islamkingdomfaceBook islamkingdomtwitter islamkingdominstagram islamkingdomyoutube islamkingdomnew

الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
11802

21-الأنبياء

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ

{اقترب للناس} يعني: أهل مكة {حسابهم} وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم. يعني: القيامة {وهم في غفلة} عن التاهب لذلك {معرضون} عن الإيمان.

مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ

{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} يعني: ما يحدث الله تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظمهم به {إلا استمعوه وهم يلعبون} يستهزئون به.

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ

{لاهية} غافلة {قلوبهم وأسروا النجوى} قالوا سرا فيما بينهم {الذين ظلموا} أشركوا، وهو أنهم قالوا: {هل هذا} يعنون محمدا {إلا بشر مثلكم} لحم ودم {أفتأتون السحر} يريدون: إن القرآن سحر {وأنتم تبصرون} أنه سحر، فلما أطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا السر الذي قالوه، أخبر أنه يعلم القول في السماء والأرض بقوله:

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

{قال ربي يعلم القول} أي: ما يقال {في السماء والأرض وهو السميع} للأقوال {العليم} بالأفعال، ثم أخبر أن المشركين اقتسموا القول في القرآن، وأخذوا ينقضون أقوالهم بعضها ببعض، فيقولون مرة:

بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ

{أضغاث أحلام} أي: أباطيلها. يعنون انه يرى ما يأتي به في النوم رؤيا باطلة، ومرة هو مفترى، ومرةً هو شعر، ومحمد شاعر {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون} بالآيات، مثل: الناقة، والعصا، واليد، فاقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال إذا كذب بها، فقال الله تعالى:

مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ

{ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها} بالآيات التي اقترحوها {أفهم يؤمنون} يريد: إن اقتراح الآيات كان سبباً للعذاب والاستئصال للقرون الماضية، وكذلك يكون لهؤلاء.

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} ردا لقولهم {هل هذا إلا بشر مثلكم}. {فاسألوا} يا أهل مكة {أهل الذكر} من آمن من أهل الكتاب {إن كنتم لا تعلمون} أن الرسل بشر.

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ

{وما جعلناهم} أي: الرسل {جسدا} أي: أجسادا {لا يأكلون الطعام} وهذا رد لقولهم: { مال هذا الرسول يأكل الطعام} فأعملوا أن الرسل جميعاً كانوا يأكلون الطعام، وأنهم يموتون، وهو قوله: {وما كانوا خالدين}.

ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ

{ثم صدقناهم الوعد} ما وعدناهم من عذاب من كفر بهم، وإنجائهم مع من تابعهم، وهو قوله: {فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين} المشركين.

لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

{لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش {كتابا فيه ذكركم} شرفكم {أفلا تعقلون} ما فضلتكم به على غيركم؟

وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ

{وكم قصمنا} أهلكنا {من قرية كانت ظالمة} يعني: إن أهلها كانوا كفارا {وأنشأنا} أحدثنا {بعدها} بعد إهلاك أهلها { قوماً آخرين} نزلت في أهل قرى باليمن كذبوا نبيهم وقتلوه، فسلط الله سبحانه عليهم بختنصر حتى أهلكهم بالسيف، فذلك قوله:

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ

{فلما أحسوا بأسنا} رأوا عذابنا {إذا هم منها} من قريتهم {يركضون} يسرعون هاربين. وتقول لهم الملائكة:

لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ

{لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} نعمتم فيه {لعلكم تسألون} من دنياكم شيئاً. قالت الملائكة لهم هذا على سبيل الاستهزاء بهم، كأنهم قيل لهم: ارجعوا إلى ما كنتم فيه من المال والنعمة لعلكم تسألون، فإنكم أغنياء تملكون المال، فلما رأوا ذلك أقروا على أنفسهم حيث لم ينفعهم، فقالوا:

قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ

{يا ويلنا إنا كنا ظالمين} لأنفسنا بتكذيب الرسل.

فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ

{فما زالت} هذه المقالة {دعواهم} يدعون بها، ويقولون: يا ويلنا {حتى جعلناهم حصيدا} بالسيوف كما يحصد الزرع {خامدين} ميتين.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ

{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} عبئاً وباطلاً، أي: ما خلقتهما إلا لأجازي أوليائي، وأعذب أعدائي.

لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ

{لو أردنا أن نتخذ لهوا} امرأةً. وقيل: ولداً {لاتخذناه من لدنا} بحيث لا يظهر لكم، ولا تطلعون عليه {إن كنا فاعلين} ما كنا فاعلين، ولسنا من يفعله.

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ

{بل نقذف بالحق على الباطل} نلقي القرآن على باطلهم {فيدمغه} فيذهبه ويكسره {فإذا هو زاهق} ذاهب {ولكم الويل} ما معشر الكفار {مما تصفون} الله تعالى بما لا يليق به.

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ

{وله من في السماوات والأرض} عبيدا وملكا {ومن عنده} يعني: الملائكة {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} لا يملون ولا يعيون.

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ

{يسبحون الليل والنهار لا يفترون} لا يضعفون.

أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ

{أم اتخذوا آلهةً من الأرض} يعني: الأصنام {هم ينشرون} يحيون الأموات والمعنى: أنتشر آلهتهم التي اتخذوها ؟

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ

{لو كان فيهما} في السماء والأرض {آلهة إلا الله} غير الله {لفسدتا} لخربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بين الآلهة.

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ

{ لا يسأل عما يفعل} عن حكمه في عباده {وهم يسألون} عما عملوا سؤال توبيخ.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ

{أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم} حجتكم على أن مع الله تعالى معبودا غيره. {هذا ذكر من معي} يعني: القرآن {وذكر من قبلي} يعني: التوراة والإنجيل، فهل في واحد من هذه الكتب إلا توحيد سبحانه وتعالى؟ {بل أكثرهم لا يعلمون الحق} فلا يتأملون حجة التوحيد، وهو قوله: {فهم معرضون}

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ

{وما أرسلنا من قبلك من رسول} الآية. يريد: لم يبعث رسول إلا بتوحيد الله سبحانه، ولم يأت رسول أمته بأن لهم إلها غير الله.

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ

{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} يعني:الذين قالوا: الملائكة بنات الله، والمعنى: وقالوا: اتخذ الرحمن ولداً من الملائكة {سبحانه} ثم نزه نفسه عما يقولون {بل} هم {عباد مكرمون} يعني: الملائكة مكرمون بإكرام الله إياهم.

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ

{لا يسبقونه بالقول} لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به {وهم بأمره يعملون}.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ

{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} ما علموا، وما هم عاملون {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} لمن قال: لا إله إلا الله {وهم من خشيته مشفقون} خائفون، لأنهم لا يأمنون مكر الله.

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ

{ومن يقل منهم} من الملائكة {إني إله من دونه} من دون الله تعالى {فذلك نجزيه جهنم} يعني: إبليس حيث ادعى الشركة في العبادة، ودعا إلى عبادة نفسه {كذلك نجزي الظالمين} المشركين الذين يعبدون غير الله تعالى.

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ

{أولم ير} أولم يعلم {الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا} مسدودة {ففتقناهما} بالماء والنبات، كانت السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، ففتحهما الله سبحانه بالمطر والنبات {وجعلنا من الماء} وخلقنا من الماء {كل شيء حي} يعني: إن جميع الحيوانات مخلوقة من الماء، كقوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} ثم بكتهم على ترك الإيمان، فقال: {أفلا يؤمنون}. وقوله:

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ

{وجعلنا فيها} في الرواسي {فجاجا سبلا} طرقا مسلوكة يهتدوا.

وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ

{وجعلنا السماء سقفا محفوظا} بالنجوم من الشياطين {وهم عن آياتها} شمسها وقمرها ونجومها {معرضون} لا يتفكرون فيها. وقوله:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ

{كل في فلك يسبحون} يجرون ويسيرون، والفلك: مدار النجوم.

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ

{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} دوام البقاء {أفإن مت فهم الخالدون} نزل حين قالوا: {نتربص به ريب المنون}. وقوله:

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ

{ونبلوكم} نختبركم {بالشر} بالبلايا والفقر {والخير} المال والصحة {فتنة} ابتلاء لننظر كيف شكركم وصبركم.

وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ

{وإذا رآك الذين كفروا} يعني: المستهزئين {إن يتخذونك} ما يتخذونك {إلا هزوا} مهزوءاً به، قالوا: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} يعيب أصنامكم {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} جاحدون إلهيته، يريد أنهم يعيبون من جحد إليهة أصنامهم وهم جاحدون إليهة الرحمن،وهذا غاية الجهل.

خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

{خلق الإنسان من عجل} يريد: إن خلقته على العجلة، وعليها طبع {سأريكم آياتي} يعني: ما توعدون به من العذاب {فلا تستعجلون}.

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

{ويقولون متى هذا الوعد} وعد القيامة.

لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ

{لو يعلم الذين كفروا} الآية. وجواب لو محذوف، على تقدير: لآمنوا ولما أقاموا على الكفر.

بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ

{بل تأتيهم} القيامة {بغتة} فجأة {فتبهتهم} تحيرهم.

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ

{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} .

قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ

{قل من يكلؤكم} يحفظكم {بالليل والنهار من الرحمن} إن أنزل بكم عذابه {بل هم عن ذكر ربهم} كتاب ربهم {معرضون}.

أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ

{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم} فكيف تنصرهم وتمنعهم؟! {ولا هم منا يصحبون} لا يجارون من عذابنا.

بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ

{بل متعنا هؤلاء} الكفار {وآباءهم حتى طال عليهم العمر} أي: متعناهم بما أعطيناهم من الدنيا زماناً طويلاً، فقست قلوبهم {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } بالفتح على محمد صلى الله عليه وسلم {أفهم الغالبون} أم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ

{قل إنما أنذركم} أخوفكم {بالوحي} بالقرآن الذي أوحي إلي، وأمرت فيه بإنذاركم {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} كذلك أنتم يا معشر المشركين.

وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ

{ولئن مستهم} أصابتهم {نفحة من عذاب ربك} قليل وأدنى شيء لأقروا على أنفسهم بسوء صنيعهم، وهو قوله: {ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين}.

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ

{ونضع الموازين القسط } ذوات القسط، أي: العدل {فلا تظلم نفس شيئا} لا يزاد على سيئاته ولا ينقص من ثواب حسناته {وإن كان} ذلك الشيء {مثقال حبة} وزن حبة {من خردل أتينا بها} جئنا بها {وكفى بنا حاسبين} مجازين، وفي هذا تهديد.

وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ

{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} البرهان الذي فرق به بين حقه وباطل فرعون. {وضياء} يعني: التوراة الذي كان ضياءً، يضيء هدى ونوراً {وذكرا} وعظة {للمتقين}من قومه.

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ

{الذين يخشون ربهم بالغيب} يخافونه ولم يروه.

وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ

{وهذا ذكر مبارك} يعني: القرآن {أفأنتم له منكرون} جاحدون.

وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ

{ولقد آتينا إبراهيم رشده} هداه وتوفيقه {من قبل} من قبل موسى وهارون {وكنا به عالمين} أنه أهل لما آتيناه.

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ

{إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل} الأصنام {التي أنتم لها عاكفون} على عبادتها مقيمون!.

قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ

{قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} فاقتدينا بهم.

قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

{قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين}.

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ

{قالوا أجئتنا بالحق} يعنون: أجاد أنت فيما تقول أم لاعب؟

قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ

{قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين} أي: أشهد على أنه خالقها.

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ

{وتالله لأكيدن أصنامكم} لأمركن بها {بعد أن تولوا مدبرين} قال ذلك في يوم عيد لهم، وهم يذهبون إلى الموضع الذي يجتمعون فيه.

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ

{فجعلهم جذاذا} حطاماً ودقاقاً {إلا كبيرا لهم} عظيم الآلهة فإنه لم يكسره {لعلهم إليه} إلى إبراهيم ودينه {يرجعون} إذا قامت الحجة عليهم، فلما انصرفوا.

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ

{قالوا من فعل هذا بآلهتنا}ت الآية. قال الذين سمعوا قوله: {لأكيدن أصنامكم}.

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ

{سمعنا فتى يذكرهم} يعيبهم {قال له إبراهيم}.

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ

{قالوا فاتوا به على أعين الناس } على رؤوس الناس بمرأى منهم {لعلهم يشهدون} عليه أنه الذي فعل ذلك، وكرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فلما أتوا به،

قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ

{قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}.

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ

{قال بل فعله كبيرهم هذا} غضب من أن يعبدوا معه الصغار، وأراد إقامة الحجة عليهم {فاسألوهم } من فعل بهم هذا {إن كانوا ينطقون}ت إن قدروا على النطق.

فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ

{فرجعوا إلى أنفسهم} تفكروا ورجعوا إلى عقولهم {فقالوا إنكم أنتم الظالمون} هذا الرجل بسؤالكم إياه، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها.

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ

{ثم نكسوا على رؤوسهم } أطرقوا لما لحقهم من الخجل، وأقروا بالحجة عليهم فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} فلما اتجهت الحجة عليهم قال إبراهيم:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ

{أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم}.

أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

{أف لكم} أي: نتناً لكم، فلما عجوا عن الجواب.

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ

{قالوا حرقوه} بالنار {وانصروا آلهتكم} بإهلاك من يعيبها {إن كنتم فاعلين} أمراً في إهلاكه، فلما ألقوه في النار.

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ

{قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} ذات برد وسلامة، لا يكون فيها برد مضر، ولا حر مؤذ.

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ

{وأرادوا به} بإبراهيم {كيدا} مكراً في إهلاكه {فجعلناهم الأخسرين} حين لم يرتفع مرادهم في الدنيا، ووقعوا في العذاب في الآخرة.

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ

{ونجيناه} من نمروذ وقومه {ولوطا} ابن أخيه {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وهي الشام، وذلك أنه خرج مهاجراً من أرض العراق إلى الشام.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ

{ووهبنا له إسحاق} ولداً لصلبه {ويعقوب نافلة} ولد الولد {وكلا جعلنا صالحين} يعني: هؤلاء الثلاثة.

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ

{وجعلناهم أئمة} يقتدى بهم في الخير {يهدون} يدعون الناس إلى ديننا {بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات} أن يفعلوا الطاعات، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة

وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ

{ولوطا آتيناه حكما} فصلا بين الخصوم بالحق {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} يعني: أهلها، كانوا يأتون الذكران في أدبارهم.

وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ

{وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين}.

وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

{ونوحا إذ نادى من قبل} من قبل إبراهيم {فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} الغم الذي كان فيه من أذى قومه.

وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ

{ونصرناه} منعناه من أن يصلوا إليه بسوء. وقوله:

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ

{إذ يحكمان في الحرث} قيل: كان ذلك زرعاً. وقيل: كان كرماً {إذ نفشت} رعت ليلاً {فيه غنم القوم} بلا راع {وكنا لحكمهم شاهدين} لم يغب عن علمنا.

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ

{ففهمناها سليمان} ففهمنا القضية سليمان دون داود عليهما السلام، وذلك أن داود حكم لأهل الحرث برقاب الغنم، وحكم سليمان بمنافعهم إلى أن يعود الحرث كما كان. {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} يجاوبنه بالتسبيح {و} كذلك {الطير وكنا فاعلين} ذلك.

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ

{وعلمناه صنعة لبوس لكم} علم ما يلبسونه من الذروع {لتحصنكم} لتحرزكم {من بأسكم} من حربكم {فهل أنتم شاكرون} نعمتنا عليكم؟

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ

{ولسليمان الريح} وسخرنا له الريح {عاصفة} شديدة الهبوب {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} يعني: الشام، وكان منزل سليمان عليه السلام بها.

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ

{ومن الشياطين} وسخرنا له من الشياطين {من يغوصون له} يدخلون تحت الماء لاستخراج جواهر البحر {ويعملون عملا دون ذلك} سوى الغوص {وكنا لهم حافظين} من أن يفسدوا ما عملوا، وليبصروا تحت أمره.

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

{وأيوب إذ نادى ربه} دعا ربه { أني مسني الضر} أصابني الجهد. وقوله:

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ

{وآتيناه أهله ومثلهم معهم} وهو أن الله تعالى أحيا من أمات من بنيه وبناته، ورزقه مثلهم من الولد {رحمة} نعمةً {من عندنا وذكرى للعابدين} عظةً لهم ليعلموا بذلك كما قدرتنا. وقوله:

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ

{وذا الكفل} هو رجل من بني إسررئيل تكفل بخلافة نبي في أمته، فقام بذلك .

وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ

قال تعالى { وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين }.

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

{وذا النون} وذاكر صاحب الحوت ، وهو يونس عليه السلام {إذ ذهب } من بين قومه {مغاضبا} لهم قبل أمرنا له بذلك {فظن أن لن نقدر عليه} أن لن نقضي عليه ما قضينا من حبسه في بطن الحوت {فنادى في الظلمات} ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} حيث غاضبت قومي وخرجت من بينهم قبل الإذن.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

{وكذلك} وكما نجيناه {ننجي المؤمنين} من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا. وقوله:

وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ

{لا تذرني فردا} أي: وحيداً لا ولد لي ولا عقب، {وأنت خير الوارثين} خير من يبقى بعد من يموت. وقوله:

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ

{وأصلحنا له زوجه } بأن جعلناها ولوداً بعد أن صارت عقيماً {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} يبادرون في عمل الطاعات {ويدعوننا رغبا} في رحمتنا {ورهبا} من عذابنا {وكانوا لنا خاشعين} عابدين في تواضع.

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ

{والتي أحصنت} واذكر التي منعت {فرجها} من الحرام {فنفخنا فيها من روحنا} أمرنا جبريل عليه السلام حتى نفخ في جيب درعها، والمعنى: أجرينا فيها روح المسيح المخلوقة لنا {وجعلناها وابنها آية للعالمين} دلالةً لهم على كمال قدرتنا، وكانت الآية فيهما جميعاً واحدةً، لذلك وحدت.

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ

{إن هذه أمتكم} دينكم وملتكم {أمة واحدة} ملة واحة وهي الإسلام.

وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ

{وتقطعوا أمرهم بينهم} اختلفوا في الدين فصاروا فرقاً {كل إلينا راجعون} فنجزيهم بأعمالهم.

فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ

{فمن يعمل من الصالحات} الطاعات {وهو مؤمن} مصدق بمحمد عليه السلام {فلا كفران لسعيه} لا نبطل عمله بل نثيبه {وإنا له كاتبون} ما عمل حتى نجازيه.

وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ

{وحرام على قرية} يعني: قريةً كافرةً {أهلكناها} أهلكناها بعذاب الاستئصال أن يرجعوا إلى الدنيا، و لا زائدة في الآية، ومعنى حرام عليهم أنهم ممنوعون من ذلك، لأن الله تعالى قضى على من أهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة.

حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ

{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} من سدها {وهم من كل حدب} نشر وتل {ينسلون} ينزلون مسرعين.

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ

{واقترب الوعد الحق} يعني: القيامة، والواو زائدة، لأن اقترب جواب حتى. {فإذا هي شاخصة} ذاهبة لا تكاد تطرف من هول ذلك اليوم. يقولون {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا} في الدنيا عن هذا اليوم {بل كنا ظالمين} بالشرك وتكذيب الرسل.

إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ

{إنكم} أيها المشركون {وما تعبدون من دون الله} يعني: الأصنام {حصب جهنم} وقودها {أنتم لها واردون} فيها داخلون.

لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ

{لو كان هؤلاء} الأصنام {آلهة} على الحقيقة ما دخلوا النار {وكل} من العابدين والمعبودين في النار {خالدون}.

لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ

{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} السعادة والرحمة {أولئك عنها} عن النار {مبعدون}.

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ

{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}.

لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ

{لا يسمعون حسيسها} صوتها.

لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ

{لا يحزنهم الفزع الأكبر} يعني: الإطباق على النار. وقيل: ذبح الموت بمرأى من الفريقين {وتتلقاهم الملائكة} تستقبلهم فيقولون لهم {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} للثواب ودخلوا الجنة.

يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ

{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} وهو ملك يطوي بني آدم. وقيل: السجل: الصحيفة، والمعنى: كطي السجل على ما فيه من المكتوب. {كما بدأنا أول خلق نعيده} كما خلقناكم ابتداءً حفاةً عراةً غرلاً، كذلك نعيدهم يوم القيامة {وعدا علينا} أي: وعدناه وعداً {إنا كنا فاعلين} يعني: الإعادة والبعث.

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ

{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قيل: في الكتب المنزلة بعد التوراة. وقيل: أراد بالذكر اللوح المحفوظ. {أن الأرض} يعني: أرض الجنة {يرثها عبادي الصالحون} وقيل: أرض الدنيا تصير للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ

{إن في هذا} القرآن {لبلاغا} لوصولاً إلى البغية {لقوم عابدين} مطيعين لله تعالى.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} للبر والفاجر، فمن أطاعه عجلت له الرحمة، ومن عصاه وكذبه لم يحلقه العذاب في الدنيا، كما لحق الأمم المكذبة.

قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

{قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ

{فإن تولوا} عن الإسلام {فقل آذنتكم على سواء } أعلمتكم بما يوحى إلي على سواء لتستووا في ذلك، يريد: لم أظهر لبعضكم شيئاً كتمته عن غيره. {وإن أدري} ما أعلم {أقريب أم بعيد ما توعدون} يعني: القيامة.

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ

{إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون}.

وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ

{وإن أدري لعله}ت لعل تأخير العذاب عنكم {فتنة} اختبار لكم {ومتاع إلى حين} إلى حين الموت.

قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

{قال رب احكم بالحق} اقض بيني وبين أهل مكة بالحق، أمر أن يقول كما قالت الرسل قبله من قولهم: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق}. {وربنا} أي: وقل ربنا {الرحمن المستعان على ما تصفون} من كذبكم وباطلكم.


1-الفاتحة 2-البقرة 3-آل-عمران 4-النساء 5-المائدة 6-الأنعام 7-الأعراف 8-الأنفال 9-التوبة 10-يونس 11-هود 12-يوسف 13-الرعد 14-إبراهيم 15-الحجر 16-النحل 17-الإسراء 18-الكهف 19-مريم 20-طه 21-الأنبياء 22-الحج 23-المؤمنون 24-النور 25-الفرقان 26-الشعراء 27-النمل 28-القصص 29-العنكبوت 30-الروم 31-لقمان 32-السجدة 33-الأحزاب 34-سبأ 35-فاطر 36-يس 37-الصافات 38-ص 39-الزمر 40-غافر 41-فصلت 42-الشورى 43-الزخرف 44-الدخان 45-الجاثية 46-الأحقاف 47-محمد 48-الفتح 49-الحجرات 50-ق 51-الذاريات 52-الطور 53-النجم 54-القمر 55-الرحمن 56-الواقعة 57-الحديد 58-المجادلة 59-الحشر 60-الممتحنة 61-الصف 62-الجمعة 63-المنافقون 64-التغابن 65-الطلاق 66-التحريم 67-الملك 68-القلم 69-الحاقة 70-المعارج 71-نوح 72-الجن 73-المزمل 74-المدثر 75-القيامة 76-الإنسان 77-المرسلات 78-النبأ 79-النازعات 80-عبس 81-التكوير 82-الانفطار 83-المطففين 84-الانشقاق 85-البروج 86-الطارق 87-الأعلى 88-الغاشية 89-الفجر 90-البلد 91-الشمس 92-الليل 93-الضحى 94-الشرح 95-التين 96-العلق 97-القدر 98-البينة 99-الزلزلة 100-العاديات 101-القارعة 102-التكاثر 103-العصر 104-الهمزة 105-الفيل 106-قريش 107-الماعون 108-الكوثر 109-الكافرون 110-النصر 111-المسد 112-الإخلاص 113-الفلق 114-الناس