعْمَالهمْ خَيْرًا , وَلَا يَخَافُونَ بِسَيِّئِهَا شَرًّا ؟ يَقُول : مَا هَذَانِ بِمُتَسَاوِيَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ فِي ذَلِكَ مَا : 23164 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثني نَصْر بْن مُزَاحِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان الْجُرَيْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي مُجَاهِد , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ ( { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } قَالَ : نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ , وَعَدُوّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .)|يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو|وَقَوْله : { إِنَّمَا يَتَذَكَّر أُولُو الْأَلْبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يَعْتَبِر حُجَج اللَّه , فَيَتَّعِظ , وَيَتَفَكَّر فِيهَا , وَيَتَدَبَّرهَا أَهْل الْعُقُول وَالْحُجَى , لَا أَهْل الْجَهْل وَالنَّقْص فِي الْعُقُول .

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا رَبّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا : { يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ , وَصَدَّقُوا رَسُوله { اِتَّقُوا رَبّكُمْ } بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة } ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لِلَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّه حَسَنَة فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ; وَقَالَ | فِي | مِنْ صِلَة حَسَنَة , وَجُعِلَ مَعْنَى الْحَسَنَة : الصِّحَّة وَالْعَافِيَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23165 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة } قَالَ : الْعَافِيَة وَالصِّحَّة . )وَقَالَ آخَرُونَ | فِي | مِنْ صِلَة أَحْسَنُوا , وَمَعْنَى الْحَسَنَة : الْجَنَّة .|حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ|وَقَوْله : { وَأَرْض اللَّه وَاسِعَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَرْض اللَّه فَسِيحَة وَاسِعَة , فَهَاجِرُوا مِنْ أَرْض الشِّرْك إِلَى دَار الْإِسْلَام , كَمَا : 23166 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَأَرْض اللَّه وَاسِعَة } فَهَاجِرُوا وَاعْتَزِلُوا الْأَوْثَان.)|وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ|وَقَوْله : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يُعْطِي اللَّه أَهْل الصَّبْر عَلَى مَا لَقُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا أَجْرهمْ فِي الْآخِرَة بِغَيْرِ حِسَاب ; يَقُول : ثَوَابهمْ بِغَيْرِ حِسَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23167 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب } لَا وَاَللَّه مَا هُنَاكُم مِكْيَال وَلَا مِيزَان . )23168 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهمْ بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : فِي الْجَنَّة .)

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي أُمِرْت أَنْ أَعْبُد اللَّه مُخْلِصًا لَهُ الدِّين } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك : إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَعْبُدهُ مُفْرِدًا لَهُ الطَّاعَة , دُون كُلّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

{ وَأُمِرْت لِأَنْ أَكُون أَوَّل الْمُسْلِمِينَ } : يَقُول : وَأَمَرَنِي رَبِّي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ , لِأَنْ أَكُون بِفِعْلِ ذَلِكَ أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ , فَخَضَعَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ , وَأَخْلَصَ لَهُ الْعِبَادَة , وَبَرِيء مِنْ كُلّ مَا دُونه مِنْ الْآلِهَة .

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ

وَقَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنِّي أَخَاف إِنْ عَصَيْت رَبِّي عَذَاب عَظِيم } : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ يَا مُحَمَّد لَهُمْ إِنِّي أَخَاف إِنْ عَصَيْت رَبِّي فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ عِبَادَته , مُخْلِصًا لَهُ الطَّاعَة , وَمُفْرَده بِالرُّبُوبِيَّةِ . { عَذَاب يَوْم عَظِيم } : يَعْنِي عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة , ذَلِكَ هُوَ الْيَوْم الَّذِي يَعْظُم هَوْله .

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اللَّه أَعْبُد مُخْلِصًا لَهُ دِينِي } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك : اللَّه أَعْبُد مُخْلِصًا , مُفْرَدًا لَهُ طَاعَتِي وَعِبَادَتِي , لَا أَجْعَل لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكًا , وَلَكِنِّي أُفْرِدهُ بِالْأُلُوهَةِ , وَأَبْرَأ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , فَاعْبُدُوا أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا شِئْتُمْ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ سَائِر خَلْقه , فَسَتَعْلَمُونَ وَبَال عَاقِبَة عِبَادَتكُمْ ذَلِكَ إِذَا لَقِيتُمْ رَبّكُمْ .

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ

يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك : اللَّه أَعْبُد مُخْلِصًا , مُفْرِدًا لَهُ طَاعَتِي وَعِبَادَتِي , لَا أَجْعَل لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكًا , وَلَكِنِّي أُفْرِدهُ بِالْأُلُوهَةِ , وَأَبْرَأ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , فَاعْبُدُوا أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم مَا شِئْتُمْ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ سَائِر خَلْقه , فَسَتَعْلَمُونَ وَبَال عَاقِبَة عِبَادَتكُمْ ذَلِكَ إِذَا لَقِيتُمْ رَبّكُمْ .|قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ|وَقَوْله : { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : إِنَّ الْهَالِكِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ , وَهَلَكَتْ بِعَذَابِ اللَّه أَهْلُوهُمْ مَعَ أَنْفُسهمْ , فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِذْ دَخَلُوا النَّار فِيهَا أَهْل , وَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَهْلُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23169 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هُمْ الْكُفَّار الَّذِينَ خَلَقَهُمْ اللَّه لِلنَّارِ , وَخَلَقَ النَّار لَهُمْ , فَزَالَتْ عَنْهُمْ الدُّنْيَا , وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْجَنَّة , قَالَ اللَّه : { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } [22 11 ])23170 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُو أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل النَّار , خَسِرُوا أَنْفُسهمْ فِي الدُّنْيَا , وَخَسِرُوا الْأَهْلِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا فِي النَّار أَهْلًا , وَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَهْل . )23171 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : (غَبَنُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ , قَالَ : يُخْسِرُونَ أَهْلَيْهِمْ , فَلَا يَكُون لَهُمْ أَهْل يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ , وَيَخْسَرُونَ أَنْفُسهمْ , فَيَهْلِكُونَ فِي النَّار , فَيَمُوتُونَ وَهُمْ أَحْيَاء فَيَخْسِرُونَهُمَا .)|أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ|وَقَوْله : { أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا إِنَّ خُسْرَان هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة , وَذَلِكَ هَلَاكهَا هُوَ الْخُسْرَان الْمُبِين , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هُوَ الْهَلَاك الَّذِي يُبِين لِمَنْ عَايَنَهُ وَعَلِمَهُ أَنَّهُ الْخُسْرَان .

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ مِنْ فَوْقهمْ ظُلَل مِنْ النَّار وَمِنْ تَحْتهمْ ظُلَل } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْخَاسِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم : { مِنْ فَوْقهمْ ظُلَل مِنْ النَّار } وَذَلِكَ كَهَيْئَةِ الظُّلَل الْمَبْنِيَّة مِنْ النَّار { وَمِنْ تَحْتهمْ ظُلَل } يَقُول : وَمِنْ تَحْتهمْ مِنْ النَّار مَا يَعْلُوهُمْ , حَتَّى يَصِير مَا يَعْلُوهُمْ مِنْهَا مِنْ تَحْتهمْ ظُلَلًا , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : { مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } [7 41 ]يَغْشَاهُمْ مِمَّا تَحْتهمْ فِيهَا مِنْ الْمِهَاد .|ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ|وَقَوْله : { ذَلِكَ يُخَوِّف اللَّه بِهِ عِبَاده يَا عِبَاد فَاتَّقُونِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ أَيّهَا النَّاس بِهِ , مِمَّا لِلْخَاسِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْعَذَاب , تَخْوِيف مِنْ رَبّكُمْ لَكُمْ , يُخَوِّفكُمْ بِهِ لِتَحْذَرُوهُ , فَتَجْتَنِبُوا مَعَاصِيه , وَتُنِيبُوا مِنْ كُفْركُمْ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَتَصْدِيق رَسُوله , وَاتِّبَاع أَمْره وَنَهْيه , فَتَنْجُوا مِنْ عَذَابه فِي الْآخِرَة { فَاتَّقُونِ } يَقُول : فَاتَّقُونِي بِأَدَاءِ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيّ , لِتَنْجُوا مِنْ عَذَابِي وَسُخْطِي .

وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ

وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت } : أَيْ اِجْتَنَبُوا عِبَادَة كُلّ مَا عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ شَيْء . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطَّاغُوت فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِد ذَلِكَ , وَذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَذَكَرْنَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الشَّيْطَان , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع وَغَيْره بِمَعْنَى وَاحِد عِنْدنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِع : 23172 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت } قَالَ : الشَّيْطَان . )23173 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا } قَالَ : الشَّيْطَان . )23174 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا } قَالَ : الشَّيْطَان هُوَ هَا هُنَا وَاحِد وَهِيَ جَمَاعَة . )وَالطَّاغُوت عَلَى قَوْل اِبْن زَيْد هَذَا وَاحِد مُؤَنَّث , وَلِذَلِكَ قِيلَ : أَنْ يَعْبُدُوهَا . وَقِيلَ : إِنَّمَا أُنِّثَتْ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى جَمَاعَة .|وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ|وَقَوْله : { وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه } يَقُول : وَتَابُوا إِلَى اللَّه وَرَجَعُوا إِلَى الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَالْبَرَاءَة مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23175 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه } : وَأَقْبَلُوا إِلَى اللَّه. )23176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه } قَالَ : أَجَابُوا إِلَيْهِ .)|لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي|وَقَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى } يَقُول : لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَة { فَبَشِّرْ عِبَاد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل مِنْ الْقَائِلِينَ , فَيَتَّبِعُونَ أَرْشَدَهُ وَأَهْدَاهُ , وَأَدَلَّهُ عَلَى تَوْحِيد اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا يَدُلّ عَلَى رَشَاد , وَلَا يَهْدِي إِلَى سَدَاد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23177 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه } وَأَحْسَنه طَاعَة : اللَّه . )23178 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه } قَالَ : أَحْسَن مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ فَيَعْلَمُونَ بِهِ .)

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل مِنْ الْقَائِلِينَ , فَيَتَّبِعُونَ أَرْشَدَهُ وَأَهْدَاهُ , وَأَدَلَّهُ عَلَى تَوْحِيد اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَيَتْرُكُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الَّذِي لَا يَدُلّ عَلَى رَشَاد , وَلَا يَهْدِي إِلَى سَدَاد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23177- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه } وَأَحْسَنه طَاعَة : اللَّه . )23178 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه } قَالَ : أَحْسَن مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ فَيَعْلَمُونَ بِهِ .)|أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ|وَقَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه , الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه , يَقُول : وَفَّقَهُمْ اللَّه لِلرَّشَادِ وَإِصَابَة الصَّوَاب , لَا الَّذِينَ يُعْرِضُونَ عَنْ سَمَاع الْحَقّ , وَيَعْبُدُونَ مَا لَا يَضُرّ , وَلَا يَنْفَع . وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَاب } يَعْنِي : أُولُوا الْعُقُول وَالْحِجَا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَهْط مَعْرُوفِينَ وَحَّدُوا اللَّه , وَبَرِئُوا مِنْ عِبَادَة كُلّ مَا دُون اللَّه قَبْل أَنْ يُبْعَث نَبِيّ اللَّه , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه يَمْدَحهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23179 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا . .. } الْآيَتَيْنِ , حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي ثَلَاثَة نَفَر كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه : زَيْد بْن عَمْرو , وَأَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ , وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ , نَزَلَ فِيهِمْ : { وَاَلَّذِينَ اِجْتَنَبُوا الطَّاغُوت أَنْ يَعْبُدُوهَا } فِي جَاهِلِيَّتهمْ { وَأَنَابُوا إِلَى اللَّه لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَاد الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنه } لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّه بِغَيْرِ كِتَاب وَلَا نَبِيّ { وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَاب } )

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَّه كَلِمَة الْعَذَاب } </subtitle>يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب } : أَفَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب فِي سَابِق عِلْم رَبّك يَا مُحَمَّد بِكُفْرِهِ بِهِ , كَمَا : 23180 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب } بِكُفْرِهِ .)|أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ|وَقَوْله : { أَفَأَنْت تُنْقِذ مَنْ فِي النَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَأَنْتَ تُنْقِذ يَا مُحَمَّد مِنْ هُوَ فِي النَّار مِنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب , فَأَنْتَ تُنْقِذهُ ; فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ : { تُنْقِذ مَنْ فِي النَّار } عَنْ هَذَا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : هَذَا مِمَّا يُرَاد بِهِ اِسْتِفْهَام وَاحِد , فَيَسْبِق الِاسْتِفْهَام إِلَى غَيْر مَوْضِعه , فَيُرَدّ الِاسْتِفْهَام إِلَى مَوْضِعه الَّذِي هُوَ لَهُ . وَإِنَّمَا الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم : أَفَأَنْت تُنْقِذ مَنْ فِي النَّار مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَة الْعَذَاب . قَالَ : وَمِثْله مِنْ غَيْر الِاسْتِفْهَام : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ } [23 35 ]فَرَدَّدَ | أَنَّكُمْ | مَرَّتَيْنِ . وَالْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم : أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ إِذَا مِتُّمْ ; وَمِثْله قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُتُوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب } [2 188 ]وَكَانَ بَعْضهمْ يَسْتَخْطِئ الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ , وَيَقُول : لَا تَكُون فِي قَوْله : { أَفَأَنْت تُنْقِذ مَنْ فِي النَّار } كِنَايَة عَمَّنْ تَقَدَّمَ , لَا يُقَال : الْقَوْم ضَرَبَتْ مَنْ قَامَ , يَقُول : الْمَعْنَى : أَلِتَجْرِئَة أَفَأَنْت تُنْقِذ مَنْ فِي النَّار مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلِمَة : أَفَأَنْت تَهْدِي يَا مُحَمَّد مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار إِلَى الْإِيمَان , فَتُنْقِذهُ مِنْ النَّار بِالْإِيمَانِ ؟ لَسْت عَلَى ذَلِكَ بِقَادِرٍ .

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ

وَقَوْله : { لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ لَهُمْ غُرَف مِنْ فَوْقهَا غُرَف مَبْنِيَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَحَارِمه , لَهُمْ فِي الْجَنَّة غُرَف مِنْ فَوْقهَا غُرَف مَبْنِيَّة عَلَالِيّ بَعْضهَا فَوْق بَعْض { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَار جَنَّاتهَا الْأَنْهَار . وَقَوْله : { وَعَدَ اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَعَدَنَا هَذِهِ الْغُرَف الَّتِي مِنْ فَوْقهَا غُرَف مَبْنِيَّة فِي الْجَنَّة , هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ { لَا يُخْلِف اللَّه الْمِيعَاد } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه لَا يُخْلِفهُمْ وَعْده , وَلَكِنَّهُ يُوفِي بِوَعْدِهِ .

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء } وَهُوَ الْمَطَر { فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض } يَقُول : فَأَجْرَاهُ عُيُونًا فِي الْأَرْض ; وَاحِدهَا يَنْبُوع , وَهُوَ مَا جَاشَ مِنْ الْأَرْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23181 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : ( { فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض } قَالَ : كُلّ نَدًى وَمَاء فِي الْأَرْض مِنْ السَّمَاء نَزَلَ . )23182 - قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن بَيَان , قَالَ : (ثُمَّ أَنْبَتَ بِذَلِكَ الْمَاء الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاء فَجَعَلَهُ فِي الْأَرْض عُيُونًا زَرْعًا { مُخْتَلِفًا أَلْوَانه } يَعْنِي : أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَة مِنْ بَيْن حِنْطَة وَشَعِير وَسِمْسِم وَأَرُزّ , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَنْوَاع الْمُخْتَلِفَة { ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا } يَقُول : ثُمَّ يَيْبَس ذَلِكَ الزَّرْع مِنْ بَعْد خُضْرَته , يُقَال لِلْأَرْضِ إِذَا يَبِسَ مَا فِيهَا مِنْ الْخَضِر وَذَوِيَ : هَاجَتْ الْأَرْض , وَهَاجَ الزَّرْع . )وَقَوْله : { فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا } يَقُول : فَتَرَاهُ مِنْ بَعْد خُضْرَته وَرُطُوبَته قَدْ يَبِسَ فَصَارَ أَصْفَر , وَكَذَلِكَ الزَّرْع إِذَا يَبِسَ أَصْفَر { ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا } وَالْحُطَام : فُتَات التِّبْن وَالْحَشِيش , يَقُول : ثُمَّ يَجْعَل ذَلِكَ الزَّرْع بَعْد مَا صَارَ يَابِسًا فُتَاتًا مُتَكَسِّرًا .|إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ|وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي فِعْل اللَّه ذَلِكَ كَاَلَّذِي وَصَفَ لَذِكْرَى وَمَوْعِظَة لِأَهْلِ الْعُقُول وَالْحِجَا يَتَذَكَّرُونَ بِهِ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَنْ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِحْدَاث مَا شَاءَ مِنْ الْأَشْيَاء , وَإِنْشَاء مَا أَرَادَ مِنْ الْأَجْسَام وَالْأَعْرَاض , وَإِحْيَاء مَنْ هَلَكَ مِنْ خَلْقه مِنْ بَعْد مَمَاته وَإِعَادَته مِنْ بَعْد فَنَائِهِ , كَهَيْئَتِهِ قَبْل فَنَائِهِ , كَاَلَّذِي فُعِلَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْد مَوْتهَا الْمَاء , فَأَنْبَتَ بِهَا الزَّرْع الْمُخْتَلِف الْأَلْوَان بِقُدْرَتِهِ .

وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَمَنْ فَسَحَ اللَّه قَلْبه لِمَعْرِفَتِهِ , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّتِهِ , وَالْإِذْعَان لِرُبُوبِيَّتِهِ , وَالْخُضُوع لِطَاعَتِهِ { فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه } يَقُول : فَهُوَ عَلَى بَصِيرَة مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَيَقِين , بِتَنْوِيرِ الْحَقّ فِي قَلْبه , فَهُوَ لِذَلِكَ لِأَمْرِ اللَّه مُتَّبِع , وَعَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مُنْتَهٍ فِيمَا يُرْضِيه , كَمَنْ أَقْسَى اللَّه قَلْبه , وَأَخْلَاهُ مِنْ ذِكْره , وَضَيَّقَهُ عَنْ اِسْتِمَاع الْحَقّ , وَاتِّبَاع الْهُدَى , وَالْعَمَل بِالصَّوَابِ ؟ وَتَرَكَ ذِكْر الَّذِي أَقْسَى اللَّه قَلْبه , وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام اِجْتِزَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ الْمُرَاد مِنْ الْكَلَام , إِذْ ذَكَرَ أَحَد الصِّنْفَيْنِ , وَجَعَلَ مَكَان ذِكْر الصِّنْف الْآخَر الْخَبَر عَنْهُ بِقَوْلِهِ : { فَوَيْل لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23183 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه } يَعْنِي : كِتَاب اللَّه , هُوَ الْمُؤْمِن بِهِ يَأْخُذ , وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي . )23184 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : ( { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالَ : وَسَّعَ صَدْره لِلْإِسْلَامِ , وَالنُّور : الْهُدَى . )23185 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد ( { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ } قَالَ : لَيْسَ الْمُنْشَرِح صَدْره مِثْل الْقَاسِي قَلْبه.)|فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ|قَوْله : { فَوَيْل لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَوَيْل لِلَّذِينَ جَفَّتْ قُلُوبهمْ وَنَأَتْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَأَعْرَضَتْ , يَعْنِي عَنْ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ تَعَالَى ذِكْره , مُذَكِّرًا بِهِ عِبَاده , فَلَمْ يُؤْمِن بِهِ , وَلَمْ يُصَدِّق بِمَا فِيهِ . وَقِيلَ : { مِنْ ذِكْر اللَّه } وَالْمَعْنَى : عَنْ ذِكْر اللَّه , فَوَضَعَتْ | مِنْ | مَكَان | عَنْ | , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أُتْخِمْت مِنْ طَعَام أَكَلْته , وَعَنْ طَعَام أَكَلْته بِمَعْنًى وَاحِد .|أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ|وَقَوْله : { أُولَئِكَ فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْقَاسِيَة قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه فِي ضَلَال مُبِين , لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمٍ أَنَّهُ فِي ضَلَال عَنْ الْحَقّ جَائِر .

اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا } يَعْنِي بِهِ الْقُرْآن { مُتَشَابِهًا } يَقُول : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا , لَا اِخْتِلَاف فِيهِ , وَلَا تَضَادَّ , كَمَا : 23186 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الْآيَة تُشْبِه الْآيَة , وَالْحَرْف يُشْبِه الْحَرْف. )23187 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ( { كِتَابًا مُتَشَابِهًا } قَالَ : الْمُتَشَابِه : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا . )23188 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : ( { كِتَابًا مُتَشَابِهًا } قَالَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا , وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا , وَيَدُلّ بَعْضه عَلَى بَعْض .)|مَثَانِيَ|وَقَوْله : { مَثَانِي } يَقُول : تُثْنَى فِيهِ الْأَنْبَاء وَالْأَخْبَار وَالْقَضَاء وَالْأَحْكَام وَالْحُجَج . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23189- حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : ( { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي } قَالَ : ثنى اللَّه فِيهِ الْقَضَاء , تَكُون السُّورَة فِيهَا الْآيَة فِي سُورَة أُخْرَى آيَة تُشْبِههَا , وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَة . )23190 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : ( { كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي } قَالَ : فِي الْقُرْآن كُلّه . )23191 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ( { مَثَانِي } قَالَ : ثنى اللَّه فِيهِ الْفَرَائِض , وَالْقَضَاء , وَالْحُدُود . )23192 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { مَثَانِي } قَالَ : كِتَاب اللَّه مَثَانِي , ثنى فِيهِ الْأَمْر مِرَارًا . )23193 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { مَثَانِي } قَالَ : كِتَاب اللَّه مَثَانِي , ثنى فِيهِ الْأَمْر مِرَارًا . )* حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { مَثَانِي } ثنى فِي غَيْر مَكَان. )23194 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : ( { مَثَانِي } مُرَدَّد , رَدَّدَ مُوسَى فِي الْقُرْآن وَصَالِح وَهُود وَالْأَنْبِيَاء فِي أَمْكِنَة كَثِيرَة .)|تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ|وَقَوْله : { تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَقْشَعِرّ مِنْهُ سَمَاعه إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ جُلُود الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبّهمْ { ثُمَّ تَلِينَ جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه } يَعْنِي إِلَى الْعَمَل بِمَا فِي كِتَاب اللَّه , وَالتَّصْدِيق بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل أَنَّ أَصْحَابه سَأَلُوهُ الْحَدِيث . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23195- حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ عَمْرو الْمَلَئِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , (قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه لَوْ حَدَّثْتنَا ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث } )23196 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَيُّوب بْن سَيَّار أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , قَالَ : قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه , فَذَكَرَ مِثْله .|ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ| { ذَلِكَ هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي يُصِيب هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وُصِفَتْ صِفَتهمْ عِنْد سَمَاعهمْ الْقُرْآن مِنْ اِقْشِعْرَار جُلُودهمْ , ثُمَّ لِينهَا وَلِين قُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ , { هُدَى اللَّه } يَعْنِي : تَوْفِيق اللَّه إِيَّاهُمْ وَفَّقَهُمْ لَهُ { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول : يَهْدِي تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْقُرْآنِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده. وَقَدْ يَتَوَجَّه مَعْنَى قَوْله : { ذَلِكَ هُدَى } إِلَى أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ ذِكْر الْقُرْآن , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : هَذَا الْقُرْآن بَيَان اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء , يُوَفِّق لِلْإِيمَانِ بِهِ مَنْ يَشَاء .|وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ|وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه عَنْ الْإِيمَان بِهَذَا الْقُرْآن وَالتَّصْدِيق بِمَا فِيهِ , فَيُضِلّهُ عَنْهُ , فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ; يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مُوَفِّق لَهُ , وَمُسَدِّد يُسَدِّدهُ فِي اِتِّبَاعه .

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة } </subtitle>اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة اِتِّقَاء هَذَا الضَّالّ بِوَجْهِهِ سُوء الْعَذَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّم مَكْبُوبًا عَلَى وَجْهه , فَذَلِكَ اِتِّقَاؤُهُ إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23197 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( { أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : يَخِرّ عَلَى وَجْهه فِي النَّار , يَقُول : هُوَ مِثْل { أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّار خَيْر أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْم الْقِيَامَة } [41 40 ])وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ أَنْ يُنْطَلَق بِهِ إِلَى النَّار مَكْتُوفًا , ثُمَّ يُرْمَى بِهِ فِيهَا , فَأَوَّل مَا تَمَسّ النَّار وَجْهه ; وَهَذَا قَوْل يُذْكَر عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه كَرِهْت أَنْ أَذْكُرهُ لِضَعْفِ سَنَده ; وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا تُرِكَ جَوَابه اِسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ عَنْهُ . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة خَيْر , أَمْ مَنْ يَنْعَم فِي الْجِنَان ؟ .|وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ|وَقَوْله : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } يَقُول : وَيُقَال يَوْمئِذٍ لِلظَّالِمِينَ أَنْفُسهمْ بِإِكْسَابِهِمْ إِيَّاهَا سُخْط اللَّه . ذُوقُوا الْيَوْم أَيّهَا الْقَوْم وَبَال مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَكْسِبُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه .

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ

وَقَوْله : { كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ مَضَوْا فِي الدُّهُور الْخَالِيَة رُسُلهمْ { فَأَتَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : فَجَاءَهُمْ عَذَاب اللَّه مِنْ الْمَوْضِع الَّذِي لَا يَشْعُرُونَ : أَيْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَجِيئِهِ مِنْهُ .

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَذَاقَهُمْ اللَّه الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَعَذَاب الْأَخِرَة أَكْبَر لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَجَّلَ اللَّه لِهَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلهمْ الْهَوَان فِي الدُّنْيَا , وَالْعَذَاب قَبْل الْآخِرَة , وَلَمْ يُنْظِرهُمْ إِذْ عَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ { وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَكْبَر } يَقُول : وَلَعَذَاب اللَّه إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَة إِذَا أَدْخَلَهُمْ النَّار , فَعَذَّبَهُمْ بِهَا , أَكْبَر مِنْ الْعَذَاب الَّذِي عَذَّبَهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا , لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ; يَقُول : لَوْ عَلِمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش ذَلِكَ .

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مِثْل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ مَثَّلْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مِنْ كُلّ مَثَل مِنْ أَمْثَال الْقُرُون لِلْأُمَمِ الْخَالِيَة , تَخْوِيفًا مِنَّا لَهُمْ وَتَحْذِيرًا { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يَقُول : لِيَتَذَكَّرُوا فَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ .

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

وَقَوْله : { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل قُرْآنًا عَرَبِيًّا { غَيْر ذِي عِوَج } يَعْنِي : ذِي لَبْس , كَمَا : 23198 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ( { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْر ذِي عِوَج } : غَيْر ذِي لَبْس . )وَنُصِبَ قَوْله : { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله : هَذَا الْقُرْآن , لِأَنَّ الْقُرْآن مَعْرِفَة , وَقَوْله { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } نَكِرَة.|لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ|وَقَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يَقُول : جَعَلْنَا قُرْآنًا عَرَبِيًّا إِذْ كَانُوا عَرَبًا , لِيَفْهَمُوا مَا فِيهِ مِنْ الْمَوَاعِظ , حَتَّى يَتَّقُوا مَا حَذَّرَهُمْ اللَّه فِيهِ مِنْ بَأْسه وَسَطْوَته , فَيُنِيبُوا إِلَى عِبَادَته وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لَهُ , وَيَتَبَرَّءُوا مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة .

صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } </subtitle>يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَثَّلَ اللَّه مَثَلًا لِلْكَافِرِ بِاَللَّهِ الَّذِي يَعْبُد آلِهَة شَتَّى , وَيُطِيع جَمَاعَة مِنْ الشَّيَاطِين , وَالْمُؤْمِن الَّذِي لَا يَعْبُد إِلَّا اللَّه الْوَاحِد , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لِهَذَا الْكَافِر رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء . يَقُول : هُوَ بَيْن جَمَاعَة مَالِكِينَ مُتَشَاكِسِينَ , يَعْنِي مُخْتَلِفِينَ مُتَنَازِعِينَ , سَيِّئَة أَخْلَاقهمْ , مِنْ قَوْلهمْ : رَجُل شَكِس : إِذَا كَانَ سَيِّئ الْخُلُق , وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَسْتَخْدِمهُ بِقَدْرِ نَصِيبه وَمُلْكه فِيهِ , وَرَجُلًا مُسْلِمًا لِرَجُلٍ , يَقُول : وَرَجُلًا خُلُوصًا لِرَجُلٍ يَعْنِي الْمُؤْمِن الْمُوَحِّد الَّذِي أَخْلَصَ عِبَادَته لِلَّهِ , لَا يَعْبُد غَيْره وَلَا يَدِين لِشَيْءٍ سِوَاهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَرَجُلًا سَلَمًا } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَالْبَصْرَة : | وَرَجُلًا سَالِمًا | وَتَأَوَّلُوهُ بِمَعْنَى : رَجُلًا خَالِصًا لِرَجُلٍ . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس . 23199 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَهَا : ( سَالِمًا لِرَجُلٍ | يَعْنِي بِالْأَلِفِ , وَقَالَ : لَيْسَ فِيهِ لِأَحَدٍ شَيْء . )وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } بِمَعْنَى : صُلْحًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب ; وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَم مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَلِمَ فُلَان لِلَّهِ سَلَمًا بِمَعْنَى : خَلَصَ لَهُ خُلُوصًا , تَقُول الْعَرَب : رَبِحَ فُلَان فِي تِجَارَته رِبْحًا وَرَبَحًا , وَسَلِمَ سِلْمًا وَسَلَمًا وَسَلَامَة , وَأَنَّ السَّالِم مِنْ صِفَة الرَّجُل , وَسَلَم مَصْدَر مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا الَّذِي تَوَهَّمَهُ مَنْ رَغِبَ مِنْ قِرَاءَة ذَلِكَ سَلَمًا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ صُلْحًا , فَلَا وَجْه لِلصُّلْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ صِفَة الْآخَر , إِنَّمَا تَقَدَّمَ بِالْخَبَرِ عَنْ اِشْتَرَاك جَمَاعَة فِيهِ دُون الْخَبَر عَنْ حَرْبه بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاء , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون الْخَبَر عَنْ مُخَالِفه بِخُلُوصِهِ لِوَاحِدٍ لَا شَرِيك لَهُ , وَلَا مَوْضِع لِلْخَبَرِ عَنْ الْحَرْب وَالصُّلْح فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23200- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : ( رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَالِمًا لِرَجُلٍ | قَالَ : هَذَا مِثْل إِلَه الْبَاطِل وَإِلَه الْحَقّ . )23201 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : ( { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ } قَالَ : هَذَا الْمُشْرِك تَتَنَازَعهُ الشَّيَاطِين , لَا يُقِرّ بِهِ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ | وَرَجُلًا سَالِمًا لِرَجُلٍ | قَالَ : هُوَ الْمُؤْمِن أَخْلَصَ الدَّعْوَة وَالْعِبَادَة . )23202 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : ( { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ } إِلَى قَوْله : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } قَالَ : الشُّرَكَاء الْمُتَشَاكِسُونَ : الرَّجُل الَّذِي يَعْبُد آلِهَة شَتَّى كُلّ قَوْم يَعْبُدُونَ إِلَهًا يَرْضَوْنَهُ وَيَكْفُرُونَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْآلِهَة , فَضَرَبَ اللَّه هَذَا الْمَثَل لَهُمْ , وَضَرَبَ لِنَفْسِهِ مَثَلًا , يَقُول : رَجُلًا سَلِمَ لِرَجُلٍ يَقُول : يَعْبُدُونَ إِلَهًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. )23203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : ( { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ } قَالَ : مَثَل لِأَوْثَانِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ . )23204 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : ( { ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَالِمًا لِرَجُلٍ } قَالَ : أَرَأَيْت الرَّجُل الَّذِي فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ كُلّهمْ سَيِّئ الْخُلُق , لَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِد إِلَّا تَلْقَاهُ آخِذًا بِطَرَف مِنْ مَال لِاسْتِخْدَامِهِ أَسَوَاء هُمْ وَاَلَّذِي لَا يَمْلِكهُ إِلَّا وَاحِد , فَإِنَّمَا هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْآلِهَة , وَجَعَلُوا لَهَا فِي أَعْنَاقهمْ حُقُوقًا , فَضَرَبَهُ اللَّه مَثَلًا لَهُمْ , وَلِلَّذِي يَعْبُدهُ وَحْده { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } وَفِي قَوْله : | وَرَجُلًا سَالِمًا لِرَجُلٍ | يَقُول : لَيْسَ مَعَهُ شِرْك.)|هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا|وَقَوْله : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلْ يَسْتَوِي مِثْل هَذَا الَّذِي يَخْدُم جَمَاعَة شُرَكَاء سَيِّئَة أَخْلَاقهمْ مُخْتَلِفَة فِيهِ لِخِدْمَتِهِ مَعَ مُنَازَعَته شُرَكَاءَهُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَخْدُم وَاحِدًا لَا يُنَازِعهُ فِيهِ مُنَازِع إِذَا أَطَاعَهُ عُرِفَ لَهُ مَوْضِع طَاعَته وَأَكْرَمه , وَإِذَا أَخْطَأَ صَفَحَ لَهُ عَنْ خَطَئِهِ , يَقُول : فَأَيّ هَذَيْنِ أَحْسَن حَالًا وَأَرْوَح جِسْمًا وَأَقَلّ تَعَبًا وَنَصَبًا ؟ كَمَا : 23205 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ( { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : مَنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ خَيْر , أَمْ مَنْ لَمْ يَخْتَلِف فِيهِ ؟ .)|الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ|وَقَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ } يَقُول : الشُّكْر الْكَامِل , وَالْحَمْد التَّامّ لِلَّهِ وَحْده دُون كُلّ مَعْبُود سِوَاهُ . وَقَوْله : { بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا يَسْتَوِي هَذَا الْمُشْتَرِك فِيهِ , وَاَلَّذِي هُوَ مُنْفَرِد مُلْكه لِوَاحِدٍ , بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ , فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ بِذَلِكَ يَعْبُدُونَ آلِهَة شَتَّى مِنْ دُون اللَّه . وَقِيلَ : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا } وَلَمْ يَقُلْ : مِثْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا كِلَاهُمَا ضَرْبًا مَثَلًا وَاحِدًا , فَجَرَى الْمَثَل بِالتَّوْحِيدِ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلْنَا اِبْن مَرْيَم وَأُمَّهُ } آيَة [23 50 ]إِذْ كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا فِي الْآيَة . وَاَللَّه أَعْلَم .


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس